الحرب والاحتلال في العراق-ملخصات

صدر هذا التقرير عن نادي السياسات الدولية بأميركا بالتعاون بين 33 منظمة وهيئة عامة من مختلف مناطق العالم، وهو يغطي مختلف مناحي الوضع العراقي بشكل تفصيلي ومدقق، منذ وقوع هذا البلد تحت طائلة الاحتلال الأميركي الأنجلو سكسوني، في مارس/ آذار 2003.


 









صدر هذا التقرير عن نادي السياسات الدولية (Global Policy Forum) الذي يوجد مقره بالولايات المتحدة الأميركية، وهو منظمة دولية تقوم على رقابة السياسات الصادرة عن الأمم المتحدة ودعم آليات المحاسبة والمشاركة السياسية في مختلف أرجاء العالم، استنادا إلى ما يسمى مبدأ المواطنة الكونية.


 


ترجمة وتلخيص/ رفيق عبد السلام


 


تأطير


الملخص العام
خاتمة وتوصيات


 


تأطير


 








د. رفيق عبد السلام
أنجز هذا التقرير بالتعاون بين 33 منظمة وهيئة عامة من مختلف مناطق العالم، ويقع في 117 صفحة، وهو يغطي مختلف مناحي الوضع العراقي بشكل تفصيلي ومدقق، منذ وقوع هذا البلد تحت طائلة الاحتلال الأميركي الأنجلوسكسوني، في مارس 2003.


ويكتسب هذا التقرير أهميته من جهة الأبعاد التالية:



أولا: هذا العدد الواسع من المنظمات والهيئات التي شاركت في إنجازه، وهي مؤسسات تتوزع على مختلف مناطق العالم تقريبا، من الولايات المتحدة الأميركية، إلى أوروبا، إلى العالم العربي، وتتراوح بين  الحقوقية الإنسانية، والبحثية والإغاثية والكنسية، مع تنوع في التوجهات الفكرية والدينية والخلفيات الثقافية، وبهذا المعنى يمكن القول إن هذا التقرير يعكس ما يمكن تسميته الضمير الأخلاقي والإنساني العالمي المتبرم من سياسات التوسع والاحتلال التي تنهجها الولايات المتحدة وحلفاؤها سواء في العراق أو المنطقة عامة.




  • ثانيا: جرأة هذا التقرير في تشخيص الأوضاع القائمة في العراق، وما يغرق فيه من تقتيل وتهجير وفساد مالي وفوضى شاملة باتت تضرب مختلف أركان المجتمع العراقي، وتمزق نسيجه العام، كما أنه لا يتردد في تحميل قوات الاحتلال المسؤولية الكاملة عما جرى ويجري في العراق، سواء كان ذلك من الناحية القانونية أو السياسية والأخلاقية.



  • ثالثا: الجرأة في تحديد مسالك الخروج من الأزمة الراهنة التي يمر بها العراق، ومن ذلك المطالبة بسحب قوات الاحتلال ضمن سقف زمني محدد، وتفكيك القواعد العسكرية ومرتكزات النفوذ الأميركي والأجنبي، وكل ما ترتب عن وضع الاحتلال من آثار وذيول، فضلا عن المطالبة بمحاسبة القادة السياسيين والعسكريين من قوات التحالف عما جلبوه للعراق من كوارث وأزمات.


لقد تعودنا نحن في العالم العربي رؤية الغرب من خلال نافذة بوش وبلير وأمثالهما من السياسيين، بيد أن هذا التقرير يكشف وجها آخر لغرب غير رسمي مشبع بالحس الإنساني والأخلاقي، ولا يتردد في قول الحقيقة، وتسمية الأشياء بمسمياتها من دون مواربة.


 


كثيرة هي التقارير التي صدرت عن مراكز دراسية وبحثية غربية تناولت الوضع العراقي بالتحليل والتشخيص، ولكنها كانت في أغلبها موجهة بخلفية براغماتية تبتغي "تعديل" وضع الاحتلال وتحسين أدائه أكثر من أي شيء آخر.


 


أما هذا التقرير فهو يصدر عن وجهة نقدية واستقلالية مغايرة، كما يهدف إلى تصحيح الأوضاع الخاطئة من أساسها، وذلك بتفكيك كل مقومات الاحتلال وما ترتب عنه من أوضاع غير مشروعة.


