ماذا بقي من نظرية التلقي الإعلامي لدراسة الميديا الرقمية؟

يفترض البحث أن نظرية التلقي ظلت تعاني من التهميش في البحوث الإعلامية في المنطقة العربية مقارنة بما تحظى به من اهتمام في الدراسات الأدبية، ويرجع ذلك إلى عوامل عديدة لعل أبرزها يكمن في هيمنة نظريات التأثير على التفكير في الميديا. لذا، يحاول هذا البحث التساؤل عن مآل التفكير في حدود علاقة المتلقي بالنص في بيئة "الويب 2". وقدَّم على ضوئه جملة من المبررات العلمية التي تدعو إلى الاستفادة المزدوجة من نظرية التلقي الإعلامي وتيار سوسيولوجيا الاستخدامات، وتشغيل مفاهيمهما الإجرائية لدراسة الميديا الرقمية.
أغلب بحوث التلقي الإعلامي ركزت على علاقة المتلقي بالمادة الثقافية والإعلامية، ولم تهتم بالحامل التكنولوجي إلا في حدود ضيقة (رويترز)

تكشف مراجعة الأدبيات المتعلقة بنظرية التلقي الإعلامي في البيئة الرقمية عن أطروحتين أساسيتين: الأولى ترى أن هذه النظرية استُنْفِدَت حتى قبل أن تتطور تكنولوجيات الإعلام والاتصال التي تَعْمُر حياتنا الراهنة، ولم يبقَ لها ما تُقدِّمه لدراسة جمهور وسائل الإعلام(1)، والثانية تؤمن بتزايد أهميتها لدراسة مستخدمي الميديا الرقمية(2). ولئن فنَّدت البحوث العلمية المتزايدة التي أُجْرِيَت على مشاهدي التليفزيون في البيئة الرقمية، ومستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية، صحَّة الأطروحة الأولى، فإن الأطروحة الثانية تتطلب نقاشًا واسعًا ومعمقًا. نقترح تأسيسه على السؤال الذي طُرح منذ عقدين من الزمن، وهو: هل يمكن توسيع مجال تطبيق نظرية التلقي وعُدَّتها المفاهيمية، التي استُخْدِمَت لدراسة جمهور وسائل الاتصال الجماهيري، خاصة التليفزيون، في بيئة التكنولوجيا التماثلية، إلى الميديا الرقمية؟(3).

تقتضي الإجابة عن هذا السؤال تقديم تعريف موجز لهذه النظرية، وملخص مكثف لمنجزها عبر الثقافات المختلفة في بيئة التكنولوجيا التماثلية، وأبرز الانتقادات الموجَّهة لها، وتعيين مسالك التفكير في علاقة المتلقي بالنص في بيئة "الويب 2".

تحمل عبارة التلقي الكثير من الأسرار(4) بحكم انتمائها إلى جملة من العلوم: الأنثروبولوجيا، وعلم الاجتماع، وعلم النفس، والعلوم السياسية، والنقد الأدبي، وعلوم الإعلام والاتصال. وتحوَّلت إلى مفهوم مركزي لدراسة جمهور التليفزيون، والإذاعة، والصحف، والمنصات الرقمية في شبكة الإنترنت، والمسرح، والسينما، والأدب، وغيرها من الفنون. ويحدُث في الغالب ألا تتوقف بعض الدراسات للكشف عن محتوى مفهوم التلقي وحصر الواقع الذي يغطيه، بل تتعامل معه كتحصيل حاصل، وكمفهوم مكتسب وجاهز وإجرائي(5). ربما يعود هذا الأمر إلى جملة من العوامل، نذكر منها تداخل هذا المفهوم مع بعض المفاهيم المجاورة، مثل: "الاستهلاك"، أي "استهلاك المواد الثقافية والإعلامية"، ذي التضمين الاقتصادي والتسويقي، و"التعرض" لوسائل الإعلام ذي التضمين الوظيفي. هذا، إضافة إلى استناد هذا المفهوم إلى مفاهيم أخرى يفترض أنها تستوضحه، مثل: Audience (الحضور، المشاهدون، المستمعون)، والجمهور (Public). بيد أن هذه المفاهيم تحتاج هي الأخرى إلى ما يستوضحها. فإذا كان بالإمكان الاقتراب من مفهومي Audience والجمهور على الصعيد الأمبريقي، فإن تناولهما على الصعيد النظري يطرح الكثير من الصعوبات.

لم يحظ مفهوم الجمهور، على سبيل المثال، بإجماع الباحثين لكونه عبارة عن بناء اجتماعي، وموضع خلاف نظريات الإعلام والاتصال. فنظريتا القذيفة السحرية والنقدية مثلًا تصفان الجمهور بالسكون والسلبية، وأنه عرضة للتلاعب والتضليل، بينما تراه نظرية الاستخدامات والإشباعات نشيطًا، ويتسم بقدرته على تمييز ما ينفعه، وبكفاءته في انتقاء المواد الإعلامية التي تلبي رغباته وحاجته(6). بمعنى آخر، إن عملية البناء الاجتماعي لجمهور وسائط الإعلام التي قامت وتقوم بها نظريات الإعلام والاتصال قد أبرزت الجمهور في صور متعددة تعايشت مع بعضها، نذكر منها: صورة المُصَدِّق، والمخدوع والمغفَّل، وصورة المُشكِّك والناقد والواعي(7)، وبعضها اعتبرت الجمهور زبونًا وحتى سلعة، وبعضها رآه في صورة المواطن الملتزم بقضايا المجتمع.

  1. في نظرية التلقي

يُعرَّف التلقي بشكل اختزالي بأنه "اللحظة التي تتشكَّل فيها دلالات النص من قبل الجمهور"(8). ويذهب البعض إلى أبعد من هذه اللحظة؛ إذ يَقْرِن التلقي بتجربة الجمهور الاجتماعية التي تُؤَطِّرها شروط إنتاج "النصوص"، وتداولها، وتلقِّيها، واستخدامها(9).

يبدو التلقي، على ضوء ما تقدم، فعلًا ثقافيًّا بامتياز، وتنتمي دراسته في مجال علوم الإعلام والاتصال إلى جهود هانس روبرت جوس (Henz Robert Jauss) التي تمركزت في جامعة كونستنس الألمانية في ستينات القرن الماضي، والتي اعتمدت على الظاهرتية من أجل استجلاء العلاقة بين النص والقارئ، و"شغلت" مفاهيمها التأسيسية، مثل: أُفُق التوقع، واندماج الأفقين، وجمالية التلقي(10). وينتمي أيضًا إلى الدراسات الثقافية (Cultural Studies) البريطانية التي سعت إلى دحض فكرة هيمنة وسائل الإعلام المختلفة على جمهورها وقيادته حيثما تشاء. وبهذا شكَّلت منعطفًا مهمًّا في الدراسات الإعلامية؛ إذ نقلتها من التركيز على المُرْسِل والرسالة إلى المتلقي وسياق تلقيه للمواد الإعلامية والثقافية. وحرَّرت هذه الدراسات من هيمنة التأثير لتضعها في أفق أرحب يكمن في استقلالية الجمهور، وقدرته على التفاوض مع ما يقرأه ويسمعه ويشاهده من أجل إنتاج المعنى أو مشاركة المُرْسِل في هذا الإنتاج.

رغم أن البعض أرَّخ لدراسات التلقي الإعلامي بصدور كتاب ريتشارد هوغرت (Richard Hoggart): "ثقافة الفقير: دراسة نمط حياة الطبقات الشعبية في بريطانيا"*، في العام 1957، والذي فنَّد فيه الرأي السائد الذي يغالي في تأثير الصناعات الثقافية على الفئات الشعبية في بريطانيا، والطبقة العاملة تحديدًا(11)، إلا أننا نميل إلى الاعتقاد بأن انطلاقة نظرية التلقي الفعلية تمت في سبعينات القرن الماضي على يد عالم الاجتماع البريطاني، ستيوارت هول (Hall  (Stuartمن خلال نموذجه: التشفير (Encoding) وفك التشفير (Decoding)(12)، والذي بيَّن فيه أن المعاني التي يستخلصها الجمهور قد لا تتطابق بالضرورة مع تلك التي استهدفها المُنْتَج الإعلامي والثقافي. وهذا يعني احتمال تحويرها وتأويلها وفق سياقات التلقي ومرجعية المتلقي الاجتماعية والثقافية والسياسية.

لقد فتح هذا الكتاب (التشفير وفك التشفير في الخطاب التليفزيوني) الأفق لجيل من الباحثين داخل بريطانيا وخارجها لتطوير دراسات التلقي، ويأتي في مقدمتهم الباحث دافيد مورلي (David Morley) الذي وضع عُدَّة مفاهيمية ومنهجية لفهم العلاقة بين التليفزيون وجمهوره. وبهذا تمكَّن من تجريب نموذج ستيوارت هول من جهة، والابتعاد من جهة أخرى عن السحر الذي مارسته السيمياء آنذاك، والتي تقترح معنى وحيدًا للنص تفرضه على كل المتلقين(13). وقد سمح له هذا التجريب من التأكد من أن النموذج المذكور يخلط بين العديد من القضايا المرتبطة بالاطلاع على المادة المشفرة، وفهمها، وتأويلها، ورد الفعل تجاهها. وكلها قضايا يجب التمييز بينها(14).

لم يقم ديفيد مورلي بدراسة تلقي برنامج تليفزيوني محدد أو برامج قناة تليفزيونية دون غيرها، بل ركز على عملية المشاهدة التليفزيونية في حدِّ ذاتها، وذلك لأن التليفزيون كان في ثمانينات القرن الماضي الوسيلة الإعلامية الأكثر استحواذًا على المشاهدين في الوسط العائلي. واستنتج أن المشاهدة التليفزيونية ليست فعلًا بسيطًا وسطحيًّا، بل إنها في غاية التعقيد لكونها تتزامن مع جملة من الممارسات في السياق البَيْتِي، ولا تُفْهَم من خارج هذا السياق. وبهذا جعل سياق المشاهدة بديلًا لــ"تفكيك التشفير"(15).

