مقدمة
يندرج تيار الإسلام السياسي عمومًا ضمن الحركات السياسية "الشمولية(1)" التي تصدر عن أيديولوجيات تقوم على سرديات كبرى سواء كانت مرجعيتها دينية أو علمانية، وعلى رؤية تبشيرية تتبنى التغيير الجذري الشامل للواقع المتردي بما يشبه الانبعاث الجديد الذي يقطع بشكل كلي مع الواقع المراد تغييره. تهدف هذه الورقة إلى دراسة المراحل التي مر بها التيار الإسلامي في تونس من السرية إلى العلنية واكتساء الطابع الاحتجاجي قبل الثورة، والجواب على جملة من الأسئلة والفرضيات التي تتعلق بتشخيص تجربته بعد الثورة في خضم الانتقال الديمقراطي وتجربة الحكم، واستشراف مستقبله بعد "الانقلاب الدستوري" الذي نفذه رئيس السلطة التنفيذية، قيس سعيد، بتفعيل تأويل خاص للفصل 80 من دستور 2014، المتعلق بالإجراءات الاستثنائية(2).
ولتحقيق هذه الغاية استقرأت الورقة أربع وثائق تتصل بحركة النهضة وحراكها السياسي: اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر 2016 لحركة النهضة(3)، عريضة المائة قيادي نهضوي الموجهة لرئيس الحركة راشد الغنوشي(4)، الرد المنسوب لرئيس الحركة على العريضة(5)، نص استقالة عدد من قيادات النهضة(6). تشخص هذه الوثائق وضع الحركة الأم للتيار الإسلامي التونسي، والتي صيغت بعقل سياسي جماعي، في إطار حوار شارك فيه منظرو هذا التيار وأفضى إلى صياغة هذه الوثائق التي يمكن اعتمادها مدخلًا للتشخيص والفهم والاستشراف.
مكونات الإسلام السياسي التونسي
إذا اعتبرنا السياسة تدبيرًا للشأن العام في مختلف أبعاده المدنية "إدارة المدينة"، فإن دراسة الإسلام انطلاقًا من نصوصه المؤسِّسة، قرآنًا وسنَّة، تُظهر صعوبة الفصل بين الديني والدنيوي بما يجعل الحديث عن إسلام خال من السياسة بالإطلاق اجتزاءً واختزالًا للإسلام في البعد الروحي والتربوي. إلا أن المقصود من هذا الاصطلاح المستعمل، "الإسلام السياسي"، سواء في الإعلام أو الدراسات الأكاديمية، هو التيار الذي يؤمن بمرجعية الإسلام في إدارة الشأن العام ويوظف فهمه للدين لإعادة التمكين للإسلام أساسًا لسياسة الدولة والمجتمع وإصلاحهما، في سياق علماني ذهب أشواطًا وبتفاوت في الفصل بين إدارة الشأن العام والمرجع الديني. وقد اختار بعض الباحثين عبارة الإسلام الحركي(7) أو التدين الحركي(8) عوضًا عن الإسلام السياسي.
ويبدو أن التمييز بين إسلام سياسي وإسلام غير سياسي ناشئ عن وجود تيارات داخل الساحة الإسلامية، اختارت أن تقصر نشاطها على جانب من مكونات الإسلام، مثل الجانب الروحي لدى الصوفية، أو الجانب الدعوي لدى جماعة الدعوة والتبليغ، أو الجانب العلمي الفقهي لدى التيار السلفي العلمي، أو الجانب الفكري والثقافي لدى اليسار الإسلامي(9). لكن ذلك لم يكن نتاج تصور عقدي أو معرفي قائم على اعتبار أن الإسلام في جوهره دين روحاني منفصل عن حياة الناس وإدارة شؤونهم، بل هو مجرد تخصص أو تحديد أولويات ضمن وحدة التصور الإسلامي وشمولية الإسلام وإن دعا بعضهم لنبذ العمل السياسي والانشغال بالبعد التربوي أو الروحي أو العلمي أو الإيمان بأولوية الثقافي على السياسي.
لقد اعتبر عدد من الدراسات والتقارير هذا التوجه الذي اتخذ مسافة من الشأن السياسي العام، معبِّرًا عن "الإسلام الحقيقي"، بل راهن عدد من المنظمات الدولية والأنظمة السياسية على دعمه باعتباره بديلًا عن "الإسلام السياسي"، المتمثل في الحركات الإسلامية التي اتخذت من الإسلام مرجعًا للمعارضة السياسية الاحتجاجية، التي تبشر بعودة "حكم الإسلام" ودولته سبيلًا لتجاوز أزمة الدولة الحديثة.
ولعل أكثر التعريفات الموضوعية والإجرائية لمفهوم الإسلام السياسي ما عبَّر عنه أستاذ علم الاجتماع التونسي، عبد الباقي الهرماسي، بـ"الإسلام الاحتجاجي"(10)، الذي يقصد به الحركة الاحتجاجية التي تتخذ من الهوية عنوانًا احتجاجيًّا. وهي عند تأسيسها حركة ما قبل سياسية أو ما قبل حزبية، لا تقوم على برامج ورؤى للحكم وإصلاح الواقع المتردي، بل هي واقعة احتجاجية بمضمون أخلاقي سياسي تنشط في دائرة تطوير مناخ الحريات والدفاع عن الهوية دون مضمون سياسي تفصيلي متكامل، ولا برنامج للحكم. وهو نفس المعنى الوارد في اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر لحزب حركة النهضة 2016؛ حيث أشارت في توصيف نشأتها السياسية إلى "اعتماد السياسة كآلية احتجاج لا كآلية لحل المشكلات".
ولتشخيص الحالة الراهنة للإسلام السياسي في تونس واستشراف مستقبله، تراجع الورقة أهم مكوناته، وتركز على التيار الغالب والأساسي الذي كان له حضور وتأثير بارز في مجريات الأحداث قبل الثورة وبعدها، أي حركة النهضة. ويمكن تقسيم مكونات هذا التيار إلى مكونين:
المكون الأول عنفي: ممثلًا في التيار السلفي الجهادي بمختلف تعبيراته وروافده(11)، خاصة تنظيم "أنصار الشريعة"(12) الذي كان له دور بارز في أحداث ما بعد الثورة. فقد مكنته مناخات الثورة من جملة من المكاسب من قبيل إطلاق سراح مساجين قانون الإرهاب(13) الذين شكلوا نواته الأساسية، كما وفرت له فرصة الدعوة لأفكاره من خلال منابر "الجمعة" التي "استولى" عليها، والخيمات الدعوية في الفضاءات العامة، والقيام بالعمل الخيري على امتداد البلاد، واستقطاب الشباب لمشروعه الذي لم يسفر عن وجهه في البداية. فقيادات التنظيم ودعاته رفعوا شعار "تونس أرض دعوة لا أرض جهاد"(14)، ولكن لم يطل أمد "تونس أرض دعوة" زمنًا طويلًا؛ إذ سرعان ما تحولت تونس إلى أرض جهاد دشنه اغتيال شكري بلعيد، قيادي أحد الفصائل اليسارية التونسية، ومحمد البراهمي، قيادي فصيل عروبي تونسي، تلتهما سلسلة من الأعمال الإرهابية التي استهدفت الأمنيين والعسكريين والمدنيين، بشكل متزامن مع مبايعة "تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش). وتحولت بهذا وجهة أعضاء التنظيم إلى جبهات القتال لإسناد "دولة الخلافة" في سفر طوعي أو تسفير منظم أشبه بالهجرة الجماعية، إلى مناطق سيطرة "داعش" خاصة في سوريا والعراق. وبقيت منهم فلول بالجبال لاسيما جبل الشعانبي للقيام بأعمال "إرهابية" خاطفة، كان لها دور بارز في التشويش على مسار الانتقال الديمقراطي(15).
المكون الثاني سياسي سلمي: ينسحب عليه اسم الإسلام السياسي، جزء منه محدود التأثير مثل بعض الأحزاب ذات المرجعية السلفية الإصلاحية التي اضمحل حضورها بعد سنوات من تأسيسها، مثل حزب جبهة الإصلاح الذي تأسس سنة 2012. وجزء منه ذو حضور مناسباتي مشهدي بأطروحات تقليدية لا تؤمن بالديمقراطية ولا الانتخابات ولا الدستور ولا البرلمان، ويجسده حزب التحرير(16)، الذي بقي خارج سياق الأحداث التي شهدتها مرحلة الانتقال الديمقراطي. بالإضافة لأحزاب ذات مرجعية شيعية لا تخفي ولاءها لإيران على غرار حزب الوحدة الإسلامي الذي تأسس في يناير/كانون الثاني 2013(17). يبقى التيار الأبرز ضمن مكون الإسلام السياسي هو حزب حركة النهضة، الاتجاه الإسلامي سابقًا.
تحولات التيار الاحتجاجي
لفهم السياقات التي أحاطت بحزب حركة النهضة بعد الثورة واستشراف مستقبله، يمكن رصد أهم المحطات التاريخية التي طبعت مساره بخصوصيات صاحبته على امتداد المراحل التي مر بها(18). أهمها ثلاث مراحل كبرى: مرحلة التأسيس "السرية"، ومرحلة الانتقال إلى العلنية "الحركة الاحتجاجية"، ثم مرحلة الحكم بعد الثورة.
مرحلة التأسيس: هي مرحلة البناء العقائدي والتربوي للجماعة الإسلامية القائم على "الولاء والطاعة في المنشط والمكره"، وعلى خطاب مثالي ونزوع إلى التمايز عن المجتمع بحيث تصبح الجماعة بـ(أل) الاستغراق ضمير المنتسبين إليها، بما هي كيان تربوي اجتماعي سياسي دعوي يربط بين أفراده عقد "بيعة" وحلم استعادة مجد الإسلام وبناء دولته من جديد.
