مستقبل الدور التركي في الخليج

شهدت السنوات الست الماضية مساراً تصاعدياً للحضور التركي في الخليج، وبموازاة التبادل التجاري غير المسبوق في حجمه، سعت تركيا لأخذ دور لها في معادلة أمن الخليج، كما سعت لأخذ مكانها في سياسات الطاقة الخليجية.
1_881625_1_6.jpg








عبد الجليل زيد المرهون


شهدت السنوات الست الماضية مساراً تصاعدياً للحضور التركي في الخليج. ووصل التبادل التجاري بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي مستويات لم يشهدها في أي وقت مضى. بل إن إحدى دول المجلس تقدمت على ألمانيا، كأكبر مستقبل للصادرات التركية في العالم، وفي ذلك تحول تاريخي بالكثير من المعايير.


وبموازاة التبادل التجاري غير المسبوق في حجمه، سعت تركيا لأخذ مكانها في سياسات الطاقة الخليجية، فاقترحت مبادلة المياه بالنفط والغاز، عوض أن تكون بائع ماء للخليجيين، ومشتر للطاقة من مناطق أخرى. وفي ذلك إعادة صوغ لمشروع "مياه السلام"، الذي طرحه الرئيس التركي الأسبق، تورغت أوزال. وقد يبصر النور، في السنوات القليلة القادمة، أنبوب الغاز الخليجي التركي.





البعد الأهم، بمعيار التاريخ، في التحرك التركي نحو المنطقة، هو سعى تركيا لأخذ دور لها في معادلة أمن الخليج
ويبقى البعد الأهم، بمعيار التاريخ، في التحرك التركي نحو المنطقة، هو سعى تركيا لأخذ دور لها في معادلة أمن الخليج. وهي ربما تكون قد خطت الخطوة الأولى في هذا الاتجاه، من خلال توقيعها "مذكرة التفاهم الإستراتيجي" مع الخليجيين في سبتمبر /أيلول الماضي.

كذلك، باتت تركيا في طليعة المعنيين بالتوجه الجديد لحلف شمال الأطلسي (الناتو)، القاضي بالاضطلاع بدور في الأمن الإقليمي الخليجي، ارتكازاً إلى ما يُعرف "بمبادرة إسطنبول"، التي أطلقها الحلف في العام 2004، وانضمت إليها في السنوات الأخيرة غالبية الدول الخليجية. وفي المجمل، فإننا اليوم أمام مشهد جديد لعلاقات تركية خليجية، أفادت من إعادة إنتاج لخيارات أنقرة الخارجية، بدا الشرق الأوسط حاضراً كبيراً فيها.


أولاً: السياسة التركية وإعادة اكتشاف الشرق الأوسط
ثانياً: تطوّر قياسي في التجارة الخليجية التركية
ثالثاً: التعاون التركي الخليجي في قضايا الأمن والدفاع


السياسة التركية وإعادة اكتشاف الشرق الأوسط


وفي توصيف لوظيفتها الجيوبوليتيكية، التي نهضت بها في مرحلة الحرب الباردة، فقد لعبت تركيا دوراً محورياً في الاستراتيجية الأطلسية الخاصة باحتواء الإتحاد السوفياتي، مستندة إلى موقعها الجغرافي،الذي يسيطر على المدخل الجنوبي للجمهوريات السوفياتية الآسيوية.


هذا بالأمس القريب، أما اليوم فثمة تعريف جديد للوظيفة الجيوبوليتيكية، تقدم فيه تركيا نفسها باعتبارها صلة وصل بين الشرق والغرب، بالمعنى القيمي الحضاري. وذلك بموازاة كونها جسراً لإمدادات الطاقة المتجهة للغرب، من آسيا الوسطى والقوقاز والشرق الأوسط.


وقد عاد الشرق الأوسط موضع تطلّع تركي متزايد، بل إن تركيا عادت لتكتشف أهمية هذا الشرق في تعزيز مكانتها الدولية وازدهارها الداخلي.