نأى ميشيل دو سارتو (Michel De Certeau) عن نموذج موريس هال (Mourris Hul)، وبالتالي عن عملية التشفير، وركز على المتلقي بابتكاره مفهوم "الصيد غير الشرعي" (Poaching)، بمعنى أن ما يقوم به الجمهور في قراءته أو مشاهدته أو استماعه للمادة الإعلامية والثقافية يشبه عملية صيد المعاني، لكنه صيد غير مباح. ويفسر ذلك بالقول: "إن القارئ يلعب بالنص، ويصنع بموجبه شيئًا ما. يُطبق تكتيكه في القراءة، يُرتِّب، ويُبدِّل، ويلتف، ويقاوم إلى درجة تصبح لا دلالة للنص سوى لدى قرَّائه"(16).

وقدَّمت الباحثة سونيا لفينغستون (Sonia Livingstone)(17) المفاتيح الثلاث لفهم دراسات التلقي الإعلامي، وهي كالآتي:

أولًا: لا يمكن التكهن بما يقرأه القارئ انطلاقًا من معرفته للنص فقط. وهذا الأمر لا ينفي وجود معنى وحيد لهذا النص فحسب، بل يؤكد أيضًا أن ما يستنتجه القراء الأمبريقيون من النص قد يكون تسلويًّا أو نقديًّا أو إبداعيًّا؛ أي يمكن للقارئ أن يلتف على المعنى الذي يتضمنه النص، كما كشفت عن ذلك جانيس رادوي (Janice Radway)(18)، أو يقاوم المعنى الكامن في النص، كما بيَّن ذلك جون فيسك (John Fiske)(19)، أو يتملَّك الرموز والعلامات التي تحملها الدراما التليفزيونية في بيئة متعددة الثقافات، كما كشفت عنه الباحثتان، فلوريس ميلر (Floris Müller)، وجوك هرمس (Joke Hermes)(20). إن هذه الحالات وغيرها تعمق محتوى مفهوم "التداول الاجتماعي للمعنى"(21)، ولظاهرة "التشكيل الاجتماعي لظاهرة التأويلات"(22).

ثانيًا: فتحت دراسات التلقي الإعلامي المجال لاستكشاف الجمهور الأمبريقي المتعدد ثقافيًّا وأنثروبولوجيًّا، والذي يؤوِّل المادة الإعلامية والثقافية في سياق اجتماعي مخصوص يلغِّم خطاب الهيمنة الأيديولوجية المزعوم الذي تمارسه وسائل الإعلام. وهذا دون أن تفتح الباب على مصرعه لمقاومة جذرية وغير محدودة لهذه الأيديولوجيا.

ثالثًا: أَوْلت الدراسات المذكورة عناية بالغة لِتَسْيِيق (Contextualisation) تلقِّى وسائل الإعلام في الحياة اليومية، فسمح لها بتشخيص سلطة إعادة إنتاج التراتيبية أو التراصف الاجتماعي (Stratification)، وعدم المساواة المهيكلة للنظام الاجتماعي بجانب التكتيكات الصغرى التي تُمكِّن المتلقي من تملُّك النصوص وتكنولوجيا الإعلام وتعديلها وتكييفها.

بالطبع، إن إدراك أهمية هذه المفاتيح تكون ناقصة ما لم نأخذ بعين الاعتبار تحقيبها التاريخي الذي وضعه الباحث الدنماركي، كيم كريستيان شرودر (Kim Christian Schrøder)(23). ورغم المآخذ التي نسجلها على التداخل الحاصل في المراحل التي صنفها، إلا أنه لفت النظر إلى أن دراسات التلقي الإعلامي اندرجت في سياق تطور المجتمعات الغربية تقنيًّا وثقافيًّا وسياسيًّا. فهذه الدراسات لم تأت من فراغ، ولم تُجْر تلبيةً لهاجس علمي فقط، بل جاءت استجابةً لطلب اجتماعي وتعبيرًا عن هاجس سياسي، مثل الكشف عن مساهمة وسائل الإعلام في تشكيل الوعي السياسي في مجتمع منقسم إلى طبقات، وتبيان كيف تُسلِّح وسائل الإعلام المواطنين ليصبحوا فاعلين سياسيين في الديمقراطية التمثيلية، ودراسة تداعيات "ثقافة المواءمة" (The Culture of Convergence) في محاولتها للكشف عن العُدَّة الرقمية التي تؤدي إلى تشكل جمهور وسائل الإعلام النشيط، والدفع به إلى أسمى مستوى من المشاركة السياسية. ووسعت دراسات التلقي في وقتنا الحالي الأفق السياسي ذاته، من خلال التأكيد على "المواطنة" الدائمة الموجودة في كل مكان وكل وقت، مما دفع بالسياسة لتُمارَس خارج "الفضاء العمومي الهبرماسي".   

  1. نقد نظريات التلقي في البيئة التكنولوجية التماثلية

تتعدد المداخل لنقد نظريات التلقي، نذكر منها ما يلي:

أ- نظرًا لاستفادة نظرية التلقي الإعلامي والثقافي من إرث جامعة كونستنس الألمانية، فقد نالت نصيبها من النقد الموجه لهذه المدرسة. لقد أُخِذ على هذه المدرسة، التي حرَّرت الدراسات الأدبية من النزعة البنيوية والبلاغية، تركيزها على المتلقي وخلفياته الاجتماعية والثقافية، ووُصفت بأنها تتسم بطابعها النخبوي و"المصطنع". فالمتلقي المُهِم بالنسبة لها هو ذاك الذي يسيطر على المدونات اللسانية، والعارف بتاريخ الأدب، والمستعد للعب لعبة النص(24). وهذه مواصفات تنطبق على بعض النقاد وليس على كل القراء. ويرى بيير بورديو (Pierre Bourdieu) نقائص نظرية القراءة )التلقي(، وما تُقِرُّه من تأويل، في كونها لا تأخذ بعين الاعتبار كل ما يرتبط بالسياق التاريخي والاجتماعي لإنتاج النص(25).

ب- بالفعل، لا يمكن اختزال عملية التلقي في لقاء الجمهور بالمادة الإعلامية والثقافية، بل في احتمال ما ينجم عن هذا اللقاء من تأويل مُنْتِج للمعنى. وهنا تكمن إشكالية التلقي؛ إذ من الصعب تحديد تخوم هذا التأويل. فالتأويل يُوَلِّد تأويلًا إلى ما لانهاية. لذا، أقرَّ جون فيسك بأن المعنى غير مستقر؛ لأنه عرضة لإعادة التأويل والاعتراض عليه(26). وهذا ما أدى بــإريك ميغري (Eric Megrait)(27) إلى وصف عملية التلقي بالهشة لكونها تفتقد قاعدة تسمح بالفهم الكامل والتنبؤ بما يقوم به هذا الشخص أو ذاك الجمهور أمام المحتويات الثقافية والإعلامية.

ج- إن مفهوم "الديمقراطية السيميائية" أو حرب "العصابات السيميائية"(28)، التي تندرج ضمن المفاهيم التي ولجت دراسات التلقي، تمنح شرعية لتفعيل آليات السوق الثقافية، وتبرر ما تقوم به الليبرالية المتطرفة في المجال الثقافي والإعلامي. فدراسات التلقي لم تأخذ بعين الاعتبار الاستراتيجيات الإعلامية والاتصالية التي تتبناها المؤسسات الإعلامية، ولا سياستها التسويقية والتجارية، ولا الصراعات الكبرى التي تخوضها المؤسسات الإعلامية من أجل استدراج الجمهور و"القبض" عليه، حتى وإن كان هذا الجمهور رافضًا للمعنى الذي تروِّجه، ومتمردًا عليه.

د- هل يبرِّر ما سبق قوله ما ذهب إليه لويس كيري )Louis Quéré((29) عندما أكد أن الدراسات الثقافية أوصلت نظرية التلقي إلى طريق مسدود؟ فعلى الرغم من إقراره بأن دراسات التلقي فتحت آفاقًا واسعة لدراسة وسائل الإعلام والتليفزيون تحديدًا، وأنجزت بحوثًا ميدانية مهمة إلا أنه جزم بأنها لم تفلح في تقديم برنامج بحث حقيقي وواضح يستند إلى أسس نظرية ومفهومية صلبة، بل ذهب إلى أبعد من هذا في تأكيده أن دراسات التلقي الإعلامي سقطت في الأيديولوجيا، وهي التي تزعم أنها تروم تحريرها منها. ويوضح فكرته هذه بالقول: إنها سعت إلى الدحض الضمني للحركة الفكرية التي تؤمن بقوة وسائل الإعلام وتأثيرها، والتي وجدت أنصارًا ومؤيدين لها، بدل العمل على بنائها نظريًّا ومفهوميًّا وتأسيس إطار للتقصي والبحث. 

ه- نعتقد أن تركيز دراسات التلقي على الجمهور حال دون تقديمها الكثير من المعرفة عن وسائل الإعلام، وخاصة التليفزيون، بقدر ما أتاح لها تقديم الكثير من المعلومات والأفكار عن التنظيم الاجتماعي، والعلاقات الاجتماعية، وعلاقات السلطة، وصورة الذات الجماعية أو الخصوصيات الثقافية. والأمثلة في هذا المجال عديدة، يمكن أن نذكر بعضها للتوضيح وليس الحصر، مثل: الكشف عن مصدر السلطة داخل العائلة، والعلاقة القائمة بين الذكور والإناث من خلال مشاهدة التليفزيون مثلما بيَّنت ذلك بحوث مشاهدة التليفزيون التي قدمها دافيد مورلي(30)، أو نظرة المرأة لذاتها عبر قراءة الروايات العاطفية(31)، أو إبراز بعض السمات الثقافية والعرقية داخل المجتمع الإسرائيلي عبر مشاهدة مسلسل "دالاس" التليفزيوني في إسرائيل(32)، أو الكشف عن طباع الجزائريين ومزاجهم الثقافي عبر مشاهدتهم للمسلسل التليفزيوني الأميركي "دالاس"(33). لعل هذه الأمثلة تكشف توجه دراسات التلقي إلى فهم الجمهور أو المجتمعات أو الجماعات الاجتماعية أو "الجندر" من خلال الميديا، والتليفزيون تحديدًا، بدل فهم الميديا.

