معركة الحديدة: الأهداف الاستراتيجية الإماراتية والتجاذبات الإقليمية

تسلط الورقة الضوء على الأهمية الاستراتيجية لميناء الحديدة بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، والأسباب الكامنة وراء إصرارها على كسب هذه المعركة، كما تستعرض التحديات التي تحول دون حسم المعركة حتى الآن، وتستشرف مستقبل هذا الميناء في ظل التجاذبات الإقليمية الراهنة.
9626199f4cfd4ccb80f6eda92adb4916_18.jpg
ميناء الحديدة ثاني أهم موانئ اليمن بعد ميناء عدن، ويعتمد عليه ملايين اليمنيين في توفير احتياجاتهم الغذائية والدوائية المستوردة (رويترز)

مقدمة

المحاولات الإماراتية للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها إن كُتب لها النجاح فسوف تشكِّل مُنعطفًا مهمًّا في مسار الحرب الدائرة في اليمن وتحولًا جوهريًّا في موازين القوى على الأرض، غير أن ثمة عوائق كثيرة وتحديات جمة تجعل هذا الهدف صعب المنال، فالانتصار على الحوثيين ليس سهلًا، وموازين القوى الإقليمية لا تزال فاعلة في جعل الصراع سجالًا بين الأطراف المتحاربة.

تسلط هذه الورقة الضوء على الأهمية الاستراتيجية لميناء الحديدة بالنسبة للإمارات العربية المتحدة، والأسباب الكامنة وراء إصرارها على كسب هذه المعركة، كما تستعرض التحديات التي تحول دون حسم المعركة حتى الآن، وتستشرف مستقبل هذا الميناء في ظل التجاذبات الإقليمية الراهنة.

ملمح تاريخي

كانت مدينة الحُدَيِّدة وميناءاها، الصليف والحديدة، والجزر التابعة لها، بوابة للحملات الأجنبية لاحتلال اليمن، وطريقًا للوصول إلى صنعاء منذ القرن السادس عشر، بدءًا من محاولات الأسطول البرتغالي السيطرة عليها، عام 1514، من أجل فرض الهيمنة على البحر الأحمر، مرورًا بمحاولات العثمانيين اتخاذها قاعدة عسكرية لهم، في عام 1848، كي ينطلقوا منها إلى شمال البلاد، وكذلك الحال إبان الحرب العالمية الأولى (1914-1918)؛ حيث قامت سُفن البحرية البريطانية بقصف المدينة مرتين(1)، وكان من نتائج هذه الحرب وهزيمة العُثمانيين أن وقعت الحُدَيِّدة تحت سيطرة حاكم عسير، الإمام محمد الإدريسي، ومن بعده، تمكَّن الإمام، يحي حميد الدين، عام 1925، من السيطرة عليها(2)، ثم عادت القوات السعودية وفرضت سيطرتها عليها عام 1934 مقابل تقدم القوات اليمنية في عسير، لتعود المدينة مرة أخرى إلى اليمن؛ بموجب اتفاقية الطائف في نفس العام. وفي عام 1962، كانت المدينة معبرًا مُهمًّا للقوات المصرية التي أرسلها الرئيس الراحل، جمال عبد الناصر، إلى صنعاء لنصرة ثورة 26 سبتمبر/أيلول. وبين نوفمبر/تشرين الثاني 1967-فبراير/شباط 1968، كانت المدينة ساحة تحشيد للمقاتلين والثوار الذين انطلقوا لفك الحصار على صنعاء، الذي كان يستهدف إجهاض ثورة سبتمبر/أيلول، بينما كان الميناء يمد الثوار بالسلاح(3).

وهكذا، فتاريخ المدينة الطويل يشهد أن موقعها الاستراتيجي جعلها في بؤرة الصراعات المحلية والإقليمية بل والعالمية أيضًا.

ملمح ديمغرافي

الحُدَيِّدة؛ واحدة من كُبريات المدن اليمنية، تُعرف بعروس البحر الأحمر، وتحتضن أهم موانئ البلاد، وتبعد عن العاصمة، صنعاء، بحوالي 226 كم. وتقع في الجزء الغربي من اليمن، وتمتد على الشريط الساحلي المطل على البحر الأحمر بطول 300 كم، وتضم 26 مُديرية، وتأتي في المرتبة الثانية بين المدن اليمنية من حيث عدد السكان؛ إذ يبلغ تعداد المحافظة بأكملها 2.2 مليون نسمة(4).

