مجموعة مشروع واشنطن الخاص بالناتو
قراءة منير البغدادي
في زمن بدأت تظهر فيه تحديات جديدة تفوق قدرة أمريكا أو غيرها من القوى العظمى على التصدي لها لوحدها، بدأت تتجلى أهمية الإعداد لنظام دفاع مشترك يضمن للشراكة الأمريكية الأوروبية الأمن والاستقرار الذي تسعى إليه دول هذا التحالف لضمان استدامة ازدهارها الاقتصادي ورفاهها الاجتماعي.
ومن هذا المنطلق، سعت مجموعة من المفكرين ينتمون إلى أربعة من أهم مجموعات التفكير في الولايات المتحدة، في خريف سنة 2008، إلى تأسيس مجموعة تفكير جديدة أطلقوا عليها "مشروع واشنطن الخاص بالناتو"، وتهدف المجموعة إلى السعي لإيجاد الحلول والسبل الكفيلة بإعادة إحياء دور الناتو في تأمين الحماية والأمن للتحالف الأمريكي الأوروبي، بالإضافة إلى التفكير في الأدوار التي يمكن لهذا التحالف أن يلعبها في التأثير على الأمن العالمي.تهدف مجموعة "مشروع واشنطن الخاص بالناتو" إلى السعي لإيجاد الحلول والسبل الكفيلة بإعادة إحياء دور الناتو في تأمين الحماية والأمن للتحالف الأمريكي الأوروبي.
ويقدم مركز الجزيرة للدراسات قراءة في التقرير الأول الصادر عن مجموعة "مشروع واشنطن الخاص بالناتو" والذي أعده عدد من الباحثين والكتاب.
ويهدف التقرير لتحقيق غرضين:
- الأول، السعي إلى مساعدة صانعي القرار في تحديد الطريق الذي ستتخذه الشراكة الأمريكية الأوروبية مستقبلاً.
- الثاني، إعطاء توصيات محددة بخصوص مستقبل الناتو، على أن يصدر تقرير آخر لاحقاً هذه السنة يتطرق للشراكة الأمريكية الأوروبية باستفاضة أكثر.
ويتكون فريق مشروع واشنطن الخاص بالناتو من مجموعة من المفكرين ينتمون إلى المراكز التالية: المجلس الأطلنطي للولايات المتحدة (ACUS)؛ مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية (CSIS)؛ مركز التقنيات وسياسة الأمن القومي (CTNSP) بجامعة الدفاع القومي؛ مركز العلاقات الأمريكية الأوروبية (CTR) بكلية الدراسات الدولية المتقدمة (SAIS) في جامعة جونس هوبكنس.
* * *
عالم جديد يلوح في الأفق
شراكة أوروبية أميركية تليق بالقرن الحادي والعشرين
تحديات على أرض الواقع
المهام الداخلية لحلف الناتو
المهام الخارجية للحلف
الإصلاحات الداخلية
خلاصة
يستهل التقرير عرض الأفكار المطروحة فيه بالتأكيد على أهمية تجديد الشراكة الأوروبية الأمريكية وإصلاحها، إذ يرى أن العالم الذي نعيشه الآن بدأ يتهاوى وتتغير ملامحه، فاسحاً المجال أمام عالم آخر تسوده أجواء من انعدام الرؤية والصرامة في اتخاذ القرارات المصيرية.
فالعالم عرف تغيرات إيجابية لم تعرفها البشرية على مر العصور، شملت تطوراً علمياً وتقنياً هائلاً وازدهاراً اقتصادياً كبيراً ومجالات أوسع من الحرية.
ورغم أن العولمة ساهمت إلى حد كبير في ازدهار الأسواق وتنمية الأرباح بفضل السوق العالمية الواسعة وتدفق رؤوس الأموال وتنشر التقنيات الحديثة، إلا أنها لم تنفع في وضع حد للصراعات السياسية والأيدولوجية.
العالم مقبل على أزمة خانقة في مصادر الطاقة والغذاء والماء، في مقابل توسع مهول في مستويات الاستهلاك والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية. |
كما يزيد من تفاقم هذه الأوضاع انتشار المعرفة والتقنيات اللازمة لصنع أسلحة الدمار الشامل لدى أكثر الجماعات والأنظمة سعياً وراء الدمار والخراب في العالم، في نفس الوقت الذي تصارع فيه الدول والحكومات لمواجهة تحدي تلك الشبكات التي لا تعرف لها أوطاناً وتتحرك بين الحدود بحرية مطلقة.
