الميديا الاجتماعية والاستقطاب السياسي: عوائق التحول نحو مجال عمومي بالمنطقة العربية

بعد مراجعة نقدية لترجمة الكلمة الألمانية "Öffentlichkeit" في البحوث العربية والأجنبية، أصبح من الضروري التمييز بين المفهومين المتداخلين والمتقاطعين، وهما: الفضاء العام والمجال العام. يساعد هذا التمييز في تحديد الإنتاج العلمي المختلف الذي حاول تحديد مساهمة وسائل الإعلام و"الاتصال الجماهيري الذاتية" في إحياء مفهوم "المجال العام العربي". على ضوء هذا الإنتاج، فإن السؤال: هل تُشكِّل وسائل التواصل الاجتماعي مجالًا عامًّا في المنطقة العربية؟ يبدو هذا السؤال غير مناسب، وحتى غير مُنتِج علميًّا أمام هذا السؤال: إن اعتبرنا الميديا الاجتماعية فضاء عموميًّا في المنطقة العربية، فهل يمكن أن تتحوَّل إلى مجال عمومي؟ وإلى أي حدٍّ يُعد الاستقطاب السياسي والأيديولوجي عائقًا أمام تحول الفضاء إلى مجال عمومي بالمنطقة العربية؟ لمناقشة هذه المسألة، تعرض الدراسة مستندة إلى المنهج الجدلي الأطروحات والأطروحات النقيضة لاستخلاص توليفة لمناقشة المفهومين الأساسيين، وهما: "المجالات العامة الفسيفسائية" و"المجالات العمومية الشبكية" من أجل تقديم فهم أفضل لمكانة الميديا الاجتماعية والممارسات الإعلامية والأشكال المختلفة للتواصل السياسي في المنطقة العربية.
أسباب جوهرية وإجرائية تعيق تحوُّل الميديا الاجتماعية إلى مجالات عمومية (غيتي)

مقدمة  

تراجع مفهوم المجال العمومي البرجوازي، الذي شخَّص بنيته يورغن هابرماس (Jürgen Habermas)، في أعماله الصادرة عامي 1962 و1989، تحت وطأة النقد. فبرزت مفاهيم عديدة ومتنوعة أكثر مرونة تشمل مختلف أشكال الاتصال، وقوالب التعبير، ومستويات التفكير والعاطفة، والعُدَّة السوسيو-تقنية بدءًا بالصحافة في مراحل تطورها المختلفة، مرورًا بالإذاعة والتليفزيون، ووصولًا إلى شبكة الإنترنت والميديا الاجتماعية.

ونجم عن نقد تمثُّلات المجال العمومي* العديد من الدراسات النظرية والبحوث الأمبريقية التي اهتمت بالإجابة عن الأسئلة التالية: هل ما زال للمجال العمومي وجود في ظل التحولات السوسيو تقنية، وتنوع الممارسات السياسية والاتصالية في المجتمعات المعاصرة؟(1)، خاصة وأن البعض يعتقد أن هذا المفهوم تحوَّل إلى استعارة استُنزِفَت لتوظيفها في كل مقام، فبدا مثل كيس يختلف شكله ومحتواه بما يُحشى به(2)، وهل تشكِّل شبكة الإنترنت مجالًا عموميًّا وفق النموذج البرجوازي أم إنها تؤسس لمجال عمومي جديد؟(3) وهل تشكِّل مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل موقعي فيسبوك وتويتر ويوتيوب، مجالًا عموميًّا؟(4).

على الرغم من كثرة الإجابات عن هذه الأسئلة فإنها لم تفلح في نيل إجماع الباحثين. فالمتفائلون يرون أن هذه الشبكات تشكِّل مجالًا عموميًّا باعتبارها قوة تعمل على ترسيخ الديمقراطية، بينما يرى المتشائمون أنها تقوضها. وقد لفت موضوع المجال العمومي في المنطقة العربية نظر الباحثين مع الانفتاح الذي شهده قطاع السمعي البصري في العقد الأخير من القرن الماضي، والذي ترتب عنه ظهور قنوات تليفزيونية ذات أوضاع قانونية مختلفة: مستقلة، وموجَّهة وتجارية. واستقطب اهتمامهم أكثر نتيجة تزايد الاستخدام الاجتماعي لشبكة الإنترنت ومواقع الشبكات الاجتماعية في هذه المنطقة، واتساع رقعة الاحتجاج والغضب فيها مع ما أصبح يعرف بالربيع العربي. وهذا بعد أن رسخ الاعتقاد بأهمية دورها في حدوثه.

لم يحاول الكثير من الدراسات التي اتخذت من الميديا الاجتماعية مدخلًا للحديث عن المجال العمومي تحليل بنيته في ظل التطور الاجتماعي والثقافي والسياسي الذي شهدته البلدان العربية. واكتفت بما تملك هذه الميديا من خصائص، مثل توفر العُدَّة التقنية، وسهولة استخدامها، وانفتاحها على الفئات الاجتماعية المهمشة، والتي أُقصيت من المجال العمومي "المهيمن" لأسباب اقتصادية واجتماعية أو عرقية أو لغوية أو دينية، ومقدرتها على توفير هامش من الحرية في تداول المعلومات وإبداء الرأي ومناقشته.

لقد سلَّم الكثير من الدراسات بوجود مجال عمومي برجوازي في المنطقة العربية على غرار المجال المعياري الكوني الموروث عن فلسفة الأنوار، والذي تبلور في سياق تاريخي مخصوص ببعض المجتمعات الأوروبية(5)، أو أقرَّت بتشكيل مجال عمومي جديد وفق التصور ذاته(6). ولم تلتفت إلى البحوث النقدية التي وصفت المجال العمومي البرجوازي بالمثالي، ولا إلى تلك التي نفت وجوده سواء في القرن 18 أو القرن 20 وفق تصور هابرماس له(7). وهذا لا ينفي وجود بعض الدراسات القليلة التي جادلت فكرة وجود هذا التصور، ورأت صعوبة تطبيقه في سياق تطور المجتمعات العربية، كما سنرى لاحقًا.

إن التفكير في العلاقة القائمة أو المحتملة بين الميديا الاجتماعية والمجال العمومي في المنطقة العربية، يبدو في غاية الصعوبة إن لم نأخذ بعين الاعتبار المتغيرات الثلاثة: المتغير الأول، ويتمثَّل في تنوع خصوصية الأنظمة السياسية في المنطقة العربية فيما بينها من جهة، وعن أنظمة البلدان الغربية من جهة أخرى. المتغير الثاني، ويتجلى في طبيعة منظوماتها الإعلامية وتقاليدها الاتصالية التي تختلف فيما بينها، وتتباين عبرها الغايات من استخدام بعض مواقع الشبكات الاجتماعية(8). المتغير الثالث، ويكمن في ديناميكية تفاعل هذه الميديا في البيئة الإعلامية المعاصرة.

هل تشكِّل الميديا الاجتماعية مجالًا عموميًّا سواء عبر بعث مجال عمومي جديد على أنقاض التقليدي أو بتغيير بنيته، أو تشكيل مجال بديل؟ يبدو هذا السؤال غير مناسب أو ذا عائد علمي محدود، خاصة أن الواقع العملي الذي يغطيه مفهوم المواءمة أصبح يدل على التغيير التكنولوجي والثقافي والاجتماعي. ويعني تدفُّق المحتويات ذاتها على العديد من المنصات الإعلامية، وترحال الجمهور/المستخدمين من منصة إلى أخرى بحثًا عما يرغب فيه من أخبار، ومعلومات، وترفيه(9).

تأسيسًا على ما سبق، تسعى الدراسة إلى الإجابة عن الأسئلة الآتية: ما حدود الوصل والفصل بين الميديا الاجتماعية والفضاءات العمومية القائمة داخل شبكة الإنترنت ومختلف تطبيقاتها في المنطقة العربية، والمجالات العمومية خارجها، أي في الواقع الفعلي المادي؟ وإلى أي حدٍّ يستطيع المشاركون في الفضاءات العمومية الهامشية أو البديلة أو الدهماء الانخراط في المداولات العقلانية حول القضايا العمومية في المنطقة العربية؟ وكيف يتحول الاستقطاب السياسي والأيديولوجي إلى عائق يضاف إلى العوائق الأخرى التي تقف ضد تحول الفضاء إلى مجال عمومي في المنطقة العربية؟

لمقاربة هذه الأسئلة، حاول الباحث الاستئناس بالمنهج الجدلي الذي يُعرَّف بأنه نمط من المناقشة والمساءلة والتأويل، يستند إلى تحليل الواقع أو الظاهرة الاجتماعية بمجابهة الأفكار والأطروحات التي تبدو أنها متناقضة، من أجل تجاوزها ومحاولة تقديم أطروحات جديدة. وهذا وفق المخطط المبدئي والمبسط: أطروحة، ونقيضها، والتوليفة التي تستخرج منهما. لعل هذا المنهج يساعد في فهم العديد من الممارسات في البيئة الإعلامية المعاصرة التي تتسم بطابعها المفارقاتي، مما يستدعي "تطليق الخطاطة الذهنية الموروثة من الماضي، وتبنى إستراتيجية تروم الفهم وفق منطق تفكير التضاد"(10). وحتى يتحقَّق ذلك استعان الباحث بالتوجه الوثائقي في البحث، باعتباره شكلًا من أشكال الملاحظة غير المباشرة(11)، الذي يعتمد على تحليل الدراسات النظرية والبحوث الأمبريقية، والاستفادة منها لاستخراج الأطروحات والأطروحات النقيضة ذات الصلة بالمجال العمومي بصفة عامة، وفي المنطقة العربية تحديدًا، ومناقشتها من أجل إبراز خصوصية الميديا الاجتماعية، وتقديم فهم لهذا المجال في هذه المنطقة. 

1. الإطار المفاهيمي والنظري 

الميديا الاجتماعية

نقصد بها مجمل المنصات في شبكة الإنترنت التي تتيح التفاعل الاجتماعي بين مختلف المستخدمين حول المحتويات الرقمية (صور، نصوص، وشرائط الفيديو( حسب درجة الاستئناس والتآلف والتجاذب(12). قد يحيل هذا التعريف إلى التداخل بين "الميديا الاجتماعية" و"مواقع الشبكات الاجتماعية" أو "الشبكات السوسيو رقمية". لذا تقتضي الضرورة تأكيد الاختلاف بينهما بالقول: إن الميديا الاجتماعية تجمع طائفة غير متجانسة من المواقع والتطبيقات التي تلبي الاستخدامات الجماعية القائمة على اهتمام ومصلحة مخصوصة )انشغالات، ممارسات مشتركة، مصالح مهنية...( وإنتاج المحتوى وتقاسمه، والبحث عن الشهرة واللقاءات العاطفية، وتضم المنتديات الرقمية، والمدونات الإلكترونية، ومدونات الفيديو، والبودكاست... وبهذا، فإن مواقع الشبكات الاجتماعية تشكِّل جزءًا أساسيًّا من الميديا الاجتماعية، لكنها لا تستند إلى اهتمام محدَّد أو مصلحة معينة، بل تقوم على التنشئة الاجتماعية، من خلال التفاعلات الاجتماعية المختلفة بين الأصدقاء، وأفراد العائلة، والمعارف، لتبادل الأخبار عن حياتهم اليومية. وعلى هذا الأساس استبعد بعض المواقع الاجتماعية، مثل موقع لينكد إن، وتويتر، من خانة مواقع الشبكات الاجتماعية. فهذا الأخير يجمع مستخدميه حول هدف واحد: اقتسام الأخبار، بعد جمعها وتصنيفها(13).

