مقدمة
تتناول هذه الورقة المشهد التركي قبل الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المزمع عقدها في 24 يونيو/حزيران 2018، مستعرضة خارطة الأحزاب المتنافسة والتحالفات والبرامج الانتخابية. وفي إطار هذا المشهد، تتناول الورقة التحديات التي تواجه تركيا على المستوى الداخلي، مثل: التحدي الاقتصادي وموضوع الحريات والاستقطاب السياسي، بالإضافة إلى تعاملها مع عدد من قضايا السياسة الخارجية المهمة في هذه المرحلة والتي تعد العلاقة مع الولايات المتحدة جوهرًا لها، مثل: موضوع تطورات الاتفاق النووي الإيراني ونقل السفارة الأميركية إلى القدس والأزمة الخليجية وتطورات شمال سوريا. وتضع الورقة عدة سيناريوهات مستقبلية تتفاوت في نتائجها فيما يتعلق بحظوظ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في هذه الانتخابات.
خارطة الواقع الحزبي قبل الانتخابات
في 22 أبريل/نيسان 2018، وبعد إقرار البرلمان التركي لمقترح تبكير الانتخابات الذي تم تقديمه من قبل حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية بشكل فاجأ كثيرين، أعلنت اللجنة العليا للانتخابات أسماء الأحزاب التي يحق لها خوض الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، في 24 يونيو/حزيران 2018. ومن أجل إعطاء صورة تقريبية لقوة الأحزاب، نرفق أسماء هذه الأحزاب مع النِّسب التي حصلت عليها في آخر انتخابات برلمانية، في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، مع العلم بأن العديد من التطورات المؤثِّرة على هذه النسب قد وقعت منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2015 وحتى يونيو/حزيران 2018، وخاصة التحالفات الجديدة بين الأحزاب والتي تسمح لعدة أحزاب بتجاوز العتبة الانتخابية ودخول البرلمان.
جدول يوضح النسب التي حصلت عليها الأحزاب في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015
|
اسم الحزب |
النسبة في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 |
1 |
العدالة والتنمية |
49.49% |
2 |
الشعب الجمهوري |
25.31% |
3 |
الحركة القومية |
11.9% |
4 |
الشعوب الديمقراطية |
10.76% |
5 |
السعادة |
0.68% |
6 |
الوحدة الكبرى |
0.54% |
7 |
الوطن |
0.25% |
8 |
الديمقراطي |
0.15% |
9 |
تركيا المستقلة |
0.11% |
10 |
الدعوة الحرة |
لم يشارك في انتخابات نوفمبر/تشرين الثاني 2015 لأسباب المدة القانونية ولكن نسبته في الانتخابات البلدية 0.19% ويتركز في مدينة باطمان جنوب شرق تركيا |
11 |
الصالح/الجيد |
انفصل عن الحركة القومية وحاليًّا يخوض أول مشاركة (تأسس في أكتوبر/تشرين الأول 2017)(1). |
كما أن حزب العدالة والتنمية قد شهد تراجعًا في شعبيته أثناء عملية الاستفتاء على التعديلات الدستورية للتحول إلى النظام الرئاسي، في أبريل/نيسان 2017، وصفه الرئيس أردوغان حرفيًّا بـ"تعب المعادن" ويقصد به الإرهاق أو الإعياء الذي أصاب بعض الكوادر خلال مسيرة الحزب وتبع ذلك تغييرات في كوادر الحزب وصلت إلى 50% في المدن. وقد أجرى الحزب بعض التعديلات على مستوى رؤساء البلديات ومنهم رئيس بلدية أنقرة ورئيس بلدية إسطنبول اللتين تفوقت فيهما الأصوات المعارضة للتعديلات في استفتاء 2017؛ حيث كانت نسبة الرفض في إسطنبول 51.4% بينما كانت نسبة التأييد 48.6%؛ وكانت هذه أول مرة يتعرض فيها حزب العدالة والتنمية لهذه النتيجة في تلك المدن.
أما حزب الشعوب الديمقراطية، فقد تأثر سلبًا بالمعركة المفتوحة بين الدولة التركية وحزب العمال الكردستاني في سوريا والعراق كما تأثر بحالة الطوارئ الجارية في البلاد منذ محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز، كما أن رئيسه المشارك والمرشح للانتخابات الرئاسية القادمة، صلاح الدين ديمرتاش، معتقل منذ عام ونصف بتهم أمنية.
