أفغانستان والساحل الإفريقي: اختلاف السياقات وأوجه التشابه

أصبحت الحكومات الإفريقية بعد عودة طالبان إلى حكم أفغانستان بحاجة إلى معالجة العوامل التي تعزز عدم الرضا والتعاطف مع المسلحين المتشددين؛ فسبب ظهور الجماعات العنيفة استشراء الفساد وعدم نفاذ التنمية الاقتصادية والاعتماد على الدعم الخارجي الذي يترك الدول ضعيفة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها.
جنود فرنسيون ضمن قوة برخان في شمال مالي (رويترز)

عندما انتشرت أخبار عودة طالبان لحكم أفغانستان؛ كانت ردود الأفعال متباينة بين مواطني الدول الإفريقية. وتُلاحَظ هذه الردود بشكل خاص في المناطق التي تعاني أنشطة الحركات المتطرفة والعنيفة، وبين النخب الحاكمة ومسؤولي الحكومات الذين قابلوا التطورات في أفغانستان بمشاعر متناقضة، وأنصار هذه الحركات الذين رحبوا بهذا التطور واعتبروه خطوة "إيجابية" في صالحهم.

فعلى مستوى المواطنين والسكان، يتمثل الخوف من التطور في استعادة الحركات المتطرفة المسلحة للدولة التي يعتقدون أنها "المقر" الرئيسي لهذه الحركات، وإضفاء الطابع المؤسسي الرسمي على أعمالها؛ لأن ذلك يعني تقوية الوجود المحلي لهذه الحركات واستلهام استراتيجياتها من طالبان لتنفيذها في أماكن وجودها المختلفة.

وعلى مستوى الحكومات؛ اختصر المقال الذي نشره الرئيس النيجيري، محمد بخاري، مشاعر معظم المسؤولين بالقارة؛ حيث أشار إلى أن سيطرة طالبان على حكم أفغانستان تعني أن الحرب على الإرهاب لم تنته بعدُ، بل هذه الحرب تنتقل إلى إفريقيا(1)؛ فـ"بخاري" نفسه قد تباهى سابقًا بهزيمته لجماعة "بوكو حرام" في شمال شرق نيجيريا، ليتفاجأ خلال الأعوام الثلاث الماضية بأن الواقع خلاف زعمه؛ حيث امتدت "بوكو حرام" التي تقاتلها نيجيريا منذ عام 2009 إلى مناطق في الكاميرون وتشاد والنيجر(2).

وإذا كان يمكن سماع صدى ما يجري في أفغانستان في الصومال(3) بسبب أزمة "حركة الشباب" وضعف الدولة؛ فإن تطورات الشأن الأفغاني تستدعي إعادة النظر في حقيقة الكفاءة العسكرية وواقع الأوضاع الأمنية في الساحل الإفريقي لتنافسية المنطقة على المستوى الدولي والمخاوف من وجود القوات الفرنسية وانسحابها ولموقع المنطقة الاستراتيجي الذي تشترك فيه دول إفريقية كثيرة.

واقع الحركات المسلحة في الساحل

تنشط في منطقة الساحل أربع جماعات رئيسية مصنفة دوليًّا كمنظمات إرهابية، وهذه الجماعات هي "تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" التي أُسِّستْ في 2015 وتنشط في مالي والنيجر وبوركينا فاسو، و"تنظيم الدولة الإسلامية-ولاية غرب إفريقيا" (بوكو حرام) التي تنشط في نيجيريا والكاميرون وتشاد والنيجر، و"جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" وهي موالية لجماعة "تنظيم القاعدة في الساحل الإفريقي".

ولمواجهة هذه الجماعات، اتفقت خمس دول في الساحل، في 16 فبراير/شباط 2014، في نواكشوط بموريتانيا على تأسيس جبهة موحدة باسم "مجموعة دول الساحل الخمسة" (G5S أو G5 du Sahel)، وذلك بدعم وترويج قوي من فرنسا. ورغم أن هذه المجموعة تتكون من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، إلا أن الهجمات قد تصاعدت؛ حيث شهدت بعض هذه الدول في السنوات الثلاثة الماضية تحالفات بين الحركات الإرهابية لتوسيع نفوذها وأنشطتها في المنطقة الحدودية بين بوركينا ومالي والنيجر(4). كما أن هذه الجماعات تتوسع نحو الجنوب بمنطقة الساحل.

