سياسة روسيا في المنطقة العربية الإسلامية

ورقة تناقش السياسة الروسية في المنطقة العربية الإسلامية في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد العام 2001 عندما أخذت روسيا تشعر بأن النفوذ العالمي يتجاوزها، بل ومن الممكن أن يتطاول عليها، وبدأت تفكر، باسترداد جزء من الهيبة التي كان يتميز بها الاتحاد السوفييتي المنهار.







 

عبد الستار قاسم


تناقش هذه الورقة السياسة الروسية في المنطقة العربية الإسلامية -الكاتب لا يستعمل مصطلح الشرق الأوسط- في الآونة الأخيرة، وبالتحديد بعد العام 2001 عندما أخذت روسيا تشعر بأن النفوذ العالمي يتجاوزها، بل ومن الممكن أن يتطاول عليها، وبدأت تفكر، على الأقل، بصون مكانتها، واسترداد جزء من الهيبة التي كان يتميز بها الاتحاد السوفييتي المنهار.





سياسة روسيا في المنطقة العربية الإسلامية حذرة جدا، وتتطلب الكثير من التوازن والدقة، وهي أشبه ما تكون بالسير عبر حقل ألغام كثيف.
موضوع البحث هنا ليس كل المنطقة العربية الإسلامية، وإنما ينحصر في الجزء الممتد من إيران إلى مصر، على اعتبار أن هذا الجزء هو الأكثر تفاعلا واستقطابا للنشاط السياسي والدبلوماسي والعسكري من غيره من الأجزاء. هناك حراك قوي في أجزاء أخرى بخاصة من الناحية العسكرية في منطقة أفغانستان وباكستان، لكن الأنظار الروسية مركزة الآن على هذا الجزء الحيوي والذي يعتبر قلب المنطقة العربية الإسلامية.

تلمس الورقة على السياسة الروسية في المنطقة المذكورة بصورة عامة، وعلى سياستها مع كل دولة من دولها أو جهة ذات شأن في التأثير على الوضع العام في المنطقة مثل سوريا ومصر وإيران وحزب الله وحماس.


لا تدخل الورقة في التفاصيل، وإنما تحاول إبراز الخطوط العريضة للسياسة الروسية والتي تعتبر القواعد التي تنبثق عنها التفاصيل. ومن ثم يقوم الباحث بتقييم المعلومات الواردة واستخلاص النتائج.


اعتبارات أساسية في السياسة الروسية
اهتمامات روسيا الرئيسية
خطوات عملية
استنتاج


اعتبارات أساسية في السياسة الروسية 


سياسة روسيا في المنطقة العربية الإسلامية حذرة جدا، وتتطلب الكثير من التوازن والدقة، وهي أشبه ما تكون بالسير عبر حقل ألغام كثيف، أو على حبل بهلواني رفيع، ذلك لأن المخاطر التي يمكن أن تعترض المصالح الروسية كثيرة بغض النظر عن المواقف المتخذة.


لكل موقف محاذيره، ولكل تصريح سياسي آثار وتبعات لدى مختلف الجهات المتنافسة أو المتصارعة في المنطقة. تتعدد أهواء وأمزجة ومصالح الأنظمة الحاكمة في المنطقة، وكذلك الأمر بالنسبة للدول التي ترى أن لها مصالح في المنطقة، وتبعا لذلك يجب أن تحسب موسكو خطواتها بدقة حتى لا تقع في مأزق سياسي أو حرج أو ورطة ترتد عكسيا على ما ترى أنه من مصلحتها.


تحاول روسيا الاقتراب من المنطقة العربية الإسلامية بهدف إقامة نفوذ في المنطقة يخدم مصالحها. إنها تحاول التقرب من إيران ومن الدول العربية بخاصة الخليجية، وذلك من خلال الاستعداد لبيع الأسلحة وإقامة المفاعلات النووية ذات الأغراض السلمية.


وحسب وصف أحد الكتاب الأمريكيين، روسيا تحاول استعمال قدراتها التقنية والعسكرية في المنطقة العربية الإسلامية كما استعملت ألمانيا الاستعمارية فن إقامة السكك الحديدية (Cohen, Putin’s Middle east Visit).


