مناعة قطر النقدية: استقرار الريال في الظروف الاستثنائية

سعت دول الحصار إلى ضرب استقرار الريال القطري بفك ارتباطه مع الدولار، واعتزمت تحقيق مبتغاها بإغراق الأسواق بالأوراق المالية القطرية حتى تنهار قيمتها.
رويترز
ثبات الريال في وجه العواصف (رويترز)

من بين الأهداف التي وضعتها دول الحصار لزعزعة الاقتصاد القطري كسر الربط بين الريال القطري والدولار الأميركي. ولتنفيذ هذا المخطط، شنَّت هذه الدول هجمات على السوق الآنية والآجلة للريال (أي الطلب على الريال وتسليمه يتم في اللحظة أو في أوقات متباعدة بين الحاضر والمستقبل) في منصات عالمية خارجية مثل قاعدة بيانات بلومبيرغ ورويترز للنشاطات المالية والاقتصادية. كذلك استهدفت السندات القطرية (صكوك تصدرها الحكومة القطري وتتمول ببيعها) بنفس الطريقة لإثارة الذعر بين المستثمرين الأجانب، وتفاقم الضغط على الريال. دفعت هذه الهجمات الحكومة القطرية للدفاع عن سياسة الربط معتمدة أساسًا على بيع استثمارات من أجل الحصول على السيولة المالية، واستعمال جزء من احتياطيات النقد الأجنبي. وبالرغم من أن قطر تحملت  بعض الأعباء جرَّاء هذا الهجوم إلا أنها نجحت في امتصاص الصدمة وتجاوز الآثار السلبية التي تعرض لها الاقتصاد القطري.  

العمود الفقري للريال

تعتمد قطر بشكل واسع على مؤسساتها الرسمية المتمثلة في مصرف قطر المركزي، ووزارة المالية، وهيئة الاستثمار القطرية، وتدير الأخيرةُ شركةً تابعة لها في الخارج للتصرف في محافظ السندات القطرية. اختارت الحكومة نظامًا ثابتًا لسعر صرف الريال مقابل الدولار الأميركي. هذا القرار ربط العملة القطرية -الريال- بسعر صرف يساوي 3.64 ريال للدولار الأميركي، وقد بقيت هذه القيمة مستقرة لأكثر من عقد من الزمان. ويوفر هذا النظام الثبات والثقة للمستثمرين الأجانب ويعتبر حجر الأساس للسياسة النقدية القطرية. تقوم الحكومة القطرية بإصدار سندات حكومية مقومة بالدولار الأميركي ويتم تسويقها في الولايات المتحدة وبقية العالم، وتقوم شركات التأمين الأميركية الكبيرة، بالإبلاغ علنًا عن حيازتها للسندات السيادية القطرية.

في يونيو/حزيران 2017، فرضت الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية والبحرين ومصر حصارًا عدائيًّا على دولة قطر واتخذت عددًا من الإجراءات لإلحاق الضرر بقطر على كل المستويات.    

كان من بين أهداف الحصار مهاجمة العملة القطرية وزعزعة الثقة فيها. في 9 يونيو/حزيران، وصلت قيمة الريال مقابل الدولار الأميركي إلى أدنى مستوى له منذ ديسمبر/كانون الأول 2015 في السوق الخارجية؛ مما أثار المخاوف من انخفاض قيمة العملة بشكل كبير. تتمثل صورة الهجمة الاقتصادية على قطر في التالي: سعت دول الحصار في مرحلة أولى لافتعال صدمة على السوق الآنية والآجلة للريال، تكون بزيادة المعروض من الريال حتى تنخفض قيمته. تلتها حملات إعلامية تنشر الأخبار الزائفة بخصوص الريال القطري هدفها  خلق حالة من الهلع والارتباك في السوق، كالقول بأن قطر تفتقد الاحتياطيات الكافية من الدولار لمبادلتها بكمية الريالات المتداولة؛ مما قد يؤدي الى عواقب وخيمة على الريال ورؤوس الأموال داخل البلاد. ويتزامن ذلك مع زيادة الطلب على العملة الأجنبية وخاصة الدولار. من جهة أخرى، فإن إثارة الارتباك لدى المستثمرين في السندات القطرية سيدفعهم نحو التخلص منها، ويؤدي ذلك إلى انخفاض قيمتها. هذه الحالة يمكن أن تؤدي إلى المزيد من الهلع وتدفع المزيد من المستثمرين في السندات والأصول القطرية وكذلك الأفراد الذين يحملون الريال إلى سرعة التخلص من العملة القطرية وربما أيضًا الاستثمارات والأصول المقوَّمة بها؛ ويؤدي ذلك إلى خروج رؤوس الأموال وانخفاض قيمة العملة بشكل سريع ودراماتيكي.

