عودة المالكي إلى رئاسة حكومة العراق

ورقة تتناول الأسباب التي أدت إلى عودة المالكي رئيساً للحكومة، وتحاول أن تقرأ دلالات هذا التطور، سواء على صعيد تشكيل الحكومة الموعودة، مواقف القوى الفاعلة في الشأن العراقي، أو مستقبل العراق ككل.
2 December 2010







مركز الجزيرة للدراسات


كان من المفترض أن تكون جلسة مجلس النواب العراقي الجديد الأولى يوم الخميس 9 نوفمبر/ تشرين ثاني جلسة سلسة، ينتخب فيها رئيسا البرلمان والجمهورية، وتقر خلالها التوافقات بين الكتل السياسية المتدافعة، ويكلف في نهايتها نوري المالكي، رئيس الحكومة السابقة ورئيس قائمة دولة القانون وحزب الدعوة، رئيساً للحكومة المقبلة. بذلك تنتهي أزمة الشهور الثمانية التي أوقفت العملية السياسية في العراق، وأصابت دولته الجديدة بالشلل. ولكن ما إن أعلن عن انتخاب السيد أسامة النجيفي، أحد زعماء كتلة العراقية، رئيساً للبرلمان، حتى شهدت الجلسة اندلاع أزمة جديدة، أدت إلى انسحاب أغلب نواب كتلة العراقية من القاعة، بعد أن رفضت الأغلبية الشيعية في المجلس إقرار اتفاق مسبق على إلغاء اجتثاث ثلاث من قيادات كتلة العراقية ومنعهم من العمل السياسي. لم تمنع الأزمة في النهاية انتخاب جلال الطالباني رئيساً للجمهورية، ولا إعلان الأخير عن عزمه تكليف المالكي رئيساً للحكومة؛ ولكنها أشارت بوضوح إلى هشاشة الصفقة التي أدت إلى نجاح المالكي ثقيل الوطأة في الاحتفاظ بمنصبه.


ستتناول هذه الورقة الأسباب التي أدت إلى عودة المالكي رئيساً للحكومة، وتحاول أن تقرأ دلالات هذا التطور، سواء على صعيد تشكيل الحكومة الموعودة، مواقف القوى الفاعلة في الشأن العراقي، أو مستقبل العراق ككل.


أزمة طويلة
أسباب ودلالات عودة المالكي
توافق قهري
صعوبات مقبلة


أزمة طويلة 





لأن الأميركيين لم يخفوا تأييدهم للمالكي، فقد أصبح من المستحيل تقريباً أن يحصل تحالف العراقية والمجلس الأعلى على الأكثرية الكافية، سيما أن من المعروف تأثر موقف الكتلة الكردية بالموقفين الإيراني والأميركي، أكثر منه بالموقف التركي.
بدأت أزمة تشكيل الحكومة العراقية منذ لحظة إعلان نتائج الانتخابات البرلمانية في 26 مارس/ آذار. ففي أول تعليق على فوز القائمة العراقية بأكبر عدد من المقاعد، بدا أن نوري المالكي يرفض الاعتراف بالنتائج، ويوحي بعزمه على التمسك بالسلطة. حاول المالكي، من خلال سيطرته على الهيئات القضائية وعلى هيئة اجتثاث البعث والأجهزة الأمنية، الإطاحة بالقائمة العراقية، مرة بإعادة فرز الأصوات، ومرة بحرمان بعض مرشحيها الفائزين من ممارسة العمل السياسي. ولكن أياً من تلك المحاولات لم تستطع تغيير النتائج. وكانت إيران أول من تدخل من القوى الإقليمية صراحة في أزمة تشكيل الحكومة، وذلك بمسارعتها إلى الضغط على قادة القوائم الشيعية – السياسية المتدافعة، لإعلان سوبر/قائمة شيعية، التي سميت بالتحالف الوطني؛ وأصدرت فتوى من المحكمة العليا تفسر الدستور بصورة تعطي للقائمة الجديدة حق تشكيل الحكومة. ولكن الخطوة كانت شكلية إلى حد كبير لأن التيار الصدري والمجلس الأعلى لم يقبلا بعودة المالكي إلى رئاسة الحكومة، بأي حال من الأحوال.