وفي سعيها لإقامة نفوذ في المنطقة العربية الإسلامية، تأخذ السياسة الروسية في الحسبان عددا من العناصر الهامة، وهي عناصر قد تكون متناقضة أحيانا ويصعب التوفيق فيما بينها، أذكر هنا أهمها:



  1. ما هو موقف روسيا مما يسمى الإرهاب الإسلامي والتنظيمات الإسلامية المتهمة بالإرهاب، علما أن هذه التنظيمات تحظى بشعبية كبيرة في المنطقة؟ روسيا تقف ضد مقاومة الشيشان وتصفها بالإرهاب، وهي ترغب في الحصول على تأييد أهل الغرب وإسرائيل في حربها على المقاومين الشيشانيين. هل ستؤيد المقاومة الفلسطينية واللبنانية وتغامر بعدم تأييد الولايات المتحدة لها في الشيشان. وهل ستؤيد حماس وحزب الله اللذين لهما مواقف متعاطفة مع الشيشان؟ إن أيدت خسرت من ناحية، وإن لم تؤيد خسرت من ناحية أخرى. فما العمل؟ هناك حيرة كبيرة. ثم ماذا تصنع مع إسرائيل التي أيدت موسكو في حربها ضد الشيشان، ووقفت ضد الجماعات الإسلامية التي قررت المساهمة في الجهد الحربي ضد موسكو؟ هل تقف مع إسرائيل وتستثير الفئات الإسلامية مما يعني المزيد من القلاقل في عدد من المناطق الإسلامية في الاتحاد الروسي؟


  2. تريد روسيا إقامة علاقات طيبة مع المملكة العربية السعودية، لكن أوساطا روسية كثيرة تتهم السعودية من خلال الاتهام بأن الوهابيين يدعمون الشيشان ضد الجمهورية الروسية، وأنه لولا الأموال السعودية لما تمكن الشيشان من مواصلة القتال (Stratfor Global Intelligence, US, Saudi Arabia Holding the Chechen Card).


  3. لديها الرغبة في إقامة علاقات مع طهران، لكنها تصطدم بعدد من العوامل: مطلوب منها إيرانيا ألا تساعد الولايات المتحدة في حصارها لإيران، وألا تتجاوب معها في مجلس الأمن فيما يتعلق بالبرنامج النووي. (Scot Peterson. Russia, Iran Harden Against US) من ناحية أخرى، لا تقبل السعودية تطوير علاقات مع روسيا في ذات الوقت الذي تطور فيه روسيا علاقاتها مع إيران، ومطلوب من روسيا التوقف عن التعاون مع طهران في المجال النووي، والتوقف عن تزويدها بالأسلحة.





  4. المنطقة العربية الإسلامية أشبه ما تكون بحظيرة أمريكية لأن النفوذ الأمريكي فيها واسع، والمصالح الأمريكية متشعبة ومتنوعة.
    روسيا ترغب في رفع أسعار النفط، وإيران ترغب بذلك، لكن السعودية تتعاون مع أمريكا والدول الغربية من أجل استقرار السوق النفطية. (Saudi-US Relations Information Service, Russian President’s Historic Visit) رفع أسعار النفط غير ملائم لا لأمريكا ولا للسعودية لأن إيران ستصبح أقدر على الاندفاع في برامجها التسليحية، وروسيا أقدر على إقامة سياسة خارجية فعالة على حساب الولايات المتحدة.


  5. ترغب سوريا في تطوير علاقاتها مع موسكو، ولكن على حساب إسرائيل إلى حد كبير. سوريا تريد سلاحا متطورا لمواجهة إسرائيل بخاصة في المجال الجوي، لكن هذا أيضا يستفز إسرائيل وتتوقف عن التعاون مع روسيا فيما يخص الإرهاب، وربما أيضا في المجال الإليكتروني. روسيا بحاجة للحصول على بعض المنتجات الإليكترونية الإسرائيلية الخاصة بنشاطات التجسس والاستطلاع.


  6. المنطقة العربية الإسلامية أشبه ما تكون بحظيرة أمريكية لأن النفوذ الأمريكي فيها واسع، والمصالح الأمريكية متشعبة ومتنوعة، وتحاول أمريكا إبقاء المنطقة بعيدة عن أي نفوذ آخر. روسيا تعلم أن الاقتراب من المنطقة عبارة عن استفزاز، وهي لا تريد الدخول في معارك دبلوماسية أو غير دبلوماسية قد لا تكون مستعدة لها مع أمريكا.


