الدّبلوماسية الرّياضية قوة ناعمة في العلاقات الدّولية (كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر 2022 أنموذجًا)

(الجزيرة)

ملخص

هدفت الدراسة إلى توضيح كيفية توظيف أدوات القوة الناعمة في العلاقات الدولية، من خلال التركيز على الدبلوماسية الرياضية كأحد فروع الدبلوماسية العامة، وذلك بتناول نموذج تنظيم كأس العالم لكرة القدم فيفا قطر (2022) حالةً دراسية ومرتكزًا رئيسًا لإثبات الدور الرئيس للرياضة كقوة ناعمة في عالم السياسة.
وقد اعتمدت الدراسة، في سبيل الوصول إلى تحليل دقيق لهذا الدور وتفكيك متغيراته، على كل من المنهج الاستقرائي، ومنهج دراسة الحالة.
وتوصّلت الدراسة إلى مجموعة من النتائج، من أهمها: نجاح جهود دولة قطر في توظيف الدبلوماسية الرياضية كأداة من أدوات القوة الناعمة، ووسيلة لتعظيم مكانتها في الساحة السياسية الدولية، انطلاقًا من إدراكها لضرورة موازنة وملء فراغ غياب القوة الصلبة، المتمثلة أساسًا في القوة العسكرية، من خلال قوة أخرى موازية، فكانت الدبلوماسية الرياضية الخيار الأمثل لتعزيز تأثير الدولة خارجيًا، وتحقيق أهداف خطتها التنموية (2030). كما خلصت الدراسة إلى أن دولة قطر نجحت في تقديم نموذج تنموي ملهم للدول الصغيرة، جعل من توظيف القوة الناعمة عاملًا محوريًا في بناء قوة الدولة الجديدة، من خلال استغلال الأحداث الرياضية الدولية الكبرى خدمةً لأهداف سياستها الخارجية.

الكلمات المفتاحية: القوة الناعمة؛ الدبلوماسية الرياضية؛ العلاقات الدولية؛ قطر؛ فيفا كأس العالم لكرة القدم؛ نظرية العلاقات الدولية؛ سياسة الشرق الأوسط؛ الجغرافيا السياسية.

