إيران والغرب.. تحد جديد رغم التهديدات المتصاعدة

في الوقت الذي يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمضاعفة عقوباته على إيران، ويسرّع تعزيز تواجده العسكري في المنطقة استعدادا لمواجهة محتملة، تصعّد طهران مواقفها وتواصل تحديها، في مشهد يراه الكثيرون أنه مقبل على صدام حتمي.

حيدر رضوي


تبدو مواقف إيران الأخيرة بشأن ملفها النووي، وكأنها تنم عن قصر شديد في الرؤية، ففي الوقت الذي يسعى الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية لمضاعفة عقوباته عليها، ويسرّع تعزيز تواجده العسكري في المنطقة استعدادا لمواجهة محتملة، تصعّد طهران مواقفها وتواصل تحديها، في مشهد يراه الكثيرون أنه مقبل على صدام حتمي.


وبينما يعزو البعض تشدد القيادة الإيرانية إلى شعورها بالعزلة والضعف، يرى آخرون أن سياسة حافة الهاوية هي اللغة التي يفهمها الغرب، والتي من خلالها استطاعت إيران أن تنتزع اعترافا دوليا بحقها في إنتاح الطاقة النووية لأغراض سلمية، وأن تحديها المتواصل، سيسفر في نهاية الأمر عن اتفاق ليس ببعيد، يغلق ملف الأزمة ليفتح باب العالم واسعا أمام إيران.


لكن دعونا قبل إطلاق أحكام نهائية على النظام الإيراني، واستنتاج ما ستؤول إليه الأمور في المستقبل المنظور، أن نراجع خلفيات هذه المواقف، والدوافع الكامنة وراء خطواته الأخيرة، ولكي نفهم ذلك بشكل دقيق، لابد من الابتعاد قليلا عن النظرة التقليدية تجاه إيران ودورها الديني وطموحاتها الإقليمية، وأن نفسر الأمور بشكل مجرد، بغض النظر عن تأييدنا أو معارضتنا للنظام الإيراني وسياساته التي توصف بالانتحارية.


حافة الهاوية
عسكرة الخليج
لماذا لا تندلع الحرب؟
إيران هدف إستراتيجي
فرصة جديدة
الخلاصة


حافة الهاوية





بينما يعزو البعض تشدد القيادة الإيرانية إلى شعورها بالعزلة والضعف، يرى آخرون أن سياسة حافة الهاوية هي اللغة التي يفهمها الغرب، والتي من خلالها استطاعت إيران أن تنتزع اعترافا دوليا بحقها في إنتاح الطاقة النووية لأغراض سلمية
لم يمض سوى أسبوع واحد على خبر تسريع الولايات المتحدة نشر قطع حربية في مياه الخليج قبالة السواحل الإيرانية، ونشر بطاريات صواريخ باتريوت في أربع دول خليجية، حتى أصدر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد أوامره لوكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بتخصيب اليورانيوم بنسبة 20%، ليضيف بذلك جرعة قوية من التشاؤم إلى حالة القلق التي تسود مراكز القرار في الغرب حيال بلاده، وليبدد بصيص الأمل الضعيف الذي ظهر عندما أعلن بنفسه قبل ذلك بثلاثة أيام، قبوله بصفقة تبادل اليورانيوم التي تم التوصل إليها سابقا مع مجموعة الدول الست بإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

قبل هذا الإعلان، كانت أنظار المراقبين مشدودة نحو وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي الذي أعلن عن قرب التوصل إلى اتفاق بشأن صفقة تبادل اليورانيوم مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وهو اتفاق يتم وضع اللمسات الأخيرة عليه، بحسب المصادر الإيرانية، لكن إعلان طهران بدءها التخصيب بنسبة أعلى، قد ينسف الاتفاق الذي لن يعود مجديا، أو ربما يعجّل في توقيعه، لوقف تفعيل القرار الإيراني، الذي دخل حيز التنفيذ ابتداء من يوم 8 فبراير الحالي، ورغم الغضب الغربي الذي أججه هذا القرار، فإن القيادة الإيرانية تحرص على إظهار عدم اكتراثها للتحركات الدبلوماسية المضادة التي تجري حاليا، لاستبعادها إمكانية ترجمتها إلى خطوات عملية سريعة، بسبب الانقسام في مجلس الأمن الدولي، والذي  تعزز مؤخرا بسبب الخلاف الأميركي الصيني.