  7. روسيا حذرة أيضا لأنها لا ترى، وفقا لتجربة الاتحاد السوفييتي، أن الأنظمة العربية أهل للثقة. كانت الأنظمة العربية تتلقى الدعم العسكري والسياسي والدبلوماسي من الاتحاد السوفييتي في ذات الوقت الذي كانت تعتقل فيه الشيوعيين وتزجهم بالسجون. كانت الأنظمة تمد اليد استنجادا بالسوفييت، ولكنها تشتري البضائع المدنية من الدول الغربية المعادية للسوفييت. كما أن العرب لم يحافظوا على كرامة السلاح السوفييتي إذ استولت إسرائيل على مختلف أنواع الأسلحة إما في ميدان المعركة أو من خلال خيانة عسكريين وطيارين عرب. تجربة السوفييت مع العرب كانت مريرة، فهل تتعامل روسيا الآن مع عرب غير العرب الذين كانوا قبل عام 1990؟


  8. أما بخصوص إيران، فروسيا حذرة أيضا بسبب المصالح المتضاربة في منطقة قزوين، وبسبب التوجه الديني للحكم الإيراني. هي تعلم أن إيران ليست دولة ألعوبة وليست على استعداد لتطويع نفسها من أجل مصلحة، وبالتالي ستصر على مصالحها وستطالب بها مهما بلغت الضغوط التي تتعرض لها من الدول الغربية. إيران بحاجة لمن يقف معها، لكنها غير راغبة بدفع ثمن هذا الوقوف إلا بصورة تبادلية. ثم إن الوقوف مع إيران يهدد مصالح أخرى لروسيا لدى إسرائيل والولايات المتحدة والسعودية والإمارات، وغيرها.

اهتمامات روسيا الرئيسية 


ضمن هذه المحاذير، تحاول روسيا إقامة علاقات في المنطقة تحقق لها بعض اهتماماتها ومصالحها. العلاقات الدولية لا تنفصل عن المصالح سواء المادية أو المعنوية، ومن المتوقع أن تتردد روسيا في اتخاذ الخطوات السياسية التي تعرقل مصالحها، وأن تندفع في تلك التي تعززها.


نستثني بداية العنصر الأيديولوجي كمحرك أو دافع للسياسة الروسية، فتلك الأبعاد الأيديولوجية التي كانت تنطلق منها السياسة السوفييتية لم تعد موجودة. روسيا دولة بلا أيديوجيا، وحتى الآن بلا قضايا اجتماعية وفكرية وثقافية واقتصادية تريد الدفاع عنها أو نشرها على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن تختلف روسيا في سياستها الخارجية جوهريا عن سياسة السوفييت الخارجية.


هذا التنويه ضروري لأن بعض العرب والمسلمين ظنوا أنه من الممكن أن تحيي روسيا العهد السوفييتي، وأن تكون العلاقات معها مبدئية وليس مصلحية. من المهم أن يراجع هؤلاء تقييمهم للأمر حتى لا يبنوا سياسة على مرتكزات خاطئة.


بصورة عامة، أتفق مع الباحث دانروثر (Dannreuther, Roland. Russia and the Middle East) روسيا مهتمة بلعب دور في المنطقة العربية الإسلامية من منطلقات ثلاث:


أولا



روسيا دولة بلا أيديوجيا، وحتى الآن بلا قضايا اجتماعية وفكرية وثقافية واقتصادية تريد الدفاع عنها أو نشرها على المستوى العالمي، ومن المتوقع أن تختلف روسيا في سياستها الخارجية جوهريا عن سياسة السوفييت الخارجية.
روسيا تريد رفع مستوى العلاقات مع المسلمين إجمالا لما لذلك من تأثير على المسلمين في المناطق الروسية الجنوبية، وهناك حركات إسلامية في روسيا تحاول الانفصال، وهي تسبب مشاكل كثيرة ومرشحة لاستنزاف طاقات اقتصادية ومالية كبيرة.

تظن روسيا أن إقامة علاقات طيبة مع الدول العربية والإسلامية سيخفف من هذه المشكلة، وربما يقضي عليها. لكن على روسيا أن تحرص على التوازن في علاقاتها بحيث لا تبني علاقات مع الأنظمة وتنحي جانبا العلاقة مع التنظيمات الجهادية. للتنظيمات الجهادية تأثير أكبر على حركات الانفصال من الأنظمة، لكن تحسين العلاقات معها يؤثر سلبا على رغبة الحكومات في التجاوب.


وروسيا مهتمة بحماية حدودها الجنوبية ذلك لأن الجمهوريات الإسلامية قد أصبحت مستقلة وتشكل مناطق انطلاق للحركات الانفصالية الروسية.