ولا يمكن لنقد نظرية التلقي مهما بلغت حِدَّته أن يُنْكِر مساهمتها البارزة في البحث عن جمهور وسائل الإعلام على ضوء المقاربة الظاهرتية بعد أن ظلَّ ردحًا من الزمن خاضعًا للمقاربة الوضعية. وأثَّرت دراسته على الصعيد المنهجي بعد أن كان مقتصرًا على الدراسات الوصفية كما يجسده مسح الجمهور لتحديد مورفولوجيته السوسيولوجية، وتَكْمِيمه من أجل ضبط سوق المشاهدة التليفزيونية في البلدان الديمقراطية.

وتتجلى قيمة نظرية التلقي فيما لخصه الباحثان، إليهو كاتز (Elihu Katz)، وتمار ليبيس (Tamar Liebes)، بالقول: "قبل بروز نظرية التلقي كان بعضنا يدرس نصوص الثقافة الشعبية، وبعضنا الآخر يدرس تأثيرها على الجمهور. فالبعض الأول لم يكن يعرف أي شيء عن الجمهور، والبعض الثاني لا يعلم أي شيء عن هذه النصوص"(34).

  1. نظرية التلقي والدراسات الإعلامية في المنطقة العربية

تكتسي معرفة كيفية تلقي الجمهور في المنطقة العربية لبرامج التليفزيون والإذاعة أهمية قصوى. هذا ما يُستشف من الشهادة التي قدَّمها الأستاذ الشاذلي الفيتوري(35) منذ أزيد من نصف قرن؛ إذ ذكر أنه خرج وزملاؤه من الجامعة التونسية في السنة 1961 في نزهة في جزيرة جربة التونسية؛ فلاحظوا راعي قطيع من الماعز يحمل جهاز "ترانزستور". فاستفزه أحد زملائه بقوله: "انظر، الإذاعة تُعَلِّم الشعب". فاتَّجه صوب الراعي ليسأله عمَّا يستمع في الجهاز. فأجابه فورًا بأنه يستمع إلى أغان بدوية، ثم سأله ثانية: هل تعرف من يحكم تونس؟ فأجاب الراعي: إنه الباي! فاستطرد في السؤال: وهل تعرف من هو الحبيب بورقيبة؟ فجاء ردُّ الراعي سريعًا: إنه زعيم سياسي! هكذا، لم تستطع الإذاعة التونسية، التي تحوَّلت إلى جهاز دعاية بعد استقلال تونس، أن تعلِّم أبناء الشعب الفقراء أن بورقيبة أصبح رئيس تونس، وأن الباي قد أُجْبِر على ترك العرش قبل ست سنوات! ولا يستطيع أي شخص أن يُنكِر أن الإذاعة التونسية لم تكف عن ذكر اسم بورقيبة أكثر من مرة في اليوم، والتغني بالنظام الجمهوري في تلك السنوات.

حقيقة، إن هذا الراعي لا يمثِّل الشعب التونسي، الذي تتوجَّه إليه الإذاعة التونسية بخطابها، لكنه يطرح، بشكل أو آخر، إشكالية تلقي المستمع والمشاهد في العديد من البلدان العربية للبرامج الإذاعية والتليفزيونية.

يغلب على بحوث الإعلام في المنطقة العربية المنشورة في المجلات العربية المتخصصة(36)، والمنصات الرقمية الأكاديمية، مثل: المنصة الجزائرية للمجلات العلمية، وموقع "Academia.edu"، وموقع "Google.scholar"، وموقع "www.researchgate.net"، وقاعدة البيانات الرقمية الأكاديمية "معرفة" (https://search.emarefa.net)، وقاعدة بيانات "مبتعث" لبحوث الدكتوراه والماجستير في الإعلام (www.mobt3ath.com)، يغلب عليها الاهتمام المفرط بدور وسائل الإعلام وتأثيرها على الجمهور انطلاقًا من مكونات النص الإعلامي فقط، دون السؤال عن الجمهور. إنها تنطلق من تصور جاهز لأدوار وسائل الإعلام وتأثيرها على الجمهور النابع من البراديغم الوظيفي. وبهذا، لم تهتم بالمعنى الذي يستخلصه الجمهور من المواد الإعلامية، والذي يمكن الوصول إليه بالاستناد إلى البراديغم الظاهراتي.

نميل إلى الاعتقاد بأن العديد من الدراسات التي أُنجزت عن جمهور وسائل الإعلام في البلدان العربية استندت إلى البراديغم الوظيفي. ولم تتمكن، مع الأسف، من تشخيص المورفولوجية الاجتماعية لجمهور هذه القناة التليفزيونية، أو المحطة الإذاعية، أو برنامج من برامجها. لقد اتَّجه جلُّها إلى تحديد أنماط التعرض للقنوات التليفزيونية أو عادات مشاهدتها(37)، والتي يُقصد بها: وقت المشاهدة، ونوعية البرامج التي تُشاهد، وكثافة المشاهدة، ودوافع المشاهدة، والإشباعات المحقَّقة. وحاولت دراسات أخرى معرفة "اتجاهات" الجمهور. لقد رحَّلت مفهوم "الاتجاه" من حقل علم النفس، الذي يشترط سلم القياس، إلى حقل علوم الإعلام. فاكتنف الغموض مقاصده: هل يعني (أي الاتجاه) رأيَ أو موقفَ المشاهد من قناة تليفزيونية أو برنامج تليفزيوني؟ هل يعني تقييم الجمهور للمادة الإعلامية أو الوسيط الإعلامي؟ هل يُقصد به الوقت الذي يخصصه الجمهور لمشاهدة هذه القناة، أو الاستماع إلى الإذاعة، أو مدى استفادته منها؟

وإن كانت هناك ضرورة لدراسة الجمهور من زاوية تَعَرُّضِه لبرامج التليفزيون أو الإذاعة أو الكشف عن أنماط مشاهدتها أو اتجاهات هذا الجمهور فإن ما ينجم عن هذه الضرورة لا يصب في الإشكالية التي تطرحها نظرية التلقي التي ذكرناها أعلاه، وأثارتها ملاحظة الأستاذ الفيتوري.  

ما سبق قوله لا ينفي وجود بعض بحوث الإعلام في المنطقة العربية التي اتخذت من التلقي عنوانًا لها، لكنها تعاملت معه كمرادف للتَّعَرُّض أو المشاهدة أو الاستماع(38)، أو حاولت دراسة التلقي من منظور وظيفي: الاستخدامات والإشباعات، وليس من زاوية التأويل وإنتاج المعنى، وبعضها توقف عند حدود الدراسات المسحية للجمهور(39).

من البحوث القليلة جدًّا التي تصدت إلى إشكالية تلقي الجمهور للمواد الإعلامية والثقافية في البلدان العربية نقتصر على أبرزها في الجدول التالي، ولا نزعم أنها تمثِّل مجتمع البحث تمثيلًا صادقًا، بل يمكن اعتبارها كمؤشرات لبحوث التلقي الإعلامي.

جدول يبرز اهتمام البحث الإعلامي بإشكالية تلقي الجمهور للمواد الإعلامية والثقافية في المنطقة العربية

الموضوع

الوسيلة

المقاربة

تساؤلات البحث

أدوات جمع البيانات وتحليلها

الكاريكاتير السياسي في الصحافة الجزائرية ورهانات التلقي(40)

 

 

الصحف الجزائرية 

 

تفهمية

- ما المعاني والدلالات التي يحملها الكاريكاتير السياسي في الصحف الجزائرية؟

- ما قراءات الجمهور للكاريكاتير السياسي في الصحف الجزائرية؟

- دراسة سيميائية للكاريكاتير السياسي.

- مقابلة نصف مقنَّنة مع عينة من القرَّاء.

"هنا صوت الجزائر"(41)

 

الإذاعة

 

تفهمية

- كيف تعامل الجزائريون والمعمرون في الجزائر المستعمرة مع الإذاعة؟

- كيف تغير موقف الجزائري من الإذاعة بعد الثورة؟ وماذا أصبحت تعني له؟

- الأرشيف والإحصائيات.

- الاحتكاك بالجزائريين والأوروبيين في مستشفى الأمراض العقلية.

- المشاركة في الجهاز الإعلامي لثورة التحرير الجزائرية.

التلقي عابر الحدود للمسلسل التليفزيوني(42)

التليفزيون

 

تعدد الحوامل الرقمية

 

 

بنائية

- ما أهمية الدراما التليفزيونية في البناء الهوياتي لجمهورها في واقعيه، العيني والافتراضي؟

-كيف يفهم المشاهدون المغاربة داخل الوطن وخارجه العلاقة بين ما هو محلي وما هو عالمي عبر مسلسل "لالا منانة" التليفزيوني الذي بُثَّ عبر تعددية الشاشات؟

- تحليل بنيوي لصفحة المعجبين بهذا المسلسل في صفحة فيسبوك.

- مقابلة نصف مقننة مع عينة من مشاهدي المسلسل في منطقة "شفشاون" المغربية التي صُوِّر فيها المسلسل، ومع مغاربة من الشتات شاهدوا المسلسل التليفزيوني المدروس.

- مقابلة مع بطلة المسلسل التليفزيوني.