ولم يكن حزب المعارضة الأكبر، حزب الشعب الجمهوري، بمنأى عن الهزات؛ فقد كانت هناك خلافات داخل الحزب بين رئيسه، كمال كليجدار أوغلو، ومنافسه، محرم إينجه -الذي تم ترشيحه للرئاسة عن الحزب لاحقًا- إلا أنه في أعقاب فوز كليجدار أوغلو برئاسة الحزب مرة أخرى في فبراير/شباط 2018، استطاع الحزب ترتيب أموره نسبيًّا، ومع هذا ذكرت وسائل إعلام تركية أن رئيس الحزب استبعد عددًا من المحيطين بمحرم إينجه من قوائم حزب الشعب الجمهوري للانتخابات البرلمانية، وقد تأثر الحزب بسبب معارضته لعملية غصن الزيتون/عفرين التي كان لها تأييد شعبي كبير في تركيا والتي يُعتقد أنه عارضها من أجل الفوز بالأصوات الكردية.
التحالفات والتفاعلات بين الأحزاب منذ إعلان موعد الانتخابات
بدأ حزب العدالة والتنمية يفكر في الاتجاه إلى التحالفات والتفاهمات منذ أن بدأت مؤشرات عدم إمكانية تشكيل الحزب للحكومة بمفرده، وكان التقارب بين حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية يزداد تدريجيًّا. وقد لوحظ هذا منذ محاولة انقلاب 15 يوليو/تموز 2016 في دعم الحركة القومية لاستفتاء 17 أبريل/نيسان 2017 ومن ثم القبول بدعم ترشيح أردوغان للرئاسة، وفي فبراير/شباط من 2018، قرر حزب العدالة والتنمية والحركة القومية دخول الانتخابات التي كانت ستُجرى في 2019 في إطار تحالف اسمه "تحالف الشعب". وبناء على هذا، اتفق الحزبان على مقترح قانون من 26 مادة لتقديمه للبرلمان، ولعل أهمها أنه أصبح بإمكان جميع الأحزاب دخول الانتخابات بقائمة موحدة أو قوائم منفصلة، كما سيكون الأمر متروكًا للأحزاب السياسية لدخول الانتخابات بشعار واحد أو عدة شعارات. وبهذا، يمكن للأحزاب التي تشعر بالخطر من عدم تجاوز عقبة العتبة الانتخابية التي تشترط على أي حزب الحصول على نسبة 10% لدخول البرلمان، الحصول على تلك النسبة من خلال التحالف.
وقد كان تحالف حزب العدالة والتنمية مع الحركة القومية يشكل فرصة وتحديًا؛ فالفرصة تكمن في ضمان الفوز بأغلبية برلمانية وتأمين فوز الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية، أما التحدي فهو خسارة العدالة والتنمية لأصوات ناخبيه الأكراد. وإدراكًا من الحزب لهذا الأمر، ولكي يتجنب خسارة ناخبيه الأكراد، قرر الحزب إبقاء أسماء الأحزاب على ورقة الاقتراع منفصلة وبشعاراتها المختلفة وليس بشعار مشترك رغم وجودها في تحالف مشترك، كما بدأ الحزب في تفاهمات مع حزب الدعوة الحرة الكردي، ذي الخط الإسلامي، وقد ذكرت مصادر إعلامية تركية أن هناك مباحثات غير معلنة بين حزب العدالة وحزب الدعوة الحرة "هدى بار"، ولم يكن هذا مؤكدًا حتى أعلن الحزب في 28 مايو/أيار 2018، أنه سيدعم الرئيس أردوغان في الانتخابات الرئاسية(3).
صورة لورقة الاقتراع في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية (4) |
ولم يتوقف حزب العدالة عند التحالف مع الحركة القومية؛ وذلك لأن الأخير أيضًا في حالة تراجع حيث جرت عدة مباحثات مع أحزاب أخرى للانضمام للتحالف مثل حزب السعادة وحزب الاتحاد الكبير، وفيما لم تنجح المباحثات مع حزب السعادة (الذي كان يخطط لترشيح عبد الله غول للرئاسة كمرشح مشترك للمعارضة لكن جهوده لم تنجح) فقد نجح الأمر مع حزب الاتحاد الكبير ولكن بطريقة مختلفة عن حزب الحركة القومية حيث رشَّح حزب العدالة والتنمية على قوائمه 18 اسمًا من حزب الاتحاد الكبير على رأسهم مصطفى ديستجي رئيس الحزب(5).
