مركز الجزيرة للدراسات
في تصريح له عقب جولة ثانية من المباحثات مع نظرائه في حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وصف رئيس وفد حركة فتح إلى محادثات المصالحة عزام الأحمد (10 نوفمبر/ تشرين ثاني) جولة الحوار بأنها كانت "مضيعة للوقت".
وأضاف الأحمد، رئيس كتلة فتح النيابية وعضو لجنتها المركزية، "اتفقنا مع الأخوة في حماس على بحث نقطة واحدة في هذه الجولة وهي الأمن، وأن لا نبحث في أي موضوع آخر، واستمعنا إلى ملاحظاتهم بشأن إعادة بناء الأجهزة الأمنية واستيعاب عناصر الأمن الموجودة في غزة في تلك الأجهزة، ولكن تشتتنا يميناً ويساراً وشمالاً وجنوباً، وأصبحنا لا نعرف ماذا نبحث، وصعقنا عندما قالوا لنا بأننا سنعد ما هي ملاحظاتنا".
وقال الأحمد، "إذا لم نتسلم ملاحظات حماس سنكون مهزلة أمام العالم، وبالتالي لا داعي لعقد جلسة حوار أخرى". وانتقد الأحمد ما وصفه بـ"التدخل الإيراني" في الخلاف الفلسطيني، مؤكداً أن طهران تحاول استغلال الخلاف الفلسطيني "لخدمة أغراضها بعيداً عن المصالح الفلسطينية".
من جهة أخرى، أنكرت مصادر حماس "عدم جاهزيتها للحوار"، وحملت وفد فتح مسؤولية عدم التوصل إلى الاتفاق، الذي توقع كثيرون إنجازه في جولة الحوار الثانية. وقال عضو المكتب السياسي لحماس عزت الرشق: "كان الحوار جاداً ومعمقاً وفيه بعض الصعوبات، وكان الملف الأمني أبرز القضايا المطروحة للنقاش". وأضاف: "برزت صعوبات ونقاط خلافية ولم يتوصل الطرفان إلى اتفاق حولها، واتفق على استكمال الحوار في جولة مقبلة بعد عيد الأضحى المبارك".
لا تشير مثل هذه التصريحات إلى انفراج قريب في أزمة الانقسام الفلسطيني، كما كان الانطباع الذي تولد بعد جولة الحوار الأولى. فكيف دبت الحياة فجأة في عروق مشروع المصالحة الوطنية الفلسطينية، ولماذا يبدو أفق الاتفاق بعيداً؟
حوار المصالحة في صورته الجديدة
دوافع متباينة لتنشيط الحوار
احتمالات ضئيلة للاتفاق
حوار المصالحة في صورته الجديدة
استؤنفت اللقاءات بين حماس وفتح حول المصالحة الوطنية، التي كانت قد توقفت منذ رفضت حماس التوقيع على الورقة المصرية المقترحة للمصالحة، بعد لقاء مفاجئ بمكة في أواخر شهر رمضان الماضي بين خالد مشعل رئيس المكتب السياسي في حركة حماس، ورئيس المخابرات المصرية الوزير عمر سليمان، المسؤول المصري المباشر عن الملف الفلسطيني.
ليس من الواضح كيف رتب اللقاء بين الاثنين، ولكن الواضح أن مشعل توجه بالعتاب للمسؤول المصري، مبدياً اعتقاده بأن القاهرة تمارس ضغطاً على الرئيس الفلسطيني وحركة فتح لرفض ملاحظات حماس على ورقة المصالحة، التي كانت فتح قد وقعتها بالفعل عند صدورها. أكد سليمان في المقابل على أن ما تريده القاهرة هو التوقيع على ورقتها كما هي، ولكنها لن تعترض على أية تفاهمات فلسطينية – فلسطينية إضافية، مشيراً إلى أنه سيبذل جهده لإطلاق حوار جديد بين حماس وفتح، على أمل أن يجد الطرفان وسيلة للتوافق على تحفظات حماس على الورقة المصرية.
وهذا ما كان بالفعل؛ إذ سرعان ما نشطت الاتصالات بين رام الله ودمشق، وسط توكيدات من قيادات حماس وفتح على العزم على حل الإشكالات العالقة بين الطرفين.