الإعلام الفضائي العربي وإدراك التغيير في العلاقة بين الجنسين(43)

 

التليفزيون

 

تفهمية

- كيف يدرك الطلبة الجامعيون في شرق الأردن العلاقة بين الترفيه التليفزيوني العالمي والتغيير الاجتماعي، خاصة ذا الصلة بالعلاقة بين الجنسين: الذكور والإناث؟

- الاستبيان.

- المجموعة البؤرية.

الاتصال غير المتكافئ(44)

وسائل الاتصال الجماهيري:

صحف، وإذاعة، وتليفزيون

 

تفهمية

- هل تعمل وسائل الاتصال الجماهيري على إحداث التجانس الثقافي في الجمهور الجزائري؟

- كيف تؤثر الظروف السيئة لتلقي المواد الإعلامية وفك تشفيرها على الاختيار الإعلامي للفلاحين الجزائريين في سبعينات القرن الماضي؟

- كيف يؤثر الاتصال غير المتكافئ على التمايز الاجتماعي وعلى إعادة إنتاج المعنى؟

- دراسة مونوغرافية.

- الاستبيان.

- المقابلة.

- الملاحظة بالمشاركة.  

تصورات الجمهور التركي والفلسطيني والمصري للمسلسلات التركية(45)

 

التليفزيون

 

بنائية

- كيف يتفاوض الجمهور العابر للثقافات مع المسلسلات التركية؟

- ما تصور المشاهدين للحداثة كما تُعبِّر عنها المسلسلات؟

- المقابلة.

- المجموعات البؤرية.

الجزائريون يشاهدون مسلسل "دالاس" الأميركي(46)

 

التليفزيون

 

تفهمية

- كيف فهم الجزائريون السرد التليفزيوني في مسلسل "دالاس" في ظل تحول المجتمع الجزائري في ثمانينات القرن الماضي؟

- المقابلة وتحليل شهادات الجمهور والصحافيين.

- تحليل بعض النصوص الصحفية التي كُتبت عن المسلسل.

 

عادات المشاهدة التليفزيونية لدى المجتمع الطارقي(47)*

 

التليفزيون

 

تفهمية

- ما القنوات التليفزيونية التي تختارها الأسر الطارقية وأنواع المضامين المنتقاة من قبل كل فرد؟

- ما مدى فهم أفراد الأسرة الطارقية للغة ومضامين برامج التليفزيون؟

- من صاحب سلطة اتخاذ قرار المشاهدة التليفزيونية في الأسرة؟

-  ما مختلف التأويلات الناتجة عن عملية التلقي؟

- دراسة إثنوغرافية.

- الملاحظة المباشرة أثناء فعل المشاهدة.

- المقابلة نصف الموجهة مع أفراد ثلاث أسر طارقية.

تلقي وسائل الإعلام العربية الدولية عبر الأقمار الصناعية والإنترنت(48)

 

تليفزيون إنترنت

 

بنائية

- ما مكانة وسائل الإعلام لدى الجالية المغاربية في مدينة مونتريال؟

- هل تلقِّي الجاليات المغاربية لوسائل الإعلام العربي يدفعهم للانطواء الهوياتي في إطار "غيتو"؟

- هل يؤدي تلقي الجالية المغاربية لبرامج وسائل الإعلام العربية إلى "تهجين" ثقافتهم في سياق المشهد الكندي؟

- دراسة إثنوغرافية

- المقابلة المعمقة نصف موجهة لـ16 مبحوثًا مهاجرًا ذوي مسارات حياتية ومهنية مختلفة، والكشف عن علاقتهم بوسائل الإعلام المحلية والعربية.

تمثُّلات المرأة في صفحات الميديا التقليدية في   فيسبوك(49)

 

الميديا التقليدية

 

 

صفحة فيسبوك

 

تفهمية

- ما تمثُّلات مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي للمرأة في الفضاء الافتراضي؟

- ما الموارد الثقافية التي يوظفها المستخدمون لمواقع التواصل الاجتماعي لتأويل مضامين الميديا عن المرأة؟

- تحليل مضمون الصفحات التي أنشأتها الميديا التقليدية العربية عن المرأة.

- إبراز تأويل مستخدميها من خلال جملة من المؤشرات: الأسماء المستعارة، وصور الملمح، والتعليقات، وأسلوب الحِجَاج...

4. نظرية التلقي الإعلامي في البيئة الرقمية

إن الاطلاع على بعض البحوث التي تناولت عملية التلقي الإعلامي عبر الحوامل الرقمية المتعددة يحفز على التفكير في فاعلية نظرية التلقي الإعلامي لدراسة الجمهور في بيئة "الويب 2" العابرة للثقافات من خلال النقاط التالية:

أ- يُعتقد أن حدود نظرية التلقي الإعلامي تتجلى أكثر في بيئة "الويب 2"؛ لأنها تسعى إلى توضيح العلاقة الملتبسة التي تجمع القارئ بالنص، لكن مكانة هذا النص تراجعت في البيئة الرقمية لصالح العُدَّة التقنية. وتبدو هذه الحجة مقنعة على الرغم من أن الباحث ديفيد مورلي(50)، الذي يُعتبر من رواد نظرية التلقي، لم يركز في بحوثه على قناة تليفزيونية بعينها أو على برنامج تليفزيوني محدد، مثلما فعل العديد من بحوث التلقي الإعلامي. لقد اهتم مورلي بالتليفزيون كعُدَّة تقنية، وصكَّ جملة من المفاهيم، مثل: التكنولوجيا العائلية، والديناميكية العائلية، التي مكَّنته من منح قيمة اجتماعية وثقافية وتواصلية للتليفزيون في السياق العائلي، والكشف عن مكانته في الحياة اليومية لدى الأسرة البريطانية في مطلع ثمانينات القرن الماضي. لكن هذا لا يمنع من القول: إن أغلب بحوث التلقي الإعلامي ركزت على علاقة المتلقي بالمادة الثقافية والإعلامية، ولم تهتم بالحامل -العُدَّة التكنولوجية- إلا في حدود ضيقة.

ب- تستخدم نظرية التلقي الإعلامي عُدَّة مفاهيمية مستقاة من النقد الأدبي إن لم تكن مرتبطة بنمط الاتصال المكتوب، مثل النص والقراءة. ويعتقد أن هذه العُدَّة فقدت أهميتها في فهم الاتصال في العصر المرئي. ويعود مفهوم النص في نظرية التلقي إلى الدراسات الثقافية التي لا تحصره في المعنى الاصطلاحي الوارد في القواميس، بل وظَّفته من باب الاستعارة ليشمل الصورة الثابتة والمتحركة، والأفلام، والبرامج التليفزيونية، والإذاعية، واللقطات الإعلانية، والوسيلة الإعلامية. وقد تبلور في ظل الدراسات السيميائية التي استفادت منها هذه النظرية؛ فمفهوم "النَّصْنَصَة" (Textualization) يملك قيمة جوهرية في الدرس السيميائي. فعالم اللسانيات الدنماركي، لويس هلمسيف (Hjelmslev Louis)، أوحى بأن لا شيء يفلت من تشكيله كنص؛ فالنص هو موضوع السيميائيات وحدٌّ لها(51).

ويتعدى مفهوم القراءة لدى أصحاب نظرية التلقي المعنى الاصطلاحي، والذي يعني فكَّ حروف النص المكتوب. إنه مسار من ابتكار المعنى يتدخل فيه التفاوض مع النص -بالمعنى المذكور أعلاه- وتأويله الذي يتجسد عبر مستويات مختلفة تحددها جملة من المتغيرات، تأتي في مقدمتها كفاءة المتلقي المعرفية وتجربته الاجتماعية. وهذا يؤدي إلى القول: إن لكلِّ نصٍّ قراءات متعددة.

ج- يصدق على الجمهور، الذي يُشكِّل إطارًا مركزيًّا لدراسة التلقي الإعلامي، ما قاله الفيلسوف الألماني، هيرمان إبنجهاوس (Hermann Ebbinghaus)، عن علم النفس: إنه يملك ماضيًا موغلًا في القدم لكن تاريخه قصير(52). لقد عُرف مفهوم الجمهور، الذي واكب ميلاد وسائل الاتصال الجماهيري، بأنه "جماعة من البشر مرئية، ومعترف بها، ومدركة لرؤيتها، والتي يمكن من خلالها توقع تمظهراتها الملموسة"(53). وطرح هذا المفهوم إشكالًا نظريًّا على الدارسين، ويتمثَّل في معرفة متى يمكن القول: إن المتفرج والمشاهد والمستمع تحولوا إلى جمهور في عصر التكنولوجيا التناظرية ناهيك عن عصر التكنولوجيا الرقمية؟ وهل أن جمهور وسيلة إعلامية ما واحد أم متعدد؟ وهل ضاع القاسم المشترك في هذا التعدد؟ وهل أن الاستعمال الفردي للوسيلة وتشذُّر المواد الإعلامية عبر تعدد الحوامل الإعلامية الرقمية قد وضع حدًّا للجمهور؟ إن الإجابة عن هذه الأسئلة تؤدي إلى التساؤل عن الجمهور في ظل التحولات التي تعيشها الميديا المعاصرة، وتداخل الإنتاج والاستخدام، الذي يُعبَّر عنه بمصطلح "الانتخدام" (produsage)(54).

إن الجمهور "موجود في كل مكان ولا مكان" في الفضاء الافتراضي، لكن هل يمكن دراسته بالطريقة التقليدية؟ فما كان يُطلق عليه اسم الجمهور في السابق هم أشخاص كانوا يستخدمون وسائل الإعلام لأغراض محددة بشكل أساسي، دون غيرها، خلال فترة معينة، ثم يكفون عن استخدامها، لينصرفوا إلى ممارسة نشاطات أخرى. أما "ما يُعتقد أنه جمهور" في البيئة الرقمية فقد أصبح ذا علاقة دائمة بالوسيلة ولا يتوقف عن استخدامها(55). إنه الجيل الذي يمكن وصفه بذي القابلية على القيام بالعديد من المهام في آن واحد (The Multitasking Generation). لذا، يُشكِّك بعض الباحثين في وجود شيء اسمه جمهور الميديا في الفضاء الافتراضي(56). هذا على الرغم من أن الناس ما زالوا يشاهدون برامج التليفزيون التقليدي والأفلام السينمائية سواء في بيوتهم أو خارجها.

