خارطة أوكرانيا |
تشغل أوكرانيا مساحة واسعة ومهمة من الجزء الشرقي للقارة الأوروبية تبلغ نحو 603 ألف كيلو متر مربع؛ فهي تتوسط المكان بين دول أوروبا الغربية من جهة وروسيا من جهة أخرى، وتشكل نافذة أوروبية واسعة على البحر الأسود والدول المحيطة به.
كما تعتبر ثاني أكبر وأغنى دولة في الاتحاد السوفيتي السابق بعد روسيا من حيث إمكانياتها الصناعية والزراعية وثرواتها الباطنة، ولا تزال تعتبر من أغنى دول أوروبا، ويزيد من غناها موقعها الجغرافي الذي يشكل جسرا تجاريا بين دول الجوار المحيطة.
وتمر عبر الأراضي الأوكرانية أنابيب الغاز التي تحرك تجارة هذا الخام المهم بين الشرق والغرب، وتعبر معظم البضائع الآسيوية والتركية موانئ أوكرانيا البحرية الجنوبية على البحر الأسود للوصول إلى عدد من الدول المجاورة، كما تسهل هذه الموانئ عمليات تصدير منتجاتها الزراعية والصناعية إلى الدول المستوردة في آسيا وأفريقيا.
الأطماع والصراعات الدولية في أوكرانيا
الأطراف المحلية في أوكرانيا
الحكم البرتقالي لأوكرانيا
الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا 2010
أوكرانيا .. إلى أين؟
المعادلات السياسية في أوكرانيا
(الأطماع والصراعات الدولية)
صراع الشرق والغرب على أوكرانيا قديم منذ الأزل؛ حيث لم يشهد التاريخ وحدة كامل الأراضي الأوكرانية بشكلها الحالي إلا في أواسط القرن الماضي |
لكن النظام السوفيتي فرض الوحدة على الشطر الغربي مستخدما لذلك قواته التي دخلت الشطر دون مقاومة تذكر في العام 1939، وأجبرت المواطنين فيه على الرضوخ لنظام الحكم، إلا أن الكثير من العادات والتقاليد بقيت مختلفة حتى يومنا هذا بين شطري البلاد المتحدَّيْن، ناهيك عن اختلاف الفن المعماري واللهجة وحتى الدين (مسيحية أرثوذوكسية في الشرق، وكاثوليكية في الغرب).
ثم ظهر في شطر البلاد الغربي خلال الحرب العالمية الثانية ما يعرف بجيش التحرر الثوري، الذي قاتل إلى جانب القوات الألمانية وبدعم منها ضد جيش الاتحاد السوفيتي، لا لولائه لألمانيا، بل لتحرير الشطر من سطوة النظام السوفيتي والشيوعية التي أثرت سلبا على اللغة الأوكرانية الأم، وقضت على جزء كبير من الهوية الدينية بالنسبة للسكان فيه.
لكن الاتحاد السوفيتي سحق لاحقا جيش التحرر الثوري بقدراته العسكرية بعد انتصاره الشهير على القوات النازية الألمانية، لينتهي جنود جيش التحرر الثوري وتبقى فكرته الرافضة لهيمنة موسكو على مناطق ومدن الغرب الأوكراني حتى يومنا هذا.
وتجدر الإشارة إلى أن ولاء الغرب الأوكراني للغرب كان سببا رئيسا لبناء الاتحاد السوفيتي معظم مصانعه الضخمة (العسكرية وغيرها) في الشطر الشرقي لأوكرانيا؛ مما أدى إلى ارتفاع أعداد السكان في شرق أوكرانيا مقارنة بغربها (70% من سكان البلاد البالغ عددهم نحو 46 مليونا حاليا).
ويمكن القول بأن هذه الهيمنة (هيمنة موسكو على أوكرانيا بشطريها) استمرت بصورة مباشرة حتى العام 1991 الذي استقلت فيه أوكرانيا عن جسد الاتحاد السوفيتي، وظلت بعد ذلك بصورة غير مباشرة حتى العام 2004 من خلال دعم نظام حكم موال لها في كييف، إلى أن قامت الثورة البرتقالية في 2004.
الثورة البرتقالية وبروز الأطماع
فتحت الثورة البرتقالية عام 2004 الباب عريضا أمام دخول الغرب (ممثلا في دول أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية) كعامل قوي مؤثر داخل أوكرانيا ولأول مرة منذ عشرات السنين التي تلت الحرب العالمية الثانية.
ساند الغرب الثورة ماديا ومعنويا بحجة دعمه للحريات والديمقراطية في كل مكان، لكن ميوله نحو ضم أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي "الناتو" كشفت أطماعه واهتماماته الرئيسية بكسب هذه الدولة المميزة بموقعها وقدراتها إلى صفه والتحكم بها، خاصة وأنها نافذة له على الخصم القديم الجديد روسيا، وأن كسبها إلى صف المعسكر الغربي صفقة رابحة وورقة ضغط قوية على موسكو؛ لأن ذلك سيمكن الغرب من تهديد مساحات واسعة من حدودها البرية والبحرية، وبالتالي قد يحد من تنامي نفوذها وأدوارها السياسية وغيرها إقليميا وعالميا.