فضاء أم مجال عمومي؟

يُفهم من العبارة الألمانية (Öffentlichkeit) العديد من المعاني، منها "الجمهور"، والرأي العام"، بيد أن دلالتها تختلف من لغة إلى أخرى، ومن حيز ثقافي إلى آخر. فاللغة الفرنسية، على سبيل المثال، ترجمتها بعبارة فضاء عمومي، بينما ترجمتها اللغة الإنجليزية بعبارة المجال العمومي(14). وتُرجمت إلى اللغة العربية بالمجال تارة، والفضاء طورًا، والحيز العام في بعض الحالات(15). وقد تم الاستناد في الترجمة العربية إلى الأصل اللغوي للكلمة دون التنقيب عن مرجعيتها الفلسفية، بدليل أن البعض ترجم (sphere) بالدائرة(16). وعليه، بدا مفهوما الفضاء(Raum)  والمجال (Sphäre) كمترادفين يتداولان على المعنى ذاته(17)، فأنتجا نوعًا من الخلط بينهما.

قد يعزى هذا الخلط في اللغة العربية إلى الأرضية المشتركة التي يقف عليها المفهومان، وإلى التاريخ الثقافي والسياسي في المنطقة العربية الذي لم يوفر الشواهد والتجارب التي تساعد الباحثين على الفصل بين الفضاء والمجال العمومين. لكن نتفاجأ بالخلط ذاته في أوساط الكتَّاب والباحثين الناطقين باللغة الفرنسية على الرغم من أن بعضهم حذَّر من الوقوع فيه، ودعا إلى التمييز بين المفهومين!(18) فقد وقفت الباحثة الكندية، فرانس أوبين (France Aubin)، على هذا الخلط عبر رصدها لتطور استخدامهما في اللغة الفرنسية في الأدب والتاريخ، والمعمار، والعلوم السياسية والاتصال من 1990 إلى 2014.  

ويرى الفيلسوف الفرنسي، تيري باكو (Thierry Paquot)(19)، أن الترجمة الفرنسية أثرت على استخدام مفهوم الفضاء العمومي؛ إذ أوحت بأنه حيز للنقاش السياسي ولمواجهة الآراء الخاصة التي يجعلها النشر والتوزيع عمومية، وهو أيضًا ضرب من الممارسة الديمقراطية، والاتصال، وتدفُّق مختلف وجهات النظر. بينما الفضاء بصيغة الجمع، أي الفضاءات، يتضمن معاني مختلفة؛ إذ يُقصد به الأماكن العمومية؛ أي تلك المتاحة التي يلجها الناس مجانًا دون تمييز بينهم، بصرف النظر عن وضعهم الاجتماعي أو عرقهم أو لغتهم، مثل الحدائق والساحات العامة، والشوارع.

للمساهمة في رفع اللبس بين المفهومين، يتبنى الباحث الفرق الذي وضعته فرانس أوبين بين المفهومين؛ إذ ترى أن الفضاء العمومي هو مكان فيزيائي منتج للرابط الاجتماعي (الساحة العامة(، بينما المجال العمومي هو بمنزلة حزمة من إجراءات المشاركة في تشكيل النقاش العمومي(20). ويلتقي هذا الفرق مع ما ذهبت إليه بعض الترجمات إلى اللغة الإنجليزية، مثل تلك التي اقترحها مارشال سوليس (Marshall Soules) واعتبر فيها "المجال العمومي" منتجًا للآراء والمواقف التي تعمل على معارضة إدارة شؤون الدولة أو تدعيمها، ومن ثم توجيهها. ومن الناحية المثالية، فإن المجال العمومي هو مصدر الرأي العام الذي يضفي الشرعية على السلطة في أي نظام ديمقراطي فعال(21).

نظريات المجال العمومي المتجددة

يُعتبر مفهوم المجال العمومي اليوم بمنزلة الرئة التي أصبح يتنفس بها التفكير العلمي في رحلته من الفلسفة إلى بعض الحقول في العلوم الاجتماعية، مثل العلوم السياسية، وعلم الاجتماع، والأنثروبولوجيا، وعلوم الإعلام والاتصال. فأضحى من الصعوبة تفادي استخدامه في الحقول المعرفية المذكورة أعلاه. وبات كل باحث في العلوم الاجتماعية يعيد بناءه بلغته(22).

ويرى بعض النقاد أنه على الرغم من أن "هابرماس دفن المجال العمومي بيديه إلا أنه لا يزال حيًّا؛ فمنتقدوه يبثون الحياة فيه باستمرار... إنه مفهوم ميت-حي"(23). وترجع مسألة الدفن إلى تأكيد هابرماس على موت المجال العمومي في القرن 20 نتيجة جملة من العوامل المترابطة، منها(24): جنوح وسائل الاتصال الجماهيري إلى تسليع الأخبار والثقافة وتسليتها، وبروز الدولة الرعوية التي حلَّت محلَّ الإرادة الشعبية، وظهور أشكال جديدة من الإدارة الاجتماعية قوامها التسويق السياسي والعلاقات العامة، وتطور صناعة استطلاع الرأي التي لا تعبر عن رأي عام قائم بقدر ما تنتجه، على قول بيير بورديو (Pierre Bourdieu)(25).

تعرضت نظريات المجال العمومي إلى الإثراء في سياق منعطفين أساسيين، وهما:

- أولًا: ميلاد شبكة الإنترنت وتزايد الاستخدام الاجتماعي للجيل الثاني من الويب الذي سرَّع تشذر الجمهور والمستخدمين، مما أدى إلى ارتفاع عدد الفضاءات العمومية. فانتقل الحديث عن المجال العمومي من حقل الخطاب السياسي العقلاني المعياري إلى حقل النظرية الاجتماعية الشاملة(26)، التي تركز على التنشئة الاجتماعية والتفاعلات الرمزية التي تتيحها الميديا الاجتماعية، وعلى العلاقة الملتبسة بين ما هو خاص وما هو عمومي في بناء الذات الفردية والأنا الجماعية، وما يترتب عليها على الصعيدين السياسي والقانوني. هذا مع العلم أن بعض الباحثين لم يروا أي تأثير لهذا المنعطف. فالباحث لينكولن دهلبرغ (Lincoln Dahlberg)، على سبيل المثال، أكد أن "شبكة الإنترنت تسهِّل بروز خطاب يعيد إنتاج البنية القاعدية للنقاش النقدي العقلاني الذي يقترب، بمختلف الأشكال، من المجال العمومي"(27).

- ثانيًا: ظهور الحركات الاجتماعية المعاصرة التي لا تحكمها أيديولوجيا واضحة المعالم، ولا تخضع لتراتبية اجتماعية، ولا تنساق وراء قيادة واحدة وسلطة مركزية. لقد دفعت هذه الحركات بالنقاش إلى اعتبار المجال العمومي شكلًا من الفعل تجلى في الانتفاضات التي ظهرت في أكثر من بلد في العالم وليس شكلًا من الخطاب العقلاني. فقد جمع هابرماس الفضاء العمومي، والخطاب، والعقلانية في مثلث مفاهيمي قال عنه إنه ظل شغله الشاغل(28).

ويقدم الجدول رقم (1) تدرج التصور للمجال العمومي، وانتقاله من كونه إطارًا للمشاركة والمداولات في قضايا الشأن العام من أجل تحقيق التوافق في الرأي، إلى اعتباره حزمة من أشكال الاتصال والسرد الذي يستند إلى العاطفة والسخرية يحركها الصراع والمنافسة، التي تتجلى أكثر عبر قراءتها من منظوري البراديغم البنائي، والدراسات الثقافية.

جدول (1): صيرورة التصور للمجال العمومي

الاسم

المؤلِّف

التعريف

المجال العمومي البرجوازي

يورغن هابرماس

إن الجمهور المتكون من الأشخاص الذين يستخدمون حجة عقلهم يتملكون المجال العمومي الذي تسيطر عليه الدولة، ويحوِّلونه إلى فضاء يمارَس فيه النقد ضد سلطة الدولة(29).

الفضاء العمومي: حلبة المرؤئية 

حنا آرندت    

(Hannah Arendt)

الفضاء العمومي فضاء للظهور (...( يمكن أن تكون الحرية فيه واقعًا ملموسًا )...(. إنه فضاء الكلمة والفعل، حلبة يستطيع فيها الأشخاص التبادل والتداول والمناقشة بشغف، والقيام بالفعل جماعيًّا. إنه مكان للمرؤئية يعرض فيه كل شيء وكل شخص على النظر، إنه حيز للظهور(30).

المجال العمومي الهامشي

نانسي فريزر

(Nancy Fraser)

المجال العمومي يشكِّل حلبات خطابية موازية يقوم فيها أعضاء المجموعات الاجتماعية المهمشة ببناء الخطابات المضادة وتوزيعها من أجل صياغة تأويلهم الخاص لهوياتهم، ومصالحهم، واحتياجاتهم(31).

الفضاء العمومي المعارض

أوسكار نغيت

(Oskar Negt)

ألكسندر كلوج

(Alexander Kluge)

لا يمكن اختزال الفضاء العمومي المعارض في مجموعة اجتماعية، مثل الطبقة العاملة الصناعية. إنه مفهوم يقوم على التجربة الحية التي لم يتم تمثيلها (حتى الآن) في الشكل المجرد للمصلحة العامة أو الإشهار البرجوازي. إنها التجربة التي تنحرف عن السجل التقليدي للتجارب المتعارف عليها، تجربة تسمح بإدراك العديد من المواقف التي يبرز فيها "الأويكوس" (Oikos) على حساب "الأغورا"(32).

 

الفضاء العمومي للاعتراف والعدالة الاجتماعية

ألكس هونيث

(Alex Honneth)

حتى يتمكن الأشخاص من الانخراط في النضال من أجل الاعتراف، والأمل في الاعتراف والتقدير لصفاتهم الخاصة، يجب عليهم أولًا النضال حتى يكونوا مرئيين ويتم إدراكهم في فضاء العلاقات الاجتماعية (...). إن جوهر إزاحة الأشخاص الاجتماعيين من حقل المرؤئية لا يعني التقليل من قيمتهم فحسب، بل تجاهلهم بمحوهم من على سطح العلاقات الاجتماعية(33).

فضاء الدهماء العمومي

مارتن بروغ

(Martin Breaugh)

نظام مختلف تمنح فيه الدهماء لنفسها "مؤسسة"، وتنفذ من خلالها إلى الخطاب السياسي... إنها تجربة سياسية مخصوصة يتحرر فيها ذاتيًّا المقصون سياسيًّا(34).

