استراتيجية أميركا في مواجهة حركة الشباب: الثابت والمتغير

لا يمكن لأي استراتيجيات أميركية تستهدف تصفية حركة الشباب تعويضُ دور الجيش الصومالي الذي بات بناؤه ضروريًّا لفرض الأمن. ويبدو أن مستقبل الصراع بين واشنطن وحركة الشباب آخذٌ في التزايد في ظل انعدام رؤية صومالية أمنية مما يعني تراجع التفكير في بناء جيش وطني.
84a5c823d6c94db3b238729be4a06af9_18.jpg
حركة الشباب تشن عمليات عسكرية ضد الحكومة الصومالية منذ 2007 (الجزيرة)

مقدمة 

مضى عقد من الزمن، ولا تزال حركة الشباب الصومالية تمثِّل تهديدًا وتحديًا لأمن دول القرن الإفريقي، وخاصة الصومال وكينيا وإثيوبيا. وعلى الضفة الأخرى تتواصل جهود دولية وإقليمية للحد من هجماتها أو القضاء عليها نهائيًّا، وذلك بعد تزايد هجماتها خارج الصومال منذ هجوم ويست غيت عام 2013، وهو الهجوم الذي أربك حسابات واشنطن في التعاطي مع ملف حركة الشباب بجدية أكثر من أي وقت مضى؛ إذ بلغت تهديدات الحركة ذروتها لتشكِّل تهديدًا محتملًا بالنسبة للمصالح الأميركية في كلٍّ من كينيا وجيبوتي، التي هي الأخرى لم تَسْلَمْ من هجمات حركة الشباب المرتبطة بتنظيم القاعدة. 

قبل مجيء الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى البيت الأبيض، كانت تهديدات حركة الشباب للدول الإقليمية تتزايد، كما كانت بصماتها الدموية تأخذ منحنى تصاعديًّا في كل من كينيا وأوغندا والصومال، فلا يكاد أسبوع إلا ويسمع دوي الانفجارات أو هجمات مسلحة في العاصمة مقديشو، وتنامى نفوذ الهجمات ليصل إلى عمق الأراضي الكينية، بعد أن استقطبت الحركة عشرات من الكينيين كمسلحين في صفوفها ينفِّذون هجمات قاتلة في عقر دارهم. 

لكن بعد وصول الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى سدة الحكم، اختلفت موازين الصراع بين حركة الشباب وواشنطن؛ فبدأت الأخيرة بتوجيه ضربات شبه يومية لحركة الشباب، وذلك انطلاقًا من استراتيجية أميركية جديدة في مواجهة الحركة، وهو ما يبحث فيه هذا التقرير لفهم الاستراتيجيات الأميركية والمعطيات الراهنة للقضاء على حركة عمرها أكثر من عقد من الزمن، إلى جانب استشراف السيناريوهات المحتملة لهذا الصراع ومدى تأثير ذلك على الأمن الإقليمي لدول المنطقة، ومستقبل حركة الشباب في القرن الإفريقي، نتيجة هذا التحول الدراماتيكي الأميركي للقضاء عليها. 

أميركا وحركة الشباب: فصول من الصراع 

يُرجِع الخبراء تاريخ العداء الأميركي المستفحل مع الراديكاليين في القرن الإفريقي إلى أوائل التسعينات من القرن الماضي، فكان الصراع محتدمًا منذ نشر قوات أميركية في الفترة مابين 1992-1995، إلى جانب قوات دولية أخرى تحت رعاية (UNOSOM I) التابعة للأمم المتحدة، وهي الحملة التي تضمَّنت قوات الفرقة الموحدة، وقد سعت تلك القوات الأميركية إلى مساعدة الجهات المعنية في الإشراف على وقف إطلاق النار في مقديشو، ومواكبة قوافل الإمدادات الإنسانية وفي النهاية، توفير بيئة آمنة في الصومال(1). 

وبهذا التدخل الأميركي المباشر في الصومال، وجد تنظيم القاعدة ضوءًا أخضر لفتح جبهات داخلية في الصومال، فأصدر أسامة بن لادن فتوى من الخرطوم، مفادها أن أميركا تسعى إلى السيطرة على الخليج الفارسي ومنطقة القرن الإفريقي. وبدوره، أنشأ أسامة بن لادن خلية في نيروبي واستخدمها لنقل الأسلحة والمدربين إلى جنرالات الحرب في الصومال الذين قاتلوا القوات الأميركية(2). 

