أزمة تركستان الشرقية وانعكاساتها على السياسات التركية

روابط تركيا بالشعب الإيغوري تاريخية وقومية ودينية ومن هنا شكل تفاقم أزمة تركستان الشرقية أو إقليم شنغيانغ عامل اهتمام تركي بهذه المسألة وموضوع تجاذبات صينية تركية








برهان كورأوغلو


احتلت أزمة الإيغور في تركستان الشرقية قمة اهتمام الرأي العام التركي بعد الهجمات البالغة الشدة التي تعرض لها المتظاهرون الإيغور في إقليم شينغيانغ من قبل القوات الصينية، والتي جاءت بعد أسبوع فقط من زيارة الرئيس التركي عبد الله غول للصين.


وتشترك تركيا مع الإيغور في تركستان الشرقية بروابط التاريخ والقومية والدين، ومن هنا يأتي الاهتمام المتزايد لتركيا بقضية هذه المنطقة، وقد أصبحت العلاقات التركية الصينية تسير وفق مجموعة من التجاذبات والتناقضات بعد الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التركي للصين والتي كان من المتوقع أن تتطور بعدها العلاقات الثنائية، وقد جاءت في توقيت تفاقمت فيه الأزمة في تركستان الشرقية وهي أزمة مضت عليها سنون عديدة وتطورت إلى مؤخرا إلى توتر شديد جراء السياسات الصينية المتشددة.


السياسات الصينية المتبعة في إقليم شنيانغ
العناصر الأساسية للأزمة
تركيا والأزمة الأيغورية



السياسات الصينية المتبعة في إقليم شنيانغ





سعت بيكين إلى الحد من حريات أبناء تركستان الشرقية فتراجعت مساحات الحرية لأبنائه، وبالرغم من قبول أبناء هذا الإقليم بالانضمام تحت سيادة الجمهورية الصينية بعد الإعلان عن اتفاقية الحكم الذاتي للإقليم سنة 1955 
خضعت منطقة تركستان الشرقية أو ما يدعى في الصين باسم إقليم شنغيانغ لسيادة جمهورية الصين الشعبية سنة 1949، ورغم أن هذه المنطقة ظلت قبل هذا التاريخ مرتبطة بالصين، إلا أن سكانها قاموا بعدة محاولات من أجل الاستقلال عن الصين، وقد أعلن مرتين عن جمهورية تركستان الشرقية كجمهورية مستقلة في الفترة الواقعة بين عامي 1933-1944 ولم يكتب لهذه الدولة الاستمرار.

عمل الاتحاد السوفييتي السابق- الذي كان يسيطر على منطقة تركستان الغربية- على مساعدة الصين في سيطرتها على هذا الإقليم في تلك الفترة حتى لا تنتشر بين المسلمين في هذه المناطق نزعة الاستقلال كما حدث في النموذج الهندي عندما اتجهت العناصر المسلمة لتكوين دول مستقلة عن الهند. ولذلك لم تتحقق فرصة الاستقلال لتركستان الشرقية، وبعد السيادة التي حققتها الصين على الإقليم في عام 1949 قدمت الحكومة الصينية للقوميات الإيغورية والقازاقية وعودا عريضة من أجل منحهم حقوقهم وحرياتهم الثقافية والسياسية، وانعكاسا لهذه السياسة فقد أسست عام 1955 منطقة حكم ذاتي في الإقليم، وتم الاعتراف باللغة الإيغورية كلغة رسمية للإقليم تستخدم في قطاعات مختلفة على رأسها التعليم.


لكن الحكومة الصينية اتجهت بعد هذا التاريخ حتى يومنا الحاضر إلى الحد من حريات أبناء هذا الإقليم، وقد تراجعت مساحات الحرية لأبنائه، وبالرغم من قبول أبناء هذا الإقليم بالانضمام تحت سيادة الجمهورية الصينية بعد الإعلان عن اتفاقية الحكم الذاتي للإقليم سنة 1955 إلا أن الحكومة الصينية استمرت في مخالفة هذه الاتفاقية منذ هذا التاريخ حتى وقتنا الحاضر.


وعند تقييم السياسات التي طبقتها الحكومة الصينية في هذا الإقليم منذ عام 1949 حتى الوقت الحاضر يظهر أن بكين اتبعت سياسة تمييز من الناحية السياسية والاجتماعية تجاه أبناء هذا الإقليم وأنها قد لم تنظر إليهم بعين المساواة كغيرهم من المواطنين.


