السياسة السعودية تجاه ثورات الربيع العربي

تواجه المملكة العربية السعودية أزمتين إستراتيجيتين تتمثلان في تأثير الثورات العربية على الوضع السعودي الداخلي مستقبلاً، وتأثيرها في ذات الوقت على سياسة الدولة السعودية تجاه محيطها العربي وبخاصة سياستها مع الدول التي وقعت فيها ثورات الربيع العربي.
201172371748134734_2.jpg

تتميز السياسة السعودية تجاه الثورات العربية بأنها سياسة متغيرة وغير متماثلة في ذات الوقت؛ إذ بينما كانت سياسة السعودية تجاه ما حدث في كل من مصر وتونس واليمن معارضة لسقوط أنظمة الحكم في تلك الدول، فإنها تدخلت بشكل مباشر في الأزمة البحرينية، ثم آثرت عدم الظهور في الصورة بشكل مباشر في كل من الأزمتين الليبية والسورية.

وتقوم السعودية اليوم بقيادة تيار عربي تمثله الأنظمة الملكية، وهي الأنظمة الوحيدة في المنطقة التي لا تزال تحافظ على استقرارها نسبيًا، وذلك بهدف جعل تكتل كهذا عنصر أمان لكل نظام، وهو ما يعبر عن خوف حقيقي يتملك الأنظمة العربية التقليدية من السقوط كما سقطت الأنظمة الجمهورية. وترى السعودية أن التدخل الخارجي في المنطقة ووجود إسرائيل يمثلان حلقة كاملة قد يتم استغلالها من قوى دولية لتغيير وجه المنطقة سياسيًا، وهي بقيادتها لتحالف الأنظمة الملكية تحاول جاهدة أن تُفشل أي مشروع دولي قد يستهدف هذه الأنظمة؛ خاصة وأن السياسة الدولية تجاه المنطقة قد أخذت طابعا يتسم بالكثير من التردد والتخبط في بعض الأحيان.

لقد اتسمت السياسة السعودية منذ تأسيس الدولة بأنها سياسة محافظة وقد استفادت المملكة السعودية من هذا التحفظ في أزمات كثيرة عصفت بالعالم، وكان للمملكة نصيب منها، ونذكر منها على سبيل المثال أحداث 11 سبتمبر/أيلول 2001، والتحدي الأمني الذي استمر في المملكة لسنوات ولم ينته بشكل كامل حتى يومنا هذا. ولربما كان لهذا التحفظ السياسي الذي اتبعته المملكة يدا في أن توصف السياسة السعودية بعدم الوضوح في طرحها لمواقفها تجاه الثورات العربية؛ مما يجعلها عرضة للاتهام بعدم تأييدها لثورات الشعوب العربية على أنظمتها. وقد يكون من الأجدى لصانع القرار السعودي أن ينتهج سياسة أكثر شفافية، وأن يفصح بوضوح عن مخاوفه؛ لأنّ شأن ذلك أن يوجِد إمكانية للحوار بينه وبين قيادات الثورة في كل دولة.

السعودية والبحث عن الدور القيادي القومي 

لطالما بحثت السعودية عن دور قومي قيادي في المنطقة، لكن دورًا كهذا كان قد استحوذت عليه مصر بزعامة جمال عبدالناصر في الستينيات، وحاولت لعبه العراق في عهد صدام حسين في الثمانينيات وبداية التسعينيات، ومن ثم مصر من جديد خلال حكم حسني مبارك "المتنحي مؤخرا" بعد وقوع العراق تحت الاحتلال الأمريكي. ولكن السعودية استطاعت على أية حال، ومنذ منتصف السبعينات، أن تصبح لاعباً رئيساً في الشأن العربي القومي. والمفترض أن يوفر سقوط مبارك للسعودية فرصة للاضطلاع بدور أكبر بكثير، ولكن المملكة تجد نفسها الآن محاطة بلاعبين جدد أكثر قوة من الرؤساء الذين سقطوا، وهؤلاء اللاعبون الجدد هم الشعوب العربية الثائرة التي تمردت على أنظمة حكم يتشابه معها نظام الحكم في المملكة السعودية.