وأمام هذا التحالف، بدأت المعارضة تحركاتها وكان هدف رئيس حزب الشعب الجمهوري في البداية تجميع 7 أحزاب معارضة تضم الشعب الجمهوري والجيد والشعوب الديمقراطية والسعادة والديمقراطي والوطن. ولكن لظروف عدة، منها عدم قبول بعض الأحزاب، استطاع فقط أن يصل إلى تفاهم تكوين تحالف من 4 أحزاب، هي: الشعب الجمهوري والجيد والسعادة والديمقراطي أو ما أُطلق عليه "تحالف الأمة"(6). ويلاحظ من صورة الورقة الانتخابية أعلاه أن اسمي حزب الاتحاد الكبير والحزب الديمقراطي ليسا موجودين وذلك لأن الحزب الأول ترشح على قوائم حزب العدالة والتنمية (18 اسمًا) أما الحزب الثاني فقد ترشح على قوائم الحزب الجيد (4 أسماء)(7).
وقد كان هناك سعي كبير من حزب الشعب لتمكين الحزب الجيد من خوض الانتخابات حيث قام الحزب بإرسال 15 نائبًا من كتلته البرلمانية بعد استقالتهم من الحزب ليقوموا بالانضمام للحزب الجيد من أجل مساعدته على التغلب على شرط قانوني للترشح للبرلمان يتعلق بوجود كتلة برلمانية من 20 نائبًا حيث لم يكن لدى الحزب سوى 5 نواب ليعود 15 نائبًا إلى حزبهم بعد إتمام المهمة. وقد أشارت تقارير إعلامية تركية إلى أن رئيسة الحزب الجيد، ميرال أكشينار، ورئيس حزب السعادة كانا رافضيْن لانضمام حزب الشعوب الكردية لتحالف المعارضة. كما ذُكر أن أكشينار ومجموعة من نواب حزب الشعب نفسه كان لهم دور في إحباط مشروع ترشح عبد الله غول كمرشح للمعارضة. ولم يقم تحالف الأمة بالتوافق على مرشح رئاسي واحد حيث رشح كل حزب مرشحه ليحافظ كل حزب على كتلته ويمنع حدوث تناقص فيها لصالح أحزاب الطرف الآخر ومرشحها الرئيس، أردوغان. وتأمل المعارضة من وراء ذلك في منع أردوغان من الفوز من الجولة الأولى ثم تصطف كلها حول المرشح الثاني بعد أردوغان وهو إما محرم إينجه أو ميرال أكشينار، وفيما يلي نضع أسماء مرشحي الأحزاب للانتخابات الرئاسية مرتبة حسب قرعة لجنة الانتخابات:
1- محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري.
2- ميرال أكشينار، رئيسة الحزب الجيد.
3- رجب طيب أردوغان، مرشح مشترك لحزب العدالة والتنمية والحركة القومية.
4- صلاح الدين دميرتاش، الرئيس المشارك لحزب الشعوب الديمقراطية.
5- تمل كارامولَّا أوغلو، رئيس حزب السعادة.
6- دوغو برينجيك، رئيس حزب الوطن.
ووفقًا للشروط القانونية، فإما أن يكون المرشح للرئاسة عن حزب موجودًا في البرلمان، مثل: أردوغان وديمرتاش وإينجه أو عليه أن يجمع 100 ألف توقيع؛ حيث جمعت ميرال أكشينار 250 ألف توقيع بينما جمع كارامولا أوغلو 160 ألف توقيع فيما جمع برينجيك 110 آلاف توقيع. ولم يستطع نجدت أوز، زعيم حزب العدالة جمع 100 ألف توقيع وبالتالي بقي خارج القائمة.
