السعودية بين المكرمات الملكية و الإصلاح السياسي

جيلان سيشكلان معالم التنافس على مستقبل المملكة في الداخل، أحدهما: الجيل الثاني من العائلة الحاكمة الذي يتوق لتولي مسؤوليات الحكم قريبا، والآخر هو النخبة الإصلاحية الشابة المطالبة بقيام ملكية دستورية.
201183104454563734_2.jpg

 
يبدو من المبكر الركون للانطباع السائد خارج السعودية ومؤداه أن المملكة قد نجحت في تخطّي تداعيات الربيع العربي بعد اعتماد سياسة إنفاق داخلية غير مسبوقة، فمن الصعب التسليم بذلك على المديين المتوسط والبعيد على الأقل

إثر عودته من رحلة علاجية طويلة قضاها في كل من الولايات المتحدة والمملكة المغربية، أمر العاهل السعودي الملك عبدالله بن عبد العزيز في خطاب متلفز يوم 18 فبراير/شباط الماضي بسلسلة تقديمات اجتماعية واسعة النطاق بلغت قيمتها 130 مليار دولار، كان من بينها زيادة للأجور في القطاع العام، وصرف راتب شهرين لجميع موظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، وصرف مكافأة شهرين لجميع طلاب وطالبات التعليم الحكومي، واعتماد صرف مخصص مالي شهري للعاطلين عن العمل في القطاعين العام والخاص، وتحديد حد أدنى لأجور السعوديين في القطاع الحكومي، واستحداث 60 ألف وظيفة عسكرية جديدة في وزارة الداخلية، وإنشاء 500 ألف وحدة سكنية في كافة مناطق البلاد، وزيادة الحد الأعلى للقروض السكنية إلى 133 ألف دولار.
وكان من الواضح من كلمة الملك التي ألقاها ذلك اليوم أن المملكة التي تمتلك فوائض مالية تقدر بأكثر من 450 مليار دولار، قررت استخدام هذه القوة المالية في امتصاص الاحتقان الداخلي المتنامي نتيجة تردي الوضع الاقتصادي لشرائح عديد من المجتمع السعودي، إلى جانب احتواء رياح التغيير القادمة من الخارج.

وقد جاء توقيت هذه المنح أو ما يُعرف محليا بـ "المكرمات الملكية"- وإن كان الإعلام الرسمي تجنَّب هذه المرة وصفها بالمكرمات- بعد أسبوع من الدعوة التي وجهها مجهولون عبر الشبكات الاجتماعية على الإنترنت للخروج في تظاهرات احتجاجية في مدن المملكة يوم 11 مارس/آذار، وهي الدعوة التي لم يستجب لها أحد. وكان لافتا في الخطاب الملكي في هذا الصدد إشادته برجال الدين السعوديين لاسيما أعضاء هيئة كبار العلماء وعناصر القوات المسلحة إلى جانب أفراد الشعب لعدم التجاوب مع الدعوات للتظاهر.

والسؤال هنا هل يمكن القول: إن هذه التقديمات المالية الهائلة التي قدمتها الحكومة السعودية لشعبها قد استطاعت أن تمتص بالفعل الاحتقان القائم لدى قطاعات من الشعب؟ من الممكن الجواب على هذا السؤال بنصف (نعم) ونصف (لا)؛ إذ يمكن القول: إن المملكة قد نجحت مؤقتا في امتصاص جزء من حالة الاحتقان القائمة، إلا أنه من الصعب اعتبار هذا النوع من المعالجات حائط صد دائم أمام رياح التغيير التي باتت تضرب دول المنطقة منذ أشهر. ولإعطاء مثل بسيط حول الهوة الكبيرة بين ما هو مطروح من تقديمات مالية وبين ما هو مطلوب، يكفي في هذا المجال ملاحظة الحجم الهائل للطلب على القروض السكنية الذي فُتح المجال أمامه يوم 24 يونيو/حزيران الماضي؛ حيث بلغ إجمالي الطلبات في غضون ثلاثة أسابيع فقط، ثلاثة ملايين ونصف المليون طلب قرض سكني جديد (1). وإذا علمنا أن إجمالي القرض السكني الواحد هو 133 ألف دولار، فستحتاج المملكة وفق عملية حسابية بسيطة إلى إنفاق ما يزيد على كامل فائضها المالي لتلبية القروض السكنية فحسب.

