انعكاس أزمة النظام السياسي العربي على الأمن القومي

أين الأمن القومي العربي في وقت تستخدم إسرائيل قدراتها العسكرية ضد الفلسطينيين بغزة مع عجز العرب عن الاتفاق على قمة ترد على إسرائيل
19 January 2009








الدكتور عبد المنعم المشاط



تقديم
الأمن الوطني والأمن العربي
عصر القمم العربية الفعالة
مرحلة انفراط الأمن القومي والتحول إلى الأمن القطري
مجلس السلم والأمن العربي: امتداد للضعف الرسمي
التهالك المؤسسي وتهرؤ الأمن القومي العربي

ملخص



يتساءل كاتب الورقة عن جدوى الحديث عن الأمن القومي العربي في الوقت الذي تستخدم فيه إسرائيل قدراتها العسكرية المتنوعة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وعجز القادة العرب عن الاتفاق على عقد قمة عربية للتباحث في كيفية الرد على العدوان الإسرائيلي؟



ويقول إن هذا العجز ما هو إلا انعكاس لتهالك المؤسسات العربية، وعلى رأسها مؤسسة القمة والتي تنعكس بدورها على تهرؤ وتجزئة الأمن القومي العربي.



ويرجع السبب إلى عدم وجود اتفاق على درجة ما تمثله إسرائيل من تهديد، كما لا يوجد اتفاق على من يمثل الشعب الفلسطيني، على الرغم –كما يقول الكاتب- من أن الشعب الفلسطيني قد اختار ممثله في انتخابات حرة، كما أنه لا يوجد اتفاق على مدى ما تمثله إيران أو تركيا من تهديد للأمن القومي. وتخلص الورقة إلى أنه لا يوجد إدراك لماهية الأمن القومي العربي ومقوماته ومصادر تهديده وكيفية مواجهتها.



تقديم






من العجيب أن مبادرة إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 والتوقيع على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية  قد أخذت سبيلها في وقت لم يكن العرب في موقف قوة وتطور ووعي بالمتغيرات الدولية عكس الحال الآن
لا يغرب عن البال الأهمية القصوى للقمة العربية، باعتبارها تضم صانعي القرار في النظم السياسية العربية، والتي استطاعت -خلال السنوات العشر الأولى منها- أن تتخذ قرارات إستراتيجية، حددت مسار النظام الإقليمي العربي، ومؤسسة القمة العربية هي جزء من بنيان جامعة الدول العربية، والتي تبدو الآن كالبيت المهجور الذي لا يغني من جوع ويؤمن من خوف.


ولا شك أن تطورات النظام الدولي المرتقبة والاحتمالات المرجحة لتحوله -تحت ضغط الأزمة المالية الدولية- إلى نظام تعددي تتوافق على قيادته دول أساسية هي: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا واليابان والصين، من شأنه أن يقدم فرصًا للنظم الإقليمية الفرعية لكي تتمتع بدرجة أعلى من الاستقلال، مع القدرة على أن تلعب دورًا أهم على المستويين الإقليمي والدولي، بيد أن القدرة على الاستفادة من الفرص المتاحة لا تتوقف فقط على مدى إتاحة هذه الفرص فقط، وإنما - وهذا هو الأهم - على رغبة الأطراف المختلفة في وإرادتها للاستفادة من تلك الفرص.



ومن العجيب أن مبادرة إنشاء جامعة الدول العربية عام 1945 والتوقيع على معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية عام 1950 وفاعلية مؤسسة القمة في عقدها الأول، قد أخذت سبيلها في وقت لم يكن العرب في موقف قوة وتطور ووعي بالمتغيرات الدولية عكس الحال الآن، والسؤال المُلِح اليوم هو: هل تستطيع مؤسسة القمة العربية والنظام السياسي الرسمي العربي أن يساهما في تحقيق الأمن القومي العربي المستباح، أم أن هاتين المؤسستين لا تلعبان سوى دور شكلي غير مؤثر بل مساعد -بحالته هذه- على مزيد من اختراق الأمن القومي العربي.



