في أكثر من حديث صحفي، أكد الرئيس الفلسطيني محمود عباس أن الفلسطينيين يملكون عدة خيارات للمرحلة القادمة، في حال استمرار توقف المفاوضات السلمية.
وتهدف هذه الورقة إلى دراسة إمكانية تنفيذ ونجاح الخيارات التي يملكها المشروع الوطني أو الشعب الفلسطيني، سواء كانت هذه الخيارات من ضمن ما أعلن عنه الرئيس عباس وقيادات في السلطة الوطنية الفلسطينية، أو من ضمن الطروحات التي تقدمها فصائل فلسطينية مختلفة، أو كتاب وسياسيون معنيون بالشأن الفلسطيني.
الخيار الأول: استئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل
الخيار الثاني: انتفاضة فلسطينية جديدة
الخيار الثالث: حل السلطة واستقالة الرئيس عباس
الخيار الرابع: إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد
الخيار الأول: استئناف المفاوضات المباشرة مع إسرائيل
لم تعد المفاوضات تشكل خيارا حقيقيا للفلسطينيين، مع استمرار توجه الشارع الإسرائيلي لليمين، وغياب الموقف الفلسطيني الموحد والقوي، وتراجع الآمال بدعم عربي فاعل، إضافة إلى ضعف قدرة الرئيس الأمريكي بارك أوباما على الضغط على إسرائيل بعد خسارة الديمقراطيين في انتخابات التجديد النصفي للكونغرس في نوفمبر الماضي.
الخيار الثاني: انتفاضة فلسطينية جديدة
يطرح بعض قادة الفصائل الفلسطينية، وخصوصا حركة حماس وحلفاؤها، خيار القيام بانتفاضة ثالثة كحل فعال للأزمة الفلسطينية، وهو خيار يدعو إليه أيضا عدد من الكتاب والباحثين بالشأن الفلسطيني، كلما دخل المشروع الوطني الفلسطيني في أزمة.
مبررات الدعوة إلى انتفاضة جديدة
- أولا: استمرار الاستيطان وفرض الوقائع الجديدة على الأرض من قبل إسرائيل.
- ثانيا: الحملة الإسرائيلية الشرسة ضد المقدسات في الضفة الغربية والقدس.
- ثالثا: استمرار العجز العربي عن تقديم أي دعم فعلي للشعب الفلسطيني في نضاله ضد الاحتلال.
العوائق دون المضي بخيار انتفاضة فلسطينية جديدة
أولا: انعدام التوافق الشعبي والفصائلي على القيام بانتفاضة جديدة.في حالة استقالة عباس من موقعه، قد تنتقل رئاسة السلطة إلى شخص مستعد للتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، بدرجة تفوق الرئيس عباس، الذي توجه له –أصلا- انتقادات كبيرة في هذا المجال من قبل معارضيه. - ثانيا: موقف حركة فتح والسلطة الفلسطينية الرافض للعودة إلى خيار الانتفاضة، باعتباره لا يصب في المصلحة الفلسطينية.
- ثالثا: الملاحقة الأمنية اليومية ضد فصائل المقاومة وخصوصا حركة حماس والجهاد الإسلامي في الضفة الغربية من قبل أمن السلطة والجيش الإسرائيلي، وهو ما يصعب مهمة هذه الفصائل.
- رابعا: التغير الكبير في "المزاج السياسي" للمواطن الفلسطيني في الضفة الغربية بعد انتفاضة الأقصى، وهو ما يجعل من الصعب التكهن باستعداد شعبي لخوض انتفاضة جديدة في الوقت الراهن، دون حصول تطورات دراماتيكية في المشهد الفلسطيني. ولعل "برود" الفلسطينيين بالضفة في التفاعل مع الحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة، يدلل على طبيعة هذا التغيير.
الخيار الثالث: حل السلطة واستقالة الرئيس عباس
نقلت مصادر إعلامية أن الرئيس عباس أخبر القادة العرب في قمة سرت في أكتوبر / تشرين الأول الماضي، أنه قد يلجأ إلى خيار حل السلطة والاستقالة من منصبه في حال فشل المفاوضات في الوصول إلى حل نهائي للقضية الفلسطينية.