وبعد هجمات نيروبي ودار السلام عام 1998، وهي هجمات تبناها تنظيم القاعدة لاحقًا، وكان من ضمن المطلوبين لدى واشنطن زعيم تنظيم حركة الشباب، آدم حاشي عيرو المكنَّى بأبي حسين الأنصاري، كان هذا الهجوم ضد السفارتين الأميركيتين كافيًا لفتح صراع أميركي جديد على الإسلاميين المسلحين في الصومال، وقد قُتل القائد المؤسِّس لـ"الشباب المجاهدين "في قصف جوي أميركي فجر الأول من مايو/أيار 2008 بمدينة طوسمريب وسط الصومال(3). 

وفي المحاور الآتية، تتضح معالم استراتيجية واشنطن في الفترة ما بين 2006-2016 لمواجهة حركة الشباب التي صُنِّفت في قوائم الإرهاب الأميركية كحركة معادية للمصالح الأميركية في دول شرق إفريقيا. 

1. الحرب بالوكالة

ومن أجل دور أكبر للاستراتيجية الأميركية لمكافحة أفراخ القاعدة في الصومال، اعتمدت على استراتيجية التدخل غير المباشر المتمثلة في الحرب بالوكالة وذلك في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2011، وتمثلت تلك النظرية الاستراتيجية في الحرب العشوائية التي شهدتها العاصمة الصومالية، مقديشو، بين أمراء الحرب السابقين، الذين كانوا يجدون ضوءًا أخضر من واشنطن تحت مظلة "مكافحة الإرهاب وإحلال السلم" وبين مسلحي المحاكم الإسلامية التي انبثقت عنها حركة الشباب فيما بعد، وكان الزعيم السابق لحركة الشباب، أحمد عبدي جودني، أُسند إليه منصب المدير التنفيذي لجهاز المحاكم الإسلامية، فيما شكَّل عناصر "الشباب المجاهدين" القوة الشبابية للمحاكم الإسلامية، وعُيِّن كلٌّ من مختار روبو أبومنصور وفؤاد خلف في مناصب بالجهاز الإداري والأمني للمحاكم الإسلامية. 

غير أن تلك الاستراتيجية أخفقت في كبح جماح تمرد الإسلاميين الراديكاليين، وأعطى الصراع العسكري مع رجالات وأمراء الحرب زخمًا شعبيًّا للمحاكم، وانقلبت الحال على أمراء الحرب المدعومين من قبل الولايات المتحدة الأميركية، وانتصرت المحاكم الإسلامية على ميليشيات أمراء الحرب، وذلك في يونيو/حزيران عام 2006، وبعد شهر تقريبًا، تشكَّلت قوة حركة الشباب الفعلية داخل اتحاد المحاكم الإسلامية لتعلن فيما بعد حركة انشقت عن المحاكم وذلك في أغسطس/آب عام 2006. 

وبعد أن مُنيت استراتيجية واشنطن للقضاء على تنظيم "الشباب الصومالي" عبر الحرب بالوكالة من قبل أطراف صومالية بالخسارة، تدخلت القوات الإثيوبية إلى عمق الأراضي الصومالية عبر غطاء حكومي، وهي استراتيجية كانت في الحسبان لدى واشنطن في حال تقهقر نفوذ أمراء الحرب بعد تراجع شعبيتهم أمام نفوذ المحاكم الإسلامية، فاعتمدت واشنطن على القوة الإثيوبية لضرب حركة الشباب، وهي علاقة نمت بعد أحداث 11 سبتمبر/أيلول؛ حيث ظهرت آفاق جديدة للتعاون بين واشنطن وأديس أبابا متمثلة في الحرب على الإرهاب، فبعدما كانت تريد لإريتريا أن تكون اليد العليا في المنطقة، باتت إثيوبيا الوكيل المعتمَد لها في القرن الإفريقي. هذا التحول أحيا الصراع القديم بين إثيوبيا وإريتريا، ليكون هذه المرة على الأراضي الصومالية؛ حيث تحولت بيدوة إلى مسرح للحرب بالوكالة بين الطرفين(4). 

وبعد هزيمة اتحاد المحاكم الإسلامية أمام القوات الإثيوبية الجرَّارة في ديسمبر/كانون الأول عام 2006، نجحت استراتيجية واشنطن في الحد من تهديدات حركة الشباب المتمثلة في استهداف مصالحها الحيوية في المنطقة مجددًا، واكتفت الاستراتيجية الأميركية بإنهاء تواجد الإسلاميين المستهدفين عبر مطاردات برية من قبل وحدات إثيوبية وصومالية وصلت إلى أقصى الجنوب الصومالي في مطلع عام 2007. 