البرامج الانتخابية للأحزاب
طرحت الأحزاب في تركيا خلال الأيام الماضية برامجها الانتخابية وسوف نستعرض هنا أهم ما يميز هذه البرامج عن البرامج الأخرى من خلال برنامج الحزب الحاكم وحليفه وبرنامج حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري؛ حيث تضمن برنامج حزب العدالة والتنمية عدَّة وعود منها وعد بنقل تركيا إلى مصاف الدول ذات الدخل المرتفع، والارتقاء بالاقتصاد والديمقراطية ووضع تدابير جديدة فيما يتعلق بالتضخم، ورفع مستوى وجودة قطاع التعليم، ومكافحة الفساد والفقر والمحظورات، وزيادة نسبة مشاركة النساء في القوة العاملة إلى 40%، ومنح صفة قانونية لـ"بيوت الجمع" (دور عبادة الطائفة العلوية) خلال المرحلة الجديدة. وفيما يتعلق بالسياسة الخارجية، قال الحزب إنه سيعمل على تعزيز العلاقات السياسية والاقتصادية مع الاتحاد الأوروبي والمؤسسات الإقليمية المختلفة، ومواصلة الحرب على التنظيمات الإرهابية، ومحاربة الإرهاب في سوريا، ومواصلة المطالبة بالعدالة للإنسانية جمعاء، ومواصلة بذل الجهود حتى ينال الشعب الفلسطيني وطنه الحر(8).
أما حزب الحركة القومية، فقد تناول في برنامجه تسريع الإصلاحات الهيكلية في المجالات الاقتصادية، وإعفاء الحد الأدنى للأجور من الضرائب، وإلغاء امتحان دخول الجامعات، ومحاربة العنف ضد المرأة بإصدار عفو عن السجناء (لا يشمل الإرهابيين والمغتصبين ومستغلي الأطفال وقتلة النساء)(9).
وبينما تقوم دعاية حزب الشعب الجمهوري بشكل أساسي على انتقاد سياسات حزب العدالة والتنمية، فإن برنامجه يتلخص في حل ما يراها المشاكل الخمسة الأساسية في تركيا: السياسة الخارجية، والاقتصاد، والتعليم، والسلم الاجتماعي، والديمقراطية. ويندرج تحت هذا: الوعدُ بحل المسألة الكردية في 4 سنوات، وصياغة نظام اقتصادي جديد، وجعل الحد الأدنى للأجور 2200 ليرة، والاهتمام بالمعلمين وتعيين 180 ألف معلم سنويًّا، وتقديم طعام الغداء مجانًا للطلاب في المدارس والجامعات، وضمان حرية الإعلام، وإقرار عيد النوروز كعيد رسمي، ورفع حالة الطوارئ، وتقوية البرلمان، وإنهاء الأزمة مع الاتحاد الأوروبي، وحل الأزمة في سوريا، وإنهاء التوتر مع الجيران، وزيادة التجارة، وتأسيس منظمة التعاون والسلام للشرق الأوسط التي ستضم تركيا وسوريا والعراق وإيران(10). وقد تعهد حزب الشعب برفع شرط التأشيرة أمام الفلسطينيين الراغبين بزيارة تركيا.
ومما سبق نجد أن معظم الأحزاب اتفقت في برامجها على العمل على تحسين الاقتصاد والتجارة والتعليم وتحسين العلاقة مع الاتحاد الأوروبي والوقوف مع القضية الفلسطينية، كما تناولت في جزء منها تحسين حقوق الأقليات. وقد غازلت معظم الأحزاب، ما عدا الحركة القومية، الناخبين الأكراد من أجل الفوز بأصواتهم.
التحديات التي تواجه تركيا خلال هذه الفترة
تواجه تركيا مجموعة من التحديات ولعل أهمها في الفترة الحالية هي التحدي الاقتصادي، وقد كان الهبوط الدراماتيكي لليرة التركية، في 23 مايو/أيار 2018، مثالًا واضحًا على ذلك حيث وصلت قيمة الليرة أمام الدولار 4.90 لتفقد قرابة 21% من قيمتها. وفيما نذكر هذا التحدي كتحد داخلي، فإن الحكومة التركية ترى أن أطرافًا خارجية تحاول التلاعب بسعر صرف الليرة من أجل التأثير على نتائج الانتخابات خاصة مع تأثير الاقتصاد على قرار الناخب التركي. ولكن مع أهمية هذا التحدي واحتمال حدوث تطورات فيه إلا أنه يمكن مواجهته ببعض الأدوات التي قد يكون بعضها مكلِّفًا على المدى البعيد مثل رفع البنك المركزي للفائدة وهو ما حصل في اجتماع غير دوري للبنك بعد الأزمة، ويُتوقع أن تُتَّخذ قرارات في هذا السياق خلال الشهر القادم، وقد استخدمت المعارضة تراجع الليرة كمادة في حملتها الانتخابية، وقد دعا محرم إينجه، مرشح حزب الشعب الجمهوري للرئاسة، الرئيسَ أردوغان لإيقاف هذه الأزمة، قائلًا ما معناه: "أوشكنا أن نُضرَب في الجدار أو أن تضرب عربتنا الجدار". وقال: "أنا أوجِّه دعوة تاريخية للرئيس أردوغان حتى لا نواجه مشكلة خطيرة في النظام الاقتصادي"، كما وجَّه دعوة إلى الرئيس بتجاهل مستشاريه الاقتصاديين الذي يقدمون له، على حد وصف إينجه، "استشارات خاطئة"، داعيًا لعدم تدخل الرئاسة في قرارات البنك المركزي، ومع حدوث تحسن في وضع الليرة في الأيام التي تلت ذلك خفَّت حدة التركيز على الموضوع الاقتصادي لكن هذا قد يتكرر مع حدوث أي تغير في الاقتصاد.