ويبقى الشرق الأوسط في بعده الأكبر، الذي يمتد حتى جنوب غرب آسيا، أحد أكثر مناطق العالم انعداماً للاستقرار، حيث الصراعات والقلاقل تنشب فوق أحد أكبر حقول الطاقة في العالم.
ويذكر التقرير أن مصير العالم سوف يتحدد وتتضح معالم القرن الحادي والعشرين في تلك المنطقة.
فهناك عدد من التوجهات الحالية ستواصل تأثيرها على استقرار الأمن العالمي، وهي:
- الصراعات بين السنة والشيعة و"العنف الإسلامي".
- الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
- تدهور عملية الانتقال في العراق مع انسحاب القوات الأمريكية وقوات التحالف.
- محاولات إيران المتواصلة لفرض نفوذها الإقليمي وتطوير الأسلحة النووية.
- الجماعات المتمردة في أفغانستان وباكستان التي تؤوي الإرهاب.
ويرى التقرير أن العالم مقبل على أزمة خانقة في مصادر الطاقة والغذاء والماء، في مقابل توسع مهول في مستويات الاستهلاك والتوسع العمراني على حساب الأراضي الزراعية، مشيراً إلى أن البنك الدولي يتوقع أن يرتفع الطلب على الغداء بنسبة 50% عام 2030.
ويشير التقرير إلى أن أحد النتائج الإستراتيجية المباشرة للتغير المناخي سوف تكون في الغالب مرتبطة بانحسار الثلوج عن مناطق شاسعة من القطب الشمالي خلال السنوات القليلة القادمة، وهو ما سيفتح الباب أمام العديد من التحديات البيئية والقانونية والجيوستراتيجية التي ستصاحب التنافس المحموم لاستغلال ثروات هذه البقعة من الكوكب الأرضي.
وتقدر وكالة المسح الجيولوجي الأمريكية أن 25% على الأقل من احتياطي العالم المتبقي من النفط والغاز يرقد تحت الدائرة القطبية الشمالية. وما لم تتوصل الدول المحيطة بالدائرة القطبية إلى اتفاقات مسبقة بخصوص استغلال تلك الموارد ووضع حدود جغرافية لنطاقات نفوذها، فإن العلاقات بين تلك البلدان سوف تعرف توترات شديدة.
هذا بالإضافة إلى دخول لاعبين آخرين في الساحة، خصوصاً وأن هذه التغير المناخي سوف ينجم عنه تحولات جوهرية في قطاع الملاحة العالمية؛ فالطريق بين شمال المحيط الأطلنطي وشمال المحيط الهادي عبر بحر الشمال قصيرة بحوالي خمسة آلاف عقدة بحرية، أي ما يعادل أسبوعاً كاملاً من الإبحار، مقارنة بالطريق التقليدية العابرة لقناة السويس.
شراكة أوروبية أميركية تليق بالقرن 21
يذكر التقرير أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر جاءت لتعزز من مفهوم عولمة التأثيرات المتداخلة لجملة من العناصر التي تهدد أمن وسلامة المجتمعات، بمعزل عن قدراتها الدفاعية. فالمشاكل الملحة التي يعاني منها العالم تهم الجميع، وخطر الإرهاب لا يستثني أحداً، والشعارات الفضفاضة مثل "الحرب العالمية على الإرهاب" لم تعد مجدية.
من اللازم على أمريكا وأوروبا السعي إلى صياغة إستراتيجيات مشتركة لخدمة المصالح المشتركة التي تجمعهما. |
لذلك، من اللازم على أمريكا وأوروبا السعي إلى صياغة إستراتيجيات مشتركة لخدمة المصالح المشتركة التي تجمعهما. فربما يرى بعض المشككين أن هذا التحالف يعاني حالياً من تصدعات كبيرة نتيجة تدهور الحالة الاقتصادية لبلدان شمال أمريكا وأوروبا وجنوح النمو السكاني فيها نحو الانخفاض، ولكن هذه الأسباب في حد ذاتها تبقى أكبر سبب لتعزيز هذا الاتحاد من أجل حماية الأمريكيين والأوروبيين والدفاع عن مصالحهم ونمط عيشهم.
شراكة من أجل غاية محددة
يرى التقرير في عام 2009 فرصة نادرة لاستغلال تجربة أوروبا الاتحادية في إنشاء شراكة أطلنطية أكثر فاعلية ونجاعة في تعزيز رفاهية شعوب التحالف وحمايتها والعمل مع باقي دول العالم على مواجهة التحديات العالمية، منبهاً إلى ضرورة الاهتمام بخمس أولويات ملحة:
أولها،
ضرورة التعجيل بإيجاد حلول للتحديات الاقتصادية القائمة وفي نفس الوقت التخطيط لاقتصادات دول التحالف مستقبلاً. فلا بد من استغلال الأزمة الراهنة على أساس أنها دعوة للتغيير، من خلال التركيز على مشاريع تطويرية كبرى مثل تأمين مصادر الطاقة والتنمية الاقتصادية المستدامة والتغيير المناخي العالمي. لذلك، تستطيع أوروبا وأمريكا لعب دور حيوي في قيادة الاقتصاد العالمي نحو توجهات مختلفة بالكامل في أساليب الاستهلاك والتنافسية خلال العقدين القادمين.