إن المملكة السعودية تجد نفسها اليوم أمام خيارين، الأول يتمثل في مواصلة دورها الجديد والمحفوف بالكثير من المخاطر التي قد تضر بصورتها وسمعتها الإقليمية والدولية في محيط عربي أصبح يرفض أطروحاتها السياسية والدينية والاجتماعية، والثاني أن تسلك مسار الانكماش لتعود كما كانت دولة إقليمية خليجية ذات تأثير محدود في محيطها الخليجي فقط. كما تواجه السعودية أيضًا خطر فشل العرض الذي قدمته باسم مجلس التعاون الخليجي للملكة المغربية بالانضمام للمجلس؛ مما قد يفكك مشروع التوسع المنشود قبل تحققه؛ وذلك أن المغرب الذي يشهد حراكًا سياسيًا منذ فترة قد أقر تعديلات دستورية مؤخرا، ولا يمكن لتعديلات كهذه أن تتناسب مع سياسات مجلس التعاون الخليجي، مما سيجعل المغرب، وحتى الأردن، غير قادرين على التناغم مع دول المجلس في مسألة اعتماد سياسة خارجية موحدة، خاصة إذا ما واصلت السعودية اعتماد سياسات غير مرحبة بالثورات العربية.

السعودية وصعوبة العودة إلى الوراء 

هل ينظر الساسة السعوديون إلى الوضع السياسي الراهن على أنه من الممكن التعامل معه بأسلوب التراجع إلى الخلف؟ يبدو أن صانع القرار في المملكة السعودية لم يكن لديه الكثير من الخيارات فيما يتعلق بهذا الجانب، حيث أدى تصاعد الخطر المذهبي الشيعي المدعوم من الدولة الطموحة إيران إلى إدخال صانع القرار السعودي في حالة من الإرباك. وإن حاولت المملكة أن تظهر بمظهر صانع الأحداث في كثير من تحركاتها إلا أنها أجادت في الشهور الأخيرة استخدام مجلس التعاون الخليجي كبوابة لسياساتها، خاصة مع التراجع غير المفاجىء في دور الجامعة العربية. ومن هنا، يأتي تمترس المملكة السعودية خلف مجلس التعاون الخليجي، ومحاولة ضم المزيد من الدول لهذا المجلس كنتيجة لإدراك الرياض ومن ورائها عواصم دول الخليج العربي الأخرى أن مجلسهم –كمنظومة إقليمية- قد يصبح بديلاً مؤقتًا لا مفر منه عن الجامعة العربية، ولمواجهة أخطار داخلية تتمثل في بدء تململ الكثيرين من الواقع السياسي في منطقة الخليج والذي لم يعد مرضيًا لمجموعة من النخب في عدة دول خليجية.

وجاءت رغبة السعودية أيضًا في توسيع الدائرة التي تشمل دول مجلس التعاون الخليجي كخطوة تهدف إلى تفعيل دورها القيادي الجديد الذي تسعى لاكتسابه في العالم العربي في مواجهة الدور التركي المتنامي، والذي أصبح يكتسب رصيدًا شعبيًا عربيًا لا يمكن التهاون به. إن ما تهدف إليه المملكة العربية السعودية هو وقف حالة المد الثوري العربي بمعطياتها الحالية. ولربما كانت السعودية ستبدو أقل تشددًا في نظرتها لتلك الثورات لو أنها – أي الثورات- لم تتبنَّ مطالب الإصلاح الشامل، لأن الإصلاح الشامل والذي يعني الديمقراطية الحقيقية يُعد نموذجًا لا يتوائم ولا يتناسب مع أركان وأسس الحكم الملكي التقليدي الذي لا يزال سائدا في المملكة السعودية وفي معظم الأقطار العربية الأخرى التي لم يصلها المد الثوري الجديد. كما أن المملكة لسعودية كانت ستبدو أكثر حيادية فيما لو اعتمدت الحركات الثورية مطالب الإصلاح دون تغيير واجهات الحكم في بلادها؛ ولكنها (أي السعودية) أدركت لاحقًا أن تلك الشعوب لم يكن بمقدورها التناغم مع رؤيتها تلك؛ لأن الوضع السياسي والاقتصادي في تلك البلدان كان قد وصل إلى مرحلة يصعب معها الوصول إلى أنصاف الحلول.