هذا الوضع سيدفع الحكومة القطرية لاتخاذ جملة من التدابير للدفاع عن الربط بالدولار الأميركي؛ تتلخص في امتصاص الفائض من الريالات في السوق؛ فيمكن أن تأمر الحكومة البنوك التي تنشط في الاقتصاد بشراء المزيد من الريالات، أو رفع أسعار الفائدة بين البنوك لإنقاص المعروض من الريال. لكن ديمومة هذا الوضع ستدفع الأجانب للتفكير في سحب أموالهم. ستضطر قطر حينها إلى تضييق القوانين للحفاظ على احتياطيات ها من الدولار؛ فكلما كانت الحكومة لا تملك الأدوات الكافية لحماية سياسة التثبيت أو الربط أمام الدولار الأميركي كان من السهل النجاح في مهاجمة نظام سعر الصرف لأنه سيتعرض لضغوط كبيرة ومضاربات متكررة في أوقات الأزمات الاقتصادية الحادة. في ذلك الوقت سيكون على السلطة النقدية بذل جهد كبير للمحافظة على سعر صرف الريال مقابل الدولار الأميركي. وفي حالة تواصلت الضغوط من أجل الخفض المستمر لقيمة الريال ستضطر الحكومة لاستنزاف الاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية، مما يعني أنها ستقوم بشراء الكميات الزائدة من الريال المعروضة في الأسواق مقابل بيع العملة الأجنبية بالسحب من الاحتياطيات الأجنبية، مع العلم بأن نظام سعر الصرف الثابت بحاجة إلى كميات هائلة من الاحتياطيات الأجنبية تُخصَّص للدفاع عنه (تكون في حالة شبه سائلة أو جاهزة للاستدعاء عند الحاجة).

بصفة عامة، ورغم التكلفة التي تحملتها قطر جرَّاء الهجمة على عملتها والحصار الاقتصادي في كل المجالات، نجحت قطر في التصدي لها وتجاوز آثارها السلبية. 

هذه التجربة الناجحة في إدارة الأزمات مكَّنت قطر من التعامل بمرونة وبسرعة للتصدي لأزمة جديدة مرتبطة هذه المرة بتفشي فيروس كورونا؛ حيث دفع هذا الوباء الحكومة لإقرار حزمة تحفيزية مالية هدفها استقرار المؤشرات الاقتصادية. لكن سياسة تحفيز الاقتصاد والتخفيف من أثر انتشار فيروس كورونا يمكن أن تؤدي إلى تحديات أخرى تتمثل في صعوبة إدارة العجز في الموازنة أو خفض الدعم، خصوصًا مع استمرار تهاوي أسعار النفط. ورغم أن تأثر قطر المباشر أقل شدة من الدول الخليجية الأخرى فإن هذا الوضع يمكن أن يدفع قطر للاستعانة باحتياطياتها المالية الضخمة إذا لم تنتعش أسعار النفط وتواصَلَ الوباء لفترة طويلة. ولمجابهة هذا الوباء، انتهجت قطر بصفة خاصة سياسة ركزت على الدعم المباشر لقطاعات النقل والسياحة والضيافة والشركات المختلفة، وذلك بخلاف بعض الدول الأخرى التي قدمت دفعات مالية لدعم السيولة وخفضت الفائدة. كذلك دعمت الحكومة البورصة القطرية بمبلغ 10 مليارات ريال قطري عبر زيادة استثمارات الصناديق الحكومية في البورصة. كان هدف هذه الإجراءات تدعيم الثقة عند الأفراد من مستهلكين ورجال أعمال ومستثمرين محليين وأجانب. وكان للخبرة التي تمتلكها الحكومة القطرية في التعامل مع الأزمات -خاصة بعد أزمة الحصار والحرب على قيمة العملة الوطنية منذ 5 يونيو/حزيران 2017- الأثر الإيجابي على سلوكها في الأزمة الحالية.