مقدمة الدراسة وأهميتها

1.1 مقدمة الدراسة

أسهم تفشي ظاهرة العولمة في عالمنا المعاصر، وما نتج عنها من تأثيرات متزايدة في شتى مناحي الحياة، في ترسيخ استخدام القوة الناعمة كأداة فاعلة في العلاقات بين الدول، لتحقيق أهداف متعددة، من أبرزها: تعزيز الحضور الدولي، وترسيخ المكانة السياسية، وتوسيع النفوذ في المجتمع الدولي، فضلًا عن تحقيق مكاسب اقتصادية وثقافية وتنافسية، وتجنّب اللجوء إلى القوة الصلبة (العسكرية) وما تخلّفه من آثار فوضوية ومدمرة.
وقد تعاظم مؤخرًا دور القوة الناعمة، لا سيما من خلال الدبلوماسية العامة أو الشعبية، كوسيلة لحل الخلافات، ومعالجة القضايا الدولية، وتصفير الصراعات، وأداة رئيسة لتنفيذ السياسة الخارجية. وقد أصبحت الدبلوماسية لاعبًا أساسيًا في تقريب وجهات النظر بين الدول المتنازعة، مما يعزز فاعليتها مقارنة بوسائل أخرى مثل القوة العسكرية أو الاقتصادية أو الإعلامية.
وتُعد الدبلوماسية الرياضية أحد أشكال الدبلوماسية الشعبية التي استأثرت باهتمام كبير في السنوات الأخيرة، إذ لجأت إليها العديد من الدول، نظرًا لما تحققه من مكاسب سياسية واقتصادية وثقافية.
أولت العديد من الدول اهتمامًا خاصًا بالرياضة، حتى ضمّنت دساتيرها الحق في ممارستها، وكانت فرنسا أول من أصدر قانونًا موحدًا خاصًا بالرياضة عامي 2006–2007، وفي السياق نفسه، اهتمت دولة قطر اهتمامًا بالغًا بالرياضة تشريعيًا وتنفيذيًا.
وقد أصبح من الضروري وجود جهة دولية لتنظيم شؤون كرة القدم، فكان الاتحاد الدولي لكرة القدم (FIFA) الذي رسّخ قوانين ومعايير تحكم اللعبة. وساهم الإعلام في تعزيز شعبية اللعبة، مما جعلها أداة دبلوماسية شعبية ذات رمزية عالمية.
ومن الأمثلة التاريخية على توظيف الرياضة سياسيًّا، انضمام كوسوفو إلى (UEFA) و(FIFA) بعد جهود بدأت عام 2014 وتكللت بالنجاح في 2016. وبناء عليه، يمكن اعتبار التظاهرات الرياضية الكبرى كالأولمبياد وكأس العالم أدوات فاعلة ضمن القوة الناعمة للدول.
وقد أدركت دولة قطر أهمية استثمار كأس العالم 2022 كوسيلة داعمة لرؤيتها التنموية (2030)، وتقدمت رسميًّا بطلب الاستضافة، ليُعلن في 2 ديسمبر 2010 عن فوزها بتنظيم البطولة. بذلك، أصبحت قطر أول دولة عربية توظف الدبلوماسية الرياضية في سياستها الخارجية، معززة استراتيجيتها منذ ألعاب 2006، ونجحت في تقديم صورة إيجابية عنها دوليًا.
وفي سياق رؤية 2030، تمكنت قطر من تحويل استضافة البطولة إلى فرصة تاريخية لتثبيت مكانتها كدولة حديثة وفاعلة دوليًا، مستخدمة الإعلام والرياضة لتعزيز هويتها الوطنية وإبراز إنجازاتها.

1.2 مشكلة الدراسة وأسئلتها

ينبثق السؤال المركزي:
كيف وظّفت دولة قطر تنظيم كأس العالم لكرة القدم (فيفا 2022) في خدمة استراتيجيتها لتعظيم قوتها الناعمة خارجيًا في إطار رؤية 2030؟
ويتفرع عنه الأسئلة الآتية:

  1. كيف تتقاطع الرياضة كأداة من أدوات القوة الناعمة مع السياسة في حقل العلاقات الدولية؟
  2. ما دور الدبلوماسية الرياضية في تدعيم الاستراتيجية القطرية لتعظيم قوتها الناعمة خارجيًا وخدمة أهداف رؤية 2030؟
  3. كيف استثمرت قطر في تنظيم كأس العالم (2022) وتوظيفه إعلاميًا وجماهيريًا لتحقيق أهدافها؟
  4. كيف أثّرت استضافة البطولة على أدوات العلاقات الدولية إقليميًا ودوليًا؟

1.3 فرضيات الدراسة

تفترض الدراسة أن تنظيم كأس العالم في الدوحة (2022) أسهم في تعزيز توظيف القوة الناعمة في العلاقات الدولية، وأثبت قدرة الدولة العربية على منافسة القوى التقليدية في تنظيم الفعاليات الكبرى، كما مثل نموذجًا يُحتذى في توظيف الرياضة لتعويض غياب القوة الصلبة لدى الدول الصغيرة.

1.4 أهداف الدراسة

الهدف الرئيس:

  • توضيح توظيف القوة الناعمة في العلاقات الدولية عبر دراسة حالة: كأس العالم فيفا قطر 2022.
    الأهداف الفرعية:
  1. دراسة دور القوة الناعمة في السياسة الخارجية القطرية.
  2. تحليل معايير النجاح والفشل في تنظيم البطولة، لا سيما في ظل الفارق الكبير بين الإنفاق (200 مليار دولار) والعائد المباشر (20 مليار دولار).
  3. تحديد الأهداف الاستراتيجية المعلنة وغير المعلنة لدولة قطر من استضافة البطولة.
  4. إبراز دور الرياضة كفاعل في السياسة الدولية واختبار مدى فاعليتها.

