جمعية "الوفاق" والحوار الوطني في البحرين

يمكن اعتبار الحوار الوطني "حالة من التفاهم بين مختلف المكونات الوطنية للوصول إلى تسويات سياسية وتحقيق المصلحة الوطنية".. وتلك الحالة من التفاهم تتطلب مجموعة من الشروط لتكون نتائجها معبرة بالفعل عن توافق كافة القوى والتي عليها أن تلتزم بهذه النتائج.
1_1042306_1_34.jpg

علي سلمان أمين عام جمعية "الوفاق (الجزيرة)

د. عمر الحسن

تلجأ دولة ما إلى الحوار الوطني في أوقات التحولات الكبيرة والأزمات، من أجل تحقيق أهداف محددة على قدر من الأهمية لمستقبل البلاد(1)، وبالتالي يمكن اعتباره -أي الحوار- "حالة من التفاهم بين مختلف المكونات الوطنية للوصول إلى تسويات سياسية وتحقيق المصلحة الوطنية".. وتلك الحالة من التفاهم تتطلب مجموعة من الشروط لتكون نتائجها معبرة بالفعل عن توافق كافة القوى والتي عليها أن تلتزم بهذه النتائج(2).

وتأسيسًا على المفهوم السابق للحوار، فإن انسحاب جمعية "الوفاق الوطني الإسلامية" من "حوار التوافق الوطني" البحريني، قد يحمل بعض الآثار والانعكاسات على عملية الحوار، باعتبارها -أي الجمعية- إحدى مكونات النسيج السياسي البحريني. وللتعرف على هذه الآثار والانعكاسات، من المهم عرض التسلسل الزمني لخلفيات الدعوة إلى هذا الحوار التي أطلقها الملك "حمد" في يونيو/حزيران 2011؛ على أن يسبقه استعراض موقف "الوفاق" من الدعوة الأولى التي أطلقها أيضًا الملك عقب أحداث شهري فبراير/شباط ومارس/آذار لمعرفة كيف قابلت الجمعية الدعوتين، لاستخلاص أسباب وتداعيات انسحابها من الحوار الأخير، وتأثيراته.

أولاً: الدعوة إلى الحوار.. الخلفيات والمواقف
ثانيًا: تداعيات انسحاب "الوفاق" من الحوار
خاتمة

أولاً: الدعوة إلى الحوار.. الخلفيات والمواقف 

يعد ميثاق العمل الوطني الذي ينظم العلاقة بين الحاكم والمحكوم في البحرين والذي حاز تأييد 98.4% من المصوتين عليه عام 2001(3) أحد ثمار المشروع الإصلاحي الذي أطلقه الملك "حمد" مع بداية توليه الحكم عام 1999، فتأسيسًا عليه انفردت مملكة البحرين عن غيرها من دول مجلس التعاون بوجود جمعيات سياسية تعد "بمثابة أحزاب سياسية"، عددها 20 جمعية، كان الهدف منها تفعيل المشاركة السياسية الحقيقية وتعزيز مبدأ المواطنة؛ مما خلق نشاطًا متجددًا في الحياة المدنية والسياسية؛ حيث أصبح في البحرين انتخابات تشريعية (فازت جمعية "الوفاق" المعارضة في نسختها الثالثة الأخيرة بجميع المقاعد التي ترشحت لها وعددها 18 مقعدًا من أصل 40 مقعدًا)، ومجتمع مدني نشط (ارتفع عدد جمعياته من 189 عند تولي الملك السلطة إلى 452 مع نهاية 2010)، وإعلام متنوع (فهناك 13 صحيفة ومجلة بعد أن كانت 4 فقط عام 2001؛ اثنتين منها تصدران باللغة العربية واثنتين باللغة الإنجليزية)، وفرص أكبر للمرأة، واحترام حقوق الإنسان، وعدالة اجتماعية، وقضاء مستقل، وأجهزة رقابة مالية وإدارية...إلخ

وفي الوقت الذي كانت المملكة تستعد فيه للاحتفال بمناسبة صدور ميثاق العمل الوطني في الرابع عشر من فبراير/شباط قامت المعارضة البحرينية ومنها "الوفاق" تحت دعاوى حرية الرأي والتعبير بنقض ومخالفة ما تضمنه الميثاق من نصوص وبنود تنظم كافة مناحي الحياة في البحرين، ومنها حق التظاهر والتجمع؛ وذلك من خلال الخروج في مظاهرات واحتجاجات غير مرخصة ولم يتم الإخطار عنها قبل حدوثها على طريقة الاحتجاجات التونسية والمصرية.. ناسين أو متناسين أن البحرين ليست تونس ولا مصر، وأن غالبية الشعب وكل الجيش مع النظام.

