بقلم/ العميد د. أمين محمد حطيط
ملخص عام
مصطلح الإستراتيجية الدفاعية
مواقف الفرقاء اللبنانيين
الإستراتيجية التوافقية الممكنة
الحل المستقبلي
طرح مصطلح الإستراتيجية الدفاعية في لبنان للمرة الأولى على طاولة الحوار اللبناني عام 2006، حيث ناقش الفرقاء موضوعات أساسية من بينها السلاح الفلسطيني وسلاح حزب الله.
واختلف الفرقاء بين مطالب بمنظومة تحمي لبنان، وبين مطالب بنزع سلاح المقاومة المتمثلة في حزب الله، رغم أن تلك المقاومة اكتسبت مشروعية وطنية عامة باتفاق الطائف، والذي حدد إسرائيل عدوا.
والانقسام اللبناني حول سلاح المقاومة والإستراتيجية الدفاعية ظهر مجددا بعد صدور القرار 1559، ويمكن تبين خمسة مواقف مختلفة على النحو التالي:
- إستراتيجية يطرحها حزب الله مدعوما من حركة أمل والأحزاب الوطنية اليسارية وفئات إسلامية ومسيحية شتى، تتبلور في استمرار الوضع على ما هو عليه، ومواجهة العدو –إسرائيل- تكون بإستراتيجية تقوم على الثنائية العسكرية، بتنسيق ترعاه السلطة بين جيش رسمي قوي وتنظيمات شعبية مسلحة.
- إستراتيجية تطرحها فئة متحالفة مع المقاومة على رأسها التيار الوطني الحر، وتتمحور هذه الإستراتيجية بمركزية القرار لدى الدولة ولامركزية التنفيذ لدى خلايا المواجهة والقتال، وتطرح نظرية المقاومة على كل شبر من الأرض والشعب المقاوم بكل فئاته ضد الأخطار الخارجية والتي أهمها إسرائيل.
- الموقف الثالث يمثله تيار المستقبل وحلفائه من ذوي الوزن الاقتصادي والمالي، ويقول بأن "الدولة فقيرة، والمقاومة تستجلب الدمار"، وتطالب أن تكون إستراتيجية الدفاع بيد السلطة وترفض وجود أي سلاح قد يهدد السلطة أو الثروات، مع الاستعانة بالغرب وأميركا وقرارات الأمم المتحدة.
- إستراتيجية يقدمها الحزب التقدمي الاشتراكي وتقوم على اعتبار المواثيق والمعاهدات الدولية هي الأساس في حماية لبنان، والجيش هو الوحيد المخول بالدفاع عن البلاد، ولكن هذه الفئة تسلم بالمقاومة ودورها، وتطرح هذه الفئة فكرة دمج المقاومة ونقلها إلى الجيش تدريجيا.
- هذه الفئة متمثلة في حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، وهي في مواجهة إستراتيجية مع الفئتين الأولى والثانية، وترى هذه الفئة أن إسرائيل ليست العدو الحقيقي للبنان، وترفض من حيث المبدأ سلاح المقاومة اللبنانية الإسلامية، وتطالب بنزعه فورا، وحصر المهمة الدفاعية بالجيش دون تحديد واضح ضد من يكون الدفاع.
وتعتبر أن سلاح المقاومة خارج عن القرار الرسمي اللبناني (رغم أنها في الأصل نشأت في ظل واقع تخطت فيه الدولة واتجهت لقتال الفلسطينيين والسوريين تحت عنوان المقاومة اللبنانية).
ولاعتماد إستراتيجية دفاعية توافقية في لبنان يجب أولا التوحد حول الهدف وحول العدو، وسبل مواجهته، وعلى الدولة اللبنانية الالتزام بما يلي:
بالتأكيد على أن إسرائيل هي العدو للبلاد، والاستفادة من قواعد القانون الدولي بما يفيد مصلحة لبنان في حال اتخاذ قرار المواجهة بالقدرات الذاتية.