ويرى البعض أن النخبة المؤيّدة للغرب، التي دارت السياسة الخارجيةَ التركيةَ منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، قد انحسرت تدريجياً لتحل محلها نخبة محافظة، أكثر تديناً أو أكثر قومية، ينتابها الارتياب من الغرب، والاعتزاز بماضي تركيا العُثماني(1)، الأمر الذي عزز التوّجه التركي نحو الشرق الوسط، وحيث بدت منطقة الخليج في طليعة المعنيين بهذا التوّجه.


وبالنسبة لبعض المحللين، فإن بُعد الطاقة، على وجه الخصوص، هو ما يحفظ مكانة تركيا في المدرك الإستراتيجي الغربي(2). ووفقاً لأحد مستشاري السياسة الخارجية لرئيسِ الوزراء التركي، طيب رجب أوردغان، فإن نجاح تركيا يكمن في قدرتها على "موازنة دورها كبلاد عبور للطاقة بين المنتجين والمستهلكين"(3).


بيد أن ما تقدم لا يحجب حقيقة أخرى، مفادها أن تركيا، المتطلعة للانضمام للاتحاد الأوروبي، والساعية في الوقت ذاته لتعزيز دورها في الشرق، تشهد منذ سنوات أزمة صامتة مع حلفائها الأطلسيين.


وهذا ما أظهرته، بوجه خاص، الحربُ الأميركية على العراق في العام 2003. ثم عاد وتكشف بعد خمسة أعوام، خلال الحرب في جنوب أوسيتيا. وحيث بدت أنقرة في لحظة ما أقرب إلى موسكو منها إلى واشنطن(4).





عاد الشرق الأوسط موضع تطلّع تركي متزايد، بل إن تركيا عادت لتكتشف أهمية هذا الشرق في تعزيز مكانتها الدولية وازدهارها الداخلي
وغير بعيد عن هذا المناخ، رفضت تركيا طلب الناتو إرسال جنودها العاملين في أفغانستان إلى المناطق الجنوبية من البلاد، التي تتسم الخدمة فيها بقدر أكبر من المخاطرة(5).علماً بأن تركيا تمتلك أكبر جيش في حلف الناتو، بعد الولايات المتحدة، حيث تحتفظ بنحو نصف مليون جندي في الخدمة، و900 ألف عنصر احتياطي(6).

وفي المجمل، يمكن الوقوف على سلسلة طويلة من القضايا الخلافية الضاغطة اليوم على وضع تركيا الأطلسي، من قوانين العبور في مضايق البوسفور والدردنيل وحجم التواجد الأجنبي في البحر الأسود، إلى العلاقة مع روسيا والعراق، والأزمة القبرصية(7).


وقد أوضح استطلاع للرأي، موله صندوق مارشال، أن تأييد الأتراك لحلف الناتو قد تراجع من 53% في العام 2004 إلى 44% في العام 2006(8).


وفي السياق ذاته، اشتكى الأتراك من أن الولايات المتحدة لا تُعير اهتماماً لرغبتهم في تعزيز نظم دفاعهم الجوي. وأشارت بعض التقارير إلى أن تركيا في سبيلها للتوجه إلى روسيا لهذا الغرض(9).


تطوّر قياسي في التجارة الخليجية التركية 


وعلى صعيد بنيتها الاقتصادية، تحتفظ تركيا باقتصاد خليط من الزراعة والصناعات الحديثة والخدمات.


ويستوعب القطاع الزراعي أكثر من 35% من القوة العاملة المحلية، إلا أن حصتها من الناتج القومي لا تتعدى 8.9%، في حين تساهم الصناعة بأكثر من 62% من هذا الناتج، على الرغم من أنها لا تستوعب سوى نحو 23% من القوى العاملة. وتستوعب صناعة النسيج والألبسة ثلث القوى العاملة في القطاع الصناعي(10).