تبلغ نسبة المسلمين الآن في روسيا حوالي 15%، ومن المتوقع أن تزداد هذه النسبة بصورة ضخمة حتى عام 2050 بسبب التناقص في الزيادة الطبيعية للروس من أصل سلافي، وتزايد نسبة المسلمين بسبب التكاثر السكاني والهجرة من البلدان الإسلامية المجاورة.


المسلمون يزدادون وعيا بشؤونهم، وارتفعت أعداد المساجد في روسيا الآن من حوالي 8000 بعد أن كانت حوالي 1000 مع انهيار الاتحاد السوفييتي. وقد حدا بالبعض القول بأن روسيا ستتحول إلى دولة إسلامية في العالم 2050 (The Russian Article Index, The Coming Islamic Republic of Russia)، وهناك مبالغة في تضخيم التزايد السكاني للمسلمين من قبل بعض الكتاب، لكن يبقى خطر الحركات الانفصالية قائما، ويتزايد مع تزايد السكان المسلمين.


لكن من الضروري الانتباه إلى أن هدوء المسلمين مرتبط بسياسة روسيا فيما يتعلق بعدالة التوزيع، وليس بالضرورة برغبة المسلمين في التمرد بلا سبب.


ثانيا
روسيا تتطلع إلى المنطقة كمصدر مهم للدخل بخاصة من ناحية تصدير الأسلحة. وتنفق دول المنطقة أموالا طائلة على التسليح، ومن الواضح أن الغرب وبخاصة الولايات المتحدة يحتكرون السوق. فهل تستطيع روسيا إحداث اختراق؟


أظن أن على روسيا أن تقدر مدى اهتمام هذه الدول بالتسليح في مقابل اهتمام الدول الغربية بتجريد هذه الدول من ثرواتها. هل تسعى هذه الدول لشراء أسلحة من أجل الدفاع عن نفسها، أم أنها تعيد للغرب أغلب الأموال التي تحصل عليها من مبيعات النفط عبر أساليب متعددة ومن ضمنها شراء الأسلحة؟ أغلب الأسلحة ليست للاستعمال الحربي، وتبقى دول الخليج تحت الحماية الأمريكية بغض النظر عن كميات السلاح الضخمة المشتراة. أي أن على روسيا ألا تفترض أن دول المنطقة تقرر لنفسها بنفسها بمعزل عن الدول الغربية وخاصة الولايات المتحدة.


وروسيا مهتمة أيضا بالتعاون مع دول الخليج من أجل تحسين أسعار النفط والغاز، وتعد روسيا المصدّر الثاني للنفط بعد السعودية، والمصدّر الأول للغاز، وتشكل صادراتها من الصنفين 65% من مجمل الصادرات الروسية (Leigh Anne Manwarren, Energy-Rich Russia Moves to Become World Power Again).


بنت روسيا آمالا كبيرة على ارتفاع أسعار مواد الطاقة لكي تستمر في برامجها التنموية، وترى أن إبقاء الأسعار مرتفعة يتطلب تعاون دول الخليج، وبالتحديد السعودية وقطر.


ثالثا
ترغب روسيا في لعب دور في حل الصراع العربي الإسرائيلي لأنها تريد أن تبرز كقوة كبيرة على الساحة الدولية، وقد وجدت روسيا أن دورها على الساحة الدولية قد تقلص إلى حد كبير، وأن الدول الغربية تعمل على حصارها داخل حدودها وإضعافها اقتصاديا، والتضييق عليها من خلال ضم جمهوريات الاتحاد السوفييتي المنهار إلى الاتحاد الأوروبي وحلف الأطلسي، ونشر الدرع الصاروخية الأمريكية. ووجدت نفسها، وهي الدولة النووية العظمى، صغيرة على المستوى العالمي، ولا تستطيع منافسة أحد حتى على مستوى مصالحها الحدودية المباشرة.


هذا ما دفعها لشن الحرب على جورجيا، ولإصدار تصريحات متحدية للولايات المتحدة الأمريكية، واتخاذ إجراءات وخطوات عسكرية من شأنها التأكيد على قوتها وقدرتها على المنافسة مثل نشر الأسطول الروسي في المتوسط، وتحليق طائرات إستراتيجية في أجواء كان يحتكرها حلف الأطلسي. المنطقة العربية الإسلامية منطقة حساسة جدا، ويمثل الحراك الروسي فيها استفزازا للولايات المتحدة، مثلما يمثل استعادة لمكانة دولية غائبة.


خطوات عملية 





ترغب روسيا في لعب دور في حل الصراع العربي الإسرائيلي لأنها تريد أن تبرز كقوة كبيرة على الساحة الدولية.
زار بوتين أقطارا عربية في شهر شباط/ فبراير 2007 وهي السعودية وقطر والأردن، وجميعها أقطار تدور بالفلك الأمريكي بهدف تطوير العلاقات الثنائية.