ثانيها،
التآزر لبناء مجتمعات قادرة على الصمود في وجه تحديات الإرهاب العالمي والشبكات الإجرامية. بالعمل على تكثيف التنسيق والجهود المشتركة بهدف توحيد السياسات والإستراتيجيات المستقبلية من أجل درء مثل هذه المخاطر، وعلى رأسها خطر الإرهاب البيولوجي الذي تعجز عن صده الآن وسائل الحماية التقليدية في أوروبا وشمال أمريكا.
ثالثها،
ضرورة العمل على مواجهة التحديات الأمنية العالمية بكافة أشكالها سوية. فعدداً كبيراً من هذه التحديات مصدره جنوب غرب آسيا والشرق الأوسط الكبير، كما يؤكد التقرير على ضرورة تكثيف التعاون بين الشريكين الأميركي والأوروبي لردع إيران ومنعها من امتلاك السلاح النووي، بالإضافة إلى إيجاد حلول للصراع الفلسطيني الإسرائيلي وعدم الاستقرار المدني في لبنان.
وهذا لا يمنع من أن التغيير يجب أن ينبع من شعوب المنطقة أولاً، ولكن يبقى على التحالف أن يصيغ خارطة طريق جديدة للسلام والتشجيع على التحول نحو الديمقراطية، بالإضافة إلى مد يد العون ومساندة بلدان مثل الجزائر والمغرب وتونس في جهودها الإصلاحية و"احتواء الإسلاميين المتطرفين".
وتشمل هذه الأجندة أيضاً العراق، حيث أن من مصلحة الاتحاد الأوروبي المساهمة في بناء عراق آمن ومستقر وموحد، ولعب دور هام في مرحلة إعادة بنائه.
كما يشدد التقرير على ضرورة التركيز على تعزيز المعاهدات الدولية الرامية إلى منع انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، وإيجاد الآليات المناسبة لاستغلال انعقاد مؤتمر مراجعة معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية عام 2010 بهدف كسب تأييد دولي لتطوير المبادرة الأمنية لمكافحة الانتشار وتنسيق الجهود الدولية في هذا السياق.
رابعها،
بالرغم من كل التقدم الذي أحرزته أوروبا، تبقى هذه القارة غير موحدة بالكامل وتعاني في أماكن منها انعدام الحرية والسلام. لذلك يجب بسط مبادئ الحرية وسلطة القانون والديمقراطية على كافة بلدان القارة، خصوصاً في الجزء الشرقي الذي كان يتبع القطب الشيوعي خلال فترة الحرب الباردة. فانعدام الاستقرار في هذه المنطقة سوف تكون له تداعيات على أوروبا نفسها ثم على المناطق المجاورة لها مثل غرب آسيا والشرق الأوسط.
خامسها،
تجديد الاهتمام بضرورة حماية الكوكب والحفاظ على البيئة، مع التركيز على أهمية تحسين الظروف الإنسانية للمجتمعات الأكثر تهميشاً وفقراً. فلا يمكن الحديث عن الحفاظ على كوكب الأرض من دون إعادة التفكير في التأثير السلبي للنشاط البشري على الكوكب، وفي تحسين استغلال مصادر الطاقة التي بدأت تتناقص وغيرها من المواضيع ذات الصلة.
ويؤكد التقرير على أن تحسين أوضاع المليارات من البشر سوف يصب في النهاية في مصلح دول التحالف، حيث أن الفقر واليأس في بعض مناطق العالم يولدان عدم الاستقرار وانفجار الأوضاع، وبالتالي تصدير تلك المشاكل إلى أميركا وأوروبا وباقي دول العالم.
تحسين آليات العمل
يشدد التقرير على ضرورة تكثيف التنسيق بين مختلف الإدارات والتخصصات داخل دول حلف الأطلنطي من أجل بلوغ الأهداف التي يسعى الجميع لتحقيقها. |
وينصح التقرير بضرورة التركيز على تعزيز العلاقة مع الاتحاد الأوروبي وتوسيعها أكثر، بل وتطويرها تدريجياً بالتوازي مع تطوّر الاتحاد، وذلك لما للاتحاد من مكانة عالمية كونه "أهم منظمة في العالم لا تنتمي إليها الولايات المتحدة"، وكونه قادراً على الاضطلاع بأدوار ريادة إلى جانب أمريكا في تحقيق إستراتيجيات حلف الناتو.