 


الملخص العام

 


 


مقدمة عامة





"
إن المسؤولية الأولى عما جرى، ويجري في العراق من قتل وتدمير إنما تقع على عاتق الولايات المتحدة وقوات التحالف التابعة لها قبل غيرها، فهي التي ساهمت في ظهور الجماعات المسلحة وصعودها
"
في مارس/ آذار 2003 غزت الولايات المتحدة وبريطانيا ومعهما قوات التحالف أرض العراق وأسقطت حكومة  صدام حسين، وقد بشرت وقتها بأنها ستحل السلام والرخاء والديمقراطية، ولكن منذ ذلك التاريخ مازال البلد يغرق في العنف والانقسام الاجتماعي والمصاعب الاقتصادية.


 


ورغم أن بوش قد أعلن من فوق ظهر سفينة حربية يوم 2 أيار/ مايو من السنة ذاتها أن المهمة قد أنجزت بنجاح، فإن الصراع مازال مستمرا إلى يومنا هذا وعلى امتداد أربع سنوات متتالية.


 


فمنذ ذلك التاريخ سقط الآلاف من العراقيين بين قتيل وجريح، وهجر الملايين من بيوتهم، كما غرقت مدن عراقية بكاملها في حالة من الخراب، وبددت موارد طائلة في هذا الصراع.


 


إن المسؤولية الأولى عما جرى، ويجري في العراق من قتل وتدمير إنما تقع على عاتق الولايات المتحدة وقوات التحالف التابعة لها قبل غيرها، فهي التي ساهمت في ظهور الجماعات المسلحة وصعودها، كما أن سياساتها المتبعة عجزت عن حماية الشعب العراقي فضلاً عن جلب السلام والرخاء والديمقراطية على نحو ما وعدت بذلك منذ وقت مبكر.


 


الولايات المتحدة تتحمل مسؤولية كبيرة عن الأوضاع القائمة في العراق، لأن مجلس الأمن قد منحها صفة الانتداب، وهو الأمر الذي يخضعها لمعايير القانون الدولي.


 


ومن المعلوم في هذا الصدد، أن مجلس الأمن لم يمنح قوات التحالف شرعية شن الحرب ضد العراق، إلا أنه وبعد أشهر قليلة فقط، عاد فمنحها وكالة الانتداب على العراق بعدما أطلق عليها اسم القوات متعددة الجنسيات.


 


وقد كان أعضاء مجلس الأمن يأملون وقتها في أن تلعب الأمم المتحدة دورا حيويا في العراق، بما يسمح بعودة الاستقرار وقدر من الشرعية الدولية المفقودة هناك، بيد أن الولايات المتحدة لم تسمح للأمم المتحدة بممارسة سوى دور محدود جدا سواء كان ذلك على الأرض أم في  نيويورك.


 


الرأي العام العراقي بصورته الغالبة يريد انسحابا سريعا، كما أن الرأي العام الأميركي بدوره، وعلى نحو ما بينت ذلك انتخابات الكونغرس النصفية الأخيرة قد أعلن بصورة جلية عدم موافقته على الاحتلال، هذا فضلا عن الموظفين السامين والقادة السياسيين، سواء في واشنطن أم لندن، الذين يعبرون بصورة متزايدة عن شكوكهم إزاء نجاح هذه الحرب. 


 


وبما أن إدراك تعقيدات هذا الصراع يظل قاصرا ومحكوما بسوء الفهم والمسلمات الوثوقية العامة في غالب الأحيان، فإن هذا التقرير يأمل أن يقدم معلومات وتحاليل جديدة، ويدفع بها إلى حيز التداول العام، من أجل وضع حد لحالة العنف والمعاناة التي يكابدها العراقيون.


 


تدمير الميراث الثقافي العراقي





"
دمرت قوات التحالف الكثير من المواقع والمباني الأثرية الواقعة في المدن، هذا في الوقت الذي خربت جماعات النهب آلاف المواقع الأثرية غير المحمية أصلا
"
تجاهلت الولايات المتحدة وحلفاؤها تحذيرات المنظمات والعلماء الداعية إلى ضرورة حماية الثروة الثقافية للعراق، من متاحف ومكتبات ومواقع ومخازن أثرية.


 


فقد أضرم المخربون النار في المكتبة الوطنية، واقتحمت جماعات النهب المتحف الوطني فألحقت الضرر والخراب بالكثير من المباني التاريخية والآثار النفيسة.


