المثلث الأمريكي السعودي الإيراني: حدود المواجهة

اتهام واشنطن والرياض لطهران بالتخطيط لاغتيال السفير السعودي بالولايات المتحدة يندرج في سياق الصراع على التحكم في المنطقة العربية لكن دون أن يؤدي في الوقت الراهن إلى مواجهة مسلحة.
201111512135333734_2.jpg

يسعى هذا التقرير إلى استقراء أهداف الاتهام الأميركي-السعودي لإيران بالتآمر لاغتيال السفير السعودي بواشنطن وتأثيره المحتمل على المنحى الذي قد تتخذه العلاقات بين الأطراف الثلاثة في المرحلة القادمة. وذلك من خلال وضع الاتهام في سياق أشمل يتضمن الإستراتيجية الأميركية في المنطقة العربية في عهد الرئيس الأمريكي أوباما والسياسة الإقليمية السعودية ونظيرتها الإيرانية، إضافة إلى اللحظة التاريخية التي يمر بها العالم العربي في ظل اندلاع انتفاضات شعبية غير مسبوقة أسفرت حتى الآن عن الإطاحة بثلاثة من أقدم الحكام العرب. والقراءة المقترحة هنا للاتهام الأميركي-السعودي لإيران تستبعد بدرجة كبيرة أن يكون ذريعة لهجوم عسكري قريب على إيران، بل ترى فيه حتى الآن مجرد رسالة تحذير وإجراء عقابي.

وينقسم التقرير إلى قسمين: يستعرض القسم الأول الخطوط العريضة لاستراتيجيات الدول الثلاث في منطقة المشرق العربي، أما القسم الثاني فيتناول دلالة التوقيت الذي صدر فيه الاتهام وأهدافه المحتملة.

إستراتيجيات الدول الثلاث

أولا: الولايات المتحدة
دخل باراك أوباما البيت الأبيض في ظل تراجع غير مسبوق في مكانة الولايات المتحدة السياسية والاقتصادية في العالم نتيجة لسياسات سلفه التي ورطت الولايات المتحدة في حربين خاسرتين. كما أدت ممارسات بوش الأحادية والاستعلائية إلى إحداث شرخ في التحالف الأطلسي وخلق توتر بينه وبين عدد من حلفاء الولايات المتحدة العرب الرئيسيين أمثال الرئيس المصري السابق على خلفية خطط بوش لنشر "الديمقراطية" في العالم العربي. وفي ظل مثل هذا الوضع كان من الطبيعي أن تعطي الإدارة الأميركية الجديدة الأولوية لإعادة بناء تحالفات أميركا الدولية(*)، خاصة بعد أن أصبح واضحا أنه ليس بمقدور الاقتصاد الأميركي تحمل تكلفة الحربين الفاشلتين لمدة أطول، وأن الولايات المتحدة بحاجة ماسة لمساعدة حلفائها للخروج من المستنقعين الأفغاني والعراقي بطريقة تحفظ ما تبقَى من ماء وجهها، وتملأ ما تراه فراغا إستراتيجيا سيخلفه انسحابها من البلدين.

وإذا كانت إدارة أوباما قد اعتمدت بشكل كبير على القوة العسكرية في معالجتها للملفين الباكستاني والأفغاني وهو ما تعكسه الأعداد المتزايدة من القتلى والجرحى المدنيين خاصة في باكستان، فإنها لجأت في المشرق العربي إلى القوة الناعمة ممثلة في زيارات وخطب أوباما، مستغلة في ذلك التعاطف الذي حظي به في الشارع العربي في بداية عهده. كما ارتكزت سياستها على تفعيل التعاون مع كل من تركيا والمملكة العربية السعودية ونظام مبارك في مصر، من أجل تطويق محور إيران- سوريا- حزب الله وحرمانه من المكاسب التي حققها منذ 2006 تمهيدا لتفكيك هذا المحور. وتحتل تركيا مكانة محورية في هذه الإستراتيجية الأميركية. ولعل ذلك ما دفع أوباما إلى زيارتها قبل السعودية ومصر، وذلك للأسباب التالية:

  • أولا، إن التعاون الأميركي-التركي في إطار حلف الأطلسي يمكن استخدامه من قبل الولايات المتحدة كدليل على صدق ادعاء أوباما أن بلاده لا تشن حربا ضد الإسلام، وإنما ضد الإرهاب المخالف لتعاليم الإسلام وهي المقولة المركزية في خطاب إدارة أوباما الموجه للعالم الإسلامي.
  • ثانيا، والأهم أن تركيا بعد أن تم تسويقها إعلامياً للرأي العام العربي كنموذج "إسلامي"، أصبحت مهيأة لأن تسحب من شعبية إيران في الشارع العربي دون أن تحل مكانها كمصدر تهديد للمصالح الأميركية والإسرائيلية، وهو الدور الذي كان من المفترض أن يقوم به عراق ما بعد صدام ولكنه تحوّل عوضا عن ذلك إلى نموذج للتطهير المذهبي. وتمتلك تركيا من وجهة النظر الأميركية ميزتين إضافتين لم تكونا لتتوافرا في العراق الجديد حتى لو كانت نجحت إعادة صياغته وفقا للرؤية الأميركية. الميزة الأولى تتعلق بكون غالبية مسلمي تركيا من السنة وهو ما يجعل النموذج التركي أكثر جاذبية للجماعات الإسلامية السنية حتى غير السلفية في العالم العربي من نموذج يقوده سياسيون شيعة، والميزة الثانية أن النموذج "الإسلامي" التركي لا يرهن الاستمرار في العلاقات مع إسرائيل بإقامة دولة فلسطينية. وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى أن الأزمة الراهنة في العلاقات التركية-الإسرائيلية وإن جاءت في سياق الاعتداء الإسرائيلي على أسطول تضامني متجه إلى غزة، إلا أنها تتعلق برفض إسرائيل الاعتذار عن قتل عدد من المواطنين الأتراك لا بجرائمها في حق الفلسطينيين، وهو ما لا يمكن أن يتغاضى عنه أي مسؤول تركي أيا كانت مرجعيته السياسية دون أن يخاطر بإغضاب الناخب التركي، وهو ما تتفهمه الولايات المتحدة. كذلك فإن الدعم التركي الرسمي للقضية الفلسطينية حتى الآن لم يتجاوز حدود الدعم المعنوي والإنساني - وهو ما لا تعارضه الولايات المتحدة - ولا يمكن مقارنته بالدعم المالي والعسكري واللوجستي الذي تقدمه إيران للمقاومة الفلسطينية واللبنانية، مما جعل واشنطن ترى في إيران إحدى أكثر الدول الداعمة للإرهاب.
  • ثالثا، إن موقع تركيا الجغرافي المجاور لكل من العراق وسوريا يمكّنها في حالة العراق من المساهمة في ضبط النفوذ الإيراني بعد انسحاب القوات الأميركية والتنافس معه. أما في حالة سوريا فإن التعاون الاقتصادي بين البلدين كان من الممكن نظريا أن يؤدي بعد فترة من الزمن إلى التأثير على الموقف السياسي السوري وإبعاد سوريا ولو تدريجيا عن إيران. ومن الملاحظ أنه منذ أن اندلعت الاحتجاجات المطالبة بإسقاط النظام السوري وفّرت تركيا عمقا حيويا للمعارضة السورية، مما وضع النظام السوري تحت ضغط كبير.