يرى التقرير أنه لا يمكن الحديث عن "اتفاق أطلنطي" أو حلف ناتو جديد دون التطرق إلى كيفية مواجهة تحدّين هامين أمام التحالف الغربي:
أولهما، الأولوية الاستراتيجية لأفغانستان وباكستان
فمن هذه المنطقة تم التخطيط لهجمات الحادي عشر من سبتمبر في أمريكا وباقي الهجمات التي تلتها في أوروبا. وإذا ما استمرت الأوضاع في التدهور في أفغانستان ومناطق القبائل في باكستان، فإن "الجماعات الإرهابية" هناك ستعاود تعزيز صفوفها لتصبح أقوى من ذي قبل، وبالتالي تعريض الأمن الداخلي لدول أمريكا الشمالية وأوروبا ومعها باكستان للخطر.
ويشير التقرير إلى أنه ليس من مصلحة هذه الأخيرة والعالم -كونها دولة نووية- أن يتزعزع استقرارها الداخلي لما سيشكل ذلك من خطر جسيم على المنطقة والعالم.
وتعتبر أفغانستان أول تجربة قتالية ميدانية لحلف الناتو منذ تأسيسه، وهي تجربة تعتريها العديد من الأخطاء الإستراتيجية، أولها، حسب التقرير، عدد الجنود الأمريكيين غير الكافي، والذي يعتبر الأضعف في كل عمليات "إعادة الإعمار" منذ الحرب العالمية الثانية، بالإضافة إلى ضعف التنسيق والتخطيط المشترك بين القوات المتحالفة على أرض أفغانستان.
كما يشير التقرير إلى أن التقليد المتعارف عليه في الناتو، والذي يحتم على البلدان الأعضاء أن تتحمل الحصة العظمى من تكاليف العمليات التي تشارك فيها، يشكل عائقاً أمام العديد من الدول التي ترغب في المشاركة في عمليات التحالف، ولكنها تخشى تكبد تكاليف ثقيلة في ميزانياتها العسكرية.
وفي نفس الوقت، هناك عدد آخر من الدول الأعضاء لا يرغبون في اللجوء إلى التمويل المشترك لأنشطة الناتو أو تعزيز قدراته لما قد يتسبب فيه ذلك من استنزاف لموازناتهم الداخلية.
ويؤكد التقرير على ضرورة أن يفهم حلفاء أمريكا أن عمليات الناتو في أفغانستان هي في الأصل نابعة من واجب الدول الأعضاء في الدفاع المشترك انسجاماً مع الفصل الخامس من معاهدة حلف شمال الأطلسي.
فالولايات المتحدة قد تعرضت في 11 سبتمبر لهجوم عدائي تم التخطيط له من أفغانستان، ومع ذلك لم يتم رسمياً اعتبار عمليات الحلف في أفغانستان جزءاً من مهام الدفاع المشترك التي ينص عليها لفصل الخامس من المعاهدة.
ولعل أهم ما يعترض جهود إعادة إعمار أفغانستان، هو أن حلف الناتو ليس مؤهلاً للاضطلاع بالجهود المدنية، سواء في التنمية الاقتصادية أو تدريب أجهزة الأمن والشرطة والنظام القضائي، وهي كلها أمور أساسية لاقتلاع "جذور الإرهاب" من هذه المنطقة.
إذا ما استمرت الأوضاع في التدهور في أفغانستان ومناطق القبائل في باكستان، فإن "الجماعات الإرهابية" هناك ستعاود تعزيز صفوفها لتصبح أقوى من ذي قبل. |
ويستدل التقرير بالهجمات الإرهابية الأخيرة في مومباي والتي يرى أنها خير دليل على أن بذل الجهود على نطاق أوسع يشمل المنطقة كلها هو السبيل الأمثل لضمان أمن حلفاء الناتو سواء في تلك المنطقة بالذات أو داخل أوروبا وشمال أمريكا.
لذلك، يشدد التقرير على أهمية تكثيف الجهود ومساعدة دول جوار أفغانستان، وعلى رأسها باكستان التي من الضروري أن تحصل على دعم دولي لتنمية منطقة البشتون، وفي نفس الوقت تشجيع كل من أفغانستان والهند على التقليص من أية نشاطات قد تسبب مخاوف أمنية لباكستان وحل أية خلافات أو نزاعات قد تنشأ بين هؤلاء الثلاثة.