وتستغل الحركات المسلحة في الساحل أيضًا عدم الاستقرار السياسي في دولة تشاد التي كانت تلعب دورًا بارزًا في عمليات "مجموعة دول الساحل الخمسة"، و"قوة المهام المشتركة متعددة الجنسيات" (MNJTF) التي تقاتل "ولاية غرب إفريقيا" (بوكو حرام)، و"بعثة الأمم المتحدة المتكاملة متعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي" (مينوسما). وقد اضطرت تشاد إلى اتخاذ قرار خفض دورها في محاربة هذه الجماعات المسلحة باستدعاء 600 جندي (أي نصف فرقتها) من قوات "مجموعة دول الساحل الخمسة"؛ حيث تواجه تشاد نفسها تحركات المتمردين التي أدت إلى مقتل الرئيس "إدريس ديبي"(5).

ويُلاحَظ أن انشغال مالي بشأنها الداخلي ينمِّي انتشار هجمات الجماعات المسلحة في الدول المجاورة؛ إذ شهدت مالي ثاني انقلاباتها في أقل من عام ضد السلطات الانتقالية، في مايو/أيار 2021، وتبع هذا الانقلاب تهديدات دولية وعقوبات إقليمية من قبل "المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا" (الإيكواس) والاتحاد الإفريقي، وهي خطوات لها تداعياتها الاقتصادية لكون مالي دولة غير ساحلية تعتمد في التجارة على الدول المجاورة وأخواتها في الإيكواس(6). بل بالرغم من أن فرنسا، الشريك العسكري الرئيسي لمالي، قد استأنفت عملياتها العسكرية المشتركة في مالي بعد تعليقها في مايو/أيار الماضي عقب الانقلاب الثاني(7)؛ يواصل المسلحون مهاجمة قرى في إقليم "غاو" وغيرها، وأسفر آخر هذه الهجمات عن مقتل 51 مدنيًّا(8).

ومن دول الساحل التي تواجه تصاعد الهجمات العنيفة: دولة بوركينا فاسو، التي يبلغ طول حدودها مع ساحل العاج 545 كم وتمتد من النقطة الثلاثية مع مالي في الغرب إلى النقطة الثلاثية مع غانا في الشرق. وقد بدأ تمرد هذه الجماعات في بوروكينا فاسو، في عام 2016، ويعد هجوم ليلة 4-5 يونيو/حزيران الماضي أكثر الهجمات دموية منذ بدء الأزمة؛ حيث أفادت السلطات المحلية أن مسلحين قتلوا ما لا يقل عن 132 مدنيًّا عندما هاجموا بلدة "صلحان" بإقليم الساحل في بوركينا فاسو(9).

وشهدت ساحل العاج في الأشهر الأخيرة هجمات على مراكز أمنية على طول حدود البلاد مع بوركينا فاسو قُتِل فيها جنود من ساحل العاج وجُرح آخرون. بينما شهدت النيجر هذا العام هجمات دموية مماثلة قُتل إثرها ما لا يقل عن 137 مدنيًّا، وشملت هذه العمليات هجوم 21 مارس/آذار 2021 في "تاهوا" جنوب النيجر. وفي شمال شرق نيجيريا وبحيرة تشاد، أدى مقتل "أبو بكر شيكاو" زعيم "بوكو حرام" إلى خلق توازنات جديدة؛ حيث سيطرت "ولاية غرب إفريقيا" على معظم ما تبقى من "بوكو حرام" مع دمج أعضاء جماعة "شيكاو" الناجين إلى "ولاية غرب إفريقيا". وقد أفادت تقارير بأن "ولاية غرب إفريقيا" والجماعات المتطرفة العنيفة في منطقة الساحل تتعاون مع العصابات الإجرامية للانتشار في مناطق جديدة بما فيها شمال نيجيريا؛ حيث أسفرت أعمال العنف في شمال غرب نيجيريا منذ عام 2020 عن مقتل 1527 شخصًا، بينما أسفرت هجمات "ولاية غرب إفريقيا" ("بوكو حرام") في شمال شرق البلاد عن مقتل 1508 أشخاص(10).