يبدو أن مستوى الرضا المؤقت جرّاء المنح المالية على النحو الذي قامت به حكومة المملكة السعودية حتى الآن لم يتجاوز المستفيدين المباشرين وأغلبهم من موظفي القطاع العام، وبمعنى أدق، هناك شرائح واسعة من السعوديين لم تطلهم هذه "المكرمات الملكية"، فليس كل السعوديين يعملون في القطاع العام. في مقابل ذلك ربما سيكون السعوديون أكثر سعادة لو أن الدولة كبحت جماح أسعار السلع والمواد الغذائية التي باتت تثقل كاهل الناس، إلى جانب ارتفاع أسعار العقارات والخدمات العامة وأبرزها فواتير الاتصالات والكهرباء في بلد يتمتع بطقس حار في معظم أشهر العام. واللافت في هذا السياق، أن المواطنين السعوديين استدانوا من البنوك السعودية قروضًا استهلاكية بقيمة 200مليار ريال سعودي في العام 2010 وحده (2).

يبدو من الواضح إذًا أن حكومة المملكة أرادت من خلال الإنفاق المالي الكبير داخليا أن تصنع لدى مواطنيها صدمة معاكسة للربيع العربي، للحيلولة دون وصول الاحتجاجات للمدن السعودية، خصوصا وأن الاحتجاجات الشعبية المطالبة بالديمقراطية باتت تطرق حدودها الجنوبية مع اليمن كما عصفت بجارتها الشرقية البحرين، إلى جانب الأردن الذي حظي بمنحة سعودية بلغت 400 مليون دولار مطلع يوليو/تموز لغرض "مواجهة كل التحديات" (3)؛ فالاستعاضة عن مطالب الإصلاح السياسي بمضاعفة الإنفاق ليس غرضه امتصاص الاحتقان فحسب بل إحداث صدمة معاكسة ضد رياح التغيير.

الشعب بين السياسة والاقتصاد

من الواضح حتى الآن أن الحكومة السعودية اعتمدت في رد فعلها على الربيع العربي ومطالب الإصلاح السياسي في الداخل على ضخ المزيد من المال. وللوصول إلى تفسير وفهم سلوك النخبة السعودية الحاكمة إزاء الوضع القائم في البلاد، فإنه يبدو أن هناك اعتقادا لدى فريق في السلطة بأن جوهر أزمة البلاد يكمن في تردي الوضع الاقتصادي لدى قطاعات من السعوديين غير المهتمين أصلا بمطالب الإصلاح السياسي، وعليه ينحو هذا الفريق باتجاه المعالجات الاقتصادية على غرار ما تقدم حتى الآن. أما الفريق الآخر فهو يدرك على الأرجح حجم المطالب بالإصلاح السياسي، ويلمس تطلع النخب السعودية لقيام ملكية دستورية يحكمها دستور عصري يتضمن الفصل بين السلطات، وانتخابًا حرًا لأعضاء مجلس الشورى والمجالس المحلية، لكن هذا الفريق داخل السلطة ينزع للتفلت من تلبية جميع مطالب الإصلاح بالاستعاضة عنها بإغداق المنح المالية هنا وهناك. ولعل السؤال الجوهري هنا، هو: هل تتمحور مطالب السعوديين في تحسين الأوضاع المعيشية للطبقات الضعيفة من الشعب؟ وعليه هل تمثل التقديمات المالية والاجتماعية بديلا عن الإصلاح السياسي في المملكة؟

بالعودة إلى العديد من البيانات التي أصدرتها النخب السعودية في الآونة الأخيرة وضمت المئات من الناشطين الإصلاحيين البارزين والأكاديميين ورجال الأعمال والدعاة والكتّاب والمثقفين، يتضح لنا أن تحسين الأوضاع المعيشية لم يكن سوى مطلب فرعي قياسا على المطالب السياسية الكبرى التي لو قُدّر لها التحقق فسيتغير تماما وجه النظام السياسي في المملكة.