- اعتماد قانون يعتبر الجيش أساس العمل الدفاعي، ويدعو الشعب لمؤازرة الجيش في إطار مقاومة متعددة التنظيمات ومتوحدة على هدف الدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل.
- ربط المقاومة بالدولة سياسيا.
- تكريس حرية العمل المقاوم ميدانيا تحت السقف السياسي، مع التزام المقاومة بالامتناع عن ممارسة أي نوع من أنواع السلطة.
ولكن مع اختلاف نظرة الفرقاء للعدو، وارتباطهم بهذا المحور الدولي أو ذاك، فإن البحث الحالي في الإستراتيجية الدفاعية في لبنان هو بحث عقيم، وقد لا يصل الأطراف إلى اتفاق، وتبقى الإستراتيجية الدفاعية الواقعية نفسها والتي اعتمدت منذ عام 1991ولازالت معتمدة حتى الآن.
1 - مصطلح الإستراتيجية الدفاعية
أمين حطيط |
دخل مصطلح الإستراتيجية الدفاعية إلى الأدبيات السياسية اللبنانية في العام 2006، حيث طرح للمرة الأولى على طاولة الحوار اللبناني الذي دعا إليه رئيس مجلس النواب آنذاك السيد نبيه بري لمناقشة مسائل أساسية تتعلق بالدولة وشؤونها الوطنية وعلاقاتها مع سوريا ووضع التنظيمات المسلحة اللبنانية وغير اللبنانية فيها.
هنا طرح فريق 14 (تجمع سياسي نشأ بعد جريمة قتل رفيق الحريري) موضوع السلاح الفلسطيني وسلاح حزب الله رغبة في نزعه تطبيقا للقرار 1559، فرد ممثلو المقاومة سائلين: كيف نحمي لبنان من إسرائيل، ولما كان الفريق الأول لا يملك إجابة فورية مقنعة فقد اضطر إلى مجاراة المقاومة في بحثها عن إستراتيجية دفاعية للبنان، البحث الذي قطعته حرب تموز 2006، ثم استؤنف برئاسة رئيس الجمهورية بعد التطورات والتحولات الجذرية على الساحة اللبنانية عقب أحداث 7 أيار 2008.
وفي الانطلاقة الجديدة للحوار استمر الفرقاء على التباين السابق حول الموضوع بين مطالب بمنظومة تحمي لبنان، ومن لا يعنيه من الأمر سوى نزع سلاح حزب الله ويبحث عن الآلية التي تمكنه من ذلك.
ورغم التباين بين مختلف الفرقاء السياسيين حول قضايا كثيرة بقيت مقولة "الإستراتيجية الدفاعية" العنوان الرئيس الذي يطرحه الفرقاء موضوعا للبحث ويتجاذبون حوله، فهل ينتهي الحوار فعلا إلى تحديد إستراتيجية دفاعية ترضي الجميع؟
للإجابة عن هذا السؤال ننطلق أولا من القواعد العامة التي تحدد الإستراتيجية بأنها "العلم والفن الذي بمقتضاه توضع خطة استعمال الإمكانات المتوفرة لتحقيق الأهداف المعتمدة". وفي المجال الدفاعي تكون الإستراتجية هي خطة استعمال الدولة لقدراتها بغية تأمين حمايتها ضد الأخطار التي تتهددها، والخطر المقصود هنا هو ما يحيق بمصلحة وطنية معينة تطمح جهة ما لإفسادها، ويصنف من يعطل مصلحة أو ينتهك حقا وطنيا "عدوا" للوطن، لذلك يكون العدو وخطره هو المنطلق في تحديد إستراتيجية الدفاع.
