مقدمة
أصدر مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية في كابل، تحليلا استراتيجيا بمشاركة ثلاثة باحثين من أفغانستان وإيران والهند، يناقش الأهمية المتعاظمة لميناء تشابهار، ويركز على الإمكانيات التي يتيحها لتعزيز التعاون الاقتصادي بين الدول الثلاث. ولأهمية هذا التقرير الصادر في عام 2018 وتزايد الحديث عن هذا الميناء في الخطط الاقتصادية المستقبلية لإيران، ننشر ملخصا لأهم ما ورد فيه، ومدى الأهمية التي يمثلها لكل دولة من الدول الثلاث.
ميناء تشابهار مشروع لتعزيز التعاون بين أفغانستان والهند وإيران (المصدر: مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية) |
ميناء تشابهار مشروع لتعزيز التعاون بين أفغانستان والهند وإيران (المصدر: مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية)
شارك في وضع التقرير كل من:
عبد القادر متفي مدير الإعلام والناطق الرسمي لوزارة المناجم والبترول في جمهورية أفغانستان الإسلامية، وهو باحث في معهد أفغان للدراسات الاستراتيجية (AISS).
بهرام أمير أحمديان أستاذ مساعد في جامعة طهران، وزميل أقدم في معهد الدراسات الإيرانية الأوراسية، وباحث وخبير في آسيا الوسطى والقوقاز وإيران.
جولشان ساشدفيس أستاذ الدراسات الأوروبية ومدير برنامج دراسات المنطقة الأوروبية في مركز الدراسات الأوروبية، كلية الدراسات الدولية (SIS)، جامعة جواهر لال نهرو (JNU) في الهند، وحاصل على كرسي جان مونيه في التكامل الاقتصادي الأوروبي وأمن الطاقة من المفوضية الأوروبية، وهو أيضا رئيس تحرير دورية "الدراسات الدولية".
الموقع الاستراتيجي والوصول لمنابع الطاقة
تقع تشابهار في جنوب شرق إيران في محافظة سيستان وبلوشستان. ويسهل الميناء الوصول إلى المحيط الهندي وكذلك بحر عمان والخليج. بدأ العمل في هذا الميناء في عام 1973 لكن مجريات الثورة الإسلامية عام 1979 أخرت تطويره. أثبت الميناء أهمية حيوية خلال الحرب العراقية الإيرانية حيث جعلته إيران منفذا لتجارتها. وضعت الحكومة الإيرانية خططا لتوسيع هذا الميناء وجعله أكثر فاعلية، لكن العقوبات الاقتصادية والتجارية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووي جعلت من الصعب على الحكومة تخصيص الأموال اللازمة لهذا المشروع.
في الآونة الأخيرة توصلت أفغانستان والهند وإيران إلى "اتفاقية تشابهار"، وهي اتفاقية تعول عليها أفغانستان كثيرا حيث ستمنحها إمكانية الوصول إلى مومباي عبر ميناء كالاماري في مدينة تشابهار الإيرانية الواقعة على ساحل خليج عمان. وهذا مكسب استراتيجي كبير لأفغانستان للوصول إلى المحيط الهندي عبر ميناء تشابهار والأسواق في جميع أنحاء العالم. ولن تمنح هذا الاتفاقية كابل إمكانية الوصول الفوري إلى إيران والهند فحسب، بل ستوفر للبلاد على المدى الطويل إمكانية الوصول إلى موارد الطاقة في آسيا الوسطى. وعلى الرغم من أن أفغانستان بلد غير ساحلي فإنها مركز إقليمي محتمل.
وتعتمد التجارة الخارجية لأفغانستان على طرق العبور الرئيسية التي تعبر باكستان، مثل أي بلد آخر غير ساحلي، وتواجه أفغانستان تكاليف نقل عالية وتأخيرات طويلة في التسليم، في الوقت نفسه. ونظرا لموقعها الجغرافي الاستراتيجي فإن أفغانستان تركز على إمكانية أن تصبح نقطة اتصال.