دعمت أمريكا ومعظم دول الناتو مساعي ضم أوكرانيا إلى الحلف، ومضت أمريكا قدما في إطار كسب أوكرانيا، وإجراء مباحثات مع قادتها الجدد بهدف نشر قواعد صاروخية لها على الأراضي الأوكرانية على غرار المثال التشيكي والبولندي؛ وذلك بحجة التهديد الإيراني للعالم، ثم فتح الغرب ملف الأسطول البحري العسكري الروسي المرابط داخل المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الأسود؛ فاعتبر رباطه هذا مهددا لأمن أوكرانيا، وأكبر عائق يهدد مساعي عضوية الناتو بالنسبة لها، وطالب (عبر قادة البلاد الموالين له) بالسعي نحو إخراجه.
بالمقابل لم يدم الصمت الروسي طويلا بعد انتهاء الثورة، وبدء مساعي أوكرانيا البرتقالية نحو تعزيز العلاقات مع الغرب، خاصة فيما يتعلق بحلف الناتو والدرع الصاروخية الأمريكية؛ فقالت كلمتها الرافضة لهذه المساعي، والمهددة بعدم السكوت عن أي تهديد أو زحف نحو أراضيها، وكشفت بدورها عن أطماعها بإرجاع أوكرانيا إلى صفها، لأسباب تتعلق بأهمية موقعها وقدراتها أيضا، بالإضافة إلى أسباب أخرى تتعلق بوجود الملايين من رعاياها على الأراضي الأوكرانية (6% من إجمالي عدد السكان البالغ 46 مليون نسمة).
وتجدر الإشارة هنا إلى أن أوكرانيا تعتبر أكبر حليف صناعي وتجاري لروسيا في المنطقة، وبالتالي فإن بعدها عن الصف الروسي يعتبر خسارة كبيرة لموسكو.
المعادلات السياسية في أوكرانيا
(الأطراف المحلية)
تنقسم الأحزاب والقوى السياسية داخل أوكرانيا إلى موالية لموسكو، وموالية للغرب، وأخرى محايدة أو قومية لا توالي أية جهة على حساب أخرى. |
تبرز أحزاب "الأقاليم"، و"الشيوعي الأوكراني"، و"الاشتراكي"، و"التقدمي الاشتراكي" كأكثر الأحزاب الموالية لموسكو تأثيرا في الساحة الداخلية للبلاد، وخاصة "حزب الأقاليم" الذي يعتبر أكبر هذه الأحزاب من حيث القاعدة الشعبية وحجم التأثير، وهو الحزب الذي حكم فعليا البلاد على مدار 13 عاما تلت الاستقلال (تحت عدة مسميات مختلفة)، وحتى العام 2004.
وتبرز أحزاب "أوكرانيا لنا"، "الجبهة الشعبية"، "بيووت" كأكبر الأحزاب الأوكرانية الموالية للغرب تأثيرا، وهي الأحزاب التي أشعلت الثورة البرتقالية في العام 2004 بدعم من الغرب وبقيادة كل من فيكتور يوتشينكو زعيم "أوكرانيا لنا" آنذاك (ولون الثورة مأخوذ من لون علم الحزب الذي كان أكبر الأحزاب المشاركة في الثورة)، ويوليا تيموشينكو زعيمة "بيووت"، وآخرين.
أما الأحزاب القومية أو المحايدة فتغلب عليها صفة ضعف التأثير وفقدان القاعدة الشعبية، ومن أبرزها حزب "ليتفين"، و"الأخوة"، و"القومي الأوكراني".
أسباب الموالاة
ترى بعض الأحزاب الموالية لموسكو وخاصة تلك التي ولدت من رحم الاتحاد السوفيتي السابق (الشيوعي الأوكراني – الاشتراكي – التقدمي الاشتراكي) أن استقلال أوكرانيا كان خطأ كبيرا، وأن العوامل التي توجب وحدة البلدين أكثر بكثير من تلك التي دعت إلى انفصالهما، كاللغة، والتاريخ، والمصالح المشتركة، والإرث الثقافي والمعماري والصناعي المشترك.
أما باقي الأحزاب (وفي مقدمتها حزب الأقاليم) فلا تدعو للوحدة مع روسيا، لكنها تقر بأن حاضر البلاد ومستقبلها مرهون بطبيعة وحجم العلاقات مع روسيا، كونها الحليف الإستراتيجي الأول على الصعيدين السياسي والاقتصادي، وترتبط مع البلاد بنسيج اجتماعي متشابك ومتين، بالإضافة إلى وحدة العرق السائد في كلا البلدين (عرق السلافيان).
وبالمقابل تعتبر الأحزاب والقوى الموالية للغرب أن موسكو استعمرت البلاد عندما كانت عاصمة للاتحاد السوفيتي، وألحقت بها العديد من الكوارث والمآسي، كالمجاعة التي فرضتها في العام 1932 – 1933 لإجبار المواطنين على الانصياع للنظام، وقتلت فيها نحو 10 ملايين شخص، وكذلك إقحامها في حرب عالمية قضت على ملايين السكان والجنود الأوكرانيين الذي وقفوا في الصفوف الأولى لمواجهة القوات النازية.