نوع الهجوم على الريال القطري وحجمه

قامت دول الحصار برسم مخطط للتأثير على قيمة العملة المحلية لدولة قطر عبر جملة من الإجراءات المضلِّلة(1). كان أولها بث أخبار زائفة مفادها أن عدة مدن في أوروبا أوقفت التداول بالريال القطري. وتزامنت تلك الأخبار مع بداية الإجازات لعيد الفطر. كانت الجهة المسؤولة مباشرة عن هذه الأخبار هي شركات الصرافة التابعة للأذرع الاستثمارية لأبوظبي، فمثلًا أعلنت شركة صرافة تسمى ترافيليكس، والتي تمتلكها شركة إماراتية للاستثمار، توقف التداو ل بالريال القطري في بريطانيا.  

انخرطت دول الحصار في سلوك غير قانوني ومتلاعِب استهدف عدة منصات وأسواق في ولاية نيويورك وأماكن أخرى من العالم، في محاولة لخفض قيمة العملة القطرية(2). تضمنت الخطة، مخططًا لكسر صلتها بالدولار الأميركي. حاولت هذه الدول تخفيض قيمة الريال بشكل مصطنع من خلال تقديم الآلاف من عروض البيع والشراء الوهمية ومنخفضة القيمة إلى منصات العملات الأجنبية التي تستضيفها Reuters وBloomberg  في ولاية نيويورك الأميركية، والتلاعب في أسعار صرف العملات الأجنبية المركبة التي جمعتها الجهتان السابق ذكرهما ونشرتها في السوق. كان للعروض الوهمية تأثير آني حسب المخطط له من طرف دول الحصار: لقد غيروا المعدلات المركبة (هي مجموعة متغيرات تتحكم في تحديد سعر العملة) لكل من Bloomberg وReuters لإظهار سعر منخفض لقيمة الريال. وقد تسببت عروض الأسعار المزيفة في انخفاض حاد في أسعار صرف الريال مقابل الدولار. مثلًا، انخفض السعر العام الخارجي للريال المعلن من طرف Bloomberg بشكل حاد من 3.75 ريالات إلى 3.79. وبالمثل، في اليوم الثاني من عطلة عيد الفطر، 24 يونيو/حزيران 2017، انخفض السعر المركب الخارجي من 3.79 إلى 3.81. هذا التلاعب بمعدلات Bloomberg أثَّر بشكل كبير على الأسواق، لأن هذه المعدلات تعتمد عليها البنوك والمستثمرون والمؤسسات المالية الأخرى في العالم.

من جهة أخرى، قامت دول الحصار باستعمال نفس الأساليب السابق ذكرها للتأثير على سوق العملات الآجلة للريال القطري. على سبيل المثال، قامت إحدى المؤسسات البنكية لدول الحصار بتقديم الآلاف من عروض الأسعار منخفضة القيمة يوميًّا (أي بيع الريال مقابل دولارات أقل من السعر الثابت الذي حددته السلطات القطرية) إلى منصة Bloomberg للعملة الآجلة في يوليو/تموز 2017 إلى نوفمبر/تشرين الثاني 2017(3). من جهة أخرى، استُهدفت البورصة القطرية عبر محاولات التخارج (تصفية الأسهم والسندات) بأقل الأسعار من طرف مواطنين لدول الحصار للتأثير السلبي على سلوك المستثمرين في البورصة. هذا التأثير يتمثل في دفع المستثمرين إلى بيع السندات القطرية بأسعار منخفضة مما قد يسبِّب انهيار قيمة الريال القطري مقابل الدولار الأميركي.

تكرُّر هذه العروض الوهمية من طرف دول الحصار أثَّر بشكل مباشر على سلوك المستثمرين في السندات القطرية في أماكن عديدة من العالم. كذلك من الآثار الأخرى لهذه الهجمة أن قيمة السندات القطرية المقوَّمة بالدولار الأميركي انخفضت أكثر من النصف، وارتفع معها معدل أسعار مبادلة مخاطر الائتمان (أي إن سعر تأمين السندات القطرية صار مرتفعًا لأن الجهات التأمينية باتت تشكُّ في قدرة قطر على سداد مستحقات السندات التي أصدرتها). كان الهدف من وراء ذلك هو خروج المستثمرين الذين يمتلكون سندات قطرية من الأسواق العالمية، وإقناع العالم بأن قطر لم تعد مناسبة للاستثمار. 