لقد جعلت الميديا الرقمية جزءًا كبيرًا من نشاط مشاهدي برامج التليفزيون عبر مختلف الحوامل الرقمية ظاهرًا للعيان لم نألفه في مشاهدة التليفزيون كما وصفها دافيد مورلي. فمن النقر على أيقونة الإعجاب إلى التعبير عن المشاعر والآراء باستعمال الأيقونات مرورًا بإشراك الغير في المشاهدة سواء بإعادة إرسال ما يشاهد كله أو في شكل مقاطع فيديو فقط، أو تذيل الفيديو بتعقيب، أو مناقشة الأصدقاء الافتراضيين أو الفعليين فيما يشاهدون بشكل مواز ومتزامن مع المشاهدة. وغني عن القول إن هذه المناقشة تتطلب استخدام شاشتين، وغيرها من الممارسات، التي وسعت مفهوم المشاهدة ومططت الأساليب والآليات التي تسمح بإعادة إنتاج المعنى بشكل مرئي. وقد ترتب عن كل هذا أن البيئة الرقمية ساهمت بنشاط في فسخ عقد المشاهدة الذي كان يجمع المشاهد والتليفزيون التقليدي.

ويقترح الباحثون، الذين يعتقدون أن نظرية التلقي أصبحت متجاوَزَة بفعل ديناميكية البيئة الرقمية، استبدال المشاركة بها. فالتفكير في الاتصال الميدياتيكي، حسب الباحث سيلين سيغر (Céline Ségur)(57)، يجرى اليوم في إطار براديغم المشاركة التي كانت تُمارَس في الميديا "التقليدية"، لكن مجال تطبيقها اتسع في ظل التكنولوجيا الرقمية وبفضلها. ويمكن أن تنطلق مع بداية الإنتاج التليفزيوني، مثل اقتراح بعض المواضيع على معدِّي البرامج التليفزيونية أو اقتراح تكملة لسيناريو فيلم أو مسلسل تليفزيوني، أو من خلال ما تمارسه نوادي المعجبين ببعض البرامج التليفزيونية والإذاعية من تأثير على محتوياتها أو مواضيعها، أو عبر تصويت المشاهدين على مسار الألعاب التليفزيونية أو برامج تليفزيون الواقع. وبالنظر إلى لجوء بعض القنوات التليفزيونية إلى نشر شرائط فيديو أو "نصوص" مستقاة من مواقع التواصل الاجتماعي، مثل تغريدات مشاهدي برامجها السياسية على موقع شبكة "تويتر"، ندرك محدودية هذه المشاركة، والتي تكشف عن العجز الواضح عن نقل السلطة من التليفزيون، الذي يمارس أبويته، إلى الجمهور حتى وإن كان هذا الأخير حاضرًا في الأستوديو، وطرفًا في النقاش الدائر في البرامج التليفزيونية(58). لذا، لا نعتقد بأن المشاركة التليفزيونية، التي ترسِّخ فكرة "الجمهور النشيط والفاعل"، تحلُّ محلَّ مفهوم التلقي أو تلغي نظريته. 

من أجل تجديد نظرية التلقي لدراسة الميديا الرقمية، لا يوافق الباحث، شودرو كريم كريستان(59) على إدراج المشاركة في أفق نظرية التلقي فحسب، بل يضيف لها عملية الأعلمة (Mediatization) التي يرى أنها لا تأخذ بعين الاعتبار الجمهور. فـــ"الأعلمة هي ميتا مفهوم (méta-concept) للطريقة التي يُدار بها النظام الاجتماعي. إنها ليست تقريرًا عن مبدأ لنظام مخصوص يستند إلى وسائل الإعلام (...) وينتظر منها أن تشمل التقارير المتنوعة عن الطريقة التي يتم بها توريط وسائل الإعلام في تحولات مختلف حقول الفعل والمنافسة"(60).  

ويضيف الباحث الدنماركي ذاته مفهوم "الجمهرة" (Audientization) لعملية الأعلمة. ويوضح فكرته بالقول: إن جمهرة الأعلمة تعني أنه يتوجب على كل دراسة لمسار الأعلمة دمج نشاط المشاهدة الناجم عن الانتباه أو الانخراط الواعي في الميديا المدروسة نظرًا للطريقة التي يؤثر بها هذا النشاط، مهما كان ضئيلًا وذا تأثير ضعيف على تكوين الميديا، وعلى علاقتها ببقية مؤسسات المجتمع(61).

بالنظر إلى ما سبق عرضه، يقترح الباحث، أوليفي دونات (Olivier Donnat)، الاستعانة بمفهوم الاستخدام لدراسة "جمهور" الميديا الرقمية؛ لأن هذا الأخير أصبح مستخدمًا نظرًا للعُدَّة الرقمية التي تدعو مستخدميها إلى التفاعل سواء بالتعبير عن آرائهم ومشاعرهم، أو بنقل الأخبار، أو ممارسة النقد من خلال التعليقات، أو تقديم التوصيات التي يتم تقاسمها في مواقع التواصل الاجتماعي(62).

إن التفكير في مفهوم الاستخدام يقودنا رأسًا إلى تيار سوسيولوجيا الاستخدام، أو نظرية المبتكرات التي ظهرت في ثمانينات القرن الماضي، والتي سعت إلى فهم كيف يتصرف "المستخدم" مع العُدَّة التكنولوجية المتوافرة آنذاك: جهاز الفيديو، والمجيب الآلي على الهاتف، والحاكي، وجهاز التحكم عن بعد في جهاز التليفزيون، وكيف يدرجها في حياته اليومية. 

إن تبديل الاستخدام بالجمهور لا يعني بتاتًا أن مفهوم الاستخدام معصوم من المراجعة في البيئة الرقمية وحتى من النقد، وذلك لسببين: الأول عملي يلخصه سؤال الباحثة الهولندية، مي أين أنج (May Ien Ang): "ما معنى الحياة في عالم يعاني من تخمة في الميديا؟"(63). إنها تعني ببساطة العيش في الثقافة الرقمية التي لا وجود لها دون الممارسات التي تستلزم استعمال عُدَّة المعلوماتية: ممارسات الاستهلاك الميدياتيكي والثقافي، والتواصل، والتعبير عن الذات(64). ففي ظل هذه الثقافة يصبح الاستعمال شرطًا أنطولوجيًّا للميديا الرقمية ويتداخل مع الاستخدام. وأضحى مفهوم المستخدم النموذجي لهذه العُدَّة يميل للاندماج في تصور الأجهزة التقنية(65).

أما السبب الثاني فهو نظري، ويكمن في دلالة مفهوم الاستخدام الذي من المفروض أنه يتعارض مع مفهوم الاستهلاك الذي يحيلنا إلى السوق؛ فالمستخدم يختلف عن المستهلك/الزبون الذي يشترط منه دفع مقابل مالي للحصول على سلعة أو خدمة. لقد تشكَّلت دلالة الاستخدام (Usage) في ظل دولة الرفاهية، التي تقدم جملة من الخدمات مجانًا، مثل الصحة والتعليم لمواطنيها ضمن التزاماتها الاجتماعية. لكن هل ينطبق هذا الأمر على الميديا الرقمية؟ بمعنى آخر، ألا يعتبر استخدام الإنترنت والمنصات الرقمية استهلاكًا؛ لأنه فعل غير مجاني، بل يتطلب مقابلًا ماليًّا؟

إن الولوج (Access) والربط بالشبكة (Connexion) هما مفتاح زيادة الاستهلاك وانتشاره الذي ينمو ويتكاثر بارتفاع عدد تعليقات المؤثرين وآراء الخبراء، ونصائح المتواصلين، وانطباعات من يلج شبكة الإنترنت أو يكون متصلًا عبر منصاتها الرقمية(66). هذا، إضافة إلى أن مفهوم الاستخدام يقتصر على العُدَّة التكنولوجية بصرف النظر عما تحمله، وبهذا يتقاطع مع أطروحة مارشال ماكلوهان (Marshall McLuhan) التي "تحتفي" بالوسيط (Medium)، وتعتبره رسالة.

ورغم اقتناع بعض الباحثين النشطين في مجال الدراسات الإعلامية بموت التليفزيون في العصر الرقمي، مثل: إليهو كاتز وبادي سكانل (Paddy Scannell)(67) وجون لوي مسيكا (Jean-Louis Missika)(68) إلا أن الكثير من البحوث واصلت دراسته في البيئة الرقمية مستلهمة مما توصل إليه ديفيد مورلي في بحوثه عن جمهوره.

وتعددت هذه الدراسات إلى درجة يصعب تصنيفها، ناهيك عن حصرها كميًّا. فبالإضافة إلى اهتمامها بدراسة جمهور برنامج بعينه، مثل: جمهور المسلسلات التليفزيونية(69)، أو برنامج سياسي حواري، اتجهت بحوث التلقي الإعلامي إلى دراسة شريحة معينة من جمهور التليفزيون )أطفال، شباب، نساء((70)، أو عشاق نجوم التمثيل والفن، في تعاملها مع "التليفزيون الاجتماعي"، وإلى الكشف عن أسرار مشاهدة المادة التليفزيونية عبر أنماط البث والتوزيع المعاصرة، مثل الفيديو وفق الطلب، والتليفزيون الاستدراكي(71)، وإلى مقارنة الجمهور الذي يتابع برامج التليفزيون التقليدي، بالجمهور "أونلاين" عبر مختلف الشاشات(72). لكن من يطلع على بعض الدراسات الحديثة التي أُنجزت في هذا الإطار(73) يصعب عليه تصنيفها: هل تنتمى إلى دراسات التلقي الإعلامي، التي تهتم بعملية تشفير المادة الإعلامية والثقافية التي تبثها وسائل الإعلام المختلفة، خاصة السمعية-البصرية، وفكِّ تشفيرها، أو تُعَدُّ تطبيقًا لتيار سوسيولوجيا الاستخدام، الذي تحدثنا عنه آنفًا؟ وهل زالت الحدود الإجرائية، التي كانت تفصل الدراسات التي تستند إلى نظرية التلقي عن تيار سوسيولوجيا الاستخدام في عصر التكنولوجيا التماثلية، في العصر الرقمي أم أن مستقبل "نظرية التلقي أصبح في حكم الماضي"، مثلما أكد ذلك الباحث لويس كيري(74) بعد أن بلعتها سوسيولوجيا الاستخدام؟ لقد عملت هذه السوسيولوجيا على توسيع مجال بحثها ليشمل جنيالوجيا استخدامات العُدَّة التقنية، ومسار تملكها (Appropriation)، وصياغة الرابط اجتماعي بواسطتها(75).

