ربما كانت خطوة تشكيل لجنة للحوار على المستوى السياسي والاقتصادي والدستوري والشبابي مطلع مارس/آذار الماضي هي الركيزة المهمة في منهاج الحكومة وصانع القرار في الأردن في التعامل مع الشأن الإصلاحي، وقد أخذت هذه الخطوة بعدًا إعلاميًا واسعًا، وجدلاً رسميًا وشعبيًا كبيرًا، على اعتبار أنّها سوف تؤدي إلى توضيح خارطة الطريق الأردنية نحو الإصلاح المنشود؛ ولذلك يكون من المفيد إلقاء نظرة على التوصيات التي خرجت بها هذه اللجنة، وما تبعها من خطاب ملكي تحدث عن هذه المخرجات واعتبرها قاعدة لمسيرة الإصلاح.
خرجت لجنة الحوار الوطني بمقترحات وتوصيات محددة في قانوني الانتخابات والأحزاب وما يلزمهما من تعديلات دستورية.
1- قانون الانتخاب
أخذت خطوة تشكيل لجنة للحوار بعدًا إعلاميًا واسعًا، وجدلاً رسميًا وشعبيًا كبيرًا، على اعتبار أنّها سوف تؤدي إلى توضيح خارطة الطريق الأردنية نحو الإصلاح المنشود. |
وتطرق القانون إلى النظام الانتخابي، فنصّ على استبعاد الصوت الواحد، وإلغاء الدوائر الوهمية، واعتماد القائمة النسبية المفتوحة، والإبقاء على مبدأ الكوتة وزيادة حصة المرأة، وإلغاء الدوائر المغلقة، وتقسيم المملكة إلى دوائر انتخابية بعدد المحافظات؛ بحيث تكون كل محافظة دائرة انتخابية واحدة، باستثناء (العاصمة، الزرقاء، إربد). وقد اعتمدت اللجنة التي صاغت هذا القانون المقترح تبني النظام الانتخابي المختلط الذي يجمع بين القائمة النسبية المفتوحة على مستوى المحافظة، والقائمة النسبية المفتوحة على مستوى الوطن، واعتماد (115) مقعدًا للمحافظات، و(15) مقعدًا على مستوى الوطن، بحيث تشمل جميع المحافظات.
والحق أن هذا القانون الجديد المقترح الذي أوصت به لجنة الحوار الوطني قد تضمن بعض الايجابيات، على رأسها: تشكيل هيئة وطنية عليا مستقلة لإدارة شؤون الانتخابات، وكذلك النص على مبدأ الطعن في نيابة النائب أمام القضاء، لكن هذا لا يمنع من وجود بعض الملاحظات التي يفضّل أخذها بعين الاعتبار وإعادة النظر في القانون بناء عليها، من ذلك على سبيل المثال:
- الإشكال الموجود في القانون حول نظام القائمة النسبية المفتوحة؛ فعلى مستوى المحافظة أتاح النظام انتخاب القائمة وانتخاب الأعضاء داخل القائمة، والإشكال المقصود هنا يتبلور في السماح بالانتخاب لأعضاء القائمة ممّا يلغي دور القائمة في التوحيد والتآلف، ويعيد الفرقة والتقسيم، فالأولى أن تكون (مغلقة) والتصويت على القائمة فقط.
- الإشكال الآخر بحصة قائمة الوطن التي انحصرت بـ (15) مقعدًا فهي لا تشكّل نقلة معقولة على صعيد إدخال أصحاب البرامج السياسية والحزبية إلى مجلس النواب، وتُبقي نسبة ضئيلة بحدود 10% من المجلس؛ ممّا يثير الإحباط لدى الشارع الأردني.
- الملاحظة الثالثة متعلقة باشتراط أن تكون القائمة ممثلة لجميع المحافظات، وهذا يحد من أهداف القائمة الوطنية ووظائفها، ثمّ يعود للمحافظة مرة أخرى في زيادة حصتها، ممّا يشكل قيدًا وعائقًا أمام تطوير الحياة السياسية بوجهٍ عام والحياة الحزبية بوجهٍ خاص.
2- قانون الأحزاب
أوصت لجنة الحوار الوطني بإدخال تعديلات على قانون الأحزاب، وهذه التعديلات في مجملها تصب في صالح تطور العملية الديمقراطية، ومن أبرز التعديلات المقترحة: إيجاد هيئة مستقلة تسمّى الهيئة العليا لشؤون الأحزاب والانتخابات، ذات شخصية معنوية، ويكون من مهامها الإشراف على تأسيس الأحزاب وتمويلها، وعلى هذه الهيئة أن تصدر قرارًا باعتماد الحزب الجديد خلال ستين يومًا، وإذا لم يصدر عنها شيء بهذا الخصوص، يعتبر الحزب قائمًا. كما نص القانون على أن يكون عدد المؤسسين (250) شخصًا، 10% منهم من النساء، ونص أيضا على حق الحزب في تأسيس الجمعيات والنوادي والمراكز الثقافية والبحثية، وعدم جواز التعرض للمواطنين أو محاسبتهم أو الإساءة لهم بسبب انتمائهم الحزبي، ومعاقبة كل جهة تخالف ذلك. وهذه التوصيات في عمومها جيدة وكانت مطلبا لدعاة الإصلاح منذ مدة طويلة.
3- التعديلات الدستورية
يتأكد الشعب الأردني يومًا بعد يوم أنّه ليس هناك نيّة صادقة وتوجه عازم على الإصلاح في الأردن، وإنّما هو استيعاب ناعم لمطالب الشعب الأردني الإصلاحية، بحيث تُبقي على معادلة الحكم القائمة بشيء من الإصلاحات الشكلية والفرعية غير الجوهرية. |
والناظر إلى هذه التعديلات يلحظ أنها في معظمها تسير في الاتجاه الصحيح ولكنها لا تفي بطموحات الشعب الأردني، ولا ترتقي لتحقيق الإصلاح الديمقراطي الكامل؛ حيث كان من الأفضل النص على حصر السلطة بيد الشعب، والنص على تكليف صاحب الأغلبية في مجلس النواب بعد إجراء الانتخابات على أساس القوائم الحزبية والسياسية، وعن تمديد الدورة البرلمانية كان من المستحسن أن تكون على مدار السنة، وليس ستة أشهر فقط.
وبعد إعلان نتائج لجنة الحوار الوطني، ألقى الملك خطابًا حول هذه المخرجات باعتبارها قاعدة لمسيرة الإصلاح، ولكن الخطاب بمجمله شكّل صدمةً للتيار الإصلاحي الذي لم يلمس فيه الجديّة التامة في السير نحو الإصلاح الحقيقي الذي يكرّس الديمقراطية الكاملة، ولذلك يتأكد الشعب الأردني يومًا بعد يوم أنّه ليس هناك نيّة صادقة وتوجه عازم على الإصلاح في الأردن، وإنّما هو استيعاب ناعم لمطالب الشعب الأردني الإصلاحية، بحيث تُبقي على معادلة الحكم القائمة بشيء من الإصلاحات الشكلية والفرعية غير الجوهرية.
___________________
كاتب ومحلل سياسي