وفي العام 2007، بلغ الناتج القومي الإجمالي لتركيا 853.9 مليار دولار، بدخل فردي سنوي قدره 12 ألف دولار(11).


ويصل الدين العام التركي إلى نحو 39% من الناتج القومي الإجمالي، في حين يبلغ مجموع احتياطات البلاد من العملات الصعبة والذهب 76.5 مليار دولار، كما هو مثبت في 31 كانون الأول ديسمبر 2007(12).


وعلى خلفية تداعيات الأزمة المالية العالمية، تحرك الأتراك لتأمين عشرين مليار دولار، للمساعدة على سد الفجوة المالية التي باتوا يعانون منها. وحسب بعض التقارير، فقد وصلت مفاوضاتهم مع صندوق النقد الدولي بهذا الخصوص إلى مراحل متقدمة(13).


وقد نجحت تركيا في تنويع شركائها التجاريين حول العالم. وبلغ عدد شركائها، ممن تصَدرُ لهم سلعاً بقيمة تزيد على المليار دولار سنوياً، 24 شريكاً، في حين لم يتجاوز هذا العدد ثمانية في العام 2002(14).


كذلك، ارتفع عدد الدول المتلقية للصادرات التركية بوجه عام من 172 دولة في العام 1996 إلى 218 دولة في العام 2008. وهذا هو الرقم الأعلى في تاريخ التصدير التركي(15).وفي العام 2007، بلغ إجمالي صادرات تركيا نحو 115 مليار دولار، ووارداتها 162 مليار دولار (16).


وعلى صعيد العلاقات التجارية بين تركيا ودول مجلس التعاون الخليجي، شهدت هذه العلاقات تطورات ملحوظة منذ الطفرة النفطية الأولى، في مطلع سبعينات القرن العشرين، واتجهت نحو قفزة جديدة مع الطفرة النفطية الثانية.





شهدت السنوات الخمس الماضية نمواً مستمراً في مؤشرات التبادل التجاري التركي الخليجي، خاصة لجهة الصادرات التركية لدول المنطقة
ويمكن القول، بصفة مجملة، أنه اعتباراً من بداية عقد الثمانينات من القرن الماضي غدت منطقة الخليج شريكاً تجارياً رئيسياً لتركيا. وفي الاتجاه ذاته، بدأت شركات المقاولات التركية بالانفتاح على الخارج منذ بداية السبعينات. وقد تم تنفيذ الجزء الأعظم من  المقاولات التركية الخارجية في الدول العربية، وكان للخليج نصيباً كبيراً منها.

وعلى مستوى التبادل التجاري التركي الخليجي، شهدت السنوات الخمس الماضية نمواً مستمراً في مؤشرات هذا التبادل، خاصة لجهة الصادرات التركية لدول المنطقة.


وفي العام 2007، بلغت قيمة الصادرات التركية إلى دولة الإمارات العربية المتحدة أكثر من ثلاثة مليارات ومائتين وأربعين مليون دولار، أو ما نسبته ثلاثة في المائة من إجمالي الصادرات التركية، كما بلغت صادرات تركيا إلى السعودية نحو مليار وأربعمائة وستة وثمانين مليون دولار(17).


وجاء التطوّر القياسي في المؤشرات في العام 2008،  حيث ارتفعت على نحو كبير، خلال الأشهر الثمانية الأولى منه، الصادرات التركية لدول المنطقة. فقد ارتفعت هذه الصادرات إلى الكويت بنسبة 177%، وإلى قطر بنسبة 203%، وإلى الإمارات العربية المتحدة بنسبة210%. وفي أغسطس /آب الماضي، أزاحت الإمارات، ولأول مرة، ألمانيا من قمة مستقبلي الصادرات التركية(18).


وكانت دول المجلس قد بدأت منذ العام 2005 مفاوضات مع أنقرة لإقامة منطقة للتجارة حرة، ويبدو أنها قد وصلت اليوم إلى مرحلة متقدمة. ومتى أقيمت هذه المنطقة فإن مستويات التبادل التجاري بين الجانبين سوف تشهد مزيداً من النمو القياسي.