ما يبرر طرح هذا السؤال الأخير أن نظرية التلقي أصبحت توظف مفهوم "التملُّك" الذي اجترحته سوسيولوجيا الاستخدام من بحوثها الأمبريقية. بالفعل، لقد أضحى الكثير من البحوث التي تستند إلى نظرية التلقي الإعلامي تشترك مع بحوث سوسيولوجيا الاستخدام في توظيف مفهوم "التملُّك"(76).

ويؤكد مفهوم التملُّك على استقلالية مستخدم العُدَّة التكنولوجية أو متلقي المواد الإعلامية والثقافية، ويراها نابعة من كفاءة المستخدم الإدراكية والتقنية التي تتجلى عبر تفاعله المنتظم بل اليومي مع الحامل والمحمول الإعلامي والثقافي(77) في مختلف الفضاءات: البيت، ومقر العمل، والمدرسة والجامعة، والمسجد والكنيسة، والنادي الثقافي والرياضي، والملعب، والمقهى، والسوق.

لقد وظَّفت نظرية التلقي مفهوم التملُّك لقراءة علاقة المتلقي بالمادة الإعلامية والثقافية، بينما "شغلت" سوسيولوجيا الاستخدام هذا المفهوم لفهم علاقة المستخدم بالعُدَّة التكنولوجية. إذن، إن الغاية من توظيف مفهوم التملُّك تُطرح في أفقين مختلفين. فأفق التملُّك في نظرية التلقي هو أنثروبولوجي وثقافي وسياسي بغية تحقيق الذات وبناء الهوية الفردية والجماعية، والكشف عن الخصوصية الاجتماعية والثقافية. بينما أفق التملُّك في سوسيولوجيا الاستخدام يتجلى عبر ابتكار وظائف جديدة للعُدَّة التكنولوجية غير تلك التي تصورها صانعوها من مهندسين ومستثمرين. فغاية هذا التملُّك تقنية وتجارية، بدليل أن الشركات المصنِّعة للتكنولوجيا المتطورة وبرامجها التطبيقية أنشأت وحدات للبحث الاجتماعي والنفسي، واستفادت كثيرًا من بحوث سوسيولوجيا الاستخدام في تطوير منتجاتها.

خلاصة

بالنظر إلى ما سبق طرحه، نقترح الاستعانة بنظرية التلقي وتيار سوسيولوجيا الاستخدامات معًا في دراسة المتلقي/مستخدم الميديا الرقمية، وذلك لتجاوز حدود كلتا النظريتين من جهة، ومن أجل تطبيق تعددية المقاربة النظرية لفهم العلاقة بين أضلاع المثلث التالية: العُدَّة التكنولوجية، والنص الإعلامي والثقافي، والمتلقى. فسوسيولوجيا الاستخدامات تهتم بالعُدَّة التكنولوجية/الوسيط الإعلامي ومستخدمه، ونظرية التلقي تركز على النص وجمهوره. إذن، يمكن الاستفادة من مفهومي التَّمثُّل والتملُّك اللذين ترتكز عليهما سوسيولوجيا الاستخدامات، ومن مفهومي سياق التلقي والتأويل اللذين تعتمد عليهما نظرية التلقي.

فبالنسبة للسياق، لا يمكن الإحاطة به في بيئة "الويب 2" دون الأخذ بعين الاعتبار التغيير الذي يعيشه التليفزيون المعاصر، والذي يختلف عن تليفزيون السبعينات، ليس من ناحية وفرة البرامج والمواد وأشكال البث والتوزيع فحسب، بل من ناحية الطبيعة أيضًا. فالتليفزيون العمومي كان يروم تحقيق الوظائف التالية: الإعلام، والتعليم والتثقيف والتسلية، بينما التليفزيون الخاص كان يهدف إلى تحقيق غاية تجارية عبر التركيز على الترفيه الذي يستقطب أكبر عدد من المشاهدين. بينما يسعى التليفزيون المعاصر إلى إقامة علاقة مع المشاهدين والحفاظ عليها، وولوج المجموعات البشرية الموجودة في جيوب شبكة الإنترنت. يبدو أن تحقيق هذا المسعى في البيئة الرقمية أصعب من البيئة التماثلية. لقد لجأ التليفزيون التماثلي إلى جملة من الحيل لشدِّ المشاهدين وتعويدهم على برامجه، منها على سبيل المثال بث المسلسل التليفزيوني عبر حلقات مترابطة في ساعات محددة من اليوم. أما في الوقت الراهن فقد برزت ظاهرة ما أصبح يُعرف بنهم المشاهدة (Binge Watching)، أي مشاهدة كل حلقات المسلسل التليفزيوني دفعة واحدة عبر المنصات الرقمية، مثل نتفليكس أو خدمة التليفزيون وفق الطلب.

ولا يمكن تفعيل سياق المشاهدة دون الأخذ بعين الاعتبار تداعيات انفصال المحمول عن الحامل الذي نجم عن التكنولوجيا الرقمية، أي انفصال المادة الإعلامية والثقافية عن ناقلها؛ مما سمح بارتحالها عبر الوسائط المختلفة (Transmedia) وما بين الوسائط (Intermediacy). ويؤكد هذا الترحال أن وسائل الإعلام ليست ظاهرة مفصولة عن بعضها ولا تراكمًا لها، بل إنها مسار تجري فيه التفاعلات الدائمة بين النصوص.  

أما بالنسبة لتأويل المشاهدين "للنصوص" التليفزيونية في بيئة الويب، فلم يعد يتوقف على المتغيرات التي برهنت عليها دراسة الجمهور في ظل التليفزيون التناظري، مثل: السن، والمستوى الثقافي، والجنس، والانتماء الاجتماعي، بل أصبح يخضع أيضًا إلى الكفاءة التقنية التي يشترطها مفهوم التملُّك الذي تحدثنا عنه أعلاه، باعتباره المتغير الرئيس لكونه يشكِّل عتبة المرور إلى فكِّ شفرات النص المتشعب (Hypertext)، الذي يعتبر نصًّا على نص أو نصًّا مفتوحًا. فالكفاءة التقنية تساعد على اكتشاف الأخبار المزيفة (Fake News) والصور والفيديوهات المفبركة (Deepfake)، والنصوص المفتتة (Dispersible Texts) أو تُمَكِّن من ممارستها.  

إنْ كان التأويل يستعين بالدرس السيميائي، بهذا القدر أو ذاك، فلابد من تطويع مفردات هذا الدرس ليستوعب التغيير الذي طرأ على النص الرقمي:

إن سيميائية الوصلات والروابط "الرقمية" يمكن اعتبارها بمنزلة معان متعددة لمدونات (Codes) التليفزيون، و"اعتبار القدرات" أو "إمكانيات الفعل" (Affordances)(78) بمنزلة القراءات المفضلة. ويمكن تمديد جماعات الممارسة إلى جماعات التأويل، وتوسع ثقافات "ريمكس"(Remix)(79) قصد معرفة القراء اللهويين أو المقاومين، وتنظيم مفهوم النوع "الفني أو الصحفي" للنصوص وممارسات الاستخدام/القراءة وفي السياقات القديمة والجديدة للميديا(80).

كان التأويل في التليفزيون التماثلي ينطلق من النص ولا يتوقف عنده. ويسترشد، بهذا القدر أو ذاك، بنوايا الاتصال أو غايات المُرْسِل: التليفزيون، ومُنْتِج البرنامج التليفزيوني، أو المبرمج الذي يُعِد شبكة برامجه. وهي النوايا التي يكشف عنها الخط الافتتاحي للمؤسسة التليفزيونية والذي يندرج في مخطط موريس هول: التشفير وفك التشفير. لكن تَشَذُّر المادة السمعية البصرية وتَعدُّد منتجيها وموزعيها ومقتسميها، وما تثيره من تفاعلات، يُضَبِّب الرؤية لهذا المخطط الذي لا نعرف بداية دورته ولا نهايتها: فالمُرْسِل والمتلقي يُشَفِّران ويَفُكَّان التشفير في آن واحد(81).

ما سبق طرحه لا يمكن أن يخفي التحديات المنهجية التي تواجه عملية الربط بين نظرية التلقي وسوسيولوجيا الاستخدامات الاجتماعية، والتي تتطلب ابتكار بعض الأساليب البحثية أو تجديدها، مثل "النص في أثناء الفعل" (Text in Action)(82)، و"الإثنوغرافية الذاتية" (Auto-Ethnographic)، و"البحث الإجرائي التشاركي" (Participatory Action Research)، من أجل دراسة "الانتخدام"(83) واستغلال الكم الهائل من البيانات (Big Data) وفيض الصور. فرغم أن تفاعل مستخدمي مواقع الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية مرئي وظاهر للعيان إلا أن تأويله من قبل المتفاعلين يظل مبطنًا وخاصًّا ويفلت من ملاحظات الباحثين(84)، ويصعب النفاذ إليه عبر المقابلة أو المجموعة البؤرية. لذا، لابد من اللجوء إلى الإثنوغرافيا الرقمية، والتي يمكن أن تساعد في تجاوز عقبة البحث المتمثلة في الاختلاف في بعض الأحيان بين ما يصرِّح به المبحوثون عن ممارستهم في شبكة الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وما يقومون به فعلًا، والذي يتسم بنوع من الحميمية. والتفكير في كيفية التغلب على صعوبة أَرْشَفَة مادة البحث لسرعة زوالها في مواقع الشبكات الاجتماعية والمنصات الرقمية، وفكِّ أسرار تراكم بروفايلات المستخدم الرقمية.

