(الجزيرة) |
ملخص ستكون السعودية، من بين الدول الخليجية المشاركة، اللاعب الأكبر في تحديد النتيجة النهائية للحرب لأنها تتقاسم حدودا مشتركة مع اليمن، وتوجد صعدة مقر الحوثيين على مقربة من حدودها الجنوبية، وستحرص على أن تقضي بالكامل على أي خطر قد يمثله الحوثيون عليها مستقبلا، وتقضي على إي إمكانية لتمدد إيراني بجوارها الجنوبي. |
مقدمة
شنَّ عدد من الدول بقيادة المملكة العربية السعودية، في الساعات الأولى من صباح يوم الخميس الموافق 26 مارس/آذار 2015، عددًا من الغارات الجوية على مواقع تابعة لجماعة الحوثي اليمنية والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح، بعد طلب رسمي من الرئيس الشرعي لليمن عبد ربه منصور هادي، ناشد فيه دول الخليج "تقديم المساندة الفورية بكافة الوسائل والتدابير اللازمة لحماية اليمن وشعبه من عدوان الميليشيات الحوثية المدعومة من قوى إقليمية".
يبدو أن ما عجَّل بتحديد ساعة الصفر للبدء في عملية "عاصفة الحزم" هو تقدم الحوثيين وقوات صالح نحو عدن للسيطرة الكاملة على اليمن، واعتبار السعودية ذلك، منذ مدة، خطا أحمر لن تسمح بتجاوزه لأنه يوقع اليمن تحت النفوذ الإيراني، فيتعرض أمنها وأمن جيرانها في منظومة مجلس التعاون الخليجي لخطر داهم.
علاوة على أن هذه العملية وقعت أيضًا قبل يومين فقط من اجتماع القادة العرب في قمتهم المقرر عقدها في شرم الشيخ المصرية، وقبل أيامٍ قليلة من الموعد المحتمل (نهاية مارس/آذار الجاري) لتوقيع اتفاقية مهمة بين دول مجموعة 5+1 (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن+ألمانيا) من جهة وإيران من جهة أخرى، بخصوص ملفها النووي.
لكن مجريات العملية تدل على أن السعودية اتخذت القرار منذ أيام، لأن الضربات الجوية قصفت بنكا من الأهداف التابعة للحوثيين وصالح، مما يعني أن هناك تعاونا استخباراتيا وتنسيقا عملياتيا ودبلوماسيا بين الحلفاء الرئيسيين، ويمكن ترتيب القوى المنخرطة في العملية من حيث الأهمية في دوائر تحيط ببعضها، فدائرة القلب تضم دول الخليج المشاركة، والدائرة التي تليها تضم أمريكا على وجه الخصوص، لكن التحرك المتأخر لبعض الحلفاء المشاركين في العملية أو إعلانهم بأنهم لا يزالون يدرسون طريقة مشاركتهم يدل على أنهم لم يكونوا ضمن الدائرة الضيقة التي اتخذت القرار.
أدخل هذا التطور العسكري عوامل جديدة في التفاعلات الجارية بالمنطقة؛ فالسعودية فاجأت خصومها بقدرتها على تشكيل تحالف واسع من الدول العربية والإسلامية وإقناع الولايات المتحدة بالتعاون معها، وبمبادرتها إلى شنِّ حرب ظنوا أنها لن تجرؤ على القيام بها دون غطاء من الجامعة العربية أو مجلس الأمن. وقد أظهر هذا التدخل أيضًا أن السعودية وضعت خطوطًا حمراء لأمنها ولرؤيتها لأمن المنطقة وأنَّ تجاوزها سيكون مكلفًا، وأنها قادرة على فرض أجندتها بعيدًا عن الأولويات الأميركية التي كانت تحرص على تفادي عوامل التوتر مع إيران من أجل تمرير الاتفاق النووي.
هذه الاعتبارات ستعيد ترتيب أولويات الفرقاء المنخرطين في الأزمة اليمنية داخليًّا وخارجيًّا، وتدفعهم إلى تغيير استراتيجياتهم وتحالفاتهم ومساراتهم.
معضلة فرقاء الداخل
يمكن تصنيف القوى اليمنية المعنية بهذه التحولات إلى طرفين رئيسيين، تندرج تحتهم تشكيلات عديدة، وهما: القوى الملتفة حول الرئيس عبد ربه منصور هادي من جهة، وجماعة الحوثي والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح من جهة أخرى.