اتفق الطرفان فتح وحماس على دورة حوار ثالثة في نهاية الشهر الحالي، ولكن ثمة دلائل على أن اللقاء الثالث، إن كان له أن يعقد فعلاً، لن ينجح بالضرورة في ردم هوة الخلاف، لاسيما فيما يتعلق بالملف الأمني |
وهذا الأخير يضم أربعة أطراف، هي اللجنة التنفيذية للمنظمة برئاسة محمود عباس، ورئاسة المجلس الوطني الفلسطيني، والأمناء العامون للفصائل الفلسطينية جميعاً، وعدد من المستقلين. على أن درجة من عدم الوضوح ظلت تحيط بطبيعة عمل الإطار القيادي المقترح، والتقاطع المحتمل بين صلاحياته وصلاحيات اللجنة التنفيذية للمنظمة.
وقد أعلن الجانبان أن لقاء الحوار الثاني سيعالج الخلافات حول الملف الأمني، لاسيما اللجنة الأمنية العليا المناط بها إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية. وطبقاً للورقة المصرية، تشكل اللجنة بمرسوم رئاسي، وهو الأمر الذي عارضته حماس وطالبت بأن يجري تشكيلها بالتوافق بين الفصائل الفلسطينية المختلفة.
وكان من المفترض أن يعقد لقاء الحوار الثاني في 20 أكتوبر/تشرين أول بمدينة دمشق؛ ولكن اللقاء ألغي بعد أن طالب وفد حركة فتح بنقل المباحثات إلى مدينة عربية أخرى، بسبب الجدل الحاد الذي شهدته قمة سرت بين الرئيس السوري بشار الأسد والرئيس عباس.
أخيراً، وافقت فتح على عقد اللقاء في دمشق، بعد ظهور بوادر على تحسن ما في العلاقات بين رام الله ودمشق. وقد عقدت دورة الحوار الثانية بين الطرفين في 9 نوفمبر/ تشرين الثاني، بحيث ترأس الأحمد وفد فتح، الذي ضم أيضاً صخر بسيسو واللواء ماجد فرج عن الأجهزة الأمنية، بينما ترأس وفد حماس نائب رئيس المكتب السياسي موسى أبو مرزوق، وضم سامي الخاطر ومحمد نصر وإسماعيل الأشقر.
وبالرغم من تضارب التصريحات بين ممثلي الجانبين، حول سبب أو أسباب فشل جولة الحوار الثانية، فالواضح أن اللقاء شهد اختلافاً بين عزام الأحمد وماجد فرج –وهما من الفريق نفسه- حول المدى الذي يمكن لفتح (وسلطة رام الله) الذهاب إليه للتعامل مع ملاحظات حماس حول الصيغة المصرية للجنة الأمنية العليا، إضافة إلى خلاف بين طرفي الحوار حماس وفتح، حول الترتيبات الأمنية المطلوبة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة قبل أن تبدأ مسيرة المصالحة.
أكد فرج، رئيس الاستخبارات الفلسطينية، خلال الحوار أن الشراكة بين الطرفين ستكون سياسية وحسب وأن لا شراكة في الأمن، وأن إعادة بناء وهيكلة الأجهزة الأمنية ستقتصر على قطاع غزة، بدون أن تتناول الأجهزة في الضفة. كما أصر على اعتبار كتائب عز الدين القسام (جناح حماس العسكري) تنظيماً غير شرعي خارجاً على القانون؛ وأكد على معارضة فكرة استيعاب العناصر المسلحة في قطاع غزة في أجهزة الأمن، التي تضمنتها الورقة المصرية.
لاحتواء مساحة الخلاف الواسعة بينهما، اتفق الطرفان على دورة حوار ثالثة في نهاية الشهر الحالي، نوفمبر/ تشرين الثاني. ولكن ثمة دلائل على أن اللقاء الثالث، إن كان له أن يعقد فعلاً، لن ينجح بالضرورة في ردم هوة الخلاف، لاسيما فيما يتعلق بالملف الأمني.