وترى أيضا أن هيمنة موسكو استمرت على البلاد بعد الاستقلال من خلال التحكم بنظام الحكم الموالي لها في كييف، الذي قيد حرية الرأي والتعبير، وحكم بأسلوب ديكتاتوري أدى إلى تخلف البلاد عن اللحاق بركب الدول المتقدمة في أوروبا ومستويات رفاهية المعيشة فيها.
لم يكن لأحزاب وقوى المعارضة الموالية للغرب أي حضور قوي ومؤثر على الساحة السياسية في أوكرانيا منذ أن استقلت في العام 1991 وحتى العام 2004، ولم يكن لهم دور يذكر في برلمان البلاد الذي كانت غالبية مقاعده حكرا على الأحزاب والقوى الحاكمة الموالية لموسكو، واستمر هذا الواقع حتى انتخابات العام 2004، والثورة البرتقالية التي أشعلتها.
ساند الغرب ترشح زعيم المعارضة آنذاك فيكتور يوتشينكو، الذي كان يجاهر بدعوته للانعطاف بالبلاد نحو مستقبل أفضل يراه مرتبطا مع الغرب لا روسيا، وخرجت شريحة واسعة من المجتمع في جميع الأقاليم والمدن (وخاصة من فئة الشباب) تناصر دعوته، وتقف ضد التزوير الذي غير نتائج الانتخابات الحقيقة لصالح فيكتور يانوكوفيتش مرشح الحزب الحاكم وحليف روسيا.
ثم تحول هذا الخروج مع مرور أيام قليلة من الشكل التظاهري الاحتجاجي إلى الشكل الثوري الرافض للنتائج، فحاصر الثوار جميع مباني الدولة الرئيسية، وطعن قادة الثورة بنتائج الانتخابات لدى محاكم الدولة، مما أدى لاحقا إلى إقرار المحكمة الدستورية العليا – أعلى سلطة قضائية في أوكرانيا – بحدوث التزوير، والحكم -بالتالي- بإعادة الانتخابات التي بينت فوز يوتشينكو على يانوكوفيتش؛ لتبدأ بذلك البلاد مرحلة جديدة من مراحل الحكم في أوكرانيا، حيث النظام فيها يوالي الغرب.
الخلافات الداخلية
صور قادة الثورة مستقبل أوكرانيا تحت جناح الغرب كحلم وردي يسهل تحقيقه، لكن تطلعاتهم تعارضت مع الواقع الذي تفرضه حاجة أوكرانيا إلى روسيا، وخاصة في مجال الطاقة التي تستورد 70% من حاجتها منها من روسيا. |
فسرعان ما اصطدمت شخصية وصلاحيات قائد الثورة ورئيس البلاد الجديد يوتشينكو (الذي يوصف بضعف الشخصية، ويعاب بعدم وجود فريق عمل متخصص قادر على حكم البلاد في حزبه) بالشخصية القوية لحليفته تيموشينكو (التي قادت الثورة إلى جانبه، وتوصف بالمرأة الحديدية التي يتمتع حزبها بوجود شخصيات قيادية متخصصة في جميع المجالات)، وبصلاحياتها كرئيسة وزراء عينها مباشرة بعد فوزه، واصطدم كل منهما بواقع التركيبة السياسية داخل البرلمان، حيث الأغلبية لنواب الأحزاب والقوى الموالية لموسكو، كما اصطدموا أيضا بواقع الحاجة الأوكرانية إلى روسيا.
1- تعطيل البرلمان
اتهم يوتشينكو تيموشينكو مرارا خلال العام 2005 بالتقصير في عملها كرئيسة وزراء فيما يتعلق بإنهاء أزمة القطبية وحالة عدم الاستقرار التي شلت عمل البرلمان (ذي الأغلبية الموالية لموسكو) بعد انتهاء الثورة، فعزلها في شهر سبتمبر/أيلول 2005، وعين رجل حزبه يوري يخانوروف قائما بأعمالها، فكان هذا التعيين بمثابة أول شرخ كبير في بناء الثورة الذي أسسه يوتشينكو وتيموشينكو معا.
لكن عزل تيموشينكو زاد من تفاقم سوء الأوضاع وحدة الأزمة البرلمانية؛ حيث صار تحدي الرئيس يوتشينكو وإثبات خطأ عزل تيموشينكو من أولويات حزب بيووت الذي تتزعمه؛ مما اضطر يوتشينكو إلى حل البرلمان والدعوة لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة بهدف إنهاء الصراعات داخله، وإيجاد رئيس جديد للوزراء ترشحه الأغلبية البرلمانية المنتخبة، وكان ذلك في شهر آذار/مارس 2006.
وبالرغم من وصول أعداد كبيرة من نواب الأحزاب الموالية للغرب إلى البرلمان إلا أن الأحزاب الموالية للشرق حصدت أغلبية مقاعد البرلمان واتحدت لتشكل ائتلافا حاكما، ثم رشحت زعيم حزب الأقاليم يانوكوفيتش (المرشح الرئاسي الخاسر في انتخابات 2004) لمنصب رئاسة الوزراء، فصادق الرئيس يوتشينكو مرغَما على ذلك في شهر آب/أغسطس 2006؛ لأنه نتاج للديمقراطية التي حمل شعارها، لكنّ هذا شكل صدمة قوية وشرخا ثانيا كبيرا لبناء البرتقاليين في البلاد، ودل على تراجع شعبيتهم لأسباب عديدة، من أهمها إخفاقهم بتحقيق أي تقدم ملموس في الوعود التي تعهدوا بتحقيقها على الأصعدة السياسية والاقتصادية والاجتماعية بعد عام ونصف تلت الثورة، وكذلك للخلافات متنامية الحدة فيما بينهم.
