الأزمة السياسية في غينيا بيساو وفشل وساطة إيكواس: الأسباب والمؤشرات

يتناول هذا المقال الاضطرابات السياسية في غينيا بيساو، وأسباب الأزمة الجارية، مع عرض مؤشراتها في ظل فشل وساطة إيكواس التي يعاني نفوذها الإقليمي تراجعا في السنوات الأخيرة.
رئيس غينيا بيساو، عمر سيسكو إمبالو، خلال زيارة سابقة إلى روسيا (رويترز)

مقدمة

تؤجج الخلافات حول جدول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الصراعَ على السلطة والنفوذ في غينيا بيساو. وقد فشلت جهود بعثة "المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا" (إيكواس) لإنهاء الأزمة، بعدما هدّد رئيس البلاد عمرو سيسوكو إمبالو بطردها. وهذا التطوّر يحدث في دولةٍ شهدت 4 انقلابات ناجحة والعديد من المحاولات الفاشلة، وتحمّلت أكثر من 30 عاما من الديمقراطية ذات الطابع العسكري.

سيتناول هذا المقال الاضطرابات السياسية في غينيا بيساو، وأسباب الأزمة الجارية، مع عرض مؤشراتها في ظل فشل وساطة إيكواس التي يعاني نفوذها الإقليمي تراجعا في السنوات الأخيرة.

غينيا بيساو: تاريخ موجز من الاضطرابات السياسية

تقع غينيا بيساو في غرب أفريقيا، وتحدها السنغال من الشمال، وغينيا كوناكري من الشرق والجنوب، والمحيط الأطلسي من الغرب(1). حققت البلاد استقلالها عن البرتغال عام 1974 بعد نضال تحريرٍ دام عقدًا من الزمن بقيادة "الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر" (Partido Africano para a Independência da Guiné e Cabo Verde = PAIGC). ونشأ صراع داخلي بعد الاستقلال، ففي عام 1980 أطاح جواو برناردو فييرا بالرئيس لويس كابرال، أول رئيس لغينيا بيساو، وحكم فييرا لقرابة عقدين من الزمن قبل إزاحته في عام 1999 خلال حرب أهلية (بدأت في عام 1998 وانتهت في 1999)، اندلعت أساسا بعد إقالة رئيس الأركان العسكرية العميد أنسوماني ماني، وأدت إلى الإطاحة بالرئيس فييرا ونفيه لاحقًا إلى البرتغال(2).

وفي أعقاب الحرب الأهلية أُجرِيت انتخابات رئاسية وبرلمانية، وفاز بها زعيم المعارضة، كومبا يالا، وحزبه "التجديد الاجتماعي" (Partido da Renovação Social = PRS)، ومع ذلك أطيح به أيضا بانقلاب في سبتمبر/أيلول 2003، وتولّى هنريك روزا منصب الرئيس(3).

شهدت البلاد فترة وجيزة من القيادة الديمقراطية، كما عاد فييرا مرة أخرى إلى السلطة في عام 2005 بعد انتخابات، لكنه اغتِيل في عام 2009 وسط اضطرابات سياسية شهدتها البلاد. وفي عام 2012 عطّل استيلاء الجيش على السلطة إجراء الانتخابات، وعادت البلاد إلى فترة قصيرة من الديمقراطية، في عام 2014 عندما صار خوسيه ماريو فاز، أول رئيس في غينيا بيساو يقضى فترة ولايته كاملة، حتى وإن لم تخلُ تلك الفترة أيضا من أزمة سياسية، خاصة بين رئيس الدولة ورئيس وزرائه، والتي باتت حاضرة في إدارة الرئيس الحالي، عمر سيسوكو إمبالو، العميد السابق في الجيش الذي تولى رئاسة الوزراء بين عامي 2016 و2018(4).

وقد ترشح إمبالو، وهو عضو سابق في "الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا بيساو وجزر الرأس الأخضر"، في انتخابات الرئاسة لعام 2019 تحت راية حزب "حركة التناوب الديمقراطي - مجموعة 15" (Movimento para Alternância Democrática، Grupo dos 15 = Madem G15)، المنشق عن "الحزب الأفريقي". واحتل إمبالو المركز الثاني في الجولة الأولى من التصويت، وحصل على 27% من الأصوات، بينما حصل على 54% في جولة الإعادة(5)، ليتغلب على خصمه ورئيس الوزراء السابق، دومينغوس سيمويس بيريرا، الذي شكّك في صحة فوز منافسه رغم تأكيد اللجنة الانتخابية مرارا وتكرارا صحة النتائج.