ورغم النفي الذي صدر عن كبير المفاوضين الفلسطينيين، صائب عريقات، لهذه الأنباء، إلا أن هذا الخيار ظل يطرح من فترة لأخرى من قبل عدد من المراقبين، للمبررات التالية:
- أولا: أن السلطة الفلسطينية أصبحت تشكل عبئا ماليا وسياسيا على المشروع الوطني الفلسطيني.
- ثانيا: إن التنسيق الأمني الذي تقوم به السلطة بحكم التزامها باتفاقية أوسلو، يمنع أية فرصة لمقاومة إسرائيل في الضفة الغربية.
- ثالثا: يعطي وجود السلطة الفلسطينية الفرصة لإسرائيل للإفلات من القيام بواجبها كدولة احتلال حسب القوانين الدولية.
- رابعا: تمثل السلطة الفلسطينية حالة " شاذة " في تاريخ حركات التحرر الوطني، فلا هي ثورة أو مقاومة، ولا هي دولة كاملة السيادة والاستقلالية.
نقاط الضعف في خيار حل السلطة واستقالة عباس
- أولا: عدم وجود خطة شاملة لخيار حل السلطة، وهو ما يهدد بحصول فراغ في الجانب الأمني والإداري بالضفة الغربية عند حلها.
- ثانيا: في حالة استقالة عباس من موقعه، قد تنتقل رئاسة السلطة إلى شخص مستعد للتعاون مع إسرائيل والولايات المتحدة، بدرجة تفوق الرئيس عباس، الذي توجه له –أصلا- انتقادات كبيرة في هذا المجال من قبل معارضيه. علاوة على المخاوف من انتقال السلطة إلى هياكل إدارية متعاونة تماما مع الاحتلال، على غرار "روابط القرى" في ثمانينات القرن الماضي.
الخيار الرابع: إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد
ليست هي المرة الأولى التي يتحدث فيها الفلسطينيون عن خيار إعلان الدولة الفلسطينية ومطالبة العالم بالاعتراف بها، بل إن القيادة الفلسطينية استخدمت هذا التكتيك في مراحل عديدة من تاريخ المشروع الوطني الفلسطيني.
ففي الخامس عشر من نوفمبر/تشرين الثاني عام 1988 أعلن المجلس الوطني الفلسطيني في دورته التاسعة عشرة التي عقدت في الجزائر، قيام دولة فلسطين فوق الأرض الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، بناء على قرارات الشرعية الدولية منذ العام 1947. وقد اعترفت حوالي 105 من دول العالم بالدولة الفلسطينية المعلنة، وتم بناء على ذلك نشر سفراء لدولة فلسطين في عواصم هذه الدول (1).
ومع تعثر المفاوضات في ظل حكومة بنيامين نتنياهو الأولى، هدد الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات في العام 1997 بإعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد عند انتهاء الفترة الانتقالية، التي تستمر حتى العام 1999 حسب اتفاقية أوسلو، ولكن الرئيس عرفات تراجع عن تهديداته بسبب الضغوط الأمريكية التي طالبته بإعطاء فرصة تستمر لمدة عام إضافية، أي إلى العام 2000 ، على أمل أن تصل المفاوضات إلى اتفاق على قضايا الحل النهائي قبل ذلك التاريخ. ثم استمرت الضغوط على عرفات، ليضطر في سبتمبر / أيلول من العام 2000 إلى إصدار قرار عبر المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية بتأجيل إعلان الدولة إلى أجل غير مسمى (2).
مع بدء المفاوضات بين الرئيس عباس ورئيس الحكومة الإسرائيلية أيهود أولمرت، أعاد بعض أعضاء القيادة الفلسطينية طرح فكرة إعلان الدولة والطلب من الولايات المتحدة الاعتراف بها، على غرار إعلان كوسوفو استقلالها من جانب واحد في ذلك الوقت، ولكن الفكرة غاب الحديث عنها، بعد تعرضها لهجوم كبير من قبل الولايات المتحدة، التي رفضت المقارنة بين الوضع في فلسطين وكوسوفو(3).
في الخامس والعشرين من عام 2009، أعلن رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض برنامج حكومته التي أطلق عليها اسم "وثيقة فلسطين"، والتي تقوم على بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية خلال عامين، ليتم بعدها الإعلان عن الدولة الفلسطينية في العام 2011 (4).