ويتمثل التلاعب في سعر السندات القطرية في الانخراط في المعاملات المزيفة، بما في ذلك المبيعات الصورية، المعدة لخفض سعر السندات؛ حيث تقوم جهات معينة ببيع نفس الحيازات من السندات إلى البائع الأصلي مرة أخرى وبالتالي يُحدِثون ضغطًا إضافيًّا لخفض أسعار السندات. ولكن العملية محصورة بين أطراف معينة ضمن دائرة مغلقة بحسب خطة متفق عليها مسبقًا. والهدف من هذه العملية هو الإيحاء بأن هناك حركة تعامل كبيرة على السندات القطرية وبأسعار منخفضة، مما يعطي تصورًا بأن هناك خللًا اقتصاديًّا يحدث في قطر(4)

الهجوم على السندات القطرية أخذ عدة طرق، منها: أولًا: مهاجمة سعر صرف الريال مقا بل الدولار من أجل تخفيض قيمة جميع السندات القطرية؛ حيث سيتم دفع المشاركين في السوق إلى الاعتقاد بشكل خاطئ بأن الثقة في السوق القطرية منخفضة. ثانيًا: من خلال نشر عروض أسعار ذات قيمة منخفضة عبر منصتي  Bloomberg Reuters. كذلك تم تسجيل سحب مجموعة من الكيانات والأفراد تابعين لدول الحصار فجأة أكثر من 8 مليارات دولار من البنوك القطرية. من المخطط أن يسبِّب هذا السحب من البنوك القطرية أزمة سيولة في قطر، واستنفاد احتياطيات الدولار الأميركي من البنوك القطرية. كان هدف دول الحصار هو إثارة الذعر بين المستثمرين الأجانب، وتفاقم الضغط على الريال ليفقد قيمته أمام الدولار الأميركي(5)

شبكات الأمان    

كان الهدف الرئيسي لدول الحصار من استهداف الريال القطري هو كسر الربط مع الدولار. نجاح هذه الخطة سيخفض قيمة العملة القطرية ويؤدي الى عواقب اقتصادية وخيمة؛ حيث سيتم خفض قيمة الأصول القطرية، وسيطالب المستثمرون الأجانب بقيمة استثماراتهم في قطر. هذا التطور سيضع الحكومة القطرية أمام خيارات صعبة؛ من بين هذه الخيارات ترك الريال القطري ينهار بفقدان قيمته بانفصاله عن الدولار، وبالتالي سيرتفع معدل التضخم بشكل حاد مما سيسبِّب سلسلة من الارتدادات داخل الاقتصاد القطري، تشمل كل القطاعات وخاصة القطاع المصرفي الذي يمكن أن يسجل خروجًا غير مسبوق للودائع وتدهور الكتلة النقدية في الاقتصاد. الاختيار الآخر هو انتهاج سياسة دفاعية عن العملة الوطنية من طرف الحكومة القطرية. هذا الدفاع يتمثل في استعمال جهاز قطر للاستثمار لتسييل المليارات من الأصول بالعملات الأجنبية لتغطية العملة الوطنية، ولكن هذا الخيار يمكن أن يؤدي إلى استنزاف الجهاز الاستثماري لدولة قطر.

من أجل تحقيق الاستقرار في أسواق العملات، اتخذت قطر إجراءات سريعة للرد على هذا الهجوم تحملت خلالها قطر مليارات الدولارات من الأعباء؛ حيث قامت قطر باستخدام أكثر من 40 مليار دولار لدعم عملتها والحفاظ على الربط مع الدولار الأميركي. كما قامت ببيع استثمارات، واستعمال جزء من احتياطيات النقد الأجنبي. قيمة بيع الاستثمارات بلغت ما يقرب من 3 مليارات دولار من أذون الخزانة الأميركية والأوراق المالية المحفوظة في الحسابات الموجودة في مقاطعة نيويورك، وكذلك أوراق مالية أخرى مقومة بالدولار الأميركي تحقق عائدًا مرتفعًا. كان الهدف من وراء هذه العملية توفير عائدات للبنوك في قطر. كما تم خلال هذه الهجمة تحويل الاحتياطيات المالية المحتفظ بها في ولاية نيويورك وأماكن أخرى في العالم إلى البنوك في قطر.