2. الضربات الجوية

بعد انسحاب القوات الأميركية من الصومال أواخر عام 1995، كانت هذه هي آخر مرة اعتمدت واشنطن على استراتيجية الضربات الجوية لاستهداف مسلحي الجنرال الراحل، محمد فارح عيديد، لكن تلك الآلية القتالية تجددت عقب هزيمة المحاكم الإسلامية، وفرار قادتها نحو الأدغال والأحراش في جنوب البلاد، وهي المناطق التي يصعب الوصول إليها من البر من قِبل حلفاء واشنطن، حينها بدأت الضربات الجوية الأميركية تقصف فلول المحاكم الإسلامية في الحد الفاصل بين كينيا والصومال(5). 

وبعد عام 2007، تحولت مناطق كثيرة من جنوب وشرق الصومال إلى بؤر تستهدفها الطائرات والبوارج الحربية الأميركية المنتشرة قبالة سواحل الصومال؛ إذ قصفت تلك البوارج، في يونيو/حزيران عام 2007، مسلحين من حركة الشباب في مناطق ببونتلاند، وأوقعت خسائرة بشرية في صفوف مقاتلي الحركة، وأعلنت إدارة بونتلاند عن سقوط عدد من القتلى والجرحى في صفوف حركة الشباب المتمركزة على جبال بونتلاند(6). 

وعلى هذا المنوال، استمر مسلسل الضربات الجوية الأميركية حتى أعلن البنتاغون بنشوة مقتل الزعيم الشاب، آدم حاشي عيرو، زعيم حركة شباب المجاهدين المقاومة للاحتلال الإثيوبي يوم الأول من مايو/أيار 2008 بعد أن قامت مقاتلاتها بضربة جوية ألقت ثلاث قنابل كبيرة على منزل صغير في قرية ريفية بجنوب الصومال تُعرف باسم طوس مريب في محافظة جلجدود على بعد 500 كم شمال العاصمة مقديشو. 

3. التدخل العسكري الميداني

تَمَثَّل هذا التصعيد العسكري الأميركي الميداني عبر بوابة قوات حفظ السلام الإفريقية؛ إذ وصلت أول كتيبة أوغندية إلى مطار مقديشو مطلع عام 2007، وظل الوجود الأميركي سرًّا يقدم الدعم اللوجستي والخبرات العسكرية لقادة قوات حفظ السلام الإفريقية، كما أن مجموعة عمل تمثِّل مختلف وزارات الإدارة الأميركية "ناقشت خيارات متعددة لتحركات أميركية" في الصومال، منها على وجه الخصوص هجوم قوات خاصة أو عمليات تتم بالتنسيق مع إثيوبيا. كما زار ضباط أميركيون الصومال وبحثوا فيما إذا كان زعماء الحرب يعرفون مكان أي "قواعد إرهابية" في جنوب البلاد وجنوبها الغربي(7). 

ومنذ عام 2007، كان الوجود العسكري الأميركي سرًّا لا يُكشف عنه الستار بالنسبة للرأي العام الأميركي خوفًا على الارتدادات الداخلية للعمليات العسكرية الأميركية في الخارج، والتي غالبًا ما توصف بأنها تقضُّ مضاجع المدنيين أكثر من استهداف الأعداء المفترضين لدى الولايات المتحدة الأميركية، وتشير تقارير أميركية صدرت مؤخرًا إلى أن هذا الدور العسكري الواسع في الصومال تمثل في الإشراف على قيادة العمليات الخاصة المشتركة في المهمة السرية. وبدأت الغارات في الصومال عام 2011، وقَدَّمَ عدد من جنود العمليات الخاصة الاستشارة للقوات الصومالية عام 2013، كما ظل عمل القوات الأميركية مقتصرًا على مقديشو وقاعدة بلدوغلي الجوية جنوب الصومال؛ حيث كشف ضابط أميركي في العمليات الخاصة عن عدد قوام المهمة السرية الأميركية في الصومال، والتي يبلغ عددها نحو 100 تقريبًا، ومهمتهم استخباراتية واستهداف مقاتلي حركة الشباب بغارات جوية(8). 

ومنذ هزيمة حركة الشباب أمام القوات الإفريقية والصومالية أواخر عام 2011، وخروجها الاضطراري من مقديشو، ازداد حجم التدخل العسكري الأميركي في الصومال، وأدت هذه الاستراتيجية إلى تقليص حجم نفوذ الشباب الصومالي في القرن الإفريقي. 