وفي ذات الفترة، أجرى مقابلة مع قناة الجزيرة الفضائية انتقد فيها السياسة الأمريكية في المنطقة مبديا معارضته للحرب على العراق، ومعتبرا أن إعدام صدام حسين غير مبرر، وانتقد تدخل الولايات المتحدة في المنطقة من زاوية الترويج للديمقراطية، ورفض ضم حزب الله وحماس إلى قائمة التنظيمات الإرهابية.


كما عرض على السعوديين بناء مفاعلات نووية سلمية، وبيعهم أسلحة متطورة مثل أنظمة الدفاع الجوي والطائرات العمودية. وفي قطر، أبدى استحسانه لفكرة إيران بإقامة منظمة للدول المصدرة للغاز، علما أن قطر وروسيا تقعان على رأس قائمة الدول المنتجة والمصدرة للغاز.


لخص بوتين أثناء زيارته سياسة روسيا الخارجية تجاه المنطقة العربية الإسلامية قائلا بأن توازن القوى (أي عدم تفرد قوة معينة) يوفر أفضل الظروف لتحقيق الأمن والاستقرار في العالم. وأبدى عدم ارتياحه من السياسات الأوروبية والأمريكية عندما تساءل حول السبب الذي يدفعهم إلى الظن أنهم هم الأكثر تحضرا وأن لهم الحق لفرض معاييرهم على الآخرين.


ميدفيدف زار مصر ودولا أفريقية في حزيران/ يونيو 2009، وأكد خلال زيارته على عزم روسيا على استضافة مؤتمر حول السلام في المنطقة، وقال إن روسيا ترى الحل في إقامة دولتين، وضرورة وقف الاستيطان والبحث في مسألة العاصمة.


ربما ينظر الروس إلى هذا المؤتمر كآلية لهم للعب دور هام في تسوية الصراع العربي الإسرائيلي، أو على الأقل كنشاط يظنون أنه يساهم في تعزيز وجودهم الدولي.


في تقديري أن الروس ليسوا على دقة كبيرة في حساباتهم ذلك لأن إسرائيل وأمريكا تعملان معا نحو إيجاد تسوية للصراع الدائر مع إعطاء دور هامشي لكل دولة تريد أن تجرب عضلاتها في البحث عن حل، بما في ذلك دول الاتحاد الأوروبي.


ومنذ عام 1967 حتى الآن والدولتان تعملان معا بمعزل عن المنظمات العالمية إلا من الناحية الشكلية، وبأقل قدر من الترحيب بأدوار لاعبين آخرين على الساحة الدولية.


وإذا كانت دول أوروبا الغربية لم تحصل على دور فاعل حتى الآن عدا صرف الفواتير المستحقة، فهل ستحقق روسيا اختراقا وتصبح من صناع الحل؟ لا أعتقد أن روسيا ستنجح في مسعاها، وسيكون مؤتمرها مجرد لقاء بدون ذيول، وينتهي مفعوله مع إقلاع الطائرات حاملة الوفود إلى بلدانها.


سيذهب العرب إلى المؤتمر، لكن هل ستذهب إسرائيل؟ على أغلب احتمال ستذهب، لأنه من سياساتها كسب الود والإبقاء على خطوط الاتصال قائمة ومستمرة، لكنها لن تكون جادة في بحث القضايا المطروحة، وستعتبر المؤتمر مجرد مناسبة طارئة تدلي من خلالها بمواقفها التقليدية بخاصة حول ما يتعلق بالأمن الإسرائيلي.


على صعيد المواقف والعلاقات الثنائية، فيما يلي تلخيص للخطوات الروسية:



  • روسيا حريصة على العلاقات مع مصر لأنها هي الدولة العربية الأكثر استيرادا من روسيا. تستورد مصر من روسيا سنويا حوالي 14 مليون طن من القمح، وهي كمية تساوي ربع نتاج روسيا. (Egypt News, Russia Eyes Long Term Contract) أما على الصعيد السياسي، فروسيا تحتفظ بتوازن في مواقفها، وفق التقييم المصري، فيما يخص القضية الفلسطينية، لكن مصر ترغب بإبعاد روسيا عن إيران والتوقف عن مساعدتها في المجال النووي.