1.5 أهمية الدراسة

علميًّا: تسلط الضوء على تجربة قطر في توظيف كأس العالم سياسيًّا ضمن إطار القوة الناعمة.
عمليًّا: تقدم نموذجًا يمكن الاستفادة منه في سياسات التنمية وتقديم صورة الدولة للمجتمع الدولي.

1.6 منهجية الدراسة وأدواتها

اعتمدت الدراسة المنهج الاستقرائي، حيث تنتقل من الملاحظات الجزئية إلى تعميمات تُمتحن بالواقع، ومنهج دراسة الحالة لتحليل تجربة قطر في توظيف الرياضة كأداة سياسية.
الأدوات:

  • التحليل الوصفي التحليلي.
  • تحليل المحتوى لمصادر رسمية وبيانات إعلامية.

1.7 حدود الدراسة

  • المكانية: دولة قطر.
  • الزمانية: من تاريخ إعلان الفيفا (2 ديسمبر 2010) حتى نهاية البطولة (ديسمبر 2022).

1.8 مصطلحات الدراسة

  • القوة الناعمة: القدرة على الجذب والتأثير من دون إكراه، وفقًا لجوزيف ناي.
  • العلاقات الدولية: شبكة التفاعلات بين الدول والجهات الفاعلة على المستويات السياسية، الاقتصادية، القانونية والثقافية.
  • الدبلوماسية الرياضية: توظيف الرياضة والمنافسات لتعزيز صورة الدولة وخدمة أهدافها السياسية والاقتصادية.
  • الفيفا (FIFA): الهيئة الدولية المنظمة لكرة القدم.
  • التظاهرة الرياضية: حدث رياضي دولي منظم يتيح للدول توظيفه دبلوماسيًّا.
  • دولة قطر: دولة خليجية صغيرة المساحة (11490 كم²)، ذات موقع استراتيجي في الخليج العربي.

النتائج والتوصيات

4.1 نتائج الدراسة

  1. قدمت قطر نموذجًا للدول الصغيرة في موازنة القوة الخشنة بالقوة الناعمة، وكسر احتكار الدول الكبرى.
  2. حازت قطر على اهتمام دولي سياسي واقتصادي.
  3. نجحت في توظيف عناصر غير مادية (ثقافة، رياضة، رموز) بدلًا من العناصر المادية (جيش، مال).
  4. رسمت صورة ذهنية إيجابية لدى الشعوب الغربية، وهو ما انعكس على مواقف بعض الساسة، مثل تراجع ماكرون عن تصريحاته.
  5. أثبتت البطولة صعوبة الفصل بين الرياضة والسياسة، حيث استخدمت كأداة استراتيجية بعيدة المدى.
  6. مثّل التنظيم القطري تجربة ملهمة حازت على إشادة عالمية من المسؤولين والجماهير، وأبرزت تمسك الدولة بهويتها الثقافية، كما ظهر في افتتاح البطولة بتلاوة آية قرآنية بصوت غانم المفتاح، وترجمتها بمشاركة الممثل الأميركي مورغان فريمان.

4.2 التوصيات

  1. تعزيز البحث في توظيف الدبلوماسية الرياضية كوسيلة سلمية فعالة للتأثير الدولي.
  2. دعم سياسة تمويل الأندية العالمية لكسب جماهير دولية.
  3. الاستثمار في الرياضة المحلية عبر تطوير البنية التحتية.
  4. إعداد دراسات تقييمية لقياس الأثر البعيد للبطولة على تنفيذ رؤية قطر 2030.
  5. تطوير استراتيجية عربية موحدة لتوظيف القوة الناعمة بعيدًا عن النموذج الديمقراطي الغربي، مع التمسك بالهوية الثقافية والدينية.
  • للاطلاع على الرسالة كاملة (اضغط هنا)
  • الآراء الواردة في الرسالة تُعبِّر فقط عن رأي كاتبها.