خلال الشهور الثمانية التالية لإعلان النتائج، دارت عجل المفاوضات بين القوائم المختلفة، سواء بين القوائم الشيعية المنضوية شكلاً في إطار التحالف الوطني؛ أو بين القائمة العراقية، من جهة، والقوائم الشيعية، من جهة أخرى، والكتلة الكردية، من جهة ثالثة. ولأن المالكي أصر على منصب رئاسة الحكومة، بينما طالبت العراقية بالموقع ذاته، طبقاً للاستحقاق الانتخابي، فقد أصبح واضحاً أن اتفاقاً عراقياً – عراقياً لم يعد ممكناً، وأن شأن الحكومة العراقية بات شأناً إقليمياً أيضاً؛ هذا إضافة إلى الدور الأميركي. خلال أشهر الصيف، تبلور موقف القوى المختلفة كالتالي: إيران تقف خلف عودة المالكي لرئاسة الحكومة؛ تركيا تؤيد أن تكلف القائمة العراقية؛ وسورية تدعو لإعطاء الموقع لعادل عبد المهدي، أحد قادة المجلس الأعلى ونائب الرئيس السابق. أما الموقف الأميركي، فانحاز للمالكي.


بتعقد الأزمة، وبالرغم من أن القائمة العراقية ارتضت في النهاية التنازل عن استحقاقها الانتخابي، وبدأت بعد انقضاء شهر رمضان المبارك مفاوضات مع المجلس الأعلى للاتفاق على تشكيل حكومة برئاسة عبد المهدي، إلا أن التوافق الإيراني – الأميركي رجح حظوظ المالكي. مارست إيران أولاً ضغطاً كبيراً على التيار الصدري للتراجع عن اعتراضه المعلن على المالكي وإعلان تأييد رئاسته للحكومة؛ ثم تلا ذلك الضغط على مجموعة نواب منظمة بدر (التي يفترض أنها جزء من المجلس الأعلى)، وعلى المجموعة الشيعية المستقلة التي يمثلها الجعفري والجلبي. بذلك توفرت للمالكي أغلبية شيعية كبيرة، لم يكن عبد المهدي مؤهلاً لتحصيل ما يوازيها. وتحركت طهران، من جهة أخرى، لدفع سورية إلى سحب تأييدها لعبد المهدي، وإعلان موافقتها على المالكي، بعد أن مهدت لذلك بمصالحة بين الأخير ودمشق. ولأن الأميركيين لم يخفوا تأييدهم للمالكي، فقد أصبح من المستحيل تقريباً أن يحصل تحالف العراقية والمجلس الأعلى على الأكثرية الكافية، سيما أن من المعروف تأثر موقف الكتلة الكردية بالموقفين الإيراني والأميركي، أكثر منه بالموقف التركي.


خلال الأسابيع القليلة السابقة على عقد جلسة البرلمان الأولى، حقق المالكي اختراقاً إضافياً عندما نجح في التوصل إلى اتفاق سري مع كتلة الوسط، ذات المقاعد السنية العشرة، التي يقودها إياد السامرائي، رئيس البرلمان السابق والقيادي النافذ في الحزب الإسلامي. وفرت هذه الاتفاقية للمالكي تمثيلاً سنياً، وإن محدوداً، في الكتلة البرلمانية المفترض دعمها له، ولم يعد عملياً في حاجة للاتفاق مع العراقية. وعندما أصر الأتراك والأميركيون والأوروبيون على تمثيل العراقية في الحكومة المقبلة، وهو الأمر الذي قبلته طهران أيضاً لتجنب ردود فعل تركية، سربت أوساط المالكي الاتفاقية مع كتلة الوسط لإظهار ضعف موقف العراقية التفاوضي. تبلور هذا التوازن للقوى في نهايات أكتوبر/ تشرين أول هو الذي أدى في النهاية إلى عقد الصفقة التي عقدت على أساسها جلسة مجلس النواب الأولى. لا المبادرة السعودية، ولا مبادرة البارزاني لعبتا دوراً ملموساً في الصفقة النهائية.


أسباب ودلالات عودة المالكي 


ليس ثمة سر خلف نجاح المالكي في الاحتفاظ بموقعه، النجاح الذي لم يرجحه كثيرون عند إعلان نتائج الانتخابات. وينم إرجاع هذا النجاح إلى براعة المالكي، أو أخطاء القائمة العراقية التفاوضية، عن فهم متسرع لطبيعة القوى الفاعلة في العراق الجديد. الحقيقة أن عودة المالكي لرئاسة الحكومة تمت بثقل توافق أميركي/إيراني، كل لدوافعه الخاصة، وعدم قدرة القوى الشيعية المعارضة للمالكي، وسورية معها، على مقاومة الضغوط الإيرانية. وهذا ما ترك القائمة العراقية في النهاية، حتى بعد الاتفاق مع المجلس الأعلى، بعدد مقاعد أقل من تلك التي تدعم المالكي، وبحليفين إقليمين، تركيا وقطر، لم يكن باستطاعتهما فرض إرادتهما على الأطراف الفاعلة الأخرى. أية دولة عربية بخلاف سورية وقطر لم يكن لها من دور ملموس في الشأن العراقي؛ وقد جاءت المبادرة السعودية متأخرة كثيراً، وغير معد لها في شكل مدروس، وانتهت بالتالي إلى التجاهل.