ورغم أن قبول إيران بصفقة التبادل جاء مشروطا مرة أخرى، إلا أنه كان قد أعطى مؤشرا قويا على إمكانية إحداث تقدم في المفاوضات النووية الشاقة والمتعثرة، من دون حاجة إلى فرض المزيد من العقوبات، أو ممارسة ضغوط عسكرية عليها، وهي ضغوط يؤكد الإيرانيون قدرتهم على مواجهتها، وهذا ما يجعلهم يتعاملون معها باستخفاف.


عسكرة الخليج 


لم يترك خبر التعزيزات الأميركية في الخليج، أصداء كبيرة في إيران، بالقدر الذي تركه في باقي دول المنطقة، فبالنسبة للقيادة الإيرانية، يفتقد الخبر لعنصر المفاجئة، وبالتالي لم يثر عندها ما أثار في الخارج من اهتمام سياسي وإعلامي لافت، فالإيرانيون كما يقولون، يرصدون بدقة ما يجري من تحركات عسكرية في المنطقة، ويعرفون أنها لم تتباطأ منذ سنوات، لكي يتم تسريعها الآن، وبالتالي فهم يعتبرون الحديث عن ذلك مجرد فرقعات إعلامية لا تخرج عن إطار الحرب النفسية التي يمارسها الغرب ضدهم، من أجل إضعاف موقفهم في الملفات الساخنة وأبرزها الملف النووي.


يشار إلى أن الإعلام الإيراني تجنب هذه المرة اتهام دول الخليج بالعمالة لأميركا، عند حديثه عن نشر صواريخ الباتريوت، وهو اتهام دأبت صحف إيرانية متشددة على تكراره سابقا.


وكانت إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما، قد أقدمت أخيرا بحسب صحيفة نيويورك تايمز، على حركة تصعيد عسكرية كبيرة في منطقة الخليج ضد إيران من خلال نشر بطاريات صواريخ باتريوت في دول الخليج، وعبر حشد المزيد من قطع أسطول الحرب الأميركي قبالة الشواطئ الإيرانية.


وقد تعاملت طهران باستخفاف شديد مع هذا الإعلان، واعتبرته "احتيال سياسي واستعراض دمى"، كما قال رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، علي لاريجاني، كما أكد الجيش الإيراني أنه يعرف مكان صواريخ باتريوت في دول الخليج، وأنه قادر على إحباط تأثيراتها من خلال خطط "بسيطة"، بحسب قائد الأركان العامة للجيش الإيراني حسن فيروز آبادي، أما المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، رامين مهمانبرست فقال إن بلاده "تنظر لهذه الإجراءات كمؤامرة وحيلة من دول أجنبية لخلق مشاعر الخوف من إيران"، كما وصفها مسؤولون آخرون بأنها محاولة أميركية جديدة لاستنزاف دول الخليج عبر بيعها منظومات صواريخ ثبت فشل فاعليتها أكثر من مرة.


وبحسب الصحف الإيرانية المحافظة، فإن التصعيد الأميركي الجديد، هو دليل على عجز الغرب أمام إيران، واعتراف بقوتها، كما قالت صحيفة كيهان المحافظة التي أكدت أن "الحديث عن الحرب ليس مسموعا داخل إيران، لأن الجميع مقتنع بأن الولايات المتحدة ليس لديها القدرة على شن حرب جديدة"، مشيرة إلى أن إيران سبق أن صرحت على لسان وزير دفاعها العميد أحمد وحيدي، بأن الأساطيل الغربية في مياه الخليج، ستكون "أفضل أهداف" القوات الإيرانية في حالة تعرض بلاده لهجوم.


لكن حالة الاطمئنان التي تظهرها القيادة الإيرانية، لا تعني أنها لا تدرك حقيقة التحركات العسكرية الجديدة للولايات المتحدة، فقد وضع لاريجاني خلال زيارته للكويت نهاية شهر يناير الماضي، النقاط على الحروف، عندما وجه رسالة مبطنة إلى دول الخليج بأن عليها منع النار الأميركية من الانطلاق من أراضيها، وقال بالحرف الواحد "يجب أن تعلم دول المنطقة، التي قدمت قواعد عسكرية لأميركا، أن هذه القواعد يجب ألا تستخدم ضد إيران، وألا تكون المنطقة محطة للاعتداء على إيران".