ونوجز في البنود الآتية استراتيجيات التدخل العسكري الأميركي لمواجهة مدِّ حركة الشباب منذ عام 2006:

  1. تقديم الدعم اللوجستي والاستخباراتي للقوات الإفريقية والصومالية عالية التدريب.
  2. الإشراف على سير العمليات العسكرية الميدانية، وتقييم نجاعة الحملات العسكرية التي تخوضها القوات المشتركة (الصومالية والإفريقية) للقضاء على نفوذ حركة الشباب في جنوب البلاد.
  3. تدريب فرق من القوات الصومالية والإفريقية بشكل عال، للمواجهة عسكريًّا مع مقاتلي حركة الشباب في جنوب البلاد.
  4. إقامة قواعد عسكرية سرية في كل من مقديشو وبلدوغلي بإقليم شبيلي السفلى جنوب البلاد.
  5. تنفيذ ضربات عسكرية جوية من خلال طائرات مسيَّرة من دون طيار وعبر السفن الحربية الأميركية المنتشرة قبالة السواحل الصومالية لضرب أهداف ومعاقل مفترضة لدى واشنطن. 

أيًّا كانت الاستراتيجيات الأميركية لمحاربة حركة الشباب الصومالية، إلا أنه من الصعوبة بمكان القضاء على حركة الشباب نهائيًّا؛ إذ تعترف الدوائر الأميركية باستحالة اجتثاث جذور حركة الشباب في فترة وجيزة، وهو الأمر الذي دفع الإدارة الأميركية الجديدة إلى تغيير استراتيجياتها القتالية السابقة لحسم ملف حركة الشباب، وهو وضع جعل الإدارة الأميركية كمن يقوم بعملية فئران التجارب لدى خصومها في غرفة اختبار سرية. 

ترامب: هل غيَّر استراتيجية المواجهة مع حركة الشباب؟ 

ذلك هو السؤال المشروع في سياق هذا التقرير، فما هي الاستراتيجيات الأميركية الراهنة لاحتواء ظاهرة الحركات المتشددة وخاصة المتمثلة في حركة الشباب الصومالية؟ فمنذ تسلَّم "ترامب" مقاليد الحكم، شرع في إرسال برقية إلى مجلس الشيوخ الأميركي، تساءل فيها: لماذا لا تستطيع أميركا دحر فصيل إسلامي مسلَّح في القرن الإفريقي لأكثر من عقد من الزمن، في إشارة إلى حركة الشباب التي تسعى للإطاحة بالحكومة الصومالية؟ 

وكان مشروع مكافحة تطرف الإسلاميين قضية رئيسية خلال حملة ترامب في الانتخابات الرئاسية أواخر عام 2016. وتصف وثيقة الاستراتيجية، التي قال مسؤولون إنه يجري تنقيحها من قبل البيت الأبيض، بنبرات صارخة هؤلاء المتطرفين(9)، غير أن تلك الاستراتيجية تمثَّلت في وقت لاحق في إطلاق القوة العسكرية ضد حركة الشباب في مارس/آذار عام 2017؛ إذ أقرَّ البنتاغون بتوسيع نطاق صلاحيات قوة المهام المشتركة الأميركية والصومالية والإفريقية لمواجهة تعاظم نفوذ حركة الشباب، وهو ما جعل هذا التفويض دعمًا إضافيًّا سيساعد في حرمان الحركة من الملاذات الآمنة التي قد يهاجمون منها المواطنين الأميركيين أو المصالح الأميركية في المنطقة(10). 

وقبل أن نسرد الاستراتيجيات الأميركية، لابد من الإشارة إلى أسباب هذا التصعيد العسكري الأميركي ضد حركة الشباب، ومن أبرز تلك الأسباب:

‌أ. إمكانية ترجمة تهديدات حركة الشباب إلى هجمات قاتلة تستهدف المصالح الأميركية في القرن الإفريقي، وذلك عقب هجمات ويست غيت عام 2013 وجامعة غاريسا عام 2015؛ وهي الهجمات التي عكست قدرات حركة الشباب على تنفيذ هجماتها النوعية ضد المصالح الأميركية والدول الإفريقية في المنطقة.

‌ب. تهديدات أعضاء بارزين من قيادات الحركة بتنفيذ هجمات دقيقة على المصالح الأميركية في كل من الصومال وكينيا وإثيوبيا، وهي هجمات أخذتها واشنطن على محمل من الجدية واستبقت بغارات أميركية خاطفة تدك معاقل حركة الشباب من حين لآخر(11).

‌ج. المخاوف الأميركية المتزايدة بشأن أن ينفِّذ مجندون أميركيون من أصول صومالية هجمات في الولايات المتحدة، جندتهم حركة الشباب لضرب أميركا من الداخل. 