  • أعلنت روسيا خلال الحرب مع جورجيا أنها استولت على أسلحة إسرائيلية في إشارة منها إلى أن إسرائيل ليست بعيدة عن محاولات الغرب لحصار روسيا. لكن لا يبدو أن روسيا تتجه نحو تأزيم العلاقات مع إسرائيل، بل تحاول تلطيفها أحيانا مثلما حصل مؤخرا في شراء طائرات استطلاع إلكترونية مقابل شيء غير معروف حتى الآن.

    تبقى روسيا مؤيدة لوجود إسرائيل ولما تقول إنه حقها في الأمن والسلام، ومؤيدة للمفاوضات بين الفلسطينيين والإسرائيليين وللاتفاقيات التي تم توقيعها. علما أن روسيا عضو في الرباعية الدولية التي تتبنى خريطة الطريق التي ترفضها المعارضة الفلسطينية.


  • أدانت روسيا العمليات الاستشهادية التي كانت تقوم بها حماس في التجمعات السكانية اليهودية، وعبرت مرارا عن موقفها المناهض لما يسمى بالإرهاب، وقد لاقى ذلك استحسانا من قبل أمريكا وإسرائيل على اعتبار أن الجبهة ضد الإرهاب واحدة. لكن روسيا رفضت إدراج حماس وحزب الله في قائمة التنظيمات الإرهابية، وعمدت إلى دعوة قادة حماس إلى موسكو بعد فوز الحركة بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006.

    وزار وفد حماس موسكو واجتمع مع مسؤولين روس، وتجول في موسكو مع قادة المسلمين الروس، وزار غبطة بطرك المسيحيين الأرثوذوكس. لكن الموقف الروسي كان دبلوماسيا بشأن الحرب على غزة في 2008 و2009، إذ أعربت القيادة الروسية عن عدم ارتياحها لقتل المدنيين، وحملت حماس مسؤولية الحرب بسبب إطلاقها الصواريخ على إسرائيل.


  • وقف الإعلام الرسمي الروسي ضد التدمير الإسرائيلي في جنوب لبنان. وعلى الرغم من انتقاد روسيا لحزب الله بسبب أسره لجنود الإسرائيليين إلا أن الإعلام الروسي أبرز التدمير الذي كانت تقوم به إسرائيل في لبنان.

    وقد علق بريماكوف الذي عمل وزيرا للخارجية الروسية على الأمر قائلا إن المرء لا يهدم البيت من أجل قتل جرذ في إشارة منه إلى همجية ما قامت به إسرائيل في الجنوب اللبناني. وحسب الكاتب زيجموند جيسويلويسكي (Zygmont Dzieciolowski. Russia and the Middle East: Post Soviet Flux) فإن روسيا لا تستطيع استعداء إسرائيل أو إبعادها تماما بسبب مصالح لها، وبسبب السياسة في مواجهة ما يسمى بالإرهاب.





  • إسرائيل وأمريكا تمانعان تزويد سوريا بسلاح روسي لإبقاء الجيش السوري غير قادر عسكريا أمام إسرائيل مما يسهّل عملية المفاوضات وفق المعايير الأمريكية والإسرائيلية.
    أعلنت روسيا في أيلول/سبتمبر 2008 أنها تعمل على تجديد ميناء طرطوس السوري ليستوعب القطع البحرية الروسية -يذكر أن هذا الميناء كان يستعمل من قبل أسطول الاتحاد السوفييتي- فقد أعلن سفير روسيا في سوريا بأن القطع البحرية الروسية تجوب البحر الأبيض المتوسط، لكن وجود هذا الأسطول سيصبح دائما، في إشارة منه إلى قاعدة بحرية روسية (Associated Press. Russia Seeks Stronger Ties with Syria) هذا وقد كررت سوريا موقفها مرارا أنها تريد تطوير العلاقات مع موسكو.

    سوريا تريد أسلحة متطورة من روسيا خاصة في مجال الطيران والدفاع الجوي. هناك تقارير تقول إن سوريا حصلت على طائرات ميج 29 المتطورة، وعلى نظام صواريخ دفاع جوي متطور، وهي تأمل بالحصول على المزيد.

    وفي ضوء هذا قال وزير خارجية روسيا بأن الدعم الروسي لسوريا لا يخل بتوازن القوى في المنطقة، وإن الدولتين تعملان من أجل تعزيز الاستقرار والأمن في المنطقة، وتعاونهما يتم وفق قواعد القانون الدولي (RIA Novosti. Russian Syrian Cooperation) هناك حديث كثير في وسائل الإعلام وفي مقالات المختصين حول تزويد روسيا سوريا بأسلحة متنوعة، (Ariel Cohen. Swords and Shields: Russia Shields Syria).