وباستعراض سريع لأهم ما تضمنته تلك البيانات نجد أنها أجمعت على مضمون الدعوة إلى قيام ملكية دستورية تتضمن الفصل بين السلطات، وإقرار مبدأ الانتخاب الحر في كل المجالس التمثيلية بدءا من المجالس البلدية ومجالس المناطق ووصولا إلى مجلس الشورى، وإصلاح القضاء، وتفعيل مبدأ الرقابة على المال العام، وتقييد أجهزة الأمن بالقانون، والإفراج عن سجناء الرأي والمعتقلين غير المحكوم عليهم، وإطلاق حرية التعبير والنشر، والسماح بقيام منظمات المجتمع المدني. من هنا بدا اعتماد الحكومة السعودية على المعالجات الاقتصادية لصد تأثيرات الربيع العربي على الداخل السعودي خارج السياق، كما رآه المنتقدون، وبعيدا إلى حد كبير عن تلبية طموح النخب السعودية.

مآلات الإصلاح

تبدو المملكة العربية السعودية اليوم متأهبة أكثر من أي وقت مضي لاحتواء الربيع العربي في الخارج، واحتواء مطالب التغيير والإصلاح في الداخل في آن. وفي حين تعمل السياسة السعودية تجاه الثورات العربية على عدة خطوط متوازية تأخذ بالحسبان طبيعة وظروف كل بلد، تبدو على الصعيد الداخلي متماسكة ومجمعة على رأي واحد مقتضاه عدم الاستجابة لأي مطالب بالإصلاح السياسي في الوقت الراهن. ولعل الرؤية القائمة اليوم لدى دوائر صنع القرار هي أن مقتضيات احتواء الخطر الخارجي المتمثل في سقوط الأنظمة الحليفة يتطلب فرض المزيد من التشدد إزاء مطالب الإصلاح في الداخل؛ حتى لا تظهر هذه الاستجابة، وفقا لهذه الرؤية، على أنها علامة ضعف قد تدفع لتقديم المزيد من التنازلات في الداخل والخارج. ومن الضروري الإشارة هنا إلى أن مطالب النخب الإصلاحية السعودية تعد عالية بالمعيار المحلي والخليجي، وهي غير مسبوقة في التاريخ السياسي السعودي؛ فالمطالبة بقيام ملكية دستورية، ورفع وتيرة المشاركة الشعبية، وسيادة القانون، والحد من ظواهر الفساد، وبناء نظام سياسي تمثيلي يحترم الخصوصيات المذهبية والمناطقية في المملكة، يساوي كل ذلك الرغبة في "إسقاط النظام" في الدول الأخرى، فتحقق هذه المطالب يعني إحلال آليات حكم جديدة تستبدل بالنظام القديم آخر جديدا تماما.

وإزاء هذا الأمر تبدو النخب الإصلاحية السعودية اليوم أمام تحد أكبر يتمثل في مجابهتها لسلطة قوية سياسيا ومقتدرة ماليا تسعى لأن ترسخ نفسها كقوة إقليمية كبرى؛ فقد جعل سقوط نظام حسني مبارك المملكة السعودية أمام مواجهة تنافسية مباشرة مع قوتين إقليميتين قويتين في الجوار العربي، هما: إيران وتركيا، وفي حين اتخذ التنافس مع إيران شكل الصراع المكشوف في عدة ساحات، ظل الأمر بالنسبة لتركيا أقرب للمواجهة الناعمة. ضمن هذا السياق الإقليمي يمكن فهم الدعوة السعودية لانضمام مملكتي الأردن والمغرب لمنظومة مجلس التعاون الخليجي. والقوى الإصلاحية السعودية تدرك جيدا أنها تقف اليوم أمام حكومة مستغرقة في ترتيب الأوضاع الإقليمية درءا لأي تداعيات داخلية محتملة.

ومع هذا، ووسط الغليان الشعبي العربي الذي رفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ظلت القوى الإصلاحية السعودية متمسكة بشعار المطالبة بـــ "إصلاح النظام". ولعل الاستثناء الوحيد هنا هو الدعوة التي وجهها مجهولون لخروج تظاهرات احتجاجية في المدن السعودية يوم 11 مارس/آذار ترفع شعار إسقاط النظام، والتي مُنِيت بفشل ذريع. عدا ذلك، تكشف جميع أدبيات القوى الإصلاحية السعودية بجميع أطيافها الليبرالية والدينية -في الداخل على الأقل- أن هذه القوى تعلن رغبتها في العمل تحت سقف النظام، وأن جميع مطالبها تتلخص في إصلاح هذا النظام دون السعي لإسقاطه، من هنا ترى القوى الإصلاحية أن النظام الملكي، ومن خلال تشبثه بتقاليده السياسية، ورفضه الاستجابة لمطالب الإصلاح السياسي، يبدو متأخرا كثيرا في إدراك حجم التحولات الهائلة التي تشهدها الساحة الداخلية.