الاستراتيجيات الأميركية الراهنة في مكافحة حركة الشباب 

مهما كانت الأسباب التي أثارت شهية واشنطن في تغيير استراتيجياتها القتالية لمواجهة حركة الشباب بالحسم العسكري، يمكن تلخيص تلك الاستراتيجيات في المحاور الآتية: 

1. استراتيجية وفق متطلبات الوضع القائم

تقتضي هذه الاستراتيجة عدم التدخل مباشرة إلى الشأن الصومالي عسكريًّا، وتركز تلك الاستراتيجية على التعاون مع الشركاء المحليين (القوات الصومالية والإفريقية) من أجل تقويض نفوذ حركة الشباب، كما تشمل تلك الاستراتيجية على تقديم المشورة العسكرية للقوات الإفريقية، إلى جانب تدريب فرق عسكرية صومالية وإفريقية، لتعزيز قدراتها القتالية والاستخباراتية للحد من تهديدات الحركة ضد المصالح الأجنبية في المنطقة. 

وتهدف تلك الاستراتيجية إلى تكثيف العمليات ضد الجماعات الجهادية العالمية وفي الوقت نفسه إمكانية خفض تكاليف "الدماء والثروة" الأميركية، كما تؤمن واشنطن بأن الدور القتالي الأكبر سيكون على عاتق الشركاء المحليين لهزيمة خصومها، لكنها تعترف بأن الإرهاب "لا يمكن هزيمته نهائيًّا بأي شكل من الأشكال"(12). 

ورغم حرص واشنطن على عدم إغراق كلتا قدميها عسكريًّا في الوحل الصومالي، إلا أنها لم تتوانَ عن نشر 500 من أفراد الجيش الأميركي في الصومال، ويشمل هذا العدد الأفراد الذين يدعمون مركز تنسيق مقديشو الذي يشكِّل عنصرًا رئيسيًّا بالنسبة للتحالف الثلاثي الأميركي والصومالي والإفريقي لكبح جماح حركة الشباب مستقبلًا(13). 

كما أنه بات من المعلوم لدى الشارع الصومالي أن لدى أميركا قواعد عسكرية في العاصمة مقديشو، ومنطقة بلدوغلي، التي كانت سابقًا أهم مطار جوي للاتحاد السوفيتي والقوات الصومالية إبَّان حكم الجنرال الراحل، سياد بري، وهذه القواعد العسكرية تنطلق منها الاستراتيجيات الأميركية القتالية وفرقة المهام المشتركة لاستئصال حركة الشباب ميدانيًّا وجويًّا. 

2. التدخل القوي

تنطوي الاستراتيجية الثانية على التدخل العسكري الأميركي المباشر على نطاق واسع نسبيًّا بهدف محاربة الأعداء، ويشار إلى هذا المفهوم بمصطلح التدخل القوي. على عكس التدخل غير المباشر، تتضمن هذه الاستراتيجية مجموعة خطوات عسكرية وسياسية وغيرها من الخطوات التي تتخذها الولايات المتحدة من أجل تقويض المجموعات الإرهابية والمتمردة أو دحرها(14). 

ومنذ عام 2016، تنفذ وحدات المهام المشتركة هجمات برية ضد حركة الشباب في جنوب البلاد؛ فقد أعلنت وزارة الدفاع الأميركية عن 13 هجومًا بريًّا وغارة خلال 2016، ووفقًا لبيانات أميركية أدت الغارات لمقتل 25 مدنيًّا، و200 شخص يُشتبه بأنهم متشددون(15)، وهو ما أطلق على تلك العمليات النوعية الأميركية المشتركة مع الجانب الصومالي مصطلح "حرب الظل". 

لكن تكرار تلك الهجمات البرية غالبًا ما يصاحبه ارتدادات وانعكاسات داخلية؛ إذ إن مقتل جندي أميركي وإصابة آخرين، تذكِّر الإعلام الأميركي المناهض لسلطة ترامب بسقوط الصقر الأسود في مقديشو عام 1993، كما أن لتلك الهجمات انعكاسات داخلية، فعقب هجوم بري نفَّذته وحدات مشتركة إفريقية وصومالية في بلدة (بريري) جنوبي مقديشو، أثارت الحادثة الرأي العام المحلي ضد واشنطن، بعد مقتل نحو 18 مدنيًّا، وذلك مما سيقوض جهود واشنطن للقضاء على حركة الشباب التي تستأثر بالتعاطف الشعبي في حال حدوث هجمات برية أو جوية تطول مدنيين عزل في البلاد. 