الأمن الوطني والأمن العربي: إشكالية خارج الإطار العربي






الحديث عن الأمن القومي العربي ليس على حساب الأمن الوطني للدول العربية منفردة، كما لا يعني بالضرورة الاتفاق بين الدول العربية كافة حول المصادر الرئيسية لتهديد الأمن القومي
لقد ارتبط الأمن القومي/ الوطني بالدولة القومية، ومع ذلك؛ فإنه يمكن الحديث أحيانًا عن الأمن الإقليمي لمجموعة من الدول المتجاورة والمتشابهة في ظروفها ومصالحها القومية مثل غرب أوروبا، ودول جنوب شرق آسيا، ففي الحالة الأولى تم بناء حلف شمال الأطلنطي والذي استهدف بالأساس حماية الأمن الإقليمي لدول غرب أوروبا ضد التهديدات السوفيتية، ولم ينفِ ذلك حق كل دولة أوروبية في حماية أمنها الوطني ضد التهديدات الخارجية أو الداخلية.


وفي هذا الإطار، لا ينبغي التفرقة بين الأمن الوطني لكل دولة عربية على حدة وبين الأمن القومي للوطن العربي بكامله، فالأمن القومي العربي ليس مفهومًا هلاميًا غير محدد، ولكنه حصيلة جمع أمن كل دولة عربية، مؤدى ذلك أن تهديد الأمن الوطني لدولة أو لعدة دول (العراق أو السودان أو الصومال) ينتقص من الأمن الجماعي العربي، كما أن زيادة مستوى الأمن الوطني للدول العربية يدعم -بلا شك- الأمن القومي العربي.



إن الحديث عن الأمن القومي العربي لا يعني بالضرورة الإعلاء منه على حساب الأمن الوطني للدول العربية منفردة، كما أن الحديث عن الأمن القومي العربي لا يعني بالضرورة الاتفاق بين الدول العربية كافة حول المصادر الرئيسية لتهديد الأمن القومي.



فمن المعلوم أن للدول كافة الحق في تحديد المصادر الرئيسية للتهديد والمصادر الثانوية، كما أنه من حقها أن تضع الاستراتيجية الملائمة لمواجهة تلك المصادر، بعبارة أخرى، تعطي الدول أولوية لأمنها الوطني على الأمن الإقليمي أو القومي، وقد تجلى ذلك بوضوح في العمل العربي منذ عام 1945 حتى يومنا هذا. ويعود السبب في ذلك إلى أن الهدف الأساسي لوجود أية حكومة وطنية، يكمن في الحفاظ على بقائها، والارتقاء بمستوى شعبها؛ فإن تطابق ذلك مع أهداف دول مجاورة أو يشترك معها في الأصول القومية أعلت من التزاماتها المشتركة بالأمن الإقليمي أو الجماعي، أما في حالة وجود تعارض بين مقتضيات تحقيق الأمن الوطني ومستلزمات الأمن الإقليمي أو الجماعي؛ فإنها تلجأ إلى الالتزام بمقتضيات تحقيق أمنها الوطني، ولا شك أن ذلك يشكل معضلة كبرى بالنسبة لصناع السياسات الأمنية في الدول العربية، فعلى الرغم من وجود تهديدات رئيسية للأمن الوطني لعدد من الدول العربية وللأمن القومي العربي، مثل التهديدات الإسرائيلية، إلا أن بعض الدول العربية مثل دول الخليج العربية، أو دول شمال أفريقيا، قد لا ترى بالضرورة أن إسرائيل تشكل بالنسبة لها تهديدًا رئيسيًا مباشرًا، من ثم؛ فإن صناع السياسة الأمنية في تلك الدول قد يضعون التهديد الإسرائيلي في مرتبة أقل من تلك المرتبة التي يضعها آخرون. كما أن دولاً عربية أخرى قد تقلل من أهمية التهديدات التي تحددها دول بعينها على أنها تهديدات رئيسية، وهكذا تباينت السياسات الأمنية للدول العربية ولم يحدث اتفاق فيما بينها إلا فيما ندر حول نوعية التهديدات ومصادرها وكيفية مواجهتها.



ولعل أهم مظهر للاتفاق كان القرار المصري- السوري المشترك بشن حرب أكتوبر 1973 ضد إسرائيل، بغرض تحرير الأراضي العربية المحتلة، بالرغم من اختلاف الدولتين فيما بعد حول استراتيجية التعامل مع نتائج الحرب بما في ذلك التسوية السياسية بينهما وبين إسرائيل.