الأرجح أن كلا من حماس وفتح كانت تدرك من البداية أن الأمل في التوصل إلى اتفاق بينهما ضئيل. ولكن إطلاق الحوار وإبداء التصميم على الاتفاق يخدم مصالح ملحة للطرفين، بغض النظر عن الدور الذي لعبه السيد عمر سليمان في تشجيع الطرفين على اللقاء.
دوافع فتح
تواجه فتح تحدياً لم يعد ممكناً الاستهانة به أو تجاهله على صعيد قيادتها لسلطة الحكم الذاتي ودورها في ساحة العمل الوطني، يتمثل في رئيس الحكومة الفلسطينية سلام فياض. بخلاف التيار الإسلامي، الذي تلتف حوله القطاعات ذات التوجه الإسلامي في صفوف الشعب الفلسطيني، فإن نفوذ فياض المتزايد، يقتطع من شعبية فتح ذاتها. ويتصرف فياض في مقدرات سلطة الحكم الذاتي بحرية كاملة، مدعوماً بلا تحفظ من الإدارة الأميركية والدول الأوروبية المانحة. وفي الوقت الذي تراجعت الآمال باستعادة فتح لمواقعها الشعبية -وهي الآمال التي ولدها مؤتمر فتح العام في 2009- فإن فياض يبذل جهداً مخططاً لبناء قاعدة شعبية له، بدون أن يكترث بقادة فتح ومطالب كوادرها.
وبالنسبة لفتح، فإن المصالحة مع حماس واستعادة وحدة الضفة والقطاع، تفترض إطاحة حكومة فياض وتشكيل حكومة وحدة وطنية، وبالتالي عودة فتح على نحو أو آخر إلى مركز الحكم والسلطة. كما تعتقد أوساط في حركة فتح أن الانتخابات المقرر عقدها خلال عام من توقيع اتفاق المصالحة ستنتهي بخسارة حماس وعودة فتح إلى الحكم. وحتى إن لم يتم التوصل لاتفاق نهائي مع حماس، فإن جهود المصالحة ستشكل عامل ضغط على فياض، وتعزز من صورة فتح الشعبية. من جهة أخرى، فإن جهود المصالحة تساهم ولو جزئياً في تخفيف وطأة الإخفاق المتفاقم في مسيرة مفاوضات السلام، التي جعلت منها قيادة السلطة إستراتيجيتها الوحيدة لإقامة دولة فلسطينية.
دوافع حماس
إيجاد منطقة توافق وسطى بين ما يريده كل من الطرفين في هذه المرحلة ليس ممكناً بعد؛ وقد أصبحت المصالحة الوطنية الآن وثيقة الصلة بمصير السلطة في رام الله والنهج الاستراتيجي الذي ستسلكه حركة التحرر الوطني الفلسطيني ككل |
وليس ثمة شك أن مثل هذه الأعراض لابد أن تثير قلقاً لدى حركة مقاومة، يفترض أنها تخوض غمار مرحلة تحرر وطني. ويعتقد في بعض أوساط حماس أن مصالحة على أسس صحيحة ستخلص الحركة من أعباء الحكم المنفرد في قطاع غزة، وتؤسس لشراكة وطنية أصلب من تلك التي تلت انتخابات 2006، لاسيما بعد التراجع الكبير في حظوظ حركة فتح وعجز السلطة عن التقدم في مسار المفاوضات.
كما أن جهود المصالحة، بغض النظر عن إمكانية التوصل لاتفاق نهائي، قد تساعد على تخفيف الضغوط الأمنية الهائلة وإجراءات القمع التي تمارسها أجهزة السلطة في الضفة الغربية ضد عناصر حماس، وتؤكد أمام الشارع الفلسطيني جدية وحرص حماس على استعادة وحدة الضفة والقطاع. وليس من المستبعد، في ظل عدم وجود تصور استراتيجي واضح لدى حماس في المرحلة الحالية، أن ترى الحركة في استئناف جهود المصالحة فرصة لإعادة الدفء إلى علاقاتها العربية الرسمية، ومع مصر والسعودية على وجه الخصوص.
والجدير بالإشارة في هذا السياق أن وجود دوافع تكتيكية لدى الطرفين لا ينفي بالضرورة مصداقية خطوة استئناف الحوار بينهما. ولكن المشكلة ليست في النوايا، بل في حجم توقعات كلا الطرفين، واستعداد كليهما لتقديم التنازلات الضرورية للتوصل إلى اتفاق.
