الانتقال الطاقوي في الجزائر: بين خيار الغاز الصخري والطاقات المتجددة

لم يعد الانتقال الطاقوي أمرًا اختياريًّا بالنسبة الجزائر، فالمتغيرات الداخلية المتعلقة بتراجع الاحتياطي الوطني من النفط والغاز وزيادة الطلب المحلي على الطاقة، فضلًا عن المتغيرات الخارجية لاسيما التحول العالمي باتجاه الطاقات المتجددة باتت تضغط على صانع القرار الجزائري للاستجابة لهذه المتغيرات.
سيكون من المفيد لسياسة الطاقة الجزائرية أن تمضي قدمًا في تعزيز قدراتها في الطاقات المتجددة (رويترز)
سيكون من المفيد لسياسة الطاقة الجزائرية أن تمضي قدمًا في تعزيز قدراتها في الطاقات المتجددة (رويترز)

تعاني الجزائر من تراجع حاد في إنتاج الطاقة من مصادرها الأحفورية من نفط وغاز، في مقابل تنامي الطلب الداخلي على الغاز والمنتجات البترولية بنسبة تقدر بنحو 7% سنويًّا، وهو ما يقلِّص فرص تصدير هذه المصادر الطاقوية في الأسواق الدولية.

وعلى هذا الأساس، أقرَّت الجزائر برنامجًا للانتقال الطاقوي(1) يرمي لتعزيز استخدام الطاقات المتجددة، وتجنب العجز الطاقوي؛ إذ وفقًا لسناريو "عدم التدخل" الحالي (Laissez-faire scenario) من حيث الإنتاج والاستهلاك فإن البلاد قد تتحول إلى بلد غير قادر على التصدير بحلول عام 2030، ثم إلى بلد مستورد للطاقة بحلول عام 2040.

الاقتصاد الجزائري والتبعية للنفط والغاز 

لا تزال الجزائر تعاني من تبعية مريعة للمحروقات باعتبارها ركيزة أساسية لمداخيلها وموازناتها المالية وأنشطتها الاقتصادية؛ إذ إن 95% من مداخيل الجزائر من العملة الصعبة تأتي من المحروقات والتي تسهم بنحو 40% من إجمالي الناتج المحلي(2)

هذه التبعية جعلت البلاد أمام خطر حقيقي بسبب التذبذب الكبير في أسعار النفط والتي تراجعت بشكل حاد خلال السنوات القليلة الماضية، فضلًا عن زيادة معدلات الاستكشاف والإنتاج في مناطق متفرقة من العالم خاصة في مجال الغاز الطبيعي، والأخطر هو محدودية احتياطي الجزائر المؤكد من النفط والغاز، والذي يرجَّح أنه لن يكون بكميات تجارية في حدود 25 عامًا وفق أغلب التقديرات.

يعتبر تأمين الطاقة، بصفتها حاجة إنسانية ومصدرًا للنشاط الاقتصادي فضلًا عن كونها رافدًا للاقتصاد الجزائري، أمرًا حيويًّا تقتضيه حماية حقوق الأجيال القادمة، لكن الحكومات الجزائرية المتعاقبة لم تتمكن على مدار ستة عقود من استقلالها من أن تتخلص من التبعية لمداخيل المحروقات، واستمرت جميع المشاريع الحكومية والسياسات الاجتماعية قائمة على قطاع الطاقة بشكل شبه كلي.

تُصدِّر الجزائر حوالي 540 ألف برميل نفط يوميًّا من إنتاجها الكلي البالغ نحو 1.1 مليون برميل يوميًّا، وقد تراجع إنتاج النفط الخام والغاز الطبيعي تدريجيًّا في السنوات الأخيرة، فيما يرجع أساسًا إلى تأخر إنجاز المشروعات، وصعوبة اجتذاب شركاء الاستثمار، ومشكلات فنية فضلًا عن البيروقراطية. 

وأضعفت صدمة هبوط أسعار النفط في عام 2014 موازنة البلاد وأثَّرت سلبًا على الميزان التجاري والاحتياطي من النقد الأجنبي؛ فقد ارتفع عجز الموازنة من 1.4% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013 إلى 15.7% من هذا الإجمالي في 2016. وهبطت الاحتياطيات الإجمالية من 194 مليار دولار في 2013 إلى ما يُقدَّر بنحو 108 مليارات دولار في 2016(3)، ومن المتوقع أن يهبط مع نهاية ديسمبر/كانون الأول 2020 إلى 51.6 مليار دولار(4).