وماذا بعد؟ في أعقاب سلسلة من البيانات المطالبة بالإصلاح السياسي في المملكة، والتي لم يعرها النظام أي اهتمام، وجدت القوى الإصلاحية السعودية نفسها أمام طريق مسدود؛ فبعد خروج العديد من الإعلانات التي شاركت في التوقيع عليها نخب بارزة في المجتمع السعودي، قبيل الخطاب الملكي يوم 18 مارس/آذار الماضي، بدا سقف التوقعات عاليا، فقد ظلت الأنظار متسمرة أمام الشاشات بانتظار إعلان الملك عن إصلاحات جذرية في النظام السياسي، ذلك الحين كان أكثر تلك التوقعات تواضعا ينتظر إقرار انتخاب نصف أعضاء مجلس الشورى، وانتخاب كامل لأعضاء المجالس البلدية التي يقرر القانون انتخاب نصف أعضائها فيما تعين السلطة النصف الآخر، غير أن الخطاب الملكي ذلك اليوم بدد جميع تلك التوقعات وجعلها تذهب أدراج الرياح، واقتصرت التوجيهات الملكية على التقديمات الاجتماعية والإعانات والمنح المالية هنا وهناك. انطلاقا من هذا الواقع، وفي ظل انشغال دوائر صنع القرار في المملكة باحتواء تداعيات الربيع العربي، يبدو من الصعب تصور إمكانية إقدام الحكومة السعودية على إجراء إصلاح سياسي جذري في الداخل؛ ولذلك فإن الساحة السعودية الداخلية ستبقى رهينة لحالة الترقب نظرا لغياب المشروعات الوطنية الجامعة، ونتيجة التردد والحذر الرسمي إزاء غموض الأوضاع التي ستسفر عنها الثورات والاحتجاجات في عدة دول عربية.

عوامل الصدام وضرورات التسوية

إن إحجام الحكومة السعودية عن إجراء إصلاحات سياسية جذرية عاجلة، واستمرار غموض الأوضاع على المستوى الإقليمي، من الممكن أن يدفع بالأمور في السعودية نحو اتجاه مجهول؛ فالمملكة تعيش اليوم ظرفا يكاد يكون استثنائيا بجميع المقاييس؛ فهناك مرحلة انتقالية غير واضحة المعالم حتى الآن داخل دوائر الحكم، يُتوقع أن تأخذ طريقها في أي وقت بالنظر لعوامل السن، فمعظم صناع القرار السعوديين اليوم قد تجاوزوا الثمانين من العمر، وهذا ما يدعو لتخفيض مستوى التوقعات من ورائهم. وتتلخص المرحلة الانتقالية الأكثر حرجا وغموضا في انتقال السلطة من الجيل القديم في العائلة الحاكمة إلى الجيل الثاني الأصغر سنا. في مقابل ذلك، يتلمس المراقب منذ زمن ملامح ظهور نخبة إصلاحية متأهبة لا يقل سقف مطالبها عن إقرار الملكية الدستورية في البلاد. ولملامسة مدى ارتفاع مستوى الخطاب السياسي لدى النخبة السعودية بمختلف توجهاتها، والتي تتضمن مفكرين وأكاديميين وحقوقيين، يكفي الاطلاع على مستوى النقاشات المحتدمة في العالم الافتراضي عبر المواقع الإلكترونية ووسائط الإعلام الجديد، مثل تويتر وفيس بوك؛ فالفضاء الإلكتروني السعودي أضحى منافسا إن لم يكن بديلا عمليا في بعض الأحيان عن الإعلام الرسمي الذي يفتقد لحرية التعبير على نحو حاد؛ حيث من الممكن أن تجد وبسهولة في الفضاء الإلكتروني كيف أن النخب الإصلاحية السعودية باتت لا تخفي رغبتها في قيام إصلاحات جذرية في النظام، أقلها إقرار ملكية دستورية تعمل خارج الفضاء القبلي المغلق سياسيا.