غير أن المحكمة العليا والبرلمان لم يوافقا على عقد مراسم أداء اليمين الدستورية، بعدما شكت المحكمة العليا في أن اللجنة الانتخابية لم تحترم في أوامرها بإجراء فحص كامل للتصويت، ومع ذلك أدى إمبالو اليمين الدستورية في مراسم أداء بديلة داخل فندق يوم 28 فبراير/شباط 2020 لإعلان نفسه رئيسًا قانونيًا للبلاد، وتنحّى له ماريو فاز، الرئيس المنتهية ولايته. بل وصف "بيريرا" وغيره من السياسيين، بمن فيهم أريستيدس غوميز، رئيس الوزراء في عهد ماريو فاز، هذا التحرّك من إمبالو، بأنه "انقلاب انتخابي"(6). ومنذ تولّي إمبالو رئاسة البلاد، واجه حُكمُه حالة من عدم الاستقرار تجلّت في محاولتين للإطاحة به خلال السنوات الثلاث الماضية.

أزمة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2025

يتمحور التوتر الراهن في غينيا بيساو حول جدول الانتخابات البرلمانية والرئاسية، والذي يرتبط أيضا بتضارب الرؤى لدور السلطة التنفيذية في النظام شبه الرئاسي الذي اعتُمد في دستور عام 1993 لتعزيز فصل السلطات بين السلطة التنفيذية والبرلمان والقضاء، والحدّ من انتهاكات السلطة والإفلات من العقاب، والتي اتسم بها عهد الرئيس جواو برناردو فييرا. وبموجب هذا النظام، يكون رئيس غينيا بيساو رئيسًا للدولة، بينما يكون رئيس الوزراء الذي يختاره البرلمان رئيسًا للحكومة ويعين الوزراء ويضع جدول الأعمال اليومي، حتى وإن كان لرئيس الدولة القدرة على إقالة رئيس الوزراء في ظروف معينة(7).

على أن النظام شبه الرئاسي لم يُنه التوترات والتنافس بين شاغلي المنصبين. ففي الانتخابات التشريعية التي أُجريت في يونيو/حزيران 2023، قدّم رئيسُ البرلمان دومينغوس سيمويس بيريرا (خصم الرئيس إمبالو) تحت منصة "التحالف الشامل - تيرا رانكا"، التي تضم "الحزب الأفريقي لاستقلال غينيا والرأس الأخضر" وأحزابا صغيرة أخرى؛ إصلاحاتٍ دستوريةً لتوضيح صلاحيات الرئيس ورئيس الوزراء(8). وجاءت النتيجة بنكسة انتخابية لإمبالو نتيجة الخلافات داخل حزبه وتراجع شعبيته بين الناخبين في المناطق الريفية الذين تضرروا من انخفاض أسعار الكاجو، مصدر دخلهم الرئيسي. فحصلت منصة "التحالف الشامل - تيرا رانكا" على أغلبية المقاعد في البرلمان (54 مقعدا)، كما حظيت بدعم 12 نائبا من أحزاب أخرى(9).

وقد حدّت نتائج الانتخابات التشريعية لعام 2023 من تصور الرئيس إمبالو للسلطة الرئاسية والتنفيذية، حيث كان يسعى لتأمين أغلبية برلمانية لإقرار رؤيته للسلطة الرئاسية في دستور جديد، فلجأ إلى تشكيل حكومة ظل من "مستشارين رئاسيين" تضم وزراء سابقين وأفراد أمن مقربين من الجيش والشرطة، وذلك لمواجهة الخسارة البرلمانية وتجاوز الإصلاح الدستوري. بل وحلّ البرلمان مرتين (في مايو/أيار 2022 وديسمبر/كانون الأول 2023) بدعوى محاولات انقلاب، كما أقال رئيسَ الوزراء جيرالدو مارتينز، ومنعَ النواب من دخول مقر البرلمان(10).