إن الآثار المترتبة على ميناء تشابهار بالنسبة لأفغانستان مهمة للغاية، وستربط سارنج هيرات وقندهار وكابل ومزار الشريف باقتصادات آسيا الوسطى، وسيمنح ميناء تشابهار الهند إمكانية الوصول إلى احتياطيات النفط والغاز الوفيرة في آسيا الوسطى. والنفط والغاز مهمان بالنسبة للبلدان التي تعاني نقص الهيدروكربون على غرار الهند. ويوفر الميناء أيضا الوصول إلى الممر الدولي الشمالي الجنوبي الذي يساعد في توفير إمكانية الوصول إلى جمهوريات آسيا الوسطى. كما أن الموقع الاستراتيجي على خليج عمان له أهمية سياسية ضخمة. مما يعطي بداية جديدة للعلاقات بين أفغانستان والهند وإيران.
ويرى التقرير أن إبراز أهمية التخطيط الاستراتيجي لميناء تشابهار يتيح الحد الأقصى لعبور الحاويات مع الحد الأدنى من الموارد مثل الخدمات والموارد البشرية والإمكانات المالية من أجل توسيع نطاق نقل الحاويات التجارية وإيصالها إلى الحد الأعلى.
تجدر الإشارة إلى أنه لا يمكن ترتيب الأهداف الاستراتيجية واستراتيجية العمل وتنفيذها إلا بعد تحديد رؤية ورسالة الميناء بوضوح وبشكل جماعي.
لغرض تحسين نتائج الإدارة التشغيلية للموانئ، يوصى التقرير بالتركيز على استراتيجيات جديدة مثل استغلال ممرات العبور لتطوير موانئ أفغانستان.
وكُرس الجزء الرئيسي من هذا التقرير لتقييم دور الميناء وعمقه الاستراتيجي وأهميته في توفير مسارات بديلة لأفغانستان عن المسار البحري داخل باكستان. وهو ما سيمكن أفغانستان من الوصول إلى منطقة المنافسة المحتملة في الخليج، ومن ثم إقامة شراكات بين الهند وإيران من أجل تعزيز مكتسبات التجارة.
الآثار الاقتصادية بالنسبة لأفغانستان
تقليديا بقيت أفغانستان غير قادرة على الوصول إلى الأسواق الدولية. فيما تتطلع الهند وإيران إلى التجارة مع كابل. وتشير التقديرات إلى أن أفغانستان تمتلك ما تصل قيمته إلى ثلاثة تريليونات دولار من الثروة غير المستغلة التي يمكن استخدامها لتزويد الحكومة بإيرادات تحتاجها أفغانستان. ويعد مشروع ميناء تشابهار حيويا بالنسبة لأفغانستان لأنه سيمكنها من شحن البضائع إلى الشرق الأوسط وأوروبا، وكذلك يسمح بتدفق البضائع إلى أفغانستان. من الناحية الاقتصادية سوف يعني ذلك زيادة كبيرة في التجارة والاستثمار ويعزز من القدرة على إنشاء البنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها.
وتتمتع الهند تاريخيا بعلاقات جيدة مع أفغانستان، على الرغم من أن الدولتان لا تتقاسمان الحدود، وهو ما يمثل معضلة لوجستية. ومنذ عام 2001 أطلقت الهند عددًا من مشاريع البنية التحتية الكبيرة في برنامجها للمساعدة الإنمائية في أفغانستان.
طريق زرنج ديلارم السريع واحد من أهم مشاريع البنية التحتية التي أطلقتها الهند في أفغانستان (المصدر:مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية) |
وأحد هذه المشاريع هو طريق زرنج ديلارم السريع، وهو طريق سريع بطول 135 ميلًا يربط منطقة زرنج في مقاطعة نمروز، بالقرب من الحدود الإيرانية، بمنطقة "دلارم" في مقاطعة فراه المجاورة، وعلى الحدود الأفغانية الإيرانية يصل طريق قندهار هيرات السريع. وسيمكّن إنشاء طريق زرنج ديلارام السريع من وصل ميناء تشابهار على خليج عمان بطريق أفغانستان الدائري الذي يبلغ طوله 1300 ميل. وهو يربط 16 مقاطعة من مقاطعات أفغانستان البالغ عددها 34 مقاطعة، ويمتد من هيرات ومزار الشريف وكابل وغزنة وقندهار إلى مقاطعة غورنو بدخشان في طاجيكستان. يوفر الطريق السريع ممرات نقل بين الشمال والجنوب تربط بين شبه القارة الهندية وآسيا الوسطى غير الساحلية. تمكّن البنية التحتية الجديدة أفغانستان من الوصول إلى بحر العرب عبر إيران، وتزيد من إمكاناتها لتحفيز المزيد من الاستثمار والتجارة مع القوى الخارجية مثل الهند. وفي الوقت نفسه تفتقر أفغانستان إلى البنية التحتية اللازمة للاتصال واستخراج رواسبها الضخمة من النفط والغاز والمعادن. منذ عام 2001 قامت الحكومة الأفغانية والجهات المانحة الدولية ببناء حوالي 5700 ميل من الطرق، مع بناء الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية 1325 ميلا على الأقل. على الرغم من هذه الجهود لا يزال حوالي 50% من طرق أفغانستان في حالة سيئة، ولم يتم بعد الانتهاء من عدد من ممرات الطرق الاستراتيجية بما في ذلك الطريق الدائري. فضلا عن أن أفغانستان متأخرة إلى حد كبير في تطوير وإصدار قواعد استخدام الطرق وحدود الوزن، وحتى فيما يتعلق بالتطبيق. وحتى تتم معالجة هذا فإن الطرق ستكون دائما في حالة تدهور. ويمكن أن يؤثر ذلك على جعل أفغانستان طريقا تجاري من قبل أوزبكستان وطاجيكستان.