دام يانوكوفيتش في منصب رئاسة الوزراء حتى شهر ديسمبر/ كانون الأول 2007؛ حيث حل الرئيس البرلمان مجددا، داعيا إلى إجراء انتخابات برلمانية مبكرة أخرى؛ لأن الانتخابات الأولى لم تأت بالاستقرار للبرلمان، بل زادت من درجة تعطيله وحدة التوتر فيه، ولأنه أراد أن يتدارك حقيقة أن الأمور داخل البلاد عادت لتسير منحازة إلى روسيا من جديد برئاسة يانوكوفيتش لمجلس الوزراء.
تمخضت الانتخابات المبكرة في العام 2007 عن وصول أعداد أكبر من نواب الأحزاب الموالية للغرب إلى البرلمان، وبعد سلسلة مفاوضات لطي الخلافات فيما بينها تمكنت من تشكيل ائتلاف برلماني حاكم لأول مرة في تاريخ البلاد، لكنه كان بفارق هش عن ائتلاف المعارضة 225 مقابل 223)، الأمر الذي لم يأت بأي استقرار على البرلمان، لكنه أعاد تيموشينكو من جديد إلى رئاسة الوزراء بعد أن رشحها الائتلاف وصادق على ذلك يوتشينكو.
2- الحاجة إلى روسيا ولغتها
صور قادة الثورة مستقبل أوكرانيا تحت جناح الغرب كحلم وردي يسهل تحقيقه، لكن تطلعاتهم تعارضت مع الواقع الذي تفرضه حاجة أوكرانيا إلى روسيا، وخاصة في مجال الطاقة التي تستورد 70% من حاجتها منها من روسيا، الأمر الذي أحدث انشقاقا كبيرا بين الرئيس يوتشينكو وتيموشينكو، خصوصا بعد أن رضخت الأخيرة لمطالب موسكو لحل أزمة الغاز في شهر فبراير 2009 بشروط قاسية، وعارضها يوتشينكو لذلك.
كما أشعل رفع صفة الرسمية عن اللغة الروسية في البلاد الغضب ضدهم من قبل سكان المناطق الشرقية والجنوبية، التي يتكلم معظم سكانها اللغة العربية وتنحدر أصول نسبة كبيرة منهم من روسيا، مما أدى إلى تراجع شعبيتهم في تلك المناطق.
3- الانفراد بالسلطة
بانتخابات 2007 البرلمانية عادت تيموشينكو إلى موقع القوة في البلاد كرئيسة وزراء، وزادت خلافاتها مع الرئيس يوتشينكو تفاقما وتصعيدا، فصارت الأوضاع بينهما أشبه بلعبة تسجيل نقاط، الفائز فيها من يكسب مواقف أكثر، ويبرز نفسه كمسؤول قادر على اتخاذ القرارات أو إلغائها أو حتى معارضتها.
ولعل من أبرز المواقف التي حدثت خلال العامين 2008 و2009، وأدت إلى تفاقم الخلافات بين الشخصيتين المواقف التالية:
- إقرار الميزانية الحكومية في كل من العام 2008 و2009؛ حيث رفض يوتشينكو المصادقة مرارا على الميزانيات متهما تيموشينكو باستغلالها لمصالحها الشخصية.
- تعيين يوتشينكو رئيس الوزراء السابق ورجل حزبه يوري يخانوروف وزيرا للدفاع عقب انتخابات العام 2007 البرلمانية؛ مما أغضب تيموشينكو، التي اعتبرت التعيين استغلال للصلاحيات الرئاسية، واتهمته بالتدخل غير المبرر بتشكيلة حكومتها لأسباب شخصية.
- دعم يوتشينكو جورجيا بالسلاح أثناء الحرب بينها وبين روسيا في شهر أغسطس 2008 دون علم تيموشينكو بالتنسيق مع وزيره يخانوروف؛ حيث وصفت تيموشينكو هذا الدعم بالتصرف الانفرادي غير المسؤول، واتهمته بالسعي لزيادة حدة التوتر بين البلاد وروسيا.
- بطء استعدادات البلاد لبطولة اليورو 2012؛ حيث اتهم يوتشينكو تيموشينكو مرارا بالتقصير، واستغلال الميزانية الحكومية المخصصة للبطولة لمصالح شخصية.