اختلاف السياقات وأوجه التشابه

تختلف السياقات بين تطورات الشأن الأفغاني وما يجري في منطقة الساحل. وهذه الاختلافات لا تمنع أيضًا من وجود أوجه التشابه بين الحالتين والتي تكمن في أسباب تدخل القوات الأميركية وغيرها في أفغانستان وطريقة انسحابها، وطبيعة تدخل فرنسا في الساحل وإعلان محاولة تقليص قواتها العسكرية.

ويمكن اعتبار البيانات -التي أصدرتها الجماعات العنيفة في منطقة الساحل بشأن سيطرة طالبان على أفغانستان- دعوةً للاستيقاظ وتنبيهًا للحكومات الإفريقية؛ إذ هنَّأ "إياد أغ غالي" زعيم "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" طالبان على انتصارها، واستشرف انتصار جماعته أيضًا مقارِنًا انسحاب القوات الأجنبية من أفغانستان بقرار فرنسا تقليص عملياتها العسكرية في منطقة الساحل(11).

يضاف إلى ما سبق أن الحرب في أفغانستان والساحل تشمل مشاركات أجنبية استمرت لسنوات لتحقيق مصلحة المشاركين الأجانب على حساب مصلحة أفغانستان أو دول الساحل؛ مما عزَّز ضعف الحكومات وعدم استقرارها، بينما أدى استمرار تدهور الأوضاع إلى تضاؤل ​​الدعم المحلي لهذا التدخل الأجنبي. وبالتالي، يؤشر التطور المفاجئ في أفغانستان على أن لا استدامة في الحلول العسكرية التي لم تحدد مسبقًا استراتيجية خروجها من العمليات التي تقول القوى المشاركة إن الهدف وراءها مكافحة الجماعات الإرهابية التي تتسم في الدول الضعيفة بالصبر والصمود أكثر من القوات الأجنبية.

وفي حالة منطقة الساحل؛ اتضح أن لا أحد من الطرفين (الحكومات والقوى الخارجية) مستعد لتحمل مسؤوليات تفاقم الأزمة الأمنية؛ فالمسؤولون الفرنسيون يحمِّلون مسؤولية الفشل على دول الساحل، قائلين: إن مسؤولية بناء الدولة والحفاظ على أمنها بأيدي مسؤولي حكومات هذه الدول، وليست بيد فرنسا. بينما يرى منتقدو الوجود الفرنسي في المنطقة أن فرنسا نفسها ضمن المشاكل التي تواجهها المنطقة، وذلك لأدوارها في تقويض المسارات السياسية والتدخل لصالح عملائها في مستعمراتها السابقة.

وهناك شبه اتفاق في الساحل ومناطق أخرى في جميع أنحاء إفريقيا على أن العمليات العسكرية وحدها لن تكفي للقضاء على أنشطة المتطرفين المسلحين وأن التدخلات الأجنبية تزيد الأوضاع تعقيدًا. ولذلك، دعا الكثيرون إلى اقتران الجهود العسكرية بحلول سياسية وعمليات تفاوضية إذا كان الهدف الحقيقي حلَّ الأزمة.

على أن فرنسا قد رفضت مرارًا اقتراحات المسؤولين في مالي بالتفاوض مع المتمردين لإيجاد حلول للأزمة التي تواجهها البلاد. وقد برَّر البعض موقف فرنسا بأنها تعتبر المفاوضة مع الحركات الإرهابية "خطًّا أحمر"، كما أن التفاوض سيعني إضفاء نسبة من الاعتراف بهذه الجماعات أو أن لا معنى لحياة الجنود الفرنسيين الذين قُتلوا في عمليات مكافحة الإرهاب.

ومع ذلك، خالفت دول إفريقية هذا الموقف الفرنسي؛ حيث أجرت السلطات المحلية والمسؤولون في غرب إفريقيا والساحل (مثل مالي وشمال شرق نيجيريا) مفاوضات مختلفة مع الحركات المسلحة للوصول إلى الأسواق أو لإطلاق سراح الرهائن. بل بالرغم من اعتراض فرنسا المتكرر، ما زالت المفاوضة ضمن جدول أعمال السلطات المالية في مالي للخروج من الأزمة الأمنية ولتحقيق الاستقرار السياسي الدائم.