الفضاء العمومي الرمزي

ميهاي كومان

(Mihai Coman)

فضاء عمومي يُبنى بالخطابات والمفاوضات ذات الطابع الرمزي ويمكن أن يفرز تيارات فعلية للرأي العام. إن عدم ملاحظة هذه التيارات أو ازدراءها أو إدانتها لعدم "عقلانيتها" الزائفة، يعني التمسك بــ"سياسات النعامة" التي تنتمي إلى المركزية الإثنية(35).

الفضاء العمومي الفسيفسائي

إريك نوفو

(Érik Neveu)

الفضاء العمومي ليس إدغامًا أنيقًا لمنتديات النقاش الذي من شأنه إحداث التوافق في الترتيب الهرمي لمواضيع نشرات الأخبار التي تبث في التليفزيون على الساعة الثامنة مساء وفي معرض الصحافة، الذي تذيعه المحطات الإذاعية صباحًا. إن الفضاء العمومي الفسيفسائي مجزَّأ وفوضوي تُفرض فيه أصوات متعددة، وتتنافر فيه الأصوات والمواقف والمناقشات(36).

المجال العمومي الرقمي

مايك شيفر

(Mike Schäfer)

 

إنه بمنزلة مجال للاتصال تنتجه الميديا الاجتماعية أو تسانده. وتكون المشاركة في مواقع الشبكات الاجتماعية مفتوحة بكل حرية لكل المهتمين، ويمكن للقضايا ذات النفع العام أن تناقش، وتكون المناقشة ظاهرة للجميع. ويتضمن هذا الفضاء أنواعًا من أساليب التواصل، ولا يتطابق إلا نادرًا مع العقلانية والتحضر اللذين نصت عليهما نظرية المشاركة والمداولة(37).

المجال العمومي الشبكي

يوشاي بينكلر

(Yochai Benkler)

بير ماسيب

(Pere Masip)

كارلوس رويز كاباليرو

(Carlos Ruiz-Caballero)

لا يتشكل المجال العمومي الشبكي من أدوات، بل من ممارسات الإنتاج الاجتماعي الذي تتيحه هذه الأدوات(38).

المجال العمومي الشبكي هو الاسم الصحيح للمجالات العمومية الفرعية التي تتيحها الشبكات الاجتماعية(39).

انطلقت جل التعريفات أعلاه من القاسم المشترك في دحض خصائص المجال العمومي البرجوازي، وهي: الشمولية، أي عدم الإقصاء من النقاش العقلاني، وغض الطرف عن مكانة المساهمين في هذا النقاش، وتناول القضايا ذات الصلة بالشأن العام، والتداول من أجل تحقيق التوافق في الرأي عليها، لكنها تجاوزت، كلها، تقريبًا، نظرة هابرماس التشاؤمية للميديا، وتركيزه على تحريفها للمجال العمومي. وهو التشاؤم الذي ورثه عن الجيل الأول لمدرسة فرانكفورت، وأدورنو تحديدًا(40). لقد قلَّل من شأن قوة مقاومة المجتمع المدني، ومن القدرة النقدية للجمهور الذي تهيمن عليه وسائل الاتصال الجماهيري.  

واتجه كل تعريف من التعريفات أعلاه إلى إبراز الجانب الذي يراه أساسيًّا في تشكيل أو إعادة تشكيل هذا المجال بالنظر إلى تطور الممارسات السياسية بعد الحرب العالمية الثانية، وأشكال التواصل التي تعددت وتنوعت في مطلع الألفية الحالية.

لقد آثرت حنا آرندت التفكير في هذا المجال بجملة من المفاهيم الأساسية، مثل: فضاء الظهور، والحميمي والاجتماعي. وراجعته نانسي فريزر بعُدَّة مفهومية قوامها: الحلبات، تعددية المجالات )العامي، المنافس والهامشي(. وأكدت أن المجموعات المهمشة تشكِّل جمهورًا معارضًا للمجال العمومي، ورأت أن هذا الجمهور يشكِّل حلبات خطابية موازية يبتكر فيها أعضاء هذه الجماعات الخطابات المعارضة، ويوزعونها من أجل صياغة تأويلهم المعارض، الحامل لهويتهم، والمُعَبِّر عن مصالحهم وحاجتهم(41). ويأخذ هذا الجمهور المعارض صيغة الجمع لدى بعض الباحثين، حيث ينتظم حول "الموضوعات" أو "القضايا"(42). وهذا ما أدى بالباحث نيكولاس غارنهام (Nicholas Garnham) إلى تصور إمكانية وجود مجالات عمومية داخل المجال العمومي الشامل، و"يكون كل مجال فرعي مهيكلًا حول بنيته السياسية الخاصة، ومنظوماته الإعلامية، ومعاييره الخاصة ومصالحه"(43).

وعمل ألكس هونيث، من جهته، على إثراء نظرية المجال العمومي ببعض المفاهيم، مثل: "النضال من أجل الاعتراف"، وتجربة اللامرؤئية، والنضال لانتزاع الحق في المرؤئية. وعزَّز أوسكار نغيت، وألكسندر كلوج(44) النقاش عن المجال العمومي بمفهومين مركزيين، وهما: الفضاء العمومي المعارض، والذاتية المتمردة. وقد حاكى بهذا المفهوم الأخير ما ذكره أدورنو عن التجربة غير المُنَظمة وغير المنضبطة؛ إذ أكد أنه عندما لا تجد هذه التجربة ترجمتها بالكلمات والإشارات لتعبِّر عن ذاتها تسقط المبادلات الرمزية بين الأشخاص في اللامبالاة، والاكتفاء الظاهر والقصور الذاتيين، والخمول.

وأعاد إريك داشو (Eric Dacheux)(45) قراءة المجال العمومي انطلاقًا من الأبعاد الثلاثة: السياسي، والرمزي، والاقتصادي. ففي البعد الأول، تتجلى الحلبة في صورة مختلفة عن تلك التي شخصتها فرايزر؛ إذ يراها عبارة عن وسيط بين الفضاء المنزلي والفضاء العمومي، وتجمع، بطرق متنوعة، أكثر من منطق: منطق تعبير المهمشين، والمسجونين في فضائهم المنزلي، والاعتراف بالمنبوذين، ونقد القرارات السياسية. ويعتبر البعد الرمزي بمنزلة بنية لاشعورية تحدد طريقتها في فهم العالم. ويرى أن البعد الاقتصادي يؤثر على المجال العمومي. وبهذا يقترب من تصور المواجهة التي يراها هابرماس قائمة بين النظام الاقتصادي والقانوني وعالم الحياة (Lebenswelt)، أي بيئة المعيش أو الحياة التي تتضمن المجال المذكور(46).

وحدَّد برنار مياج (Bernard Miege) خمسة أنماط من الاتصال التي توالت على تنظيم المجال العمومي المعاصر، وهي: صحافة الرأي، والصحافة الجماهيرية التجارية، ووسائل الإعلام السمعية البصرية، والعلاقات العامة المعممة، وتكنولوجيا الإعلام والاتصال الرقمية(47). ويعرف نمط هذه العلاقات بالقول إنها "تؤكد على الموضوعات التي تحظى بالإجماع، وتروم الانخراط في مختلف ميادين الحياة الاجتماعية. إنها تميل أكثر إلى التوجه إلى الأفراد/المستهلكين/المواطنين، وكمجموعات وجمهور وهو الاختيار الأفضل"(48). إن التمعن في هذا التحديد يضعنا أمام إشكالية شديدة التعقيد: هل المجالات العمومية وليدة وسائل الاتصال وأنماطها، ومنها يكتسي الحديث عن الفضاء التدويني، والفيسبوكي، والتويتري مشروعيته، أم إنها مرتبطة بالجمهور والمستخدمين، مثلما ذهبت إليه فريزر في تركيزها على الجمهور المعارض؟ أم إن الخطاب، الذي يخترق كل الفضاءات، هو الذي يحدد طبيعة المجال العمومي نظرًا للحضور المتزامن والمتداخل لكل الأنماط المذكورة أعلاه في المنصات الرقمية؟

المجال العمومي في المنطقة العربية

يميز مارك لنش (Mark Lynch)(49)، بين ما تسميه الصحافة بالشارع العربي والمجال العمومي. ويعتقد أن وسائل الإعلام غيَّرت بنيته في بعدها القومي. وهذا بفضل الإذاعة القومية، في خمسينات وستينات القرن الماضي، التي ألهبت حماس الجماهير، والقنوات التليفزيونية الفضائية، في تسعينات القرن ذاته، بما أتاحته من نقاش حول القضايا القومية. ومنحت للمعارضة السياسية، في هذا البلد العربي أو ذاك، إمكانية نقد بعض الأنظمة السياسية خارج وسائل الإعلام الوطنية الرسمية.

واقتنع محمد عايش(50)، ويسلم السقاف(51) بوجهة النظر هذه، فأكدا دور هذه القنوات الفضائية في بروز مجال عمومي عربي في الشرق الأوسط، وفق التصور البرجوازي الذي قدمه له هابرماس. 

وحذا حذوهما العديد من الباحثين الذين سلموا بقدرة شبكة الإنترنت والميديا الاجتماعية على تشكيل مجال عمومي افتراضي في المنطقة العربية(52) وذلك لكونها في متناول الجميع، وتمكِّن مستخدميها من النقاش، خاصة أنها لا تكشف عن مكانتهم وحتى هويتهم التي من المحتمل أن تكون سبب إقصائهم من المجال العمومي "التقليدي".

وتحفَّظ بعض الباحثين على وجود "مجال عمومي" في المنطقة العربية لكونه "موضع خلاف"(53) و"فكرته غربية، والسياق العربي لا يمكن أن يسمح له بالوجود. ولا يكون له امتداد عملي في ظروف غير الظروف التي نشأ فيها في أوروبا"(54)، و"أن للمجال العمومي الهابرماسي حدودًا، نظرًا لارتباطه بالسياق الثقافي الغربي ولتداعياته المعيارية المرتبطة بنظرية مخصوصة للديمقراطية"(55)، وأن المجال العمومي البرجوازي، الذي ظهر في سياق تاريخي خاص بالمجتمعات الغربية، نموذج من بين نماذج المجال العمومي الأخرى(56).

وهناك من ذهب إلى حد نفي وجود المجال العمومي لتدجينه؛ حيث أصبح النقد في بعض البلدان العربية مجرد وهم، مثل تونس أثناء حكم ابن علي(57). فلا وجود للمجال العمومي في غياب النقد، لأنه "فضاء رمزي تنتشر فيه الخطابات المتناقضة في معظمها، والصادرة عن مختلف الفاعلين السياسيين، والاجتماعيين، والثقافيين، والمفكرين الذين يشكلون المجتمع"(58).

ودُحضت، أيضًا، فكرة وجود مجال عمومي رقمي، واعتبرت مجرد استعارة، بل فكرة طوباوية، انطلاقًا من معاينة استخدام الميديا الاجتماعية في بعض "الثورات" )في سوريا، واليمن، وليبيا، على وجه الخصوص(؛ إذ يبدو المجال العمومي في هذه المناطق في طور التكوين، حتى وإن صاغت فيه وسائل الإعلام التقليدية والميديا الاجتماعية خطابات متناقضة ومتعارضة(59).