بصفة عامة، هذا يعني أن الحفاظ على الربط مع الدولار الأميركي يتطلب استخدامًا مكثفًا لاحتياطيات النقد الأجنبي لدى البنك المركزي. كما تواصلت قطر مع أصدقائها عبر العالم لطمأنه شركائها. على  سبيل المثال، تدخلت بريطانيا من خلال جماركها ومؤسساتها المالية لتؤكد على استمرار تداول الريال في السوق البريطانية بشكل طبيعي، فكان ذلك الفشل الأول لمخططات دول الحصار في حربها على النظام المالي القطري. من جهة أخرى، أكدت دائرة الضرائب والجمارك البريطانية أنها لم توجِّه بعدم التعامل بالعملة القطرية، كما أن ثبات المستثمر القطري على الثقة في الريال حفزت السوق وحافظت على استقرار نوعي.

كما كان الرد سريعًا على محاولات زعزعة استقرار القطاع المصرفي والضغط على المستثمرين والمقيمين المحليين لنقل الودائع ورؤوس الأموال خارج الاقتصاد القطري. قامت الحكومة بضخِّ أموال كبيرة في شكل ودائع في الجهاز المصرفي، تقدر بـ19 مليار دولار، والمصرف المركزي بـ9 مليارات دولار في أول شهرين من الأزمة لتعزيز السيولة المحلية والتعويض عن خروج رؤوس أموال. وتقدر ودائع دول الحصار بـ 15–20 مليار دولار من مجموع 52 مليار دولار ودائع غير المقيمين في قطر، وبنسبة 25% من ودائع القطاع المصرفي. كما ردَّ مصرف قطر المركزي على ذلك بالقول إنه سيوفر العملة من الدولار لجميع المستثمرين وإنه يعمل مع البنوك بما يكفل تنفيذ المعاملات بشكل طبيعي.

كما لعبت عوامل أخرى دورًا في تقليل التأثيرات السلبية للحملات المتكررة للضغط على النظام المالي لقطر. من بين هذه العوامل ضعف عرض الريال القطري في الأسواق الخارجية نظرًا لعدم وجود طلب عالي على مثل هذه العملات في الخارج. كذلك الوضع بالنسبة للسندات القطرية، فهي جُلُّها في وضع غير سائل، أي إن التداول عليها محدود جدًّا. هذه السندات في الغالب يتم شراؤها من طرف بنوك وصناديق استثمار عالمية قوية تُبقي عليها لقبولها الائتماني والعائد الجيد عليها، كما تحظى السندات السيادية القطرية بتصنيف ائتماني مرتفع من طرف مؤسسات عالمية موثوقة. بالإضافة إلى ذلك، فإن الحكومة كانت مستعدة لكل السيناريوهات مبكرًا وقد تم أخذ التدابير الضرورية لمواجهتها، وترصد سوق سندات الدَّيْن القطرية عن كثب. وفي النهاية، فإن مستوى الاحتياطيات النقدية والسيادية الكبير من الصرف الأجنبي لدى المصرف المركزي والحكومة تجعل من نجاح هذه المحاولات أمرًا صعبًا(6).

من جهة أخرى، شكَّل بنك قطر المركزي لجنة طوارئ داخلية لرصد التطورات في مختلف قطاعات القطاع المالي، واعتمادًا على تقديرها من خلال تحليل البيانات عالية التردد (مثل البيانات اليومية) حول معايير مختارة للقطاع المالي، أوصت اللجنة بجملة من المقترحات للسياسة النقدية التي يمكن أن يعتمدها بنك قطر المركزي. كما اتخذ بنك قطر المركزي تدابير سريعة لإدارة السيولة التي تعرضت لانخفاض ملحوظ وذلك بإسناد من الحكومة وكيانات القطاع العام. كما تم تفادي هجوم المضاربة على العملة من خلال إعلان الجهات الرسمية في دولة قطر عن دفاعها والتزامها بسياسة ربط الريال بالدولار الأميركي.