في اجتماع لجنة المتابعة للمبادرة العربية الأخير الذي عقد في سرت في السابع من أكتوبر / تشرين أول الماضي، والقمة العربية التي تبعته، أشارت مصادر إعلامية إلى أن الرئيس عباس أخبر القادة العرب، أن الفلسطينيين قد يتوجهون للولايات المتحدة لطلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية في حال استمرار التعثر في المفاوضات السلمية.
مواقف الأطراف الرئيسية من خيار إعلان الدولة من طرف واحد
السلطة والفصائل الفلسطينية والدول العربية
حتى الآن يبدو من التصريحات التي تصدر عن السلطة الفلسطينية أن هذا الخيار لا يشكل أولوية، بل إن طريقة طرح السلطة له تدل على أنها لا تستخدمه إلا للتلويح بامتلاكها لخيارات أخرى غير المفاوضات، وللضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل، وهو ما ينطبق أيضا على تصريحات عمرو موسى وبعض السياسيين في الدول العربية.
كما أن السلطة، وبهدف تخفيف الانتقادات الدولية الموجهة لهذا الخيار، أعلنت في أكثر من مناسبة، أن التوجه إلى مجلس الأمن أو الولايات المتحدة للاعتراف بالدولة الفلسطينية، لا يعتبر إجراء أحادي الجانب.
أما الفصائل الفلسطينية الرئيسية، وخصوصا حركة حماس، فقد اعتبرت هذا الخيار غير واقعي، ودون جدوى، واعتبرته هروبا من الاستحقاقات الوطنية (5).
إسرائيل
أعلنت إسرائيل أكثر من مرة وعلى لسان عدد من مسؤوليها بأنها ترفض الإعلان عن الدولة الفلسطينية من جانب واحد، وتعتبره مخالفا لاتفاقية أوسلو، فيما هدد بنيامين نتنياهو بضم المستوطنات الموجودة في الضفة الغربية إلى دولة إسرائيل من جانب واحد، كرد على الفلسطينيين إذا أقدموا على هذه الخطوة (6).
الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي
أعلنت الولايات المتحدة في أكثر من مناسبة أنها ترفض إعلان الدولة الفلسطينية من جانب واحد، واعتبرت أن المفاوضات هي الطريق الأسلم لحل الإشكالات القائمة بين الفلسطينيين والإسرائيليين. |
ويتفق الاتحاد الأوروبي مع الموقف الأمريكي على رفض القيام بخطوات أحادية الجانب، وإن كان بعض وزراء الخارجية الأوروبيين قد اعتبروا أن السلطة الفلسطينية تلوح بهذا الخيار من أجل الضغط للتقدم بالمفاوضات، وهو أمر مشروع ويصب في مصلحة العملية التفاوضية (8).
إيجابيات خيار طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية المستقلة
من الممكن أن يكون توجه السلطة الفلسطينية إلى إعلان الدولة الفلسطينية والطلب من الولايات المتحدة والأمم المتحدة الاعتراف بهذه الدولة، خيارا مناسبا في المرحلة القادمة، نظرا للظروف والأسباب التالية:
أولا
إن الطلب من الولايات المتحدة الاعتراف بالدولة الفلسطينية سيشكل ضغطا سياسيا على الإدارة الأمريكية، خصوصا إذا ذهبت السلطة الفلسطينية إلى هذا الخيار بالتوافق مع الدول العربية وبقرار من القمة العربية، وهو ما سيضع الإدارة الأمريكية بين خيارين: فإما أن توافق على الاعتراف بالدولة الفلسطينية للحفاظ على مصالحها مع الدول العربية، خصوصا فيما يتعلق بملف مكافحة ما يسمى الإرهاب. أو أنها ستتحرك بشكل أكبر وأكثر جدية نحو الضغط على إسرائيل لتحريك عملية المفاوضات ووقف الاستيطان، وهو ما يعني العودة للخيار الذي تفضله الرئاسة الفلسطينية والدول العربية المتحالفة معها.