وهناك من استند إلى تجربة التدوين الرقمي في لبنان ليقترح الاستغناء عن مفهوم المجال العمومي، واستبدله بمفهوم الحقل الذي نحته بيير بورديو. ولم ينف بعض الباحثين القلائل وجود المجال العمومي في هذا البلد العربي أو ذاك، بل قاموا بقراءة مكوناته بمنأى عن عقلانية الخطاب، وبالاستناد إلى المنظور ما بعد البرجوازي، ومقاربته بالعُدَّة المفهومية لبعض الكتُّاب، مثل حنا آرندت(60)، وألكس هونيت(61)، ونانسي فريزر(62).  

لا يمكن الحديث عن المجال العمومي في المنطقة العربية دون النظر إلى وشائجه مع الحراك الشعبي الذي دفع زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، إلى التخلي عن السلطة. وقد تعدد توصيفه، فالباحثة ساميا ميهوب وصفته بالمعارض والاحتجاجي(63)، بينما وظف مارتن بروغ مفهوم فضاء الدهماء العمومي لقراءة دلالة القدرة السياسية للتعدد عبر تدافع عوام الشعب المصري لاحتلال ساحة التحرير بالقاهرة، ومقاومة الإقصاء السياسي، والانتقال من وضعية الكائن ما قبل السياسي إلى كائن سياسي(64)، فانتزع حقه في الكلمة. ونفت الباحثة آمال الهادفي أن يكون الحراك الشعبي الذي شهدته الجزائر في فبراير/شباط 2019 قد شكَّل مجالًا عموميًّا بديلًا(65).

2. الميديا الاجتماعية والمجال العمومي في المنطقة العربية

في قراءتهم لأحداث ما أصبح يُعرف بـالربيع العربي، تحولت الحلبة، التي ذكرتها نانسي فرايزر في توصيفها للمجال العمومي ما بعد البرجوازي، إلى "حلبة ثورية" لدى بعض الباحثين(66). أسهمت في صنعها الميديا الاجتماعية، وتحديدًا موقعا فيسبوك وتويتر. وعن تقدير هذه المساهمة تختلف الآراء والمواقف، فالبعض يقلِّل من أهمية الميديا الاجتماعية في تشكيل هذه الحلبة من خلال تركيزه على صعوبة الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشه قطاع واسع من المواطنين في بلدان الربيع العربي، والتنكر لحقوقهم السياسية والثقافية(67). فالباحث مصطفى مجاهدي(68) لا يرى أي علاقة آلية وخطية بين انتشار فضاءات التواصل والحوار الاجتماعي عبر مواقع الشبكات الاجتماعية وحدوث الانتفاضات الشعبية في البلدان العربية، ودليله في ذلك أن البلدان العربية التي عرفت أول الاحتجاجات لا تتصدر قائمة ترتيب البلدان العربية من حيث نسبة تغلغل شبكة الإنترنت فيها. فتونس مثلًا كانت تحتل الرتبة الخامسة بـ20% في 2011، تليها مصر بـ16.5%، ثم المغرب بـ7.6%، وليبيا بـ4.5%، واليمن في الرتبة الأخيرة 1%.

وخلافًا لذلك، ثمَّن بعض الباحثين الدينامية التي أحدثتها الميديا الاجتماعية في "أحداث الربيع العربي"؛ إذ يرون أنها أسهمت في تنظيم حركات الاحتجاج، وسمحت باتحاد المواطنين والتنسيق السريع بينهم على أوسع نطاق. وهذا ما كان ليتحقق دون هذه العُدَّة التقنية(69).

إن الاختلاف في تحديد مكانة الميديا الاجتماعية في الانتفاضات التي شهدتها بعض البلدان العربية، يعكس في جوهره عدم الاتفاق على دور مواقع الشبكات الاجتماعية في تشكيل/إعادة تشكيل المجال العمومي في المنطقة العربية. وهذا يستدعي استحضار الأطروحات، التي ترافع لصالح هذا الدور وتلك التي تنفيه، وتحليلها قصد الوقوف على الحجج التي تبيِّن عجز الفضاء العمومي في المنطقة العربية عن التحوُّل إلى مجال عمومي، لعله يقربنا أكثر من معرفة شكل هذا المجال وخصائصه في هذه المنطقة.

الأطروحات

1. يتسم القسم الأكبر من الميديا الاجتماعية، أي مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل فيسبوك وتويتر، ويوتيوب، بطابعها المنفتح على مختلف المشاركين، وبمقدرتها على نشر الأخبار والصور وشرائط الفيديو والآراء بسرعة فائقة، وتداولها على أوسع نطاق جغرافي واجتماعي. لقد برزت هذه الميديا في البلدان العربية كقناة اتصال، وأداة نضال؛ إذ منحت صوتًا للمهمشين والمقصيين لتجسيد حرية تداول الأخبار والكفاح من أجل نيل حقوقهم السياسية والاجتماعية(70).

وتزكي بعض البحوث الأمبريقية هذه الأطروحة؛ فالباحث ريزا جمالي يفسر السرعة الفائقة التي انتشرت بها مواقع الشبكات الاجتماعية في البلدان العربية من 2011 إلى 2013، بانعدام حرية التعبير في المنابر التقليدية، مما دفع النشطاء السياسيين إلى استخدام الميديا الاجتماعية، في بلد مثل تونس(71). بينما تكمن الأسباب الأساسية التي تجعل الأشخاص يميلون إلى استخدام الميديا الاجتماعية، في بلدان أخرى، مثل الولايات المتحدة الأميركية التي انتشرت فيها الإنترنت تدريجيًّا، في القضاء على الرتابة، ومشاركة هوياتهم مع الغير. ومنها استنتج المعادلة الآتية: كلما قلَّت المشاركة السياسية في بلد ما اتجه مواطنوه إلى تجسيدها عبر الميديا الاجتماعية(72).

2. أمام احتكار السلطات لكل منابر النقاش والتعبير، لجأ المستخدمون في المنطقة العربية إلى نشر الفيديوهات الغنائية والرسوم الاحتجاجية(73) المنددة بالفساد والمحسوبية والتعسف في استعمال السلطة، وإلى إنشاء جماعات افتراضية بديلة، ومنتديات رقمية عبر مواقع الشبكات الاجتماعية للتحرُّر من هيمنة الخطاب الرسمي. وهكذا امتلك هؤلاء المبادرة في "تحديد جدول الأعمال والنشاط في المجال العمومي"(74). حقيقة، يمكن أن نلاحظ أن هؤلاء يستخدمون أسماء مستعارة لإنشاء صفحات خاصة بهم أو للمشاركة بالرأي أو بالمعلومات في هذه المنتديات، لكن هذا الأمر لا يقلِّل من مساهمتهم في تحديد جدول الأعمال المذكور. بل بالعكس، يمنحهم جرأة النقد، ويفلتهم من بطش السلطات العمومية، ويجعل التجنيد في أرض الواقع أكثر فاعلية(75). وتشكِّل التعليقات في مواقع الشبكات الاجتماعية في الأنظمة السلطوية فضاءً لتشكيل رأي عام(76).

3. يرى السقاف(77) أن المعايير الأربعة، التي وضعها ناتانيل بور (Nathaniel Poor) لتحديد المجال العمومي، والمستلهمة من المنظور الهابرماسي، تنطبق على المجال العمومي العربي عبر الإنترنت (Online Public Sphere). وهي(78): أ- المجالات العمومية هي فضاءات للخطاب الذي يتجسد في الغالب عبر واسطة إعلامية واتصالية. ب- تضم الفضاءات العمومية مناقشين جددًا كانوا مقصيين في السابق. ج- المواضيع التي تتطرق لها المجالات العمومية ذات طبيعة سياسية في الغالب. د- يُحكم على الأفكار المتداولة في المجالات العمومية بالنظر إلى جدارتها وأهميتها وليس بالنظر إلى أصحابها.

وبهذا يشاطر السقاف موقف كل من يعتقد أن المفهوم الهابرماسي للمجال العام صالح ومفيد للتفكير في المجتمعات غير الغربية، مثل البلدان العربية، وحتى في ظل نظام تسلطي(79).

الأطروحات النقيضة

1. القول بأن استخدام شبكة الإنترنت ومختلف تطبيقاتها في متناول الجميع في المنطقة العربية صحيح نظريًّا، لكنه نسبي في الواقع، وذلك لأن الميديا الاجتماعية تعيد إنتاج عدم المساواة الاقتصادية والاجتماعية. فالتقارير الدولية تؤكد وجود شرائح اجتماعية بعيدة عن هذا الاستخدام بسبب التفاوت في البنية التحتية والمعرفة الرقميين، ولعدم المساواة في الظروف الاجتماعية والاقتصادية. وبيَّنت دراسة أجريت في سبعة بلدان عربية أن نصف سكانها فقط يستخدم مواقع الشبكات الاجتماعية يوميًّا، بينما حوالي ثلثهم لا يستخدمها مطلقًا. ولا تشكِّل النساء سوى ثلث مستخدميها، وحتى ربعهم في بلدان الخليج، على الرغم من ارتفاع معدلات النفاذ إلى شبكة الإنترنت فيها(80). أما على الصعيد السوسيولوجي، فنلاحظ أن الفئة الناشطة أكثر سياسيًّا في مواقع الشبكات الاجتماعية هي فئة الشبان(81) المتعلمين المنتمين إلى الطبقة الوسطى القاطنة بالمناطق الحضرية(82). وهذه كلها عوامل إقصائية من المشاركة في المجال العمومي في البيئة الافتراضية. يضاف لها ما يمارسه المشرفون على هذه المواقع أو "حراس البوابة الثانويون"(83) من حظر لبعض المتدخلين أو إخفاء لبعض ما ينشرونه لأسباب شتى. ناهيك عن الإقصاء الذي تمارسه خوارزميات الميديا الاجتماعية، كما سنوضح ذلك لاحقًا.

2. يمكن القول: إن الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية هي منصات لممارسة حرية التعبير والتفكير لكنها أيضًا أداة فعالة للرقابة والقمع وتمييع النقاش. فعلاوة على قطع الاتصال بشبكة الإنترنت في بعض الظروف أو تخفيض سرعة تدفقها وسعتها، وتعليق استخدام مواقع الشبكات الاجتماعية، مثلما جرى في بداية ما أصبح يُعرف بأحداث الربيع العربي، تلجأ السلطات التنفيذية إلى قرصنة صفحات بعض النشطاء السياسيين، وإنشاء حسابات وهمية للتهجم عليهم، وتخريب النقاش بواسطة تقنية "التصيد"، خاصة عندما تتسع موجات الاحتجاج عبر الويب فيتم اختراقها بسهولة نظرًا لمرونة هيكلها، وانعدام قيادة موحدة توجهها. وخلافًا للبلدان المتطورة الخاضعة للديمقراطية التمثيلية، تعتبر الدولة في الكثير من البلدان العربية قوة غير محايدة في التدافع بين القوى السياسية للتناوب على السلطة. وحتى نفهم هذه الممارسات لابد من الاستعانة بمفهوم الشعبوية التي تؤمن بأن المجتمع أو الشعب هو كتلة واحدة متجانسة، ومن المفروض ألا يوجد أي خلاف أو نزاع بين أفراده، وإن وجد فتُخَوِّن أصحابه. وهكذا سقط مصطلح الغريم من التداول في القاموس السياسي وتحوَّل إلى عدو، وخائن، وعميل يجب تصفيته.