يضاف إلى ما سبق أنه بالنظر إلى أن دستور غينيا بيساو يحدّد مدة الولاية الرئاسية بخمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة، فيُفترض أن تكون فترة رئاسة إمبالو التي استمرت 5 سنوات قد انتهت رسميًا في 28 فبراير/شباط الماضي. ومع ذلك، يرى إمبالو أن فترة ولايته ستنتهي في سبتمبر/أيلول القادم، وهو ما تدعمه محكمة العدل العليا في البلاد، التي قضت بأن رئاسته تنتهي في 4 سبتمبر(11). فحدّد إمبالو يوم 23 نوفمبر/تشرين الثاني موعدًا للانتخابات(12)، مُصرّا على أنه سيبقى في السلطة حتى ذلك اليوم. وهذه الخطوة أثارت اتهامات بأنه يحاول إجراء انتخابات تشريعية قبل الانتخابات الرئاسية من أجل استعادة الأغلبية البرلمانية، مما قد تساعده في الفوز بالرئاسة لاحقًا.

أما رئيس البرلمان بيريرا (وخصم الرئيس إمبالو)، فقد وُجِّهت له تهمة اختلاس 35 مليار فرنك أفريقي (نحو 57.6 مليون دولار) خلال فترة رئاسته للوزراء بين عامي 2014 و2015(13)، كما مُنع في أغسطس/آب 2024 من مغادرة البلاد بسبب مراجعة قضائية بشأن دوره في محاولة انقلاب عام 2021 ضد حكومة الرئيس إمبالو(14).

وفيما يتعلق بجدول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، يصرّ بيريرا على ضرورة تنحّي إمبالو فورًا لانتهاء الولايتين الرئاسية (الممتدة لخمس سنوات) والبرلمانية (الممتدة لأربع سنوات)، مُجَادِلًا بأن الانتخابات الرئاسية والبرلمانية الجديدة يجب أن تُجرى في غضون 90 يومًا، وليس في نوفمبر/تشرين الثاني القادم كما يقترح الرئيس إمبالو، وأنه يجب إعادة انعقاد البرلمان المنحلّ بشكل عاجل لتعيين اللجنة الوطنية للانتخابات وانتخاب رئيس المحكمة الدستورية الذي انتهت ولايته(15).

ومما يبدو في تحركات إمبالو أنه عازم على منع منافسه بيريرا مِن تولّي أي منصب مؤثّر في البلاد، خاصة بعدما أفادت تقارير إعلامية يوم 3 مارس/آذار 2025 أن إمبالو صرّح للصحفيين في مطار بيساو، بعد عودته من رحلة إلى روسيا وأذربيجان والمجر، بأنه سيترشح لولاية رئاسية ثانية(16)، متراجعا عن إعلانه السابق في سبتمبر/أيلول 2024 بأنه لن يسعى لولاية ثانية(17).

وتجدر الإشارة إلى أن غينيا بيساو تحتل مراتب منخفضة في مؤشرات الحكم والتنمية على المستوى الأفريقي والدولي، مثل "مؤشر إبراهيم للحوكمة الأفريقية" لعام 2024 الذي صنّف البلاد على أنها ذات مؤشر حوكمة منخفض بتسجيل حوالي 40.9 نقطة من أصل 100، مما يضعها قريبا من قاع القارة الأفريقية من حيث الحوكمة(18). ورغم الجهود التي توحي بأن السلطات تحت قيادة إمبالو تكافح تهريب المخدرات، ومن ذلك ضبط 2.63 طن من الكوكايين على متن طائرة بمطار العاصمة الدولي في سبتمبر/أيلول 2024(19)، فإن غينيا بيساو، التي يبلغ عدد سكانها 2.2 مليون وفق تقديرات فبراير/شباط الماضي(20)، لا تزال محل اهتمام مهربي الكوكايين في غرب أفريقيا.