السعودية وتسونامي تونس 

لا يمكن أن ننكر أن الثورة التونسية هي التي كانت السبب الرئيس في التغيير الذي بدأ يدق أبواب العالم العربي بأجمعه. وربما اعتبرت أنظمة الحكم العربية أن ما أصاب تونس لن يصيبها، ولكن هذه الأنظمة وفي تلك الليلة التي كان يبحث فيها الرئيس التونسي عن مدرج مطار لتهبط عليه طائرته كانت تدرك أن ثمة أمرا كبيرا جدًا قد وقع في العالم العربي، شاءت أم أبت. وكانت استضافة المملكة العربية السعودية لبن علي تمثل مرحلة متقدمة على مستوى صنع القرار؛ إذ إن رئيسًا عربيًا واحدًا لم يجروء على السماح لبن علي بالهبوط في بلده، وقد يكون سبب ذلك هو الخشية من تسريع إمكانية وقوع ثورة مشابهة على نظام حكمه؛ فآثر جميع الحكام العرب التزام الصمت، وكان رفضهم لاستقبال بن علي اعترافًا منهم أن ثمة أخطاء كبيرة تُرتكب في العالم العربي. ومن ناحية أخرى فإن السعودية لم تكن في خضم معارضتها للثورة التونسية تهتم بالوضع الداخلي السعودي الذي يبدو متماسكًا أكثر من اهتمامها بأن لا تتجاوز ثورة تونس الأراضي التونسية، وطمأنة جيرانها العرب أنها تقف بحزم في مواجهة أي مد ثوري، وأنها تضع ثقلها وإمكاناتها في سبيل استمرار تلك الأنظمة.

لم تكن تونس لتمثل خطرًا إستراتيجيًا على المملكة العربية السعودية إذا ما تغير نظام الحكم فيها؛ فتونس لا تتصل بالمملكة كاتصال مصر والأردن واليمن، ويكاد التأثير التونسي على نظام الحكم وسياسات المملكة السعودية لا يُذكر إذا ما قارنّا تأثير مصر ودول أخرى محيطة بالمملكة؛ ولذلك لم تسجل السياسة السعودية تجاه تونس منذ انهيار نظام حكم بن علي فيها أية تجاذبات ذات تأثير يُذكر، بعكس ما جرى في موقف السعودية من ثورات مصر والبحرين واليمن.

السعودية والثورة المصرية 

تمثل مصر بثورتها أكبر المخاطر من وجهة النظر السعودية؛ لما لدولة بحجم مصر تاريخيًا وإستراتيجيًا من دور محوري ورئيسي في المحيط العربي، ولما تمثله التيارات الفكرية فيها من عنصر جذب وتأثير جدي على الحراك الثقافي والاجتماعي السعودي، والذي يقوده منذ سنوات فئة من يُسمَّون بالليبراليين في المملكة. وتدرك المملكة السعودية أيضًا أن الدور المصري القادم لن يكون شبيهًا بدور مصر في عهد حسني مبارك. وهكذا فإن الأنظمة الجديدة التي قد تبرز في كل من مصر وتونس وسوريا واليمن قد تمثل بالنسبة للمملكة ما يشبه الكماشة السياسية التي تقلقها وتمثل تهديدًا لمركزها في العالم العربي والإسلامي وعلى المستوى الدولي. ولعل الإعلان المصري قصير العمر عن نية التقارب مع إيران بعد انتصار الثورة المصرية كان عاملاً مهمًا في تنامي رغبة السعودية في وقف المد الثوري العربي. وقد جاء بعد ذلك التقارب السعودي - المصري ليحجّم من فرص تطور العلاقات المصرية - الإيرانية.