ثانيهما، العلاقات مع روسيا
فالتقرير يرى بأن فلاديمير بوتين قد حول روسيا من دولة ضعيفة نسبياً وديمقراطية جزئياً إلى نظام فاشي يعتمد على اقتصاد التجارة ويسعى للتوسع في محيط روسيا الجغرافي وتحقيق المصالح الذاتية على حساب باقي دول الجوار.
ورغم أن هذا النظام الذي يتزعمه كل من بوتين وميدفيديف يعتمد في قوته على الأداء الاقتصادي والموارد البشرية، من جهة، وعلى تخويف الشعب من خطر الأعداء المتربصين بالبلاد، من جهة ثانية، إلا أن بوادر الأزمة بدأت تظهر داخل البلاد مع تدني أسعار صادرات النفط وباقي السلع، بالإضافة إلى تدهور العملة المحلية واستنزاف احتياطي العملات الصعبة.
ويذكر التقرير بأن هجوم روسيا على جورجيا شهر أغسطس/ آب 2008 قد أظهر عيوباً واضحة في تنظيم الجيش الروسي الذي يبدو أنه يعاني من مشاكل كبيرة حتى في الانتشار على جبهاته المباشرة، إلا جانب تقادم تجهيزاته وأنظمته اللوجستية.
وتلوح بوادر سباق جديد نحو الصواريخ المتطورة في الأفق مع "ادعاء روسيا بأن ترسانتها النووية المكونة من آلاف الصواريخ الإستراتيجية في خطر بسبب خطة لنشر عشرة بطاريات اعتراضية في بولندا تحسباً للخطر الذي تشكله قدرات إيران البالستية المتنامية".
وسيكون على الغرب محاولة استدراج روسيا نحو اتخاذ قرارات صائبة تصب في اتجاه مصالح الجميع. ويقترح التقرير في هذا الإطار إستراتيجية من شقين:
- يسعى أولهما إلى إظهار حسن نوايا أميركا وأوروبا وسعيهما لبناء علاقة شراكة متميزة مع موسكو أساس الاستثمار في ثروات البلاد وتعزيز اقتصادها وتحسين مستوى عيش سكانها.
- أما الشق الثاني، فيجب أن يركز على إيصال فكرة واضحة إلى النظام الحاكم في روسيا بأن هذه العلاقات لا يجب أن تكون مبنية على التهديد والترهيب، أو بالرجوع إلى أساليب الماضي وتقسيم العالم إلى أقطاب ومعسكرات، بل يجب أن يسودها الاحترام المتبادل واحترام القانون الدولي والمواثيق الدولية.
بصفة عامة، يحتاج إعادة إحياء الناتو إلى خلق توازن متين بين مهامه داخل محيط الدول الأعضاء وخارجه، بحيث سيكون عليه توسيع نطاق نشاطه وتعزيز مستويات التواصل مع حلفائه، بالإضافة إلى لعب دور القائد حين يتطلب الأمر، ولعب دور الشريك المساعد في إطار تحالفات أكبر تارة أخرى.
ومن المهام الداخلية التي على الناتو القيام بها:
المهمة الأولى
تتمثل في تعزيز قوة الردع والدفاع. فمن أجل تعزيز جاهزية الناتو لتطبيق الفصل الخامس من المعاهدة، على دول الحلف أن:
- تنشئ "قوة استجابة للناتو" قادرة على التحرك داخل وخارج نطاق حدودها؛
- تعزيز قدراتها داخل منطقة الحلف بكل شفافية وبما يتناسب مع متطلبات المرحلة الراهنة والمستقبلية؛
- الاستثمار في البنيات التحتية الأساسية في الدول الحليفة المناسبة (خصوصاً الحلفاء الجدد للناتو) من أجل تقوية النفوذ الجغرافي للحلف؛
- دراسة إمكانية توظيف المزيد من قدرات الناتو المشتركة، مثل نظام المراقبة الأرضية للحلف (AGS) في إحدى الدول الأعضاء الأخرى؛
- دراسة إمكانية إنشاء مؤسسة متعددة الجنسيات جديدة تابعة للناتو تتكون من أعضاء جدد في أوروبا الوسطى.
المهمة الثانية
فتتمحور حول تعزيز صمود التحالف الأمريكي الأوروبي. فمن المحتمل جداً أن يشارك الناتو في أدوار قيادية فيما يخص ضمان الأمن القومي والاجتماعي داخل منطقة الحلف.