عصر القمم العربية الفعالة وصياغة سياسات الأمن القومي العربي






مبادرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالدعوة إلى عقد القمة العربية الأولى بالقاهرة سنة 1964 كان استجابة للتحديات الأمنية التي مثلتها إسرائيل ومشروعاتها التوسعية في تحويل مياه نهر الأردن
كم كان لدى القادة العرب في بداية الحرب الباردة بعد نظر نحو إشكالية تحقيق الأمن القومي العربي، ليس فقط باعتباره مسألة عسكرية، كما هو الحال في النظرية التقليدية للأمن القومي، وإنما باعتباره ظاهرة شاملة متكاملة الأبعاد العسكرية والاقتصادية والسياسية والاجتماعية.


وإذا كانت المادة السادسة من ميثاق جامعة الدول العربية تقيم نظامًا أقرب إلى نظام الضمان الجماعي بين الدول الأعضاء، فإن معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين دول الجامعة والتي وقعتها الدول العربية المستقلة آنذاك في عام 1950 قد ربط بوضوح ووعي بين الأبعاد العسكرية للأمن وبين مقوماته الاقتصادية؛ حيث أقامت المادتان الثانية والثالثة نظامًا للضمان والأمن الجماعي، وقررت -في المادة الخامسة- إنشاء عسكرية دائمة من ممثلي هيئة أركان حرب الجيوش العربية لتنظيم خطط الدفاع المشترك، وأنشأت المادة الثالثة مجلس الدفاع المشترك، والذي يتكون من وزراء الخارجية والدفاع الوطني للدول المتعاقدة أو من ينوبون عنها، وأضافت المادة الثالثة والسابعة ضرورة "إشاعة الطمأنينة وتوفير الرفاهية للمواطنين"، ولهذا، أنشأت المادة الثامنة مجلسًا اقتصاديًا من وزراء الدول المتعاقدة المختصين بالشئون الاقتصادية.



وفيما يتصل بدور مؤسسة القمة العربية في دعم الأمن القومي العربي، ينبغي التذكير بأن مبادرة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر بالدعوة إلى عقد القمة العربية الأولى بالقاهرة، في يناير/ كانون الثاني عام 1964، كان استجابة للتحديات الأمنية التي مثلتها إسرائيل ومشروعاتها التوسعية في تحويل مياه نهر الأردن، ولقد شهدت مؤتمرات القمة السبعة الأولى فيما بين 1964- 1974 إدراكًا واضحًا لمصادر تهديد الأمن القومي العربي ومحاولات لوضع أسس لسياسات دفاعية عربية؛ حيث ساد الإجماع بين الحكومات العربية وشعوبها على أن إسرائيل تمثل التهديد الرئيسي للأمن القومي العربي، كما أكد على ذلك مؤتمر القمة الأول، ووافقت القمة الثانية بالإسكندرية عام 1964 على ضرورة تحرير فلسطين كهدف قومي عربي وإنشاء جيش تحرير فلسطيني، ومنظمة التحرير الفلسطينية، وتوصلت القمة الثالثة عام 1965 إلى ميثاق التضامن العربي، وأقرت القمة الرابعة في الخرطوم عام 1967 سياسة عربية جماعية ضد إسرائيل (لا سلام مع إسرائيل، لا اعتراف بإسرائيل، لا تفاوض مع إسرائيل)، وأكدت القمة السادسة على أهمية استمرار الإجماع العربي، بينما أكدت القمة السابعة عام 1974 على اعتبار منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.



وقد أنشأت القمة العربية الأولى قيادة عربية مشتركة للجيوش العربية، وتم الاتفاق على أن يتولى مصريّ رئاستها، وأن تكون القاهرة مقرها الرئيسي، وتوصل المؤتمر الثاني إلى الموافقة الجماعية على: خطة العمل العربي الجماعي لتحرير فلسطين، وهي الخطة التي دعت إلى دعم وحماية الدفاع العربي للدول العربية التي يجري فيها نهر الأردن، كما طلبت القمة الثانية من القيادة العربية المشتركة ومن جيش تحرير فلسطين العمل المشترك من أجل إنشاء قوات فلسطينية، ودعا المؤتمر السادس بالجزائر عام 1973 إلى ضرورة تأمين كافة صور التأييد العسكري بالجبهات المصرية والسورية المقاتلة، كما أكد المؤتمر السابع على الالتزام العربي المشترك من أجل تحرير الأراضي العربية المحتلة.