ومن الجدير بالإشارة الإتيان عليه، أن القيادة المصرية الجديدة - التي رأت في الموقف السعودي الغير مؤيد للثورة في هذا البلد في حينها عاملاً سلبيًا على مصر واستقرارها- قد استطاعت أن تلعب بالورقة الإيرانية بنجاح من أجل إيقاف أو احتواء حدة الرفض السعودي خصوصا والخليجي بشكل عام للثورة المصرية. هذا الرفض الذي بلغ ذروته بتقارير نفتها دول الخليج العربي لاحقًا، وتحدثت عن أزمة تتعلق بالعمالة المصرية في دول الخليج العربي؛ مما كان سيفاقم من المشاكل التي تعصف بمصر، ويزيد من الإرث الثقيل الذي تركه الرئيس المصري السابق حسني مبارك، والذي كان سيؤدي بدوره إلى سقوط مدوٍّ وسريع للحكومة المصرية الحالية على إثر ما يمكن أن يصنعه ظهور مشاكل اقتصادية جديدة من خلق حالة أكبر من الفوضى. لذا، رأت القيادة المصرية أن عليها أن تستخدم أوراقها الخارجية لإيقاف هذا الرفض؛ ومن تلك الأوراق كانت الورقة الإيرانية.

ولربما ينظر كثيرون إلى دور السعودية وموقفها من الثورات العربية بكثير من الغضب وعدم الرضا، ولكن الرفض السعودي - الخليجي (بشكل عام)- للثورة المصرية يمثل عامل تحفيز لدى الشارع المصري من جهة للاستمرار في الثورة والإصرار عليها، ومن جهة أخرى فإن قادة الثورة كانوا على درجة من الوعي بأن لا يحولوا قضيتهم من الإطاحة بالنظام إلى الدخول في صراع وتراشق إعلامي وسياسي مع دول الخليج. وقد عكس توجه القيادة والنخب السياسية المصرية ومن بينها النخب الثورية الشبابية رغبة مصرية متوازنة في إخراج خطاب إعلامي غاية في الاتزان تجاه السعودية ودول الخليج؛ وذلك رغبة في عدم تفاقم الوضع بين الجانبين وعدم قطع كل الحبال بين الطرفين.

السعودية والإخوان المسلمون

تقدم المملكة العربية السعودية نموذجًا دينيًا يرتكز على دعوة الإمام محمد بن عبد الوهاب، وهو نموذج سلفي يراه كثيرون في العالم الإسلامي والغرب من أكثر الاتجاهات الإسلامية تشددًا في يومنا هذا، ويحمل هذا النموذج رؤية للنظام الاجتماعي، لكن هذه الرؤية تختلف عن تلك التي يقدمها الإخوان المسلمون والذين يُنظر إليهم في العالم الإسلامي -وحتى في الغرب- على أنهم النموذج الأقل تشددًا بين الجماعات الإسلامية المتعددة. وتخشى المملكة العربية السعودية من نشوء صراع مذهبي قد يعصف بالبلاد إذا ما نجح الإخوان المسلمون في مصر في الوصول لسدة الحكم واعتمادهم للنظام التركي. وسيمثل نجاح الدولة المصرية بقيادة الإخوان المسلمين إشكالية داخلية سعودية، لا تكمن في أن القيادة السعودية تخشى من انهيار النظام الاجتماعي فيها؛ ذلك لأنها راضية عن ذلك النظام، وأن سيادة النظام الاجتماعي السلفي في المملكة ضاربة في جذور ذلك الوعي الاجتماعي، ولكن الخطر قد يكمن في زيادة وتيرة تململ الليبراليين في المملكة وقيامهم باستخدام نموذج عربي "إخواني" على الطريقة التركية كبديل للسلفية السعودية، مما قد يخلق صراعًا اجتماعيًا كبيرًا ينذر اتساعه بنشوب صراعات قد تكون دامية وقد تهدد في الوقت نفسه النسيج الاجتماعي السعودي برمته.

لذا فقد تحرص المملكة العربية السعودية في سياستها القادمة تجاه مصر على بذل كل المساعي لعدم تمكين الإخوان المسلمين في مصر من الوصول إلى سدة الحكم؛ ومن ثمَّ فقد يكون إعلان قيادات الإخوان مؤخرًا عن أن دخولهم الانتخابات الرئاسية من شأنه أن يمزق مصر، وأن يُدخلها في نفق مظلم، وقيامهم بالتدليل على قناعتهم تلك بفصل القيادي البارز أبو الفتوح ليؤكدوا للجيش وللمحيط الإقليمي أنهم لن يلعبوا على هذا الوتر في الوقت الحالي؛ مما يبعث بالكثير من الرسائل المطمئنة للسعوديين.