وقد كانت البداية في ستينات القرن الماضي حيث عُقد المؤتمر التأسيسي الأول في سرية، سنة 1979، ليثبت هوية الجماعة ذات المنحى الدعوي المسجدي القائم على الأنشطة الوعظية والتعليمية والتربوية والعمل السري، ضمن خلايا تبني شخصية المنتمين العقائدية والفكرية. وتقر اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر للحزب، المنعقد سنة 2016، أن حضور أدبيات حركة الإصلاح التونسي برافديها، الزيتوني والحداثي، كان ضعيفًا جدًّا في خطاب الجيل المؤسس للحركة الإسلامية، وأثرها غير ظاهر في أدبياتها وفي المضامين التربوية التي اعتمدتها في بداياتها والتي كانت مأخوذة أو مستلهَمة في الغالب من أدبيات ذات منحى مشرقي "إخواني". وأرجعت اللائحة ذلك إلى الانقطاع الذي حصل للحركة الإصلاحية التونسية بسبب ما تعرضت له من تهميش في زمن الرئيس الحبيب بورقيبة. ويمكن أن يُنَزَّل هذا التهميش في سياق الصراع مع التيار الزيتوني الذي كان في أغلبه منحازًا للزعيم صالح بن يوسف(19) في إطار خلافه مع الزعيم الحبيب بورقيبة حول اتفاقية الاستقلال الداخلي لسنة 1954.
التأسيس العلني: من السرية إلى العلنية: لم يكن التأسيس العلني خيارًا طوعيًّا وقع التهيؤ له، بل أُكرهت عليه الجماعة عقب الانكشاف الأول، 5 ديسمبر/كانون الأول 1980، الذي شمل جملة من الوثائق المتعلقة بالتنظيم السري، عثرت عليها السلطات الأمنية مصادفة ما دفع أو عجَّل بالإعلان عن التأسيس العلني للحركة في ندوة صحفية بتاريخ 6 يونيو/حزيران 1981، تحت اسم حركة الاتجاه الإسلامي.
يشير هذا المعطى إلى أن العلنية لم تكن نتاج تطور من داخل الجماعة، بل أُلجئت إليه الجماعة قسرًا للتوقي والحماية، وستبرز أسبقية الممارسة على التنظير في محطات لاحقة من تاريخ الحركة. لقد أسهم هذا الانتقال بالنزول إلى أرض الواقع والانخراط في معترك الفعل السياسي في تعديل التصور المثالي والاختزالي عن قضايا الشأن العام، بعد مرحلة اتسمت بغلبة الطابع الدعوي التربوي والحل الأخلاقي لقضايا الواقع مع نزعة إحيائية تستحضر سير الأولين، وتستثمر ما اصطلح على تسميته بأدبيات الصحوة الإسلامية.
يمكن اعتبار هذا الانتقال من أهم المراحل التي مرت بها حركة الاتجاه الإسلامي في علاقتها بالواقع الاجتماعي والسياسي؛ حيث بدأ التحول من مجرد حركة دعوية تربوية إلى حزب سياسي شمولي في فهمه للإسلام، كما وقع التعبير عن ذلك في نص البيان التأسيسي بتاريخ 6 يونيو/حزيران 1981، الذي جمع بين الدعوي والسياسي والثقافي والاجتماعي الخيري.
شهدت هذه الفترة محاولة التطبيع مع مقتضيات العمل السياسي العلني الذي أُلجِئت إليه الحركة بمقتضى الانكشاف الذي حدث وسرَّع في المرور من السرية إلى العلنية. فتزايد الحضور الإعلامي والسياسي للحركة وتطور تشكلها التنظيمي وتوسعها الشعبي وامتدادها في الجامعة واحتكاكها بالتيار اليساري وخطابه السياسي وأدبياته، خاصة المسألة الاجتماعية.
النزعة الاحتجاجية أو "الإسلام" الاحتجاجي: كان الغالب على التيار الإسلامي في هذه المرحلة النزعة الاحتجاجية بعناوين دينية دون مضامين وبرامج تجسد هذا الخيار، باستثناء ما أنتجه زعيم الحركة، راشد الغنوشي، من أفكار توائم بين الإسلام والديمقراطية وحقوق الإنسان، أعطت دفعًا لهذا التيار. لكن بقيت الحلول العملية دون ما يتطلبه الواقع من برامج ورؤى في المجال الاقتصادي والاجتماعي.
وقد تراوح أداء التيار الإسلامي في هذه المرحلة بين واجهتين:
- الاستقطاب والتأطير وتوظيف الموارد البشرية في المجال الدعوي والتربوي والثقافي والاجتماعي والسياسي والتنظيمي. وقد لامس هذا النشاط مختلف القطاعات والفئات ضمن رؤية شمولية قائمة على بناء مجتمعات موازية متمايزة عن عموم المجتمع.
- المواجهة مع النظام التي تجاوزت حدَّ المظاهرات والاحتجاجات السلمية إلى الانفلاتات العنفية والمراهنة على إحداث تغيير من داخل السلطة، من خلال توظيف الحضور في مؤسساتها التنفيذية، خاصة الجيش والأمن(20).
في هذا السياق كان الانكشاف الثاني الذي شمل الأرشيف المركزي للحزب سنة 1986، والذي فاقت خطورتُه انكشافَ 5 ديسمبر/كانون الأول 1980. فقد كشفت الوثائق المحجوزة حجم الامتداد التنظيمي والميداني الذي فاق تقديرات السلطات الأمنية والسياسية وصنع مناخات المواجهة، وفتح الحركة على الخيار الأمني الذي استأنفته السلطة بعد انقلاب السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 1987 الذي نفذه الرئيس الأسبق، زين العابدين بن علي، رغم البداية التي وعد فيها بإرساء حكم ديمقراطي واحترام حقوق الإنسان. فسرعان ما شهد البلد حملات أمنية واسعة واعتقالات بالجملة ومحاكمات صورية أفضت إلى سجن نحو ثلاثين ألفًا من أبناء التيار وأنصاره وتهجير الآلاف منهم تحت وطأة الترهيب، وموت العشرات تحت التعذيب ورصاص الأمن(21). مع موت الحياة السياسية والمدنية والتضييق على الحريات وانتهاك حقوق الإنسان وإطلاق يد العائلة الحاكمة في الحياة السياسية ومجال المال والأعمال، انطلقت، في السابع عشر من ديسمبر/كانون الأول 2010، انتفاضة شعبية انتهت بهروب الرئيس زين العابدين بن علي، يوم 14 يناير/كانون الثاني 2011.
ليس القصد من ذكر هذه التحولات التحقيب والاستعراض التاريخي، بل تشخيص الحالة التي أقبل بها هذا التيار على مرحلة ما بعد الثورة والاستعدادات التي واجه بها تحديات الانتقال الديمقراطي وتجربة الحكم وتفسير بعض أسباب ما آلت إليه الأوضاع في البلد.
تحديات ما بعد ثورات الربيع العربي
يمكن الوقوف على أبرز التحديات التي واجهت تيار الإسلام السياسي في معترك الانتقال الديمقراطي وتجربة الحكم بعد ثورات الربيع العربي:
التحدي التنظيمي: يتعلق بإدارة الشأن الداخلي التنظيمي لحزب وجد نفسه في خضم واقع جديد، نقله من حالة احتجاجية إلى قوة انتخابية يراهن عليها الناخب لتحسين أوضاعه الاجتماعية، فقد حصد الأغلبية في أول انتخابات بعد الثورة لاختيار تركيبة المجلس التأسيسي. كما يطرح هذا التحدي على جسم الحزب ضرورة التحول من كيان شمولي (شامل لمناحي الحياة الإسلامية) إلى حزب سياسي مدني عصري يستجيب لمتطلبات المرحلة الجديدة وقواعدها وتعاقداتها. من بين تلك المتطلبات عدم توظيف الشعور الديني في الاستحقاقات الانتخابية والدعاية السياسية في المساجد، والقطع مع انتظام الجماعة الدينية التي يربط بين أعضائها عقد بيعة وولاء؛ حيث الشورى مُعلمة لا ملزمة وصناعة القرار تخضع لتراتبية هرمية. من بينها أيضًا تجاوز الخلط بين شمولية الإسلام ومهام الحزب ذي المرجعية الإسلامية.
استجابة لهذا التحدي، اختارت النهضة تصورًا جديدًا للانتظام أطلقت عليه "التخصص السياسي الوظيفي"، وهو تطور يقتضي حسب لائحة "سبل إدارة المشروع" للمؤتمر العاشر للحركة(22)، "الخروج من حالة المراوحة بين الحزب والحركة الشاملة، إلى حالة حزب سياسي ديمقراطي ذي مرجعية إسلامية، وطني الانتماء"(23). يقتضي التخصص، بهذا المعنى، فك الارتباط التنظيمي بين مهام الحزب السياسية والمهام الدعوية والتربوية والثقافية والاجتماعية والخيرية، لتتحول الحركة/الحزب من إطار جامع إلى "إطار الحزب الذي يتفرغ فقط للعمل السياسي، ويعود لهيئات المجتمع المدني القيام على بقية الأبعاد والوظائف عن طريق مؤسسات متخصصة"(24). وبقيت المهام السياسية المحضة للعمل الحزبي، من قبيل تكوين الإطارات وتأهيلها للحكم وصياغة البرامج الملائمة لذلك. بهذا حسم التخصص الوظيفي العلاقة بين الحزب والحركة الشمولية، أو بين شمولية الإسلام وتخصص الأحزاب، مع بقاء بعض المسائل العالقة التي تهم الديمقراطية الداخلية والتي ستتسبب لاحقًا في جدل داخل الحزب.