وتحمل عودة المالكي إلى موقعه مؤشرات مختلفة لمواقف وأدوار القوى الإقليمية والدولية الفاعلة في الشأن العراقي.





أعادت مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية التساؤلات من جديد حول حقيقة الموقف الأميركي من النظام السياسي العراقي، وما إن كانت واشنطن تحرص بالفعل على استمرار البنية الطائفية للدولة العراقية.
فمن ناحية، أعادت مفاوضات تشكيل الحكومة العراقية التساؤلات من جديد حول حقيقة الموقف الأميركي من النظام السياسي العراقي، وما إن كانت واشنطن تحرص بالفعل على استمرار البنية الطائفية للدولة العراقية. طوال شهور التفاوض، وبالرغم من أن القائمة العراقية وفرت فرصة ولو صغيرة لإعادة بناء الدولة العراقية على أسس وطنية، لا طائفية، دعم الأميركيون عودة المالكي لرئاسة الحكومة، مع معرفتهم التفصيلية بسياساته الطائفية خلال السنوات الأربع الماضية. ثمة من يعتقد أن واشنطن دعمت المالكي لأنه كان الحل الأسهل، ولأنه أبدى جرأة وقوة كافية في ولايته الأولى على إدارة شؤون الدولة والحكم، الأمر الضروري توفره في رئيس الحكومة خلال فترة انسحاب القوات الأميركية من البلاد. ولكن الحقيقة أن بعض المرشحين الآخرين للمنصب لا يقل قوة وجرأة واستعداداً لمواجهة قوى العنف والإرهاب؛ بل أن السياسة الطائفية للحكم تعتبر أحد دوافع العنف والإرهاب الرئيسة.

أكدت إيران، من ناحية أخرى، على كونها اللاعب الإقليمي الرئيس في العراق الجديد، سواء بنفوذها البالغ في أوساط القوى الشيعية السياسية، أو تأثيرها على الجناح الكردي الذي يمثله طالباني، أو قدرتها على الضغط على سورية ومعارضة شريك إقليمي حيوي مثل تركيا. وقد رأت حتى قوة شيعية سياسية وثيقة الصلة بطهران، مثل المجلس الأعلى، أن إيران لن تتردد في شطر حلفائها الشيعة أنفسهم عند الضرورة، كما حدث في دفع منظمة بدر إلى الوقوف ضد القرار السياسي للمجلس الأعلى. وبالرغم من أن سياسة إيران في دعم المالكي وجدت في الموقف الأميركي دعماً لها، إلا أن ذلك لا يجب أن يقلل من قدرة طهران على إنفاذ إرادتها في الساحة السياسية العراقية المتشظية. ولأن التدخل الإيراني في الشأن العراق بدا هذه المرة واضحاً وصريحاً، فإن الفجوة بين إيران، من جهة، وسنة العراق والعراقيين الوطنيين عموماً، من جهة أخرى، أصبحت أكثر اتساعاً.


وتعتبر سورية الدولة العربية الأكثر التصاقاً بالعراق، والدولة التي سعت بالفعل إلى لعب دور فعال في الشأن العراقي. ولكن، وبالرغم من الامتعاض السوري من الموقف الإيراني، وتصميم طهران على عودة المالكي وتجاهلها للمعارضة العراقية الداخلية والعربية الواسعة له، إلا أن علاقات التحالف السورية/الإيرانية، والتعاون الوثيق بين البلدين في لبنان، جعل سورية تخضع في النهاية للضغوط الإيرانية. أما قطر، فقد أعلنت دعمها للموقف التركي في العراق منذ لقاء اسطنبول الثلاثي في الصيف الماضي.


تركيا، كانت بالطبع اللاعب الرئيس الآخر في مفاوضات تشكيل الحكومة، بل إن وزير الخارجية التركي كان آخر مسؤول خارجي كبير يزور بغداد في الساعات القليلة التي سبقت الاتفاق على صفقة الرئاسات الثلاث. وقد خرجت تركيا من شهور التدافع حول الحكومة العراقية المقبلة بنتيجتين متباينتين: الأولى، أنها لم تستطع إقناع الجارة إيران بتغيير مقاربتها الطائفية للشأن العراقي؛ ولاعتبارات عديدة لم ترغب أنقره في خوض صراع مكشوف مع طهران حول العراق؛ كما لم تستطع تركيا التأثير على الموقف الأميركي الداعم للمالكي. وبالرغم من أن الموقف التركي بدأ بالإصرار على الاستحقاق الانتخابي للقائمة العراقية، فقد انتهى إلى التوكيد على مشاركة كافة القوى في الحكومة المقبلة. أما النتيجة الثانية فتتعلق بظهور تركيا، مقارنة بإيران، باعتبارها الجارة الأحرص على وحدة العراق، أرضاً وشعباً، وعلى اللحمة الوطنية العراقية، لا الهيمنة الطائفية.