السعودية وسياسة مصر الجديدة تجاه القضية الفلسطينية

قاومت المملكة العربية السعودية انقلاب حركة حماس في قطاع غزة وأخذ زمام الأمور بيدها، وحتى في خضم القصف الإسرائيلي الوحشي للقطاع لم تقدم المملكة يد العون لحركة حماس، التي تتهمها المملكة بأنها الطرف الذي أفشل جميع محاولات المصالحة مع حركة فتح وخاصة تلك التي رعتها المملكة السعودية على أرض مكة المكرمة. وسيمثل اعتماد مصر سياسة جديدة لا يقودها حسني مبارك -الذي كان الحليف الأقوى للسعودية- نقطة تحول خطيرة ستُحرج المملكة عربيًا وإسلاميًا، خاصة إذا ما أقدمت مصر الجديدة على رفع الحصار عن قطاع غزة المحاصر. ومن المعروف أن المملكة العربية السعودية تستفيد منذ نشأتها من الزخم الديني الكبير الذي يوفره لها وجود الحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة؛ حيث كان لهذا الزخم الديني دور مهم في صنع مكانة المملكة إقليميًا وإسلاميًا، وبالنتيجة لذلك دوليًا. ولذلك، ليس من مصلحة المملكة العربية السعودية أن تظهر بمظهر الفاقد لدورها إذا ما تعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، وعلى رأس ذلك المصالحة الفلسطينية-الفلسطينية، التي تمكنت مصر أخيرًا من إنجاحها -ولو نظريًا- بالإضافة إلى رفع الحصار عن قطاع غزة –ولو جزئيا-، وهو ما لم تستطع المملكة السعودية تحقيقه على مدى سنوات.

ومن جهة أخرى ترى المملكة العربية السعودية في ارتباط حركة حماس بإيران – أحد الداعمين الرئيسيين للحركة - سببًا يجعل القيادة المصرية الجديدة مطالبة بعدم التعمق كثيرًا في علاقاتها بإيران من جهة وعدم إفساح الكثير من الحرية لحركة حماس للتحرك في مصر وفي المحيط الإقليمي، من جهة أخرى. ومن وجهة نظر القيادة السعودية، فإن رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة سيؤدي في نهاية المطاف إلى تقوية الدور الإيراني في مصر والمنطقة، وحتى لو اشتركت القيادة المصرية متمثلة بالمجلس العسكري مع المملكة السعودية في نفس الرؤية إلا أن المجلس العسكري يبدو أكثر انشغالاً بالضغط الشعبي المصري، فيما يتعلق بملف رفع الحصار عن قطاع غزة، وهو ضغط شعبي لا يخفى وقوف الإخوان المسلمين في صفوفه المتقدمة.

وهكذا فإن مصر تمثل الكثير من الهواجس والقلق على دور المملكة الإقليمي والدولي؛ فليست المسألة تتعلق فقط بالحراك السياسي السائد في مصر اليوم، والذي يمكن أن يؤثر على الوضع الداخلي السياسي السعودي في وقت من الأوقات، ولكن الأمر يتعدى ذلك مرورًا بالعامل المذهبي وصولاً إلى القضية الفلسطينية، "ترمومتر" السياسة العربية، التي ترفع أرصدة وتهوي بأرصدة أخرى على المستوى السياسي منذ نشأتها.

السعودية والمجلس العسكري المصري

أدركت المملكة العربية السعودية -ولو متأخرة بعض الشيء- أنها لا تستطيع أن تواصل حالة الجفاء السياسي بينها وبين مصر. ورغم ما قيل عن العلاقة الشخصية الوطيدة جدًا بين الملك السعودي عبد الله بن عبد العزيز والرئيس المصري السابق حسني مبارك، إلا أن سياسات الدول لا يمكن أن تُبنى على أسس الرغبات الشخصية أوحساب المجاملات. وفي ذات الوقت فإن المجلس العسكري والحكومة المصرية لم يغب عنهما للحظة واحدة أهمية العلاقة مع المملكة العربية السعودية. وجاء منح السعودية مصر مساعدات بقيمة 4 مليارات دولار كبادرة حسن نوايا من المملكة تجاه الدولة المصرية الجديدة، كما جاء قرار منح تأشيرات العمرة مجانًا للمواطنين المصريين كبادرة تقارب أخرى مع مصر حكومة وشعبا.