وتنتشر قُبالة سواحل الحديدة أكثر من 40 جزيرة، وتأتي على رأسها جزيرة كمران المأهولة بالسكان التي تقع قبالة الساحل الغربي لميناء الصليف بمسافة 6 كم، وتبلغ مساحة الجزيرة حوالي 100كم2، وهي بمثابة حزام أمني للميناء، وتأتي أهميتها الاستراتيجية من كونها تشرف على خطوط الملاحة الدولية المارة من جهتها الغربية(5).

كما تطل المدينة على أرخبيل جزر حنيش جنوب البحر الأحمر الذي يقع في المياه الإقليمية للجمهورية اليمنية غرب شواطئ ساحل مدينة الخوخة، وتبعد عن الساحل اليمني بمسافة تتراوح بين 18-28 ميلًا بحريًّا(6). كما تبعد نحو 100 ميل بحري عن مضيق باب المندب، وتضم عددًا من الجزر؛ أبرزها: حنيش الكبرى، وحنيش الصغرى، وسيول حنيش، وقد تعرض هذا الأرخبيل -نظرًا لموقعه الاستراتيجي- للاحتلال البرتغالي والبريطاني قديمًا والإريتري حديثًا.

وأخيرًا، تأتي جزيرة زُقر، التي تتميز بقمة جبلية يبلغ ارتفاعها 624 مترًا فوق مستوى سطح البحر، لتعطي المدينة مزيدًا من الأهمية الاستراتيجية(7).

ميناء الحُدَيِّدة

يُعتبر ميناء الحُدَيِّدة، ثاني أهم ميناء يمني بعد ميناء عدن. ويقع في منتصف الساحل اليمني للبحر الأحمر ويرتبط بقناة ملاحية بطول 11 ميلًا بحريًّا وعرض 200 متر ويمتلك حوضًا للاستدارة بقُطر 400 متر، وتبلغ مساحته الداخلية نحو 3 ملايين متر مربع، ويضم ثمانية أرصفة، بإجمالي طول يبلغ 1461 مترًا، ورصيفين آخرين في حوض الميناء بطول 250 مترًا. وقد أُنشئ الميناء عام 1961 بالتعاون مع الاتحاد السوفيتي سابقًا، وينفرد بعددٍ من المميزات(8)، أهمها:

  • موقعه الاستراتيجي وقربه من الخطوط الملاحية العالمية.

  • حماية طبيعية من الأمواج والتيارات المائية.

  • غير مُعرض للرياح الموسمية.

أهمية الميناء للتحالف والحوثيين

أ- أهمية الميناء للتحالف: 

تُشكِّل معركة ميناء الحُدَيِّدة، أهمية بالغة بالنسبة للتحالف وقوات الرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة، وجماعة الحوثي من جهة أخرى. فبالنسبة لقوات الرئيس هادي، تعتبر معركة الحُدَيِّدة ثاني أهم معاركها، بعد تحرير محافظة عدن التي جرت وقائها في يوليو/تموز 2015؛ ذلك لأن استعادة المدينة والسيطرة على الميناء يعني حرمان الحوثيين من آخر منفذ بحري يقع تحت سيطرتهم، فضلًا عن أن قوات هادي المدعومة من التحالف، تنظر إلى تحرير المحافظة باعتباره منعطفًا مهمًّا في مسار الحرب، ودافعًا قويًّا للتقدم باتجاه السيطرة على المدن المتاخمة لها، وبالأخص: المحويت، وريمة، وحجة. هذا فضلًا عن تجريد الحوثيين من أهم مصدر مالي وإغلاق أحد أهم منافذ تزويدهم بالسلاح، وحملهم على الرضوخ لشروط التحالف في أي حل سياسي مستقبلي.

وعلى الرغم من أن تقرير لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن، والصادر عام 2016، لم يذكر ميناء الحُدَيِّدة كمنفذ لتهريب السلاح إلى الحوثيين، واكتفى بالإشارة إلى احتمالية اجتياز بعض شحنات السلاح من خلاله على دفعات وعبر مراكب شراعية صغيرة(9)، فإن الحكومة والتحالف يصران على القول إن هدفهم من السيطرة على الميناء هو وقف عمليات تهريب الأسلحة الإيرانية إلى الحوثيين.