تحديات الجزائر في إنتاج وتصدير الغاز الطبيعي

يُقدَّر احتياطي الجزائر المؤكد من النفط نحو 12.2 مليار برميل و4500 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي(5). ومع ذلك، فإن هذه التقديرات من احتياطي الغاز والتي يقرُّها الكثير من المؤسسات الدولية، يبدو أنها لم تعد صحيحة؛ فقد أعلنت الحكومة أن الاحتياطيات التقليدية المؤكدة تبلغ 2745 مليار متر مكعب فقط(6)، وهو أمر بالغ الأهمية والخطورة، أي إن مراجعة التقديرات قلَّصت الاحتياطي المؤكد من الغاز بنحو 40%، كما أن مؤشر نسبة الاحتياطي إلى الإنتاج (P/R) هو عند أدنى مستوياته في ثلاثة وثلاثين عامًا.

كل هذا يعني أن الجزائر لن يكون بإمكانها أن تحافظ على قدرتها التصديرية في آفاق 2030، "وإذا بقيت الاحتياطات الغازية في 2030 عند مستوياتها الحالية، فإننا لن يمكننا سوى تغطية الطلب الوطني ولن يبقى لنا إلا القليل جدًّا للتصدير"(7)

ومن المتوقع أن يواجه قطاع الغاز في الجزائر تحديات كبيرة على المديين، المتوسط والبعيد، ويمكن أن نلخصها في الآتي:

على الصعيد الخارجي: تراجعت القدرة التنافسية للغاز الطبيعي الجزائري بسبب دخول لاعبين جدد للسوق الأوروبية، وهو ما حدا بعدد من الدول لتخفيض وارداتها من الغاز الجزائري ومطالبة بعضها، مثل إيطاليا، بمراجعة العقود والأسعار. 

كما تعرضت صادرات الغاز الطبيعي الجزائري إلى أوروبا لضغوط كبيرة نتيجة الإمدادات الروسية الأرخص والوفرة العالمية من الغاز المسال، وقد خفض الزبائن الأوروبيون بشكل كبير الطلب على الغاز الطبيعي القادم من الجزائر، مما أدى إلى انخفاض في مستوى المبيعات المتوقع بنحو 25% خلال العام الماضي(8)

وتعتبر الجزائر، ثالث أكبر مورِّد للغاز، بالنسبة لأوروبا، ولكن تراجع صادراتها دليل على اكتساح الإمدادات الجديدة للغاز الطبيعي المسال للسوق من الولايات المتحدة وأستراليا وروسيا، وتسببها في انخفاض الأسعار (انظر الشكل 1)(9)

الشكل 1: أهم مصدِّري الغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي

المصدر: Source: Oxford Institute for Energy Studies
المصدر: Source: Oxford Institute for Energy Studies

على الصعيد الداخلي: تنامي الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي وتراجع إنتاجية الحقول، حيث سجل الاستهلاك المحلي للغاز الطبيعي 45.5 مليار متر مكعب سنة 2018 بزيادة قدرها 8.6% عن عام 2017(10). ووفقًا للسناريو الحالي، فإن الاستهلاك الوطني من الغاز الطبيعي سيقفز بحلول عام 2030 إلى نحو 67 مليار متر مكعب أي ما بعادل نحو 73% ممن الإنتاج الوطني.

يعتبر الغاز الطبيعي هو المصدر الرئيس لتوليد الطاقة الكهربائية في الجزائر، وخلال السنوات العشر الماضية سجل الطلب الوطني على الكهرباء نموًّا متزايدًا بمقدار 7% سنويًّا، وهذا بسبب النمو السكاني من جهة وأيضًا بسبب النمو الاقتصادي من جهة الأخرى.  