الموقف من الثورة اليمنية 

تمثل اليمن -والتي تشترك في حدود طويلة مع المملكة السعودية- بالنسبة للقيادة السعودية بؤرة صراع هي الأشد خطورة في منطقة شبه الجزيرة العربية؛ حيث تنامي قوة تنظيم القاعدة، الذي استغل الوضع الاقتصادي اليمني المتردي على الدوام في المجتمع اليمني. وتجد السعودية في انهيار نظام الحكم في اليمن الكثير من الهواجس التي قد تعصف بأمنها الداخلي وبشكل أسرع مما يتوقع الكثيرون. لقد حاولت السعودية التمترس وراء مجلس التعاون الخليجي عندما قدم المجلس المبادرة تلو الأخرى لإنهاء الأزمة اليمنية، لكن حراك الشارع وتسارع وتيرة الأحداث والأخطاء التي ارتكبها النظام اليمني في تعامله مع المتظاهرين في بداية الثورة كان كفيلاً بإفشال أي جهد إقليمي. وكان واضحًا أن المملكة السعودية تنظر بكثير من الامتعاض للدور السلبي الذي لعبه الرئيس اليمني فيما يتعلق بالمبادرات التي قدمها مجلس التعاون، وعندما شعرت بأن الرئيس اليمني غير قادر على اتخاذ قرار حاسم، أعلنت من خلال مجلس التعاون إنهاء المبادرة الخليجية؛ ثم جاء بعدها الهجوم الذي تعرض له الرئيس اليمني. ترى المملكة السعودية في استضافة الرئيس اليمني فرصة ذهبية للضغط عليه لإنهاء الأزمة في اليمن، وتعتقد القيادة السعودية أن إنهاء الأزمة اليمنية بتنحي صالح سيعيد لها الكثير من رصيدها الشعبي داخليًا وإقليميًا، خاصة وأن الروابط الاجتماعية بين الشعبين السعودي واليمني هي روابط قوية وضاربة في جذورها.

موقف متحفظ من الأزمة السورية 

تنظر السعودية إلى الأزمة القائمة في سوريا بنوع من التحفظ المعهود وغير المستغرب على أسلوب تعاطي القيادة السعودية مع الأحداث سواءً باتت هذه السياسة نافعة أو غير مجدية في زمن الربيع العربي. إلا أن المملكة السعودية آثرت إطلاق العنان للإعلام السعودي الخاص ليتولى مسؤولية القيام بحملة إعلامية مساندة للثورة السورية، ولا تزال قنوات مدعومة سعوديًا كقناة "صفا" تلعب دورًا مهمًا على المستوى الإعلامي الذي لا يخاطب الشعب السوري أكثر من مخاطبته للداخل السعودي وإن كان بطريقة غير مباشرة.

خاتمة 

يمثل الدور السعودي الحالي سياسة أزمة تمر بها المملكة. ولا يزال بإمكان الأنظمة الملكية الاستفادة من الواقع العربي الجديد وذلك بتوفير قدر أكبر من الحريات لشعوبها. وتمتلك المملكة العربية السعودية قيادة توصف بأنها ماهرة في الإمساك بأطر الحكم ومكوناته؛ ولذلك فهي قيادة قادرة على إحداث تغيير داخلي حقيقي يمكن أن يزيل المخاوف التي قد تتملكها من قيام أنظمة ديمقراطية مجاورة لها. ومن المحال أن تكون الدولة السعودية مستفيدة من أية قلاقل داخلية في مصر أو سوريا أو الأردن أو اليمن، بل إن الدولة السعودية ودول الخليج العربي قد تكون من أكبر الخاسرين في حال إشتعال فتيل أية فتنة طائفية أو مذهبية أو سياسية في أي من الأقطار العربية التي اختارت طريق التغيير.
___________________
كاتب ومحلل سياسي

ABOUT THE AUTHOR