وعلى ما سبق، فإن تأثر الساحل ومناطق أخرى من التطور الجديد في أفغانستان قد يأتي من الاعتراف الدولي بحكم طالبان؛ حيث سيعزز هذا الاعتراف عزائم الحركات المتطرفة والعنيفة في تكثيف أنشطتها وتحقيق أهدافها المزعومة في إقامة "حكم إسلامي" وفق فهمها الخاصة في الدول التي تنشط فيها.

أما في الوقت الراهن أو حتى في السنوات الخمسة القادمة؛ تُستبعد إمكانية تنفيذ سيناريو أفغانستان في الساحل، ليس فقط للتنافسية القائمة بين هذه الجماعات وعدم تماسكها؛ ولكن لكثرة هذه الجماعات -التي هي في الغالب ميليشيات- وافتقارها إلى الجذور المحلية العميقة والخبرة السياسية التي بنتْ عليها طالبان تحركاتها؛ إذ تملك طالبان خبرة في عمل الحكومة عندما استولت على السلطة في الفترة بين 1995 إلى 2001.

التدخلات الأجنبية وانهيار الدولة

في السياق الأفغاني؛ كان لطالبان حوالي 80 ألف مقاتل وفق التقدير الحديث، وتربط هؤلاء المقاتلين أيديولوجية وأهداف واحدة وجهود موحدة. كما أن جذورهم العميقة وضعف الحكومة الأفغانية السابقة التي اعتمد جنودها البالغ عددهم 300 ألف جندي على المساعدات والتدخلات الأجنبية مع تفشي الفساد الإداري وتدهور الاقتصاد؛ كلها يعني أن طالبان أقوى من الحكومة الأفغانية السابقة.

أما في سياق منطقة الساحل؛ فإن الجماعات المسلحة موجودة في بيئات ودول مختلفة كانت السمة الرئيسية لكل بيئة أو دولة أن الجماعة المتطرفة والعنيفة أضعف من الدولة التي تنشط فيها، وذلك لكثرة هذه الجماعات وتباين أيديولوجياتها وتغير ولائها وفق تغير أهدافها ومناخها الجديد، واندماج بعضها مع جماعات أخرى منافسة أو خلق فصائل جديدة لانشقاقات وخلافات داخلية؛ وكلها عوامل تعمل لصالح حكومات هذه الدول رغم ضعفها.

وتدعم النقطة السابقة أيضًا حقيقة أن معظم المقاتلين منفذي الهجمات الإرهابية في منطقة الساحل أفرادٌ وُظِّفوا من أجل تنفيذ هذه الهجمات فقط؛ حيث يشاركون في أعمال إجرامية أخرى. ولذا، توقع المراقبون الأمنيون منذ عام 2012 احتمال حدوث تعاون بين "جماعة نصرة الإسلام والمسلمين" (الموالية لتنظيم القاعدة) و"تنظيم الدولة الإسلامية في الصحراء الكبرى" (الموالية لتنظيم الدولة).

ويُلاحَظ عامل ضعف الدولة وقلَّة الاهتمام ببنائها في كل من الشأن الأفغاني والأنشطة الإرهابية في الساحل؛ فالتدخلات الدولية ومؤسسات القوات العسكرية غالبًا ما تركز فقط على القضاء على الحركات المسلحة وليس تطوير آليات بناء الدولة وتقويتها أو تعزيز جهودها لإيجاد أنظمة مستدامة. بل في حالة إفريقيا؛ كان بعض المشاركين الأجانب هم أنفسهم من أعاقوا مسارات بناء دولة مدنية متماسكة، لتكون الدولة أمام خيارين ضيقين؛ القنوط من قدراتها في التنمية الذاتية والاعتماد شبه الكامل على المساعدات الخارجية، أو أن تصارع الدولة قيودات دولية وعقوبات اقتصادية في حال رفضها تنفيذ إملاءات المشاركين الدوليين.