وفي مقابل هذه المؤشرات العالية، لا زال حجم الاستثمارات الخليجية في تركيا لا يتعدى المليارين ومائة مليون دولار. وذلك استناداً لتصريح لوزير الخزانة التركي، محمد شيمشك، في آذار مارس 2008(19).


وجاء الحدث الأبرز في هذا المسار، في نهاية أكتوبر /تشرين الأول 2008، حين وقع ائتلاف خليجي، مكون من ثلاث مؤسسات مالية، اتفاقية مع أنقرة لاستثمار ستة مليارات دولار في قطاعي الزراعة والبنية التحتية التركية. والمؤسسات المالية الخليجية هي: بنك إثمار بي إس سي وصندوق أبوظبي للاستثمار وصندوق التمويل الخليجي(20).


قضايا الطاقة
وعلى صعيد التعاون التركي الخليجي في قضايا الطاقة، لا زال هذا المجال متخلفاً عن مجالات التعاون الأخرى بين الجانبين. وفي هذا مفارقة كبيرة، إذ أن الصادرات الخليجية لدول العالم هي في غالبيتها العظمى صادرات نفط وغاز، كما أن تركيا تعد مستورداً إقليمياً كبيراً للغاز والنفط، كما لديها شركات كبيرة عاملة في قطاع الصناعة النفطية.


وقد اقترح الرئيس التركي، عبد الله غول، خلال زيارته إلى قطر، في فبراير /شباط 2008، مبادلة المياه التركية بالنفط الخليجي(21).


وهناك حالياً مشروع لمد أنبوب غاز يصل تركيا بقطر، التي تستثمر فيها الشركات التركية ما مجموعه خمسة مليارات دولار(22). وفي الأصل، كانت قد طرحت من قبل الرئيس أوزال، في العام 1991، فكرة تزويد دول الخليج بمياه تركية، عبر خطوط أنابيب طويلة، إلا أن هذه الفكرة ما لبثت ووضعت على الرف، نظراً للتحديات السياسية التي واجهتها(23).


وبالنسبة لتركيا على وجه الخصوص، فإن فكرة مبادلة الماء بالنفط والغاز تنطوي على كثير من الإغراء، نظراً للثمن الكبير الذي تدفعه الخزينة التركية من أجل تغطية تكاليف الطاقة المتزايدة في البلاد.


ويبلغ إنتاج تركيا من النفط نحو 43 ألف برميل يومياً، حسب مؤشرات العام 2007، في حين يبلغ استهلاكها منه 676 ألف برميل يومياً. ويبلغ إنتاجها من الغاز 893 مليون متر مكعب، في حين يصل استهلاكها نحو 37 مليار متر مكعب(24).


وفي العام 2007، زودت روسيا تركيا بـ23.2 مليار متر مكعب من الغاز، أي ما يعادل 64% من إجمالي وارداتها. كما زودتها إيران بما نسبته 17% مِن إجمالي الواردات(25).


وتنتج تركيا من الفحم والغاز الطبيعي 40.000 ميجاوات، أو نحو نِصف حاجتها من الكهرباء(26).وتشكل الطاقة المتولدة من الماء (Hydropower) ثلث استهلاك البلاد، مع توّقع أن ترتفع  إلى 46% بحلول العام2020 ، من خلال التجهيزات الإضافية التي ستقام في شرق تركيا وجنوبها الشرقي(27).


وفي أواخر العام 2007، قالت الولايات المتحدة إنها على استعداد لدعم مشاريع البنية التحتية التركية الخاصة بإنتاج الكهرباء، بما في ذلك بناء محطات نووية، وتأسيس مشاريع للطاقة المتجددة، لتغدو تركيا ذات مصادر طاقة متنوعة، بموازاة كونها بوابة الطاقة الهيدروكربونية لأوروبا(28).