وفي الحالة اللبنانية لم يكن أمر العدو والأخطار التي يشكلها موضع اتفاق اللبنانيين، وترجم الخلاف هذا أثناء حرب العام 1975 في تحديد العلاقة مع إسرائيل، حيث إن فريقا نظر إليها عدوا وقاتلها، وآخر نظر إليها صديقا وحالفها. خلاف استمر حتى حسمه اتفاق الطائف الذي اعتبر إسرائيل عدوا وواجب لبنان مواجهتها ليدفع عنه خطرها ويدرأ تهديدها.
ولما كان الجيش غير كاف للمواجهة أعطى الاتفاق دورا للمقاومة الشعبية فيها، وهكذا برزت المقاومة التي كانت تقاتل إسرائيل منذ العام 1982 فاكتسبت مشروعية وطنية عامة (رغم أنها لم تكن تمثل الجميع) لا يستطيع لبناني أن يعارضها دون أن يخرج عن اتفاق الطائف.
" أعاد موضوع سلاح مسألة المقاومة الانقسام اللبناني ليظهر مجدداً مقسما إلى مواقف خمسة مختلفة من السلاح ومن الإستراتيجية الدفاعية " |
- الفئة الأولى: تتمسك بالعداء لإسرائيل وتؤكد على خطرها ووجوب مواجهتها ضمن إستراتيجية تقوم على ثنائية القوة العسكرية: جيش رسمي تقليدي قوي، وتنظيمات شعبية مسلحة تمارس المقاومة بذهنية القتال غير التقليدي، ويقوم بين الجناحين تنسيق في الميدان وتكامل في الأداء، ترعاه سلطة تؤمن بوجوب المواجهة، وشعب يحتضن المقاومة وتنظيماتها.
تطرح هذه الإستراتيجية أساسا من قبل حزب الله، يؤيده ويدعمه فيها حركة أمل والأحزاب الوطنية اليسارية وفئات إسلامية ومسيحية شتى. ويبرر هؤلاء موقفهم بالقول إن لبنان الرسمي عاجز عن بناء الجيش الذي يدفع عنه الخطر، وإن اتفاقية الهدنة ومواثيق الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية والقومية لم تستطع أن تحمي لبنان، فاحتلت أرضه وقتلت من شعبه الكثير، ولم يرد العدوان الإسرائيلي إلا المقاومة التي نسقت مع الجيش فحمت لبنان وأهله.
ولأن الخطر مستمر فإنه يستوجب استمرار الوضع على ما هو عليه الآن، أي بقاء السلاح بيد المقاومة وتعزيزها وربط وجودها بوجود العدوانية الإسرائيلية كما يستوجب الأمر جيشا قويا، (غير متوفر حاليا)يتكامل وينسق مع المقاومة المميزة التي تستطيع أن تؤذي إسرائيل وتنالها في أماكن وجعها، وتتفلت من مواطن قوتها.
أما الخلفية البعيدة لمواقف هذه الفئة فإنها تقوم على اعتبار إسرائيل جزءا من مشروع غربي استعماري لا يمكن الركون إلى نواياه، ولا يمكن الاحتماء منه إلا بالقوة. وهنا يتجه البعض إلى تصنيف هذه الفئة جزءا من مشروع إقليمي عام بقيادة سوريا وإيران يتصدى للمشروع الغربي وامتداداته في المنطقة.
- الفئة الثانية وهي الفئة الوطنية المتفاهمة أو المتحالفة مع المقاومة وفي طليعتها التيار الوطني الحر، الذي يطرح إستراتيجية تقوم على التأكيد بأن إسرائيل هي أهم خطر خارجي, وهي إلى جانب ذلك تملك الجيش المتفوق على الجيش اللبناني تفوقا يمنع هذا الأخير منفردا من حماية لبنان، لذا وجب دعمه وإسناده بمقاومة شعبية يشارك فيها كل الشعب اللبناني، بما يستوجب إطلاق نظرية الشعب المقاوم ضد الأخطار الخارجية (حيث تكون المقاومة على كامل مساحة الأرض والشعب دون أن تكون حصرية في فئة أو طائفة محددة).