ب- أهمية الميناء للحوثيين: 

ترى جماعة أنصار الله الحوثية أن أية خسارة لها في الحُدَيِّدة؛ من شأنها انتقال مصدر القوة الذي لعبته المدينة وميناؤها إلى الطرف الآخر. فضلًا عن فقدان آخر منفذ بحري لها، وتجفيف أهم مصدر مالي كان يوجَّه لدعم المجهود الحربي في أكثر من 40 جبهة مشتعلة. كما يعتبرون استمرار سيطرتهم على المدينة تقوية لهم في أي موقف تفاوضي مستقبلًا وحماية لهم من أي حصار اقتصادي يسعى خصومهم لفرضه عليهم في حال خرجت المحافظة من تحت نفوذهم.

وعلى مدى أكثر من ثلاث سنوات، كان الساحل الغربي لليمن عمومًا ورقة ضغط قوية بيد الحوثيين، لما شكَّله من قاعدة لانطلاق هجماتهم ضد سفن وبوارج التحالف في البحر الأحمر. لذا، فإن معركة الحُدَيِّدة بالنسبة للجماعة هي معركة "مصيرية"؛ ولعل هذا هو ما يُفسر سر صمودهم وتحشيدهم الكبير للمقاتلين إلى المدينة(10).

الحُدَيِّدة في الاستراتيجية الإماراتية

تمضي أبوظبي في مخططها الاستراتيجي للسيطرة على موانئ اليمن لاسيما تلك الواقعة على البحر الأحمر في إطار مخطط عام للانتشار والتوسع في الموانئ المهمة في المنطقة والعالم. كما أن السيطرة على ميناء الحديدة بالتنسيق مع الرياض يأتي كذلك في إطار التنافس الجيوسياسي بينهما وبين إيران وتركيا على بسط النفوذ في إقليم الشرق الأوسط. وقد كان ميناء عدن هو الهدف الأول لأبوظبي تلاه الآن محاولات السيطرة على ثاني أهم موانئ اليمن وهو ميناء الحديدة(11) ليضاف إلى ما لها من نفوذ على مينائي مدينتي المكلا والشحر بحضرموت، وما قامت به من تحويل ميناء المخا الذي يبعد 6 كيلو مترات عن مضيق باب المندب، إلى ثُكنة عسكرية(12).

واليوم؛ تتجه أنظار أبوظبي إلى الحُدَيِّدة وميناءيها (الصليف والحُدَيِّدة)، وصولًا إلى ميناء ميدي بمحافظة حجة. من هنا؛ فإن أهداف الإمارات العسكرية في السيطرة على الموانئ اليمنية؛ لا تنفصل عن مساعيها لتعزيز حضورها الاقتصادي والعسكري في المنطقة لاسيما من خلال الممرات البحرية الرئيسية.

اقتصاديًّا؛ تخشى أبوظبي من احتمال قيام منافسين لها يسعون لتحويل التجارة بعيدًا عن ميناء جبل علي(13)؛ فالتوسع الكبير في مينائي جابهار في إيران والدقم في عُمان ومدينة الملك عبد الله الاقتصادية في السعودية يُشكِّل تحديًا بالنسبة لها.

عسكريًّا؛ يأتي ميناء الحُدَيِّدة، ضمن سلسلة من الموانئ التي عملت أبوظبي على الاستحواذ عليها؛ فمن ميناء جبل علي بدبي توسع امتدادها على طول الحافة الجنوبية لشبه الجزيرة العربية، مرورًا بالقرن الإفريقي وإريتريا التي أقامت فيها قواعد عسكرية.

مستجدات الحملة العسكرية على الحديدة

ثمة مستجدات دفعت أبوظبي للهجوم العسكري على الحديدة، من أبرزها:

• تحوُّل مواقف عدد من العواصم الكبرى (واشنطن، باريس، لندن)، من معارضة للحملة العسكرية؛ إلى مؤيدة "ضمنيًّا" لها.

• محاولة السعودية والإمارات تحسين وضعهما الميداني والتفاوضي، في سباق مع الجولات المكوكية التي يقوم بها المبعوث الأممي، مارتن غريفيث، إلى اليمن.

• الصراع السعودي-الإماراتي مع إيران.

• ازدياد الهجمات الصاروخية على السعودية.

• كسر جمود 3 أعوام من المراوحة المكانية للحرب، والضغط على الحوثيين لقبول التفاوض بشروط التحالف.

• دخول الحرب عامها الرابع، مع زيادة التكلفة البشرية والمالية للتحالف.

• استغلال حالة الانشغال الإيراني بأزمة الملف النووي والعقوبات الأميركية، من خلال تكثيف الضغط على الحوثيين حُلفاء طهران باليمن.