العناصر الأساسية للأزمة





من الإشارات الواضحة على السياسات المتشددة تجاه أهل الإقليم ما أعلنته السلطات الصينية في أكثر من مناسبة عن عزمها على إعدام المسؤولين عن الحركات المناهضة للسياسات الصينية في الإقليم
قبل الحديث عن الخطوات التي يمكن اتباعها من أجل السير في طريق الحلول والأدوات العملية المفيدة في هذا الاتجاه يمكن تلخيص العناصر الأساسية لهذه الأزمة بالنقاط التالية:

1. إغلاق المدارس التي تعلم باللغة الإيغورية: بسبب السياسة التعليمية الجديدة التي أقرت بقانون تم قبوله سنة 1993 وبوشر بتنفيذه سنة 2003، تم التخطيط لأن تكون اللغة الصينية هي اللغة الوحيدة للتعليم بجميع مراحله في الإقليم بشكل تام مع عام 2011. وبناء على ذلك فقد تم تسريح المعلمين الذين لا يتقنون اللغة الصينية في مدارس الإقليم.


2. الحد من الحريات الدينية: يعاني أبناء الإقليم من التشدد الذي تبديه السلطات الصينية تجاه الحريات والحقوق الدينية، ومن المظاهر الدالة على ذلك الإعلان الذي تضعه السلطات الصينية على أبواب المساجد في هذا الإقليم، والذي ينص على منع موظفي الدولة، ومتقاعديها والطلاب، وأعضاء الحزب الشيوعي الصيني من دخول المساجد، بالإضافة إلى مراقبة هذه المساجد من قبل موظفي المخابرات الصينية بشكل مستمر، ومنع الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة والشركات من أداء فريضة الصوم، والتأكد من ذلك عن طريق تقديم الماء لهم في نهار شهر رمضان، كما أن السلطات الصينية تمنع أبناء المنطقة من حق تعلم الدين الإسلامي بما في ذلك تعلم قراءة القرآن الكريم.


3. إتلاف الآثار التركية الإسلامية: لقد قامت السلطات الصينية بتدمير الأحياء التاريخية الإيغورية بحجة تمرير الطرق الجديدة أو بحجة بناء المباني الحديثة، وقاموا بترحيل المواطنين الإيغور وإسكان الصينيين من القومية الخانية مكانهم في الأبنية الجديدة، وتم تطبيق هذه السياسة في مدن مختلفة مثل كاشغار وتورفان وهوتن.


4. التمييز في المجالات الاجتماعية و الاقتصادية: اتجهت السياسة الاقتصادية إلى حرمان أبناء تركستان الشرقية من متطلبات التنمية الاقتصادية في المنطقة ودعم حركة المهاجرين إلى المنطقة من القوميات الأخرى على حساب أبنائها الأصليين، وقد انعكست هذه السياسة التي تم تطبيقها منذ عام 1949 على البناء الاجتماعي للمنطقة في تكوين مجتمع طبقي لصالح الصينيين من القومية الخانية على حساب الإيغور.


وتعبر هذه السياسات عن وجهات النظر المجحفة التي اعتمدها النظام في بكين في عام 1930 ونظرته العدائية إلى الأقليات من القوميات الأخرى حيث اتبع هذا النظام سياسات تهدف إلى القضاء على هوية هذه القوميات، ودمجها بالقوة، والوقوف بحزم وشدة أمام مطالبات أبناء الإقليم الطبيعية التي حصلوا على بعضها سنة 1955.


ومن الإشارات الواضحة على السياسات المتشددة تجاه أهل الإقليم ما أعلنته السلطات الصينية في أكثر من مناسبة عن عزمها على إعدام المسؤولين عن الحركات المناهضة للسياسات الصينية في الإقليم ومنها ما جاء على لسان الرئيس الصيني "هو جيناتاو" بالإضافة إلى الممارسات التي يشتكي منها أبناء الإقليم والتي تهدف إلى قمع حرياتهم الثقافية والدينية والاجتماعية.



تركيا والأزمة الأيغورية





لا تمتلك تركيا أوراق ضغط مباشرة على الحكومة الصينية، إلا أن صلاتها بدول الجوار الصيني من شأنها أن تمثل نوعا من الضغط غير المباشر على حكومة بكين
بالنظر إلى ما تتمتع به تركيا من روابط لغوية وتاريخية بأبناء الأقلية الأيغورية فإن قضيتهم ظلت موضع اهتمام سياسي ودبلوماسي من طرف الإدارات التركية المتعاقبة. فقد عبر الرئيس التركي الأسبق سليمان داميرال عن السياسة التركية تجاه هذه القضية في خطابه للرئيس الصيني جيانغ زمين أثناء زيارته لتركيا عام 2000، عندما صرح بأن اهتمام تركيا بهذه القضية لا يعبر عن تدخل بالشؤون الصينية الداخلية بقدر ما يعبر عن رغبة تركية في أن يعيش الإيغور بسلام وسعادة، ووعد الرئيس الصيني بالقيام بخطوات إيجابية تجاه هذه القضية، لكنه خلال التسع سنوات السابقة لوحظ استمرار السلطات الصينية بسياساتها السلبية تجاه أبناء الإقليم.