ما بين بقاء القوات الفرنسية وانسحابها

هددت فرنسا دولة مالي بتعليق الشراكة معها بعد انقلاب مايو/أيار الماضي. وقد لقي هذا القرار ترحيبًا لدى الماليين الذين اعترضوا العملية الفرنسية ورأوا أنها لأغراض غير معلنة. وهناك من رأى أنه مجرد تهديد موجه لدولة مالي نتيجة سيرورة تطورات العملية السياسية لغير صالح فرنسا.

وقد تراجعت فرنسا عن القرار وأُعلن في يونيو/حزيران تقليص قوات "برخان" من 5100 جندي إلى 2500-3000 بحلول أوائل العام المقبل(12). وعملية برخان محور العمليات الفرنسية في الساحل لمكافحة المسلحين بمشاركة دول المنطقة. ومع ذلك، ستظل فرنسا أكبر قوة عسكرية في المنطقة حتى في حال تقليص عدد هذه القوات. كما أن هناك من يتوقع من فرنسا التراجع عن القرار بسبب تطورات الشأن الأفغاني.

ويضاف إلى ما سبق أن القول بأن أنشطة الحركات المسلحة تسبِّب الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا لا يزال استراتيجية فعالة تستخدمها فرنسا لإقناع الدول الأوروبية بالانخراط في العمليات العسكرية في الساحل، خاصة أن فرنسا قد ركزت جهودها مؤخرًا في مطاردة الجماعات المسلحة في المنطقة بالتوجه جنوبًا وتعزيز فرقة عمل "تاكوبا"(13) التي انضم إليها ما يقرب من اثنتي عشرة دولة أوروبية، بينما لا تزال دولة مثل ألمانيا واقفة على الهامش من العملية لمخاوف تعرض حياة جنودها للخطر.

ومهما يكن الأمر، فإن اعتبار وجود الجنود الفرنسيين في الساحل أداة نيو-كولونيالية من قوة كولونيالية سابقة وتراجع شعبية فرنسا لدى العديد من مواطني القارة؛ يفرضان على حكومات دول الساحل -وخاصة دولة مالي- تحديد توقيت هذا الوجود الفرنسي وتنفيذ الانسحاب التدريجي الذي سيعطي هذه الدول مهلة كافية للاستعداد وبناء قدراتها.

فرصة جديدة للصين في إفريقيا

لا يمكن الجزم حاليًّا بتحديد أثر التطورات في أفغانستان على السياسات الأميركية والأوروبية تجاه إفريقيا بشكل عام ومنطقة الساحل بشكل خاص. ولكن تصريح الرئيس الأميركي "جو بايدن" بأن مهمة بلاده في أفغانستان "لم تكن أبدًا لبناء الدولة" يعطي انطباعًا بأن القضايا الإفريقية لن تجد اهتمامًا كبيرًا في جدول الأعمال في واشنطن؛ حيث ستأخذ الأزمة الأفغانية وتطوراتها معظم الاهتمام الأميركي(14).

وعليه، يُتوقع أن تكون إفريقيا في أدنى الأولويات في السياسة الخارجية الأميركية وخاصة فيما يتعلق بمبادرة "إعادة بناء عالم أفضل" (Build Back Better World) التي اقترحتها إدارة "بايدن" لمناهضة مبادرة "الحزام والطريق" الصينية. وقد تزيد الأزمة الأفغانية من العسكرة الأميركية في إفريقيا بسبب العودة الواضحة للبنتاغون في صنع السياسة الأميركية والترويج لحملة مكافحة الجماعات الإرهابية على مستوى العالم.

وإذا كانت التطورات في أفغانستان قد دفعت عملية النقاش حول حقيقة التدخلات العسكرية الأجنبية في إفريقيا وطرق تنفيذ الخروج الأفضل للجنود الأجانب من أماكن مختلفة بما فيها الساحل الإفريقي؛ فإن الانسحاب الأميركي الفوضوي من أفغانستان سيمنح الصين فرصة الترويج لنفسها كبديل عن الدول الأوروبية وشريك أكثر موثوقية. بل من المتوقع أن تستفيد الصين من الحدث في قمة التعاون الصيني-الإفريقي التي ستُعقد في داكار، عاصمة السنغال، في سبتمبر/أيلول المقبل.