اتهام يوتشينكو تيموشينكو بالتقصير في مواجهة الأزمة المالية العالمية، التي أدت إلى تراجع اقتصاد البلاد وهوت بقيمة عملتها المحلية أمام الدولار.عضوية حلف الناتو كانت أبرز محاور سياسات التقارب الأوكراني الغربي؛ لأن تلك العضوية كانت ستجعل لأوكرانيا ثقلا أكبر في المنطقة أمام روسيا، ولهذا فقد كان من الملاحظ أن مساعي الناتو كانت أكبر من مساعي الاتحاد بالنسبة لقادة أوكرانيا البرتقاليين. - زيارة تيموشينكو إلى العاصمة الروسية في شهر شباط/فبراير 2009، واتفاقها مع نظيرها فلاديمير بوتين على تسوية أزمة الغاز (التي اشتعلت مطلع العام بعد اتهامات بسرقة كييف الغاز من الأنابيب المارة عبر الأراضي الأوكرانية إلى أوروبا)، وتحديد أسعار جديدة لاستيراد الغاز من روسيا تبلغ أضعاف ما كانت عليه قبل الأزمة (300%)، وهي زيارة وصفها يوتشينكو بالمجحفة بحق أوكرانيا والمسيئة لسيادتها.
- انحياز تيموشينكو نحو التطبيع مع روسيا، وتحسين العلاقات معها بعد أزمة الغاز، من خلال طي العديد من الملفات الساخنة معها وتعطيل ما يقلقها، كمساعي الناتو التي تراجعت وتيرتها بشكل ملحوظ خلال 2009، وملف الأسطول العسكري الروسي داخل المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الأسود، وقد لمح يوتشينكو إلى أن سلوك تيموشينكو هذا خيانة لمبادئ الثورة، وإساءة لتطلعات الشعب الغربية.
- طرح نواب حزب تيموشينكو في أواسط العام 2009 مشروعا برلمانيا يقضي بتقليص صلاحيات رئيس البلاد؛ بحيث يصبح الرئيس رمزا مجرَّدا من أغلب صلاحياته، وخاصة تلك المتعلقة بتعيين وعزل رؤساء الوزراء والوزراء ورؤساء البلديات، وحل البرلمان وإقرار الميزانيات الحكومية، لكن الأغلبية البرلمانية رفضته، واتهم يوتشينكو تيموشينكو بالسعي من خلال المشروع نحو عزله من صلاحياته والتفرد الشخصي بالسلطة.
- تأييد تيموشينكو للاتهامات التي وجهها الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف في شهر آب/أغسطس 2009 لنظيره يوتشينكو بالإساءة للعلاقات بين البلدين خلال فترة حكمه.
- اتهم يوتشينكو تيموشينكو بالتقصير بمكافحة وباء الالتهاب الرئوي الحاد وإنفلونزا الخنازير التي انتشرت في غرب البلاد وأجزاء أخرى منها في الفترة ما بين بداية شهر تشرين الأول/أكتوبر ونهاية تشرين الثاني/نيابر 2009، وحصدت أرواح ما يقارب 1000 شخص.
- اتهام يوتشينكو تيموشينكو وحكومتها بالفساد والخداع والكذب على المواطنين لتحسين صورتها، والتستر على أخطاء حكومتها التي لم تحقق لهم شيئا، وكذلك لزيادة مساحة قاعدتها الشعبية قبيل الانتخابات الرئاسية.
السياسات الخارجية
كان الانعطاف بالبلاد نحو الغرب بعيدا عن روسيا من أكثر ما يميز السياسات الخارجية لنظام الحكم البرتقالي في أوكرانيا؛ حيث بدأت بُعيد الثورة مباشرة مساعي العضوية في منظمة التجارة العالمية والاتحاد الأوروبي وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، والمسعيان الأخيران كانا بمثابة أبرز محاور تلك السياسات الخارجية.
1- الاتحاد الأوروبي
مضى البرتقاليون قُدما نحو عضوية الاتحاد الأوروبي بعد الثورة، ومضى الاتحاد أيضا نحو كسب أوكرانيا إلى صفه، وتأييد مساعيها نحو عضويته، فحدد لها جملة من الشروط على مختلف الصعد بعد أن قدم تسهيلات مشجعة ومغرية لمواطنيها تسمح لهم بالسفر إلى معظم دوله والتنقل بينها دون تأشيرات، ومن أهم تلك الشروط تحقيق الاستقرار السياسي والرفاه الاقتصادي والاجتماعي.
إلا أن تنفيذ تلك الشروط تعارض مع الواقع الداخلي؛ حيث الأزمات والخلافات تعصف ببرلمان وقادة البلاد، والأزمة المالية تعصف بها أيضا، وتجعلها الأكثر تضررا في أوروبا الشرقية، فبقيت أوكرانيا تراوح مكانها دون التحرك بأي خطا عملية نحو تلك العضوية.
2- الناتو
عضوية حلف الناتو كانت أبرز محاور سياسات التقارب الأوكراني الغربي؛ لأن تلك العضوية كانت ستجعل لأوكرانيا ثقلا أكبر في المنطقة أمام روسيا، ولهذا فقد كان من الملاحظ أن مساعي الناتو كانت أكبر من مساعي الاتحاد بالنسبة لقادة أوكرانيا البرتقاليين.
إلا أن مساعي هذه العضوية تعرضت للكثير من المعوقات أيضا رغم أنها كانت هدفا رئيسا لدول الناتو؛ حيث أخفقت أوكرانيا في تنفيذ شرط الحلف بدفع روسيا نحو إبعاد أسطولها البحري العسكري خارج المياه الإقليمية الأوكرانية، ثم أتت الحرب الجورجية كمؤشر واضح على أن روسيا لن تسكت على الأنظمة الموالية للغرب في المنطقة، والتي تجاهر بالعداء لها، وتسعى لوضع يدها بيد الغرب عسكريا عبر الناتو؛ مما أدى إلى ممانعة ألمانية فرنسية لانضمام أوكرانيا خوفا من تكرار سيناريو الحرب الجورجية مع أوكرانيا الدولة الأهم بالنسبة لأوروبا اقتصاديا، رغم التأييد الشديد من قبل الإدارة الأمريكية.