    إسرائيل وأمريكا تمانعان تزويد سوريا بسلاح روسي وذلك لسببين: لإبقاء الجيش السوري غير قادر عسكريا أمام إسرائيل مما يسهّل عملية المفاوضات وفق المعايير الأمريكية والإسرائيلية، وخوفا من تسرب أسلحة إلى يد حزب الله اللبناني الذي يشكل تهديدا كبيرا لإسرائيل.

    وقد أوردت صحيفة هآرتس الإسرائيلية بأن موسكو أوقفت صفقة طائرات مقاتلة من طراز ميج 31 بسبب ضغوط إسرائيلية، أو بسبب عجز سوريا عن دفع تكاليف الصفقة (Haaretz. Russia Won’t Sell Syria Fighter Jets).

    يقول أحد الباحثين إن رفع مستوى العلاقات الروسية مع سوريا بدأ بعد 11 سبتمبر/ أيلول لأن روسيا تطلعت إلى صياغة وضع عالمي جديد، واعتبرت سوريا إحدى بواباته (Aaron Klein. Iran and Syria sign a huge Arms Deal).

    وفي زيارته لموسكو في أغسطس/ آب قال الرئيس الأسد إنه سيفعل ما بوسعه لروسيا من أجل تعزيز أمنها (O’flynn, Fear of Middle East New Cold War)، وهذا يعني أن هناك مصالح أمنية متبادلة بين سوريا وروسيا، إنما كل دولة وفق ظروفها الخاصة.

    لكن الأخبار تتضارب بشأن تزويد سوريا بأسلحة روسية. تخرج علينا أخبار أحيانا بأن الروس يدفعون بأسلحتهم إلى سوريا، بينما تظهر بعد حين أخبار تتحدث عن إلغاء الصفقة. فمثلا أفادت وكالة نوفوستي نقلا عن مسؤول روسي بأن روسيا جمدت صفقة طائرات ميج 31 إي مع سوريا (RIA Novosti, Russia Freezes Warplane with Syria).

    أرى أن الموقف السوري أكثر صلابة ووضوحا من الموقف الروسي تجاه الدعم الأمني المتبادل. روسيا مترددة بسبب محاذير عدة أشرت إليها في البداية، أما سوريا فتحتاج أسلحة متطورة لأن عدوها واضح، ولديها رؤية حول أهمية التوازن الإستراتيجي في المنطقة. روسيا لها حساباتها المعقدة، وهي في الغالب تنظر إلى الدول الأخرى مثل سوريا وكوريا وكوبا وإيران كوسائل للاستخدام ضد أمريكا وليس كدول تحظى بالاحترام المتبادل.


  • لا يغيب التردد الروسي عن العلاقات مع طهران. وقفت روسيا ضد عقوبات شديدة على إيران، وقالت إن إيران تطور برنامجا نوويا سلميا، على عكس ما تشتهي الولايات المتحدة. روسيا تتقدم خطوة في علاقاتها مع إيران وتتراجع أخرى. فهي تخشى قوة إيران بسبب تضارب المصالح في القفقاس وقزوين، وبسبب أبعاد أيديولوجية إيرانية، وتخشى أيضا رد فعل الغرب وإسرائيل على تعاون واسع، لكنها في ذات الوقت ترى في إيران قوة قادرة على تحدي الإرادة الغربية في منطقة الخليج.

استنتاج 





روسيا تستعدي الحركات الإسلامية في إقامة علاقات طيبة مع إسرائيل، ولا تستقطب قلوب العرب والمسلمين، في ذات الوقت الذي لن تكسب فيه ود الإسرائيليين.
من متابعتي لمختلف تفاصيل المقاربات الروسية في المنطقة العربية الإسلامية، لا أرى أن روسيا ستدفع باتجاه استعداء المصالح الغربية وبالأخص الأمريكية في المنطقة. هي ستحاول بنعومة الدخول إلى المنطقة كشريك له مصالح اقتصادية، وليس كبديل للولايات المتحدة.

روسيا قادرة على الغزل الآن وليس على التحدي، ولا تملك مستلزمات التحدي العسكرية والاقتصادية والمالية. إنها ترغب في رفع أسهمها لكن ليس بطرق قد تؤدي إلى نزاع أو صراع تنافسي تخسره. وهذا هو السبب الرئيسي في ترددها بتزويد سوريا وإيران بالأسلحة الهجومية أو الأسلحة الدفاعية الفعالة.