التعاون التركي الخليجي في قضايا الأمن والدفاع 


وبموازة تفاعلاتها التجارية والاقتصادية مع منطقة الخليج، تطلعت تركيا للنهوض بما يمكن اعتباره دوراً إستراتيجياً في هذه المنطقة.





بعد 17 عاماً على حرب الخليج الثانية، نجح الأتراك في تأسيس ما يمكن اعتباره بداية مسعى للنهوض بدور سياسي وأمني في الخليج
وهو دور بدأت الدعوة إليه منذ حرب الخليج الثانية في العام 1990 – 1991. فخلال تلك الحرب، وخلافاً لتوّجهات المؤسسة العسكرية، رمى الرئيس أوزال بثقل بلاده الكامل خلف الحملةَ العسكريةَ الدولية. وسارع بقطع تدفقِ صادرات العراق النفطية من خلال خطوط الأنابيب المتجهة للأراضي التركية.

كما أمر أوزال بنشر مائة ألف جندي على الحدود العراقية، وسمح للقوات الأميركية بشن غارات انطلاقا من قواعدها في تركيا(29). ورأى أوزال في الحرب فرصة لإيضاح أهمية  تركيا الإستراتيجية، ودعم روابط الدفاع بالولايات المتحدة. وتالياً، تعزيز "شراكة  إستراتيجية" مع واشنطن، وتحسين فرص الانضمام إلى المجموعة الأوربية( الاتحاد الأوروبي لاحقاً) (30).


وفي وقت لاحق، بدا يطفو على السطح نمطٌ مستجدٌ من المقولات، مفاده إمكانية بلورة دور تركي متقدم في الخليج من مدخل أوسع هو   "التعاون الشرق أوسطي"، الذي بشر به، حتى حين، مؤتمر مدريد للسلام في الشرق الأوسط (أكتوبر /تشرين الأول 1991)، والاتفاقيات التي أعقبته.


بيد أن هذه المقولات، وما صاحبها من ضجيج إعلامي، لم يُقدّر لها في نهاية المطاف سوى خلق قدر متنامٍ من الهواجس الإقليمية، وتصعيد حدة التقاطب في الفضاء الإقليمي، حيث شعرت بعض دول المنطقة، بأن الدور التركي المرتقب سيكون على حساب مكانتها وموقعها في لعبة النفوذ والتوازنات، بل قد يكون مقدمة لدور إسرائيلي أوسع نطاقاً. وعلى الرغم من أن الأتراك نفوا مثل هذه النوايا، إلا أن مساعيهم هذه قد انعكست سلباً على موقعهم في المنطقة.


وبعد 17 عاماً على حرب الخليج الثانية، نجح الأتراك في تأسيس ما يمكن اعتباره بداية مسعى للنهوض بدور سياسي وأمني في الخليج، انطلاقاً من الروابط الثنائية المباشرة، التي تعاظمت في السنوات الست الماضية.


ففي الثاني من سبتمبر /أيلول الماضي، وقعت دول مجلس التعاون الخليجي مذكرة تفاهم مع تركيا للحوار الإستراتيجي. وأمل الجانبان أن تفتح المذكرة الطريق أمام علاقات متقدمة في المجالات كافة(31).


وقد رأى وزير الخارجية التركي، علي بابا جان، بأن هناك حزام أزمة في الشرق الأوسط، يقع  في منطقة بين تركيا في الشمال والخليج في الجنوب(32). ورأى باباجان أن دور قطر في توقيعِ اتفاق الدوحة بين الفرقاء اللبنانيين، ودور بلاده كوسيط في المحادثات بين سوريا وإسرائيل، يُعد مؤشر على إمكانية تعاون الأتراك والخليجيين في قضايا الأمن الإقليمي(33).


وعرّف باباجان تركيا ومجلس التعاون الخليجي بأنهما النجمتان الاقتصاديتان في الشرق الأوسط خلال السنوات الخمس الماضية. ونبه إلى أن التبادل التجاري بين الطرفين قد تضاعف أربع مرات في تلك السنوات(34).