بروز الدور الروسي وتراجع الأمريكي
لم تقف روسيا مكتوفة الأيدي أمام سياسات النظام البرتقالي في أوكرانيا وحلفائه في الغرب، بل استخدمت ضدهم أوراقها القوية التي أثرت على جميع مخططاتهم وعرقلتْها، ومن أبرزها:
- شنت روسيا حربا على جورجيا في شهر آب/أغسطس 2008؛ لتؤكد للغرب عموما ولدول الناتو خصوصا أنها حاضرة عسكريا ولن تسكت عن أي زحف يقوم به حلف الناتو نحوها، واستخدمت لتلك الحرب أسطولها البحري داخل المياه الأوكرانية ودون إذن الحكومة الأوكرانية، ثم أعلنت عزمها تطوير قدرات الأسطول كمؤشر على أنها لا تكترث بالاتفاقات والمعاهدات إذا ما تعلق الأمر بأمنها (معاهدة استقلال أوكرانيا في 1991).
- أوقفت إمدادات الغاز عن أوكرانيا وأوروبا مطلع 2009؛ لتؤكد للطرفين أنها حاضرة اقتصادية أيضا وقادرة على الإضرار بأوروبا، ولم تستأنف تلك الإمدادات إلا بخضوع كييف لشروطها ضمن اتفاقيات جديدة قاسية.
- وجّه الرئيس الروسي ديميتري ميدفيديف اتهامات عنيفة لنظيره الأوكراني في شهر آب/أغسطس 2009 اتهمه فيها بالإساءة للعلاقات بين البلدين، وأكد من خلالها أنه لا لمستقبل لتحسين تلك العلاقات في ظل رئاسته، داعيا الشعب الأوكراني إلى التصويت لصالح من يراه مؤهلا لإعادة الدفء إلى تلك العلاقات، وبهذا تكون روسيا قد لعبت على الوتر الاجتماعي في وقت حساس يسبق الانتخابات الرئاسية، بعد أن لعبت على الوترين العسكري والاقتصادي.
وبالمقابل تراجع الدور الغربي عموما والأمريكي على وجه الخصوص بعد الحرب الجورجية وأزمة الغاز؛ حيث فشلت أمريكا في الاتفاق مع كييف على نصب دروع صاروخية على أراضيها، لمخاوف داخلية من ردة الفعل الروسية، ثم بات واضحا أنها خسرت حليفتها الأقوى داخل البلاد تيموشينكو، التي أصبحت تميل نحو التطبيع مع موسكو بعد أزمة الغاز؛ وبذلك لم يعد هذا الدور يقتصر إلا على دعم مساعي أوكرانيا نحو عضوية حلف الناتو.
وكانت زيارة نائب الرئيس الأمريكي جوزيف بايدين إلى كييف في شهر تموز/يوليو 2009 دليلا على تراجع الدور الأمريكي في أوكرانيا؛ حيث وصف بايدين نفسه الزيارة بأنها زيارة للنظر في عين تيموشينكو وعتابها، ثم اجتمع مع زعيم المعارضة الموالية لموسكو فيكتور يانوكوفيتش وقال له: هل أجلس مع رئيس أوكرانيا المقبل؟ فقال يانوكوفيتش: ربما، إذا أراد الرب، ورد بايدين: للأسف لا يحقق الرب غالبا ما أتمنى.
كما ألغيت لاحقا زيارة وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون إلى كييف، التي كانت مقررة في شهر كانون الأول/ديسمبر 2009م.
الانتخابات الرئاسية في أوكرانيا 2010
نجح البرتقاليون الموالون للغرب خلال سنوات حكمهم الخمسة لأوكرانيا في دعم الحريات وترسيخ الديمقراطية، لكنهم أخفقوا بتحقيق حياة الرفاهية الأوروبية الاقتصادية والاجتماعية للشعب، وأخفقت مساعيهم في ضم البلاد إلى عضوية كل من الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو. |
كما زاد انتشار الفساد الإداري في جميع أجهزة الدولة ومؤسساتها عما كان عليه قبل الثورة رغم شعارات محاربته التي رفعتها، كما بقي البرلمان عاجزا عن العمل بعد الثورة، إلا فيما ندر.
وارتفعت أسعار الغاز الروسي بنحو 300%، وارتفعت مستويات التضخم إلى ما يقارب 70% عما كانت عليه مقابل تراجع مستوى دخل الفرد، كما تراجع إنتاج كبريات المصانع في البلاد بسبب ضعف الاهتمام الحكومي بتطويرها لتبقى منافِسة عالميا؛ مما أدى إلى توقف وخصخصة عدد منها.
ثم هبت ريح الأزمة المالية لتكشف عجز الحكومة عن مواجهتها، إلا بالديون الخارجية والداخلية التي قاربت 26 مليار دولار وفق إحصاءات رسمية، وفاقت 100 مليار وفق أخرى، كما عجزت عن حل مأساة القروض البنكية التي أغرقت شريحة واسعة من المواطنين.