ولعل من التحديات التي تزداد وضوحًا مع أجواء الحملات الانتخابية تحدي الاستقطاب السياسي، خاصة أن نسبة كبيرة تقدر بـ 48% ترفض التحول إلى النظام الرئاسي، كما يزداد الاستقطاب من خلال الاتهامات والردود المتبادلة بين المرشحين. ونظرًا لما تتميز به شخصية الرئيس أردوغان وخصمه مرشح حزب الشعب الجمهوري، محرم إينجه، مع وجود 5 مرشحين آخرين، فإن من المتوقع أن تتصاعد لهجة الخطاب بين الطرفين. وقد اتهم إينجه أردوغان بالعلاقة مع فتح الله غولن واتهمه بإيصال اقتصاد تركيا إلى حافة الإفلاس. وردًّا على هذه الاتهامات، وصف أردوغان إينجه بالجبن إذا لم يستطع أن يثبت هذه الاتهامات. وقد كانت هناك خشية في أوقات سابقة من نقل حزب الشعب الجمهوري معارضته للنظام الرئاسي من الأروقة السياسية إلى الشارع ولكن المشهد التركي متعود على النوع والدرجة الحالية من الاستقطاب السياسي، الذي يمكن إدارته خلال الفترة الحالية ولكن من المتوقع أن تزداد حدة الاستقطاب مع الاقتراب من يوم الانتخابات مع العلم بأنه من الملاحظ أن انتقادات أردوغان لمحرم إينجه أخف بكثير من الانتقادات التي كان يوجهها لكليجدار أوغلو. ويدخل في موضوع الاستقطاب أيضًا موضوع التعامل مع اللاجئين السوريين؛ ففيما تعمل الدولة على مواصلة سياستها الحالية من خلال اتباع خطط للتكامل وإدارة الرأي العام، توجد دعوات من المعارضة لطردهم أو إعادتهم لبلادهم.
وفيما يتعلق بتحدي الديمقراطية، فإن أحزاب المعارضة في البلاد تنتقد حالة الطوارئ السارية في تركيا منذ محاولة الانقلاب، في 15 يوليو/تموز 2016، والتي شهدت حملات فصل من الخدمة واعتقالات لآلاف من الأشخاص الذين تقول الحكومة إنهم مرتبطون بتنظيمات إرهابية. ويخصص البرنامج الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري مساحة كبيرة للدفاع عن الديمقراطية والحريات. ويُستخدم هذا البُعد أيضًا في العديد من وسائل الإعلام الغربية للتحريض على حزب العدالة والتنمية حيث ترى العواصم الغربية مكافحة تركيا لتنظيم غولن وحزب العمال الكردستاني انتهاكًا لـ"حرية الفكر-التعبير" و"حقوق الإنسان" بينما تقيمها تركيا في إطار "مكافحة الإرهاب"(11).
ويُذكَر أن جميع التحديات السابقة يمكن تفعيلها بشكل يضر بحزب العدالة والتنمية من خلال أزمة اقتصادية؛ ولهذا فإن التحدي الأساسي هو التحدي الاقتصادي. ويحاول حزب العدالة التعامل مع هذه الأزمة من خلال أدوات اقتصادية ومن خلال الدور القيادي لأردوغان مع توعية الشرائح الاجتماعية سياسيًّا(12).