ثانيا
في حال فشل العرب والفلسطينيين في الحصول على اعتراف من الولايات المتحدة بالدولة الفلسطينية، يمكن التوجه إلى مجلس الأمن لطلب انضمام هذه " الدولة " للأمم المتحدة حسب ميثاق هذه الهيئة، الذي يلزم مجلس الأمن بدراسة الطلب، والتوصية إلى الجمعية العامة بالتصويت عليه إذا كان موافقا للشروط.
وعلى الرغم من أن مثل هذا الطلب سيرفض حتما بقوة الفيتو الأمريكي، والمعارضة المحتملة من دول أخرى حليفة للولايات المتحدة وإسرائيل داخل مجلس الأمن، إلا أنه سينقل النضال الفلسطيني إلى ساحة جديدة، وسيشكل ضغطا دوليا لصالح المطالب الفلسطينية المشروعة، خصوصا إذا كررت القيادة الفلسطينية الطلب من مجلس الأمن بعد أن يرفض طلبها الأول.
ولعل من المفيد هنا الاستفادة من التجربة الإسرائيلية بهذا الخصوص، مع الإقرار باختلاف الواقع والظروف، حيث تقدمت الحكومة المؤقتة لإسرائيل في نهاية عام 1948 بطلب انضمامها إلى الأمم المتحدة، ولكن هذا الطلب فشل في الحصول على موافقة مجلس الأمن، ثم أعادت إسرائيل المحاولة مرة أخرى، لتحصل على موافقة مجلس الأمن بتاريخ أربعة مارس/آذار1949 ، حيث أوصى المجلس، في قرار رقم 69، الجمعية العامة بالتصويت على قبول عضوية إسرائيل في هيئة الأمم(9).
ثالثا
في حالة فشل الفلسطينيين في الحصول على توصية من مجلس الأمن، كما هو متوقع، يمكن للقيادة الفلسطينية أن تتوجه إلى الجمعية العامة للأمم المتحدة، والتي تصدر عادة قرارات في مصلحة الفلسطينيين، وهو ما يعني منح زخم عالمي للدولة الفلسطينية، وممارسة مزيد من الضغط على إسرائيل، على الرغم من عدم امتلاك قرارات الجمعية العامة طابع الإلزام في مثل هذه الحالة.
رابعا
يمكن الاستفادة من مشروع رئيس حكومة تصريف الأعمال سلام فياض لبناء مؤسسات الدولة، وخصوصا أن هذا المشروع يحظى بدعم عالمي كبير، بدا واضحا في اجتماع الرباعية الدولية في موسكو بتاريخ التاسع عشر من مارس/آذار من العام الجاري، حيث أكدت الرباعية تأييدها الكلي ل "جهود ممثل الرباعية في دعم برنامج رئيس الوزراء فياض في بناء الدولة وتنمية الاقتصاد" (10).
نقاط الضعف في خيار طلب الاعتراف بالدولة الفلسطينية
في مقابل نقاط القوة التي ذكرت سابقا في تبرير خيار إعلان الدولة من طرف واحد والتوجه للولايات المتحدة والأمم المتحدة للاعتراف بها، فإن هناك العديد من نقاط الضعف في هذا الخيار:
أولا
إن من المستبعد بشكل كبير جدا أن توافق الولايات المتحدة على الاعتراف بأي إجراء يتم من جانب واحد وخصوصا من قبل الفلسطينيين، ومن المعروف أن الإدارة الأمريكية رفضت توجه الرئيس السابق ياسر عرفات إلى إعلان الدولة من طرف واحد، ولم يقتصر الموقف الأمريكي في ذلك الوقت على رفض الاعتراف بالدولة في حال الإعلان عنها، بل امتد إلى منع الرئيس عرفات بكل الطرق عن التوجه لهذا الخيار وهو ما حصل فعلا.
لقد تشكل في الولايات المتحدة في العام 2000 ما يشبه اللوبي البرلماني الإعلامي لمواجهة هذا الخيار، وقد ناقش أعضاء مجلس الشيوخ الرد الأمريكي على هذا الإجراء في جلسة بتاريخ 6 سبتمبر/أيلول 2000 وطالبوا الإدارة باتخاذ الإجراءات اللازمة لوقف ما أسموه آنذاك بالخطأ القاتل من الرئيس عرفات (11)، ومن المتوقع في المرحلة الحالية تشكل لوبي مماثل يؤثر على قرار الإدارة الأمريكية.