وستشمل هذه الأدوار:
السهر على دعم تنفيذ الإستراتيجيات التي تم التخطيط لها؛من المحتمل جداً أن يشارك الناتو في أدوار قيادية فيما يخص ضمان الأمن القومي والاجتماعي داخل منطقة الحلف. - تعزيز أداء أنظمة الإنذار المبكر والدفاع الجوي والأرضي؛
- تحسين أنشطة مكافحة الإرهاب؛
- تقوية قدرات التحالف في إدارة نتائج الهجمات الإرهابية حين وقوعها أو مخلفات الكوارث الطبيعة العظمى؛
- مكافحة جرائم الإنترنت؛ الدفاع ضد الإرهاب البيولوجي؛
- التشاور السياسي في شؤون تأمين موارد الطاقة؛
- إدماج قدرات أمريكا وأوروبا على الصمود في "المفهوم الاستراتيجي" للناتو.
المهمة الثالثة
السعي لجعل أوروبا قارة متكاملة وحرة وفي سلام دائم. فمن مصلحة حلفاء الناتو أن يعم الاستقرار كافة أرجاء القارة الأوروبية، من خلال نشر أسس الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان في باقي دول القارة بحيث يسود الأمان والثقة المتبادلة بين جميع شعوب أوروبا.
فلا شك أن أوروبا المعاصرة تختلف كثيراً عما كانت عليه أيام الحرب الباردة. ولا بد أن:
- يُبقي الغرب بابه مفتوحاً في وجه كل دول أوروبا للالتحاق بركبه.
- تحترم حكومات دول الناتو التزاماتها في قمة بوخارست تجاه جورجيا وأوكرانيا وتشرع في تقديم الدعم السياسي والدفاعي الذي وعدت به.
- توسيع هذا النوع من الدعم والمساعدة ليشمل باقي دول المنطقة في إطار سياسة "الصمود الإيجابي" التي سيمكن من خلالها مستقبلاً إدماج المزيد من الدول في التحالف الغربي.
المهمة الأولى
منع الأزمات والاستجابة لها. فإذا كان الحلف يرغب في مواصلة فرض حضوره في هذا المجال، فسوف يتحتم عليه تعزيز قدرات أكبر مما يمتلك الآن، بالإضافة إلى القدرة على نشرها وضمان استدامتها.
كما أنه من الضروري الحفاظ على الفاعلية التشغيلية لقوة الاستجابة للناتو لما فيها من حفاظ على مصداقية الحلف.
ومع تراجع العديد من الحلفاء عن تقديم الدعم الكافي لمواصلة مهام الناتو، صار من الضروري إما زيادة ميزانيات الدفاع الخاصة بالجنود والتدريب والمعدات، أو إعادة ترتيب الأولويات في الإنفاق على البنيات الأساسية للحلف من قوات وقيادات حربية وإدارات ومكاتب تسيير، وذلك بهدف إعادة نشر القوات والأنظمة المساعدة مثل منصات الاستخبار والمراقبة والاستطلاع (ISR) والمروحيات.
المهمة الثانية
فرض الاستقرار وعمليات إعادة البناء. فبالرغم من أن عدداً لا بأس به من هذه القدرات موجود بالفعل في مؤسسات الاتحاد الأوروبي والناتو و"الشراكة من أجل السلام"، فإنها لم تبلغ بعد مرحلة القابلية للانتشار.سيتوجب على الناتو خلق منصب داخل مؤسسته لمساعد الأمين العام للشراكة، وذلك بهدف السعي إلى تعزيز الشراكات الحالية وتفعيل استراتيجية "التوجه الشامل".
لذلك، يجب التركيز على تأسيس مؤسسة تابعة للحلف تحمل مثلاً اسم "قوة فرض الاستقرار وإعادة البناء"، تكون بمثابة عنصر دعم أمني متكامل ومتعدد الجنسيات، من مهامها التنظيم والتدريب والتجهيز في المراحل التي تتبع النزاعات، في انسجام مع جهود الاتحاد الأوروبي في هذا الخصوص.
المهمة الثالثة
تعزيز التواصل مع الآخرين. ففاعلية الناتو تعتمد بالأساس على الشراكات القوية، لذلك يجب عليه تأسيس شراكات إستراتيجية حقيقية، بالإضافة إلى تعزيز علاقاته مع المنظمات العالمية من الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومنظمة الأمن والتعاون الأوروبية والاتحاد الإفريقي. وسيتوجب عليه خلق منصب داخل مؤسسته لمساعد الأمين العام للشراكة، وذلك بهدف السعي إلى تعزيز الشراكات الحالية وتفعيل استراتيجية "التوجه الشامل".
ويؤكد التقرير بأن كل هذه المهام تتقاسم معاً خمس متطلبات مشتركة:
- ضرورة تكثيف الحوار لضمان دعم متواصل من الرأي العام وممثليه في البرلمان.