التحدي السياسي: يتعلق بقضية شغلت عموم التيارات الإسلامية في المنطقة بعد "ثورات الربيع العربي" وطرحت سؤالًا مركزيًّا: هل يكون العمل السياسي في إطار موازين القوى الشعبية والأغلبية الانتخابية، أم في إطار العمل التشاركي والتوافقات بقطع النظر عن تمثيليتها الانتخابية المتأتية من الصندوق؟
الباعث على هذا السؤال ما واجهه التيار من رفض ومقاومة كشفت عن قوى لا تملك شرعية انتخابية لكنها فاعلة في صناعة الرأي العام والتعبئة والتأثير في القرار السياسي. وهذه القوى ممثلة في عدد من المنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والمؤسسات الإعلامية والنخب الفكرية والفعاليات الثقافية التي ليس للتيار الإسلامي رصيد معتبر فيها.
كما طرح في هذه المرحلة جدل الشرعية الانتخابية وشرعية الأداء والإنجاز أو ما أطلق عليه "الشرعية والمشروعية". وطرح سؤال مدى خضوع الشرعية للمشروعية كلما وقع تقييم أداء الحكومة؛ حيث لا تغني الشرعية الانتخابية عن الفشل الاقتصادي وعدم الاستجابة للوعود الانتخابية. في نفس هذا الإطار طرح السؤال: هل الصندوق فقط هو مصدر الشرعية أم تحتاج الشرعية الانتخابية إلى تعزيزها بشرعيات أوسع، مثل التوافقات والتحالفات وتقاسم السلطة والانفتاح على الكفاءات والخبرات من مختلف المشارب، أو التنازل عن الحكم لصالح خيارات أخرى، من قبيل حكومة تكنوقراط متوافق عليها، وقد وقع هذا في عدد من المناسبات؟
قبل عرض شكل تفاعل حركة النهضة مع هذا التحدي، تجدر الإشارة إلى أن وجود الإسلاميين في الحكم أو على تخومه، كان بمنزلة صدمة الحداثة السياسية للضمير الإسلامي الحركي الذي "بقي مشبعًا بخطاب عاطفي تبسيطي" لا يتمثل تعقيدات الواقع الاقتصادي والاجتماعي، وبنية الدولة ومكوناتها. فقد بقي الوجدان العام مشدودًا إلى "محنة التسعينات" ولم يشهد قطيعة نفسية وذهنية مع "ثقافة المحنة" مقابل استحقاقات المرحلة الجديدة التي تقتضي الانتقال من الحالة الاحتجاجية إلى حزب برامج. وهو ما أشارت إليه اللائحة التقييمية (للمؤتمر العاشر 2016) للحركة في إطار النقد الذاتي؛ حيث نصت على أن الثورة كانت حدثًا مباغتًا وأن الحركة لم تستعد لحدث بهذا الحجم. كما أشارت إلى أن عدم الجاهزية كان له أثر بالغ على المواقف والآراء على مستوى عدم وضوح الرؤية السياسية بعد الثورة مع غياب التقدير الفوري لما حدث(25).
في إطار التفاعل مع هذه التحديات السياسية المستجدة، توصل التيار الإسلامي في تونس إلى قناعة مفادها أن التأسيس الديمقراطي لا يمكن أن تضطلع به أغلبية أفرزها الصندوق مهما كانت نسبتها(26). فالتأسيس لا يكون إلا تعاقديًّا توافقيًّا، تشارك فيه مختلف مكونات المجموعة الوطنية، بما في ذلك الأقليات، سواء كانت محدودة التمثيل أو غير ممثلة في مؤسسات القرار التشريعي والسياسي. في هذا السياق يمكن استعراض جملة من الخيارات السياسية التي تجسد هذه القناعة:
- حوارات الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة (مارس/آذار 2011)، إلى جانب طيف واسع من مكونات المجتمع السياسي والمدني. وقد مهدت تلك الحوارات لانتخابات المجلس التأسيسي ورسمت أبرز قواعد المرحلة الانتقالية(27).
- القبول بمبدأ الشراكة في الحكم، سواء في مرحلة حكومة الترويكا (ديسمبر/كانون الأول 2012- يناير/كانون الثاني 2014)، أو ما تلاها من حكومات بعد انتخابات 2014 و2019.
- المشاركة في لجنة التوافقات التي تشكلت في صلب المجلس التأسيسي لحسم الخلافات المتعلقة بفصول الدستور الذي صادق عليه المجلس التأسيسي، في 26 يناير/كانون الثاني 2014، بأغلبية واسعة.
- المشاركة في الحوار الوطني (2014-2013)(28) تحت إشراف أربع منظمات وطنية (اتحاد الشغل، اتحاد الصناعة والتجارة، هيئة المحامين، رابطة حقوق الإنسان) في سياق انقسام سياسي حاد إثر اغتيال القياديين السياسيين، شكري بلعيد (فبراير/شباط 2013)، ومحمد البراهمي (يوليو/تموز 2013).
- القبول بمخرجات الحوار الوطني الذي أفضى إلى استئناف أشغال المجلس التأسيسي بعد مقاطعته من طرف عدد من نواب المعارضة، والمصادقة على الدستور بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2014 مقابل خروج النهضة من الحكومة(29)، وتعيين حكومة تكنوقراط بتاريخ 26 يناير/كانون الثاني 2014 خلفًا لحكومة علي لعريض المستقيلة(30).
- التوافق مع شق من التيار الدستوري الذي كان حاكمًا قبل الثورة من خلال ما سمي بـ"لقاء الشيخين"، راشد الغنوشي، رئيس النهضة، والباجي قائد السبسي، رئيس حزب نداء تونس، بتاريخ 15 أغسطس/آب 2013، بباريس، وأفضى إلى رفع مانع السن عن ترشح هذا الأخير للانتخابات الرئاسية، وإسقاط قانون العزل السياسي الذي كان يحول دون ترشح من شغلوا مناصب سياسية في النظام السابق لانتخابات البرلمان.
- إدماج مرشحين لا ينتمون لحركة النهضة في القائمات الانتخابية البلدية (2018) والتشريعية (2019). ومن المرشحين الذين أثير حولهم جدل، اليهودي سيمون سلامة، الذي اقترح لرئاسة قائمة المنستير للانتخابات البلدية وحالت أسباب قانونية تقنية دون ترشحه. وقد اعتبر البعض هذه الخطوة تطورًا في فكر النهضة بينما اعتبرها آخرون خطوة تسويقية لا غير.
لكن كل تلك الخطوات التي قطعتها حركة النهضة قوبلت من خصومها بالتشكيك والرفض ومزيد من الاستهداف والتعبئة المضادة. وقد ورد ما يشبه الاعتراف بهذا الخلل في سلوك أحد خصوم النهضة، فقد وقعت الإشارة -في معرض النقد الذاتي- ضمن لائحة التقييم والمراجعات للمؤتمر الثالث لحزب التيار الديمقراطي، المنعقد في أبريل/نيسان 2023، إلى عدم الاتعاظ من الأحداث المشابهة في التاريخ القريب، "استئصال التيار الإسلامي في مرحلة أولى ثم أتى الدور على البقية في بداية التسعينات"(31).
التحدي الفكري: ويتعلق بمدى تجاوز فقر الأدبيات التي يمكن أن تشكل خلفية نظرية لمشروع سياسي حديث وبرنامج للحكم، رغم أهمية ما ألَّف زعيم الحزب من أفكار تجديدية تصالح بين الإسلام والديمقراطية، ومنظومة المواطنة وحقوق الإنسان والحريات العامة، وما ألَّفه رموز تيار الصحوة الإسلامية من أدبيات أسهمت في تجديد الرؤية السياسية ضمن أفق مقاصدي يراعي الأولويات والتوازنات والمآلات.
لكن كل هذا الجهد لم ينتج رؤية متكاملة حول المسألة الاقتصادية والاجتماعية وقضايا التنمية.
وفي إطار التفاعل مع هذا التحدي، شهدت حركة النهضة مخاضات أفضت إلى مراجعات فكرية زعزعت الكيان التقليدي لعموم التيار الإسلامي. فقد شهدت جلسات المجلس التأسيسي تحت قبة البرلمان جدلًا حادًّا ونقاشات متوترة حول قضايا الهوية والحريات ونمط الدولة والمجتمع ومنوال التنمية، كان لها صدى في الإعلام والمجتمع المدني والفضاءات الجامعية وأوساط النخبة. كما بلغ صداها الجسم النهضوي من خلال ما عُقد من ندوات داخلية وجلسات حوارية حول القضايا المثارة. وقد أسهم في تلك الحوارات جامعيون من داخل الحركة ومن خارجها وتبلورت فيها جملة من الرؤى والأفكار حول حرية المعتقد وحرية الضمير ونبذ التكفير ومدنية الدولة وحقوق المرأة والمساواة بين الجنسين وغيرها من المسائل التي كانت مثار نقاش. حاول النهضويون في هذا السياق تأصيل مفاهيم ومسائل طارئة على الفكر الإسلامي وقع تضمينها في دستور 2014 بشكل توافقي أو تحت ضغط الجدل تحت قبة البرلمان ولما يتملكها بعد الجسم النهضوي القاعدي. لكنها ضُمِّنت لاحقًا في لوائح المؤتمر العاشر للحركة الذي انعقد في العام 2016 بعد أشواط أخرى من النقاش الداخلي.