جميع هذه الأحداث والعوامل أدت إلى تبخر آمال المواطنين في نظام الحكم البرتقالي الذي ساندوا ثورته قبل أعوام، وكانت سنوات حكمه كفيلة بتراجع شعبية جميع قادته، الذين اختلفوا فيما بينهم، وترشح كل منهم لخوض الانتخابات بمعزل عن الآخر (يوتشينكو – تيموشينكو – رئيس البرلمان السابق أرسيني ياتسينيوك).
صوَّت معظم الناخبين الأوكران (وخاصة في شرق البلاد ذي الكثافة السكانية العالية نسبيا) لصالح رئيس المعارضة وحزب الأقاليم يانوكوفيتش الموالي لموسكو في الانتخابات الرئاسية التي أجريت جولتها الأولى في 17 كانون الثاني/يناير الماضي؛ (لأنه يُعتبر امتدادا لنظام حكم مستقر حكم البلاد قبل 2004، والاستقرار بات أحد أبرز تطلعات وأماني المواطنين في أوكرانيا، فتقدم يانوكوفيتش بفارق تجاوز 11% عن منافسته الأبرز يوليا تيموشينكو، وخرج زعيم الثورة يوتشينكو يجر ذيول الهزيمة والانكسار بعد أن حصد ما يقارب 5.4% من الأصوات فقط.
ثم حسم يانوكوفيتش النتيجة لصالحه في جولة الانتخابات الثانية التي أجريت في السابع من شهر شباط/فبراير الجاري متقدما على تيموشينكو التي لم تخرج حتى الآن من صدمة الخسارة، ولا زالت (رغم اعتراف العالم كله قريبه وبعيده أن الانتخابات كانت نزيهة وديمقراطية) تصر على أن حزب يانوكوفيتش زور النتائج.
لم يحصد فيكتور يوتشينكو قائد الثورة البرتقالية ومشعل فتيلها في أوكرانيا إلا نسبة قليلة من أصوات الناخبيبن (5.4%) في جولة الانتخابات الرئاسية الأولى، وتأخرت حليفته السابقة تيموشينكو بفارق 11% عن زعيم المعارضة وحزب الأقاليم الموالي لموسكو فيكتور يانوكويفيتش، قبل أن تخرج خاسرة وفق نتائج جولة الإعادة التي فاز هو بها، الأمر الذي فرض العديد من التساؤلات حول مستقبل البرتقاليين الموالين للغرب في البلاد، ومستقبل علاقات أوكرانيا بالغرب في المرحلة المقبلة.
لقد بينت نتائج الانتخابات أن شريحة واسعة من الشعب الأوكراني سئمت ولم تعد تثق بقادة الثورة الذين اختلفوا وتنازعوا على السلطة فيما بينهم، لكنها بينت أيضا أن شريحة واسعة أخرى لا تزال ترى فيهم مستقبل البلاد، وخاصة في شخصية يوليا تيموشينكو التي حصدت نسبة كبيرة من الأصوات.
ولا يستطيع أحد نفي حقيقة أن تيموشينكو أصبحت من أبرز الشخصيات البرتقالية المؤثرة في أوكرانيا بعد الثورة وأكثرها شعبية، في حين كان صيتها شبه معدوم قبلها، وبالتالي فإنه من غير المنطقي التسليم بانتهاء البرتقاليين بعد انتخابات 2010، رغم تلاشي شعبية الرئيس المنتهية ولا يته وزعيم الثورة يوتشينكو.
إن روح الثورة البرتقالية باقية في نفوس شريحة واسعة من المواطنين الذين يرون أنها أدخلت الديمقراطية إلى الحياة في أوكرانيا، وأشعلت في نفوسهم الرغبة بتعزيز الاستقلال والسيادة، وتحركت بهم نحو مزيد من الحريات والانفتاح على دول الغرب، لكن من الواضح أن نهج قادتها الجدد (وعلى رأسهم تيموشينكو) بات يأخذ الواقع في المنطقة بعين الاعتبار، فينظر نحو الغرب مراعيا الحفاظ على دفء العلاقات مع روسيا التي ترتبط مع البلاد بعدة مجالات، على نقيض نهج قادتها القديم الذي وقف موقف الضد منها.
أوكرانيا يانوكوفيتش .. إلى أين؟
لاشك أن أوكرانيا الآن تدخل مرحلة جديدة بعد فوز يانوكوفيتش، وأنها ستنعطف مجددا نحو الموالاة لموسكو كما كان الحال قبل العام 2004، وقد أكد يانوكوفيتش مرارا خلال حملته الانتخابية أن من أولوياته كرئيس للبلاد تحسين العلاقات مع روسيا وإعادتها إلى سابق عهدها.
سيدفع تحسين العلاقات مع روسيا أوكرانيا بالضرورة لاتخاذ عدة مواقف دولية وإقليمية وداخلية حساسة وهامة، في مقدمتها إغلاق ملف المساعي نحو عضوية حلف شمال الأطلسي "الناتو"، أو طيه لتكون أوكرانيا دولة محايدة (كما طالب يانوكوفيتش وحزبه من قبل)، وكذلك إغلاق ملف إبعاد الأسطول العسكري البحري الروسي خارج حدود المياه الإقليمية الأوكرانية في البحر الأسود، بالإضافة إلى إعادة صفة الرسمية للُّغة الروسية داخل البلاد.