- ضرورة تكثيف قدرات الحلف اللوجستية والقدرات على نشرها بمرونة كافية.
- تحسين التنسيق بين حلف الناتو وشركائه في العالم.
- تحسين التعاون بين السلطات المدنية والعسكرية.
- توفير الوسائل الكافية لتتماشى مع متطلبات كل مهمة على حدة.
1- تغيير طريقة صنع القرار داخل الناتو
تطبيق قاعدة الإجماع فقط داخل "مجلس شمال الأطلسي" وعند التصويت على مصادر التمويل في اللجان المكلفة بالموازنات.
كما يجب تطوير سياسة لاختيار الانسحاب تسمح للدول بأن تشارك في عملية الإجماع في مجلس شمال الأطلسي ثم تختار عدم المشاركة في العملية التي صوتت على تنفيذها. وفي المقابل، لا يحق لهذه الدول المنسحبة أن تشارك في اتخاذ القرارات الخاصة بتلك العملية.
ويمكن تفويت السلطات الكافية إلى الأمين العام فيما يخص الشؤون الداخلية، بالإضافة إلى إدماج القسمين المدني والعسكري لموظفي الناتو الدوليين، وإدخال تعديلات على اللجنة العسكرية في الحلف.
2- تغيير الطريقة التي ينفق بها الناتو موارده المالية
يتوجب على الحلف مراجعة سياساته المالية خلال فترات السلام للتخلص من أعباء النفقات غير الضرورية، خصوصاً في الوكالات والمؤسسات التابعة له والتي لم تعد لها أهمية تذكر. |
ويجب استغلال مصادر الأموال المشتركة في تغطية بعض نفقات المهمات التي يشارك فيها الناتو حالياً، وبنفس الطريقة يمكنه اقتناء المعدات التي يحتاجها في تلك المهمات.
هذا بالإضافة إلى تنسيق عمليات التزود بالمعدات مع الاتحاد الأوروبي لسد أي خصاص محتمل في القدرات. كما يمكن إنشاء مجموعة عمل مشتركة بين الناتو والاتحاد الأوروبي تشمل ممثلي الصناعات الدفاعية لبناء قاعدة صناعية متينة ومتطورة تعزز من قدرات الحلف الدفاعية.
3- السعي إلى إنشاء جهاز قيادة
ويجب إنشاء جهاز القيادة من ثلاث مستويات:
- المستوى الاستراتيجي
وسوف يكون مكوناً من جهازين: قيادة التحالف للعمليات (ACO)، على رأسها قائد أعلى أمريكي كما هو عليه الحال الآن؛ ثم قيادة التحالف للتغيير (ACT) وعلى رأسها قائد أعلى أوروبي ونائبين أحدهما مكلف بمهام التخطيط الدفاعي والاستحواذ، والثاني مكلف بعملية التغيير ويكون أمريكياً ويتقلد أيضاً منصب نائب قائد القوات المشتركة الأمريكية. كما ستتكلف قيادة التحالف للتغيير بمهام التدريب والتثقيف لنشر الوعي داخل التحالف بمبادئ تعزيز قدرات الصمود والدفاع. - مستوى العمليات
ثلاث قيادات للقوات مشتركة، تكون مقارها في كل من برونسوم في هولندا، ونابولي في إيطاليا، ولشبونة في البرتغال. وسيكون على كل من هذه القيادات أن تمتلك القدرة على نشر قوات مشتركة تابعة لها بكل كفاءة. كما يجب تأسيس اثنين على الأقل من مراكز عمليات الجو الموحدة (CAOC) بقدرات انتشار متقدمة. - مستوى الانتشار
تقليص عدد مقرات الانتشار المشتركة إلى ثلاثة فقط عوض الستة المتواجدة حالياً، مع إمكانية تعزيزها بمقرات إضافية عند الحاجة من خلال الاستعانة بمقرات القوات عالية الاستعداد. ويمكن توجيه النفقات التي تم توفيرها من هذا التقليص في اقتناء المزيد من المعدات الضرورية لعمليات الانتشار.
4- أهمية توفير القدرات العسكرية الضرورية
وذلك من خلال القوات التقليدية القابلة للانتشار، والتي تشمل قوات المدرعات الخفيفة والثقيلة، وقوات التدخل الأولي مثل "قوات الاستجابة للناتو". هذا بالإضافة إلى تعزيز أنظمة الدعم الاستراتيجي والتي تشمل الاتصالات والاستخبارات والاستطلاع.
كما يجب التركيز على أنظمة الدفاع الصاروخية لما لها من أهمية كبرى في سياسة الردع ضد أي تهديد صاروخي محتمل من إيران أو غيرها من الدول المعادية.