 


وعلى الجهة الأخرى سمحت الولايات المتحدة لنفسها بإقامة قاعدة عسكرية في مواقع بابل القديمة، كما دمرت قوات التحالف الكثير من المواقع والمباني الأثرية الواقعة في المدن، هذا في الوقت الذي خربت جماعات النهب آلاف المواقع الأثرية غير المحمية أصلا.


 


استخدام الأسلحة المؤذية بطريقة عشوائية


استخدمت قوات التحالف الأسلحة العشوائية، وخصوصا تلك المؤذية والمحرمة دوليا والتي تدخل في طائلة الأسلحة المحظورة وغير الإنسانية بالمعايير الدولية.


 


فقد استخدمت الولايات المتحدة أسلحة النَبالم الحارقة، والفوسفور الأبيض (استخدم في المواقع المدنية الآهلة بالسكان خصوصا) إلى جانب استعمال أسلحة التدمير المشعة للذخيرة والقنابل العنقودية.


 


حجز المعتقلين


تحتجز الولايات المتحدة وشركاؤها في الحكومة العراقية عددا واسعا من المواطنين العراقيين فيما أضحى يعرف اليوم بمواقع "الاعتقال الأمني" من دون توجيه التهم أو محاكمة هؤلاء المعتقلين، وذلك في خرق واضح للقانون الدولي.


 


لا يوجد اليوم أي مواطن عراقي في مأمن من الإيقاف التعسفي، وقد ارتفع عدد المعتقلين منذ سنة 2003 على نطاق واسع. كما أن ما يزيد على الثلاثين ألفا من المعتقلين العراقيين يفتقدون الحد الأدنى من حقوق الإنسان، ويتم حجزهم في ظروف بالغة القسوة، والكثير منهم يبقى رهن الاحتجاز لمدد طويلة.


 


وزيادة على ذلك، فقد  سلم القادة العسكريون الأميركيون آلاف المحتجزين العراقيين للسلطات العراقية في أوضاع خارقة للمعايير الدولية بصورة كاملة.


 


الاعتداءات على السجناء والتعذيب


مارست القوات الأميركية وبصورة إجرامية ضروبا شتى من الاعتداء والتعذيب على عدد كبير من المساجين العراقيين. فقد عانى فعلا المئات من العراقيين من هذه المعاملة غير الإنسانية، وتوفي البعض الآخر منهم جراء ذلك.


 


يمارَس التعذيب على نطاق واسع في مواقع كثيرة على امتداد العراق، بما في ذلك في سجون مركزية مثل أبو غريب ومراكز التحقيق السرية وعشرات المواقع الملحقة بها. فالتعذيب يجري في السجون العراقية على قدم وساق  وبعلم الولايات المتحدة وتواطؤ معها نفسها.


 


قصف المدن


عمدت القوات الأميركية إلى قصف وتدمير العديد من المدن العراقية المهمة بحجة كونها معاقل للمسلحين، وقد أدى هذا القصف إلى حركة تهجير واسعة النطاق، كما خلف عددا هائلا من الجرحى في صفوف المدنيين، فضلا عن التدمير الواسع للبنى الأساسية في المدن.


 


فإلى جانب الفلوجة، تعرضت عشرات المدن العراقية الأخرى للقصف، بما في ذلك القائم وتلعفر وسامراء وحديثة والرمادي. ويتراوح هذا الاستهداف بين القصف الجوي والأرضي، وقطع الكهرباء والماء، ومنع وصول المواد الغذائية والطبية. لقد أدى هذا القصف إلى تشريد آلاف العراقيين ولجوء الكثير منهم إلى مخيمات الهجرة الداخلية.


 


استهداف المدنيين:


القتل العمد والجرائم الفظيعة


ابتدع القادة العسكريون الأميركيون ما أسموه "القواعد المشروعة للارتباط" التي تتيح لقواتهم العسكرية استخدام القوة القاتلة ضد أي خطر محتمل.


 


وضمن هذا السياق أضحى قتل العراقيين على أيدي القوات الأميركية أمرا معهودا، سواء في نقاط التفتيش أو أثناء العمليات العسكرية، بناء على مجرد الشبهة.


 


كما عمدت قوات التحالف الأميركية إلى قتل المدنيين المسالمين خلال العمليات العسكرية والقصف الجوي، وفي مثل هذه الأجواء التي تتيح لهم استخدام القوة ارتكب أفراد الجيش الأميركي انتهاكات صارخة تصل حد الفظاعات الصادمة، مثل عملية حديثة التي خرجت من طي السرية وسلطت عليها الأضواء لاحقا. 