وهنا لابد من الإشارة إلى نقطة ضعف بارزة تنتاب النخب الإصلاحية السعودية، وهي غياب كتلة وطنية قوية متراصة تطالب -وبالإجماع- بالإصلاح، وتشكل ضغطا حقيقيا على الدولة. إن القوى المطالبة بالإصلاح في المملكة متناثرة على طول الخريطة السعودية وعرضها، وهي على كثرتها لم تتمكن حتى الآن من تشكيل كتلة وطنية واحدة وقوية يحسب لها النظام حسابا؛ ولذلك بقيت هذه النخب سهلة المنال وفي متناول يد الأجهزة الأمنية دونما رد فعل يذكر. إن غياب التكتلات الكبيرة للنخب الإصلاحية السعودية أفسح المجال أمام حكومة المملكة للمقايضة بين مشروع الإصلاح السياسي والإصلاحات الاقتصادية وقد نجحت بالفعل في ذلك مرحليا على الأقل. في نهاية الأمر نجد أنفسنا أمام جيلين سيشكلان معالم التنافس على مستقبل المملكة في الداخل، أحدهما: الجيل الثاني من العائلة الحاكمة الذي يتوق لتولي مسؤوليات الحكم قريبا، والآخر هو النخبة الإصلاحية المطالبة بقيام ملكية دستورية.

ويمكن لقراءة سريعة لعوامل الصدام وضرورات التسوية بين العائلة الحاكمة والنخب الإصلاحية أن تدفع باتجاه ترجيح الخيار الثاني الذي قد يحفظ حق جميع الأطراف، ويساهم بتوزيع سلمي وهادئ للسلطة؛ إذ لم يعد احتكار السلطة على نحو مطلق أمرا مستساغا لدى قطاعات واسعة في المجتمع، وهي سلطة يعضدها جهاز قضائي تابع للمؤسسة السياسية، وأجهزة أمنية مطلقة اليد، وسلطة دينية توفر غطاء عقديا سميكا، ناهيك عن حال التعتيم الإعلامي، وكبت حرية التعبير، ومنع قيام منظمات المجتمع المدني، وتنامي حالات التمييز القبلي والمناطقي والمذهبي، والأسوأ مما سبق التمييز الفاضح ضد المرأة.

إن جمود الوضع السياسي في المملكة اليوم بات يشكِّل عبئا ثقيلا على الحكومة والشعب بحيث دفع أطرافا من داخل العائلة الحاكمة نفسها للتعبير عن امتعاضها إزاءه. ولذلك تبدو عوامل الصدام السياسي بين النخب الإصلاحية والحكومة غير مستبعدة، وقد عزز منها تعثر مشروعات الملك عبد الله في تحديث الأنظمة وجعل البلاد أكثر انفتاحا على العصر؛ فقد فتحت مشروعات الملك، ومنها مؤتمرات الحوار الوطني، والحوار بين الأديان، وتخفيف القيود على مشاركة المرأة، وارتفاع سقف حرية التعبير في وسائل الإعلام، فتحت آمالا كبيرة أمام فرص التغيير الهادئ في المملكة حتى وقت قريب. غير أن جميع ذلك تحطم -كما يقول مراقبون- على صخرة الخلاف والتجاذبات وتأرجح ميزان القوى داخل دوائر صنع القرار.

خاتمة

يعتقد الإصلاحيون السعوديون أن إقرار الملكية الدستورية في المملكة سيكون أقل كلفة من ترك البلاد تسير باتجاه المجهول، خصوصا في ظل المتغيرات التي تعصف بالمنطقة. فقد أثبتت التحولات الأخيرة في تونس ومصر على الأقل أنه لا يمكن للنظم السياسية الاستمرار بالركون لتحالفاتها القديمة، وأنه ليس أمام هذه النظم إلا المراهنة على بناء شراكة حقيقية مع شعوبها. هذا وحده سيكون كفيلا بتجنيب البلاد ويلات الصدام والسير نحو المجهول خصوصا في ظل مرحلة انتقالية مرتقبة وغير واضحة المعالم حتى الآن على المستوى المحلي والإقليمي.
____________________

كاتب ومحلل سياسي سعودي

مصادر

1- جريدة الشرق الأوسط 13 يوليو/تموز 2011.

2- صحيفة الوطن 11 يونيو/حزيران 2011.

3- تصريح لمصدر رسمي سعودي نقلته وكالة الأنباء السعودية في 3 يوليو/تموز 2011.

ABOUT THE AUTHOR