نشرت هذه الدراسة في العدد العاشر من مجلة لباب، للاطلاع على العدد كاملًا (اضغط هنا)

ABOUT THE AUTHOR

References

(1) Louis Quéré, “Faut-il abandonner l'étude de la réception?,” Point de vue, Réseaux, Vol. 14, n. 79, (1996): 31-37.

(2) Sander De Ridder, Lucia Vesnic-Alujevic, and Bojana Romic, “Challenges when researching digital audiences: Mapping audience research of software designs, interfaces and platforms,” Journal of Audiences and Reception Studies, Vol. 13, Issue. 1, (2016): 374-391.

(3) Sonia Livingstone, “The Challenge of Changing Audiences: Or, What is the Audience Researcher to do in the Age of the Internet?,” European Journal of Communication, Vol. 19, Issue. 1, (March 2004): 75-86.

(4) هذا عنوان المقال الذي صاغه دانيل دايان عن التلقي، انظر:  

Daniel Dayan, “Les mystères de la réception,” Le Débat, n. 71, (1992): 141-157.

(5) Rafal Zaborowski, “Old topics, old approaches? ‘Reception’ in television studies and music studies, Journal of Audience and Reception Studies, Vol. 13, Issue 1, (2016): 446-461.

(6) للكشف عن تمثُّل "الجمهور" في نظريات الإعلام والاتصال، يمكن على سبيل المثال العودة إلى الجزء الثاني من أطروحة الدكتوراه التالية: 

Florence Van Hove, “Médias d’actualité, journalistes et publics sur Twitter: vers un renouvellement des relations?” (Thèse de Doctorat en sciences économiques et sociales, Université de Fribourg- Suisse, 2019).

(7) Annette Hill, “The Audience Is the Show,” in Virginia Nightingale, The Handbook of Media Audiences, (USA: Wiley-Blackwell, 2011), 479.

(8) Daniel Dayan, “Télévision: le presque-public,” Réseaux, n. 100 (2000): 427-456.

(9) Brigitte Le Grignou, Du côté du public: Usages et réceptions de la télévision (France: Économica, 2003), 2.

(10) يمكن أن نذكر على سبيل المثال بحث إليهو كاتز وتمار ليبيس المتعلق بمشاهدة المسلسل التليفزيوني الأميركي "دلاس" الذي ربطا فيه عدم نجاح هذا المسلسل في اليابان بعدم اندماج أفقي التوقع: توقع اليابانيين، وتوقع المسلسل المذكور. انظر:

Tamar Liebes, Elihu Katz, “Six Interprétations de la série "Dallas",” traduit par Éric Maigret, Daniel Dayan, Hermès, n. 11-12, (1993): 125-144.

* صدر الكتاب في العام عام 1957، وله أكثر من طبعة، وقد فضَّل الباحث ترجمة غير حرفية للعنوان الأصلي:
Richard Hoggart, The uses of literacy: Aspects of working-class life, with special reference to publications and entertainments (London: Chatto and Windus, 1957).

(11) Érik Neveu, Armand Mattelart, “Cultural studies' stories. La domestication d'une pensée sauvage?,” Réseaux, n. 80, (Juin 1996) : 11-58.

(12) Stuart Hall, Encoding and Decoding in the Television Discourse (Birmingham: Centre for Contemporary Cultural Studies, 1973).

(13) David Morley, “La réception des travaux sur la réception Retour sur “Le Public de Nationwide”,” traduit de l'anglais par Daniel Dayan, Hermès, n. 11-12, (1993): 31-46.
(14) Florence Millerand, “David Morley et la problématique de la réception,” composite.com, (1997), “accessed January 1, 2021”. https://bit.ly/2NKLAqt.
(15) Ibid.

(16)  Michel de Certeau, L’invention du quotidian, I: Arts de faire, (France: Gallimard, 1990), 247.

(17) Sonia Livingstone, Ranjana Das, “The End of Audiences? Theoretical Echoes of Reception amid the Uncertainties of Use,” researchgate, (February 2013), “accessed January 2, 2021”. https://bit.ly/3b2B9HA.

(18) Janice Radway, Reading the Romance. Women, patriarchy and popular literature, (Chapel Hill: University of North Carolina press, 1984).

(19) John Fiske, Television Culture, (London: Routledge, 1987).

(20) Floris Müller, Joke Hermes, The Performance of Cultural Citizenship: Audiences and the Politics of Multicultural Television Drama, Critical Studies in Media Communication, Vol. 27, Issue 2, (2010): 193-208.

(21) Dayan, “Télévision: le presque-public,”: 435.

(22) Daniel Cefaï, Dominique Pasquier, Les Sens du public, publics politiques, publics médiatiques, (France: PUF, 2003), 35.

(23) Kim Christian Schrøder, “Audience Reception Research in a Post-broadcasting Digital Age,” Television & New Media, Vol. 20, Issue. 2, (2019):155-169.

(24) Fabien Pillet, “Que reste-t-il de l'école de Constance?,” Études Germaniques, n. 263, (2011): 763-781.

(25) Pierre   Bourdieu, Les règles de l’art (France: Seuil, 1998), 501.

(26) Fiske, Television Culture, 14.

(27) إريك ميغري، سوسيولوجيا الاتصال والميديا، ترجمة نصر الدين لعياضي، (هيئة البحرين للثقافة والآثار، البحرين، 2018)، ص 381.

(28) انظر مقدمة مترجم كتاب سوسيولوجيا الاتصال والميديا، المرجع السابق.

(29) Quéré, “Faut-il abandonner l'étude de la réception?,” op, cit.

(30) David Morley, Family television: Cultural power and domestic leisure (New York: Routledge, 1999), 139-152.

(31) Radway, Reading the Romance, op, cit.

(32) Nathalie-Nicole Bouchard, “Elihu Katz et Tamar Liebes (1990), The Export of Meaning, Cross-Cultural Readings of Dallas,” Communication. Information Médias Théories, Vol. 14, n. 1, (1993): 210-215.

(33) Joëlle Stolz, “Les algériens regardent Dallas,” in Jean-Luc Maurer, Faouez Mellah, Dominique Perrot et al., les nouvelles chaines, Techniques modernes de la télécommunication et le Tiers Monde: pièges et promesses (France: Presses Universitaires de France, 1983), 221-246.

(34) للتوسع، انظر:

Schrøder, “Audience Reception Research in a Post-broadcasting Digital Age,” op, cit.

(35) Chadli Fitouri, Débat | Images: pollution où développement? in Jean-Luc Maurer et al., les nouvelles chaines, Techniques modernes de la télécommunication et le Tiers Monde: pièges et promesses  (Genève: Graduate Institute Publications, 2016), 147-183.

(36) مثل: "المجلة الجزائرية للاتصال"، و"المجلة التونسية للاتصال"، و"المجلة العربية لعلوم الإعلام"، و"الباحث الإعلامي"، لكن جلها لا تنشر أرشيفها ليتمكن القارئ من الاطلاع وتحميل البحوث والدراسات المنشورة في أعدادها القديمة.

(37) انظر: ندى عبد الرضا حمود، عادات مشاهدة الطفل العراقي في عَمَّان للإعلانات التليفزيونية الموجهة إلى الأطفال وأنماطها: دراسة مسحية، (رسالة ماجستير، الأردن، جامعة الشرق الأوسط، كلية الإعلام، 2015).

(38) انظر على سبيل المثال: خيرة لكجل، الشباب وتلقي صور الثورة التحريرية عبر مواقع التواصل الاجتماعي: دراسة في دور الكفاءة القيمية، الصورة والاتصال، (المجلد 5، العدد 15، 2015)، ص 81-102.

(39) انظر على سبيل المثال:

زهير بوسيالة، "أنماط تلقي برامج التليفزيون الفضائي لدى المشاهد الجزائري: دراسة على عينة من جمهور العاصمة، مجلة الدراسات الإعلامية، (العدد التاسع، نوفمبر/تشرين الثاني 2019).

(40) كريمة خافج، "الكاريكاتير السياسي في الصحافة الجزائرية ورهانات التلقي: دراسة تحليلية لعينة من جرائد "الخبر"، "الشروق،"Liberté" ،"El Watan" ، من الفترة الممتدة من 2012 إلى 2017، (أطروحة دكتوراه، كلية علوم الإعلام والاتصال، جامعة الجزائر، 2019).

(41) يذكر فرانز فانون أن 95 %من المعمرين الأوروبيين في الجزائر كانوا يملكون جهاز الترانزستور الذي شكَّل همزة وصلهم ثقافيًّا وسياسيًّا بفرنسا بينما لم يهتم الجزائريون بهذا الجهاز. لقد كان بإمكان الكثير منهم ماديًّا اقتناؤه لكنهم لم يفعلوا؛ وذلك لسبب أخلاقي: فالأغاني الغزلية والإيحاءات الجنسية التي تتضمنها بعض البرامج تربك العائلة الجزائرية آنذاك. لقد "كانت تقاليد الاحترام تبلغ من الأهمية أن تبنِّي هذه التقنية الحديثة -الترانزستور- بإمكانه أن يزعزع استقرار الأسرة الجزائرية ويهز العلاقة بين الرجل والمرأة والأبناء بآبائهم"، لكن مع انطلاقة الإذاعة الجزائرية في الخارج، في 1956، سارع الجزائريون إلى شراء هذا الجهاز رغم العقوبة المشددة التي يسلطها الجيش الاستعماري على كل جزائري يملك هذا الجهاز. ويختم فرانز فانون تحليله بالقول: "لقد حوَّلت الإذاعة الجزائريين إلى أمة". انظر:

Franz Fanon, “Ici la voix de l'Algéri," in L'an V de la révolution algérienne (France: Maspero, 1960), 51-84.