توافق قهري 


كان التوافق على المالكي توافقاً قهرياً، عندما لم يعد هناك من خيار أمام القوى المعارضة له، القائمة العراقية والمجلس الأعلى. ولم يعد أمام العراقية بالتالي فرصة لفرض برنامجها الوطني للحكم، حتى في شكل جزئي، مما دفعها إلى تحقيق أكبر قدر من المواقع الحكومية، لحماية قادتها والمناطق التي صوتت لها، ولمحاولة منع المالكي من التفرد بالحكم، كما فعل في السنوات الأربع الماضية.


أصر الأميركيون على أن تتولى العراقية رئاسة الجمهورية، في محاولة لاسترضاء المحيط العربي، القلق من صورة العراق الجديد، التي تقاسمها الشيعة الأكراد. وبالرغم من أن بعض قادة العراقية كان يرغب بالفعل بمنصب رئاسة الجمهورية، إلا أن القائمة حسمت أمرها في النهاية بضرورة الحصول على منصب رئاسة البرلمان، الأكثر نفوذاً وفعالية من منصب رئاسة الجمهورية. وقد ساعد العراقية أن مسعود البرزاني أصر على عودة طالباني رئيساً للجمهورية، رغبة منه في إبعاده عن الساحة الكردية. وكان الأميركيون قد اقترحوا في مرحلة مبكرة من المفاوضات بين الكتل فكرة إنشاء مجلس وطني للسياسات، إلى جانب مؤسستي الرئاسة ورئاسة الحكومة، تناط به مهمة تقرير السياسات الكبرى، ويسهم في منع تكرار تجربة الحكومة الماضية التي اتسمت بتفرد المالكي؛ وقد عرضت رئاسة المجلس على زعيم العراقية الأبرز إياد علاوي. وهذا ما استقرت عليه صفقة الحكومة بالفعل. إلى جانب ذلك، تم الاتفاق على توزيع المقاعد الوزارية طبقاً لنظام النقاط، الذي اتبع في تشكيل الحكومة الماضية، وعلى أن يرفع الحظر السياسي على شخصيات العراقية الثلاث، بما في ذلك د. صالح المطلق، الذين طبقت عليهم قوانين الاجتثاث سيئة السمعة قبل الانتخابات، بتحريض من طهران.


بيد أن الصفقة لم تتطرق إلى التفاصيل، مثل كيفية وتوقيت رفع الحظر السياسي، ومثل صلاحيات المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية، وتوزيع الحقائب السيادية على القوائم الرئيسية التي ستشكل الحكومة. عدم الاتفاق على التفاصيل، سيما مسألة رفع الحظر، هو الذي تسبب في سوء التفاهم الذي أدى إلى انسحاب أغلب أعضاء العراقية من جلسة البرلمان الأولى، بقرار من علاوي، الذي يجد صعوبة بالغة في تقبل المسار الذي اتجهت إليه الأمور، بعد أن خسر موقعي رئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية. وبالرغم من أن الالتباس الذي وقع في الجلسة الأولى تم تداركه بعد ذلك، على نحو أو آخر، فإن تجنب الصفقة للتفاصيل قد يتحول إلى معضلة جديدة أمام تشكيل الحكومة في الأسابيع القليلة القادمة.


صعوبات مقبلة 


أظهرت جلسة البرلمان الأولى، وسلسلة التصريحات التي سبقتها من المالكي نفسه، وتلتها من قبل شخصيات قائمة دولة القانون المقربة من منه، أن نوايا الأخير لا تنم عن توجه وطني تصالحي، وأن مزاجه أقرب إلى الانتقام منه إلى التوافق. وهذا ما قد يفاقم من الصعوبات التي تعترض التشكيل الفعلي للحكومة، بعد أن تم الاتفاق على المواقع الرئاسية الثلاث.