ولعل أبرز ثمرات ذلك النقاش الاستعاضة عن الرؤية الفكرية القديمة المسماة "الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي"(32)، التي وقع إقرارها في مؤتمر الحركة عام 1986، برؤية فكرية جديدة خرجت عن الطابع العقائدي والأصولي الذي صيغت به سابقتها(33). ومن ثمراته كذلك اتخاذ خيار التخصص الذي يقتضي الفصل بين الدعوي والسياسي من خلال فك الارتباط التنظيمي والسياسي بينهما، بما ينهي النمط الشمولي القديم للجماعة الإسلامية نحو الانتظام السياسي العصري.
رغم كل محاولات التفاعل مع التحديات التي طرحها الانتقال الديمقراطي وتجربة الحكم، ورغم قاعدته الانتخابية الواسعة في بداية الثورة والجهد الذي بذله في المراجعات والنقد الذاتي وتطوير الرؤى والأفكار والأداء السياسي، لم يتمكن التيار الإسلامي التونسي من المحافظة على قاعدته الانتخابية التي تضاءلت تدريجيًّا بفعل أدائه السياسي المتقلب وتحالفاته المثيرة للجدل.
كما غلب الطابع الفكري والسياسي المحافظ على الخطاب والجسم العام رغم الأفكار الجديدة والاجتهادات الجريئة التي بقيت فردية ولم تتحول إلى ثقافة شائعة ووعي جامع لدى منظِّري هذا التيار. وبقي العديد من المواقف السياسية للحركة محكومًا بهاجس البقاء والخوف من استهداف وجودها، في ظل رفض داخلي من طرف خصومها، وإرادات خارجية لم تخف موقفها الرافض لتصدر الإسلاميين الحكم بل حتى المشاركة فيه. وتبقى المعضلة الأساسية والهيكلية للانتقال الديمقراطي وللحياة السياسية والمدنية في تونس، عدم التحمس لديمقراطية يتصدرها الإسلاميون أو يكونون فيها شركاء بكامل الحقوق والحظوظ وهي أزمة مزمنة سممت الحياة السياسية وخربت الديمقراطية التونسية ومهدت للانقلاب عليها.
ويمكن اعتبار المعضلة الأساسية لحركة النهضة أنها، في نظر خصومها، أكثر الأطراف استفادة من الثورة والانتقال الديمقراطي، بل استطاعت أن تتجاوز كل الأزمات التي أوقعت نفسها أو أُوقِعَت فيها وأن تخرج منها بأخف الأضرار. مقابل ذلك لم تضمن الديمقراطية لخصومها الانتشار والتصعيد الانتخابي الواسع للمؤسسة التشريعية ومؤسسات الحكم التي عملوا على تعطيلها وإجهاضها عوض مراجعة الخيارات السياسية والفكرية التي حالت بينهم وبين التصعيد الشعبي؛ ما أحدث شرخًا بين من لهم مصلحة في تواصل مسار الانتقال الديمقراطي ومن لا مصلحة لهم في ذلك، وكانوا على استعداد للتضحية بالديمقراطية مقابل إقصاء النهضة من المشهد.
النهضة في ضوء مراجعاتها
تعددت تقييمات حركة النهضة لتجربتها وأبرز هذه التقييمات كان سنة 1995 و2008. ويمكن اعتبار اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر للحزب سنة 2016 سقف ما وصلت إليه الحركة من مراجعات ونقد ذاتي. فقد اعتبرت هذه الوثيقة أن الأحزاب الجدية "هي التي تلتزم بمراجعة مسيرتها وتقييم حصائل إنجازاتها... وتدارك ما وقعت فيه بسبب قصورها أو تقصيرها من أخطاء"(34)، وعرضت فيها جملة من المسائل في إطار النقد الذاتي يمكن أن تفسر الإكراهات التي واجهتها ومواطن الخلل والقصور التي رافقت وجودها في الحكم سواء في السلطة التنفيذية أو التشريعية، وأثرت في أدائها السياسي وأسهمت في عزلتها والانقلاب عليها وعلى الانتقال الديمقراطي. ومن أبرز المواطن التي وقع التنصيص عليها بحسب تحقيب الوثيقة نفسها:
أ- ما قبل الثورة
- ضعف حضور أدبيات حركة الإصلاح الوطني في خطاب الجيل المؤسس، وأثرها غير الظاهر في الأدبيات والمضامين التربوية التي كانت مأخوذة أو مستلهمة في الغالب من الأدبيات المشرقية. والمقصود بها المرجعية الإخوانية التي كانت حاضرة وكانت محل انتقاد ووصم من طرف الخصوم واتهام "بالأخونة"(35)، فضلًا عما طبعت به التجربة التونسية من خصوصيات لا تنسجم مع السياق المحلي.
- عدم امتلاك الحركة عقلًا تخطيطيًّا كليًّا لافتقاد أكثر قياداتها إلى تجربة سابقة في مجال الإدارة والحكم والتكوين التخصصي في مجال العلوم الاجتماعية والسياسية، بما يخولها تعقل سنن التغيير وقوانين الاجتماع البشري فتراكمت أخطاؤها(36).
- ضعف الحضور داخل النخب الفكرية والمدنية، وعدم تقدير الأوضاع الإقليمية، والمقصود الأحداث التي شهدتها الجزائر إثر إيقاف المسار الديمقراطي وما تلاه من احتراب أهلي ألقى بظلاله على تونس.
- اعتماد السياسة آلية احتجاج لا آلية لحل المشاكل واستثمار الفرص وتوسيع دائرة الأصدقاء وتحييد الخصوم.
- عدم التناسب بين جسم الحركة ورأسها، في إشارة إلى توسع قاعدة الحركة وأنصارها مقابل قصور النخبة القيادية، وافتقادها للعقل الإستراتيجي القادر على التوجيه والاستشراف وضعف المؤسسات التي لم تجار تطورات الواقع وحاجاته وتحدياته.
- سوء تقدير الإمكانات الذاتية وقوة السلطة القائمة والغفلة عن دور القوى الإقليمية والدولية وتأثيرها في المعادلة التي تحكم الأوضاع الداخلية بالبلاد(37).
- سوء تقدير حجم المشاركة في الانتخابات التشريعية سنة 1989 والانزياح نحو مشاركة أوسع دون تقدير العواقب السياسية ومدى ملاءمة ذلك لسياسة الترفق التي اختارتها الحركة للتعامل مع الواقع.
- ضعف الوعي بالتحولات التي حصلت في البلاد بما يقتضي تحيين الخطط والأهداف والوسائل.
- بطء نمو الحركة المضموني وافتقاد البرامج التي تقدم حلولًا عملية لمشاكل البلاد، فلم يكن لديها وضوح كاف في أغلب قضايا الحكم والاقتصاد والسياسات الوطنية والدولية.
- عدم وجود مرجعية إستراتيجية ورؤية فكرية شاملة تغطي أهم القضايا المطروحة على الساحة، وافتقار الحركة إلى نخبة من الخبراء والمتخصصين في مختلف المجالات.
- العزوف عن الاندماج في المجتمع بما أسهم في تغذية ظاهرة الانعزال والعزوف عن منهج الاندماج الطبيعي في المجتمع وتثمين أرصدته الإيجابية(38).
- عدم السعي للوصول إلى النخب والتواصل معهم. فبحسب ما ورد في نص اللائحة التقييمية، لا يزال وعي الحركة ضعيفًا بأهمية النخب الماسكة بعملية التوجيه في البلاد، وحجم تأثيرها في القرار داخل السلطة، وبدورها الخطير في تشكيل الوعي العام(39).
- عدم توصل العقل التنظيمي إلى وضع تصور للعلاقة بين القيادة التنفيذية، ومجلس الشوري الذي بقي رغم سلطته العليا فاقدًا لزمام المبادرة؛ ما جعل قرارات الحركة تتسم بالارتباك والتردد مقابل النزعة المفرطة نحو مركزة القرار وتوجيهه والتحكم فيه(40).
يبقى أهم موطن قصور ركزت عليه اللائحة في تشخيص وضع الحركة ما قبل الثورة، هو ضعف التخطيط الإستراتيجي الذي خصصت له فقرة في اللائحة؛ حيث وقع التنصيص على القصور في تفعيل مهمة البحث والاستشراف ووضع الخطط الإستراتيجية. وقد كشفت تجربة الحركة عن ضعف كبير في التخطيط الإستراتيجي، برز من خلال التقصير في تكوين مراكز بحثية متخصصة تنجز الدراسات والخطط التي بقيت في غالبها تستند إلى تقديرات غير ملائمة للواقع، غلبت عليها ردة الفعل ومجاراة الأحداث والتعامل معها حالة بحالة في غياب التقدير الاستشرافي بعيد المدى(41).
يؤكد هذا التشخيص الوارد في اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر للحركة أنها دخلت معترك الانتقال الديمقراطي واستحقاقات ما بعد الثورة، بمنطق التجربة والخطأ والممارسة التي تسبق التنظير. وقد بقيت آثار ذلك وتبعاته ماثلة ومؤثرة في سلوكها السياسي رغم الجهد المبذول لتجاوزها، خاصة مع الانفتاح على تحديات الحكم في ظل السياقات التي لم تتغير بشكل جذري مع حدث الثورة.