ولا تقلل المكانة المحورية لتركيا في الإستراتيجية الأميركية من أهمية الدورين السعودي والمصري فيها. فالولايات المتحدة تعتمد على الدولتين في المناطق التي لا تملك فيها تركيا نفوذا كبيرا مثل لبنان، والذي بنت فيه السعودية على مدى ما يقرب من عقدين شبكة كبيرة من التحالفات في أوساط السنة واليمين الماروني، كما تحظى السعودية على العكس من تركيا بنفوذ كبير على الجماعات السلفية بفضل الدعم المالي الذي تقدمه لها. أما فيما يتعلق بمصر فقد اشتركت في عهد الرئيس السابق مع إسرائيل في حصار غزة بحجة منع انتشار النفوذ الإيراني فيها، كما دأب إعلامها الرسمي في السنوات الأخيرة على شن حملات قاسية على النظام السوري وعلى حزب الله.

وتجدر الإشارة إلى أن اعتماد الولايات المتحدة مبدأ القيادة من الخلف وتعاون حلفائها الثلاثة معها في تنفيذ إستراتيجيتها لا يعني أنهم دمى تحركها أميركا من وراء الستار، فهذا التعاون قائم على ما تراه النخب السياسية والاقتصادية في هذه الدول مصالح مشتركة بينها وبين الولايات المتحدة.

ثانيا: الإستراتيجية السعودية
يعد القضاء على الأنظمة والحركات ذات التوجهات السياسية والاجتماعية الراديكالية في العالم العربي وجواره الهدف الرئيسي للإستراتيجية الإقليمية للمملكة العربية السعودية منذ منتصف القرن الماضي. وقد التقت مصالح النظام السعودي مع أهداف الولايات المتحدة في ضرب المشروع الناصري في خمسينيات وستينيات القرن الماضي ثم اجتمعت مصلحتهما على محاربة الثورة الإسلامية في إيران بعد إطاحتها بحكم الشاه. وعلى الرغم من حرص المملكة على إضفاء طابع ديني ومذهبي على سياساتها الداخلية والإقليمية إلا أن البراغماتية تعد السمة الأبرز فيما يتعلق بتطبيق هذه السياسة الإقليمية حتى أنه يمكن اعتبارها نموذجا لما يعرف بالسياسة الواقعية التي لا تأبه إلا بالمصالح ولا تعترف بعداوات أو صداقات دائمة. فعلى سبيل المثال، لم يحل الاختلاف المذهبي دون مساندة السعودية لإمام اليمن الشيعي وأنصاره في الستينيات في مواجهة الجمهوريين المدعومين من عبد الناصر. أما في بدايات الألفية الجديدة فقد اعتبرت المملكة شيعة اليمن جزءا من مؤامرة إيرانية ودعمت النظام اليمني القائم وهو نفس النظام الذي ساندت خصومه الاشتراكيين في تسعينيات القرن الماضي عند محاولتهم فصل جنوب اليمن مرة أخرى عن شماله. والأمر نفسه فيما يتعلق بنظام صدام حسين، الذي كانت السعودية من أكبر الداعمين له أثناء حربه مع إيران على الرغم من عداء السعودية لأيديولوجيا البعث.

وترجع جذور التراجع الراهن الذي تعاني منه السعودية إلى تخليها عن هذه النزعة البراغماتية في تعاملها مع نظام صدام حسين في أعقاب الحرب الأميركية-العراقية الأولى في مطلع تسعينيات القرن الماضي، فبدلا من أن تسعى المملكة إلى إعادة تأهيل النظام العراقي ودمجه في النظام العربي خاصة بعد أن ثبت فشل خيار الإطاحة بصدام حسين عبر انقلاب عسكري، استمرت في تأييد العقوبات المفروضة على العراق وفي العمل على عزله، وهو ما سمح لإيران باستعادة مكانتها كأكبر قوة إقليمية في الخليج، وخَلقَ وضعا في العراق كان من المستحيل استمراره إلى ما لا نهاية. وأثبتت الأحداث التالية أن بعض صانعي السياسة الخارجية السعودية أمثال بندر بن سلطان كانوا يشاركون المحافظين الجدد طموحهم غير الواقعي في خلق شرق أوسط جديد عبر الإطاحة بعدد من الأنظمة السياسية بالمنطقة وفي مقدمتها نظام صدام. وأدى فشل مشروع المحافظين الجدد وصعود النفوذ الإيراني على أنقاضه إلى مواجهة السعودية لمأزق إستراتيجي حاد حاولت التوافق معه من خلال إتباع سياسة تجمع ما بين الانفتاح على إيران من أجل تفادي زيادة التوتر في منطقة الخليج العربي وتجنب صدام مباشر، والتنافس معها من أجل حصار نفوذها في العراق ولبنان، واللجوء إلى الحسم العسكري في المناطق التي تعتبرها السعودية حديقتها الخلفية مثل اليمن والبحرين لمنع إيران من مد نفوذها إلى هناك.