ومنذ عام 2007، تكثِّف واشنطن غاراتها الجوية والبرية على معاقل حركة الشباب، ففي أحدث تقرير للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا، التي تتخذ من جيبوتي مقرًّا لها، كشفت أن الولايات المتحدة شنَّت 28 غارة بطائرات دون طيار منذ بداية العام الحالي، ضد حركة الشباب في الصومال، بينها 15 منذ الأول من شهر سبتمبر/أيلول 2017(16). 

الجدول رقم (1) يوضح عدد الهجمات الأميركية في جنوب الصومال ضد حركة الشباب وخاصة في فترة حكم الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما(2016)(17)

يناير

فبراير

مارس

أبريل

مايو

يونيو

يوليو

أغسطس

سبتمبر

أكتوبر

نوفمبر

ديسمبر

 

 

 

 

 

3

 

 

4

 

 

 

الجدول رقم (2) يظهر تزايد عدد الهجمات الأميركية ضد حركة الشباب عام 2017 خلال تولي ترامب السلطة (18)

يناير

فبراير

مارس

أبريل

مايو

يونيو

يوليو

أغسطس

سبتمبر

أكتوبر

نوفمبر

ديسمبر

1

-

-

1

1

1

2

3

3

-

6

4

ويتضح من خلال الجدولين تزايد الهجمات الأميركية في عام 2017؛ إذ شنَّت واشنطن سبع غارات فقط عام 2016 بينما نفَّذت 22 غارة جوية على معاقل حركة الشباب عام 2017، ما يعكس تغير الاستراتيجية الأميركية لمواجهة غريمها التقليدي في القرن الإفريقي(19). 

سيناريوهات ومآلات الاستراتيجية الأميركية 

ومما لا يختلف عليه اثنان، أن أثر التصعيد العسكري الأميركي على حركة الشباب باد عليها، فقد تناقص عددها من عشرة آلاف مقاتل إلى خمسة آلاف مقاتل، ويبدو أن آفاق الصراع الأميركية الجديدة قد تخطف الأضواء من الحركة مستقبلًا بعد سنوات ظلت خلالها الحركة في صدارة الأخبار في الإعلام المحلي والعالمي. 

وبعد تحليل النتائج للرسوم البيانية آنفة الذكر واستنتاجاتنا على أثر الضربات الجوية والبرية المتزايدة في قوة تماسك بنية حركة الشباب، يمكننا تلخيص السيناريوهات في الحقول الآتية: 

1. انحسار النفوذ العسكري المناطقي

منذ عام 2007، كان نفوذ حركة الشباب آخذًا في التزايد، واستولت على ثمانية أقاليم في البلاد، وهو ما سمح لها بحرية التنقل واسعة من منطقة لأخرى، وتمتعت بنفوذ اقتصادي مكَّنها من رفع مستواها القتالي ودفع عجلة الاستقطاب نحو مزيد من المجندين الشباب، وكانت موانئ براوي ومركة بإقليم شبيلي السفلى من النوافذ الاقتصادية والمفتوحة على العالم الخارجي.

لكن مع مطلع عام 2011، انقلبت موازين الصراع رأسًا على عقب وفقدت الحركة أغلب المناطق التي كانت تسيطر عليها، وذلك نتيجة التدخل الأميركي غير المباشر في البلاد، عبر تقديم دعم لوجستي واستشاري للقوات الإفريقية، ويُتوقع حاليًّا أن يتراجع نطاق سيطرة حركة الشباب في جنوب البلاد على إثر التحولات الجديدة التي تبنتها واشنطن للقضاء عليها نهائيًّا. 

2. الانكماش العددي وتراجع عملياتها النوعية

مع تراجع قوة حركة الشباب الميدانية سيؤثِّر ذلك حتمًا في قوتها العسكرية والقتالية، ما يجعلها حركة قابلة للانكماش من حيث أعداد أفرادها، على غرار ما حدث لاتحاد المحاكم الإسلامية إبَّان الغزو الإثيوبي في البلاد، أواخر عام 2006، فتساقُط أحجار الدومينو حالة تتسم بها عادة الحركات الإسلامية المسلحة أو غيرها في الصومال، وذلك في حال حدوث أية تحولات طارئة على مسارها وسياقها العسكري. 

فإعلان أبومنصور روبو، في أغسطس/آب 2017، استسلامه للحكومة الصومالية مثَّل ضربة موجعة لأيديولوجيات حركة الشباب، وذلك مع ظهور أبومنصور على شاشات التلفزة المحلية وهو يخاطب الشعب الصومالي ويفند مزاعم حركة الشباب في إقامة دولة إسلامية في القرن الإفريقي. 