ب- ما بعد الثورة
خصصت اللائحة التقييمية قسمًا مهمًّا لتقييم تجربة النهضة في الحكم بعد الثورة إلى حدود انعقاد مؤتمرها العاشر في مايو/أيار 2016. ومن أهم ما ورد في هذا القسم، أن حدث الثورة كان مباغتًا للحركة التي لم تكن على أتم الاستعداد لحدث بهذا الحجم؛ حيث سيكون لعدم الجاهزية كما وقع التنصيص عليه في اللائحة، الأثر البالغ على مواقفها وأدائها. وقد بدت الحركة من خلال ما ورد في تقييمها لبداية هذه المرحلة على وعي بأخطاء الماضي. لذلك نزعت إلى اختيار نهج المشاركة عوض الانفراد بتصدر المشهد بما يمكن أن يؤدي إليه ذلك من عزلة عانت منها في السابق وأدت إلى الشحن ضدها ومحاولات استئصالها.
وأهم ما سجلته اللائحة حول تشخيص الوضع الذي دخلت به الحركة، مرحلة الانتقال الديمقراطي إضافة إلى حصيلة ما قبل الثورة، هو الحذر الذي توخته جرَّاء عدم وضوح الرؤية السياسية، وغياب التقدير الفوري لطبيعة ما حدث: هل كان ثورة جذرية تقتضي تأسيسًا جديدًا أم مجرد انتفاضة أطاحت فقط برأس النظام ولا يرجى من ورائها سوى بعض الإصلاحات؟ أضف إلى ذلك الخشية على وجودها من القوى المؤثرة وطنيًّا وإقليميًّا ودوليًّا، فضلًا عن هشاشة المنتظم السياسي والمدني المحلي بعد عقود الاستبداد؛ حيث كانت الحركة في بداية الثورة كما ورد في توصيفها لذاتها "أقوى الضعفاء"(42).
ج- ومن أهم ما ورد في تقييم تجربة انتخابات المجلس التأسيسي في اللائحة:
- عدم الالتزام بالترشيح على أساس الكفاءة مقابل الترشيح باعتبار العلاقات الشخصية والتنظيمية.
- دخول الانتخابات بعقلية التنظيم، لا بعقلية الدولة من خلال تصدر القيادات التنظيمية القوائم الانتخابية التي كانت مشكَّلة بالكلية من أعضاء التنظيم بما انعكس لاحقًا بالسلب على الأداء الحكومي والبرلماني.
- الإسراف في الوعود الانتخابية دون استحضار إكراهات الواقع واستشراف الصعوبات المنتظرة.
وتخلص هذه الفقرة التقييمية إلى أن الأثر السلبي لذلك الاندفاع الانتخابي ظهر بعد الانتخابات، عندما اصطدمت تجربة الحركة بواقع الدولة التي أنهكها الفساد والاستبداد في ظل محدودية الموارد مقابل المطلبية النشطة التي لا تراعي أوضاع البلاد الاقتصادية، والتعطيل الإداري(43).
وبخصوص تجربتها في الحكم إلى حدود 2016، تتعرض اللائحة التقييمية إلى جملة من النقاط، أبرزها:
- غياب المبادرة والتردد في اتخاذ القرارات، وهو ما طبع جزءًا من أدائها السياسي خاصة المتعلق بالتحركات الاحتجاجية وملفات الفساد الحارقة.
- التراجع السياسي المتواصل مقابل النجاح الميداني انتخابيًّا وشعبيًّا؛ حيث بقيت النهضة في صدارة المشهد الانتخابي مقابل ما شهدته من محاصرة سياسية أربكت أداءها.
- مجاراة النسق اليومي ومستجداته بما استنزف الجهد والوقت وفاقم الأزمات، فتضخمت المطلبية الاجتماعية والمستجدات الأمنية مع "الخطر الإرهابي" والتجاذبات السياسية، على حساب الملفات الإستراتيجية من قبيل التنمية وتطوير القطاعات المنتجة والاستثمار.
- ثقل تركة الماضي وتعقيدات الوضع السياسي والأمني والاقتصادي وموازين القوى والمزاج الشعبي، كانت معطيات ضاغطة على الأداء السياسي والحكومي. فلم يكن للحكومات التي ترأَّستها النهضة متنفس للتركيز على الشأن الاقتصادي والاجتماعي في ظل الأزمات السياسية المتعاقبة، وما تسببت فيه "العمليات الإرهابية" من إرباك وإضعاف لهذه الحكومات.
- تأثير الانقلاب في مصر على قوى الثورة في تونس؛ حيث وجه لها ضربة معنوية وسياسية وغذَّى المطامع "الانقلابية" لدى قوى "الثورة المضادة".
- النقص الفادح في النخب التي تنتصر لمشروع الحركة بما أفقدها القوة الناعمة التي كانت منحازة في الصف المقابل، وأسهمت في إشاعة مزاج معاد للحركة وإطلاق أحكام سلبية حولها، وتأليب عموم المواطنين وتعبئتهم لمواجهتها.
- عدم تمثل الحركة لطبيعة المرحلة التأسيسية التي لا تحتمل التشكل على قاعدة سلطة معارضة، لذلك لم تجتهد بما يكفي لإنضاج شروط حكومة وحدة وطنية يشارك فيها أوسع قدر ممكن من الفاعلين بما جعل خصومها يتمترسون في المعارضة لتتوسع دائرة عزلتها.
وقد شخصت لائحة "سبل إدارة المشروع" للمؤتمر العاشر أمرًا لافتًا حيث أقرت أن الإسلاميين اكتشفوا بعد الثورة "مفارقة بين قوة حضورهم الشعبي وضعف تأثيرهم في آليات صناعة الرأي العام، والقدرة على ممارسة الحكم بشكل فعلي"(44).
إن الوقوف على مواطن القصور والخلل التي أشارت إليها اللائحة التقييمية يفسر ما آلت إليه الحركة من أزمة في علاقة بالمنتظم السياسي والمدني وبشؤون الحكم وما آل إليه الوضع قبيل 25 يوليو/تموز 2021 من شلل في العمل البرلماني والحكومي؛ فقد كان ذلك "مسوغًا" للإقدام على تفعيل الفصل 80 من الدستور من طرف رئيس الدولة، قيس سعيد، وإيقاف مسار الانتقال الديمقراطي.
عريضة المئة: الزعامة أم المؤسسة؟
رغم كل ما واجهته من تحديات تبقى أزمة الديمقراطية الداخلية إحدى أهم المعضلات التي واجهت حركة النهضة وهي تخوض تدافعاتها السياسية مع خصومها ومع الإعلام والنخب العلمانية ومع الدولة العميقة. لقد أفضى ذلك إلى استقالات متواترة ووازنة أسهمت في إرباك التنظيم وزعزعة كيانه وإضعاف جاهزيته لمواجهة تحديات المرحلة. وتعتبر قضية الديمقراطية الداخلية في صلب جدل الانتقال من ثقافة الانتظام التقليدي القائم على الزعامة والمركزة إلى نموذج الانتظام الحزبي المدني العصري.
ويمكن اعتبار نص العريضة التي وقَّع عليها مئة قيادي أعضاء في مجلس شورى النهضة وثيقة مهمة من وثائق النقد الداخلي تنضاف إلى اللائحة التقييمية. وقد طالبت العريضة باحترام الفصل 31 من القانون الأساسي للحركة الذي ينص على التداول القيادي، قبل أن يستقيل لاحقًا جزء من الموقعين عليها ويشكلوا حزبًا سياسيًّا تحت اسم "حزب العمل والإنجاز". يمكن كذلك اعتبار نص الاستقالة وما تضمنته من انتقادات في نفس ذلك السياق. كما يمكن اعتبار الرد عليها، المنسوب لرئيس الحزب، مشاركة في ذلك الجدل الذي وصل صداه خارج تونس وكان تعبيرًا عن تدافع بين تيارين داخل الحزب:
الأول: تيار يتمسك بالزعامة التاريخية التي يختص بها رئيس الحزب باعتبارها رصيدًا سياسيًّا ورأسمال رمزيًّا يتجاوز المعايير الديمقراطية والوظائف المؤسساتية والتعاقدات القانونية التي وقع إقرارها في المؤتمر العاشر، مجسدة في الفصل 31 من القانون الأساسي الذي يحدد الترشح لرئاسة الحزب بدورتين. ورفع هذا التيار شعار "المؤتمر سيد نفسه" بما يعني ضمنًا إمكانية تعديل الفصل 31 ليفتح باب الترشح من جديد لرئيس الحزب رغم تصريحاته المتكررة، بعدم الترشح مع ترك الباب مواربًا أمام خيار تجديد الترشح.
الثاني: تيار عرف بالإصلاحي تمثله نخبة من القيادات المركزية والجهوية من الجيل الثاني والثالث للحزب، تتمسك بضرورة التجديد القيادي والتداول على المهام والخطط الحزبية بما في ذلك رئاسة الحركة. يقوم طرح هذا التيار على ضرورة إصلاح إدارة الحزب لتصبح أقل مركزية وأكثر انفتاحًا على أجيال المناضلين خاصة من الشباب والنساء.
قامت عريضة المئة على فكرة أساسية مفادها عدم الفصل بين نجاح المسار الديمقراطي في الساحة الوطنية، ونجاح البناء الديمقراطي داخل الحزب باعتباره شرطًا لحسن إدارة النهضويين لتحديات الشأن العام. ومن أبرز ما ورد في عريضة المئة:
- التحذير مما تشهده الحركة من تراجع على مستوى القاعدة الانتخابية وعلى المستوى السياسي، ومن المؤشرات التي تنذر بالخطر الذي يتهدد تماسك الحركة ووحدتها وقيمتي الحرية والديمقراطية صلبها.