سيواجه الرئيس هادي صعوبة في التوفيق بين تكاليف التدخل الخارجي، والحفاظ على الدعم الداخلي لمشروعيته، فمن جهة يبدو لجوؤه إلى القوة المسلحة، في نظر المؤيدين له، دفاعًا مشروعًا عن النفس في وجه عدوان داخلي وخارجي على شرعيته؛ فالحوثيون والرئيس المخلوع علي عبد الله صالح انقلبوا على كل مخرجات الحوار التي توافق عليها اليمنيون لترتيب المرحلة الانتقالية ورعتها الدول الخليجية والأمم المتحدة، ولجؤوا إلى القوة لفرض سيطرتهم على البلاد. أما إيران فقد باتت طرفًا في الانقلاب لأنها عقدت صفقات اقتصادية مع الحوثيين وأمدَّتهم بالسلاح واعتبرت توسعهم مكسبًا يعزز نفوذها ويُضعف من مركز خصومها الخليجيين. لكن من جهة أخرى سيحاول الحوثيون والرئيس المخلوع صالح إحداث شروخات في صفوف خصومهم، بتحميل الرئيس هادي مسؤولية سقوط ضحايا مدنيين نتيجة الغارات الجوية التي يشنُّها التحالف، واتهامه بالتفريط في حياة اليمنيين من أجل السلطة. إلا أن من المرجح أن تحالف هادي سيظل متماسكًا لأن البديل عن التدخل الخارجي هو سيطرة عسكرية للحوثيين وصالح تقضي على نتائج الثورة والحوار الوطني، وتعيد اليمن إلى سلطة تجمع بين الديكتاتورية والطائفية.
أما القوى الجنوبية المطالبة بالاستقلال، فقد حاولت أن تُجنِّب عدن والمناطق الجنوبية الصراعات على السلطة المركزية بصنعاء، وظلت تحاول إقناع هادي بتبني مطلب الاستقلال، لكن تقدم الحوثيين وصالح إلى عدن وتنامي مخاطر سيطرتهم عليها، جعلها تفاضل بين قبول شرعية هادي، الرئيس الجنوبي، أو القبول بالوقوع تحت سيطرة القوى الشمالية التي يمثلها الحوثيون والرئيس المخلوع صالح الذي حاربهم في 1994، وستميل إلى الخيار الأول دون أدنى شك.
من الجهة المقابلة، أوقع التدخل العسكري الخارجي الحوثيين في مأزق، فإذا استماتوا في التقدم جنوبًا نحو عدن للقضاء على أية سلطة تنازعهم سلطتهم على البلاد فإنهم يفتقدون القوى التي تحمي مركزهم الرئيسي بصعدة في الشمال على تخوم الحدود السعودية، لكن إن قرروا التراجع عن عدن والعودة إلى الشمال لشنِّ حرب داخل الأراضي السعودية فإنهم يخسرون المواقع التي سيطروا عليها باليمن وتخرج صنعاء من أيديهم، فلا يعود لديهم أوراق يفاوضون بها في التسوية السياسية القادمة. ولعل الراجح أنهم سيضطرون إلى التراجع لأن خسارتهم عدن خصم من نفوذهم أما خسارتهم لصعدة فتقضي على وجودهم بالكامل.
أما الرئيس المخلوع صالح، فيُعدُّ الحلقة الأضعف في هذه التحولات، فهو يتأرجح بين التعاون مع الحوثيين ليمهد الطريق إلى تولي ابنه أحمد رئاسة اليمن، وبين حرصه على الغطاء الخليجي الذي منحه الحصانة عقب الثورة ومثَّل ملجأً لكثير من أمواله التي كشف تقرير أممي أنها تبلغ نحو 60 مليار دولار، علاوة على أن القوى الشمالية التي تشكِّل حزبه، خاصة القوى القبلية، ترتبط بعلاقات قوية مع العربية السعودية، وقد لا تسايره إن قرر التصدي عسكريًّا للسعودية من أجل تحقيق طموحاته العائلية. وقد يقرر صالح الابتعاد عن الحوثيين والمطالبة بحلٍّ سياسي يحافظ على مكاسبه السابقة ويمنع قواته من الانهيار، لكن إن أخطأ التقدير وأصرَّ على الحسم العسكري، فإن من المرجح أن تقع شروخ كبيرة في بنية قواته.