لذا، فإن افتراض وجود تعددية الفضاءات العمومية في المنطقة العربية لا يعني بالضرورة وجود "جمهور متعدد ومتنافس"، مثلما ذهبت إليه فرايزر؛ فغياب الغريم يعني إلغاء المنافسة، وهذا مؤشر قوي على انعدام الديمقراطية التي تعرِّفها ناديا إربناتي (Nadia Urbinati) بأنها نظام يسمح بالمنافسة السياسية والتنافس في الآراء(84).  

 لم تنج فكرة منافسة الأفكار في المجال العمومي من النقد، لأنها استندت إلى الاعتقاد بوجود مساواة بين المتداولين في المجال العمومي الذي تديره قاعدة: "الرأي لمن يملك قوة الحجة"(85)، وتجاهلت وزن مختلف الجماعات في النقاش. إن شعبية الأخبار والمعلومات والآراء المتداولة في الفضاء الافتراضي لا تستند إلى قوة الحجة، بل ترتبط بالعلاقات الذاتية، والولاء، والانتماء، وبمنطق خوارزمي يخضع إلى اقتصاد الانتباه(86). لذا يعتقد بعض الباحثين النقديين أن الميديا الاجتماعية ستسقط فيما سقطت فيه وسائل الاتصال الجماهيري التي أفسدت المجال العمومي، ما لم تتحرَّر من سيطرة الدولة والمؤسسة الاقتصادية، وتنصاع لمتطلبات الخدمة العمومية(87). والإفساد في المنطقة العربية لا يأتي من هذا الباب فقط. فموقع فيسبوك، على سبيل المثال، الذي كان أداة نضال في حراك 22 فبراير/شباط 2019 من أجل التغيير في الجزائر، تحوَّل إلى ساحة لتصفية الحسابات، والوشاية، والتخوين، والقذف والشتم، والتهكم والتنمر على الجميع، وأفرغ الفعل السياسي من محتواه بعد أن عمَّ اليأس من تحقيق وعود الحراك.

3. يشكِّل الاستقطاب السياسي والأيديولوجي والعاطفي عائقًا عويصًا في تحول الميديا الاجتماعية إلى مجال عمومي؛ وذلك لكونه سياقًا سياسيًّا وأيديولوجيًّا ديناميكيًّا يُحدث انقسامًا بين المواطنين ويؤدي إلى تشكيل قطبين متعارضين، أو أكثر، حول المسائل الفكرية والقضايا ذات الصلة بالشأن العام. ولئن كانت البحوث الأمبريقية لم تصل إلى ما يثبت وجود علاقة سببية بين الاستقطاب والميديا الاجتماعية، فإن البعض يرجح وجود علاقة متبادلة بينهما. فالميديا الاجتماعية يمكن أن تكون سببًا للاستقطاب الموجود في المجتمع، ونتيجة له، في آن واحد(88).

تعمل الميديا الاجتماعية على تشكيل جماعات افتراضية تزداد تماسكًا بفضل الاستقطاب السياسي والأيديولوجي والعاطفي عبر آليتين، وهما: "الهوموفيليا" (Homophily)، وتعني ميل الشخص إلى مثيله، أي إلى من يملك قواسم مشتركة معه، مثل الظروف الاجتماعية، والهوايات، والأفكار والمعتقد، واللغة. وفقاعة الغربلة التي يقصد بها مجمل الأخبار التي تقدمها محركات البحث ومواقع الشبكات الاجتماعية للأشخاص بناء على البيانات التي جمعتها عنهم دون غيرها(89).

ويجسد الاستقطاب في شبكة تويتر، على سبيل المثال، عبر "الهاشتاغ"، ومتابعة تغريدات بعض الأشخاص ذوي الميولات السياسية والفكرية والثقافية الأقرب لمشتركي هذا الموقع، وإعادة توزيع تغريداتهم، وأيضًا من خلال ما يتيحه هذا الموقع من روابط تحيل إلى المواقع الرقمية والنصوص، والشرائط الفيديو، التي يتقاسمها الأشخاص مع من يشبهونهم. وتزداد فاعلية مواقع الشبكات الاجتماعية، مثل موقعي فيسبوك وتويتر، في إحداث الاستقطاب السياسي والأيديولوجي أثناء الحركات الاجتماعية، وفي الحملات الانتخابية. ففي الانتخابات الرئاسية الأميركية عام 2016 سمح الموقعان للمترشح، دونالد ترامب، بشتم النساء وقذفهن، والتهجم العنصري على الأقليات العرقية والدينية والمهاجرين من أجل تعزيز قاعدته الانتخابية واستقطابها. لقد ساعدته هذه "التجاوزات" في الوصول إلى البيت الأبيض. وهذا ما أدى إلى الاستشعار لاحقًا بخطر هذه المواقع على الديمقراطية في المجتمعات الغربية.     

ترسخ الاستقطاب على أسس عرقية ودينية وهوياتية في المنطقة العربية قبل ظهور شبكة الإنترنت. لقد سهرت، وتسهر، عليه مؤسسات سياسية وجمعيات ثقافية ودينية. فالصحف ظلت أحادية الفكر والتوجه تشجع الاصطفاف اللغوي -الصحافة الجزائرية مثلًا- والاصطفاف السياسي والأيديولوجي وحتى الطائفي -الصحافة اللبنانية مثلًا- والقنوات التليفزيونية الدينية ذات الطابع الطائفي، والمنتديات الإلكترونية الاقصائية. ولم تستطع صحافة ما بعد الاستقلال في جل البلدان العربية أن تشكِّل، في أغلب الأحيان، منبرًا لتبادل الآراء والمواقف بين جميع الأطياف السياسية والجماعات الاجتماعية ومناقشتها. وبلغ هذا الاستقطاب مداه إلى درجة أنه أعاق بناء قطاع السمعي- البصري القوي التابع للدولة اللبنانية. أما البلدان التي تمكنت من إنشاء هذا القطاع فإنها لم تجعل من الخدمة العمومية هاجسه المركزي، ولم يكن الحوار والتفاوض والمداولات بين الفرقاء السياسيين ديدنه. ويمكن أن ندرك، على سبيل المثال، عواقب غياب الحوار والتفاوض والتوافق أثناء حكم القذافي على ليبيا اليوم. قد عزَّز الغياب التاريخي للحوار والتشاور والتفاوض في المنطقة العربية الاستقطاب الممارس عبر مواقع الشبكات الاجتماعية. ونشَّطت هذه الأخيرة بدورها ظاهرة الاستقطاب؛ إذ جعلته مرئيًّا أكثر، ومنحت الجماعات المستقْطِبَة ثقلًا في الفضاء الافتراضي أكبر من ثقلها في الحياة اليومية العينية. وهذا ما يوحي به عدد المشاركات أو التعليقات على المنشورات والفيديوهات التي تبثها هذه الجماعات أو تعيد توزيعها، وحدَّة الحملات التي تقودها لتشويه سمعة الأشخاص وتتفيه آرائهم المعارضة. وبهذا عزَّزت التطرف والعنف اللفظي الذي يهيئ الأجواء لاستعمال العنف المادي من أجل حل الاختلاف في الرأي وتعارض المصالح.

إن ما يجعل مواقع الشبكات الاجتماعية أكثر مقدرة على الاستقطاب السياسي والأيديولوجي في المنطقة العربية يكمن في ارتفاع منسوب الثقة في منشورات مستخدميها، وضعف مصداقية الإعلام الرسمي لدى الجمهور. فناشر الأخبار في هذه المواقع وعبرها، ومن يثني عليه، والمعجب بما ينشره، هم محلُّ ثقة لكونهم من الأهل والأصدقاء والمعارف. هذا فضلًا عن أن المستخدمين يتعاملون مع مواقع الشبكات الاجتماعية بالمنطق ذاته مع أي وسيلة اتصال جماهيري (الصحيفة، والإذاعة، والتليفزيون) التي لم تساعد جمهورها على التأكد من صحة الأخبار؛ إذ ظلت تعتمد على مصدر وحيد لأخبارها، الذي يكون في أغلب الأحيان، رسميًّا، هذا إن لم تكن خالية من أي مصدر ولم تمكِّن جمهورها من التمييز بين المعلومة والرأي؛ لذا أصبح يعتبر أن ما يُنشر في مواقع الشبكات الاجتماعية معلومة.

خلاصة

تأسيسًا على ما تقدم يمكن استخلاص ما يلي:

1. يمكن اعتبار الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية فضاءات عمومية تتضمن أشكالًا متنوعة من التواصل والسرد العاطفي، وخطابات متعددة الأصوات يتداخل فيها الخاص مع العام، وتتشكَّل من الإخبار، والتضليل، والتحليل، والدعاية، والتسويق، والسخرية، والإلهاء والتهكم، والتنديد، والنبذ، والوشاية، والتأييد، والإعجاب، والترفيه، والتضامن، والإقصاء. تتوسل النص المكتوب، والصورة، والكاريكاتير، والفيديو، والموسيقى والأغاني، والفنون التشكيلية، والرقص، لكن إن لم يتوافر الرابط البنيوي بينها وبين مسارات اتخاذ القرار، أي المجال العمومي، فإنها تبدو للدراسين ضربًا من الفوضى. وهذا لا يعني عدم استجابة السلطات العمومية، بين الحين والآخر، لبعض الشكاوى التي يرفعها مستخدمو مواقع الشبكات الاجتماعية، والمتعلقة بإدارة شؤون الحياة اليومية. إن هذا القول لا يتعارض بتاتًا مع الرؤية التي تؤكد أن هذه الفضاءات تشكِّل مسرحًا للظهور وتحقيق الاعتراف، ولتحويل الشأن الخاص إلى عام، وإخراج بعض المشاكل إلى العلن لتكون مرئية، وتحويلها إلى قضايا عمومية.

تصطدم مواقع الشبكات الاجتماعية التي تعتبر مملكة النرجسية بمكانة الفرد في الثقافة العربية الإسلامية، التي تبدو ذات نزعة جماعية؛ فالفرد لا يشكِّل فيها قوة مرجعية، كما هو شأن الفلسفة الإغريقية، وفلسفة الإصلاح البروتستانتي(90). وتصطدم أيضًا بنزعة السر والتكتم الذي لا يمارَس على مستوى إدارة شؤون الدولة فحسب، بل حتى على مستوى الفرد. فهذا الأخير لا يكف عن الدعاء بالستر وهو يعرض ذاته ويسردها بكل حميميتها في هذه المواقع التي تروم الشفافية والمكاشفة.  