وعلى الرغم من تصنيف أفغانستان بلدا فقيرا، في الوقت الحالي، فإنها بلد غني بالمعادن. وقد تحقق المسح الجيولوجي الأمريكي من النتائج السوفيتية السابقة. ويتوقع أن أفغانستان تمتلك 60 مليون طن من النحاس ومليارين ومئتي طن من خام الحديد ومليونا وأربعمئة طن من العناصر الأرضية النادرة مثل الليثيوم والسيريوم والنيوديميوم، بالإضافة إلى الألمنيوم والذهب والفضة والزنك والزئبق. وتبلغ قيمة الودائع الأرضية النادرة في مقاطعة هلمند وحدها 89 مليار دولار. وقد تتمكن أفغانستان من إطلاق محرك النمو الاقتصادي الحديث ونقل الاقتصاد إلى ما وراء زراعة الخشخاش. كذلك يجعل الممر أفغانستان طريق عبور لصادرات النفط والغاز الطبيعي من آسيا الوسطى إلى بحر العرب.
يمكن أن يكون للموارد المتولدة من التعدين وتصدير المواد الخام والسلع الجاهزة، في وقت لاحق مثل الحديد والألومنيوم، أن تترك تأثيراً تحويلياً على اقتصاد أفغانستان والمجتمع والسياسة في البلد الذي أرهقته الحروب. وقد بقيت ثروات أفغانستان المعدنية غير مستغلة بسبب الافتقار إلى الاتصال بقطاعات الاقتصاد الرئيسية، إضافة إلى عوامل أخرى، وقد يمكّن الاتصال الجديد بالهند من تذليل هذه القيود.
استمرت المناقشات بين الهند وإيران وأفغانستان حول استخدام ميناء تشابهار بعض الوقت، لكنها تسارعت منذ اتفاق P5 + 1 النووي مع إيران. وكانت الدول الثلاث تعول بشكل كبير على إمكانيات تخلص إيران من العقوبات على أمل تغيير الديناميات الإقليمية، ورغم أن انسحاب الولايات المتحدة الأميركية من الاتفاق النووي رتب عودة العقوبات على إيران إلا أن الميناء لم تشمله هذه العقوبات، ومع ذلك فإن المخاوف قائمة بشأن الإبطاء في إنشاء المشروع. وسيوفر الميناء للهند إمكانية الوصول إلى آسيا الوسطى، وسيؤدي الاستثمار في الميناء إلى تحقيق مكاسب استراتيجية فورية للهند.
في 6 مايو/أيار 2015 وقعت نيودلهي وطهران مذكرة تفاهم بقيمة 195 مليون دولار لتأمين مشاركة الهند في تطوير ميناء تشابهار. يسمح ميناء تشابهار للهند، رابعة أكبر مستهلك للطاقة في العالم، بالوصول إلى احتياطيات إيران من النفط الخام بأكثر من 150 مليار برميل و1187 تريليون قدم مكعب من احتياطيات الغاز. كما يسمح للهند بالوصول إلى موارد الطاقة المضافة في آسيا الوسطى، حيث تمتلك كازاخستان وتركمانستان 30 مليار برميل من النفط و265 تريليون قدم مكعبة من الغاز، على التوالي، وكازاخستان تمتلك 679300 طن من اليورانيوم وأكثر من 37000 مليون طن من المواد القابلة للاسترداد واحتياطيات الفحم. وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018 قالت إيران إن المرحلة الأولى من مشروع الميناء التي دشنتها إيران في 2017 قد تمت.