فشل وساط بعثة إيكواس

غينيا بيساو عضو مؤسس في مجموعة الإيكواس منذ 15 مارس/آذار 1976، وتربط بين الكتلة الإقليمية ورئيس البلاد إمبالو، علاقة معقدة، إذ ترأّس الأخير المجموعة من منتصف عام 2022 إلى منتصف عام 2023، وشملت مسؤولياته معالجة مجموعة من الصعوبات الإقليمية، مثل الأزمات الأمنية وعدم الاستقرار السياسي بين الدول الأعضاء. كما شارك في جهود وساطة بشأن الديناميكيات السياسية في منطقة الساحل، مثل تطوّعه في يوليو/تموز 2024 خلال قمة الإيكواس لتحسين العلاقات مع "تحالف دول الساحل" (بوركينا فاسو ومالي والنيجر)، وقام برحلات دبلوماسية لحل مشاكل دولية، مثل مهمة سلام إلى روسيا وأوكرانيا والتي شرع فيها خلال أكتوبر/تشرين الأول 2022.

وفي سياق التوتر حول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في غينيا بيساو، سعت إيكواس للتوسط من خلال إرسال بعثة في فبراير/شباط الماضي أمضت أسبوعًا في البلاد لإجراء مشاورات مكثفة مع مختلف أصحاب المصلحة، بمن فيهم مسؤولون حكوميون وقادة سياسيون وهيئات إدارة الانتخابات ومنظمات المجتمع المدني وشركاء دوليون، لمناقشة التحديات والمخاوف المرتبطة بالعملية الانتخابية، وذلك بهدف التوصل إلى حلّ وسط واتفاق سياسي حول إستراتيجية إجراء انتخابات شاملة وسلمية في العام الحالي(21).

ورغم ترحيب الرئيس إمبالو بالبعثة عند وصولها، فإن أنشطتها توقفت فجأةً بعدما هدّدها بالطرد، ربما لأن مسودة البعثة (التي لا تزال تفاصيلها غير منشورة للعامة) وتواصلها مع جميع الأطراف السياسية في البلاد لا تعزز موقف إمبالو ورؤيته السياسية. وهذا التهديد أدى إلى مغادرة البعثة و"مكتب الأمم المتحدة لغرب أفريقيا" للبلاد قبل الموعد المتوقع، وأعلن الوفد اعتزامه تقديم تقرير إلى رئيس مفوضية الإيكواس يُلخص فيه نتائج المهمة وتوصياته لضمان انتخابات شاملة وسلمية في البلاد(22).

يضاف إلى ما سبق أن تهديد إمبالو يتناقض مع التزامه بتعزيز السلام والحوار في منطقة غرب أفريقيا وخارجها، ويوحي بأنه يميل نحو روسيا، وقد يحذو حذو قادة الجيش في مالي وبوركينا فاسو والنيجر لتحقيق هدفه. وهو ليس وحيدا في ذلك، حيث لوّحت دولة توغو في يناير/كانون الثاني الماضي إلى إمكانية الانضمام إلى "تحالف دول الساحل"(23)، والذي قد يكون نتيجة الإصلاحات الدستورية المتسرعة (الهادفة إلى تقوية حكم عائلة "غناسينغبي" المستمر منذ أكثر من 57 عامًا في توغو)، ولكنها تعمّق أيضا التوترات السياسية في البلاد.

مؤشرات وتوقعات

عمق الأزمات السياسية في غينيا بيساو بشكل عام يؤشر على أن التنافس الشرس على السلطة والنفوذ بين النخبة السياسية؛ غالبا ما يكون بسبب انطواء السلطة على الرعاية السياسية. وهذه الديناميكية لدى السلطة ونفوذُها يعززان المصالح السياسية والمالية في مجالات إستراتيجية، بما يشمل الاتجار بالمخدرات واختلاس عائدات الضرائب والتحكم في عقود المشتريات وغيرها.

ويبرز التوتر الدائر حول مدة ولاية الرئيس إمبالو وجدول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مدى هشاشة المؤسسات السياسية في غينيا بيساو، بما فيها المحكمة والبرلمان والهيئات الانتخابية، مما يُصعّب ترسيخ الديمقراطية في البلاد. ويبدو أن إمبالو، بصفته شاغل المنصب الرئاسي، لا يزال يُهيمن على المشهد السياسي، خاصة باعتبار قربه المتصور من الجيش والشرطة، إلا أن قضايا الحوكمة والاقتصاد والرعاية الصحية قد تلعب دورًا في انتخابات العام الجاري، وذلك لأن قرابة ثلثي السكان يعيشون في الفقر، وأن البلاد متأخرة عن القارة في مؤشرات التنمية العديدة، وأن تعزيز خدمات الصحة والتعليم من العناصر الرئيسية في برنامج الحملة الناجحة لمنصة "التحالف الشامل - تيرا رانكا" في الانتخابات البرلمانية لعام 2023.