لهذا، بدأت الإمارات حملتها العسكرية على الحديدة وبينما المعارك مستمرة إذا بأبوظبي تقرر فجأة إيقافها، وقد بررت ذلك ظاهريًّا بالرغبة في إعطاء فرصة لنجاح مساعي المبعوث الأممي إلى اليمن واستئناف المفاوضات، لكن لهذا الإيقاف أسباب ومبررات عملياتية أخرى غير التي قيلت؛ فوفقًا للمعطيات على الأرض؛ أوقفت أبوظبي معاركها باتجاه الميناء، لتنقل العمليات القتالية إلى خارج مركز المدينة في محاولة لتأمين الطريق الساحلي، وفك الحصار المفروض على قوات التحالف داخل الحُدَيِّدة، فضلًا عن خشيتها من كثافة الألغام التي زرعها الحوثيون في طريق قوات التحالف باتجاه ضواحي المدينة، وفشل عملية إحكام السيطرة على مطار الحديدة والتقدم البري باتجاه الميناء والإخفاق في محاولات الإنزال البحري، بالإضافة إلى الرغبة في تخفيف الضغوط الدبلوماسية والإعلامية المطالبة بحماية المدنيين في الحديدة، لذا قررت أبوظبي تعليق معركة الميناء، ونقل المعركة إلى مديريات الساحل الغربي.

بناءً على المعطيات العسكرية سابقة الذكر، فإن الحملة الإماراتية على محافظة الحُدَيِّدة؛ فشلت -حتى الآن- في إحداث نصر استراتيجي يُغير موازين القوى وواقع المعركة على الأرض؛ فالمطار والميناء اللذان يُمثلان رمزية الانتصار في معركة الحُدَيِّدة، بالنسبة للرياض وأبوظبي، لا يزالان خارج السيطرة.

ورغم أن الماكينة الإعلامية القوية للتحالف، نجحت في تسويق انتصارات في الفضاء الإعلامي الافتراضي، إلا أن معطيات الواقع الميداني تؤكد عدم وجود سيطرة كاملة على المطار.

حقيقة؛ كشفها مصدر في الجيش التابع للرئيس هادي، جاءت متطابقة مع شهادات لجماعات الإغاثة العاملة في المدينة، والتي نفت أيه سيطرة كاملة على المطار والمنطقة المحيطة به، لأي من طرفي الصراع(14).

وبالدخول في بعض التفاصيل؛ يسيطر الحوثيون على الضواحي الشمالية للمنطقة، فيما تحاول القوات التي يدعمها التحالف، الحفاظ على مواقعها في المشارف الجنوبية، وهو ما يُشير إلى التحديات الكبيرة التي تواجه الإمارات في معركة السيطرة على ميناء المدينة(15).

تداعيات معركة الحديدة

رغم أن معركة الحديدة لم تنته بعد فإن تداعياتها سواء على الداخل اليمني أو على المستوى الإقليمي أضحت ملموسة: 

أ- على المستوى المحلي: 

أكدت معركة الحديدة وصعوبة تحقيق الحسم العسكري فيها على أن حل الأزمة اليمنية لا يأتي إلا من خلال عملية سياسية، وأن الانتصار العسكري لطرف على الآخر أمر لن يتحقق على الأقل خلال المدى المنظور. فعلى الرغم من أن المناطق السهلية المفتوحة تمثِّل تحديًا أمام المُدافعين؛ لأنهم يجدون أنفسهم مكشوفين أمام القوات المهاجمة في سهول خالية من التموجات التضاريسية، ما يحرمهم من إمكانية التستُر والتخفي، فإن معركة الحُدَيِّدة التي تدور في مثل هذا السهل المنبسط كسرت هذه المعادلة وفشل التحالف في السيطرة على المدينة رغم سيطرته على الجو والبحر، فكيف سيُحرر العاصمة صنعاء وما جاورها ذات الطبيعة الجبلية المعقدة التي توفر للحوثيين قوة تكتيكية كبيرة، تمنحهم فُرصة السيطرة الميدانية على مسرح العمليات، ومراكز مراقبة جيدة، هذه النتيجة تؤكد ما سبق قوله وهو خطأ فرضية الحل العسكري للأزمة اليمنية.