سيساعد ميناء تشابهار الهند على تلبية أقصى طموحاتها التجارية مع دول آسيا الوسطى. في الوقت الحالي تتخلّف الهند كثيرًا عن اللاعبين الإقليميين الرئيسيين مثل الصين وروسيا وتركيا في أحجام التداول مع آسيا الوسطى، بصورة كبيرة بسبب موانع الوصول. على سبيل المثال بلغت قيمة التجارة بين الهند وكازاخستان، أكبر شريك تجاري ثنائي في آسيا الوسطى، 952 مليون دولار في عامي 2014 و2015، و315 مليون دولار مع أوزبكستان في عام 2014. وفي المقابل بلغت التجارة الثنائية بين الصين وكازاخستان 22.53 مليار دولار في عام 2013، وبلغت قيمة مبيعات التجارة بين الصين وأوزبكستان 4.75 مليارات دولار في عام 2014. ووفقا لبعض التقديرات، فإن الهند لديها القدرة على جني ما يصل إلى 450-500 مليار دولار من التجارة عبر آسيا الوسطى وأفغانستان. إن تكامل الهند مع آسيا الوسطى وأفغانستان من خلال ميناء تشابهار، يمكن أن يمكّنها من رفع مستوى تجارتها إلى أقصى إمكاناتها.
لكن، وإلى جانب هذه الخطة الطموحة، تعمل الصين على بعد 100 كيلومتر من ميناء تشابهار على تنفيذ مشروع طموح في ميناء جوادر في باكستان. وتعد مبادرة "الحزام والطريق" خطة الصين الطموحة للاتصال بالدول الآسيوية والأوروبية. ويكوّن "الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني" جزءًا من خريطة الطريق بين البلدين بقيمة 57 مليار دولار يتم تطويرها بموجب الاتفاقية الجديدة من خلال أفغانستان إلى آسيا الوسطى. ويشكل تنفيذ هذه الخطة مصدر قلق للهند التي تشعر بالقلق إزاء وجود الصين على نطاق واسع في المنطقة والاستيلاء على أسواق هذه البلدان، وربما يشجع هذا الاتجاه الهند أكثر للاستثمار في تشابهار.
وتحاول إيران موازنة مصالحها في علاقاتها مع كل من الهند والصين وباكستان وأفغانستان، ويشير هذا التحليل إلى أن إيران اقترحت ربط ميناء جوادر الباكستاني مع ميناء تشابهار الإيراني عبر خط السكك الحديدية. يذكر أن مؤسسة السكك الحديدية الباكستانية قد أكملت أيضًا مسحًا لثلاثة طرق لربط جوادر بأجزاء أخرى من البلاد عبر خط السكك الحديدية. وذكر التقرير أن ربط جوادر عبر خط السكك الحديدية هو جزء رئيسي من الممر الاقتصادي الصيني الباكستاني (CPEC).
72 كيلومترا هي المسافة التي تفصل ميناء تشابهار في إيران عن ميناء جوادر الباكستاني (المصدر: مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية) |
وأعربت إيران بالفعل عن رغبتها في الانضمام إلى هذا الممر. ويقول الخبراء إنه لا يمكن تجاهل أهمية رابط السكك الحديدية في مشروع الحزام. وتحت هذا المشروع يتم بناء العديد من مشاريع البنية التحتية في جميع أنحاء باكستان. وتبلغ قيمة مشاريع الشركة في الأصل 46 مليار دولار، وتبلغ قيمتها الآن 62 مليار دولار. وسيربط المشروع ميناء جوادر الباكستاني بمقاطعة شينجيانغ الصينية.