برنامج الانتقال الطاقوي في الجزائر 2011-2030 

قادت هواجس الطاقة بفعل الخوف من فقدان القدرات التصديرية وتنامي الطلب المحلي، إلى فتح النقاش في السنوت الأخيرة حول ضرورة "الانتقال الطاقوي"، أي البحث في خيارات الطاقات المتجددة التي تستجيب لمتطلبات التنمية المستدامة والمعايير الدولية الجديدة للمتغيرات المناخية؛ حيث إن الجزائر أكدت في اتفاقية المناخ COP21، أنها ستخفض من انبعاثات غاز الدفيئة بين 7% و22% في حدود عام 2030(11).

أقرَّت الجزائر، في عام 2011، الـ"برنامج الوطني للطاقات المتجددة والفاعلية الطاقوية 2011-2030"، ويهدف إلى توسيع استخدام الطاقات المتجددة في توليد الكهرباء للتقليل من الاعتماد على الغاز الطبيعي كمصدر مهيمن في توليد الطاقة الكهربائية، ثم عُدِّل هذا البرنامج في عام 2015، لكنه أبقى على أهدافه العريضة.

وتعني عملية الانتقال الطاقوي الانتقال من نموذج وطني لإنتاج واستهلاك الطاقة إلى نموذج آخر، وفقًا لرؤية شاملة، ويمكننا تلخيص الأهداف الرئيسة لعملية الانتقال الطاقوي في الآتي:

  • تنويع موارد الاقتصاد الكلي.
  • الحفاظ على موارد الطاقة الأحفورية.
  • تنويع مصار الطاقة وتقليل الارتباط بموارد الطاقة الأحفورية من النفط والغاز.
  • حماية البيئة والمساهمة في الجهود الدولية للتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون CO2.

يستهدف برنامج الطاقات المتجددة تحقيق نسبة مزيج من الطاقة في إنتاج الكهرباء تكون فيه مساهمة الطاقات المتجددة في حدود 27%؛ ما يعني أنه بحلول عام 2030 يكون نحو 40% من إجمالي إنتاج الكهرباء المخصصة للاستهلاك المحلي متأتية من الطاقات المتجددة (الشكل: 2)، أي تأسيس قدرة تعادل 22 ألف ميغاواط يتم تصدير نحو عشرة آلاف ميغاواط منها، ويوجَّه الباقي إلى الاستهلاك المحلي(12).

الشكل 2: نمو استخدام الطاقات المتجددة حتى عام 2030

المصدر: برنامج الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، مارس/آذار 2011، ص:9
المصدر: برنامج الطاقات المتجددة والفعالية الطاقوية، مارس/آذار 2011، ص:9

وتم التركيز في مزيج الطاقة لتوليد الكهرباء على الطاقة الشمسية الكهروضوئية PV، بقدرات مركبة تتجاوز 10 آلاف MW تليها طاقة الرياح بـ4000 MW، ثم الطاقة الشمسية الحرارية CSP بـ2000 MW ( الجدول: 1)

جدول 1: القدرات المركبة من الطاقات المتجددة بين 2015-2030

المصدر: برنامج تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية، يناير/كانون الثاني 2016، ص: 8
المصدر: برنامج تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية، يناير/كانون الثاني 2016، ص: 8

 

لكن ما الذي تحقق حتى الآن؟

الجزائر تنتج حاليًّا حوالي 400 ميغاواط فقط من مصادر الطاقة المتجددة، وتمتلك 22 محطة شمسية، منها محطات هجينة تسير بالغاز والطاقة الشمسية معًا. وبحسب المخطط الحكومي، فإنه في عام 2020 كان يفترض أن يكون مستوى الإنتاج في مستوى 4500 ميغاواط، أي إن ما تحقق هو أقل من 10% من المستهدف في المدى الزمني.

ويبدو واضحًا أن تحقيقَ قدرة 22 ألف ميغاواط بحلول عام 2030 هدفٌ بعيدُ المنال، بل أصبح الحديث اليوم حتى من قبل بعض الرسميين الآن عن إنتاج 6000 ميغاواط آفاق 2027، وهو تراجع كبير، بل إن تحقيق الهدف الأخير ليس سهلًا أيضًا إذا علمنا أنه يستوجب في المتوسط بناء 120 محطة بطاقة 50 ميغاواط للمحطة الواحدة، أي عشر محطات سنويًّا، وهو معدل لا يمكن بلوغه وفق الظروف الحالية، نظرًا للإجراءات البيروقراطية، والعجز المالي الذي تعرفه شركة الكهرباء الوطنية سونلغاز، وعدم وجود قطاع خاص قوي ومتخصص، قادر على تقديم إضافة نوعية وكمية في القطاع(13).