تعيق جملة من الأسباب الجوهرية والإجرائية تحوُّل الميديا الاجتماعية إلى مجالات عمومية؛ فلا يمكن للعُدَّة التقنية أن تحلَّ معضلة الاختلالات الاجتماعية والثقافية في المجتمع. ولا تنتج هذه الميديا مواد موجَّهة للجمهور، مثل وسائل الاتصال الجماهيري، بل تعرض ما ينتجه مستخدموها. لذا، تختلف باختلاف رغبات مستخدميها وسياق استخدامهم لها. فالميديا الاجتماعية هي ما أراد أصحابها أن يفعلوها بها، وسمحت لهم قدراتها وخوارزمياتها بذلك. وخير مثال على ذلك يتضح من متابعة مراحل تطور استخدام موقع فيسبوك، على سبيل المثال، في أكثر من بلد عربي، مثل تونس منذ ما قبل 2011 إلى غاية اليوم(91). فعلى الرغم من اللحظات التي توفرها الميديا الاجتماعية لتجربة ذاتية معارضة عندما تتوتر العلاقات بين الحكام والمحكومين، وتتمكن "الدهماء" بفضلها من فرض خطابها السياسي ولو إلى حين، لا تستطيع هذه الميديا أن تكون مجالًا للنقاش العمومي الذي يفضي إلى الاعتصام بالرأي الذي تجعله المداولات راجحًا. والسبب في ذلك يعود لطبيعة الميديا الاجتماعية غير المؤهلة لتجسيد المداولات حول موضوعات النقاش(92)، حتى وإن لم يشترطها الكثير من النقاد ويجعلون منها عنصرًا تأسيسيًّا لتشكيل المجال العمومي ما بعد البرجوازي. والسبب الثاني أن الكثير من الأنظمة السياسية والبنى الاجتماعية والثقافية في المنطقة العربية تضيق ذرعًا بالحوار، وبالرأي المخالف، ناهيك عن المعارض، بدليل أن أحزاب المعارضة الشرعية ذات التمثيل في المجالس المنتخبة في البلدان العربية، التي تقر "بتعدديتها السياسية"، تغيب، وتمنع من حقها في التعبير عن مواقفها في وسائل الإعلام الرسمية. ولا يتاح لها ذلك إلا في الحملات الانتخابية.

2. من الصعوبة بمكان النظر إلى المجال العمومي في المنطقة العربية من منظور ثنائية الجمهور: المهيمَن والمعارض، الذي تحدثت عنه نانسي فريزر، وذلك لجملة من الأسباب، نذكر منها ما يلي:

- يمكن الاعتراض على مفهوم "الهيمنة" بالمعنى الغرامشي في البلدان العربية، واستخدام مفهوم السيطرة التي تُفرض بحجة القوة بدلًا منه. ففي البلدان العربية التي تعاني من نزاعات مسلحة تختفي ملامح هذه الهيمنة وراء القوة، سواء كانت مشروعة أو غير مشروعة، كذلك الأمر بالنسبة لبعض البلدان القليلة التي تعاني من انقسام طائفي.

  • إن "الجمهور المعارض" مفهوم رجراج، مرن ومتحول، وتساعده الميديا الاجتماعية أن يكون كذلك. فقاعدته الاجتماعية والثقافية تتسع وتضيق. ويتضاعف وينشطر حسب الموضوعات المثارة مثل تلك المتعلقة بالحالة المدنية للأشخاص، والمواضيع الدينية، والقضايا التاريخية، ومسألة اللغة والعادات، وغيرها.
  • لو تمسكنا مجازًا بوجود جمهور بدل مستخدمي الميديا الاجتماعية، فإن هذا الجمهور، حسب بعض النقاد، مثل ميشال وارنر (Michael Warner)(93)، هو فضاء الخطاب. فلا وجود لهذا الجمهور دون خطاب موجَّه له أساسًا، ولا وجود للخطاب دون جمهور؛ ففي الفضاءات التي تخلقها الميديا الاجتماعية، تتقاطع وتتعارض خطابات مختلف الفرقاء؛ الفاعلين التقليديين في المجال العمومي: صحافيين ووسائل إعلام، وقادة الأحزاب، ونواب البرلمان، وممثلي السلطة التنفيذية، وممثلي المجتمع المدني، والناشطين السياسيين في الفضاء الافتراضي، والمعلنين والمؤثرين، بدليل أن وسائل الإعلام التقليدية أصبحت تستعمل مواقع الشبكات الاجتماعية لتوسيع قاعدتها الجماهيرية. وكذلك فعلت الأحزاب السياسية وهيئات المجتمع المدني. وتتغذى مواقع الشبكات الاجتماعية، أيضًا، من منتجات الميديا التقليدية. هذا علاوة على أن الكتابة غير الخطية في الويب -عبر الروابط الرقمية- تحيل النص إلى نصوص أخرى. وهكذا تُلغى الحدود بين الخطابات. إنها تُرحَّل من منصة رقمية إلى أخرى، فتعيد صياغتها وتعدِّلها، وتتلاعب بمكوناتها حسب سياقات التلقي فــ"يندثر سياقها". وهذه الممارسات تجلب الماء لطاحونة رواد الدراسات النقدية الذين يدحضون وجود مجال عمومي قائم ومهيمن بجانب مجالات عمومية نقيضة له(94). ويمكن التأكد من ذلك من محاولات السلطة تَمَلُّك أغاني الاحتجاج وإعادة تدويرها وبثها في القنوات الإعلامية الرسمية، مثل أغاني الراب في الجزائر، بعد أن مُنع بثها لعدة سنوات.

إن الحركات الجماهيرية الواسعة، التي أزاحت حكم زين العابدين بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعلي عبد الله صالح، وعبد العزيز بوتفليقة، في فبراير/شباط 2019، حاصرت الخطاب الرسمي، ودفعته إلى استعمال شعاراتها واستعاراتها. وسعت ثقافة ما أسماه آصف بيات بــ"لا حركة" -في رسمه للوحة أشكال النضال والمقاومة في كل من إيران ومصر وتونس(95)- إلى تفكيك هيمنة المجال العمومي الواحد أو المركزي.

3. إن كانت مواقع الشبكات الاجتماعية قد محت الفاصل بين الشأن العام والشأن الخاص، فهذا الأمر حدث في المنطقة العربية قبل ظهورها، وقبل انتشار برامج تليفزيون الواقع. إن التضييق على حرية التعبير أجبر الأشخاص على مناقشة قضايا الشأن العام داخل الفضاء العائلي، وفيه تبلورت المواقف والآراء. وجاءت مواقع الشبكات الاجتماعية لتعزِّز هذا الاتجاه. وهذه حجة من بين الحجج التي تفند الثنائية التي تمسك بها بعض الكتَّاب في تحليلهم لأحداث الربيع العربي؛ إذ فصلوا الممارسات داخل شبكة الإنترنت عن تلك التي تجري خارجها، بل جعلوها متقابلة أو متعارضة(96) على الرغم من أن "الإحماض الرقمي"(97) يُعد امتدادًا للإحماض في المقاهي الشعبية، وأن الشعارات والأهازيج التي انتشرت بسرعة في مواقع الشبكات الاجتماعية شكَّلت صدى لما يردِّده مناصرو الأندية الرياضية في مباريات كرة القدم، كما هو الشأن في الجزائر(98).

يلح الباحث ماك دوز (Mark Deuze) على ضرورة اعتبار الميديا جزءًا جوهريًّا من التجربة المعيشة؛ "إننا نعيش داخل الميديا وليس مع الميديا؛ فحياتنا أضحت ميدياتيكية"(99). فعلى الرغم من الفجوة التكنولوجية القائمة بين البلدان العربية، وتفاوت مستويات استخدام شبكة الإنترنت داخل البلد الواحد إلا أنه يمكن الإقرار بوجود "فضاء عمومي شبكي" يضم تشكيلة جديدة من النشاط والممارسات الاتصالية والمنتجات الإعلامية والثقافية، تتلاشى فيه الحدود بين الإنتاج والاستهلاك الإعلامي. مجال ذو بنية "فسيفسائية"(100) تسهم في تشكيلها الميديا الاجتماعية باعتبارها فضاءات عمومية جزئية تضم المنتديات الرقمية، ومواقع التدوين، والتدوين المصغر، والصفحات الخاصة في مواقع الشبكات الاجتماعية، والصفحات الجماعية، وغيرها. ولكل فضاء منها بنيته الخاصة، ومعاييره، وخطاباته وانشغالاته الهِوَايَتية، والسياسية، والثقافية ولغته، وتتشكَّل فيها وعبرها هوية الفرد والجماعات.

وهذا يعني أن الميديا الاجتماعية، أي هذه الفضاءات المختلفة وغير المتجانسة في المنطقة العربية، لم تتمكن من تشكيل مجال عمومي بالمنظور الهابرماسي والذي تشكَّل في القرن 18 في أحضان المقاهي والمنتديات الثقافية باعتبارها فضاءات عمومية.

فعلًا، إن الخدمات التي تقدمها الميديا الاجتماعية تخضع للمنطق الاقتصادي الربحي إلا أن هذا لا يشكِّل عائقًا أساسيًّا يحول دون تحول الميديا إلى مجال عمومي؛ فالمجال العمومي البرجوازي تشكَّل في رحاب المقاهي ذات الطابع التجاري/الربحي في القرن 18. حقيقة، إن الكثير من مواقع الميديا الاجتماعية ترفدها الإعلانات التجارية، وإن بعض المنتديات الإلكترونية والمدونات الإلكترونية أصبحت تابعة لإستراتيجية بعض القنوات التليفزيونية والصحف لكن هذه الحقيقة لا تسمح بإسقاط النظرة التشاؤمية لوسائل الإعلام الكلاسيكية وتعميمها على الميديا الاجتماعية في المنطقة العربية؛ فإن أسهمت هذه الميديا في تجلي أعراض أمراض الاتصال السياسي، فمن المستبعد أن تكون مسببتها.

ABOUT THE AUTHOR

References

* يستخدم الباحث صفة العمومي (Public) بدل العام (General)، للتّمييز بينهما؛ فــــ(Public) يعني المشترك؛ الذي يتقاسمه الجميع، أي إنه لعامة الناس، بينما يدل (General) على الكل، وعلى الشمول.

 (1) انظر على سبيل المثال:

- Luke O'Sullivan, "The Critique of Videology: Games and the Digital Transformation of the Public Sphere," in The Digital Transformation of the Public Sphere: Conflict, Migration, Crisis and Culture in Digital Networks, eds. Athina Karatzogianni et al., (Palgrave Macmillan, 2016), 108.

- Zizi Papacharissi, A Private Sphere: Democracy in a Digital Age, (Cambridge: Polity Press, 2010), 112.  

(2) Alain Girod, Les mutations de l'espace public et la construction médiatique de l'opinion publique, (France: Thèse de doctorat, Université Lumière Lyon, 2000), 37.

(3) انظر على سبيل المثال:

Jodi Dean, "Why the Net is not a Public Sphere?," Constellations, Vol. 10, No, 1, (2003): 95-112.

(4) انظر على سبيل المثال:

- Axel Bruns, Tim Highfield, "Is Habermas in Twitter, Social Media and the Public Sphere," in The Routledge Companion to Social Media and Politics, eds. Axel Bruns ET al., (Taylor & Francis, 2016), 56-7.  

- Khaled Mejri, "Facebook, quel espace publique?," in Facebook en Tunisie: Faiseur de politique ou espace public? (Tunis: ATEP, Konrad Adenauer Stiftung, 21 Mai 2017), 27-34.

- Brett Bergie, Jaigris Hodson, "The Twitter Citizen: Problematizing Traditional Media Dominance in an Online Political Discussion," in Hashtag Publics: The Power and Politics of Discursive Networks (Digital Formation), ed. Nathan Rambukkana, (Peter Lang, 2015), 255-266.