وتصريح لاريجاني، سبقه جملة تصريحات لمسؤولين عسكريين إيرانيين أدلوا بها خلال فترة قريبة، تحذر من أن القواعد الأميركية في الخليج لن تبقى خارج دائرة الرد الإيراني في حال تعرض إيران لهجوم.


كما أن إيران لا تتوقف عن استعدادها لمواجهة أي هجوم محتمل، حيث تجري باستمرار مناورات لاختبار أسلحتها وتطوير قدراتها القتالية، وهي توجه من خلالها رسائل إلى العالم بأنها على أتم الاستعداد للمواجهة العسكرية إذا ما فرضت عليها.


ورغم استعداد القيادة الإيرانية لفرضية اندلاع الحرب، إلا أنها تستبعدها لأسباب تعتبرها موضوعية، حيث تعتقد بأنه لا توجد دولة تستطيع ضرب المنشأة النووية الإيرانية، وقد اعتبر وزير الخارجية الإيراني منوشهر متكي أخيرا أن الحديث عن مهاجمة إيران هو "لغة بالية"، كانت سائدة في أواسط القرن الماضي، ولم تعد تجد نفعا اليوم.


لماذا لا تندلع الحرب؟ 





يتسائل الكاتب: لو افترضنا جدلا أن هجوما جنونيا وقع فعلا، فهل ستكون هناك حدود للرد الإيراني؟، وإلى أي مدى سيمتد هذا الرد داخل المنطقة وخارجها؟. ويختم الكاتب بالقول: إن البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، يكشف أن الحديث عن الحرب على إيران هو مجرد حرب نفسية.
هناك من يذهب إلى أن كل المؤشرات تدل على أن الحرب بين الولايات المتحدة وإيران قادمة لا محالة، بدليل أن كلا الجانبين يستعدان لها، بل إن الاستعدادات شهدت تسارعا ملحوظا خلال الفترة الأخيرة.

فتطوير إيران لقدراتها النووية، وهي ليست بالضرورة لأغراض عسكرية، يعتبره الغرب تجاوزا لخط أحمر لا يسمح به لأي دولة في الشرق الأوسط، عدا إسرائيل لأسباب معروفة. لكن من وجهة نظر الحكومة الإيرانية فإن احتمال شن حرب على إيران أمر مستبعد في المدى المنظور، ويوضح الكاتب بصحيفة (كيهان)، مهدي محمدي الأسباب التي تدفع القيادة الإيرانية لهذا الاعتقاد، ويقول إن الغرب يريد الحرب، لكنه لن يبدأها لأسباب عديدة أهما أنه يعاني من عجز معلوماتي، وآخر عملي، فضلا عن تخوفه من نتائجها.


ويرى أن المعلومات التي بحوزة الأميركيين، ليست كافية لضرب المواقع النووية، مما يجعل الحديث عن ذلك مجرد مزحة.


أما بالنسبة للعجز العملي، فيرى أن هناك موانع كثيرة وكبيرة لمهاجمة إيران، أهمها من سيتخذ قرار الحرب، فأميركا وإسرائيل كل منهما تحبذ أن تبادر الأخرى إلى ذلك، فكلاهما لا تملكان الجرأة على تحمل مسؤولية الحرب، كما أن الأميركيين الذين عجزوا عن ضبط الأوضاع في العراق وأفغانستان، كيف سيؤمنون العدة اللازمة لخوض نزاع كبير ومفتوح مع إيران. وهل ستكفي أساطيلهم الحربية في الخليج لتنفيذ الهجوم؟


ويتسائل الكاتب: لو افترضنا جدلا أن هجوما جنونيا وقع فعلا، فهل ستكون هناك حدود للرد الإيراني؟، وإلى أي مدى سيمتد هذا الرد داخل المنطقة وخارجها؟. ويختم الكاتب بالقول: إن البحث عن أجوبة لهذه الأسئلة، يكشف أن الحديث عن الحرب على إيران هو مجرد حرب نفسية.


إيران هدف إستراتيجي 


ليس هناك شك أن إيران هي الهدف الإستراتيجي الحالي للولايات المتحدة، لكن ليس بالضرورة أن تكون الاستعدادات العسكرية الأميركية في المنطقة هي مقدمة لحرب قادمة، فلابد من التمييز بين الاستعداد لخوض حرب افتراضية، والذي تقوم به جميع الدول، وبين قرار شن الحرب.