يواجه تطوير الطاقات المتجددة بالجزائر جملة من الصعوبات نلخصها في النقاط التالية:

  • الانخفاض النسبي لأسعار الطاقة الأحفورية يجعل الكهرباء تُنتَج بسعر منخفض نسبيًّا، ولا يشجع على الاستثمار في الطاقات المتجددة. 
     
  • صعوبة تمويل مشاريع إنتاج الطاقة الكهربائية بسبب ارتفاع تكلفة إنتاجها في الوقت الحالي وعدم مردوديتها في المدى القصير. 
     
  • كما أن نقص خبرة البنوك بهذا النوع من التمويل وصعوبة الوضع المالي الذي تشهده الجزائر جرَّاء انخفاض أسعار النفط في الأسواق الدولية قد يكون له تأثيره على تمويل هذا المشروع الطموح(14).

تشير تقديرات إلى أن إنجاز ميغاواط واحد يكلِّف حوالي 2 مليون دولار؛ ما يعني أن بلوغ 22 ألف ميغاواط يتطلب غلافًا ماليًّا في حدود 40 مليار دولار، وهذا يبدو غير ممكن في ظل الموارد المالية المتاحة، وأيضًا إزاء توجه الحكومة لاستثمار أكثر من 50 مليار دولار بشكل أساس في مجال الاستكشاف والتنقيب، خلال الفترة ما بين 2020 و2024(15).

وتهدف السلطات الجزائرية، إلى توفير مبلغ 42 مليار دولار بغضون 2030 مع خفض استهلاك الطاقة بـ9%، عبر تنفيذ برنامج للتوفير، يتمثل في إقامة مشاريع للعزل الحراري تشمل 100 ألف مسكن سنويًّا، وتحويل مليون سيارة و20 ألف حافلة إلى استهلاك الغاز الطبيعي المميع.

الغاز الصخري: بديل البديل! 

تقدر وكالة تثمين موارد المحروقات الجزائرية التابعة لوزارة الطاقة أن الموارد غير التقليدية الجزائرية تقدر بـ9818 تريليون قدم مكعب من الغاز الصخري و1194 مليار برميل من النفط الصخري، وقد سجلت هذه الاحتياطيات غير التقليدية قفزة بـنحو 30% بالنسبة للغاز و25% بالنسبة للنفط مقارنة بتقديرات عام 2013(16).

هذه التقديرات تجعل الجزائر تنتقل من المرتبة الرابعة إلى الثالثة في التصنيف العالمي للاحتياطيات في مجال الغاز الصخري بعد الولايات المتحدة والصين، وفي الترتيب السابع من حيث حجم احتياطي النفط.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2017، شرعت الجزائر في إحياء مشروع استغلال النفط والغاز الصخريين جنوبي البلاد، بعد تجميده سنة 2015، عقب احتجاجات شعبية وسياسية رافضة للمشروع بدعوى مخاطره البيئية.

في شهر أكتوبر/تشرين الأول 2018، وقَّعت شركة النفط الوطنية "سوناطراك" على أول عقد لاستغلال النفط والغاز الصخريين مع شركتي بي بي البريطانية (BP) و"إيكينور" النرويجية (Equinor) في صحراء جنوب غرب البلاد، وتحديدًا بهضبة تادمايت.

تقلِّل السلطات الجزائرية من مخاطر استغلال مواردها الطاقوية غير التقليدية على البيئة لأسباب، منها: بُعْدُ الكثير من الآبار عن الحواضر السكانية وبُعْدُ المياه الجوفية عن مكامن هذه الموارد جيولوجيًّا، وقد يكون عامل نقص الثقة الغالب بين الشارع ونظام الحكم في السنوات الماضية، فضلًا عن غياب الشفافية في التعامل مع أهم موارد البلاد زرع الكثير من بذور الشك والريبة حيال السياسات الحكومية بشكل عام وخاصة في مجالي النفط والغاز.

