حركة الشباب المجاهدين: هل بدأ العد التنازلي؟

تعيش حركة الشباب المجاهدين أصعب ظروفها القتالية منذ تأسيسها؛ إذ تنتظرها مواجهات عنيفة على أكثر من جبهة، ومع أطراف عديدة، كلها تخطط لهزيمتها عسكريا وسياسيا، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى جاهزيتها لمواجهة الجميع، غير أنها قد تستفيد من أخطاء الآخرين.
1_1067982_1_34.jpg

حركة الشباب المجاهدين تعيش الآن في أصعب ظروفها القتالية منذ تأسيسها؛ إذ تنتظرها مواجهات عنيفة على أكثر من جبهة، ومع أطراف عديدة (الجزيرة-أرشيف)

محمد محفوظ

حركة الشباب المجاهدين جماعة فكرية جهادية تحمل أيديولوجيا تنظيم القاعدة، وتتبنى جميع أطروحات التنظيمات السلفية الجهادية في العالم العربي، وتتمنى الحصول على اعتراف رسمي يؤهلها للانضمام إلى نادي أعضاء تنظيم القاعدة كغيرها من الجماعات التي انضمت من قبل في المغرب العربي وفي العراق.

حركة الشباب المجاهدين جماعة فكرية جهادية تحمل أيديولوجيا تنظيم القاعدة، وتتبنى جميع أطروحات التنظيمات السلفية الجهادية في العالم العربي، وتتمنى الحصول على اعتراف رسمي يؤهلها للانضمام إلى نادي أعضاء تنظيم القاعدة.
منذ سقوط المحاكم الإسلامية إثر الاجتياح الأثيوبي نهاية 2006، وفي فترة المقاومة العسكرية للاحتلال الأثيوبي للصومال تشكلت القوة العسكرية للشباب المجاهدين، وحظيت بتأييد شعبي تحت لواء المحاكم الإسلامية، لكنها أعلنت انفصالها عن المحاكم، كما انفصلت عن تحالف إعادة تحرير الصومال بقيادة الشيخ شريف بسبب تحالف الأخير مع العلمانيين والوطنيين والصوماليين في المهجر، ولا يجوز -في رأيهم- التحالف مع قوى غير إسلامية بحكم أدبيات التنظيمات الجهادية. ومنذ ذلك العهد ميزت الحركة نفسها ككيان مستقل لا يرتبط مع الأطراف الإسلامية الأخرى سياسيا وتنظيميا، وهو تمايز استفادت منه في نواحٍ عديدة من بينها التماسك العسكري الداخلي، والانضباط الإداري، فيما خسرت التأييد الشعبي، وكذلك القبول لدى الأوساط الدعوية والدينية.

أسباب التراجع العسكري الميداني للحركة
خاتمة

أسباب التراجع العسكري الميداني للحركة 

عند الحديث عن مسببات التراجع العسكري الميداني لحركة الشباب المجاهدين لا بد من الإشارة إلى أن هناك أسبابا محلية، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى البنية التنظيمية للحركة التي تركت آثارا سلبية على العلاقة بين الحركة والمجتمع.

ويمكن تلخيص هذه الأسباب فيما يلي:

1- اتساع رقعة سيطرة حركة الشباب المجاهدين
منذ توقيع اتفاقية جيبوتي بين الأطراف الصومالية ممثلة بالحكومة الانتقالية آنذاك برئاسة عبد الله يوسف، وبتحالف إعادة تحرير الصومال برئاسة شريف شيخ أحمد، قامت حركة الشباب المجاهدين بتوسيع سيطرتها على المدن والقرى الواقعة في جنوب الصومال، وتمكنت من التغلب على القوى المحلية في هذه المدن، وأعلنت تكوين ولايات إسلامية في جميع مناطق جنوب غربي مقديشو، وخلال فترة وجيزة أصبحت حركة الشباب تسيطر على المناطق التسع التالية: جدو؛ جوبا السفلى؛ جوبا الوسطى؛ شبيلى السفلى؛ شبيلى الوسطى؛ هيران؛ جلجدود؛ منطقة باي؛ بكول، وكلها مناطق تشكّل الحدود بين كينيا والصومال، وكذلك بين الصومال وأثيوبيا.