لكن أوكرانيا يانوكوفيتش لن تتخلى عن ملف عضوية الاتحاد الأوروبي، لأن حياة الرفاهية الأوروبية في ظل الاتحاد هي حلم معظم الأوكرانيين: الذين دعموا الثورة البرتقالية والذين لم يدعموها، وهذا ما أكده يانوكوفيتش أيضا أثناء حملته، على أن ذلك سيكون صعبا أو حتى مستحيلا في حال كانت البلاد موالية خالصة لروسيا.
تحديات ومخاوف
عودة الموالين لروسيا للإمساك بزمام الحكم في أوكرانيا يثير مخاوف حقيقية من إمكانية أن يقيد النظام الجديد حريات الرأي والتعبير، ويضع حدا لنشاط أحزاب قومية عنصرية نشأت بعد الثورة البرتقالية، تعادي روسيا علنا وتدعو لطرد رعاياها خارج البلاد. |
وصول الموالين لروسيا إلى سدة الحكم مجددا سيدفع الأحزاب الموالية للغرب (وفي مقدمتهم حزب بيووت بزعامة تيموشينكو) إلى الوحدة لتشكيل معارضة قوية تفرض نفسها على الساحة عموما وداخل أروقة البرلمان على وجه الخصوص؛ لذلك فإن كثيرا من الشك يعتري عمل البرلمان في المرحلة المقبلة، ويُرجَّح أن يبقى معطلا، حتى لو حله يانوكوفيتش ودعا لإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، وبالتالي فإن إمكانية استمرار الأزمات السياسية لا تزال قائمة، بل قد تتفاقم.
وبالإضافة إلى ذلك ستصطدم الحكومة وقادة البلاد الجدد أيضا بمشكلة الديون الخارجية والداخلية المستحقة، التي يجب دفع 15 مليار دولار منها بصورة عاجلة، الأمر الذي قد يعرقل برنامج يانوكوفيتش المعلن بتحسين اقتصاد البلاد، وتحسين مستويات المعيشة فيها.
كما أن عودة الموالين لروسيا للإمساك بزمام الحكم في أوكرانيا يثير مخاوف حقيقية من إمكانية أن يقيد النظام الجديد حريات الرأي والتعبير، ويضع حدا لنشاط أحزاب قومية عنصرية نشأت بعد الثورة البرتقالية، تعادي روسيا علنا وتدعو لطرد رعاياها خارج البلاد.
كما أن عودتهم تثير مخاوف تتار إقليم شبه جزيرة القرم جنوب البلاد (500 ألف نسمة) من إمكانية إغلاق ملف قضية عودتهم من بلاد المهجر، واستعادة أراضيهم وممتلكاتهم التي صودرت منهم إبان حكم الزعيم السوفيتي الراحل ستالين، الذي أمر بتهجيرهم قسرا إلى شمال روسيا ودول شرق آسيا بحجة معاداتهم النظام في العام 1944، كما أمر بتوزيع أراضيهم وممتلكاتهم على طبقة "العمال الكادحين" آنذاك من عرق السلافيان، ومعظمهم ينحدر من روسيا.
الموقف الروسي والغربي
انقلبت المعادلة رأسا على عقب وعادت أوكرانيا بفوز يانوكوفيتش لتكون حليفة لروسيا في المنطقة، إلا أن خسارتها لها في 2004 ستجبرها على تغيير سياساتها تجاه أوكرانيا بحيث تضمن أن تكون إلى جانبها مدة طويلة تزيد عن السنين الخمسة القادمة، ولذلك فإن من ضمن خيارات روسيا المتوقعة في هذا الإطار أن تركز أولوياتها في المرحلة المقبلة على دعم استقرار الأوضاع السياسية والاقتصادية ودعم الرفاهية الاجتماعية في أوكرانيا، لكسب ود شعبها كدولة جارة صديقة، لا كدولة تهيمن روسيا على النظام الحاكم فيها، وتديره كما تشاء ووفق مصالحها.
وبالمقابل فإن خسارة أوكرانيا تعد ضربة قاسية بالنسبة للغرب بعد سنوات دعمها الخمسة؛ لأنها خسارة حليف في موقع إستراتيجي مهم، وهذا ما سيدفعه على الأرجح لاستخدام خياراته المتاحة خلال المرحلة المقبلة لإعادة هذا الحليف إلى صفه، كدعم المعارضة الموالية له ضد نظام الحكم، وعرقلة أي استقرار يقنع الشعب بكفاءة هذا النظام، والتضييق على تجارة أوكرانيا الخارجية مع دول أوروبا وأمريكا والدول الحليفة الأخرى، وكذلك إعادة التضييق وغلق الأبواب أمام أمام حركة المواطنين الأوكران من وفي أوروبا وأمريكا، لدفعهم من جديد للوقوف بوجه نظام الحكم الموالي لروسيا، كما في ثورة 2004.
_______________
مدير مركز الرائد الإعلامي، كييف، أوكرانيا