دور تركي في إطار الناتو
وعلى صعيد مواز لتحركها الذي عبرت عنه مذكرة التفاهم الإستراتيجي، ستكون العلاقات التركية-الخليجية في طليعة المعنيين بالتوجه الجديد لحلف الناتو، المتمثل بالسعي للدخول على خط معادلة الأمن الإقليمي في الخليج.


فهذا المتغير سوف يعزز على الأرجح من الحضور التركي في المنطقة، ويمنحه بعداً هيكلياً لا زال يفتقده. وهو سيرفع، في الوقت نفسه، من مكانة تركيا في المنظومة الأطلسية، بما يعوض لها بعض ما فقدته إثر انضمام بلغاريا ورومانيا إلى الناتو. وستكون مبادرة إسطنبول للتعاون (ICI)، التي أطلقها الحلف في قمته التي عقدت في تركيا، في يونيو/حزيران من العام 2004، إحدى النوافذ الأساسية التي تطل من خلالها تركيا على المنطقة، خاصة وإن هذه المبادرة قد وُجّهت بصفة أساسية لدول مجلس التعاون الخليجي. وقد انضمت إليها غالبية هذه الدول.


التعاون في مجال التصنيع العسكري
ويبرز التعاون في قضايا التصنيع العسكري كمجال آخر راجح في فضاء العلاقات التركية الخليجية، خاصة وأن فرص التكامل في هذا القطاع تبدو كبيرة. وذلك بلحاظ الخبرة المتنامية لصناعة الدفاع التركية من جهة، وحجم الإنفاق الخليجي الكبير على مشتريات الدفاع من جهة أخرى.


وتفيد المؤشرات المتاحة، بأن المبيعات الكلية (الداخلية والخارجية) لشركات الدفاع التركية قد بلغت في العام 2007 نحو ملياري دولار(35)، علماً بأن تركيا تنفق حوالي خمسة مليارات وخمسمائة مليون دولار سنوياً على مشتريات الدفاع (36).


وقد بلغت صادرات الدفاع التركية في العام 2007 ما قيمته 420 مليون دولار، وذلك طبقاً لتقرير (SSM)، الذي نشر في وقت مبكر من العام 2008(37). واستناداً لبعض التقارير، تتطلع تركيا لإنتاج غواصات خلال السنوات العشر القادمة(38).


وبالنسبة لآفاق التعاون التركي الخليجي في ميدان الصناعات الدفاعية، فإن دول الخليج يمكنها، على وجه الخصوص، الدخول في إنتاج مشترك مع الأتراك لطائرات التدريب العسكرية، التي تصنعها شركة (TAI). وكذلك للصواريخ  متوسطة المدى، التي تنتجها شركة (ROKETSAN). ومن شأن خيارات كهذه أن تقدم منافع كبيرة لدول المنطقة، على مستوى تدريب وتأهيل الكوادر المحلية، وفق سياسة حرق المراحل.