ومن المؤكد أن الولايات المتحدة لن تتخذ قرار الحرب ضد إيران، قبل أن تتيقن تماما، أنها ستصيب النظام الإيراني بشلل تام، يسلبه القدرة على الرد، وأنها ستحقق الهدف الذي يستحق هذه المجازفة الخطيرة، وهو القضاء على البنية التحتية للمنشآت النووية الإيرانية، وبالتالي حرمان الإيرانيين من إمكانية تشغيلها مجددا، لأن من دون ذلك، سيعني حتما اتجاههم سريعا لإنتاج أسلحة نووية.


وقد أكد وزير الدفاع الأميركي روبرت غيتس في خطاب ألقاه أمام طلبة بالبحرية الأميركية في نيسان/إبريل 2009 أنه "بينما قد يعرقل أي هجوم عسكري على منشآت إيران النووية برنامج هذا البلد النووي لفترة قد تصل إلى ثلاث سنوات، فإنه سيرسخ من جانب آخر إصرار الإيرانيين على مواصلة هذا البرنامج وعسكرته بغرض امتلاك السلاح النووي.


وهذه الحقيقة عكسها كتاب صدر أخيرا عنوانه (مأزق برنامج إيران النووي.. الانعكاسات الإقليمية وتداعيات الحرب)، حيث يقدم عالم الفيزياء النووية، فرانك برنابي، مسحا تفصيليا شاملا بالمنشآت النووية الإيرانية المعروفة, ويدرس أيا من المنشآت ينبغي تدميرها، إلا أنه يطرح شكوكا في إمكانية نجاح الضربات العسكرية الوقائية، منها العدد الكبير من الأهداف النووية والذي قد يتطلب عدة مئات من الضربات الجوية، وحسن تمويه وحماية المنشآت الإيرانية، ويقول إن التقارير الاستخبارية غير كاملة في هذا الصدد، الأمر الذي يستدعي التريث وعدم المجازفة أياً كانت عقبات التفاوض القائمة حالياً.


ورغم الحديث الذي بات يتردد كثيرا عبر وسائل الإعلام الغربية والإسرائيلية منذ مطلع 2010 بأن الولايات المتحدة باتت مقتنعة بأن الخيار العسكري هو الطريق الأقصر للجم طموحات إيران النووية، وأن منطقة الشرق الأوسط قد تشهد في الربيع أو الصيف القادم، تطورات كبيرة، لكن كلا من رئيس الأركان الأميركي الأميرال مايك مولين، ومستشار الأمن القومي الجنرال جيمس جونز، أعطى الانتشار العسكري الأميركي الأخير في منطقة الخليج صفة دفاعية لتحقيق مجموعة من الأهداف وهي: إظهار أن القوة العسكرية الإيرانية الصاعدة ليست وحدها في المنطقة، وأن دول الخليج تعتمد على وجود عسكري أميركي فاعل ضمن خطة لإعادة التوازن في المنطقة، والذي اختل لصالح إيران بعد إسقاط نظام صدام حسين الذي كان يعتبر الطرف الآخر لهذا التوازن.


أما الهدف الثاني فهو وضع الخطوات العسكرية في خانة السعي لإقناع إسرائيل بأن الإدارة الأميركية جادة في إبقاء الخيار العسكري على الطاولة، إذا كان ذلك لازما للجم طموحات إيران النووية ومنعها من إطلاق برنامج نووي عسكري.


ويرى المحلل السياسي اللبناني غالب قنديل أن الانتشار العسكري الأميركي الذي يمتد من إسرائيل وحتى الخليج، يأتي ضمن هدف مركزي معلن، هو تعزيز القدرة الإسرائيلية في التوازن الإقليمي العام.


أم الهدف الثالث فهو خلق مناخ ضاغط في مواكبة الحملة الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة في مجلس الأمن الدولي تحت عنوان تشديد العقوبات على إيران، وبعد قرار الكونغرس الأميركي فرض عقوبات اقتصادية جديدة على الشركات التي تصدر إلى إيران مشتقات نفطية ومواد تستخدم في صناعة تكرير النفط.


وما يشير إلى الطبيعة الدفاعية للاستعدادات الأميركية في المنطقة، ما نقلته صحيفة "يديعوت أحرونوت" الإسرائيلية الصادرة يوم 31 يناير/كانون الثاني، عن مصادر أمنية أميركية قولها إنه تم خلال السنتين الماضيتين تسليح بعض دول الخليج بالعديد من الأسلحة المتطورة، بهدف مواجهة أي هجمات إيرانية وتهديد دول الخليج، حيث بلغت قيمة صفقات السلاح للمملكة العربية السعودية وكذلك الإمارات العربية المتحدة 25 مليار دولار.