وأما الخطر الداخلي فمصدره الإرهاب الذي يستطيع لبنان بوحدة وطنية وقوى رسمية منظمة أن يتقي شروره. وتكون المواجهة عبر تنسيق بين المقاومة والجيش الذي يجب تعزيز قدراته، وتزويده بقدرات دفاع جوي وبحري مناسبة، وتطوير عمله لاعتماد أسلوب قتال الوحدات الصغرى. وتعمل المقاومة ضمن منطق مركزية القرار لدى الدولة، ولامركزية التنفيذ لدى خلايا المواجهة والقتال. ويقرأ هذا الموقف بأنه جمع بين منطق سيادة الدولة، وحق الشعب وواجبه في الدفاع عن نفسه مع التركيز على مسؤولية الجميع في ذلك، ورفض الانخراط في محاور إقليمية أو دولية.
- الفئة الثالثة: ويمثلها اليوم تيار المستقبل وبعض حلفائه من ذوي الوزن المالي أو الاقتصادي، وهي فئة ترتكز في نظرتها إلى المقاومة وإستراتيجية الدفاع أساسا على عنصر السلطة وتلبية احتياجات إقليمية وخارجية تراها ضرورية أيضا لحماية تلك المصالح.
أما الإستراتيجية الحقيقية التي تطرحها هذه الفئة فإنها ترتكز على قوى أمن داخلي وجيش للداخل يكون ظهيرا لقوى الأمن، مع رفض لوجود أي سلاح قد يهدد تلك السلطة أو يستجلب الحرب المدمرة للثروات.
يترافق ذلك مع تعويل على الغرب والوعود الأميركية خاصة والأمم المتحدة وقراراتها عامة التي تحدث لدى هؤلاء طمأنينة ذاتية بأن إسرائيل لا تشكل تهديدا فعليا للبنان، لذا ينبغي ألا تهدر الأموال والجهود في إعداد الجيوش أو استمرار قتال المقاومة، (فالدولة فقيرة، والمقاومة تستجلب الدمار).
- الفئة الرابعة: ويمثلها الحزب التقدمي الاشتراكي وتقوم نظرتها على اعتبار المواثيق والمعاهدات الدولية الأساس في حماية لبنان، وفي طليعتها اتفاقية الهدنة التي يحرسها ويطبقها الجيش الذي هو الأساس الوحيد في الدفاع عن لبنان.
لكن هذه الفئة وبمنطق واقعي تسلم بالمقاومة ودورها وتعرف استحالة نزع سلاحها وتطرح فكرة التغيير التدريجي للواقع القائم بحيث تنتقل المقاومة كليا في نهاية المطاف إلى الجيش بقرار يتخذ بالقبول والرضى عبر الحوار لانتفاء القدرة على فرضه بالقوة.
أما في العلاقة مع المقاومة الحاضرة والقوى الدولية المؤثرة، فإن البراغماتية هي التي تحكم سلوك هذه الفئة، فهي تقترب أو تبتعد عن المقاومة بمقدار ما تفيد أو تتضرر في مصالحها، وكذلك الحال في الارتباط بالمحاور الدولية حيث يشتد أو يضعف وفقا للمصلحة، فبعد أن كانت في حلف مع سوريا وإيران انتقلت إلى المحور المعاكس، ثم وقفت اليوم عمليا بين المحورين، جسدها في قوى 14 آذار وعينها على المحور الآخر.
- الفئة الخامسة: ويمثلها حزب "القوات اللبنانية" برئاسة سمير جعجع، وهي ترفض من حيث المبدأ سلاح المقاومة اللبنانية الإسلامية الحاضرة رفضا لأهدافها المعلنة أي "قتال إسرائيل".