- Stephanie Edgerly et al., "YouTube as a Public Sphere: The Proposition 8 debate," conference: Internet Researchers, Milwaukee, (October 8-10, 2009), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/40wFKJz.

(5) انظر على سبيل المثال:

- سارة محمود عبد اللطيف، منصة التواصل الاجتماعي تويتر والنخبة السياسية في مصر (رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة عين شمس، كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، 2018). 

- هواري حمزة، "مواقع التواصل الاجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي"، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية (جامعة قاصدي مرباح، الجزائر، العدد 20، سبتمبر/أيلول 2015)، ص 221-232.

- ديل محمد عفيفي، القضايا الاقتصادية كما تعكسها الصحافة المصرية في مرحلة ما بعد 25 يناير (رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة عين شمس، كلية البنات للآداب والعلوم والتربية، 2017).

- شيرين محمد كداوني، استخدام الشباب للشبكات الاجتماعية على الإنترنت وعلاقته بالتحول الديمقراطي في مصر (أطروحة دكتوراه في الإعلام، جامعة أسيوط، كلية الآداب، 2015).   

- Mark Lynch, “Blogging the New Arab Public,” March 12, 2007, Arab Media & Society, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/2yiW0To. 

(6) انظر على سبيل المثال:

- جوهر الجموسي، الافتراضي والثورة: مكانة الإنترنت في نشأة مجتمع مدني عربي، (الدوحة، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 2006)، ص 201.

- كريمة بومدين، "مواقع التواصل الاجتماعي: فضاء عمومي افتراضي وانعكاس قيم"، المجلة الدولية للاتصال الاجتماعي (جامعة مستغانم، الجزائر، المجلد 6، العدد 1، 2019)، ص 35-48.

- Marc Lynch, "Beyond the Arab Street: Iraq and the Arab Public Sphere," Politics & Society, Vo.  31, No. 1, (March 2003): 55-91.  

(7) نقلًا عن:

Richard Butsch, Media and public spheres (Palgrave Macmillan, 2007), 5.

(8) يمكن الاطلاع على الاختلاف في استعمال موقع فيسبوك على سبيل المثال بين الشباب المصري والمغربي من جهة، والسعودي من جهة أخرى، انظر:

Safa’a AbuJarour, Investigating the Use of Facebook by Arab People: An Empirical Approach (A thesis submitted for the degree of (M.Sc.) Humboldt-Universtitat zu Berlin, 2012).

(9) Henry Jenkins, Convergence Culture: Where Old and New Media Collide, (New York: New York University Press, 2008), 1-2.

(10) نصر الدين لعياضي، "مناهج البحث في علوم الإعلام والاتصال في السياق الرقمي: خلاف واختلاف"، مجلة لباب للدراسات الإستراتيجية والإعلامية (مركز الجزيرة للدراسات، قطر، العدد 14، مايو/أيار2022)، ص 13-62.

(11) إدريس علي، مدخل إلى مناهج البحث العلمي لكتابة الرسائل الجامعية، (ليبيا، الدار العربية للكتاب، 1985)، ص 41.

(12) Antoine Dupin, Communiquer sur les réseaux sociaux, (Paris: Fyp éditions, 2010), 14.

(13) Nawel Chaouni, Etude de réception transnationale d’une série télevisée et ses effets sur l’attractivité touristique d’une region rurale (These de doctorat en Sciences de l’information et de la communication, Université Montpellier Paul Valéry, France, 2018).

(14) استخدم الفرنسيون مفهوم الفضاء العمومي في أطروحة هابرماس التي قدمها في 1962 بالصيغة التالية:

Jürgen Habermas, L’Espace public: Archéologie de la publicité comme dimension constitutive de la société bourgeoise, (Paris: éditions Payot, 1978).

بينما استخدم الناطقون باللغة الإنجليزية مفهوم المجال العمومي:

Jürgen Habermas, The structural Transformation of the Public Sphere: An Inquiry into a Category of Bourgeois Society, (Massachusetts: MIT Press, 1989).

ويتجلى هذا الاختلاف في لغة المصادر التي اقتبست منها التعريفات في الجدول الذي تضمنه هذا البحث.

(15) انظر:

- عزمي بشارة، طروحات عن النهضة المعاقة، (رام الله، المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية، 2003)، ص 113-121.

- خالد الحروب، الحريات العامة و"الحيز العام"، غربيًّا وعربيًّا، مجلة رمان الثقافية فلسطين، 4 يونيو/حزيران 2017، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2023)، https://bit.ly/3ZNuFTj.

(16) انظر: رشيد العلوي، الفضاء العمومي من هابرماس إلى نانسي فريزر، مؤسسة مؤمنون بلا حدود، 15 يناير/كانون الثاني 2022، (تاريخ الدخول: 15 يناير/كانون الثاني 2023)، https://bit.ly/2VwcbGy.

(17) انظر على سبيل المثال:

- ليديا صفوت إبراهيم بخيت، "المجال العام والفعل التواصلي عند هابرماس كأطر موجهة للبحوث"، مجلة البحوث الإعلامية (جامعة الأزهر، العدد 61، الجزء 4، أبريل/نيسان 2022)، ص 2365-2416.

(18) Visone, "Le problème de "la sphère publique" dans la pensée de Carl Schmitt,": 101-210.

(19) Thierry Paquot, L’espace public (la découverte, 2009), 9-11.

(20) France Aubin, "Entre espace(s) public(s) et sphère(s) publique(s): bilan des travaux francophones sur une notion," Canadian Journal of Communication, Vol. 39, No. 1, (2014): 1-23.

(21) Marshall Soules, "Jürgen Habermas and the Public Sphere," Media-Studies, 2007, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3M9bKir.

(22) نقلًا عن:

Cyrille Bodin, Espace public et champ scientifique, la publicisation des agents scientifiques sous l’emprise de l’idéologie de la vulgarisation (Thèse de doctorat d’université en sciences de l’information et de la communication, université de Grenoble, 2013).

(23) Pere Masip et al., "Active audiences and social discussion on the digital public sphere," El profesional de la información, Vol. 28, No. 2, (2019), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3JZGfos.

(24) نقلًا عن:

- Stuart Jeffries, Grand Hotel Abyss: The lives of the Frankfurt School, (New York: Verso, 2016), 322.

- Cyrille Bodin, Espace public et champ scientifique, la publicisation des agents scientifiques sous l’emprise de l’idéologie de la vulgarisation (Thèse de doctorat d’université en sciences de l’information et de la communication, université de Grenoble, 2013).

(25) Bourdieu Pierre, "L’opinion publique n’existe pas," Les temps modernes, No. 318, (Janvier 1973): 1292-1309.

(26) تطرق الباحث الفرنسي لويس كيري (Louis Quéré) لهذه الفكرة في 1992 من منظور إشكالية المجال العمومي في العلوم الاجتماعية، انظر:

Louis Quéré, "L'espace public: de la théorie politique à la métathéorie sociologique," Quaderni, No.18, (Automne, 1992): 75-92.

(27) Lincoln Dahlberg, "Computer-mediated Communication and the Public Sphere: A Critical Analysis, Journal of Computer-Mediated Communication, Vol .7, Issue 1, (October 2001), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/2QGu5qM.

(28) Jürgen Habermas, "Public Space and Political Public Sphere- The Biographical Roots of Two Motifs in my Thought," The Journal of philosophy of disability, Vol. 1, (2021): 105–115.

(29) Jürgen Habermas, L'Espace public: Archéologie de la publicité, 61.

(30) Leméteil Élisabeth, "Arendt (Hannah): Espace public, espace subversif," Publictionnaire, 2007, "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3Zw24BK.

(31) Nancy Fraser, "Repenser la sphère publique: une contribution à la critique de la démocratie telle qu’elle existe réellement," traduit de l’anglais par Muriel Valenta, Hermès 31, (2001): 127-156.

(32) Alexander Neumann, "L'espace public oppositionnel: lorsque l'oikos danse à l'agora," Cahiers Sens Public, No. 15-16, (2013): 55- 67.

- (Oikos) كلمة يونانية، يقصد بها مكان السكن، منزل.  

(33) Voirol Olivier, "Honneth (Axel): Espace public, lutte pour la reconnaissance, liberté sociale," Publictionnaire, (Décembre 2022), "accessed January 2023". https://bit.ly/40wk6Fi.

(34) Martin Breaugh, "À quoi ressemble l’espace public plébéien?," Cahiers Sens Public, Vol. 1, No. 15–16, (2013): 39–53.

(35) Mihai Coman, "Une approche symbolique de l'espace public", Colloque Bogues, Globalisme et pluralisme, Montréal, Avril 24-27, 2002.

(36) Eric Neveu, "Lire les " motifs" des espaces publics mosaïques," in Thomas Frinault et al., Nouvelle sociologie politique de la France, (Armand Colin, 2021), 229-240.

(37) Mike S. Schäfer, "Digital Public Sphere," in The International Encyclopedia of Political Communication, ed. Gianpietro Mazzoleni, (December 2015): 322-328.

(38) Yochai Benkler, The Wealth of Networks How Social Production Transforms Markets and Freedom, (Yale University Press, 2006): 220.

(39) Pere Masip et al., "Active audiences and social discussion on the digital public sphere," El profesional de la información, Vol. 28, No. 2, (2019), "accessed January 15, 2023". https://bit.ly/3JZGfos.

(40) Jorge Adriano Lubenow, "The Public Sphere 50 Years Later: Public Sphere and Mass Media in Jurgen Habermas," In honor of the 50 years of The Structural Transformation of the Public Sphere, Trans/Form/Ação, Marília, Vol. 35, No. 3, (2012):189-220.

(41) Fraser, "Repenser la sphère publique: une contribution à la critique de la démocratie telle qu’elle existe réellement,": 127-156.

(42) Nathaniel Poor, "Mechanisms of an Online Public Sphere: The Website Slashdot," Journal of computer -mediated communication, Vol. 10, issue 2, January 2005, "accessed January 16, 2023". https://bit.ly/40zAip4.

(43) Nicholas Garnham, "The media and the public sphere" in Habermas and the Public Sphere, ed. Craig Calhoun, (Cambridge, MIT Press, 1992), 371.

(44) Alexander Neumann, "Conceptualiser l’espace public oppositionnel," Revue Variations, Vol. 19, No. 26, (Avril 2016), "accessed January 16, 2023". https://bit.ly/3nrmHl1.

(45) Eric Dacheux, "Les trois dimensions de l’espace public," archivesic, 2016, "accessed January 16, 2023". https://bit.ly/3M8RVaZ.

(46) Quéré, "L'espace public: de la théorie politique à la métathéorie sociologique,": 75-92.

(47) Miège Bernard, "L’espace public: Au-delà de la sphère politique," Hermès, No. 17-18, (1995): 49-62.

(48) Bernard Miège, "L'espace public: perpétué, élargi et fragmenté" in L'espace public et l'emprise de la communication (sous la direction d'Isabelle Pailliart), (France: éditions Ellug, 1995), 168.

(49) Lynch, "Beyond the Arab Street,": 55-91.

(50) Muhammad Ayish, The New Arab Public Sphere, (Berlin: Frank & Timme, 2008), 13-14.