- الإشارة إلى ما تشهده الحركة من شلل في عمل المؤسسات والهياكل المحلية والجهوية والمركزية واستنزاف الأرصدة القيادية عبر الانسحابات المتكررة.
- الدعوة لأن يكون المؤتمر الحادي عشر مجسدًا لما وقع إقراره في المؤتمر العاشر من تداول قيادي.
وخصصت العريضة عشر نقاط لتعداد فضائل التداول، وعشر نقاط أخرى لتعداد مخاطر التمديد من خلال تغيير الفصل 31 من القانون الأساسي للحزب بذريعة "أن المؤتمر سيد نفسه". وفي ختام العريضة طالب الموقعون عليها، رئيس حركة النهضة بالإعلان الصريح عن عدم ترشحه واحترام الفصل 31.
جدل العريضة: أثارت العريضة نقاشًا داخليًّا كان له صدى في الإعلام والجدل السياسي والفكري في تونس(45) وخارجها(46). ومما غذى هذا الجدل رسالة الرد المنسوبة لرئيس الحركة، التي تقوم على فكرة مركزية مفادها أن سنة التداول التي تقوم عليها الرئاسة في الدول الديمقراطية لا تسري على قيادات الأحزاب والحركات السياسية، على اعتبار أن الزعماء في الأحزاب الديمقراطية استثناء من القاعدة "لقدرتهم على الصمود في مواجهة عوامل التهرئة العنصر الفاعل في التداول".
واعتبرت الرسالة أن الزعماء "جلودهم خشنة يتحملون الصدمات ويستوعبون تقلبات الزمن ويقاومون عوامل التهرئة" في إشارة إلى أن وجودَ الزعماء رصيد لحركاتهم ولا ينطبق عليهم مبدأ التداول، معتبرة أن فرض التداول شرط إقصائي مسبق لا ديمقراطي يصادر إرادة المؤتمرين ويحقق ما عجز عنه أصحاب العريضة من استبعاد رئيس الحركة في المؤتمر العاشر.
وقد ألقى هذا الجدل بظلاله على وضع الحركة سواء في إدارتها لشؤون الحكم أو البرلمان أو إدارتها داخل الحزب؛ حيث أفضى إلى استقالة جماعية لأكثر من مئة قيادي، بتاريخ 25 سبتمبر/أيلول 2021، محملين القيادة المسؤولية عما وصلت إليه الحركة من عزلة وقدرًا مهمًّا من المسؤولية عما آل إليه وضع البلاد من انقلاب.
ونصت وثيقة الإعلان عن الاستقالة، على أن "تعطل الديمقراطية الداخلية لحركة النهضة والمركزية المفرطة داخلها وانفراد مجموعة من الموالين لرئيسها بالقرار داخلها، لم يبق شأنًا حزبيًّا داخليًّا" بل ألقى بظلاله على الوضع في البلاد، بما يعنيه ذلك من تأثر أداء حزب النهضة في إدارة الشأن العام بوضع الحزب الداخلي. وعدَّدت الوثيقة مظاهر ذلك في أداء الحكومة والبرلمان، لتنتهي إلى الإقرار بأنه "لم تُجْدِ كل محاولات الإقناع بالانكباب لتجديد عميق للفكر السياسي لحركة النهضة وتعصير مؤسساتها وتشبيب قياداتها وتحديث خطابها وصورتها، فعقارب الزمن لا تتوقف، فمن يرفض التجدد والمراجعة تتجاوزه الأحداث".
مستقبل النهضة: هل تجاوزتها الأحداث؟
حصلت لدى عموم التيار الإسلامي النهضوي قناعة مفادها أن خيار إقصاء النهضة من الحكم ومن المشهد السياسي اتُّخذ داخليًّا على مستوى تونس وعلى مستوى دوائر إقليمية ودولية ووقع الإعداد له مسبقًا. فقد تواصلت عملية استهداف الانتقال الديمقراطي واستهداف النهضة باعتبارها القوة الوازنة في تجربة الانتقال الديمقراطي إلى أن تحققت عملية الإجهاض عبر سلسلة متدرجة من الإجراءات، بتواطؤ مع لفيف من الأحزاب والهيئات والأصوات الإعلامية، حتى توجت يوم 25 يوليو/تموز 2021 بتفعيل "مشوه" للفصل 80 من دستور الثورة. بعد ذلك بدأت عملية متسارعة لتصفية كل ما بنته الثورة من مؤسسات وهيئات ومنظومات تحت عنوان التطهير ومقاومة الفساد، ليفتح الباب لتنفيذ رؤية بديلة تحت عنوان "النظام القاعدي".
يعتبر حزب حركة النهضة، حسب البيان الختامي لمؤتمره العاشر، أن ما أنجزه على مستوى تطور أفكاره الجديدة يخرجه من مسمى الإسلام السياسي؛ فقد "تجاوز عمليًّا كل المبررات التي تجعل البعض يعتبره جزءًا مما يسمى الإسلام السياسي"(47)، ويرى أن هذه التسمية الشائعة لا تعبر عن حقيقة هويته الراهنة، وأدرج هويته السياسية ضمن ما اعتبره التيار الواسع للمسلمين الديمقراطيين.
كما تخطى الحزب بأخف الأضرار اختبار الحكم والخروج منه، واختبار الحوار والتوافق والاشتباك مع الفرقاء، واليوم يجد نفسه والمنوال السياسي الذي أتى به "أي الانتقال الديمقراطي" في اختبار ما سمي بالانقلاب الدستوري الذي يعد نتاجًا طبيعيًّا للأزمة التي استحكمت بين مكونات الطبقة السياسية وممثليها في المؤسسة التشريعية ومؤسسات الحكم والبلاد عمومًا؛ ما أدى إلى شلل البرلمان والحكومة في ظرف اجتماعي صحي دقيق إبان وباء كورونا، وهو ما شهد به رئيس الحركة نفسه فيما يشبه الإقرار والنقد الذاتي في مقال جاء فيه:
"يوم 25/7/2021 جاءت قرارات سعيد في وقتها مستجيبة معبِّرة عن إرادة شعبية صادقة متعطشة إلى التغيير ضائقة ذرعًا بالحكومة وحزامها السياسي. فكانت من قبيل ما يجب فعله ممن له المسؤولية وأساسًا رئيس الحكومة، فإذا لم يفعل فواجب حزامه السياسي أو الحزام الداعم لها ولم يفعلا. فجاءت إجراءات الرئيس وكأنه يفتح قناة أوكسجين في أجواء مختنقة بالكوفيد، الأكسجين الذي عجزت عن توفيره حكومة المشيشي (رئيس الحكومة المُقَال) للمختنقين. وهكذا، عندما يتأخر عن الفعل الإنقاذي الواجب ممن يجب عليه القيام به يغدو مشروعًا بل واجبًا على غيره"(48).
ما سبق من تشخيص لمواطن الإضافة أو القصور يفضي إلى نتيجة مفادها إخفاق نموذج "الإسلام الديمقراطي" الذي سوقت له النهضة في الاستجابة للمطلب الاجتماعي والتنموي والاستقرار السياسي بما يضع البلاد أمام جملة من السيناريوهات:
- اضطرار النهضة لتقديم تنازلات موجعة للسلطة الحالية للمحافظة على ما بقي من وجودها على حساب المطلب الديمقراطي. وفي ذلك مزيد من الانتكاس الذي ينذر بزوالها رمزيًّا وأخلاقيًّا وسياسيًّا.
- نجاح السلطة القائمة في احتواء مطالب التيار المحافظ والنطق باسمه بما يسحب البساط من التيار الإسلامي ويفقده ورقة الدفاع عن الهوية.
- نجاح السلطة في خلق تعبيرات سياسية أو جمعياتية ذات مرجعية دينية موالية لها ولخياراتها السياسية ومشروعها القاعدي تنافس النهضة في عنوان الهوية والمرجعية الإسلامية(49).
- تقديم المسوغات لعودة أطروحة لا تغيير عبر الخيار الديمقراطي التي رفعها التيار "السلفي الجهادي" وصعود التعبيرات الدينية المتطرفة من جديد.
مقابل ذلك، عبَّرت قيادات نهضوية عن ضرورة تقديم عرض سياسي جديد مرفق بتجديد الهياكل والارتقاء بأدائها وتحقيق الانتقال القيادي ضمن ضوابط حفظ المقامات والاستفادة من منجزات القيادة التاريخية المؤسسة، ومضمون جديد يبدأ من تقييم تجربة الحكم وتشخيص المشهد الوطني والنضال السياسي المدني لاستعادة الحالة الديمقراطية والسعي لبناء جبهة ديمقراطية رافضة للانقلاب وبناء نموذج تنموي جديد من خلال تعاقد تنموي اقتصادي. ويحتاج ذلك إلى تجميع العائلة الديمقراطية المعتدلة من خلال عنوان أوسع من الإطار الحزبي. لذلك ساندت حركة النهضة أول مبادرة مدنية ظهرت بعد 25 يوليو/تموز 2021 تحت اسم "مواطنون ضد الانقلاب"، وقد نظمت فعاليات جمعت حولها مختلف النخب الفكرية والسياسية الرافضة لما تعتبره انقلابًا. كما انخرطت في "جبهة الخلاص الوطني"، وهي تجمع سياسي أنشئ في 31 مايو/أيار 2022، من طرف شخصيات وطنية من توجهات سياسية مختلفة تحت عنوان مواجهة الانقلاب.