ويبدو أن حماس الحكومة في استغلال الموارد غير التقليدية وبصفة خاصة الغاز الصخري ودفاعها عن هذا الخيار يتجاوز خطواتها الثقيلة في استغلال الموارد المتجددة من الطاقة التي لا تشكِّل أي خطر على البيئة، وقد يمكن فهم هذا من خلال:

  • أن البلاد تمتلك خبرات واسعة في مجال استغلال الغاز في مقابل خبرات فنية أقل في مجال الطاقات المتجددة.
     
  • جاهزية البنية التحتية وشبكات إمدادات الغاز ومحطات توليد الكهرباء لاستقبال الغاز الصخري ضمن المنظومة الفنية نفسها.
     
  • صعوبة إنشاء بنية تحتية وتقنية لاستغلال الطاقات المتجددة، واستثمار مليارات الدولارات في التكنولوجيا المرتبطة بهذه الطاقات.
     
  • رغبة صانع القرار في الحفاظ على حصته من صادرات الغاز إلى الاتحاد الأوروبي.
     
  • المؤسسات التي تسهر على تنفيذ برنامج الطاقات المتجددة، هي مؤسسات تعمل في مجال الطاقة التقليدية (سوناطراك وسونلغاز)، فشركة سونلغاز مثلًا تشرف على برنامج الطاقات المتجددة، وهذا يتعارض بل وتناقض مع طبيعة عملها. 
     
  • رغم أن القرار السياسي بشأن التحول إلى اقتصاد الطاقات المتجددة قد اتُّخذ منذ سنوات، إلا أن مراكز الأبحاث والمعاهد والجامعات لا تزال بعيدة عن السياق لرفد هذا القطاع الجديد بالموارد البشرية اللازمة.
     

خاتمة

لم يعد الانتقال الطاقوي أمرًا اختياريًّا بالنسبة الجزائر، فالمتغيرات الداخلية المتعلقة بتراجع الاحتياطي الوطني من النفط والغاز وزيادة الطلب المحلي على الطاقة، فضلًا عن المتغيرات الخارجية لاسيما التحول العالمي باتجاه الطاقات المتجددة بات يضغط على صانع القرار الجزائري للاستجابة لهذه المتغيرات.

لكن يبدو أن ما أُنجز حتى الآن قليل جدًّا، والخطوات العملية لتحقيق برنامج الانتقال للطاقات المتجددة (2011-2015) تسير بوتيرة أضعف بكثير من المستهدف؛ لأسباب تقنية وأخرى بيروقراطية إدارية تتعلق بفلسفة التعاطي الجدي مع مسألة لا تزال خارج الاهتمام الرسمي الفعلي والشعبي في ظل استشراء ثقافة وسلوك غير عقلاني في نموذجي إنتاج واستهلاك الطاقة، واستسهال الهدر الذي تغطيه احتياطيات آخذة في التراجع، وأيضًا سياسات دعم أسعار الطاقة التي تكبِّد الاقتصاد سنويًّا حوالي 15 مليار دولار(17).

إن ظهور الغاز الصخري على خارطة النقاش الطاقوي والسياسي منذ 2015 كرافد قابل للاستغلال وبكميات معتبرة، بدأ يأخذ مساحة مهمة نظريًّا وفعليًّا على حساب البدائل المتجددة، وهو ما يمكن أن يكون عاملًا مهمًّا آخر في تأخر تنفيذ برنامج الانتقال نحو الطاقات المتجددة، رغم أن ما تؤكده دراسات رسمية من أن إنتاج 22000 ميغاواط من الطاقات المتجددة، سيسمح بادخار 300 مليار متر مكعب من حجم الغاز الطبيعي، أي ما يعادل ثماني مرات الاستهلاك الوطني لسنة 2014(18).

ولأن المستقبل سيكون باتجاه الطاقات المتجددة، فإن أي استثمار فيها هو استثمار طويل الأجل في المستقبل، وسيكون من المفيد لسياسة الطاقة الجزائرية أن تمضي قدمًا في تعزيز قدراتها في الطاقات المتجددة، خاصة أن صحراءها الشاسعة تشكِّل خزانًا كبيرًا للطاقة الشمسية المستدامة، موازاة مع استكمال عمليات دراسات الجدوى الاقتصادية والتقنية والبيئية لاستغلال الغاز الصخري، فالموازنة في الأولويات بين استغلال الطاقات المتجددة والغاز الصخري لمعالجة الاختلالات الطاقوية المستقبلية في السوقين، المحلية والخارجية، تحتاج إلى رؤية جديدة وواقعية تعيد النظر في برنامج الانتقال المتعثر من جهة ولا يستنزف الموارد الناضبة من جهة أخرى. 