السياسة الخارجية خلال هذه الفترة
لقد كانت السياسة الخارجية حاضرة في تحليل أسباب تبكير الانتخابات من قبيل الاستفادة من نجاح عملية غصن الزيتون ومن التأييد الشعبي للسياسة التركية تجاه قرار الولايات المتحدة بنقل سفارتها إلى القدس وخشية مما سمتها الحكومة التركية مؤامرات خارجية. وكذلك أيضًا منذ إعلان موعد الانتخابات المبكرة كانت قضايا السياسة الخارجية حاضرة بشكل أكثر وضوحًا من كل مرة سواء في ممارسة الدولة أو في برامج الأحزاب السياسية أكثر من أي انتخابات سابقة وربما يعود ذلك لفعالية الدبلوماسية التركية وانخراطها في ملفات إقليمية ودولية وللوجود العسكري التركي المتزايد خارج البلاد وسخونة الأحداث في منطقة الشرق الأوسط.
وقد تعاملت تركيا خلال هذه الفترة مع عدة ملفات منها انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي مع إيران والذي كان بمثابة صدمة لبعض الدول؛ حيث رأت تركيا أن هذه الخطوة غير صحيحة وأنها ستولد أزمات في المنطقة، وبالنسبة لتركيا، فإن تداعيات هذه الخطوة مضرة لها فلو قبلت العقوبات على إيران فسوف تخسر شريكًا تجاريًّا مهمًّا وسوف تتعرض للمواجهة مع إيران في سوريا والعراق، على أقل تقدير. وفي حال رفضت العقوبات، فقد تعرِّض نفسها لعقوبات أميركية؛ ولهذا تحاول من خلال العمل مع بعض الدول الأوروبية، وعلى رأسها بريطانيا، إنقاذ الاتفاق، كما يأتي ذلك في إطار توجه متبادل بين تركيا وأوروبا لتحسين العلاقات.
وعلى مستوى العلاقات التركية-الأميركية؛ فقد وصلت العلاقات إلى أدنى مستويات الثقة وتكاثرت الأزمات بين الطرفين والتي كان آخرها بعد مراسم نقل السفارة؛ حيث لم تكتف تركيا بتحميل الاحتلال الاسرائيلي مسؤولية الجرائم في غزة بل أكدت على مشاركة واشنطن في المسؤولية كما دعت سفيرها في واشنطن للتشاور. ولكن بدا هناك تحسن مؤخرًا بُعيد لقاء بين وزيري الخارجية، جاويش أوغلو ومايك بومبيو، بعد تعليق المباحثات السابقة -إثر إقالة ريكس تيلرسون- حول موضوع منبج الذي شكَّل أزمة بين البلدين منذ عهد إدارة أوباما. وتحضر حاليًّا عدة ملفات في إطار العلاقة أهمها موضوع منبج وموضوع صفقة طائرات إف 35 وموضوع تسليم فتح الله غولن.
وفيما يتعلق بموضوع منبج، يبدو أن هناك تقدمًا إيجابيًّا في المباحثات وخاصة بعد لقاء جاويش أوغلو ومايك بومبيو في واشنطن، في 4 يونيو/حزيران 2018، حيث يُتوقَّع البدء في المرحلة الأولى بانسحاب عناصر وحدات حماية الشعب من مناطق غربي الفرات. ووفقًا لما رشح عن الاتفاق، فإن المرحلة الثانية من الاتفاق تنص على تولي عناصر من القوات المسلحة والاستخبارات التركية والأميركية مهمة مراقبة منبج بعد 45 يومًا من الاجتماع ثم يلي ذلك بعد 60 يومًا تشكيل إدارة محلية حسب التوزيع العرقي للسكان. ويتضح من أجواء المباحثات أن واشنطن وافقت على اعتراضات لتركيا تتعلق بالجدول الزمني للاتفاق وبعض الصياغات(13).
أما فيما يتعلق بالعلاقة مع إسرائيل، فقد طردت تركيا السفير الإسرائيلي لفترة مؤقتة ردًّا على التصعيد الإسرائيلي ضد قطاع غزة وبسبب نقل السفارة الأميركية إلى القدس، كما كان أردوغان قد انتقد قبل ذلك القصف الإسرائيلي لمواقع في سوريا ووصف إسرائيل بممارسة الإرهاب. ويبدو أن التوتر سيبقى مهيمنًا على مسار العلاقات التركية-الإسرائيلية.