ويبقى الرهان على المؤتمر الحادي عشر للخروج بالحركة من العزلة والجمود في مقدمة التحديات المطروحة على النهضويين. وكان جدل المؤتمر قائمًا بين رافض لانعقاده في ظل الانقلاب وداع لانعقاده باعتباره رسالة تسند خيار مقاومة الانقلاب. وانقسمت آراء المساندين لانعقاده بين المؤمنين بضرورة التجديد القيادي، والداعين لاستصحاب المشهد القيادي الراهن القابع في السجون كرصيد تاريخي وعنصر قوة، لاسيما وأن رئيس الحركة، راشد الغنوشي، الموقوف منذ 17 أبريل/نيسان 2023، لم ينقل صلاحياته للقيادة الباقية خارج السجن ولم يعطها تفويضًا لإنجاز المؤتمر الحادي عشر.
يتبين من هذا التشخيص للوضع الإشكالي الراهن لحركة النهضة أنها رغم كل ما شهدته من تجديد على مستوى الرؤى والتصورات والخطاب والمعجم اللفظي، ورغم كل الرصيد الفكري والسياسي التجديدي لرئيسها، بقي التنظيم محافظًا يشكو من مركزة القرار. وبقي الجيل المؤسس على رأس المشهد القيادي مع ضعف التمكين القيادي للشباب والنساء والنخب، وتهميش الموارد البشرية. كل ذلك في ظل مفهوم للزعامة عطل الكفاءات وأحدث من حوله فراغًا قياديًّا برز بشكل جلي بعد اعتقال زعيم الحركة والتسريبات الصوتية المنسوبة لمن فوض له رئيس الحركة نيابته. فقد خلَّفت تلك التسريبات مناخات متوترة قضت على أي إمكانية لعقد المؤتمر، بما يعني دخول النهضة حالة من الجمود والانكماش والانتظارية. يضاف إلى ذلك حالة الشلل التي يعيشها التنظيم بفعل إغلاق مقراته ومنع أنشطته وملاحقته قضائيًّا وسجن قياداته التاريخية وحشرها في قضايا التآمر على أمن الدولة والاغتيالات السياسية والتسفير إلى بؤر الإرهاب وملفات الفساد المالي تمهيدًا لتصفية وجودها قضائيًّا.
خاتمة
في إطار الجواب عن مآل حركة النهضة وتحولاتها، ما يقره الكثير من النهضويين أنفسهم أن النهضة التاريخية انتهت بمقتضى ما طرأ عليها من تطورات، مقابل نهضة الراهن التي تعيش حالة أزمة هي جزء من الأزمة العامة التي تعيشها كل الأحزاب والمنظمات الوطنية في سياق الترويج لفكرة نهاية الأحزاب والأجسام الوسيطة باعتبارها أساسًا لإدارة الشأن العام، والإعلان عن نهاية الديمقراطية التمثيلية.
لعل أهم ما يبقى من النهضة بعد كل ما مرت به من تجارب: رصيدها البشري من المناضلين الذي يشكل نواتها الصلبة الثابتة، ومراجعاتها التي إن وقع تفعيلها بجدية(50) يمكن أن تكون مدخلًا لتجربة جديدة، ونموذجًا لتجارب الحركات الإسلامية، وما استقر عليه فكرها السياسي من نهج سلمي نابذ للعنف واختيارها للديمقراطية منهجًا للتغيير، وأدبيات زعيمها التي لم تحظ بما تستحقه من اهتمام في ظل التجاذبات حول شخصه داخل الحزب وفي تجربة الحكم.
يشير السياق الوطني إلى وجود تيار محافظ واسع في البلد يحتاج إلى تعبيرة فكرية وسياسية أصيلة تمثله وتعبر عن ضميره ومطالبه. لقد فقدت النهضة جزءًا من جمهور هذا التيار بفعل الملابسات والسياقات والإكراهات سالفة الذكر، وبنفس القدر لم تستطع أن تكسب ثقة التيار الحداثي. مقابل ذلك لم تتمكن أي جهة إلى حد اليوم من كسب ثقة هذا التيار المحافظ. ولا يمكن للنهضة أن تستعيد ثقة هذا التيار وتستأنف حضورها في المشهد السياسي ما لم تتمكن من مواصلة القيام بمراجعات جذرية شاملة وإصلاح شأنها الحزبي وصياغة رؤى وتصورات جديدة تستفيد فيها من أخطائها وتستجيب لحاجات البلاد التنموية والاجتماعية. لكن ذلك يبقى رهين استعادة المسار الديمقراطي وعودة الحياة السياسية والمدنية للبلاد.
- المقصود بالشمولية في سياق الحركات الإسلامية الشمول لكل مناحي الحياة الإسلامية، وقد تواترت الإحالة على هذا المعنى في وثائق حركة النهضة قبل الثورة في التعريف بهوية الحركة، من ذلك ما ورد في "وثيقة الرؤية الفكرية والمنهج الأصولي" التي تعود إلى سنة 1986، والمنشورة في سلسلة قطوف النهضة رقم 2، فقد وقعت الإشارة (صفحة 2) إلى الشمول في فهم الإسلام باعتباره مبدأ يعتمد عليه الحزب في رسم الأسس العقائدية والأصولية للحركة. والمقصود بالشمول في مقدمة الوثيقة "الشمول في فهم الإسلام بشكل لا يحصره في مجال العقائد والشعائر، بل يتعداه ليشمل إلى جانب ذلك الحيز الاجتماعي والسياسي والاقتصادي". كما ورد نفس المعنى في وثيقة "الأرضية الفكرية ونظرية العمل وملامح المشروع"، الصادرة في ديسمبر/كانون الأول 2010، والمنشورة في سلسلة قطوف النهضة رقم 3 حيث وقع التنصيص على الشمول في أول نقطة تحدد أسس هذه الأرضية الفكرية، صفحة 7، وأعيد نفس المعنى صفحة 13 و21 من نفس الوثيقة.
- ينص الفصل 80 من دستور 2014 على أن "لرئيس الجمهورية في حالة خطرٍ داهمٍ مهددٍ لكيان الوطن وأمن البلاد واستقلالها، يتعذر معه السير العادي لدواليب الدولة، أن يتخذ التدابير التي تحتمها تلك الحالة الاستثنائية، وذلك بعد استشارة رئيس الحكومة ورئيس مجلس نواب الشعب وإعلام رئيس المحكمة الدستورية". وقد تأول الرئيس قيس سعيد الأزمة التي كانت تشهدها البلاد بسبب خلافه مع البرلمان على أنها خطر داهم مهدد، هذا من جهة. ومن جهة أخرى رأى أن له أن يتخذ تدابير الحالة الاستثنائية دون أن يستشير رئيس مجلس النواب فضلًا عن عدم وجود محكمة دستورية لاستشارتها.
- نشرت في كتاب لوائح المؤتمر العاشر 2016، حركة النهضة، منشورات الحزب. انظر: قراءة في اللوائح، في بحث عبد الحق الزموري "المؤتمر العاشر لحركة النهضة والخيارات "المُربِكة"، نشر المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات الدوحة، مايو/أيار 2016، (تاريخ الدخول: 29 فبراير/شباط 2024)، https://www.dohainstitute.org/ar/PoliticalStudies/Pages/art698.aspx
- انظر ما أثير حول العريضة، 100 قيادي من النهضة يرفضون تجديد ترشح الغنوشي لرئاسة الحركة، العرب اللندنية، 16 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 29 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/1fnWuaN
- راجع نص الرد في موقع قناة نسمة، راشد الغنوشي، يرد على عريضة الـ 100 قيادي: جلود الزعماء خشنة وهم الاستثناء، 17 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 29 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/enpe61K
- ينظر: آمال الهلالي، رد الغنوشي لم يتأخر كثيرًا.. نقاش حاد داخل النهضة بعد مطالبة 100 قيادي له بالتنحي، الجزيرة نت، 18 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 21 فبراير/شباط 2024): https://2u.pw/ijOS09i
- انظر كتاب الإسلام الحركي لعبد الرحيم بوهاها، دار الطليعة بيروت ط 1/ 2006 وهو بحث في أدبيات الأحزاب والحركات الإسلامية.
- انظر كتاب قضايا التدين الحركي في تونس لجمال بوعجاجة، منشورات مجمع الأطرش تونس ط 1 / 2023.
- هي مجموعة من قيادات الاتجاه الإسلامي التي استقالت من التنظيم لاختلافات فكرية وأسست لاحقًا مجلة 15/21. من أهم رموزها: إحميدة النيفر، وصلاح الدين الجورشي، ومحمد القوماني، وعبد العزيز التميمي. لمزيد تعميق النظر حول هذه التجربة، انظر الكتاب الذي ألَّفه بعض هذه القيادات تحت عنوان "المقدمات النظرية للإسلاميين التقدميين"، منشورات دار البراق للنشر، تونس ط 1989. وقد وُوجهت هذه المجموعة بالنقد الشديد عند خروجها من الجسم الأم ثم وقع الاعتراف بدورها وتثمين أفكارها وتبنِّيها لاحقًا في اللائحة التقييمية للمؤتمر العاشر للحركة، 2016.
- انظر: عبد الباقي الهرماسي، "الإسلام الاحتجاجي في تونس" ضمن كتاب "بحوث ومناقشات الندوة الفكرية الحركات الإسلامية المعاصرة في الوطن العربي "، مركز دراسات الوحدة العربية وجامعة الأمم المتحدة، 1987.
- لمزيد الاطلاع على مكونات هذا التيار ومعتقداته والسياقات التي حفَّت به في تونس، انظر: السلفية في المغرب العربي مقاربات سوسيولوجية تأليف مجموعة من الباحثين، منشورات مخبر بحث الظاهرة الدينية في تونس كلية الآداب منوبة تونس، 2017.