أهمية ميناء تشابهار لإيران
بسبب المساحة الواسعة لإيران فإن أجزاءها الجنوبية والشرقية ما زالت متخلفة عن ركب المحافظات الإيرانية الأخرى من حيث التنمية والتطوير، وتشكل تهديدا أمنيا لإيران، خاصة مع تزايد نشاط الجماعات المسلحة في منطقة سيستان وبلوشستان، التي تتَّهِم الحكومة بتهميش المحافظة في الخطط الإنمائية للبلاد، ومن هذا الاتهام تنسج التنظيمات المتطرفة خطابًا لاستقطاب الشباب. إن تطوير ميناء تشابهار سيحقق فوائد كبيرة على صعيد التنمية وتوفير فرص العمل في منطقة تعاني التهميش والبطالة. وسيمكّن ربط تشابهار مع أفغانستان وآسيا الوسطى من تعزيز النمو الاقتصادي الإيراني والتنمية. وتأتي الأهمية الرئيسية لميناء تشابهار لإيران من أن مينائي تشابهار وزاهدان سيربطان دلهي ببقية شبكة السكك الحديدية الإيرانية. علاوة على ذلك ستجد إيران الطريقة السهلة لدخول أفغانستان ودول آسيا الوسطى الأخرى. سوق أفغانستان مهم لإيران لأن معظم المنتجات التي تستوردها أفغانستان تأتي من بلدان أخرى وإيران ستكون بلد عبور مهم لتلك السلع.
ووفقا لورقة بحثية سبق لمركز الجزيرة للدراسات أن نشرها بعنوان: هجوم سيستان وبلوشستان: أسبابه وتداعياته داخليًّا وإقليميًّا، تحدث الدكتور حسن أحمديان حول أهمية التنمية في هذه المنطقة وأثرها على الأمن القومي الإيراني. وكان مشروع تنمية ميناء شهيد بهشتي في تشابهار من أهم المشاريع التي أولتها حكومة روحاني اهتمامًا رئيسيًّا باعتباره مشروعًا قوميًّا، ويُتوقَّع أن يحد المشروع من البطالة ويخفّض عدد من يعيشون تحت خط الفقر. وقد استقطبت طهران الهند كشريك رئيسي في المشروع؛ إذ تعتبره الأخيرة مشروعًا محوريًّا لوصلها بالاقتصاد الأفغاني وآسيا الوسطي من خلال إيران. وبالموازاة مع ذلك تنفذ إيران مشاريع أخرى كمشروع سكك حديد تشابهار- إيرانشهر- زاهدان، ومشروع إنشاء مجمّعين للبتروكيماويات في كل من تشابهار وإيرانشهر، ومشروع توسيع مطار زاهدان الدولي، ومشروع تحديث شبكة مياه الشرب وتوسيع شبكة الغاز للاستهلاك المدني في المحافظة.
وقد استثمرت إيران مليارات الدولارات في ميناء شهيد بهيشتي بهدف تحقيق مكاسب من التجارة مع أفغانستان، والاتصال بالطريق التجاري عبر السكك الحديدية بين آسيا الوسطى والمحيط الهندي والمسمّى "الممر الشمالي الجنوبي". وتحضر العقوبات الأميركية في ذهن صانع القرار الإيراني ويقول وزير الطرق الإيراني محمد إسلامي، أنه تحد ليس بجديد، "لقد ولدنا مع العقوبات ونعمل على كيفية مواجهتها". وستواصل إيران تطوير هذا الميناء، وتم استصلاح أكثر من 200 هكتار من الأراضي بطمر البحر، لاستخدامها في المشروع كما تم تجريف أكثر من 17.5 مليون متر مكعب لإحداث عمق 16.5 مترا لرسوّ السفن. وبعد أكثر من عام على بدء تشغيل منشآت الميناء في ديسمبر/ كانون الأول 2017، لم يشهد الميناء حركة كبيرة بعد، لكن حسين شهدادي المسؤول في هيئة الموانئ والملاحة البحرية يؤكد إنه في الأشهر الـ11 الأولى من السنة الإيرانية الماضية التي بدأت في 21 مارس 2018 «شهد الميناء زيادة بنسبة 56 في المائة في البضائع التي تم استقبالها مقارنة مع العام الذي سبق». وأضاف: «كما سجلت زيادة بنسبة 25 في المائة في عدد السفن التي رست في الميناء» على خليج عُمان.