وإذا ما نجحت الجهود الدبلوماسية في وقف برنامج إيران النووي، فلن يكون نشر منصات الاعتراض الصاروخي ضرورياً، ولكن مواصلة الجهود في هذا الاتجاه تبقى ضرورية بالنسبة لأمريكا وحلفائها.
فمن جهة، تبقى هذه الجهود ضرورية من باب اتخاذ الحيطة والحذر نظراً للوقت الذي تتطلبه عمليات نشر النظام الدفاعي، ومن جهة أخرى تبقى استراتيجية الرد الدفاعي أفضل حل في مواجهة أي هجوم صاروخي إيراني محتمل في حال فشلت الجهود الدبلوماسية.
لا يرى التقرير تعارضاً بين السعي إلى تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، والحفاظ على نشر صواريخها النووية في أوروبا. |
ولا يرى التقرير تعارضاً بين السعي إلى تحقيق الهدف الأسمى المتمثل في عالم خالٍ من الأسلحة النووية، والحفاظ على نشر صواريخها النووية في أوروبا. بل إنه يشدد على أن أية محاولة من أمريكا لسحب تلك الأسلحة سوف تعتبرها أوروبا توجهاً نحو فك الارتباط الأمني عنها، وبالتالي تقويض الأسس التي بُني عليها التحالف الأطلنطي.
لذلك، يدعو التقرير إلى أن مثل هذه المبادرة يجب أن تأتي أولاً من أوروبا حين ترى هذه الأخيرة بأن أمنها المشترك مع أمريكا لا يستدعي بقاء تلك الأسلحة النووية على أراضيها. ولكنه نبه في المقابل إلى أن أية خطوة في هذا الاتجاه يجب أن تكون محسوبة العواقب، لأنه سيكون من المستحيل سياسياً مطالبة أمريكا بإعادة نشر أسلحتها على الأراضي الأوروبية مرة ثانية. كما يشدد على أن هذه الخطوة، في حال اتخاذها، يجب أن تُتبع بخطوات مماثلة من قبل روسيا لنزع أسلحتها النووية.
5- التوفيق بين المهام والموارد المتاحة
فلا توجد حالياً أية إمكانية لزيادة الموارد المالية للناتو. لذلك وجب التفكير في ترشيد النفقات وإلغاء النشاطات أو البنيات التنظيمية المتقادمة التي تؤثر سلباً على ميزانية الحلف.
وسيكون من اللازم على الناتو صياغة سياسات تنظيمية وهيكلية جديدة تتماشى مع شح الموارد المالية مثل الرفع من قدرات الانتشار لدى كافة قواته، والبحث عن حلول بديلة لتشغيل موارده المتاحة بأفضل السبل الممكنة.
6- إعادة التفكير في "مناطق التركيز" الوظيفية والجغرافية
فبينما كان الحلف يعارض في السابق مبدأ "توزيع المهام"، سوف يتوجب عليه الآن التفكير جدياً البحث عن الشراكات وتعزيز سبل التعاون مع حلفائه.
ويمكن من خلال هذا التوجه الجديد التفكير في خلق مناطق تحرك جغرافية يتقاسمها الحلف مع الاتحاد الأوروبي. فمثلاً، بينما يهتم الناتو بعملياته في جنوب آسيا، وخصوصاً في أفغانستان، كثف الاتحاد الأوروبي من عمليات الاستجابة للأزمات في القارة الأفريقية، كما ضاعف من جهوده في المهام الخاصة بمنطقة البلقان خارج نطاق عمل الناتو.
يخلص التقرير إلى أن من شأن كل هذه الإصلاحات، في حال تبنيها، أن تساهم في تعزيز قدرات الناتو وتقوي من فرص بقائه وقدرته على مواجهة تحديات العالم المعاصر.
ويدعو إلى توسيع نطاق الحلف واستقطاب المزيد من الأعضاء فيه، بل وحتى الدخول في شركات مع مؤسسات عالمية كبرى أو الاكتفاء بلعب دور هامشي ضمن منظومة عالمية أكبر كلما دعت الضرورة إلى ذلك.
_______________
أعد التقرير مجموعة من الكتاب هم:
المؤلف - دانييل هاملتون.
وشارك في الإعداد - تشارلز باري، وهانز بيننديجك، وستيفن فلاناغان، جوليان سميث، جيمس تاونسيند.
ويمكن الحصول على النسخة الأصلية من التقرير من الموقع الإلكتروني للمجلس الأطلنطي للولايات المتحدة، ولقراءة ملخص التقرير على الموقع إضغط هنا، وللحصول على التقرير كاملا كنسخة PDF إضغط هنا.