من التقديرات السابقة، يتضح أن صالح هو الحلقة الأضعف، وقد يقع الضغط العسكري والسياسي والاقتصادي عليه حتى يتخلى عن الحوثيين، فيصيروا دون غطاء يحمي ظهورهم، وينتقلوا من الحرب الهجومية إلى الحرب الدفاعية للاحتماء بجبال صنعاء مجددًا.
دول الخليج: ترتيب الأولويات
تجدر الإشارة إلى أن البيان الذي أعلن بدء العملية العسكرية صدر بإسم خمس دول خليجية، وهي السعودية، قطر، الإمارات، البحرين والكويت؛ ما يدل على أن مجلس التعاون كمنظمة إقليمية تضم ست دول لا تمثل الجهة التي أصدرت البيان، وهذا ما يفسِّر استثناء سلطنة عُمان من مجموعة الدول الخليجية التي أعلنت انضمامها إلى العملية العسكرية.
ولعل الموقف العماني يندرج في اتجاه سابق، جعل السلطنة تتفادى الدخول في مواجهة مع إيران، لأنهما يتقاسمان مضيق هرمز، ولا يوجد في السلطنة مكون شيعي نشط قد تستعمله إيران لإثارة القلاقل، علاوة على أن إيران ساندت في عهد الشاه العرشَ العُماني في القضاء على ثورة ظفار اليسارية.
وتُعد مشاركة باقي دول الخليج إشارة إلى أنها تشترك في اعتبار التمدد الإيراني خطرًا على أمنها، وأنها تتجاوز خلافاتها الجانبية للتصدي له، وتستعيد التضامن فيما بينها، وستقبل بتقديم تنازلات متبادلة في مناطق وقضايا أخرى من أجل الحفاظ على التماسك في هذا الامتحان المهم. وستضع إيران هذا التضامن في الحسبان مستقبلًا فتكون أكثر حذرًا في تحركاتها بمنطقة الخليج، وتحاول أن تتفادى التوتر والصراع حتى لا توقِع نفسها في عزلة إقليمية تسعى جاهدة للخروج منها.
ستكون السعودية، من بين الدول الخليجية المشاركة، اللاعب الأكبر في تحديد النتيجة النهائية للحرب لأنها تتقاسم حدودا مشتركة مع اليمن، وتوجد صعدة مقر الحوثيين على مقربة من حدودها الجنوبية، وستحرص على أن تقضي بالكامل على أي خطر قد يمثله الحوثيون عليها مستقبلا، وتقضي على إي إمكانية لتمدد إيراني بجوارها الجنوبي. إلا أن السعودية تواجه تحديا جديا، وهو أن الحرب قد تشغلها باليمن فترة طويلة، فينقص تركيزها على جبهات أخرى مثل سوريا والعراق، فتنتهز إيران الفرصة وتشدِّد قبضتها أكثر على البلدين.
إيران: تكلفة التوتر
اليمن ساحة مهمة جدًّا لإيران لكي تمد نفوذها في المنطقة، فهو يقع بالخاصرة الجنوبية لخصمها الرئيسي، العربية السعودية، فركَّزت على بناء تحالف قوي مع الحوثيين؛ حيث قدَّمت لهم كثيرًا من الدعم المالي والعسكري، وكانت تحرص على أن يكونوا لاعبًا رئيسيًّا في المعادلة اليمنية.
وخلال الأشهر الأخيرة صدر الكثير من التصريحات بإعتبار التمدد الحوثي في اليمن هو استمرار لمسار الثورة الإيرانية، وأُطلقت تهديدات بأن الدور القادم على السعودية، لكن التطورات العسكرية الجارية وضعت إيران في مأزق: كيف يمكنها مساندة الحوثيين دون الوقوع في عزلة إقليمية مجددًا؟
السيناريو الأول: تحريك الخلايا النائمة لزعزعة القوى الخليجية المناوئة، لكن هناك عائقان أمام هذا السيناريو، ويتمثلان في أن هذه الخلايا النائمة لا تمتلك القوى المسلحة الكافية لقلب الأوضاع، علاوة على أنها تخشى من أن يُعتبر تحركها خدمة لأجندات خارجية طائفية تكشفها داخليًّا بدول الخليج.
السيناريو الثاني: استعمال الحوثيين لاستدراج السعودية في حرب استنزاف، لكن مخاطر هذا السيناريو مرتفعة، لأنه قد يؤدي إلى إنهاك كامل للحوثيين وقد يهدِّد بقاءهم ويفرض عزلة متزايدة على إيران.