ورغم تأكيد الحكومة أن التعبير عن الرأي يجب أن يكون بأسلوب الحوار والتظاهر السلمي المرخص لا التصعيد أو التأزيم، إلا أن جمعيات المعارضة بقيادة "الوفاق" رفضت ذلك، بل ودعت إلى مواصلة التظاهر والاحتجاج فقامت باحتلال دوار اللؤلؤة وقطعت الطرقات؛ مما أدى بطبيعة الحال إلى صدامات مع قوات الأمن وسقوط ضحايا.

وحرصًا من الملك على تهدئة الأمور كلَّف ولي عهده يوم 18فبراير/شباط2011 بفتح حوار مع جميع الأطراف معلنًا استعداده للتجاوب مع أي مقترح يحقق مصلحة البحرين ويصون مكتسباتها ويوحد أطيافها ومكوناتها، غير أن جمعيات المعارضة ومنها "الوفاق" رفضت الدعوة واستمرت في التصعيد والتطاول على رموز النظام، ثم جمدت عضوية أعضائها في مجلس النواب والذين استقالوا بعد ذلك، بهدف تعطيل الحياة البرلمانية في المملكة، ووضعت شروطًا لبدء الحوار يصعب تحقيقها، على رأسها استقالة الحكومة، وتشكيل حكومة انتقالية جديدة، وتغيير قانون الانتخابات، والاتفاق على دستور جديد من خلال تشكيل جمعية تأسيسية(4)، وغيرها من شروط.. في استنساخ لتجربة المحاصصة العراقية التي أثمرت كل ما نراه على الساحة العراقية، من اقتتال طائفي وخراب ودمار؛ مما زاد من حالة الاحتقان السياسي والفوضى الأمنية.

بالمقابل اتخذت الحكومة قرارات تهدئة، أهمها: سحب قوات الجيش ووحدات الأمن من الشوارع ومنافذ دوار اللؤلؤة، من أجل تفادي الاصطدام مع المتظاهرين، وأمر الملك بإطلاق سراح عدد من المحكومين، وإيقاف السير في الدعاوى الجنائية المقامة ضد ناشطين معارضين(5)، وأقال بعض الوزراء الذين كانت المعارضة تطلق عليهم وزراء التأزيم، ثم أعلن ولي العهد أن الحوار سيشمل الموضوعات التالية: مجلس نواب كامل الصلاحيات، حكومة تمثل إرادة الشعب، دوائر انتخابية عادلة، موضوع التجنيس، محاربة الفساد المالي والفساد الإداري، أملاك الدولة، معالجة الاحتقان الطائفي.. إلخ

وبدلاً من ترحيب جمعية "الوفاق" بإعلان ولي العهد والجلوس إلى طاولة الحوار هي والجمعيات الأخرى، استمرت بالتحدي ووصفت مبادرة الحوار بأنها "مؤامرة ضد الثورة"، وهددت بالعصيان المدني في حال عدم الاستجابة لمطالبها، ورفعت سقف مطالبها إلى إسقاط النظام، كما نقل المتظاهرون والمحتجون تظاهراتهم غير المرخصة إلى مقر رئاسة الحكومة ثم إلى مجلسي الشورى والنواب وبعدها إلى وزارة الداخلية ثم إلى الديوان الملكي، ثم أمرت النقابات العمالية والتعليمية والطبية وحتى اتحادات الطلاب الجامعية بالإضراب العام بهدف شل الحياة العامة في البحرين.

وفي يومي 10 و11 مارس/آذار 2011، ارتفع سقف مطالب بعض جمعيات المعارضة دون اعتراض من جمعية "الوفاق" إلى إقامة جمهورية في البحرين على غرار الجمهورية الإسلامية في إيران التي سخرت وزراءها ودبلوماسييها ووسائل إعلامها إلى تأييد ما كانوا يطلقون عليه "ثورة البحرين".

أما الشيخ "علي سلمان" أمين عام جمعية "الوفاق" فقد كان نشطًا في إجراء المقابلات التلفزيونية والتصريحات الصحفية يهدد ويتوعد، ويذكِّر بما حدث في مصر وتونس.