ب- على المستوى الإقليمي: 

انتقلت تداعيات معركة الحديدة إلى باب المندب، وقد كان لتعرض ناقلتي نفط سعوديتين، في 25 يوليو/تموز 2018، أثناء مرورهما بالقرب من هذا المضيق، لهجوم من قبل الحوثيين(16) أثر كبير في مسار المعارك ودخول معركة الحُدَيِّدة مرحلة خطيرة، فاستهداف الحوثيين لهاتين الناقلتين يحمل من الرسائل الكثير؛ لعل أهمها أن صادرات النفط السعودية والإماراتية لن تكون في منأى بعد اليوم من الهجمات الصاروخية، وهو ما دفع السعودية إلى إعلان تعليق جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب، إلى أن تُصبح الملاحة آمنة(17)، فيما قالت الكويت إنها تدرس قرارًا بوقف صادرات النفط عبر هذا المضيق(18). ما يعني أن باب المندب أصبح ممرًّا غير آمن وهو ما يُشير إلى المأزق الإماراتي-السعودي في حرب اليمن، والذي وصل حد عدم قدرة الرياض على تأمين صادراتها النفطية عبر هذا المضيق الذي يعتبر رابع أهم ممر تجاري دولي بعد مضيقي هرمز وملقا وقناة السويس(19)، والذي يتدفق منه يوميًّا نحو 4.8 ملايين برميل من النفط الخام والمنتجات البترولية المكررة إلى أوروبا والولايات المتحدة وآسيا(20)، وهو ما ألقى بظلاله على أسعار النفط التي ارتفعت؛ إذ سجل خام القياس العالمي برنت 74.54 دولارًا للبرميل، بعد الهجوم، وزادت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي إلى 69.61 دولارًا للبرميل(21).

وتأسيسًا على هذا، فإن تلك التطورات، تُمثل مؤشرًا قويًّا، لأن يتحول "باب المندب" في الفترة المقبلة إلى ساحة لتصفية الحسابات بين الدول، خاصة في ظل التقاطعات والتجاذبات الإقليمية والدولية.

مستقبل ميناء الحُدَيِّدة

تعتبر السيطرة على ميناء الحديدة هدفًا استراتيجيًّا للتحالف، لكن، هذه السيطرة ليست بالأمر الهين، ففشل معركة المطار، يكشف عن حجم التعقيدات التي تواجه طموحات الإمارات في الاستحواذ على الميناء. وعمومًا، فإن مستقبل الميناء يدور بين احتمالين: 

- الحسم عسكريًّا: وهو أمر صعب لأنه يعني اندلاع حرب واسعة في المدينة عبر أحياء ذات كثافة سكانية عالية، فضلًا عن تعرض المهاجمين لصواريخ الحوثيين وألغامهم، وإذا ما حاولوا القيام بعمليات إنزال بحري أو جوي فإن نجاح هذا الإنزال غير مضمون خاصة بعد فشل إنزالين سابقين للتحالف(22). وفي كل الأحوال، فإن الميناء قد يتعرض لعملية تدمير كلية، كما حصل في معركة المطار، وهو ما يُهدد حياة ملايين اليمنيين الذين يتلقون المساعدات الإنسانية والمواد الغذائية عبر هذا المنفذ.

- التسوية السياسية: بقيت التسوية السياسية لمعركة الحديدة من خلال موافقة أطراف الصراع على إعطاء دور قيادي للأمم المتحدة في إدارة الميناء تمهيدًا للدخول في مفاوضات شاملة، هي الخيار الثاني أمام التحالف والحوثيين، لكن تواجه هذا الخيار تحديات كبيرة خاصة في ظل إصرار التحالف على انسحاب الحوثيين من المدينة، بينما يتمسك الحوثيون بالموافقة على إيكال مهمة الإشراف على الجانب التقني وإيرادات الميناء للأمم المتحدة.

وإزاء هذا الوضع المتأزم عسكريًّا وسياسيًّا، فإن معركة الحديدة ومحاولات السيطرة على مينائها من المعارك التي ستظل مفتوحة دون حسم ما بقيت موازين القوى المحلية والإقليمية على حالها.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

*محمد شرف، باحث يمني مختص في القضايا السياسية.

ABOUT THE AUTHOR

References

(1)  عايش، عبده، "الحديدة عاصمة إقليم تهامة اليمني"، الجزيرة نت، 16 أكتوبر/تشرين الأول 2014، (تاريخ الدخول: (26 يوليو/تموز 2018):  http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2014/10/15الحديدة-عاصمة-إقليم-تهامة-اليمني

(2)  يحيى محمد حميد الدين محمد المتوكل (1948-1869)، إمام اليمن من عام 1904 وحتى عام 1948، ومؤسس المملكة المتوكلية اليمنية.

