اغتيال سليماني زاد من الاصطفاف الإقليمي في الشرق الأوسط

9 January 2020
المتحدثون من اليمين: محجوب زويري، الحواس تقية، لقاء مكي، محمد الشرقاوي، ومدير الندوة محمد دحو. (الجزيرة)

خلصت ندوة فكرية نظَّمها مركز الجزيرة للدراسات، أمس الأربعاء 8 يناير/ كانون الثاني 2020، في العاصمة القطرية، الدوحة، تحت عنوان "بعد مقتل قاسم سليماني: أين يتجه الشرق الأوسط؟"، إلى أن الولايات المتحدة الأميركية لن تسحب قواتها من منطقة الشرق الأوسط بعد مقتل سليماني كما تريد إيران وإنما قد تعيد توزيعها وانتشارها.

وأكدت الندوة أن الخسارة الإيرانية بمقتل سليماني كبيرة نظرًا للخبرات التي راكمها في تعامله مع الملفات السورية والعراقية واللبنانية والأفغانية، لكن خليفته -صاحب الخبرة الواسعة في الملف الأفغاني- ربما يُنشِّط الساحة الأفغانية كساحة مواجهة ضد القوات الأميركية.

وانتهت الندوة كذلك إلى أن التوترات العاصفة التي شهدها الخليج في أعقاب اغتيال سليماني، والشعور الكبير بالقلق الذي ساد العواصم الخليجية من احتمال اندلاع حرب شاملة بين إيران والولايات المتحدة تطول شظاياها دول الخليج، جعل الفرصة سانحة أمام هذه الدول لمزيد من التقارب وتجاوز الخلافات البينية والإسراع في استعادة اللحمة الخليجية وإعادة تفعيل منظومة مجلس التعاون الخليجي.

السياقات والخلفيات

وكانت الندوة سابقة الذكر قد بدأت باستحضار السياقات والخلفيات التاريخية التي يمكن من خلالها فهم عملية اغتيال الجنرال الإيراني، قاسم سليماني. وفي هذا الصدد، قال الدكتور محجوب زويري، مدير مركز دراسات الخليج بجامعة قطر: إن عملية الاغتيال سبقتها أحداث مهمة، من أبرزها الانسحاب الأميركي من الملف النووي، وإعادة فرض العقوبات الاقتصادية عليها وما سبَّبته من إحراج للقيادة الإيرانية، ازداد مع تدهور قيمة العملة وارتفاع مستوى التضخم، وصولاً إلى استهداف القاعدة الأميركية في العراق ومقتل متعاقد عراقي يحمل الجنسية الأميركية، فضلاً عن أحداث الشغب التي وقعت في محيط السفارة الأميركية في بغداد. وفي المقابل، ردت الولايات المتحدة باستهداف ميليشيا حزب الله العراقي، وبعض فصائل الحشد الشعبي الأخرى، ثم جاءت ضربتها الكبرى باغتيال قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي.

وعن هذه العملية تحديدًا، قال زويري: إنها تجاوز لما تعارفا ضمنيًّا عليه الجانبان، الإيراني والأميركي؛ إذ كان بينهما ما يشبه التفاهم غير المكتوب باستثناء قيادات الصف الأول من عمليات الاغتيال، وهذا ما جعل سليماني يتنقل بين العراق وسوريا ولبنان بأريحية ودون احتياطات أمنية كبيرة.

وتعليقًا على الرد الإيراني بإطلاق بعض الصواريخ على قاعدتي عين الأسد وأربيل في العراق، قال زويري: إن هذا الرد جاء محسوبًا بدقة كي يحقق بعض ما تريده إيران وفي نفس الوقت يحول دون اندلاع حرب شاملة بينها وبين الولايات المتحدة.

واختتم زويري مداخلته بالقول: إن الولايات المتحدة باتت على قناعة بضرورة تعدد اللاعبين الإقليميين في منطقة الشرق الأوسط وإحداث نوع من التوازن الإقليمي بين تركيا وايران، وإن على دول الخليج العربي البحث عن مقاربة لأمنها المهدد بتفكير إبداعي خارج الصندوق في ظل إصرار إيران على إخراج الولايات المتحدة من معادلة الأمن الخليجي.

تصدير الأزمات

من جانبه، قال الدكتور محمد الشرقاوي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات، والخبير في الشأن الأميركي: إن ترامب افتعل هذه الأزمة الخطيرة مع إيران باغتياله قاسم سليماني ليصدِّر أزمته الداخلية إلى الخارج، اعتقادًا منه أن ذلك يقوِّي مركزه في الانتخابات الرئاسية التي ستُجرى هذا العام.

وعن احتمالية سحب القوات الأميركية قواتها من الشرق الأوسط بعد مقتل سليماني، قال الشرقاوي: إن ذلك أمر مستبعد، وغاية الأمر أن تعيد توزيع ونشر هذه القوات.