ثبات الريال

تعرضت قطر، خلال 2017، لحملة من طرف دول مجاورة تمثلت في غلق الحدود وإعلان إجراءات تعسفية هدفها إضعاف الاقتصاد القطري، بإلحاق أكبر ضرر اقتصادي ممكن بدولة قطر، من خلال زعزعة استقرار العملة الوطنية، والدفع نحو هروب رؤوس الأموال، واستنزاف الاحتياطيات السيادية وزعزعة الاستقرار الاقتصادي. من بين هذه الإجراءات عمليات الهجوم التي تم شنها على العملة المحلية. استعملت دول الحصار عدت وسائل لبث الشائعات بأن الريال القطري انخفضت قيمته والتأكيد على كسر الربط مع الدولار الأميركي. 

هذا الهجوم يمكن أن تكون له آثار على نطاق أوسع مما كانت تتوقعه دول الحصار؛ فمن المحتمل أن تتعرض عملات هذه الدول لانهيار غير متوقع ويؤدي ذلك إلى انهيار تنسيق السياسة النقدية وهدف العملة الموحدة عبر مجلس التعاون الخليجي. في تلك الحالة، يمكن أن تصبح عملة قطر المرتبطة بالدولار الأميركي سلاح دمار متبادل. وقد ذكر العديد من المحللين أهمية احتياطيات قطر الكبيرة من العملات الأجنبية وغيرها من الأصول التي يمكن الاعتماد عليها لدعم ثبات الريال مع الدولار الأميركي ودعم استقرار السوق. هذا  الرأي نجده مثلًا عند وكالة موديز التي أكدت على أن الاحتياطيات المالية في قطر "قوية نسبيًّا"، لكنها س لَّطت الضوء على حقيقة أن العديد من أصولها غير سائلة، مما يعني أن "ارتفاع تدفقات الاستثمار الأجنبي  نحو الخارج سيستنزف احتياطيات النقد الأجنبي". 
بصفة عامة، تمكنت دولة قطر من الصمود أمام هذه الهجمة رغم ما سبَّبته من بلبلة وارتباك في الأسواق الخارجية والداخلية. يمكن لقطر أن تفكر في اتخاذ خطوات أخرى في المستقبل لتعزيز الريال إذا لزم الأمر، مثل أخذ مدفوعات لصادرات الغاز الطبيعي المسال بالريال بدلًا من الدولار؛ الأمر الذي سيخلق طلبًا عالميًّا على عملتها. 

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) أحمد فضلي، "مدعومًا بالاحتياطيات والأصول ومتانة الاقتصاد، خبراء: الريال ثابت والسندات محمية.. وتحق لقطر ملاحقة محاولات التلاعب بالعملة"، 14 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020):  https://lusailnews.net/article/_/miscullaneous/14/11/2017 / خبراء-الريال-ثابت-والسندات-محمية..-وتحق-لقطر-ملاحقة-محاولات-التلاعب-بالعملة 

(2) رويترز (الجزيرة نت)، "خبير نقدي: الإضرار بالريال القطري قد يؤثر على المنطقة"، 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020):  https://www.aljazeera.net/news/ebusiness/2017/11/27 / خبير-نقدي-الإضرار-بالريال-القطري-قد-يؤثر-على-المنطقة

(3) نيكولا مقاي "Qatari currency at weakest since ’98; peg under ‘unprecedented pressure’"، 8 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://www.ft.com/content/587fa2fb-5bed-3df4-9245-1f9452ab204c 

(4) أندري تورشيا وسوجاتا راوو، "Qatar could defend currency for years, its balance sheet shows"، 9 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://www.businessinsider.com/r-qatar-could-defend-currency-for-years… \

(5) ريان قريم وبن والش، " LEAKED DOCUMENTS EXPOSE STUNNING PLAN TO WAGE FINANCIAL WAR ON QATAR — AND STEAL THE WORLD CUP، 9 نوفمبر/ تشرين الثاني 2017، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://theintercept.com/2017/11/09/uae-qatar-oitaba-rowland-banque-hav… /

(6) محمد شعيب، "Proactive measures helped stabilise economy post-blockade: QCB Governor"، 2 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 6 أبريل/نيسان 2020): https://www.thepeninsulaqatar.com/article/02/03/2020/Proactive-measures…;