 


التهجير والقتل






"
بالإضافة إلى القتلى الذين يسقطون في ميدان العمليات العسكرية فإن قوات التحالف أقدمت على قتل عدد واسع من المدنيين، وارتفعت الوفيات الناتجة عن تفكك نظام الرعاية الصحية وعنف المليشيات والجماعات المسلحة وعصابات القتل
"

يقدر عدد المهجرين داخل العراق، وحتى أبريل/ نيسان من السنة الجارية (2007) بمليون وتسعمائة ألف شخص، أما اللاجئون خارج العراق فيصل عددهم زهاء مليونين ومائتي ألف شخص، وتقدر الحكومة العراقية نفسها عدد الذين يغادرون بيوتهم شهريا بزهاء خمسين ألفا.


 


ومن المعلوم هنا أن اتساع  حجم المشكل، وصعوبة الوصول إلى هؤلاء المهجرين يجعل من هذه الأزمة المتفاقمة تفوق إمكانات المنظومة الإغاثية الدولية برمتها.


 


وبالإضافة إلى عمليات التهجير فإن ثمة عددا كبيرا من العراقيين لقوا حتفهم في أجواء الاحتلال، وقد ارتفع عدد الضحايا ومنذ تاريخ احتلال العراق بصورة حادة.


 


فبالإضافة إلى القتلى الذين يسقطون في ميدان العمليات العسكرية، فإن قوات التحالف قد أقدمت على قتل عدد واسع من المدنيين العراقيين، كما أن الوفيات الناتجة عن تفكك نظام الرعاية الصحية وعنف المليشيات والجماعات المسلحة وعصابات القتل، قد ارتفعت بدورها بصورة غير مسبوقة، وقد قدرت دراسة موثوقة عدد القتلى منذ سنة 2003  في حدود نصف مليون شخص.


 


الفساد والتزوير والأعمال المحظورة


تُستنزف الأموال العامة العراقية أمام أعين الولايات المتحدة وتحت رعايتها، ومع ذلك فالبلد متروك ليغرق في حالة من العجز عن توفير الحد الأدنى من الخدمات وإعادة البناء. هكذا تبخرت المليارات من الأموال العراقية بصورة غير مشروعة، ولتجنب المحاسبة عمدت الولايات المتحدة وحليفها البريطاني إلى قطع تمويل مكتب الاستشارة والرقابة الدولي المعين من طرف الأمم المتحدة.


 


لقد عانى العراق من آفة سرقة الأموال العينية، والعقود المضخمة، ومن المحاباة والرشوة والمحسوبية، مثلما عانى أيضا من إهدار المال العام وغياب الكفاءة. في مثل هذه الأجواء راكم كبار المتعاقدين، وكثير منهم مرتبط بصلات سياسية مع الشركات الأميركية، مليارات الدولارات من الربح غير المشروع في العراق.


 


قواعد أميركا بعيدة المدى والمركب الجديد للسفارة


تنخرط الولايات المتحدة اليوم في بناء قواعد عسكرية بعيدة المدى وبالغة الضخامة والكلفة على أرض العراق، كما تنخرط في إقامة مركب جديد للسفارة في بغداد، علما أن هذه المشاريع البنائية الجديدة تطرح إشكالات شديدة التعقديد؛ فضلا عن كونها موضع تجاذب عام سواء في العراق أو الولايات المتحدة.


 


والغالبية العظمى من العراقيين ترفض مثل هذه القواعد على نحو ما  أظهرت ذلك العديد من الاستطلاعات التي أجريت داخل العراق، كما رفض الكونغرس بدوره دفع التمويل اللازم لإقامة قواعد عسكرية دائمة في العراق.



إن تشييد مثل هذه القواعد العسكرية وبناء هذا المركب الدبلوماسي الضخم جدا يوحي بوجود تصميم على تركيز النفوذ الأميركي السياسي والعسكري في العراق لسنوات عديدة قادمة.


 



قضايا أخرى


كان احتلال العراق بالغ الكلفة من ناحية المال والثروة العامة ومن ناحية الأرواح البشرية والبنية الأساسية للبلد. فالولايات المتحدة نفسها تنفق أربعمائة مليار دولار تخصص مباشرة للحكومة العراقية لاحتواء الصراع، كما أن حصة الميزانية الفيدرالية المخصصة للعراق قد ارتفعت باطراد من أربعة مليارات شهريا سنة 2003 إلى ثمانية مليارات شهريا سنة 2006.