السيناريو الثالث: امتصاص الصدمة المسلحة بتهدئة الأجواء والدعوة إلى تغليب التسوية السلمية والحوار، ويقوِّي حظوظ هذا السيناريو حرص إيران على عقد الاتفاق النووي مع الولايات المتحدة، وتخوفها من أن اختيارها تصعيد المواجهة مع دول الخليج المشاركة في العملية قد يضطر الدول المحايدة أو المترددة في العالم العربي والإسلامي إلى الالتحاق بالتحالف الذي تقوده السعودية، فتزيد من العزلة المفروضة عليها إقليميًّا منذ عشرات السنوات بدلا من كسرها كما كانت تأمل.
حسابات دولية
سوف تؤثر الأزمة اليمنية على عدة ملفات دولية، أهمها: إعاداة تشكيل التحالفات الإقليمية؛ فقد ينشأ محور سُنِّي جديد يمتد من باكستان إلى السودان موجَّه ضد إيران، وقد يستغل النظام السوداني الفرصة للحصول على غطاء خليجي يعيد تأهيله دوليًّا بعد أن ظلَّ معزولا، وأيضًا قد تنتهز باكستان فرصة هذه الحملة في عدد من الملفات الدولية، من بينها الاستعانة بالسعودية لتقوية نفوذها في أفغانستان على حساب الهند وإيران، وقد تدفع هذه الحرب طهران إلى القبول بتسوية سياسية في سوريا بعد أن تأكدت من أن السعودية قادرة على تشكيل تحالف واسع والتدخل العسكري لوقف التمدد الإيراني. أو على العكس، قد ترد إيران على تعثر مشروعها باليمن بإقصاء حلفاء السعودية في كل من العراق ولبنان وسوريا من أي إمكانية للمشاركة السياسية.
من جانب آخر، يدل تدخل السعودية العسكري في اليمن على أن الولايات المتحدة اعترفت للسعودية باستقلالية أوسع في التحركات الإقليمية حتى وإن كانت أولوياتهما تختلف، بعدما كانت ملفات المنطقة المهمة تدار بشكل رئيسي من قبلُ بين الولايات المتحدة وإيران كما في العراق.
وستدفع العملية العسكرية أسعار النفط إلى الارتفاع في الأسواق الدولية، فتخف الأعباء المالية على روسيا قليلًا، ولعل موسكو ستحرص على إطالة أمد المواجهة بل ومساندة الحوثيين حتى تطيل أمد الصراع، فتظل أسعار البترول متجهة إلى الأعلى، والأنظار بعيدة عن تحركاتها في أوكرانيا.
مسارات
ستغيِّر عملية "عاصفة الحزم" توازنات القوى بين الفرقاء اليمنيين، فتجعل تكلفة الانقلاب مرتفعة بحيث قد توقع شروخًا بين الحوثيين وصالح تقضي على تماسكهم واستمرار مشروعهم. وستصر السعودية على استمرار العملية العسكرية حتى ينشأ ميزان قوى جديد يفرض على الحوثيين القبول بالمشاركة في العملية السياسية حسب مقررات الحوار الوطني، فيكون من نصيبهم إقليم من بين الأقاليم الستة، المقررة في مشروع الدستور، دون منفذ على البحر يمكنهم من الاستعانة بالإيرانيين لتنمية قواتهم المسلحة. ولعل ما يدل على أن السعودية ترمي إلى إنشا ميزان قوى جديد بإضعاف الحوثيين أن ضرباتها الجوية لم تنحصر في التصدي للقوات المتقدمة نحو عدن، بل كانت أغلبية الضربات مركزة على صنعاء لإضعاف قبضة الحوثيين عليها لأنها مركز الثقل الإداري واللوجيستي والاقتصادي، وإذا تضعضع مركزهم فيها فقدوا توازنهم في باقي المناطق فتشرع قواتهم في الانهيار، فينشأ ميزان قوى جديد نتيجة فقدانهم الأفضلية العسكرية.
أمَّا خارجيًّا فإن "عاصفة الحزم" أظهرت أن السعودية قادرة على تشكيل حلف دولي يتصدى للتمدد الإيراني، وأن الولايات المتحدة اعترفت لها باستقلالية أوسع في القرار، وأن ترتيب شؤون المنطقة لن يحسمها أي توافق أمريكي إيراني يفتقد لإذن سعودي خليجي.