خاتمة

من الدروس المستفادة من عودة طالبان إلى حكم أفغانستان أن الحكومات الإفريقية بحاجة إلى معالجة العوامل التي تعزِّز عدم الرضا المحلي والتعاطف مع المتطرفين المسلحين؛ إذ غالبًا ما يكون السبب الأساسي لظهور الجماعات العنيفة استشراء الفساد الحكومي والتخاذل عن التنمية المحلية الاقتصادية والاعتماد المفرط على الدعم الخارجي الذي غالبًا ما يفاقم من الأزمة ويترك الدول ضعيفة غير قادرة على تحمل مسؤولياتها.

ومن حيث الاختلافات والتشابه؛ فإن الخلاصة أن أفغانستان دولة بينما الساحل منطقة تشترك فيها دول إفريقية كثيرة، ولا يمكن المقارنة بين حجم الساحل وأفغانستان أو طبيعة التدخلات الأجنبية وأهدافها، خاصة أنه تشارك في عمليات محاربة الجماعات المسلحة في الساحل قوات إقليمية إفريقية إلى جانب القوات غير الإفريقية. كما أن الجماعات المسلحة التي تنشط في منطقة الساحل تتنافس فيما بينها رغم التحالفات التي تبنيها وتحاول كل منها أن تتفوق على غيرها في دولة أو إقليم معين.

ABOUT THE AUTHOR

References

1- Muhammadu Buhari. “Africa needs more than US military aid to defeat terror”, Financial Times, August 15, 2021, accessed August 24, 2021: https://on.ft.com/3De25QV

2- حكيم ألادي نجم الدين، "الجماعات المسلحة بنيجيريا والسيناريوهات المحتملة بعد البغدادي"، مركز الجزيرة للدراسات، 24 أغسطس/آب 2019، (تاريخ الدخول: 24 أغسطس/آب 2021): https://bit.ly/38kamEl

3- Patrick Gathara. “Somalia is walking in Afghanistan’s footsteps”, Aljazeera, August 23, 2021, accessed August 24, 2020: https://bit.ly/3Baul4W

4- G5 Sahel - Mapping African Regional Cooperation, ECFR, accessed August 24, 2021, https://bit.ly/3krzwXo

5- Chad says will withdraw half its troops from G5 Sahel force, Aljazeera, August 21, 2021, accessed August 24, 2021: https://bit.ly/3jngnqx

6- حكيم ألادي نجم الدين، "انقلاب آخر في أقل من عام: ما الذي يحدث في مالي؟"، الأفارقة، 27 مايو/أيار 2021، (تاريخ الدخول: 24 أغسطس/آب 2021): https://theafrikans.com/4719/

7- France resumes joint military operations in Mali, Aljazeera, July 3, 2021, accessed August 24, 2021: https://bit.ly/3DgbWFN

8- At Least 51 Killed in Mali Village Raids, District Official Says, VOA, August 9, 2021, accessed August 24, 2021: https://bit.ly/3sL8JsO

9- Burkina Faso: 30 dead in attacks by suspected jihadists in the north, Africa News, August 5, 2021, accessed August 24, 2021: https://bit.ly/3zlWRzW

10- Sahel 2021: Communal Wars, Broken Ceasefires, And Shifting Frontlines, Armed Conflict Location & Event Data Project (ACLED), June 17, 2021, accessed August 24, 2021: https://bit.ly/2WtFUW0

11- Catherine Byaruhanga. “Jihadists across Africa boosted by Taliban’s victory in Afghanistan”, BBC News, August 22, 2021, accessed August 24, 2021: https://bbc.in/3zloUj3

12- France to pull more than 2,000 troops from Africa’s Sahel region, Aljazeera, July 9, 2021, accessed August 25, 2021: https://bit.ly/3myF70U

13- حكيم ألادي نجم الدين، "تاكوبا.. قوة عسكرية جديدة لفرنسا وحلفائها في منطقة الساحل"، قراءات إفريقية، 31 مارس/آذار 2020، (تاريخ الدخول: 25 أغسطس/آب 2021): https://bit.ly/3gzWn1T

14- Eric Olander. How does the situation in Afghanistan affect the US position in Africa? The Africa Report, August 19, 2021, accessed August 25, 2021: https://bit.ly/2WlPyK4