 


لقد بينت مجمل استطلاعات الرأي التي أجريت داخل العراق أن الاحتلال الأميركي أضحى غير مرغوب فيه من طرف العراقيين بصورة حادة ومتزايدة. حتى الاستطلاعات التي مولتها الولايات المتحدة وبريطانيا أظهرت أن غالبية العراقيين أضحوا منتقدين لقوات الاحتلال ويرغبون في انسحابها السريع من بلادهم؛ فالعراقيون بصفة عامة يرون أن الاحتلال يعمق أجواء عدم الاستقرار والعنف الطائفي، وهم يرغبون اليوم أكثر من أي وقت مضى في انسحاب فوري وسريع لقوات الاحتلال من بلادهم.


 


خاتمة وتوصيات


 





"
قوات التحالف هي السبب الرئيس لعاهات العراق الراهنة، ومن أشعلوا لهيب الحرب على العراق وعلى رأسهم الولايات المتحدة وبريطانيا هم من يتحملون المسؤولية كاملة قبل غيرهم
"
أقامت الولايات المتحدة في العراق حصانة قانونية كاملة سواء لقواتها العسكرية وشركات أمنها الخاصة، أو المتعاقدين  الأجانب العاملين معها من العسكريين والمدنيين، بما في ذلك شركات النفط العاملة في العراق.


 


ومهما كان حجم الجرائم التي ارتكبتها قوات التحالف، فإن العراقيين يواجهون، سواء اليوم أو غدا، عقبات قانونية كأْداء، تَحُول دون محاسبة هذه القوات على ما اقترفته من جرائم. فالأمر التنفيذي رقم 13303 الصادر عن الرئاسة الأميركية، والأمر 17 الصادر عن سلطة التحالف المؤقتة، إلى جانب عدد من المراسيم الأخرى تجعل عناصر الجيش الأجنبي في مأمن كامل من الإيقاف والاعتقال أو من المحاكمة والعقاب.


 


ومن المعلوم في هذا الصدد، أن الولايات المتحدة وحلفاءها قد اضطروا إلى اتخاذ بعض إجراءات المحاسبة المحدودة في بعض حالات الانتهاك الصارخة التي صارت معروفة لدى الجميع، إلا أن العقوبات كانت مخففة جدا ولا تتناسب مع حجم الجرائم التي ارتكبت. أما أولئك الذين يتحملون مسؤوليات قيادية فقد بقوا في منأى عن المحاسبة والعقاب، والواجب يقتضي، سواء اليوم أو غدا، أن ترفع عنهم الحصانة التي أعطوها لأنفسهم كي يقدموا إلى العدالة ومن دون تردد.


 


إن قوات التحالف هي السبب الرئيس لعاهات العراق الراهنة، وإذا كان من المسلم به أن  قادة جرائم العنف والزعماء السياسيين الطائفيين قد جرّوا ويلات كثيرة على البلد ومستقبله السياسي، فإن أولئك الذين أشعلوا لهيب هذه الحرب وعلى رأسهم  الولايات المتحدة وبريطانيا هم من يتحملون المسؤولية كاملة قبل غيرهم.


 


إنهم مسؤولون عن الادعاءات الكاذبة التي نسجوها، والحرب غير المشروعة التي أوقدوا نارها، والدمار الكبير الذي أحلوه بالعراق؛ وهم فضلا عن كل ذلك مسؤولون بالكامل عن حالة الفوضى والعنف التي صنعوها، وعن الانتهاكات الخطيرة والمنهجية  للقانون الدولي التي ارتكبوها. 


 


كما أن مجلس الأمن الدولي وبحكم التفويض الذي منحه لقوات التحالف، يتحمل بدوره جزءا من  المسؤولية عن هذه الكارثة التي حلت بالعراق وأهله.


 


إن ما يلوح في أفق العراق لا يبشر بخير، إذ ليس من اليسير على هذا البلد التعافي من هذه المحنة الكبيرة وبلوغ بر الأمان والاستقرار بيسر، بيد أن ثمة جملة من الخطوات لا بد من قطعها على طريق معالجة هذا الصراع المدمر.