شكَّل اتساع الرقعة الجغرافية التي تسيطر عليها الحركة -والتي بلغت تسع مناطق من إجمالي ثماني عشرة هي مجموع مناطق جمهورية الصومال ككل- إضافة أعباء ومسؤوليات كبيرة على الحركة، ذلك لأن الحفاظ على هذه المكتسبات الميدانية مكلف للغاية، خاصة بالنسبة لحركة إسلامية شابة لا تتمتع بدعم دولي ولا محلي.

2- طبيعة العلاقة بين الحركة والمجتمع في مناطق نفوذها
بات سائدا لدى المواطن العادي في الصومال أن العيش تحت حكم حركة الشباب المجاهدين يتطلب الصبر على الأذى، وتنفيذ جميع أوامر الحركة سواء الإدارية منها أو الدينية أو الاجتماعية، وهي تعليمات تصدر بقرارات من الإدارة العليا للحركة دون توعية مسبقة للمجتمع، أو محاولة لإقناع الشعب بتلك الأفكار التي ترغب الحركة في نشرها بالقوة. ومن هنا قامت الحركة بإصدار أوامر وتوجيهات لسكان المدن والقرى التابعة للولايات الإسلامية وأعلنت أنها ستعاقب كل من يخالف هذه الأوامر، وفي بعض الحالات يتحول تنفيذ العقوبة إلى كابوس يؤرق الشعب، مثل الحكم بالإعدام على شابة لم يتجاوز عمرها الثامنة عشرة ربيعا بسبب اتهامها بالعمل مع المخابرات التابعة للحكومة المرتدة (يقصدون الحكومة الانتقالية الصومالية).

حجاب المرأة الصومالية وإن كان تقليدا من تقاليد المجتمع الصومالي فإن الحركة فرضت على النساء نوعا معينا من الحجاب، وأية مرأة لا ترتدي هذا النوع من الحجاب تعرض نفسها للخطر والعقاب، كما منعت النساء من ممارسة لعبة كرة القدم، بالإضافة حظر مشاهدة المباريات الدولية المعروضة على شاشات التلفاز، كما يُمنع منعا باتا الاستماع إلى الأغاني والموسيقى، ولا يجوز أن يحمل الجوال مواضيع محرمة شرعا (وفق فهمهم للدين) وقد يتم توقيف شخص ما بطريقة مفاجئة وهو يمر على الطريق أو راكب على السيارة ثم يبدأ التحقيق معه فيما تم حمله على جواله الشخصي، والتأكد إذا ما تم النسخ على الجوال بأغانٍ أو موسيقى أو أية صور وأفلام خليعة، ويمنع في بعض المناطق إسبال السروال، وأخيرا يُعتبر من المحرمات الكبرى المتاجرة أو المشي أو قيادة السيارة أو أي نشاط للإنسان في جميع أوقات الصلوات الخمس، حتى لو كنت مسافرا يتوجب عليك دخول المسجد واحترام القانون الإسلامي في المنطقة (وفق أدبيات الحركة).

عند الحديث عن مسببات التراجع العسكري الميداني لحركة الشباب المجاهدين لا بد من الإشارة إلى أن هناك أسبابا محلية، وأخرى إقليمية، بالإضافة إلى البنية التنظيمية للحركة التي تركت آثارا سلبية على العلاقة بين الحركة والمجتمع.
هذا فيما يخص المعاملات اليومية، أما فيما يخص القانون الذي يفصل بين الناس في أمور دنياهم فهو أمر راجع إلى اجتهادات القاضي المعين في هذه المنطقة، لأنه لا يوجد تقنين أو ميثاق يدير شؤون المواطنين، ويختلف الأمر من منطقة إلى أخرى حسب اجتهادات كل قاض. ومما يولِّد الخوف لدى المواطنين في المناطق التابعة للحركة كثرة عمليات الاغتيالات والقنص أمام المنازل أو بوابات المساجد، وعند الاستفسار من الحركة عن مثل هذه التصرفات لا تتلقى عائلة القتيل أجوبة شافية. وفي النهاية تولدت عن هذه التصرفات موجة نزوح من قبل كوادر المجتمع من التجار والمثقفين وغيرهم إلى مناطق أخرى أو إلى خارج الصومال. ورغم ذلك يشعر الإنسان البسيط بالطمأنينة والأمان على ممتلكاته العقارية من السطو أو والنهب، لأن الجميع يخاف من طبيعة حكم الحركة.