وفي سياق العلاقات التركية-الخليجية خلال فترة الانتخابات التركية، من المهم الإشارة أيضًا إلى ما ذكره وزير الخارجية التركي قبل أيام حول سعي دولتين مسلمتين للتلاعب بسعر الليرة التركية. وفيما لم يذكر الوزير اسمي الدولتين إلا أن هذا التصريح وضع كلًّا من السعودية والإمارات موضع التساؤل حول إن كانت الدولتان هما من قامتا بهذا الأمر خاصة مع قدراتهما الاقتصادية ووجود خلافات وتوترات مع تركيا! وفي هذا السياق، فـإن تركيا ستعزز موقفها المساند لقطر في الأزمة الخليجية المستمرة منذ عام(14).
خاتمة وسيناريوهات
يوجد ثلاثة سيناريوهات يمكن لنتائج الانتخابات التركية أن تصل إليها، وهي:
الأول: فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بالرئاسة سواء من الجولة الأولى أو الثانية وفوز تحالف الشعب بأغلبية برلمانية.
الثاني: فوز الرئيس أردوغان بالرئاسة وفوز تحالف الأمة المعارض بأغلبية برلمانية.
الثالث، وهو الأقل ترجيحًا: وهو فوز أحد مرشحي المعارضة بالرئاسة وفوز تحالف الأمة بأغلبية برلمانية. وفيما يوجد هوامش قليلة جدًّا بين السيناريو الأول والثاني؛ فإن السيناريو الثاني والثالث لا يبشران باستقرار فالثاني سيكون فيه تعارض بين الرئيس والبرلمان والثالث يَعِد بعودة تركيا إلى النظام البرلماني بعد سنتين من إجراء الانتخابات.
وهناك محددات عدة يمكن أن تؤثر على نتائج الانتخابات ولكن يبدو أن المحدد الاقتصادي وسلوك السياسة الخارجية يلعبان دورًا أكبر من كل مرة في العملية الانتخابية الحالية. وفيما يتعلق بمستقبل السياسة الخارجية، فإن الفوز المحتمل للرئيس أردوغان وتحالفه سوف يعطي له مزايا أكبر في عملية اتخاذ القرارات والتغلب على القيود البيروقراطية ويُتوقع مع هذا انخراط أكبر في قضايا المنطقة وأزماتها وبزخم وتأثير أكبر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* محمود سمير الرنتيسي، باحث متخصص في الشأن التركي.
(1) نتائج الانتخابات البرلمانية نوفمبر 2015"، صحيفة صباح، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
(2) "تناقص أعداد حزب الحركة القومية في 4 أشهر"، تي 24، 24 فبراير/شباط 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
http://t24.com.tr/haber/mhpnin-uye-sayisinda-45-ayda-14-bin-341-dusus,567043
(3) "الهدي بار: سوف ندعم أردوغان"، تايم تورك، 28 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.timeturk.com/huda-par-erdogan-i-destekleyecegiz/haber-904964
(4) صحيفة يني شفق، 31 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.yenisafak.com/secim/oy-pusulalari-ortaya-cikti-3355196
(5) "18 اسمًا من حزب الاتحاد الكبير على قائمة العدالة والتنمية"، إن تي في، 21 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.ntv.com.tr/turkiye/bbpli-18-isim-ak-parti-listelerinden-aday-oldu,NhUNn_3U6UWtK-K7pLWp5w
(6) "كيف سيعمل تحالف المعارضة؟"، بي بي سي التركية، 7 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.bbc.com/turkce/haberler-turkiye-43862516
(7) "4 أسماء من الحزب الديمقراطي ترشحوا على قوائم الحزب الجيد"، تركيا غازيته، 23 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
http://www.turkiyegazetesi.com.tr/politika/561400.aspx
(8) "أردوغان يعلن البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية"، وكالة الأناضول، 24 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
(9) "زعيم الحركة القومية معلنًا برنامج حزبه الانتخابي: تركيا أمام امتحان تاريخي"، ديلي صباح، 26 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
(10) "البرنامج الانتخابي لحزب الشعب الجمهوري"، إفرنسال، 26 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.evrensel.net/haber/353395/chp-secim-beyannamesinin-tam-metni
(11) دوران، برهان الدين، "أربعة تحديات تواجه تركيا"، ترك برس، 27 يوليو/تموز 2017، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
https://www.turkpress.co/node/37454
(13) "خارطة طريق تركية أمريكية تنص على إخراج "ب ي د" من منبج خلال شهر"، وكالة الأناضول، 30 مايو/أيار 2018، (تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):
(14) "جاويش أوغلو يتهم دولتين مسلمتين بإسقاط الليرة"، الخليج أونلاين، تاريخ الدخول: 7 يونيو/حزيران 2018):