وبنظرة سريعة يمكن القول إن الجزء الأول فقط من هذه الإستراتيجية حقق نجاحا ملموسا خلال السنوات الماضية نتيجة للتعاون الإيراني في هذا الشأن، حيث ترغب إيران أيضا في تجنب صدام مباشر في الخليج. أما فيما يتعلق بالعراق فقد فشلت السعودية في إزاحة حلفاء إيران من الحكم على الرغم من الدعم الذي قدمته لمنافسيهم في الانتخابات العراقية الأخيرة. وفيما يتعلق باليمن والبحرين فعلى الرغم من أن التدخل العسكري السعودي ساعد على هزيمة الحوثيين في شمال اليمن وقمع الانتفاضة الشعبية في البحرين، إلا أن هذا يعد نجاحا مؤقتا في ظل غياب أية مبادرات سياسية جدية لعلاج أسباب التمرد والانتفاضة.

ثالثا: إستراتيجية إيران
منذ أن انفرد آية الله الخميني وتلاميذه بحكم إيران بعد التخلص من بني صدر والقوى السياسية الأخرى التي شاركت في الإطاحة بالشاه، أصبحت إيران مثالا بارزا لما يطلق عليه باحثو العلاقات الدولية "الدولة الثورية"، وتُعرّف في العلاقات الدولية بالدولة التي تشعر بأنها لا تحوز على المكانة التي تليق بها في ظل النظام الدولي أو الإقليمي القائم، وبالتالي تسعى لإعادة ترتيب أوضاع هذا النظام إن لم يكن استبدال نظام جديد به يوفر لها المكانة والدور اللذين ترى أنها جديرة بهما.

واصطدم الطموح الإيراني مبكرا بتحالف إقليمي ودولي داعم لصدام حسين في حربه ضد إيران، وهو ما اضطرت معه إيران في نهاية الأمر إلى الموافقة على وقف إطلاق النار. وإذا كان الخميني قد شبّه الموافقة على وقف النار بتجرع السم، إلا أن إيران تمكنت في غضون سنوات قليلة من تعويض هذا الأمر. وتبنت إيران إستراتيجية إقليمية ترتكز على أربعة محاور:

  1. أولا، بناء وتدعيم قوتها العسكرية التقليدية وغير التقليدية خاصة قدراتها الصاروخية والبحرية، من أجل تطوير قدرات الردع الخاصة بها.
  2. ثانيا، كسر محاولات عزلها سياسيا، وذلك من خلال توثيق تحالفها مع سوريا واستخدام هذا التحالف بحيث تؤثر على العلاقات العربية-العربية.
  3. ثالثا، استغلال التهميش والتمييز ضد الشيعة في عدد من الدول العربية، لتنصيب نفسها حامية للشيعة العرب، وهو ما مكنها من التأثير في الأوضاع الداخلية لعدد من هذه الدول.
  4. رابعا، تبني خطاب داعم للحقوق الفلسطينية وتقديم كافة أشكال الدعم للمقاومة ضد إسرائيل في لبنان وفي فلسطين المحتلة، وقد ساعدها هذا على تحقيق شعبية كبيرة في الشارع العربي.