(42) Nawel Chaouni, “Etude de réception transnationale d'une série télévisée et ses effets sur l'attractivité touristique d'une région rurale” (Thèse de doctorat en Sciences de l’information et de la communication, Université Montpellier Paul Valéry, France, 2018).

(43) Anne Sofie Roald, “Satellitization of Arab Media:  Perceptions of Changes in Gender Relations,” Cyber Orient, Vol.  10, Issue. 1, (2016): 87-114.

(44) François Chevaldonné, La communication inégale, L'accès aux media dans les campagnes algériennes, (France: C.N.R.S, 1981).

(45) Eylem Yanardağoğlu, Imad N. Karam, “The fever that hit Arab satellite television: audience perceptions of Turkish TV series,” Journal Identities: Global Studies in Culture and Power, Vol. 20, Issue. 5, (2013): 561-579.

(46) Stolz “Les algériens regardent Dallas,”: 221-246

 (47) بوغراري شيخة: عادات المشاهدة التليفزيونية لدى المجتمع الطارقي، (رسالة ماجستير، كلية الإعلام، جامعة الجزائر 3، 2015).

* الطوارق: مجموعة من السكان الذين يقطنون الصحراء الجزائرية من أصول أمازيغية وعلى تخوم حدودها الجنوبية: مالي، والنيجر، وليبيا، وموريتانيا، يتحدثون اللغة الأمازيغية ويكتبونها بحروف التيفيناغ.

(48) Karima Aoudia, Recéption par sattelite et Internet des médias arabes transnationaux: intégration et transformations identitaires d'immigrations à Montréal (Thèse de doctorat en communication, Université du Québec à Montréal, 200).

(49) الصادق الحمامي، المرأة العربية في النقاش الافتراضي: دراسة في تمثلات المرأة في صفحات الميديا التقليدية في الفيسبوك، (مركز المرأة العربية للتدريب والبحوث، كوثر، تونس، 2015).

(50) Morley, Family television, op, cit.

(51) للتوسع، راجع:

Sémir Badir, “La sémiotique aux prises avec les médias, Sémiotique et communication. Etat des lieux et perspectives d'un dialogue,” Semen, Vol. 23, (2007): 25-43.

(52) انظر:

Livingstone, Das, “The End of Audiences?,” op, cit.

(53) Jean-Pierre Esquenazi, “Les non-publics de la télévision,” Réseaux, Vol. 20, n. 112-113: (2002): 316-344.

(54) "الانتخدام" كلمة مركبة من (الإنتاج) و(الاستخدام) للتعبير عن ظاهرة التداخل بين منتجي المادة الإعلامية والثقافية الرقمية ومستخدميها والمعبَّر عنها بــ"Produsage".

(55) Schrøder, “Audience Reception Research in a Post-broadcasting Digital Age,” op, cit.

(56) May Ien Ang, Desperately Seeking the Audience (London and New York: Routledge, 1991).

(57) Céline Ségur, “Réception,” hal.univ-lorraine.f, February 27, 2018, “accessed February 2, 2021”. https://bit.ly/3r6nVz2.

(58) انظر على سبيل المثال:

Sonia Livingstone, Peter Κ. Lunt, “Un public actif, un téléspectateur critique,” traduit par Jérôme Bourdon, Hermés, Vol. 1-2, n. 11-12, (1993): 145-157.

(59) Schrøder, “Audience Reception Research in a Post-broadcasting Digital Age,” op, cit.

(60) Nick Couldry, “Mediatization: What Is It?,” in Leif Kramp et al. Media Practice and Everyday Agency in Europe (German federal state, lumière Bremen, 2014), 35.

(61) Schrøder, “Audience Reception Research in a Post-broadcasting Digital Age,” op, cit.

(62) Olivier Donnat, “La question des public, d’un siècle à l’autre,” Culture et recherche, n. 134, (2016-2017): 6-12.

(63) نقلًا عن:

Nick Couldry, “The Necessary Future of the Audience… and How to Research It,” in Virginia Nightingale, The Handbook of Media Audiences, 213.

(64) Cédric Fluckiger, “L’école à l’épreuve de la culture numérique des élèves,” Revue française de pédagogie, n. 163, (2008): 51-61.

(65) للتوسع، راجع:

Livingstone, Das, “The End of Audiences?,” op, cit.

(66) Paquienseguy Françoise, “L'Usager et le Consommateur à l'ère numérique,” researchgate, January 2012, “accessed February 2, 2021”.

https://bit.ly/37Svp0Y.

(67) انظر:

Céline Ségur, “Elihu Katz, Paddy Scannell, “The End of Television? Its Impact on the World (so far),” Questions de communication, n. 21, (2012), 235.

(68) Jean-Louis Missika, La Fin de la télévision (France: Le Seuil, 2006).

(69) انظر على سبيل المثال:

Victor Wiard, Domingo David, Fragmentation versus convergence: University students in Brussels and the consumption of TV series on the Internet. Participations, Journal of audiences and reception studies, Vol. 13, Issue. 1, (2016), academia, “accessed February 2021”. https://bit.ly/3bRYgEa.

(70) راجع على سبيل المثال:

Charo Lacalle, Cristina Pujol, “Online communication and everyday life: Female social audience and TV fiction,” Chile, Chili, Vol. 32, n. 2, (April 2017): 117-132.

(71) انظر على سبيل المثال:

Thomas Beauvisage, Jean-Samuel Beuscart, “Audience Dynamics of Online Catch Up TV,” researchgate, (April 2012), “accessed 2 February, 2021”. https://bit.ly/3kwRqHY.

(72) انظر على سبيل المثال:

Charo Lacalle  Zalduendo, Beatriz Gómez Morales, “Spanish tv reception in the multiscreen era,” Comunicacion y Sociedad, (septembre 2017), researchgate, “accessed February 2, 2021”. https://bit.ly/2ZUFjLo.
(73) نذكر على سبيل المثال وليس الحصر:

Turid Skarre Aasebø, “Television as a marker of boys’ construction of growing up,” Young, Vol. 13, Issue. 2, (2015): 185-203.

يبيِّن هذا البحث كيف أن التليفزيون يسهم في تشكيل هوية الذكور من الشباب وهم في تحولهم إلى سنِّ البلوغ من خلال إجراء مقابلات مع من يتراوح سنهم من 15 و17 سنة في مختلف مناطق النرويج. 

- Mauro P. Porto, “Political Controversies in Brazilian TV Fiction. Viewers’ Interpretations of the Telenovela Terra Nostra,” Television & New Media, Vol. 6, n. 4, (November 1, 2005): 342-359.

يسعى هذا البحث إلى شرح كيف أن المسلسل "Terra Nostra"، الذي بثته قناة "غلوبو" البرازيلية، منح المشاهدين من مختلف الأوساط الاجتماعية والثقافية إطارًا لتأويل السياسة البرازيلية ولفهم التحولات الديمقراطية في البرازيل مع الإشارة إلى أن بعضهم لا يرى سوى الجانب الترفيهي في هذا المسلسل.

(74) Quéré, “Faut-il abandonner l'étude de la réception?,” op, cit.

(75) Josiane Jouët, “Retour critique sur la sociologie des usages,” Réseaux, Vol. 18, n. 100, (2000): 487-521.

(76) نكتفي بذكر بعضها فقط من باب التوضيح، مثل:

- Clément Combes, “La consommation de séries à l'épreuve d'internet entre pratique individuelle et activité collective,” Réseaux, Vol. 1, n 165, (2011): 137-163.

- Olivier Moeschler, “Allers-retours. Les usages des cultural studies par la sociologie,” Sociologie S, 3 Mars 2016, “accessed February 3, 2021”. https://bit.ly/3uHRXeH.

- Cefaï, Pasquier, Les Sens du public, publics politiques, publics médiatiques, op. cit.

- Carmen Compte, “L'influence des soap opera sur les stratégies narratives des séries télévisées,” Revue des Interactions Humaines Médiatisées, Vol. 9, n. 2, (2008): 3-24.

- Josiane Jouët, Dominique Pasquier, “Les jeunes et la culture de l'écran. Enquête nationale auprès des 6-17 ans,” Réseaux, Vol. 17, n. 92-93, (1999): 25-102.

- Henry Jenkins, Textual Poachers: Television Fans and Participatory Culture (New-York: Paperback, 1992).

(77) Jouët, “Retour critique sur la sociologie des usages,” op, cit.

(78) يُقصد بإمكانيات الفعل (Affordances) ما تتوفر عليه العدة التقنية من إمكانيات ليستعملها المستخدمون، وقدرة هؤلاء على تملكها، أي ابتكار وظائف تلبي حاجاتهم.

(79) يقصد به فك المادة الإعلامية أو الثقافية أو الفنية (موسيقى، غناء، لوحة زيتية...) وإعادة تركيبها بتبديل عناصرها.

(80) Livingstone, Das, “The End of Audiences?,” op, cit.

(81) Ibid.

(82) Helen Wood, “Texting the subject: women, television, and modern self-reflexivity,” The Communication Review, Vol. 8, Issue. 2, (2006): 115-135.

(83) للاطلاع أكثر على هذه المقاربة، يمكن العودة إلى: 

Brian Brown, Anabel Quan-Haase, “A Workers’ Inquiry 2.0”: An Ethnographic Method for the Study of Produsage in Social Media Contexts, Triple C (Cognition, Communication, Co-Operation),” Vol. 10, n. 2, (2012): 488-508.

(84) Livingstone, “The Challenge of Changing Audiences,” op, cit.