روسيا لها مصالح مع إسرائيل وعدد من الدول العربية التي تبدو في حلف ضمني مع إسرائيل في مواجهة الحلف الضمني الذي يجمع إيران وسوريا وحزب الله.


وهناك استقطاب حاد في المنطقة من قبل محورين غير معلنين، أحدهما بقيادة أمريكا والآخر بقيادة إيران، وروسيا تريد أن تمسك بالعصا من المنتصف بحيث تكسب الارتقاء بمصالحها لدى الطرفين.


وتقديري أن روسيا لن تنجح في هذه السياسة على الرغم من أنها تبدو حكيمة، ذلك بسبب شكوك الطرفين بنواياها وقدراتها. ومثلما هي تحاول الغزل، أرى أن مكونات المحورين تتبنى الغزل أيضا لأن كل محور لا يريد استعداء روسيا فتصبح طرفا، ولا يريد تركها غنيمة للطرف الآخر. أي أن روسيا لن تدفع بمصالحها بقوة في المنطقة، ولن تستطيع تأكيد نفسها على الساحة الدولية من خلال سياستها القائمة حاليا.


لن تجني روسيا نفعا من خلال تأييد المسيرة التفاوضية في المنطقة، ورؤيتها للحل لن تجد طريقا إلى التنفيذ. أمريكا وإسرائيل تعتمدان القوة في إنفاذ حل، لكنهما لم تنجحا تماما حتى الآن، ولا أرى أن سياسة الوعظ والإرشاد التي تتبعها روسيا في حل الصراع ستكون أكثر نجاحا. هذا فضلا أن روسيا تستعدي الحركات الإسلامية في إقامة علاقات طيبة مع إسرائيل، ولا تستقطب قلوب العرب والمسلمين، في ذات الوقت الذي لن تكسب فيه ود الإسرائيليين.


وحسب المثل: "روسيا لن تكون مع ستي (جدتي) بخير ولا مع سيدي (جدي)" إن استمرت في هذا التردد أو في غياب الرؤية الواضحة.


ربما تدرك روسيا أن ميزان القوى التقليدي في المنطقة قد اختل، وأن إسرائيل وأمريكا لم تعودا قادرتين على القيام بما كانتا تقومان به من نشاطات عسكرية في السابق، لكنها تدرك أيضا أن الولايات المتحدة وإسرائيل تستطيعان إلحاق الأذى بالمصالح الروسية.


ولهذا ستبقى روسيا ضمن المعطيات القائمة حاليا في المنطقة وفي الداخل الروسي تراوح مكانها، وستبقى المجاملات عنوانا أساسيا في سياستها الخارجية.
_______________
محلل وباحث سياسي فلسطيني 


مصادر
1- Associated Press. “Russia Seeks Stronger Ties with Syria”, Sep 13, 2009، للاطلاع إضغط هنا.


2- Cohen, Ariel. “Putin’s Middle East Visit: Russia is Back,” March 5, 2007. لقراءة النص الأصلي إضغط هنا.


3- Cohen, Ariel. "Swords and Shields: Russia Shields Syria," UPI, Oct. 16, 2008. للاطلاع إضغط هنا.


4- Dannreuther, Roland. “Russia and the Middle East: Towards a New Cold War,” Feb. 18, 2009. لقراءة النص الأصلي إضغط هنا.


5- Egypt News. “Russia Eyes Long Term Wheat Contracts with Egypt”, June 23, 2009. للاطلاع إضغط هنا.


6- Haaretz. “Russia Won’t Sell Syria Fighter Jets due to Israeli Pressure”, May 20, 2009.


7- Manwarren, LeighAnne. “Energy-Rich Russia Moves to Become World Power Again,” The Daily, Dec. 3, 2008. للاطلاع إضغط هنا.


8- O’flynn, Kevin and Hider, James. Fear of new Middle east ‘Cold War’, The Times, August 21, 2008. لقراءة النص الأصلي إضغط هنا.


9- Peterson, Scot. “Russia, Iran Harden against US”, Christian Science Monitor, Oct. 18, 2007. للاطلاع إضغط هنا.


10- RIA Novosti. “Russian Syrian Cooperation No Threat to Middle East Stability, Sep 29, 2008. للاطلاع إضغط هنا.


11- Russian Article Index. The Coming Republic of Russia, 2006. للاطلاع إضغط هنا.


12- Startfor Global Intelligence. “US, Saudi Arabia Holding the Chechen Card,” Aug. 14, 2008. للاطلاع إضغط هنا.