ولكن العامل الرئيسي في النجاحات الإستراتيجية التي حققتها إيران في المرحلة الماضية يرجع إلى قدرتها على الاستفادة من أخطاء خصومها ومن أبرزها:

  • غزو صدام حسين للكويت وفشل الأنظمة العربية في إيجاد حل عربي لهذه الأزمة.
  • سيطرة عقلية الثأر على عدد من الأنظمة العربية عقب إخراج صدام حسين من الكويت، مما حال دون إعادة دمج العراق في النظام العربي واستعادة قوته.
  • عدم تقديم الأنظمة العربية الدعم السياسي الكافي لسوريا لاستعادة الجولان المحتل أو الاستثمارات اللازمة لتطوير الاقتصاد السوري، بل وفي أحيان كثيرة ممارسة الضغوط عليها لتبني مواقف تتماشى مع الأهداف الأميركية، مما جعل سوريا ترى في إيران الحليف الوحيد الذي يمكن الاعتماد عليه.
  • تبني العديد من الأنظمة العربية مواقف عدائية من المقاومة في لبنان وفلسطين المحتلة، مما ساعد على إظهار إيران في صورة الداعم الرئيسي لقوى المقاومة.
  • تبني العديد من الدول العربية لخطاب مذهبي حاد وسياسات تمييزية ضد مواطنيها الشيعة، مما ساعد على دفعهم باتجاه إيران من بعد أن كانوا من مناصري وكوادر وقيادات الأحزاب القومية واليسارية في الماضي القريب.
  • الغزو الأميركي المدعوم من طرف عدد من الأنظمة العربية للعراق، وهو ما أدى إلى تحويل العراق من حائط صد في وجه الطموح الإيراني إلى خط دفاع أمامي لإيران وعامل إضافي في رصيد قوتها.

ومن الملاحظ أن إيران، ومنذ الفشل الأميركي في العراق، تتصرف باعتبارها القوة الأهم في الخليج والمشرق العربيين، وهو ما عكسته سياساتها النووية وتحركات قطعها البحرية منذ ذلك الحين. وقد عكس اضطرار إدارة بوش إلى ابتلاع كل تصريحاتها السلبية عن إيران وفتح حوار معها حول العراق، واقع توازن القوى القائم في المنطقة، وعزز من ثقة إيران بقدراتها.

الهدف من الاتهام الأميركي-السعودي لإيران

بناء على الاستعراض السابق للخطوط العريضة لاستراتيجيات الدول الثلاث، يمكن بدرجة كبيرة استبعاد أن يكون الهدف من الاتهام الأميركي-السعودي التمهيد لهجوم أميركي على إيران بدعم سعودي. كذلك فمن غير المتوقع أن تتخذ إيران أي إجراء تصعيدي ردا على هذا الاتهام حيث يتعارض الأمران مع المنطق الحاكم لتلك الاستراتيجيات، والذي يقوم على الصراع ولكن مع تجنب أية مواجهة عسكرية مباشرة بين الدول الثلاث. وهناك في الوقت الراهن عدد من التطورات الإقليمية والعوامل الداخلية الخاصة بكل دولة تجعلها تتمسك بهذا التوجه أكثر من ذي قبل. ويأتي في مقدمة هذه التطورات الإقليمية الانتفاضات الشعبية في عدد من الدول العربية والتي خلقت حالة من السيولة السياسية في المنطقة يصعب معها على مخططي الدول الثلاث أن يتوقعوا بشيء من الدقة المكاسب أو الخسائر التي يمكن أن تترتب على أي عمل عسكري، وتجعلهم يعطون الأولوية لاستخدام أدوات أخرى لتوجيه هذه الانتفاضات في المسارات التي تخدم أهدافهم. كذلك فإن قرب موعد انسحاب القوات الأميركية من العراق يقلل من قدرة الولايات المتحدة على شن هجوم على إيران كما يجعل الأخيرة غير معنية بالقيام بأي إجراء يمكن أن يستخدم لتأخير هذا الانسحاب. أما فيما يتعلق بالعوامل الداخلية الخاصة بالولايات المتحدة والتي تجعل من الصعب على إدارة أوباما الإقدام على مثل هذه المغامرة في هذا التوقيت فيأتي على رأسها قرب الاستحقاق الرئاسي، فمن الصعب تصور فوز أوباما بفترة ثانية إذا ما جرى الاقتراع أثناء أو بعيد حرب تكلف المجتمع الأميركي الآلاف من الجرحى والقتلى، وهو منْ وصل إلى البيت الأبيض بسبب معارضته للحرب في العراق ووعوده بسحب القوات الأميركية من هناك، خاصة مع فشله في إنعاش الاقتصاد الأميركي، وهو ما انعكس في الهبوط الحاد في شعبيته.