ومن المتوقع في الأشهر القادمة أن يحتدم التنافس الانتخابي اعتمادا على طبيعة تشكيل "اللجنة الوطنية للانتخابات" المسؤولة عن ترتيب وتنظيم الانتخابات في البلاد، إذ تتكون الأمانة التنفيذية للجنة من قضاة يرشحهم المجلس الأعلى للقضاء، ويُنتخبون بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان لمدة 4 سنوات. وقد كان الوضع الحالي لهذه اللجنة ضمن ما يثير الخلاف، حيث أعاق حلُ البرلمان تعيينَ شاغلي المناصب الشاغرة في الأمانة التنفيذية، كما انتهت ولاية اللجنة الانتخابية في 30 أبريل/نيسان 2022، وأدى انتخاب رئيسها السابق رئيسا للمحكمة العليا في ديسمبر/كانون الأول 2021، إلى بقاء منصب رئيس اللجنة شاغرًا.

يضاف إلى ما سبق أن المعارضة في غينيا بيساو ترفض الاعتراف برئاسة إمبالو للبلاد منذ نهاية فبراير/شباط الماضي، وهدّدت بتنظيم مسيرات وإضرابات حاشدة أُجِّلت للتأكّد من نتائج جهود بعثة الإيكواس، وهذا يعني أن فشل مهمة البعثة ومغادرتها المبكرة للبلاد قد يمهّد الطريق أمام مزيد من عدم الاستقرار، حيث قد تفضي الاحتجاجات وتهديدات المعارضة بشلّ البلاد والصراعات المحتملة بين الفصائل السياسية إلى أعمال عنف. وحتى باعتبار تاريخ التدخل العسكري في البلاد، قد يشعل عدم الاستقرار السياسي فتيل محاولة انقلاب أخرى أو حتى أزمات سياسية أكبر تمتد إلى الدول المجاورة، مما يُضعف إنفاذ القانون ويفتح أبواب البلاد أمام الجريمة المنظمة الموسعة. وفي حال وقوع تدخل عسكري أو سيطرة غير دستورية على السلطة، قد تضطرّ المنظمات القارية والإقليمية، مثل الاتحاد الأفريقي وإيكواس، إلى فرض عقوبات على غينيا بيساو، بما يُفاقم الأزمات الاقتصادية والمعيشية.

وفي السياق الإقليمي، يُظهر فشل مجموعة إيكواس في التوسط لحل الأزمة السياسية تراجع مكانة الكتلة الإقليمية على الحفاظ على السلام في غرب أفريقيا، إضافة إلى تراجع نفوذ آلياتها لفرض المبادئ الديمقراطية وتسوية الخلافات الداخلية. كما أن المغادرة المتسرعة لبعثة المجموعة استجابةً لتهديدات الرئيس إمبالو تُؤشر على انعدام السلطة والاحترام، مما يُلقي بظلال من الشك على قدرة إيكواس على العمل كوسيط إقليمي أو قوة مؤثرة في استقرار المنطقة، اعتمادا على إخفاقات سابقة في إدارة التحولات السياسية والانقلابات العسكرية في مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وهذا التطوّر يعزز احتمال تحدّي المزيد من الدول الأعضاء في إيكواس مستقبلا سلطة المجموعة أو تجاهل قراراتها، بما يُعرض للخطر مبادرات التكامل الاقتصادي والإقليمي وترتيبات التعاون الأمني.

خاتمة

مما سبق يمكن الاستنتاج أن ما يجري في غينيا بيساو من أزمات سياسية أكبر من مجرد جدولة للانتخابات الرئاسية والبرلمانية لعام 2025، إذ يتمحور حول صراع السلطة والنفوذ واختلاف الرؤى حول عمل الحكومة والمؤسسات الديمقراطية واستخدام السلطة التنفيذية. ويثير التوتر الحالي تساؤلات عما إذا كانت الانتخابات البرلمانية والرئاسية ستُجرى في الموعد الذي تراه المعارضة قانونيا، أو الموعد الذي أعلنه الرئيس إمبالو. وتكمن خطورة الوضع السياسي الحالي في أنه إذا لم يُعالج عبر الحوار وإجراء انتخابات نزيهة، فقد تتفاقم حالة عدم الاستقرار الطويلة، وهو ما يعمّق التحديات الاقتصادية والتهديدات الأمنية.