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) انظر:
Renewable Energy and Energy Efficiency Program,( Algeria, March 2011)

(2) انظر:
Heba, Saleh, Algeria faces economic crunch as oil and gas revenues fall short, (Financial times, MARCH 25, 2019)

(3) انظر: تقرير للبنك الدولي:
Réaction de l'Algérie à l’effondrement des prix du pétrole, Site de la Banque Mondiale, Juillet 2016 (Vu le 8 Mai 2020)
https://www.banquemondiale.org/fr/country/algeria/publication/economic-…

(4) انظر: تصريح وزير المالية الجزائري، محمد لوكال، أمام لجنة المالية والميزانية بالبرلمان الجزائري يوم 20 أكتوبر/تشرين الأول 2019، موقع اليوتيوب (تمت المشاهدة في 9 مايو/أيار 2020):
https://www.youtube.com/watch?v=yRTred906P0

(5) انظر: 
Worldwide Look at Reserves and Production,” Oil & Gas Journal, Worldwide Report , December 4, 2017, p. 21

(6) انظر: 
Aissaoui, A. Algerian Gas: Troubling Trends, Troubled Policies, (Oxford Institute for Energy Studies, May 2016), p.7

(7) انظر: من خطاب للوزير الأول السابق، عبد المالك سلال، أمام غرفة البرلمان يوم 1 يونيو/حزيران 2014، موقع اليوتيوب، 5 يونيو/حزيران 2014، (تمت المشاهدة في 9 مايو/أيار 2020):
https://www.youtube.com/watch?v=b-RVcIE6TKw

(8) انظر: 
Slimani, Salah and Vanessa, Dezem, Algeria Squeezed In Europe’s Gas Market by a Flood of LNG, (Bloomberg, November 24, 2019)

(9) انظر: 
Aissaoui ,A. previous reference, p.15

(10) انظر: 
Bilan Des Realisations  du secteur de  l’energie Année 2018, (ministère  de L'energie, Edition 2019, Algerie), p. 35

(11) انظر: 
Intended Nationally Determined Contribution INDC-Algeria ( September 3rd, 2015, Algeria), p. 6

(12) انظر: إصدار وزارة الطاقة، برنامج تطوير الطاقات المتجددة والنجاعة الطاقوية 2015-2030، الجزائر، يناير/كانون الثاني 2016، ص 12.

(13) انظر: لشموت، عمار: الطاقات المتجددة في الجزائر.. حربٌ مع لوبيات النفط والمشاريع الوهمية، موقع "إيلترا آلجيريا"، 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2019، (تاريخ الدخول: 11 مايو/أيار 2010):
https://bit.ly/2LkJfOe

(14) انظر: مغاري، عبد الرحمان، وصابة، مختار، ورقة بحثية: استراتيجية النهوض بالطاقات المتجددة في الجزائر كحتمية لمواجهة محدودية الطاقات الأحفورية وتحقيق التنمية المستدامة، (د.ن) و ( د.ت).

(15) انظر: تصريح وزير الطاقة الجزائري، محمد عرقاب للإذاعة الوطنية، 27 أكتوبر/تشرين الأول 2019، (تم الاستماع في 10 مايو/أيار 2010):
https://www.radioalgerie.dz

(16) انظر: 
A. HOCINI, Oil & Gas Mining Domain of Algeria Activities Opportunities & Assessment of Potential, (National Agency for the Valorization of Hydrocarbon Resources «ALNAFT»,  March, 2019), P.26

(17) انظر: 
ALGERIE, Rapport: Conférence des Nations Unies sur le commerce et le development, UNCTAD/DITC/TNCD/2015/7, July 2017, P: 6

(18) انظر: قطاع الطاقات المتجددة، موقع: الوكالة الوطنية لتطوير الاستثمار، أبريل/نيسان 2017، (تاريخ الدخول: 9 مايو/أيار 2020):
http://www.andi.dz/index.php/ar/les-energies-renouvelables