(51) Yeslam Al-Saggaf, "The Online Public Sphere in the Arab World: The War in Iraq on the Al Arabiya Website,"  Journal of Computer-Mediated Communication, No.12, (2006): 311–334.

(52) انظر على سبيل المثال:

- بخيت، "المجال العام والفعل التواصلي عند هابرماس كأطر موجهة للبحوث"، مرجع سابق.

- عبد اللطيف، "منصة التواصل الاجتماعي تويتر والنخبة السياسية في مصر"، مرجع سابق.

- هواري حمزة، مواقع التواصل الاجتماعي وإشكالية الفضاء العمومي، مجلة العلوم الإنسانية والاجتماعية (جامعة قاصدي مرباح، الجزائر العدد 20، سبتمبر/أيلول 2015)، ص 221-232.

- عفيفي، "القضايا الاقتصادية كما تعكسها الصحافة المصرية في مرحلة ما بعد 25 يناير"، مرجع سابق.

- كداوني، "استخدام الشباب للشبكات الاجتماعية على الإنترنت وعلاقته بالتحول الديمقراطي في مصر"، مرجع سابق.

(53) Ratiba Hadj-Moussa, "Sur un concept contesté: la sphère publique arabe est-elle soluble dans les médias?," Anthropologie et sociétés, Vol. 36, No. 1-2, (2012): 161-180.

(54) Daoud Djefafla, "Is There an Arab Public Sphere?," Revue des sciences de l’homme et de la société, No. 4, (Décembre 2012): 3-29.

(55) Sadok Hammami, "The Three Phases of Facebook: Social Networks and the Public Sphere in the Arab World: the Case of the Tunisian Revolution," in Media and Political Contestation in the Contemporary Arab World: A Decade of Change, eds. Lena Jayyusi, Anne Sofie Roald, (Palgrave Macmillan 2016), 37-38.

(56) Nada Al Bunni, Investigating the Online Public Sphere for the Arabic World, (A thesis submitted for the degree of Doctor of Philosophy University of Southampton, November 2020).

(57) Larbi Chouikha, Éric Gobe, "La Tunisie en 2012: Heurs et malheurs d’une transition qui n’en finit pas," L'Année du Maghreb, (IX 2013): 385-407.

(58) Dominique Wolton, "Les contradictions de la communication politique," Hermès, La Revue, Vol. 3-4, No. 17-18, (1995): 107-124.

(59) Oumar Kane, Khaled Zouari, "Le concept d’espace public à l’épreuve des terrains arabophones et subsahariens," Communication, Vol. 37, No. 2, (2020),"accessed January 17, 2023". https://bit.ly/3KoDpul.  

(60) Hammami, "The Three Phases of Facebook," 39.

(61) نصر الدين لعياضي، برامج تليفزيون الواقع وإرهاصات التحول في بنية الفضاء العمومي في الجزائر، مداخلة قدمت في مؤتمر "الإعلام العربي وأسئلة التغيير في زمن التحولات"، كلية الإعلام والتوثيق، بالتعاون مع دراسات إعلامية لبنانية، 5-7 مايو/أيار 2016.

(62) Seteney Shami, ed., Publics, Politics and Participation: Locating the Public Sphere in the Middle East and North Africa, (New York: Social Science Research Council, 2009).

(63) Samia Mihoub, “Le cyberactivisme à l’heure de la révolution, tunisienne", Archivio Antropologico Mediterraneo, Vol. 2, No. 13, (2011): 17-31.

(64) Martin Breaugh, "Que faire du désordre? L’expérience plébéienne au cœur de la logique démocratique," Tumultes, Vol. 1, No. 40, (2013): 164-179.

(65) آمال علي الهادفي، آليات تشكل الفضاء العمومي "البديل" في الجزائر: دراسة نقدية لخطاب النقد والاحتجاج في تفاعلات الجزائريين على مواقع الشبكات الاجتماعية، (أطروحة، جامعة الجزائر، كلية علوم الإعلام والاتصال، 2022).

(66) Hammami: "The Three Phases of Facebook," 37.

(67) انظر على سبيل المثال، توفيق مديني وآخرون: ربيع الثورات الديمقراطية العربية، الربيع العربي...إلى أين؟ أفق جديد للتغيير الديمقراطي، سلسلة كتب المستقبل العربي 63، (لبنان، مركز دراسات الوحدة العربية، 2011)، ص 59.

(68) مصطفى مجاهدي، "الشباب الجزائري والتعبئة السياسية عبر فضاءات الحوار الافتراضي في ظل موجة الاحتجاجات"، مجلة إنسانيات (الجزائر، العدد 55-56، 2012)، ص67-81.

(69) David Tindall, "Activists and Activism, Digital," in Encyclopedia of Social Media and Politics, ed. Kerric Harvey, (Sage Publications, 2014), 9.

(70) Mokhtar Elareshi, Barrie Gunter, Social Media in the Arab World: Communication and Public Opinion in the Gulf States, (I.B Tauris, 2016), 223-225.

(71) Reza Jamali, Social Media and Fundamental Change, (Chandos Publishing, 2015), 2.

(72) Ibid, 14.

(73) يمكن الإشارة إلى أن الغناء والموسيقى استُعملا أداة نضالية قبل أحداث الربيع العربي والحراك في الجزائر والمغرب، انظر:

- Nancy Demerdash, "Consuming Revolution: Ethics, Art, and Ambivalence in the Arab Spring," New Middle Eastern Studies, Vol. 2, (2012), "accessed January 17, 2023". https://bit.ly/3G8ybjS.

- الهادفي، آليات تشكل الفضاء العمومي "البديل" في الجزائر، مرجع سابق.

(74) Yochai Benkler, The Wealth of Networks: How Social Production Transforms Markets and Freedom, (New Haven: Yale University Press, 2006), 225.

(75) Aziz Douai, Hala Nofal, Commenting in the Online Arab Public Sphere: Debating the Swiss Minaret Ban and the “Ground Zero Mosque”, Journal of Computer-Mediated Communication, Vol. 17, No. 3, (April 2012): 266-282.

(76) Al-Saggaf, "The Online Public Sphere in the Arab World: The War in Iraq on the Al Arabiya Website,": 311–334.

(77) انظر:

Al-Saggaf, "The Online Public Sphere in the Arab World: The War in Iraq on the Al Arabiya Website,": 311–334.

(78) Nathaniel Poor, "Mechanisms of an Online Public Sphere: The Website Slashdot," Journal of Computer -Mediated Communication, Vol. 10, issue 2, January 2005, "accessed January 16, 2023". https://bit.ly/40zAip4.

(79) Lynch, "Beyond the Arab Street,": 55-91.

(80) تقرير التنمية الإنسانية العربية للعام 2022، (نيويورك، برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، المكتب الإقليمي للدول العربية)، ص 88.

(81) انظر:

David Coulson, "Dynamics of Social Media, Politics and Public Policy in the Arab World," Global Media Journal, Vol. 12, No. 22, (2013): 1-20.

(82) Cécile Brasseur, Edien Bartels, "Arab Spring in Morocco: Social Media and the 20 February Movement," afrika focus, Vol. 27, No. 2, (2014): 9-22.

(83) Singer Jane, “User-generated visibility: Secondary gatekeeping in a shared media space,” New media & society, Vol. 16, No. 1, (2014): 55-73.

(84) نقلًا عن:

Saddok Hammami, "Coup de force, "coup d’Etat médiatique"? La disruption de la sphère publique après le 25 juillet," Revue Tunisienne de sciences politiques, No. 8, (SEM. 2, 2022): 55-76.

(85) Habermas, "Public Space and Political Public Sphere- The Biographical Roots of Two Motifs in my Thought,": 105–115.

(86) جريالـد برونـر، "من خلال منطق اقتصاد الانتباه: هل أطفأت التكنولوجيا الرقمية الأنوار؟"، مجلة الدوحة (قطر، العدد 180، نوفمبر/تشرين الثاني 2022)، ص 16-18.

(87) Christian Fuchs, "Social Media and the Public Sphere," TripleC, Vol. 12, No. 1, (2014): 57-101.

(88) Jeremy Kleidosty, "Polarization, Political," in Encyclopedia of Social Media and Politics, ed. Kerric Harvey, (Sage Publications, 2014), 951.

(89) Office québécois de la langue française, Grand dictionnaire terminologique, vitrinelinguistique, 2017, "accessed 15 January, 2023. https://bit.ly/3K3R6NV.

 (90) نصر الدين لعياضي، "الفضاء التدويني العربي وإستراتيجيات بناء الذات وسردها"، مجلة الباحث الإعلامي (جامعة بغداد، كلية الإعلام، العراق، العدد 18، 2013)، ص 73-93.

(91) Hammami: "The Three Phases of Facebook," op, cit.

(92) انظر على سبيل المثال إلى تفسير ذلك من خلال تحليل 2608 تغريدة لمدة ثلاثة أيام عن الإعلان عن ميزانية مقاطعة "ألبارتا" بكندا.

- Brett Bergie, Jaigris Hodson, "The Twitter Citizen: Problematizing Traditional Media Dominance in an Online Political Discussion," in Hashtag Publics: The Power and Politics of Discursive Networks (Digital Formation), ed. Nathan Rambukkana, (Peter Lang, 2015), 255-266.

(93) Michael Warner, Publics and Counterpublics, Public Culture, Vol. 14, No. 1, (Winter 2002): 49-90.

(94) Sarah Jurkiewicz, Blogging in Beirut: An Ethnography of a Digital Media Practice, (Bielefeld: transcript publishing, 2018), 294.

(95) ويصفها أيضًا بعبارة "الزحف الهادئ"، ويقصد به الممارسات البسيطة واليومية التي يقوم بها المهمشون والعاطلون عن العمل، والتي تميل إلى نقلهم إلى مرحلة النضال فيصبحوا منخرطين أكثر في الفعل الجمعي، وينظرون إلى أفعالهم وأنفسهم كأفعال سياسية عندما يواجهون أولئك الذين يهددون مكاسبهم.

- آصف بيات، الحياة سياسة، كيف يغير بسطاء الناس الشرق الأوسط، ترجمة أحمد زايد، (مصر، المجلس القومي للترجمة، 2014)، ص 125.

(96) Nathan Jurgenson, "Digital Dualism versus Augmented Reality," The society pages, February 24, 2011, "accessed 17 January 2023". https://bit.ly/3UhKf8B.

(97) يقال: أحمض القوم إذا أفاضوا فيما يؤنسهم من الحديث والكلام، وقد استعمل الباحث سعيد يقطين مصطلح "الإحماض الرقمي" في مقال له بالعنوان ذاته نشر بصحيفة "القدس العربي"، في 3 يناير/كانون الثاني 2017.

(98) اطلع على نماذج منها في أطروحة الهادفي "آليات تشكل الفضاء العمومي "البديل" في الجزائر"، مرجع سابق.

(99) Mark Deuze, "Media life," Media Culture Society, Vol. 33, No. 1, (2011): 137-148.

(100) Erik Neveu, Bastien François (dir.), Espaces publics mosaïques, Acteurs, arènes et rhétoriques des débats publics contemporains, (Presses universitaires de Rennes,1999), 13-58.