هذه التصرفات ولَّدت في وجدان المواطن الصومالي البحث عن مخرج يغير من الواقع شيئا، كما خلقت فقدان الرابط بين المجتمع والحركة، فتجد أن الإنسان البسيط يفضل هزيمة حركة الشباب ليعود إلى حياته الطبيعية التي اعتادها قبل مرحلة حكم الحركة، فضلا عن قيادات المجتمع التي تخطط دوما للتخلص منهم عسكريا، ويُلاحَظ من ذلك أن الشعب كان يوفر للحركة المأوى والمساندة عندما كانت تقاتل ضد الوجود الأثيوبي في الصومال، أما الآن فلا تحظى الحركة بأي تعاطف شعبي.

3- نقص الأسلحة
ظلّت حركة الشباب المجاهدين تعتمد في تسليحها على ما تستورده من أسلحة عبر طرق متعددة، من أهمها:

  • استيراد السلاح من اليمن عبر الموانئ الواقعة في شرق الصومال خاصة بونت لاند؛ حيث ذكرت بعض التقارير الدولية أن السيد "محمد سعيد أتم" كان همزة الوصل لاستيراد السلاح من اليمن إلى الصومال، وهو من أقرب الناس فكريا إلى حركة الشباب المجاهدين. لكن عميلة استيراد السلاح بالنسبة له كانت عملية متاجرة بالسلاح، وعقد صفقات عسكرية مع أطراف الصراع في الصومال، وكانت الحركة من أكثر المستفيدين من هذه الصفقات. لكن هذا الباب أُغلق تماما منذ نهاية العام الماضي؛ حيث إن نظام بونت لاند هاجم مواقع تابعة للسيد "سعيد أتم". وقد استطاعت إدارة بونت لاند هزيمته بالسيطرة على الموانئ والمرافق التي كان يعتمد علها في استيراد السلاح من الخارج. بالإضافة إلى أن الرجل أصبح مطاردا ويقوم بعمليات كرّ وفرّ بينه وبين قوات نظام بونت لاند، مما حول اهتمامه من تجارة السلاح إلى المحافظة على أمنه وتماسك أتباعه، وهو ما أثّر سلبا على كل من كان يعتمد عليه في استيراد السلاح والعتاد ومنهم حركة الشباب المجاهدين التي أعلنت رسميا أنها تقاتل إلى جانب السيد "سعيد أتم" ضد نظام بونت لاند واعتبرته مجاهدا يجب دعمه.

  • استيراد السلاح من إريتريا التي كانت ترسل العتاد العسكري للحزب الإسلامي المنحل، وفي بعض الحالات كانت تبعث به إلى حركة الشباب المجاهدين مباشرة، وإن بشكل أقل، وبحكم توفر المطارات والموانئ التابعة للحركة في مناطق الجنوب سهلت عملية إرسال أسلحة عبر البحر أو عبر طائرات خاصة مستأجرة.

    وبعد التخلص عسكريا وسياسيا من تنظيم الحزب الإسلامي على أيدي حركة الشباب المجاهدين، وبعد غياب قيادات الحزب الإسلامي من الساحة السياسية في البلاد، قررت إريتريا وقف تعاملاتها السياسية مع حركة الشباب المجاهدين؛ فأدى ذلك إلى توقف الدعم العسكري للحركة.

  • شراء السلاح من مقديشو، عبر الجيش الصومالي، وتجار السلاح؛ حيث يوجد في العاصمة أكبر سوق للأسلحة في الصومال، وكذلك عبر مهربي السلاح من الدول المجاورة والإدارة المحلية في البلاد، ويقع هذا السوق ضمن المناطق التي تسيطر عليها حركة الشباب المجاهدين مما وفر لهم كميات كبيرة ومتنوعة لتغطية الحاجات اليومية القتالية. وتعتمد هذه السوق بالأساس على التعاقد مع رتب كبيرة في الجيش الصومالي مقابل مبالغ مالية طائلة، بالإضافة إلى التعامل المباشر مع جنود الجيش. ويعود ذلك إلى أن الحكومة الانتقالية آنذاك لم تكن تدفع رواتب للجيش، ناهيك عن الإغراءات الأخرى التي توفرها هذه السوق السوداء. لكن تغيرات جوهرية تمت خلال الفترة الأخيرة من قبل الحكومة الانتقالية أدت إلى توقف وصول السلاح إلى أعدائهم من حركة الشباب المجاهدين، وهو ما سنوضحه في الفقرة التالية.