وبالنظر إلى أن غينيا بيساو قد تكون مفترق طرق إقليميا لعدم الاستقرار في حال انفجار الوضع الأمني، فإن كلا من إيكواس والاتحاد الأفريقي وشركاء آخرين بحاجة إلى مواصلة جهود التواصل مع جميع الأطراف السياسية في البلاد لضمان انتقال سلمي واستقرار أمني بغض النظر عن تهديد الرئيس إمبالو أو العقبات الأخرى.

ABOUT THE AUTHOR

References
  1. Enoch Randy Aikins. “Guinea-Bissau: Current Path.” African Futures & Innovation Programme, ISS Africa, 2024, https://shorturl.at/iRo9S (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  2. Leandro, Francisco José, and Paulo Gonçalves. "Brittle Guinea-Bissau: a quest for political and economic stability." Janus. net 13, no. 2 (2022): 354-372.
  3. O'Regan, Davin, and Peter Thompson. Advancing Stability and Reconciliation in Guinea-Bissau: Lessons from Africa's First Narco-State. Vol. 2. Washington, DC: Africa Center for Strategic Studies, 2013, p.7
  4. Leandro, Francisco José, and Paulo Gonçalves, op. cit., p. 366.
  5. Ricci Shryock. “Embalo Wins Guinea-Bissau Presidential Election.” VOA, 2020, https://shorturl.at/F26Az (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  6. “Embalo sworn in as Guinea-Bissau president, election remains in dispute,” Reuters, February 28, 2020, https://shorturl.at/0LeXr (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  7. “Provide Guinea-Bissau with a new constitution to strengthen the rule of law and stability.” Policy Brief 1, ISS Africa, May 2018, https://shorturl.at/HdwdO (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  8. Joseph Siegle and Hany Wahila. “Guinea-Bissau: Continued Turbulence in Struggle to Restrain Executive Power.” Africa Center for Strategic Studies, January 13, 2025, https://shorturl.at/m49TA (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  9. “Guinea-Bissau opposition wins majority in parliamentary polls.” Aljazeera, June 2023, https://shorturl.at/Qscwo (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  10. Joseph Siegle and Hany Wahila, op. cit.
  11. Antonio Cascais. “Guinea-Bissau in institutional crisis as president stays.” Deutsche Welle, March 5, 2025, https://shorturl.at/yFBE9 (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  12. “Guinea-Bissau sets presidential, legislative elections for November 2025.” Xinhua, March 8, 2025, https://shorturl.at/6iRnJ (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  13. “Guinea-Bissau former PM risks prosecution following corruption accusation.” West Africa Democracy Radio (WADR), January 1, 2023, https://shorturl.at/CwZ4i (اطلع عليه في 10 مارس 2025)
  14. “EX-Guinea-Bissau PM Domingos Pereira barred from leaving country.” Africa News, August 13, 2024, https://shorturl.at/URJNj (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  15. Antonio Cascais, op. cit.
  16. " رئيس غينيا بيساو يعلن ترشحه لولاية ثانية في الانتخابات الرئاسية المقررة في نوفمبر المقبل". روز اليوسف، 4 مارس/آذار 2025, https://shorturl.at/wjqfm (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  17. “Guinea Bissau President Embalo says he will not run for a second term.” Reuters, September 12, 2024, https://shorturl.at/mtgIa (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  18. Joseph Siegle and Hany Wahila, op. cit.
  19. “Police in Guinea-Bissau seize nearly 3 tons of cocaine on plane from Venezuela.” Africa News, September 10, 2024, https://shorturl.at/zmJiD (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  20. “Guinea-Bissau Population.” Worldometers, https://shorturl.at/rZgus (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  21. “ECOWAS, UN mission leaves Guinea-Bissau after president’s threat.” Punch Nigeria, March 2, 2025, https://shorturl.at/Y1m8N (اطلع عليه في 11 مارس 2025)
  22. Ibid.
  23. “Togo weighs joining the alliance of Sahel states, says foreign minister.” Africa News, January 17, 2025