- عقد التنظيم مؤتمره التأسيسي بشكل علني بمدينة سكرة في منتصف مايو/أيار 2011.
- هم مجموعات حوكمت قبل الثورة بمقتضى قانون الإرهاب لسنة 2003 لارتكابها أعمالًا إرهابية أثير جدل حول إطلاق سراحهم وشمولهم بالعفو التشريعي العام بعد الثورة.
- أعلن رموز هذه التنظيم أثناء بداية تشكله أن تونس أرض دعوة لا أرض جهاد، وهذا إعلان عن سلمية مؤقتة في انتظار تشكيل حزام مجتمعي مساند من خلال الأعمال الدعوية والخيرية وذلك قبل إعلان تونس أرض جهاد.
- للاطلاع على تجربة التيار السلفي الجهادي في تونس، انظر: كتاب السلفية الجهادية في تونس: الواقع والمآلات، منشورات المعهد التونسي للدراسات الإستراتيجية 2014، يتضمن مجموعة من البحوث المنجزة في المعهد من طرف باحثين من اختصاصات متعددة. كتاب الهادي يحمد "تحت راية العقاب: سلفيون جهاديون تونسيون"، المطبعة المغاربية تونس 2015، وقد استعرض عددًا من السير الذاتية لمسارات عدد من رموز هذا التيار في جبهات القتال.
- انظر كتاب "قضايا التدين الحركي في تونس" لجمال بوعجاجة، فصل التدين الفكري عند حزب التحرير، ص 194 – 218.
- انظر التعريف بالحزب ونشاطاته بكتاب "الدين والسياسة في تونس والفضاء المغاربي" لعبد اللطيف الحناشي، منشورات سوتيميديا، تونس، الطبعة الأولى 2018، ص121.
- من الكتب التوثيقية التي تناولت هذه المراحل كتاب "الحركة الإسلامية في تونس: أطوار من النشأة والمحاكمات السياسية الكبرى 1965/1981" للطفي العمدوني، دار ميارة للنشر والتوزيع، طبعة 2014. وكتاب "الدولة الوطنية التونسية وتدبير التنوع السياسي، الإسلام السياسي في تونس بين 1981 و1992"، صلاح الدين البرهومي، منشورات دار مسكلياني، الطبعة الأولى 2021.
- من أبرز قادة الحركة الوطنية التونسية. للمزيد حوله، ينظر موسوعة الجزيرة نت، (تاريخ الدخول: 29 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/b10HwD3
- انظر كتاب "سنوات الجمر" للقيادي النهضوي ووزير التعليم العالي الأسبق، المنصف بن سالم. تناول فيه سياقات تشكل ما أسماه مجموعة الإنقاذ الوطني والعملية التي كانت ستنفذها بتاريخ 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1987 وأدى انكشافها لعملية استباقية، "تحول السابع من نوفمبر" من طرف زين العابدين بن علي، أي "الانقلاب الطبي" الذي جاء به إلى الحكم. فقد اعتمد ابن علي على تقرير طبي أصدره سبعة أطباء، يؤكد عجز الرئيس بورقيبة عن القيام بالمهام المنوطة به، https://archive.org/details/sanawat_al_jamr
- انظر في هذا السياق تقرير هيئة الحقيقة والكرامة للعدالة الانتقالية المنشور في الرائد الرسمي التونسي، عدد 59 بتاريخ 24 يونيو/حزيران 2020. وكتاب "شهداء حركة النهضة" للطفي العمدوني، دار ميارة للنشر والتوزيع، تونس الطبعة الأولى، 2016.
- لوائح المؤتمر العاشر، ص79.
- المصدر السابق.
- لوائح المؤتمر العاشر، لائحة سبل إدارة المشروع، ص71.
- لوائح المؤتمر العاشر، اللائحة التقييمية.
- وهذا يمثل تطورًا في الموقف السياسي قياسًا على ما وقع التنصيص عليه في البيان الختامي للمؤتمر التاسع للحركة الذي عقد بين 12 و16 يوليو/تموز 2012، حيث وقع التنصيص في مقررات المؤتمر على "ترسيخ مبدأ الشراكة في الحكم بين القوى الوطنية الأساسية"، ودعا تبعًا لذلك إلى "ضرورة أن يعكس النظام الانتخابي إرادة الشعب والأوزان الحقيقية للأطياف السياسية بأمانة". وثيقة البيان الختامي سلسلة قطوف النهضة، ص7.
- اسمها الكامل "الهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة والإصلاح السياسي والانتقال الديمقراطي"، وهي هيئة عمومية مستقلة شبه تشريعية أنشئت بمرسوم رئاسي رقم 6 بتاريخ 1 مارس/آذار سنة 2011 وتضم الأحزاب والمنظمات الوطنية ومجموعة من الشخصيات الوطنية ترأَّسها أستاذ القانون، عياض بن عاشور، وأوكل إليها صياغة القوانين والإجراءات التي ستجري على أساسها انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي، وقد أنهت أعمالها بتاريخ 13 أكتوبر/تشرين الأول 2011 قبيل الانتخابات التي نظمت بتاريخ 23 أكتوبر/تشرين الأول 2011.
- بدأ هذا الحوار بتاريخ 5 أكتوبر/تشرين الأول 2013 وكوفئت المنظمات الأربع التي رعته بجائزة نوبل للسلام. انظر كتاب حاتم بن مراد وآخرين "الحوار الوطني في تونس"، سلسلة الجمعية التونسية للدراسات السياسية، منشورات نيرفانا 2015.
- وقع تعيين حكومة علي العريض بتاريخ 8 مارس/آذار 2013 واستقالت بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2014 بعد المصادقة على دستور البلاد.
- هي حكومة ترأسها المهدي جمعة، وزير الصناعة في حكومة الترويكا المستقيلة، وقعت المصادقة عليها بتاريخ 28 يناير/كانون الثاني 2014 وبدأت مهامها رسميًّا بتاريخ 29 يناير/كانون الثاني 2014 بعد أدائها اليمين الدستورية أمام رئيس الجمهورية، المنصف المرزوقي.
- ينظر موقع التيار الديمقراطي، لائحة التقييم والمراجعات للمؤتمر الوطني الثالث، ص 15، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 23 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/6vnz48U
- ينظر الوثيقة موقع إخوان ويكي، بدون تاريخ، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/Ezl8R5H
- محمد القوماني، قراءة نقدية في الرؤية الفكرية لحركة النهضة، 1 فبراير/شباط 2011، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/X556HvW
- اللائحة التقييمية، ص11.
- انظر في هذا السياق كتاب "حركة النهضة بين الأخونة والتونسة"، تأليف عبد القادر الزغل وآمال موسى، دار سيراس للنشر، ط 2014.
- اللائحة التقييمية، ص25.
- المصدر السابق، ص 42.
- المصدر السابق، ص 44.
- المصدر السابق، ص 46.
- المصدر السابق، ص 45.
- المصدر السابق، ص 47.
- المصدر السابق، ص 49.
- المصدر السابق، ص 50.
- المصدر السابق، ص 75.
- انظر أستاذ علم الاجتماع في الجامعة التونسية، المولدي لحمر، الذي حلل العريضة والرد عليها من طرف رئيس الحركة. المولدي لحمر، سؤال الغنوشي الأخطر للعقل السياسي التونسي: الإيمان بالزعامة الاستثنائية؟، 20 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/jaXdIw2
ومقال زهير إسماعيل، حركة النهضة بين العريضة والرسالة أو جدل الزعامة والمؤسسة، 22 سبتمبر/أيلول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://2u.pw/mGpkYC3 - ينظر مقال منير شفيق حول نظام الدورتين في قيادة الأحزاب، 18 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://www.al-safsaf.com/31798-2/
ومقال مختار الشنقيطي، حركة النهضة في تونس: جدل الكاريزما والمؤسسة، موقع الأخبار الموريتاني، 21 أكتوبر/تشرين الأول 2020، (تاريخ الدخول: 27 فبراير/شباط 2024)، https://alakhbar.info/?q=node/28720 - البيان الختامي للمؤتمر العاشر، ص276.
- راشد الغنوشي "عن الثورة والديمقراطية والشعبوية كيف نقوم حدث 25 جويلية وكيف نتعامل معه" مقال بجريدة الرأي العام التونسية، 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، العدد 231 السنة الخامسة ص 6/7. وهو نفس ما خلص إليه عبد اللطيف الهرماسي في كتابه "تونس الثورة والمحنة مقاربة من منظور علم الاجتماع السياسي"، منشورات سوتيميديا، الطبعة الأولى 2023، ص 259 – 260.
- يمكن الإحالة في هذا السياق على فعاليات حزبية وجمعياتية ذات خلفية مذهبية شيعية موالية لإيران ساندت ما أقدم عليه رئيس الدولة، يوم 25 يوليو/تموز 2021. للتعرف على مكونات التيار الشيعي في تونس، انظر كتاب "الدين والسياسة في تونس والفضاء المغاربي" لعبد اللطيف الحناشي الفصل الثالث، ص 115، منشورات سوتيميديا، الطبعة الأولى 2018.
- في كتابه "من الجماعة إلى الحزب السياسي" يشير عبد الحميد الجلاصي إلى لائحة الرؤية الفكرية للمؤتمر العاشر للحركة 2016، ويقول إنه "لا يرى لهذه الوثيقة الجديدة كبير تأثير على الثقافة العميقة السارية" للنهضويين. "من الجماعة إلى الحزب السياسي"، منشورات سوتيميديا، الطبعة الأولى 2021.