4- إعادة التنظيم في صفوف الحكومة الانتقالية
في فترة تسيير رئيس الوزراء المستقيل عمر عبد الرشيد شرماركي اتصفت البنية العسكرية للجيش بالهشاشة؛ ففي تلك الفترة لم تتمكن الحكومة من دفع الرواتب لا للجيش ولا لموظفي الدولة، وتحول هذا العجز إلى تقلص الدور العسكري للدولة في مقديشو فخسرت الحكومة مواقع عسكرية إستراتيجية، ووصلت قوات حركة الشباب المجاهدين إلى أبواب القصر الرئاسي، وشعرت الحكومة الانتقالية بخطر حقيقي لا يهدد مستقبلها السياسي فحسب، بل وجودها وأمن أعضائها الشخصي أيضا.

ويبدو أن الوضع تغير حاليا بعد تعيين رئيس وزراء جديد وهو السيد "محمد عبد الله محمد" الذي شكل بدوره حكومة أغلبها كوادر جاءت من المهجر ومثقفون صوماليون. وقد تمكنت حكومته من إعادة تنظيم الدولة، ووضع أسس للهياكل الإدارية للوزارات. ويُعتبر من أهم إنجازاته إصلاح الهيئة المالية للدولة والتقليل من الفساد، وقامت الحكومة بدفع رواتب لجميع موظفي الدولة من جيش وشرطة وكل القطاعات الرسمية، وأثّر ذلك إيجابا على قوات الحكومة الانتقالية، وتغير الوضع العسكري في مقديشو. واستطاع الجيش الصومالي ومعه قوات الاتحاد الأفريقي الوصول إلى تقاطعات طرق رئيسية، واستعادت بعض الأحياء المهمة التي كانت بيد حركة الشباب، والسائد حاليا أن قوات الحكومة ومعها القوات الأفريقية هي التي تملك زمام العمليات العسكرية في المواجهات الدائرة بينها وبين الحركة.

5- كثرة الأعداء

يبدو أن حركة الشباب المجاهدين تعيش الآن في أصعب ظروفها القتالية منذ تأسيسها؛ إذ تنتظرها مواجهات عنيفة على أكثر من جبهة، ومع أطراف عديدة كلها تخطط لهزيمتها عسكريا وسياسيا، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى جاهزيتها لمواجهة الجميع.
لم تتمكن حركة الشباب المجاهدين من استخدام سياسة تأمين المصالح وتأخير القتال مع بعض الأطراف، فأدى ذلك إلى استعداء الكثيرين ضدها، ووضعت نفسها في مرمى هجمات الجميع، ولم تتحالف مع أي طرف من أطراف الصراع في البلاد، بل لم تُعط الأمان والتصالح إلا لأعضائها، فحاربت ضد الحزب الإسلامي حتى انهار الحزب أمام ضرباتها، حينها شعر الجميع أن الحركة خطر على الكل، وليس أمام أي طرف من الأطراف إلا محاربتها أو الانضمام إليها رهبة أو رغبة.

أما العلاقة مع دول الجوار خاصة كينيا وأثيوبيا فكانت بمثابة إعلان حرب؛ وبذلك كانت الحركة في الداخل تقاتل ضد الحكومة الانتقالية، وضد تنظيم أهل السنة والجماعة الصوفية، بالإضافة إلى إدارة بونت لاند، ولا شك أن سياسة تكثير الأعداء ترهق الأنفس والعتاد، كما تربك التخطيط الإستراتيجي للقتال، وتصبح الحركة في حالة حرب مفتوحة مع الجميع.

6- هجرة العناصر غير الصومالية إلى الخارج
تشير بعض التقارير إلى أن المقاتلين غير الصوماليين، خاصة من بعض البلدان العربية كاليمن وبلاد المغرب العربي، عادوا إلى دولهم مما سيكون له تأثير سلبي على حركة الشباب، لأن هؤلاء كانوا يتمتعون بقدرات وخبرات عسكرية عالية، وكانوا من أهم عوامل النجاح العسكري لحركة الشباب خلال السنوات الأخيرة.

خاتمة 

يبدو أن حركة الشباب المجاهدين تعيش الآن في أصعب ظروفها القتالية منذ تأسيسها؛ إذ تنتظرها مواجهات عنيفة على أكثر من جبهة، ومع أطراف عديدة كلها تخطط لهزيمتها عسكريا وسياسيا، ولا يلوح في الأفق ما يشير إلى جاهزيتها لمواجهة الجميع. غير أنها قد تستفيد

ABOUT THE AUTHOR