(3)  حصار السبعين أو حصار صنعاء، هو حصار ضربته القوات الملكية اليمنية على الجمهوريين المتحصنين في العاصمة صنعاء بعد سقوط جبهة نهم شرقي العاصمة.

(4)  "نبذة تعريفية عن محافظة الحديدة"، المركز الوطني للمعلومات التابع لرئاسة الجمهورية اليمنية، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018):http://www.yemen-nic.info/gover/hodiada/brife/

(5)  "جزيرة كمران باليمن"، الموسوعة البريطانية، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): https://www.britannica.com/place/Kamaran

(6)  "مجموعة أرخبيل جزر حنيش"، المركز الوطني للمعلومات التابع لرئاسة الجمهورية اليمنية، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): https://www.yemen-nic.info/tourism_site/locations/island/honish.php

(7)  للمزيد حول جزيرة زقر، انظر:  https://geographic.org/geographic_names/name.php?uni=-4506184&fid=6721&c=yemen

(8)   "نبذة تعريفية عن ميناء الحديدة"، مؤسسة موانئ البحر الأحمر، (د.ت)، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018):  http://yrspc.net/index.php/ports-foundation/hodeidahport/about-us

(9)   التقرير النهائي لفريق الخبراء المعني باليمن، S/2017/ 81، الأمم المتحدة، 31 يناير/كانون الثاني 2017، ص35، (27 يوليو/تموز 2018): http://www.un.org/ga/search/viewm_doc.asp?symbol=S%2F2017%2F81

(10)    الذهب، علي، "ميناء الحُدَيِّدة: الدور والآفاق في الحرب اليمنية"، مركز الجزيرة للدراسات، 26 أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2018):http://studies.aljazeera.net/ar/reports/2017/04/170426112310999.html

(11)    بوللغفر، مونيكا، "ما هي أطماع الإمارات العربية المتحدة في اليمن"؟، نون بوست، 15 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2018): https://www.noonpost.org/content/21622

(12)    المرجع السابق.

(13)  "مطامع الإمارات تهدد الأمن القومي العربي"، بوابة الشرق، 22 يناير/كانون الثاني 2018، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2018): https://www.al-sharq.com/article/22/01/2018/مطامع-الإمارات-تهدد-الأمن-القومي-العربي

(14)  اليعقوبي، عزيز، "بعد 4 أسابيع من القتال.. لا انفراج في حملة التحالف بقيادة السعودية علىالحديدة"، وكالة رويترز، 9 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 24 يوليو/تموز 2018):https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1JZ2H1

(15)    المرجع السابق.

(16)   "الحوثيون يصيبون سفينة سعودية قبالة ساحل اليمن"، رويترز، 25 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): https://ara.reuters.com/article/topNews/idARAKBN1KF0XR

(17)    "المهندس الفالح: المملكة ستعلِّق جميع شحنات النفط الخام التي تمر عبر مضيق باب المندب"، وكالة واس، 27 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): https://www.spa.gov.sa/viewstory.php?lang=ar&newsid=1788448

(18)    "الكويت "تدرس" وقف مرور ناقلات النفط عبر باب المندب"، سكاي نيوز، 26 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): https://www.skynewsarabia.com/middle-east/1167783

(19)    "صاروخ باب المندب.. رسالة سليماني لترامب عبر السعودية"، الجزيرة نت، 26 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 26 يوليو/تموز 2018): http://www.aljazeera.net/news/reportsandinterviews/2018/7/26/

(20)  "السعودية توقف صادرات النفط عبر باب المندب بعد هجوم للحوثيين على ناقلة سعودية"، القدس، 27 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 27 يوليو/تموز 2018): http://www.alquds.co.uk/?p=982284

(21)  "أزمة باب المندب.. السعودية تملك بديلًا آخر لتصدير النفط"، العربية، 27 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 27 يوليو/تموز 2018): https://www.alarabiya.net/ar/aswaq/oil-and-gas/2018/07/26/أزمة-باب-المندب-السعودية-تملك-بديلاً-آخر-لتصدير-النفط.html

(22)  شرف، محمد، "معركة الحديدة: السيناريوهات المحتملة"، البيت الخليجي للدراسات والنشر، 2 يوليو/تموز 2018، (تاريخ الدخول: 25 يوليو/تموز 2018): https://gulfhouse.org/posts/3038/