لقد حثت القمم العربية -في هذه المرحلة- ليس فقط على التعاون الاستراتيجي بين الدول العربية وإنما كذلك على مساهمة الدول العربية الغنية ماليًا في بناء القوات المسلحة المصرية والسورية للمواجهة القادمة مع إسرائيل، بُغية تحرير الأراضي العربية المحتلة، كما شهدت -لأول مرة في التاريخ العربي- تنسيقًا استراتيجيًا نادرًا بين مصر وسوريا، تمهيدًا لحرب 1973 ضد إسرائيل؛ حيث اتخذ الرئيسان المصري السادات والسوري الأسد قرار الحرب وتوقيته دون خوف أو خشية من تسريبه إلى العدو، كما شهدت تلك المرحلة -كذلك- مشاركة عربية فعالة أحيانًا ورمزية أحيانًا أخرى من جانب الدول العربية المساندة لدول المواجهة مع إسرائيل.



مرحلة انفراط الأمن القومي والتحول إلى الأمن القطري



ومع ذلك؛ فإن انقسام الأقطار العربية -في أعقاب حرب 1973 وحتى اليوم- بناءً على عوائد النفط إلى دول نفطية من ناحية، ودول نهرية من ناحية أخرى، ودول تؤمن بالسلام مع إسرائيل من ناحية، ودول تعتقد بأبدية الحرب العربية الإسرائيلية من ناحية أخرى، بين دول لصيقة الصلة بالولايات المتحدة الأمريكية والنظام الرأسمالي من ناحية، ودول ما زالت تعيش مرحلة الفكر المركزي والحزب الوحيد من ناحية أخرى، كل ذلك انعكس بالضرورة على ضعف مؤسسة القمة العربية ومن ثم على انكماش دورها في تحقيق الأمن القومي العربي.



ومما ضاعف من ذلك، قيام الدول المتشابهة في النظام الإقليمي العربي بتشكيل منظمات إقليمية مثل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، اتحاد دول شمال أفريقيا والاتحاد العربي، ولا شك أن تلك المنظمات كانت سببًا في إضعاف الجامعة العربية ومؤسسة القمة العربية، كما أنها، ونظرًا لضعفها، أدت إلى ارتباط أعضائها بصورة عضوية بالدول الكبرى لتحقيق أمنها القطري، ولعل ارتباط دول مجلس التعاون بمعاهدات حماية عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية وغيرها، وارتباط المجلس بحلف الناتو تؤكد على ذلك.



بيد أن الضعف الذي استشرى في مؤسسة القمة العربية قد تعمق خلال قمة يناير عام 1991 والتي اتخذت قرارًا بالتدخل العسكري لتحرير الكويت بالأغلبية وليس بالإجماع الذي يتطلبه الميثاق (وقد تم تعديل الميثاق في قمة الجزائر عام 2005 لكي تصدر مثل هذه القرارات بالأغلبية)، وهو التدخل الذي أدى إلى مزيد من التمزق العام، كما زاد الانشقاق العربي بصورة حادة إزاء الاحتلال الأمريكي للعراق من ناحية، وتعقد القضية الفلسطينية من ناحية أخرى، وقد برز ذلك تجاه الحرب اللبنانية الإسرائيلية عام 2006 كما يبرز الآن بصدد العدوان الإسرائيلي المكثف على غزة؛ حيث لم يتفق الزعماء العرب على عقد القمة العربية بحجة عدم جدواها، ولا على مواجهة إسرائيل.



إن أقصى ما فعلته القمة العربية إزاء الصراع الفلسطيني يكمن في المبادرة العربية، والتي هي في الأصل مبادرة سعودية، التي تقر مبدأ الأرض مقابل السلام من ناحية، والتطبيع مع إسرائيل من ناحية أخرى، وهي مبادرة لم ينظر إليها أي طرف بعين الاعتبار. ويبدو أن السبب في ذلك يعود إلى أن كلاً منهم مهتم -بصورة أساسية- بأمنه القطري على حساب الأمن القومي.



وليس غريبًا في هذا الإطار أن يزيد النفوذ الإقليمي -داخل الوطن العربي- لدول إقليمية غير عربية مثل إيران وتركيا، فالقوة النووية الإيرانية وتغلغلها في لبنان وغزة، ناهيك عن نفوذها الفاعل في العراق وفي دول عربية أخرى، تضع بلا شك قيدًا على فاعلية القمة العربية، كما أن الدور المتزايد لتركيا في الوطن العربي، مثل وساطتها بين سوريا وإسرائيل واستثماراتها في الدول العربية، يحد من النظر إليها، عكس الحال في الماضي، باعتبارها تهديدًا ثانويًا للأمن القومي العربي.