وهي ترى أن إسرائيل ليست العدو الحقيقي للبنان خاصة، ولذلك لا ترى أن إسرائيل مبعث قلق لها إن لم نقل أكثر. ولهذا تعارض فكرة وجود سلاح المقاومة لأنه برأيها سلاح خارج عن القرار الرسمي اللبناني، (رغم أنها في الأصل نشأت هي في ظل واقع تخطت فيه الدولة واتجهت لقتال الفلسطينيين والسوريين تحت عنوان المقاومة اللبنانية)، وهو يمس على حد قولها بالسيادة الوطنية وينشئ دولة ضمن الدولة، وتدعو إلى نزعه فورا وحصر المهمة الدفاعية بالجيش دون اعتبار لعجز الجيش عن القيام بها ودون تحديد واضح ضد من يكون الدفاع (في موقف له اعتبر سمير جعجع أن العدو هو سوريا).
أما من حيث الارتباط فإن هذه الفئة كما ذكرنا ارتبطت عضويا بإسرائيل في الماضي، واليوم تتجنب الإفصاح عن أي ارتباط معها، وتركز بدلا من ذلك على أنها جزء عضوي من الحضارة الغربية والمشروع الغربي (مع ما يعنيه ذلك)، وبالتالي تعد في مواجهة إستراتيجية حتمية مع الفئتين الأولى والثانية المتقدمتي الذكر (المنتميتين إلى المعارضة اللبنانية)، وقد عبر قادتها صراحة عن ذلك بالقول بوجود تناقض إستراتيجي مع المقاومة وحزب الله وحلفائه في التيار الوطني.
3 - الإستراتيجية التوافقية الممكنة
3. في ضوء ما تقدم من مواقف الفرقاء وخلفياتها نطرح السؤال: هل يمكن للدولة اللبنانية أن تعتمد إستراتيجية دفاعية توافقية؟
- بداية نقول إن الشرط للتوحد حول إستراتيجية ما هو التوحد على الهدف وحول العدو، وهنا نرى أن الهدف، أي حماية لبنان ليس محل اتفاق بين الفرقاء اللبنانيين، فمنهم من يرى إسرائيل العدو الذي يهدد لبنان، ومنهم من يرى أن سلاح المقاومة وامتداداته الإقليمية هو مصدر الخطر الفعلي، لذلك يجب على الأطراف جميعا أن يجيبوا أولا على السؤالين التاليين الأهم: من هو العدو؟ وهل يريدون مواجهته أم لا ؟
يبدو أن كشف النوايا وتحديد العدو صراحة بات أمرا غير ممكن اليوم لدى البعض. وإذا سلمنا تجاوزا بأن هناك اتفاقا بين ثلاثة أو أربعة على الأكثر من الفرقاء حول تحديد العدو، فإن المعضلة الثانية تأتي من السؤال كيف نواجه هذا العدو: لأن من يتخذون إسرائيل عدوا (ولو لفظيا) ينقسمون حول سبل المواجهة:
- فمنهم من يرى أن المواجهة بالبندقية أمر لا جدوى منه، لأن فيه مخاطر تدمير البلاد واقتصادها، ويرى أن المواجهة الأجدى تكون بالعلم والاقتصاد والعلاقات والقرارات الدولية.