_______________
باحث بحريني

هوامش


1- F. Stephen Larrabee. Turkey Rediscovers the Middle East. Foreign Affairs, July/August 2007
http://www.foreignaffairs.org/20070701faessay86408/f-stephen-larrabee/t…
2- Federico Bordonaro. Turkey key to Western energy security. Word Press. August 29, 2006.
http://acturca.wordpress.com/2006/08/29/turkey-key-to-western-energy-se…
3- Greg Bruno. Turkey at an Energy Crossroads. Council on Foreign Relations. November 20, 2008
http://www.cfr.org/publication/17821/#2 
4- ZEYNO BARAN. Will Turkey Abandon NATO?. The Wall Street Journal. August 29, 2008
http://online.wsj.com/article/SB121997087
258381935.html?mod=googlenews_wsj
5- Daniel Steinvorth. TURKEY AND NATO .Ankara Unhappy about Request for More Help.Der SPIEGEL-ONLINE. March 28,2008
http://www.spiegel.de/international/world/
0,1518,544089,00.html
6- Rachel Aunspaugh.Turkey and NATO: A Tempestuous Relationship. Oxford International Review. October 10, 2008
http://oxfordir.org.uk/2008/10/10/turkey-and-nato-a-tempestuous-relatio…
7- Mustafa Oğuz.Turkey ignoring NATO allies for its neighbors. Hürriyet.
http://www.hurriyet.com.tr/english/
domestic/10644905.asp
8- Judy Dempsey. Turkey turning cool to NATO. The International Herald Tribune, September 8, 2006
http://www.iht.com/articles/2006/09/06/news/poll.php 
9- Daniel Steinvorth. Op.Cit. 
10- The Central Intelligence Agency ( CIA). World Factbook 2008. Turkey
https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/tu.html
11- Ibid.
12- Ibid. 
13- Delphine Strauss. Turkey hit by grim growth data ahead of meeting on IMF deal. The Financial Times. December 16, 2008
http://www.ft.com/cms/s/0/d6c0461c-cb10-11dd-87d7-000077b07658.html?ncl…
14- Pelin Turgut. Exports: Trade with the Middle East soars as relationships thaw. The Financial Times. November 28, 2008
http://www.ft.com/cms/s/0/e8923604-bcdb-11dd-af5a-0000779fd18c.html
15- Ibid.
16- The Central Intelligence Agency ( CIA). Op.Cit.
17- Turkish Embassy – London. Economic Outlook of Turkey
http://www.turkisheconomy.org.uk/
economy/foreigntrade.htm 
18-  Pelin Turgut. Op.Cit
19- ارتفاع التبادل التجاري بين تركيا والاتحاد الأوروبي
http://www.moheet.com/show_news.aspx?nid=102891&pg=36  
20-  صندوق خليجي يعتزم استثمار ستة مليارات دولار في تركيا
http://www.arabianbusiness.com/arabic/536681
21- غول يقترح في قطر مبادلة المياه التركية بنفط الخليج
http://www.radiosawa.com/article_print.aspx?id=1507422 
22- محمد الفاتح أحمد.مشاريع الشركات التركية في قطر تتجاوز 5 مليارات دولار. صحيفة "العرب". الدوحة. 27 كانون الثاني يناير 2008
http://alarab.com.qa/details.php?docId=475&issueNo=16&secId=17 
23- Turkey Plans Water Export to Gulf States. turks.us. March 29, 2004
http://www.turks.us/article.php?story=20040329190421760
24- The Central Intelligence Agency ( CIA). Op. Cit
25- Greg Bruno. ). Op. Cit
26-  Ibid.
27- Ibid. 
28- DOE Fact Sheet: U.S-Turkey Cooperation in Global Energy Security. The source for critical information and insight. November 11, 2008
http://energy.ihs.com/News/security/2008/doe-fact-sheet-turkey-111108.h…;
29- F. Stephen Larrabee. Op. Cit
30- Ibid. 
31- توقيع مذكرة تفاهم تمهد لعلاقات إستراتيجية خليجية تركية. الجزيرة نت. 3 أيلول سبتمبر 2008.
http://www.aljazeera.net/news/archive/archive?ArchiveId=1098068 
32-Turkey and gulf cooperation council sign agreement. TIMETURK. September 3, 2008
http://en.timeturk.com/Turkey-and-gulf-cooperation-council-sign-agreeme…;
33- Ibid.
34- Ibid.
35- Crisis to affect defense companies’ already limited export potential. Today's Zaman. December 23, 2008
http://www.todayszaman.com/tz-web/detaylar.do?load=detay&link=162043&nb…;
36-  Ibid.
37-  Ibid.
38- Turkey: The Defence Industry. equilibri.net. April 17, 2008
http://uk.equilibri.net/article/9401/Turkey
__The_Defence_Industry 

ABOUT THE AUTHOR