ولعل من الضروري الإشارة إلى أن الكونغرس الأمريكي كان قد اصدر قرارا رقم 380 – 24 بتاريخ 16 مارس/آذار من العام 1999 (12)، يطالب فيه الرئيس الأمريكي برفض أي إعلان أحادي الجانب للدولة الفلسطينية، وهو ما يدلل على حجم المعارضة التي سيواجهها التوجه الفلسطيني لهذا الخيار مجددا.
ثانيا
تشير بعض السيناريوهات إلى أن الولايات المتحدة قد تعترف بطريقة ما بالدولة الفلسطينية إذا طلبت السلطة الفلسطينية هذا الاعتراف، لأهداف تتعلق بوضع الديمقراطيين في داخل أمريكا، إذ يرى الصحفي الإسرائيلي البارز، أرييه شفيط، وغيره من المحللين الأمريكيين والإسرائيليين، أن الحل الوحيد أمام أوباما لإعادة الزخم للتيار الليبرالي الذي يقوده هو الوصول إلى دولة فلسطينية قبل الانتخابات الرئاسية القادمة (13).
إن حدوث هذا السيناريو سيعني حصول الفلسطينيين على اعتراف أمريكي بدولة منزوعة السيادة والسلطات، ذات حدود مرسومة بالواقع الذي فرضته إسرائيل على الأرض من خلال الجدار العازل والمستوطنات والسيطرة على القدس، ومرتهنة اقتصاديا إلى دولة الاحتلال، وهو ما سيعطي الفرصة لإسرائيل والولايات المتحدة لوضع حد لنضال الشعب الفلسطيني ومطالبه المشروعة، من خلال منحهم دولة هي في أحسن الأحوال نسخة مكررة عن سلطة أوسلو ولكنها تحمل اسم الدولة، وتمتلك صفة الديمومة بدلا من سلطة أوسلو المؤقتة.
ثالثا
في حال التوجه للجمعية العامة للأمم المتحدة وعلى افتراض حصول الطلب الفلسطيني على موافقة أغلبية أعضائها، فإن هذا النجاح سيسجل كانتصار على طريق النضال الفلسطيني، وسيمثل بلا شك إنجازا إعلاميا ومعنويا للشعب الفلسطيني، ولكنه لا يمكن أن يمثل حلا نهائيا أو حتى شبه نهائي للقضية الفلسطينية، ولن يخرج المشروع الوطني من أزمته الحالية.
رابعا
إن إعلان الدولة من طرف واحد في الوقت الراهن، يصطدم بالحقائق التي فرضتها وتفرضها إسرائيل على الأرض، وسيجعل أية دولة تنتج في ظل هذه الظروف مجرد كانتونات معزولة تفتقد إلى أدنى معايير الوحدة الجغرافية. |
وفي حال افتراض امتلاك السيادة على المناطق "أ" وفق اتفاقية أوسلو، فإن هذه الدولة الوليدة –في أحسن الأحوال- ستقام على نسبة ضئيلة جدا من أراضي الضفة الغربية، دون أن يشمل ذلك القدس الشرقية والمناطق المطلة عليها، إضافة إلى منطقة الأغوار على الحدود مع الأردن، وهو ما يعني دولة محدودة المساحة، أشبه ما تكون بجزيرة لا تمتلك حدودا آمنة مع أية دولة عربية، ومحاطة بإسرائيل من كل جانب.
خامسا
إن إعلان الدولة من طرف واحد في الوقت الراهن، يصطدم بالحقائق التي فرضتها وتفرضها إسرائيل على الأرض، وخصوصا المستوطنات التي تفصل مدن وقرى الضفة الغربية عن بعضها، إضافة إلى سيطرتها على معبر إيريز والمناطق الفاصلة بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وهو ما سيجعل أية دولة تنتج في ظل هذه الظروف مجرد كانتونات معزولة تفتقد إلى أدنى معايير الوحدة الجغرافية.
مقترحات لتقوية خيار إعلان الدولة الفلسطينية من طرف واحد
أولا
التوجه لهذا الخيار ضمن توافق فلسطيني داخلي، ينتج عن حوار وطني شامل، يشارك به الفصائل والمستقلون.