وقد أخذت الأحداث في البحرين اتجاهًا تصاعديًا يومي 14 و15 مارس/آذار 2011، انطوى على مؤشرات تنذر بالخطر؛ حيث تفاقمت الأزمة وتعثَّر الحوار بعد المواجهات التي شهدتها المملكة يوم 13 مارس/آذار 2011، بعد قيام المحتجين بقيادة "الوفاق" والجمعيات الأخرى بإغلاق طريق الملك فيصل، وقطع الطرقات الرئيسية في وسط العاصمة، والاعتصام في المرفأ المالي الذي هو عصب الحياة الاقتصادية؛ حيث اعتُبر ذلك تجاوزًا لكل الخطوط الحمراء، فبدأت أصوات الشعب تناشد الحكومة التحرك ووقف الفوضى وإعادة الأمن إلى الوطن؛ ولهذا قامت الشرطة بإخلاء دوار اللؤلؤة والطرقات والمرفأ المالي مما تسبب بسقوط ضحايا من الطرفين.. عندها أعلن الملك حالة السلامة الوطنية لمدة ثلاثة شهور من 1إبريل/نيسان2011، وطلب من دول مجلس التعاون -طبقًا لاتفاقية الدفاع المشترك- تدخل قوات درع الجزيرة لحماية المنشآت الحيوية في المملكة حتى تتمكن قوات الأمن البحرينية والجيش من حماية المدنيين وممتلكاتهم.. وبعد أن هدأت الأحوال، قبل نهاية الشهور الثلاثة المشار إليها، قرر الملك رفع حالة السلامة الوطنية، وأصدر مرسومًا بتشكيل لجنة حوار وطني برئاسة رئيس مجلس النواب "خليفة الظهراني"(6)، وأكد أن ما تقرره لجنة الحوار سيلتزم به هو والسلطة التنفيذية بعد إقراره من السلطة التشريعية.

وقد نالت هذه الدعوة تأييدًا محليًا وإقليميًا، إلا أن جمعية "الوفاق" رفضتها في البداية مشترطة إجراء الحوار مع الملك أو ولي عهده.. وهو ما رفضته سابقًا.

واستمرت الجمعية في التصعيد بتنظيم التظاهرات وإصدار البيانات والتصريحات الاستفزازية والتهديدية؛ الأمر الذي رأى فيه مراقبون أنه محاولة للهروب من الحوار، أو أنها لا تريد مشاركة باقي أطياف ومكونات المجتمع فيه، بل تريد فرض أجندتها هي(7)؛ حيث رفض أمينها العام "علي سلمان" إجراء أي حوار، مهددًا بأن البحرين لن تعرف الاستقرار إذا لم تُلَبَّ مطالبها (8)‮.

ثم عادت "الوفاق" لتبرر رفضها المشاركة في الحوار بسبب التهميش، لضآلة نسبة تمثيلها، لكنها عادت ووافقت على المشاركة قبل ساعات من بدئه، وبعدها بأيام أعلنت مقاطعتها المحورين الاجتماعي والاقتصادي، مع تأكيد مشاركتها في المحورين السياسي والحقوقي، وقد تمحور طرح جمعية "الوفاق" في المحور السياسي حول ضرورة تشكيل حكومة منتخبة تخضع في أعمالها لرقابة السلطتين التشريعية والقضائية(9)، ثم تقدمت بمطالب جديدة، أهمها: أن تشكيل الحكومة يجب أن يتم من قبل الكتلة ذات الأغلبية في مجلس النواب، وإقرار البرامج الحكومية عبر البرلمان، وتحويل تقرير الرقابة المالية من الملك إلى مجلس النواب، وأحقية مجلس النواب بكامل صلاحياته التشريعية والمالية، وبالنظر إلى هذه المطالب يتضح الآتي:

  1. أنها تهدف لإفشال الحوار(10): فـ"الوفاق" ترفض الاستماع لأي آراء أخرى، وتهدد باستمرار باللجوء للشارع في حال عدم الموافقة على المقترح..أي إلى الفوضى.
  2. صعوبة تحقيقها (11): نظرًا لأن هناك اختلافات بين البيئة السياسية الخليجية ونظيراتها في الدول الأخرى التي تسود فيها الملكيات الدستورية، إضافة إلى أن أي أطروحات في هذا الصدد يجب أن تتوافق وخصوصية المملكة ومحيطها الإقليمي.
  3. أنها لا تعبر عن الإرادة الشعبية(12): فقد نص ميثاق العمل الوطني، والذي حظي بتأييد غالبية الشعب في الفصل الرابع الفقرة الأولى على أن الملك هو الذي يعيّن رئيس مجلس الوزراء والوزراء، ويعفيهم من مناصبهم، وفقًا للدستور(13)، فضلاً عن أن هذا المطلب الذي تصر عليه المعارضة اليوم ليس أولوية وطنية، ولابد من ملاحظة أن "إرادة الشعب" في علاقته بالحكومة لا تعبر عنها أية قوة سياسية وحدها في المجتمع.. وأمام رفض القوى السياسية المشاركة في الحوار حول مطالب "الوفاق"، أعلنت الأخيرة انسحابها منه.