مجلس السلم والأمن العربي: امتداد للضعف المؤسسي الرسمي






التحول في النظام العالمي من نظام فردي تقوده أمريكا إلى نظام تعددي توافقي تقوده بالإضافة إليها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان يعطي للنظام العربي لترتيب أولوياته وحماية أمنه
اتخذت القمة العربية في الخرطوم في مارس عام 2006 قرارًا بإنشاء مجلس السلم والأمن العربي والذي يرأسه أمين عام مساعد للجامعة، على افتراض أنه يتولى متابعة قضايا الأمن العربي وتحليلها وتقديم المقترحات بشأنها، وتتبع المجلس عدة أجهزة على رأسها بنك المعلومات ونظام الإنذار المبكر وهيئة الحكماء، والافتراض الذي بني عليه إنشاء المجلس هو احتمالات أن يلعب دورًا في حماية الأمن القومي العربي، بيد أن تشكيل المجلس واختصاصاته هذا فضلاً عن الاسم الرسمي للمجلس، وأنه قد أسقط "القومي" عن "الأمن"، لا يوحي بذلك ولا يؤدي إليه، فمصطلح "الأمن" -منفردًا- يعني إما الأمن بالمعنى العسكري فقط أو الأمن الداخلي، وكلاهما لا يعدو أن يكون جزئية ضئيلة في تعريف الأمن.


وبالنظر إلى أهداف المجلس تبين أن دوره محدود في تناول قضايا الأمن القومي، إذ يهدف إلى "الوقاية من النزاعات التي يمكن أن تنشأ بين الدول العربية، وإدارتها وتسويتها في حال وقوعها، متابعة ودراسة وتقديم توصيات إلى مجلس الجامعة بشأن التطورات التي تمس الأمن القومي العربي"، ويتضح من ذلك مدى ضآلة الأهداف التي يسعى إليها المجلس، هذا بالإضافة إلى أنه ليس مختصًا بتحديد التهديدات التي يتعرض لها الأمن القومي العربي، وفوق ذلك؛ فإن تشكيل المجلس من خمسة ممثلين للدول الأعضاء على مستوى وزراء الخارجية لا يرقى به إلى المؤسسات التي أنشأتها معاهدة الدفاع المشترك والتعاون الاقتصادي بين الدول العربية لعام 1950.



التهالك المؤسسي وتهرؤ الأمن القومي العربي



كيف يمكن الحديث عن الأمن القومي العربي في الوقت الذي تستخدم فيه إسرائيل قدراتها العسكرية المتنوعة ضد الشعب الفلسطيني في غزة وعجز القادة العرب عن الاتفاق على عقد قمة عربية للتباحث في كيفية الرد على العدوان الإسرائيلي؟



إن هذا العجز ما هو إلا انعكاس لتهالك المؤسسات العربية، وعلى رأسها مؤسسة القمة والتي تنعكس بدورها على تهرؤ وتجزئة وتعرض الأمن القومي العربي، إذ ليس هناك اتفاق على درجة ما تمثله إسرائيل من تهديد، كما لا يوجد اتفاق على من يمثل الشعب الفلسطيني، على الرغم من أن الشعب الفلسطيني قد اختار ممثله في انتخابات حرة، كما أنه لا يوجد اتفاق على مدى ما تمثله إيران أو تركيا من تهديد للأمن القومي، وهكذا؛ فإنه لا يوجد إدراك لماهية الأمن القومي العربي ومقوماته ومصادر تهديده وكيفية مواجهتها.



إن التحول في النظام العالمي من نظام فردي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية إلى نظام تعددي توافقي تقوده بالإضافة إليها روسيا والصين والاتحاد الأوروبي واليابان، وإن كان يعطي فرصة نادرة للنظم الإقليمية، ومنها النظام العربي لترتيب أولوياتها وحماية أمنها، إلا أنه يستلزم أولاً أن تتحول القمة العربية إلى مؤسسة فاعلة حريصة على تكريس الأمن القومي العربي والإعلاء منه.
_______________
رئيس مركز البحوث السياسية بجامعة القاهرة