وإذا كانت هذه العوامل الثلاثة تجعل من المستبعد أن تقدم الولايات المتحدة قريبا على مهاجمة إيران، إلا أن هذه العوامل ذاتها تساعد في إلقاء الضوء على أهداف الولايات المتحدة والسعودية من إعلان هذا الاتهام الآن بعد مرور عدة أشهر على الكشف عما وصفتاه بمؤامرة إيرانية لاغتيال السفير السعودي بواشنطن، فالاتهام يمكن اعتباره تحذيرا لإيران وعقابا لها لرفض حلفائها بقاء أية قوات عسكرية أميركية بالعراق بعد نهاية العام الحالي. ويمكن تفسيره أيضا على أنه رسالة تحذير وعقاب تهدف إلى الضغط على إيران للتوقف عما تعتبره السعودية تحريضا لشيعة المملكة ضد الأسرة الحاكمة.

ويتماشى الاتهام مع الهدف الأميركي-السعودي الرئيسي في إضعاف محور الممانعة من خلال وضع مكوناته تحت ضغط سياسي متواصل.  وفي هذا السياق أيضا يمكن اعتبار الاتهام عقابا لإيران على الدعم الاقتصادي الذي قدمته للنظام السوري مما يساعده على الاستمرار في الحكم.

وفيما يتعلق بانتخابات الرئاسة الأميركية، فإن بإمكان أوباما استخدام هذا الاتهام وما ترتب عليه من عقوبات أوروبية جديدة على إيران ليبرهن على نجاح إدارته في منع الأعمال الإرهابية على الأراضي الأميركية وفرض عزلة سياسية على إيران، وهما أمران أخفق سلفه في تحقيقهما. وقد يحتاج أوباما إلى مثل هذه الورقة الانتخابية بسبب فشله في تحقيق العديد من وعوده الانتخابية مثل إنعاش الاقتصاد وإغلاق معتقل غوانتانمو.

وإذا كان من المستبعد بدرجة كبيرة وقوع هجوم أميركي قريب على إيران، إلا أن ذلك لا يمنع استخدام الإدارة الأميركية القادمة هذا الاتهام لتبرير ضربة عسكرية ضد إيران، وهي لن تكون حال حدوثها في صالح أي من السعودية وإيران. وإجمالا يمكن القول إن إستراتيجية الإدارة الأميركية القادمة تجاه دول المنطقة وقضاياها ستتوقف بدرجة كبيرة على ما ستسفر عنه المواجهة الحالية في سوريا، وعلى البيئة الإستراتيجية الجديدة التي ستنتجها الانتفاضات الشعبية العربية والتي ستكون ملامحها قد بدأت تتضح عند أداء الرئيس الأميركي القادم اليمين الدستورية. إلى ذلك الحين لن يطرأ غالبا أيُّ تغير كبير في القواعد التي تحكم العلاقات بين الدول الثلاث، ما لم تقم إسرائيل بهجوم مفاجئ على المنشآت النووية الإيرانية يؤدي إلى خلط جميع الأوراق.
__________________
باسم أحمد حسن-باحث في العلاقات الدولية

هامش
(*) انظر إستراتيجية الأمن القومي الأميركي خاصة الجزء المتعلق بالتحالفات، إضغط هنا

ABOUT THE AUTHOR