وأوضح الشرقاوي أن العلاقات الأميركية-الإيرانية أضحت محكومة بالعلاقة الشخصية العدائية بين مرشد الثورة، علي خامنئي، والرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وأن المتضرر الأكبر من هذه الصراعات هو الساحات والميادين التي تدور رحاها عليها كالساحة العراقية حاليًّا، على سبيل المثال.

وعن تداعيات الصراع الأميركي-الإيراني على دول الخليج، أشار الشرقاوي في مداخلته إلى أن هذه الدول باتت مطالبة بأن تحدد موقفها من هذا الصراع، وتقرر مع من تقف.

واختتم الشرقاوي حديثه بإبداء التخوف من ظهور داعش "شيعية" على غرار داعش "السنية" إذا ما استمر الصراع على هذه الدرجة من السخونة ولم يجد طريقه للحل والتسوية.

العراق في العلاقة الإيرانية-الأميركية

وفي مداخلته، تحدث لقاء مكي، الباحث الأول في مركز الجزيرة للدراسات وخبير الشأن العراقي، عن تداعيات أزمة اغتيال سليماني على العراق، واستعرض تاريخ التعاون الإيراني-الأميركي فيما يتعلق بالشأن العراقي، وبخاصة إبَّان الترتيب لاحتلال العراق، عام 2003، وما دار من اتصالات ولقاءات بين جواد ظريف، الذي كان يشغل منصب مندوب إيران الدائم في الأمم المتحدة في ذلك الوقت، وبين زلماي خليل زاد، الدبلوماسي الأميركي ومسؤول ملف الاتصال بالمعارضة العراقية وبإيران في تلك المرحلة، وكيف اتفق الطرف –بحسب ما جاء في مذكرات خليل زاد- على استخدام الأجواء الإيرانية في العمليات العسكرية ضد العراق، فضلًا عن التنسيق بين إيران وحلفائها في العراق سواء كانت أحزابًا سياسية أم جماعات مسلحة بغية عدم مقاومة الوجود الأميركي هناك، حتى أصبحت -والكلام للقاء مكي- إيران هي المتحكم الرئيس في القرار السياسي العراقي. 

وانتقل لقاء مكي في مداخلته إلى الحديث عن الجنرال سليماني؛ فقال: إنه كان المهندس الأول لعمليات إيران في العراق، ولولا تدخله إبَّان الانتفاضة الشعبية التي وصلت ذروتها قبل اغتياله لاستمرت هذه الانتفاضة ولأحدثت تغييرًا في المعادلات الداخلية، خاصة بعد أن وصلت تلك الانتفاضة إلى ما يشبه الانقلاب الصامت داخل مؤسسات الدولة على الطبقة الحاكمة. 

واختتم مكي حديثه بالتأكيد على حاجة دول الخليج إلى إعادة النظر في علاقاته البينية وتحسين هذه العلاقة على خلفية التحديات الكبيرة التي تواجهها، لاسيما مع استمرار حالة "الخشونة" في العلاقات الإيرانية-الأميركية على الأقل خلال المدى القريب والمتوسط.

تقارب خليجي

وكان آخر المتحدثين الحواس تقية، الباحث في مركز الجزيرة للدراسات، وقد سلَّط الضوء في مداخلته على أهمية الوجود الأميركي بالنسبة لأمن واستقرار العراق والخليج، وكيف أن غياب أميركا لسبب أو لآخر عن المنطقة من شأنه أن يخل بالتوازن القائم، وقال: إذا رحلت الولايات المتحدة من العراق فإن الفراغ الذي ستُخليه سرعان ما ستملؤه إيران بأكثر مما تفعل حاليًّا، وستكون في هذه الحالة بمنزلة من يساعد في بروز عراق غير صديق لدول الخليج. 

وعن وضع الشرق الأوسط حاليًّا، خاصة بعد اغتيال سليماني، قال تقية: إن ثمة محورين كبيرين باتا مشاهديْن في الشرق الأوسط وإن السياسات والأحداث والصراعات والأزمات تتوزع على هذين المحورين، الأول: هو المحور الإيراني-الروسي-التركي، والمحور الثاني هو الأميركي-السعودي-المصري-الإماراتي-الإسرائيلي، وتوقع حواس أن يستمر التجاذب بين هذه المحورين عاملًا مؤثرًا في ديناميات الشرق الأوسط خلال السنوات القادمة. 

واختتم الحواس تقية مداخلته بالتأكيد على أن التوتر الذي صاحب عملية اغتيال سليماني ووضع منطقة الخليج على حافة الحرب أعاد التأكيد على أهمية التقارب بين هذه الدول درءًا للمخاطر الخارجية، خاصة وأنه على المستوى الشعوري والسياسي كانت المواقف متقاربة فيما يخص تخفيض حدة الأزمة والبحث عن حلول سلمية.