 


وهنا لا بد من القول إن على الأمم المتحدة والمجموعة الدولية وضع حد لمشاركتها في هذه الكارثة بجريمة الصمت، ومواجهة الأزمة الراهنة بجرأة ووضوح. يجب في هذا السياق على مجلس الأمن الدولي بحث البدائل الممكنة مستقبلا، وعلى الكونغرس الأميركي أن يتحرك وفق تطلعات الرأي العام الأميركي الداعي للانسحاب من العراق، كما أنه يجب على المحاكم جلب أصحاب المسؤولية القيادية عن كارثة العراق إلى أروقة العدالة.


 


ثم يخلص التقرير إلى جملة من التوصيات التي يراها لازمة للخروج من أزمة العراق الراهنة:




  1. على المجموعة الدولية أن تعترف أولا بوجود الكارثة التي حلت بالعراق، ثم تتحرك على ضوء ذلك باتجاه مواجهة الأزمة الإنسانية  الخانقة والمتفاقمة.


  2. على مجلس الأمن أن يسحب سحبا كاملا وكالة الانتداب التي منحها لقوات التحالف في أقرب وقت ممكن، ويضع خطة لوضع انتقالي آمن في كنف احترام القانون الدولي.


  3. على قوات التحالف أن تنسحب بالكامل بأسرع وقت ممكن من أرض العراق. فعملية الانسحاب يجب أن تكون محكومة بجدول زمني واضح وسريع، كما يجب أن تكون كاملة وغير منقوصة، ومن دون أن يتم ترك قوات أو قواعد عسكرية على أرض العراق أو فرض شروط معينة.


  4. يمكن لقوات السلام الأممية، التي يجب أن تكون متمايزة بالكامل عن قوات التحالف، لعب دور في تنظيم عملية الانسحاب، من خلال مراقبة وقف إطلاق النار، وتقوية أجهزة الشرطة والمنظومة القضائية المحلية وتنظيم انتخابات جدية وذات مصداقية.


  5. على قوات التحالف والحكومة العراقية الإسراع  بإطلاق سراح "معتقلي الأمن" الذين لم تتم إدانتهم أصلا بارتكاب جرائم، كما أنه يجب دراسة إصدار عفو عام عن المعتقلين بعناية، وذلك على خلفية الأوضاع الاستثنائية المرتبطة باحتلال العراق.


  6. على العراقيين الانخراط في عملية تفاوض جدي وموسع بهدف وضع خطة لتشكيل حكومة استقرار وسلام وطنيين تمتد على عموم التراب العراقي، ويمكن للأمم المتحدة أن تساعد في الدفع باتجاه تحقيق هذا الهدف.


  7. على المجموعات المسلحة والمليشيات في العراق الموافقة على مشروع وقف إطلاق النار ونزع الأسلحة، وعلى القوات الحكومية العراقية أن تعمل في هذه الحالة وفق الضوابط الدولية وعلى هدي الاحترام الكامل للقانون. ومن جهة أخرى، فإنه يجب على المجموعات المسلحة حل نفسها وتسليم أسلحتها بمجرد انسحاب قوات التحالف، وذلك كجزء من مسار الوفاق والسلام الوطنيين.


  8. يجب إجراء انتخابات جديدة بعد انسحاب قوات التحالف من العراق، وذلك استنادا إلى المعايير الانتخابية الدولية  المعروفة، وتحت رقابة دولية؛ كما أن صياغة دستور جديد للبلاد تبدو أمرا لازما لاستكمال مسار الوفاق الوطني.


  9. إن قوانين النفط والعقود الجديدة تبقى سارية المفعول إلى غاية تشكل أجواء سلمية وهادئة بعد رحيل الاحتلال تسمح بإدارة حوار وطني جدي وديمقراطي حول مستقبل أهم ثروة طبيعية يمتلكها العراق.


  10. يمكن للمجموعة الدولية المساعدة في إعادة إعمار مختلف المدن العراقية المتضررة وبناء بنياتها الأساسية، وكذا إعادة التوطين السريع للمهجرين.


  11. يجب أن تتعقب المحاكم المحلية والدولية أولئك الذين تحملوا  مسؤولية قيادية، وأن تتم محاسبتهم على خروقاتهم الواضحة للقانون الإنساني وشرعة حقوق الإنسان.

_______________
باحث في مركز الجزيرة للدراسات

ملخص للتقرير الصادر بلندن يوم 25 يونيو/ حزيران 2007 عن نادي السياسات الدولية (Global Policy Forum) بالتعاون مع عدد من المنظمات الدولية.


 


لمزيد من التفصيل يرجى العودة إلى:


http:/ / w w w.globalpolicy.org/security/issues/iraq/occupation/report/full.pdf