سيحرص المالكي على أن يعطي الوزراء الشيعة أكثر من نصف مقاعد الحكومة، رغبة منه في التوكيد من جديد على الأغلبية السكانية الشيعية.
تتعلق إحدى الصعوبات بتشريع المجلس الوطني للسياسات الاستراتيجية الذي يفترض أن يرأسه إياد علاوي. ما تريده العراقية والتحالف الكردي، أن يتمتع المجلس بصلاحيات تنفيذية، وأن يتخذ فيه القرار بأكثرية 80 بالمائة من الأصوات؛ بينما يرى المالكي وأنصاره أن مثل هكذا مجلس سيضعف موقع رئاسة الحكومة، ناهيك عن أن الفكرة فوق دستورية أصلاً. ولذا، فإن المالكي يريد للمجلس أن يكون استشارياً وحسب؛ وفي حال أعطيت للمجلس صلاحيات تنفيذية، فسيطالب المالكي أن يؤخذ القرار فيه بالإجماع. في النهاية، مهما كان الاتفاق حول المجلس، فسرعان ما ستبرز مشكلة أخرى تتعلق بمن يحق لهم عضوية المجلس. وحتى إن شرع المجلس بقانون فمن غير المستبعد أن يتقدم من يطعن في دستوريته، إن لم يستند تأسيسه إلى تعديل دستوري.

وبالرغم من أن اتفاقاً قد تم على اتخاذ الإجراءات الضرورية لرفع الحظر السياسي عن صالح المطلق ورفيقيه، فإن سجل المالكي السياسي لا يوحي بالثقة. وقد يلجأ المالكي وأنصاره في البرلمان وهيئة اجتثاث البعث إلى سلسلة من التعقيدات القانونية التي تجعل من الصعب بمكان رفع الحظر نهائياً، أو رفعه قبل تشكيل الحكومة، بهدف منع المطلق من تسلم منصب وزاري في الحكومة المقبلة. أثبت المطلق في أكثر من مناسبة أنه سياسي صعب الإخضاع، كما أثبت مراراً مصداقية عراقية وطنية وتحرراً من الطائفية، مما يجعل منه خصماً لدوداً للسياسات الطائفية، وللنفوذ الإيراني في العراق.


ولا تقل احتمالات الخلاف حول توزيع المناصب الوزارية تعقيداً. إذ تسعى كل القوائم المشاركة في مفاوضات تشكيل الحكومة إلى الحصول على العدد الأوفر من المواقع السيادية التي هي محدودة أصلاً، والتي تتضمن نائب رئيس الوزراء، ووزارات الداخلية والدفاع والنفط والمالية والخارجية. كما سيحرص المالكي على أن يعطي الوزراء الشيعة أكثر من نصف مقاعد الحكومة، رغبة منه في التوكيد من جديد على الأغلبية السكانية الشيعية. هذا إضافة إلى المشكلة الأصغر المتعلقة بمحاولة المالكي إرضاء قائمة الوسط الصغيرة، التي وقعت معه اتفاقاً سرياً مبكراً، على حساب القائمة العراقية. ولن تقل الخلافات داخل القوائم عن الخلافات بينها، بعد أن أصبح الموقع الوزاري أقصر طريق للثراء والنفوذ في نظام حكومي ينخره الفساد.


الأرجح في النهاية أن لا يأخذ تشكيل الحكومة، بأي حال من الأحوال، الوقت الذي أخذته الصفقة الأولية حول الرئاسات الثلاث. فإلى جانب الإرهاق الذي أصاب أغلب العراقيين من ترقب تشكيل الحكومة، فثمة رغبة إقليمية ودولية في أن ترى الحكومة العراقية النور في أقصر فترة ممكنة. المشكلة هي طبيعة العلاقات بين القوى المؤسسة للحكومة، ونهج رئيس الحكومة في السنوات الأربع المقبلة، وقدرة هذه الحكومة بالتالي على البقاء.


في النهاية، يمكن الاستنتاج بأن العراق خسر فرصة هامة لإصلاح بنية دولة ما بعد الغزو والاحتلال، ولإعادة بناء الاجتماع السياسي على أسس وطنية. وسيكون لطبيعة وتوجهات الحكومة المقبلة برئاسة المالكي دور هام في تحديد المستقبل القريب للعراق. ففي حال ظهرت الحكومة، سواء من ناحية توزيع المقاعد أو السياسات المتبعة، باعتبارها انتصاراً للهيمنة الطائفية والتفرد، فستصبح قوة دفع باتجاه تقسيم البلاد. وفي حال تصرف المالكي وأنصاره بطائفية أقل وبحرص وطني أكبر، وشكل حكومة شراكة فعلية، فسينظر العراقيون بأمل إلى الانتخابات القادمة، بعد أربع سنوات أخرى، لعلها تفتح مجالاً أوسع لإصلاح الدولة والحياة السياسية.