وظلت الدبلوماسية التركية تشد باستمرار على ضرورة أن يكون الإيغور في الصين جسرا يربط العلاقات الثنائية مع الصين، بحيث يكون الإيغور بمثابة جسر صداقة بين البلدين، ومن الملاحظ هنا أن تركيا ما فتئت تشدد على ضرورة حصول أبناء الأقلية الأيغورية على حقوقهم الثقافية والقومية من دون أن يصل ذلك إلى حد المطالبة بالانفصال أو دعم التوجهات الانفصالية عن الصين.


ورغم أن تركيا لا تمتلك أوراق ضغط مباشرة على الحكومة الصينية، إلا أن صلاتها بدول الجوار الصيني من شأنها أن تمثل نوعا من الضغط غير المباشر على حكومة بكين، ويمكن أن يشار هنا إلى إمكانية أن تشكل قضية الأقليات في الصين التي تتزامن مع تنامي قوتها السياسية والعسكرية والاقتصادية مشكلة بالنسبة لها، حيث يمكن للدول المجاورة لها أن تشكل اتفاقا يعطي انطباعا عدائيا ضدها، وهذا من شأنه أن يزيد من التوترات الداخلية للصين ويزيد من التخوفات الخارجية التي تتعلق بتنامي قوتها.


أما إذا نظرنا إلى المسألة من الزاوية الاقتصادية فهي لا تشكل ورقة ضغط حقيقي سواء بيد تركيا أو الصين، فقد بلع حجم التبادل التجاري بين تركيا والصين سنة 2008 ما يقارب الأربعة عشر مليار دولار، وفيما إذا تضررت العلاقات الثنائية فلن يتأثر الاقتصاد التركي، وفي المقابل فيمكن للصين بوصفها ثالث أكبر دولة اقتصادية في العالم أن تتلافى أي ضرر يمكن أن ينتج عن توقف علاقاتها التجارية مع تركيا، ولذلك يمكن القول بأن الورقة الاقتصادية بين البلدين لا تشكل رادعا ذا جدوى بالنسبة للصين.


وما دامت قضية الأيغور ومعاناتهم لم تصل بعد إلى المؤسسات والمحافل وخصوصا منابر الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي ومنظمة المؤتمر الإسلامي فإن تركيا ستظل بمنأى عن أي ضغط على الصين من شأنه أي يؤثر على سياساتها في هذا الإقليم خصوصا وأن بكين تسعى بشكل دؤوب إلى التوسع السياسي والاقتصادي نحو دول آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية بوصفها دولة تقف في مواجهة الإمبريالية الغربية وإلى جانب الحقوق الإنسانية. وفعلا فإن المفارقة تمكن في أن الممارسات الصينية تجاه الإيغور وأبناء إقليم التبت لا تختلف في كثير عن ممارسات الدول الإمبريالية.


غير أن الدول التي تتخوف من التنامي الصيني مثل روسيا والهند واليابان والولايات المتحدة الأمريكية لم تستخدم بعد قضية الإيغور للضغط على الصين وتقويض قدرتها، مع أن قضية "الانطباعات السلبية" للصين في المجتمع الدولي تشكل هاجسا كبيرا بالنسبة للصين ونقطة حرجة بالنسبة لها.


ومن المستبعد أن تستخدم الصين للتأثير على تركيا أوراقا أخرى كالعلاقات الاقتصادية أو مسائل أخرى مقل حزب العمال الكردستاني وشمال العراق أو المسألة القبرصية، أو الأرمينية، حيث استطاعت تركيا أن تقف في مواجهة القوى الكبرى من أجل الحفاظ على حقوقها في هذه القضايا، كما استطاعت تركيا أن تخطو خطوات إيجابية كبيرة على طريق حل الأزمة الكردية، ولذلك فإن قدرة الصين على التدخل في القضايا التي تخص تركيا تظل محدودة للغاية.


إن الموقع الجغرافي الذي تتمتع به تركيا قد منحها قوة مؤثرة في السياسات الأوروبية والآسيوية والأفريقية ومن الصعب أن تطبق أي سياسة في هذه المناطق بمعزل عن الدور التركي، ومن هنا تأتي رغبة الصين بزيادة تعاونها مع تركيا لتوسيع دورها السياسي في المنطقة، وفعلا تستطيع تركيا أن تساعد الصين في هذا الإطار مقابل إعطاء الإيغور الذين ترتبط معهم بروابط قومية- حقوقهم الثقافية والإنسانية داخل الصين.
_______________
ﺒﺎﺤﺙ ﻓﻲ ﻤﺭﻜﺯ ﺍﻟﺠﺯﻴﺭﺓ ﻟﻠﺩﺭﺍﺴﺎﺕ

ABOUT THE AUTHOR