كذلك أثَّرت الانشقاقات الداخلية على معنويات أفراد حركة الشباب ومستقبلها العسكري والسياسي في القرن الإفريقي، وهي عوامل خارجية أسهمت واشنطن فيها للحد من خطر حركة الشباب نسبيًّا؛ ما جعلها حركة تتراجع وغير قادرة على تنفيذ هجمات نوعية على مصالحها في المنطقة. 

3. البحث عن بديل استراتيجي

كشفت مصادر صحفية كينية في الآونة الأخيرة أن قياديين من حركة الشباب هربوا من المناطق الجنوبية في الصومال إلى المناطق الحدودية بين الصومال وكينيا، تجنبًا لغارات أميركية عبر طائرات أميركية من دون طيار، بالإضافة إلى عمليات برية تنفذها قوات صومالية وإفريقية مدربة خصيصًا لملاحقة حركة الشباب، كما كشف الجنرال أحمد محمد تريدشي، قائد اللواء 54 من الجيش الصومالي، للصحفيين في مدينة بلدين بولاية هيرشبيلي (وسط الصومال) وصول قادة وعناصر من حركة الشباب إلى الإقليم هاربين من الضربات الجوية الأميركية إلى مناطق في وسط البلاد(20). 

ودفعت غارات واشنطن حركة الشباب إلى البحث عن بدائل استراتيجية في مناطق جديدة داخل الصومال أو خارجه، وكانت المناطق الجبلية في إقليم بونتلاند الفيدرالية بمثابة ملجأ لها في حال تعسر عليها الحال عسكريًّا في جنوب البلاد، إلا أن تلك المناطق الجبلية لم تَسْلَمْ هي الأخرى في الآونة الأخيرة من الضربات الجوية الأميركية، هذا بالإضافة إلى تزايد نفوذ مسلحي تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق بونتلاند، ما يدفعها لمواجهة مباشرة مع أنصار تنظيم "داعش" فرع الصومال، الذي خرج من كابوس حركة الشباب قبل سنوات. 

مستقبل "حركة الشباب" في القرن الإفريقي 

بحسب المتابعين لشأن الحركات الإسلامية في القرن الإفريقي، فإن مستقبل حركة الشباب مرهون بمدى قوة ونجاعة الضربات الجوية الأميركية في اصطياد أهدافها بدقة عسكرية على معاقلها التدريبية في جنوب الصومال، إلى جانب أداء الوحدات العسكرية البرية المشتركة في تدمير تلك المعاقل العسكرية وانتزاع المدن الخاضعة تحت سيطرة الحركة. 

يمكن بعد ذلك أن يتحدد مصير حركة الشباب وأن تشق طريقها نحو الأفول مثلما حدث مع تنظيمات جهادية في العالم بعد أن قويت شوكتها على مدى عقود، لكنها استسلمت أخيرًا للأمر الواقع الذي أجبرها على التراجع إما لعوامل داخلية أو خارجية. 

ورغم الفارق الكبير في الآليات القتالية والاستراتيجيات العسكرية بين واشنطن وخصومها في القرن الإفريقي، إلا أنه من السوابق لأوانه التكهن بمصير مجهول لحركة الشباب؛ حيث يستبعد الكثير من الخبراء العسكرييين إمكانية القضاء عليها في وقت قياسي، نظرًا للقوة الميدانية والاستخباراتية التي تتمتع بها الحركة، إلى جانب انتشارها الواسع في بعض المدن في جنوب البلاد. 

خلاصة 

ما زالت فصول الصراع بين أميركا وتنظيم حركة الشباب ستتجدد بين الحين والآخر، وهو صراع له ارتداداته وانعكاساته الداخلية والخارجية، بقدر ما سيمثِّل رصيدًا للحكومة الصومالية التي تعاني من ضعف في قدراتها القتالية وخططها العسكرية لمواجهة حركة الشباب في المدن الجنوبية من البلاد، ناهيك عن تأمين العاصمة مقديشو التي تحولت في أشهر قليلة إلى مسرح للدماء، وذلك بعد تفجيرات دموية هزت مقديشو في أكتوبر/تشرين الأول 2017 والتي أدت إلى مقتل نحو 350 صوماليًّا في أعنف هجوم شهده الصومال في التاريخ الحديث. 