- في المقابل يرى الفريق الآخر أن الدفاع عن لبنان لا يكون إلا بالقوة التي يحشدها ذاتيا، لأن التجربة دلت على أن الهدنة مع إسرائيل لم تحم لبنان (ألغتها إسرائيل في العام 1967 بقرار منفرد)، وأن القرارات الدولية لم تحرر الأرض المحتلة (لم تنفذ إسرائيل القرار 425 ولم تنسحب إلا بعد أن أرغمتها المقاومة) وأن القوى الأجنبية لا تستطيع أن تؤمن حماية لبنان (قوة الردع العربية والحلف الأطلسي وقوات اليونيفل) ولا يدافع عن لبنان إلا اللبنانيون؟
إن الحل الذي نراه نحن في الواقع اللبناني، هو الذي يستند إلى مبادئ طمأنة الخائف، وتعطيل الهواجس المحقة، والمحافظة على أحادية سلطة الدولة على أرضها مع تحديد عدوها والخطر الذي يشكله، وفي التطبيق العملي نرى أن تلتزم الدولة اللبنانية ما يلي:
- التأكيد على أن إسرائيل هي العدو المهدد للبنان في وجوده وحقوقه، واعتبار الإرهاب أنه المصدر المهدد للبنان في أمنه واستقراره، واتخاذ قرار المواجهة بالقدرات الذاتية مع ربط الموقف بقواعد القانون الدولي للاستفادة منها في حدود ما تتيحه لمصلحة لبنان.
- اعتماد قانون يعتبر الجيش أساس العمل الدفاعي، وقوى الأمن أداة الدولة الأمنية، ويدعو الشعب لمؤازرة الجيش في إطار مقاومة متعددة التنظيمات ومتوحدة على هدف الدفاع عن لبنان في وجه إسرائيل.
- ربط المقاومة بالدولة سياسياً، عبر مكتب اتصال وضبط وتنسيق يكون جزءاً من المجلس الأعلى للدفاع الوطني، ويتلقى هذا المكتب العلم بقيام التنظيمات المقاومة، ويطلعها رسمياً على مواقف الدولة المركزية في هذا النطاق.
- تكريس حرية العمل المقاوم ميدانياً ضمن السقف السياسي، مع التزام المقاومة بالامتناع عن ممارسة إي نوع من أنواع السلطة مهما كان قدرها وطبيعتها، والامتناع عن اللجوء إلى استعمال سلاحها لتحقيق مكاسب داخلية ذاتية من إي طبيعة كانت.
- السعي الحثيث لتعزيز قدرات الجيش اللبناني ليكون القوة المسلحة الأقوى في لبنان وتسليحه خاصة في مجال منظومات الدفاع الجوي والدفاع البحري، وتأمين صمود المواطنين في قراهم.
هذا ما نقترحه كحل، ولكن هل يعتمد؟
" البحث الحالي في الإستراتيجية الدفاعية في لبنان بحث عقيم، خاصة وأن الأمر يظهر كصورة لصراع مشروعين دوليين على أرض لبنان، ينتصر أحدهما إن بقيت المقاومة واعتمدت إستراتيجية دفاعية في وجه إسرائيل، وينتصر الآخر بزوالها " |
وعليه فان البحث الحالي في الإستراتيجية الدفاعية في لبنان هو بحث عقيم، خاصة وأن الأمر يظهر كصورة لصراع مشروعين دوليين على أرض لبنان، ينتصر أحدهما إن بقيت المقاومة واعتمدت إستراتيجية دفاعية في وجه إسرائيل، وينتصر الآخر بزوالها. ولأن المقاومة تملك من القدرة ما يمنع إزالتها، والآخر يتمسك بالموقف الذي يحول دون القبول بها، فإننا لا نتصور اتفاقاً على صيغة خطية لمثل هذه الإستراتيجية أو تلك، وستعتمد عوضاً عن ذلك الإستراتيجية الواقعية التي يفرضها الفريق الأقوى في الميدان، إستراتيجية تبقى عرضة للتقلب والتجاذب، تقلب قوة الأطراف وعلاقاتها الخارجية. وبذلك نرجح أن تستمر المقاومة كما هي، ويستمر الجيش على حاله معها، وسيكون الطرفان محكومين بالتكامل والتنسيق الذي اعتمداه تنفيذاً للإستراتيجية الدفاعية الواقعية نفسها والتي اعتمدت ولازالت معتمدة إلى يومنا هذا منذ العام منذ العام 1991.
_______________
أستاذ جامعي لبناني وعميد ركن متقاعد