أهمية ميناء تشابهار للهند
يتيح ميناء تشابهار للهند الوصول إلى أفغانستان وآسيا الوسطى وأوروبا، وانخرطت الهند في بناء هذا الميناء منذ التسعينيات من القرن العشرين بغية الوصول إلى هذه المناطق. ويحتل الميناء موقعا مهماً في قائمة الطموحات الاقتصادية الهندية. ويلاحظ أن الهند انخرطت ببناء الطرق في إيران وأفغانستان من أجل ربط تشابهار بأفغانستان وآسيا الوسطى. يقدر إجمالي الثروة المعدنية الأفغانية بما بين تريليون إلى ثلاثة تريليونات دولار، وفقًا للمسح الجيولوجي الأمريكي. وظلت هذه الرواسب المعدنية غير مستغلة بسبب الافتقار إلى الاتصال بالاقتصاد الرئيسي، من بين عوامل أخرى. وستتم معالجة هذه القيود من خلال هذا الاتصال الجديد بالهند.
بين عامي 2005 و2009، أنفقت الهند 100 مليون دولار لإنشاء طريق من ديلارم في أفغانستان إلى زرنج على الحدود الإيرانية الأفغانية. وأقامت إيران أيضًا طريقًا بين تشابهار وميلاك، القريب من زرنج. ومن خلال ميلاك تم التأسيس لاتصال زرنج وديلارم مع "طريق جارلاند" الأفغاني الذي يربط بين المدن الرئيسية في أفغانستان، هيرات وقندهار وكابل ومزار الشريف. وبمجرد دمج هذا الميناء مع ممر النقل الدولي في الشمال والجنوب، ستتمكن الهند من الوصول إلى روسيا وأوروبا. سيوفر هذا الميناء للهند أيضًا إمكانية الوصول إلى الشرق الأوسط. تشير الدراسات إلى أن الممر في تشابهار قد يخدم الهند بخفض التكاليف بالإضافة إلى الوقت المستغرق لنقل تجارة البضائع إلى أوروبا بنسبة تقارب 50?.
الممر في تشابهار قد يخدم الهند بخفض التكاليف والوقت المستغرق لنقل تجارة البضائع إلى أوروبا (المصدر: مركز أفغانستان للأبحاث الاستراتيجية) |
خطة الهند لتشابهار
أ- ستقوم الهند بتطوير وتشغيل ميناء تشابهار، وسوف تستثمر شركة
(India Ports Global) -ذراع الاستثمار في مشروع الميناء الذي تم تشكيله مؤخرًا في وزارة الشحن والمشروع المشترك بين ميناء جواهر لال نهرو ترست وميناء كاندلا- 85 مليون دولار في تطوير رصيفين للحاويات بطول 640 مترًا وثلاثة مراسٍ للبضائع المتعددة الشحنات.
ب- ابتداء من العام الثالث سوف تسير الهند 30000 حاوية من البضائع في الميناء. وسترتفع الكمية إلى 250000 حاوية بحلول العام العاشر. وستقوم هيئة السكك الحديدية الحكومية (IRCON International) بتسيير خط سكة حديد في تشابهار لنقل البضائع مباشرة إلى أفغانستان. سيربط خط السكك الحديدية -الذي يبلغ طوله 500 كيلومتر بين تشابهار وزاهدان- دلهي ببقية شبكة السكك الحديدية الإيرانية. يتحدث جزء من الاتفاقية أيضا عن منطقة تجارة حرة. وستنشئ الشركات الهندية مجموعة من الصناعات من مصهر الألمنيوم إلى معامل اليوريا في المنطقة، وستقوم شركة (NALCO) المملوكة للدولة بإنشاء مصنع للألمنيوم.
هناك العديد من الأسباب التي تجعل ميناء تشابهار مهمًا للهند، حيث توفر المنطقة وصولاً مباشراً إلى ثلاث مناطق وهي: آسيا الوسطى وجنوب آسيا وغرب آسيا، كما أنها تقاطع رئيسي لطرق الشحن وتجارة النفط، خاصة وأن منطقة الخليج تمتلك ثلثي احتياطي النفط العالمي، وتقول التقديرات أن 17 مليار برميل من النفط الخام يمر بهذه الطريقة يوميا. ورغم الأهمية السياسية للميناء بالنسبة للدول الثلاث، فإنه أكثر أهمية من الناحية الاقتصادية والاستراتيجية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ترجمة وتلخيص: *فاطمة الصمادي - باحث أول بمركز الجزيرة للدراسات متخصصة في الشأن الإيراني.