ويبدو أن مستقبل الصراع بين واشنطن وحركة الشباب آخذ في التزايد في ظل عدم وضوح الرؤية المحلية بجلاء، وخاصة الحكومة الفيدرالية، تجاه الخطط الأميركية لمحاربة حركة الشباب، بدل الاكتفاء بإصدار بيانات تأييد للعمليات الأميركية الجوية، ومدى دورها مستقبلًا في تحديد معالم تلك الاستراتيجيات الأميركية الراهنة ضد حركة الشباب، وكفاءة تلك الخطط العسكرية في تقويض نفوذ الحركة من دون أن تترك تداعيات وخيمة على حياة الصوماليين الذين يعيشون تحت سلطة حركة الشباب. 

مهما تعددت استراتيجيات الولايات المتحدة الأميركية في تصفية أتباع حركة الشباب فإن إعادة بناء جيش صومالي قوي ضرورة قصوى لابد منها، وذلك لفرض الأمن والاستقرار في الصومال، من أجل ضمان عدم عودة تنظيمات مسلحة أخرى تقوِّض نفوذ الدولة الصومالية وتضرب مصالح دول غربية كثيرة.

_________________________________

الشافعي ابتدون، كاتب وباحث صومالي

References

 

– "تقرير استراتيجية مكافحة الإرهاب في الصومال.. تقييم الحملة ضد حركة الشباب"، مؤسسة راند، (تاريخ الدخول: 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017): إضغط هنا.

2 – "حركة الشباب المجاهدين"، الجزيرة نت، 3 أبريل/نيسان 2015، (تاريخ الدخول: 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017): إضغط هنا.

3 – المرجع السابق.

4 – "حرب الصومال وتصفية الحساب"، الأخبار اللبنانية، (تاريخ الدخول: 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2017):

 http://www.al-akhbar.com/node/132503

5 – "مثلث الاشتباكات وملتقى الأعداء في الصومال"، قناة الجزيرة يوتيوب، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://www.youtube.com/watch?v=L4-k8b4IZLo

6 – "العمليات الأميركية السرية في الصومال"، مركز مقديشو للأبحاث والدراسات، 4 نوفمبر/تشرين الثاني 2014، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/vsPMGF

7 – "الصومال والحرب الأميركية، جريدة الرياض"، دون تاريخ، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2017):

http://www.alriyadh.com/29978

8 - بوليتكو: لماذا توسع أميركا وجودها العسكري بالصومال؟، عربي21، 21 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 2 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/mU6kZe

9 – "استراتيجية ترامب لمكافحة الإرهاب تحث الحلفاء على فعل المزيد"، رويترز، 6 أيار/مايو 2017، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

https://ara.reuters.com/article/ME_TOPNEWS_MORE/idARAKBN18203K

10 – "ترامب يوسع التفويض للجيش بمحاربة المتشديين في الصومال"، قناة روسيا اليوم، 30 مارس/آذار، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/6SaZAw

11 - "تقرير استراتيجية مكافحة الإرهاب في الصومال.. تقييم الحملة ضد حركة الشباب"، مرجع سابق.

12 - "استراتيجية ترامب لمكافحة الإرهاب تحث الحلفاء على فعل المزيد"، مرجع سابق.

13- "لماذا الوجود الأميركي العسكري في الصومال؟"، موقع القيادة العسكرية الأميركية أفريكوم، 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

http://www.africom.mil/media-room/article/30125/why-the-u-s-military-is-in-somalia 

14 -  "تقرير استراتيجية مكافحة الإرهاب في الصومال.. تقييم الحملة ضد حركة الشباب"، مرجع سابق.

15 – "بـحرب الظل.. أميركا لا تنسى هزيمتها في الصومال"، مصر العربية، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2016، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/kH8o8Q

16 – "بالأرقام.. غارات أميركا ضد حركة الشباب عام 2017، مقديشو أون لاين، 19 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/Rvzf7w

17- ينظر إلى موقع القيادة الإفريقية (أفريكوم)، "البيانات الصحفية لتوضيح الغارات الجوية الأميركية 2016 في الصومال"،

http://www.africom.mil/media-room/press-releases/2016

18- ينظر إلى موقع القيادة الإفريقية (أفريكوم)، "البيانات الصحفية لتوضيح الغارات الجوية الأميركية 2017 في الصومال":

http://www.africom.mil/media-room/press-releases/2017

19 - تحليل البيانات الصحفية للقيادة العسكرية الأميركية في إفريقيا (أفريكوم)، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

www.africom.mil/media-room/press-releases/2017/3

20 - هروب قادة حركة الشباب من الضربات الجوية في جنوب الصومال، الصومال الجديد، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 3 ديسمبر/كانون الأول 2017):

goo.gl/br9izr