ثانيا
إعلان الدولة بعد الاتفاق مع الدول العربية، واعتباره قرارا يمثل الإجماع العربي، وهو ما سيشكل ضغطا أكبر على الولايات المتحدة وإسرائيل.
ثالثا
قبل المضي بهذا الخيار يجب الإعلان عن انتهاء اتفاقية أوسلو، والتحلل من التزاماتها، التي تلزم باعتماد المفاوضات بين الطرفين للوصول إلى اتفاق حول قضايا الحل النهائي، وفق نص الفقرة السادسة من ديباجة "أوسلو 2" (14). ويمكن للعرب أن يحملوا إسرائيل مسؤولية انتهاء أوسلو بسبب مخالفتها لكل التزاماتها في هذه الاتفاقية. إن أهمية هذه النقطة تكمن في منع إسرائيل من التذرع بعدم قانونية خطوة السلطة بحجة أنها تتعارض مع اتفاقية أوسلو.
رابعا
دعم خيار إعلان الدولة من طرف واحد بأساليب المقاومة السلمية المتاحة في الضفة الغربية، وعلى رأسها وقف التنسيق الأمني مع إسرائيل، والعصيان المدني، والفعاليات التضامنية بالتعاون مع الناشطين الدوليين، والمظاهرات الجماهيرية الشعبية بشكل شبه يومي.
خامسا
العمل على بناء جبهة شعبية دولية مساندة لخيار إعلان الدولة الفلسطينية، على غرار الجبهة التي ترفع قضية حصار غزة في العالم، والتي حققت نجاحات كبيرة في هذا المضمار.
سادسا
أن تسبق هذه الخطوة حملة دبلوماسية نشطة وطويلة، لإقناع دول العالم بالموافقة على الاعتراف بالدولة الفلسطينية عند إعلانها.
سابعا
يجب أن تترافق هذه الخطوة مع خطوات قانونية أخرى أهمها:
- الطعن أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة بشرعية الاعتراف بإسرائيل، إذ أن قرار الجمعية رقم 273 (3) الصادر بتاريخ 11 مايو / أيار من العام 1949، والذي قبل بعضوية إسرائيل في الأمم المتحدة، نص صراحة على التزام الدولة العبرية بالقرار رقم 194 الخاص بعودة اللاجئين، والقرار رقم 181 المعروف بقرار التقسيم (15)، وهو ما لا تلتزم به إسرائيل، ما يعني إمكانية الطعن القانوني بشرعيتها أمام الجمعية العامة.
- التوجه للأمم المتحدة للمطالبة بتطبيق قرار مجلس الأمن رقم 1515، الصادر بتاريخ التاسع عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني 2003، والذي نص صراحة على حل الدولتين وإقامة دولة فلسطينية (16).
- ملاحقة إسرائيل أمام القضاء الدولي لتنفيذ الحكم الاستشاري الذي أصدرته محكمة العدل الدولية في لاهاي بتاريخ التاسع من يوليو/تموز 2004 بخصوص عدم قانونية الجدار العازل.
_______________
باحث في الشؤون الفلسطينية
الهوامش
(1) الجزيرة نت 16.11.2008.
(2) جريدة الشرق الأوسط 11.09.2000.
(3) أ ف ب، 21.02.2008.
(4) وكالة معا الإخبارية 25.08.2009.
(5) جريدة الدستور الأردنية 18.11.2009.
(6) موقع سي إن إن العربية على الإنترنت 17.12.2009.
(7) المصدر السابق.
(8) جريدة الدستور الأردنية 18.11.2009.
(9) د. سلمان الحسنات / متخصص في القانون الدولي – جريدة الفجر الجزائرية 07.08.2010
(10) موقع وزارة الخارجية الأمريكية على الانترنت 22.03.2010
(11) Congressional record, V.146, Pt. 12, July 27, 2000 to September 13, 2000 by congress. page 17110.
(12) The Washington post.
(13) The New York Times, Alan Cowell, 04.11.2010
(14) Ariel Centre for policy research.
(15) مؤسسة الدراسات الفلسطينية، قرارات الأمم المتحدة بشأن فلسطين 1947 – 1974، بيروت، ط 3، 1993، مجلد رقم 1، ص 21.
(16) موقع مجلس الأمن على الإنترنت.