كما ذكرت صحيفة "واشنطن بوست"، أنّ إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما تعمل مع السعودية وغيرها من حلفائها في دول الخليج، لتسريع مبيعات السلاح إلى هذه الدول، فضلاً عن تحسين الدفاعات حول المنشآت النفطية وغيرها من البنى التحتية الأساسية، بهدف إحباط أية هجمات عسكرية إيرانية محتملة.


فرصة جديدة 





ليس هناك شك أن إيران هي الهدف الإستراتيجي الحالي للولايات المتحدة، لكن ليس بالضرورة أن تكون الاستعدادات العسكرية الأميركية في المنطقة هي مقدمة لحرب قادمة، فلابد من التمييز بين الاستعداد لخوض حرب افتراضية، والذي تقوم به جميع الدول، وبين قرار شن الحرب.
ويبدو أن النزاع بين الصين والولايات المتحدة الذي اندلع إثر بيع أسلحة أميركية إلى تايوان، قد أعطى الإيرانيين الفرصة المطلوبة لرفع نسبة تخصيب اليورانيوم إلى الدرجة التي يحتاجها مفاعل طهران. وقد ساهم هذا النزاع في تعقيد عملية إقناع بكين بفكرة فرض عقوبات دولية على إيران.

ورغم أن الرئيس الأميركي باراك أوباما سعى حثيثاً لإقناع كل من الصين وروسيا بالتعاون معه لردع برنامج إيران النووي، إلا أن جهوده باءت بالفشل ولم تُثمر عن شيء يُذكر، فلا الصين ولا روسيا ترى أن إيران تشكل تهديداً، فبكين تود الحصول على النفط والغاز، وموسكو تتطلع إلى إعادة تشكيل الوضع الجيوإستراتيجي في الشرق الأوسط، وبيع الأسلحة التقليدية والمفاعلات النووية لإيران، وتعزيز وجود قوة إقليمية قادرة على الوقوف في وجه الولايات المتحدة. وتحصل الصين على 15% من نفطها من إيران، والتي تمثل في نفس الوقت سوقا ضخمة للصادرات الصينية.


وقد تسببت وزارة الدفاع الأميركية بأخطر أزمة صينية أميركية منذ دخول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض بإعلانه صفقة بيع أسلحة لتايوان تزيد قيمتها عن ستة مليارات دولار. وأسرعت الصين في الرد بتعليقها مبادلاتها العسكرية مع الولايات المتحدة كما توعدت بفرض عقوبات على الشركات الضالعة في هذه الصفقة.


وقد ظلت إيران تستخدم الخلاف بين الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتوظفه لصالحها بشكل جيد، لكنها تدرك في الوقت نفسه أنها لا يمكنها التعويل على ذلك حتى النهاية، إذ أن مصالح الصين وروسيا مع إيران لا يمكن قياسها مع مصالحهما مع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.


أما روسيا التي يوصف موقفها من إيران بالمتردد، فإنها تحاول إمساك العصى من الوسط، بحيث لا تخسر علاقاتها مع إيران والغرب. وقد شدد سيرجي إيفانوف نائب رئيس الوزراء الروسي أخيرا على أن أي عقوبات جديدة قد تفرضها الأمم المتحدة على إيران ينبغي أن تستهدف قدراتها على تطوير أسلحة نووية، وليس اقتصادها أو أي من نشاطاتها الأخرى.


الخلاصة 


يبدو أن النظام الإيراني الذي يمارس سياسة التصعيد مع الغرب بحنكة بالغة، يرى أن بإمكانه انتزاع مكاسب جديدة من القوى الكبرى مرة أخرى، رغم الأجواء الملبدة التي تحيط به، ويعتقد بحكم تجربته الطويلة في التحدي، والتي اختزنها خلال ثلاثة عقود، أن لديه القدرة على تجاوز الضغوط الغربية الجديدة مهما تعاظمت، بخسائر لا تعني شيئا أمام ما يمكن تحقيقه عبر سياسته الراهنة.


ورغم إدراكه مدى خطورة اللعبة، يرى أن التهديدات والضغوط، لا يمكن تفعيلها في المدى المنظور، وهذا ما يجعله يملي شروطه إذا ما أراد الغرب التفاهم معه.
_______________
كاتب إيراني