تتعلق إحدى أهم العقبات أمام الحوار الجاري بين حماس وفتح بأن فترة الانقسام بين سلطة حماس في القطاع وسلطة الحكم الذاتي في الضفة، تجاوزت الآن السنوات الثلاث، مما خلق أمراً واقعاً جديداً في المنطقتين، بغض النظر عن التصورات التي تقدمها الورقة المصرية للاتفاق، أو ملاحظات حماس عليها.
فبالرغم من حالة الحصار، الجزئي أو الكلي، المفروضة على قطاع غزة، استطاعت حماس إدارة شؤون القطاع بدون صعوبات كبرى، وأظهر أهالي القطاع قدرة عالية على الصمود ومواجهة الضغوط. وليس من السهل لشريحة ملموسة من قادة وكوادر حماس في القطاع التخلي عن الحكم، الذي يوفر حرية وسلطة ونفوذاً، بدون مقابل كبير ومؤكد.
أما في الضفة الغربية، فقد استغلت سلطة الحكم الذاتي الانقسام وأجرت متغيرات جوهرية على البنية الاجتماعية والسياسية والأمنية للضفة، أدت إلى تصفية البنية الخيرية والخدماتية لحماس والجهاد، وإلى إغلاق كلي للمجلس التشريعي الذي تتمتع فيه حماس بأكثرية نيابية، وإلى تجريم كافة مظاهر المقاومة، وفرض قيود متزايدة على العمل الإسلامي السياسي.
وبفعل تعاون أمني وثيق بين أجهزة السلطة والأجهزة الإسرائيلية، عملت السلطة على تفكيك أغلب خلايا المقاومة في الضفة، واعتقال أو اغتيال عناصرها. كما تتبع السلطة نهجاً منظماً لتصفية أي وجود لحماس في مؤسسات الحكم وأجهزته. وتجد هذه السياسة تأييداً كاملاً من الإسرائيليين والقوى الغربية، وتعد إحدى وسائل السلطة الرئيسية لتوكيد مصداقية مسعاها للسلام.
وبالمقابل، تفرض المصالحة شروط شراكة واسعة، وتستدعي تأسيس مناخات جديدة للعمل السياسي في الضفة، ستؤدي بالضرورة إلى عودة حماس إلى ساحة الضفة الغربية السياسية والاجتماعية، وإلى ساحة المقاومة؛ وهو الأمر الذي سيثير ردود فعل واسعة على صعيد علاقات سلطة الحكم الذاتي بإسرائيل والولايات المتحدة وأوروبا.
ما تريده حماس من المصالحة أن لا تؤدي إلى إضعاف نفوذها في قطاع غزة، وأن يتكفل الاتفاق باستيعاب الموظفين والعناصر الأمنية التي تعمل الآن في أجهزتها ووزاراتها في القطاع، وأن يؤسس لشراكة حقيقية في الضفة الغربية، سياسية وأمنية، ويؤمن الشروط الضرورية لعقد انتخابات حرة خلال عام، وأن يطلق عملية إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية.
وما تريده فتح من المصالحة أن تعيدها والسلطة إلى قطاع غزة بلا عقبات، وبدون أن تسمح لحماس بالتواجد المسلح في الضفة أو المشاركة في إدارة الأجهزة الأمنية ومؤسسات الحكم فيها، وأن توفر الظروف لعقد انتخابات تفوز فيها حركة فتح.
إيجاد منطقة توافق وسطى بين ما يريده كل من الطرفين في هذه المرحلة ليس ممكناً بعد؛ وقد أصبحت المصالحة الوطنية الآن وثيقة الصلة بمصير السلطة في رام الله والنهج الاستراتيجي الذي ستسلكه حركة التحرر الوطني الفلسطيني ككل. وحتى إن وجد الطرفان نفسيهما مضطرين للتوصل إلى اتفاق ما تحت ضغط الرأي العام، وهو احتمال بعيد التحقق، فمن المستبعد أن يكون تطبيق الاتفاق سريعاً وسلساً.