وهكذا، من خلال رصد مواقف "الوفاق" من الحوار يمكن استنتاج أن الأحداث التي شهدتها البحرين خُطِّط لها منذ البداية أن تسير في طريق التأزيم لا الحل؛ حيث كانت الحكومة صاحبة المبادرة والفعل على صعيد طرح المبادرات السياسية للخروج من الأزمة؛ ما يعني أنها هي التي تسعى إلى الحل، فيما اعتادت الوفاق والجمعيات الأخرى على أن تكون هي صاحبة رد الفعل؛ أي أنه لم يكن في نيتها الوصول إلى حل، وإنما كان شاغلها هو التصعيد والتأزيم.

ثانيًا: تداعيات انسحاب "الوفاق" من الحوار 

انطلاقًا من الاستنتاج السابق، فإن قرار انسحاب "الوفاق" لم يكن له تأثير على مجريات الحوار نفسه لجهتين، الأولى: أن أجندة "الوفاق" لا تخدم الداخل البحريني بقدر ما تخدم أجندات خارجية، وبالتالي فإن جميع مرئياتها لم تكن لتصب في إنجاح الحوار، وإنما إفشاله، وهو ما يعني أن انسحابها جاء في صالح استمرار الحوار، وهو ما أكد عليه أيضًا رجل الدين الشيعي الشيخ "محسن العصفور" (14) الذي أكد أنه سينشئ جمعية سياسية جديدة تعبر عن الأغلبية الصامتة من الشيعة، متهمًا جمعية "الوفاق" بأنها تمثل المصالح الإيرانية، وبالتالي فإنها إذا وصلت إلى السلطة عبر مقترحها بتشكيل حكومة منتخبة فإن الوضع في البحرين سوف يصبح شبيهًا بلبنان".

أما الثانية: فهي استمرار مشاركة الجمعيات السياسية الأخرى المتحالفة مع "الوفاق" في جلسات الحوار، وهو ما كشف حقيقة توجهات ونوايا "الوفاق"، الأمر الذي ترتب عليه حدوث انقسام داخلي لأول مرة في صفوفها بين مطالب بالعودة إلى طاولة الحوار، والمشاركة فيه، وآخر أصر على المقاطعة والعزوف عن حضور جلساته، فضلاً عن استقالة بعض أعضائها احتجاجًا على قرار الانسحاب، وقيامها بإيقاف عضوية أعضائها المقيمين خارج البحرين.. أي أن "الوفاق" كانت خاسرة من انسحابها، لخروجها عن إجماع كافة القوى السياسية والمجتمعية المشاركة في الحوار، وهو ما انعكس سلبًا على صورتها ليس فحسب داخل المملكة، بل وخارجها، وخاصة في دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية، باعتبارها الطرف الرئيسي المعطل للحوار والساعي نحو التصعيد والتأزيم وفوضى الشارع.

خاتمة 

وعلى ذلك، فإذا كان الرفض لما أسفر عنه الحوار من نتائج كان هو العنوان الرئيسي لموقف جمعية "الوفاق"، باعتبار أنه كما تروج، لم يمثل "الإرادة الشعبية"، ولم يلبِّ مطالب المعارضة، فإن ذلك لا يعني أن الحوار قد فشل في تحقيق النتائج المرجوة منه؛ فقد حقق الحوار مكاسب حقيقية، ولعل أهمها: التوافق على الغالبية العظمى من مرئياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والحقوقية، لجهة زيادة صلاحيات مجلس النواب التشريعية والرقابية، وإعادة النظر في الدوائر الانتخابية، ونقل رئاسة المجلس الوطني لرئيس مجلس النواب، ووضع معايير لاختيار أعضاء مجلس الشورى، وتفعيل توصيات ديوان الرقابة المالية والإدارية، وإنشاء مركز دائم للحوار الوطني، ووضع قانون يجرِّم أي تمييز بين المواطنين، ووضع آليات للحد من ممارسة العمل الطائفي في الجمعيات وغير ذلك. والأهم هو التقاء هذا العدد من ممثلي كافة قوى وتيارات المجتمع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفكري&

ABOUT THE AUTHOR