يبدو أن العالم كان مستعدًّا لخوض كل أنواع الحروب العسكرية، ولكنه لم يكن مستعدًّا لخوض مواجهة واحدة مع فيروس متناهي الصغر. ورغم أن خبرة البشرية بمواجهة الأوبئة ليست ضئيلة، إلا أن أغلب دول العالم تفاجأت بقدرة كورونا (كوفيد-19) على التخفي عن أجهزة الرصد والمراقبة، وسرعة انتشاره وتجاوزه للحدود، وهشاشة منظومات الصحة العالمية وعجز آليات التعاون والتضامن الدوليين. لقد أوقع هذا الوباء الذي ظهر في الصين، في ظرف زمني قياسي، أضرارًا هائلة بصحة مئات الآلاف من الناس في مختلف أنحاء العالم، وأغلق الحدود البرية والجوية والبحرية بين البلدان ودفعها إلى الانغلاق على ذاتها وأجبرها على معالجة آثاره منفردة. كما ألحق آثارًا كارثية بالاقتصاد العالمي وبأسواق المال والطاقة والمبادلات التجارية بمختلف أنواعها، وأغلق المدارس والجامعات والأسواق، وغيَّر كثيرًا من أنماط العيش والعمل والتواصل بين الأفراد والجماعات.
لن يطول الزمن كثيرًا حتى يتكشَّف هذا الوباء العالمي عن مزيد من الأضرار والأخطار والانعكاسات السلبية على حياة الناس وعلى أولويات الدول وعلاقاتها فيما بينها. يضم هذا الملف، الذي ينشره مركز الجزيرة للدراسات تحت عنوان "وباء كورونا: آثاره الراهنة وانعكاساته المستقبلية: متابعة تحليلية"، مجموعة من المواد البحثية التي تتناول هذه الجائحة بالتحليل. تتضافر هذه الأوراق لتلقي الضوء على جوانب مختلفة من الانعكاسات التي خلَّفها وسيخلِّفها كورونا على حاضر العالم ومستقبله. وستقع تغذية الملف بمزيد من المواد لإثرائه وإفادة القارئ بما يحتاج إليه من تقديرات ومقاربات لمواكبة ما يجري في هذه الظروف العصيبة.