يعيش الأردن على صفيح ساخن، يسوده القلق والتوتر، وتعد الإدارة الأيّام عدًّا في ظل الثورات العربية المحيطة، وفي ظلّ الوعي الشعبي المتنامي والمتزايد والمتراكم.
أولاً: القصر
هناك شعور بالقلق الكبير على مستقبل العائلة، ومستقبل الملك؛ وهذا ما يجعل الملك يحاول أن يظهر بصورة الراغب في الإصلاح، ويحاول التقرب من الشعب من خلال الزيارات إلى المحافظات والألوية، والمناطق الساخنة. كما يحاول أن يتبرأ من التباطؤ في عملية الإصلاح من خلال إلقاء اللوم على الحكومة، ويحاول كذلك أن يعتذر للجهات الخارجية ومحطات التلفزات الأجنبية، بأنّه أمر بالإصلاح، وهو ينتظر هذه اللحظة منذ (12) عامًا كما يقول، ولكنه لا يجد الشريك القادر على تحمّل عبء الإصلاح معه، ولا يجد ذلك التجاوب من قطاعات الشعب حول ما يريده هو، وهو ينتقد الأحزاب وكثرة عددها، ويقول: يجب أن يكون هناك ثلاثة أحزاب: يمين ويسار ووسط، وقد كرّر هذه العبارة مراتٍ كثيرة، وخاصةً في مؤتمر الشباب الذي عُقد مؤخرًا في البحر الميت، فهو يحض الشباب على الانتماء للأحزاب، ولكنّه في الوقت ذاته ينتقد كثرة الأحزاب الموجودة.
هناك شعور بالقلق الكبير على مستقبل العائلة، ومستقبل الملك؛ وهذا ما يجعل الملك يحاول أن يظهر بصورة الراغب في الإصلاح، ويحاول التقرب من الشعب من خلال الزيارات إلى المحافظات والألوية، والمناطق الساخنة. |
وتشير بعض المصادر إلى أنّ الملك يجد دعمًا غير محدود في هذه الآونة من السعودية، وهي تحرّضه على عدم الاستجابة لدعوات الإصلاح، وعدم الخضوع للضغوط بهذا الاتجّاه سواء كانت من الداخل أو الخارج، ويقصد هنا الضغوط الأمريكية. ومن هنا فقد قدّمت السعودية معونة عاجلة للأردن قدِّرت بـ (400) مليون دولار، كما أنّ ملك السعودية ضغط باتّجاه ضم الأردن إلى مجلس التعاون الخليجي؛ فالسعودية لا تريد حدوث تغيّرات جوهرية حقيقية في أنظمة الحكم المحيطة بها، وخاصّة الأردن، الذي يشكّل حاجزًا طبيعيًا بينها وبين (إسرائيل)؛ لأنّ في ذلك تداعيات على الوضع الداخلي السعودي.
وجد ملك الأردن في دعم السعودية شيئًا من التطمين والدعم النفسي؛ ولذلك فإنّه يثني على العاهل السعودي في لقاءاته العامة والخاصة، بعد أن كان في السابق يشير بالغمز واللمز، ويشكو من عدم استجابة السعودية وأهل الخليج لمساعدة الاقتصاد الأردني المتدهور.
ثانيًا: الحكومة
نجت حكومة معروف البخيت من الاتهام الذي وُجِّه لها بالفساد في الجلسة التي ناقشت قضية كازينو البحر الميت، ومع أنها حظيت بالبراءة من هذا الاتهام إلاّ أنها براءة شكلية؛ ولذلك عمد البخيت إلى إدخال تعديل واسع على حكومته شمل (9) حقائب، فقد أعاد (موسى المعايطة) الشيوعي السابق إلى وزارة التنمية السياسية، ليرضي جانبًا من المعارضة، ثمّ سلّم (مازن الساكت) حقيبة وزارة الداخلية، مع أنّه يعد قريبًا من الاتجاهات المعارضة؛ من أجل تقليل الحملة التي تشير إلى تضييق الخناق على الحريات العامة وخاصة الحرية الإعلامية، وما يتعلق بالمواقع الإلكترونية. هذا التعديل أعطى جرعة من الحياة لهذه الحكومة، وأطال في عمرها نحو ثلاثة أو أربعة شهور أخرى؛ إذ من المتوقع أن يتم حل المجلس، وإجراء انتخابات برلمانية وفقًا لقانون الانتخابات الجديد المؤقت.
ولكن هذا التعديل غير مقنع لدى القوى السياسية والشعبية، وإن كان يمثل ثقة جديدة من الملك، رغم كل سمات الفشل التي أُلصقت بالحكومة، والاتهامات الكبيرة التي أمطرت بها هي ورئيسها على حد سواء؛ ممّا ولّد هاجسًا حول استمرار الحكومة إلى نهاية هذا العام.
عقبات أمام الحكومة المعدلة
تواجه حكومة البخيت، حتى بعد التعديلات التي أدخلتها على تشكيلها مؤخرا، عديدًا من العقبات التي قد تعوق عملها:
العقبة الأولى: القدرة على صياغة قانون الانتخابات الذي خرج من لجنة الحوار، بما يرضي القوى السياسية والقواعد الشعبية، وحل مشكلة القوائم المفتوحة سواء على مستوى المحافظة، أو على مستوى الوطن.
العقبة الثانية: القدرة على إجراء انتخابات بلدية وبرلمانية نزيهة، وليس على طريقة انتخابات 2007، والقدرة على ايجاد هيئة عليا مستقلة تشرف على الانتخابات.
العقبة الثالثة: التعامل مع القوانين المضيقة على الحريات الصحفية، والتي وُضعت لحماية الفاسدين، حتى لا يتعرض لهم أحد في المواقع الإلكترونية أو في الصحافة المحلية.
العقبة الرابعة: القدرة على التعامل مع قضايا الفساد الكثيرة التي تتعلق بالقطاع العام والخاص، والقدرة كذلك على النجاة من فضيحة خالد شاهين، وفضيحة الكازينو، وغيرها الكثير، التي يزيد عددها على ألف قضية كما أوضح رئيس هيئة مكافحة الفساد.
العقبة الخامسة: القدرة على التعامل مع ارتفاع أسعار الوقود وارتفاع الأسعار بشكل عام، وخاصة في رمضان، في ظل ارتفاع العجز في الموازنة إلى قيم قياسية. ويتوقع المراقبون أنّ إقدام الحكومة على رفع الأسعار سوف يشعل الشارع الأردني المتأهب.
العقبة السادسة: القدرة على التعامل مع موضوع إعادة الهيكلة الذي يطال شريحة لا بأس بها من أصحاب الرواتب العالية، وذوي الفروقات الشاسعة في الرواتب مع أقرانهم من المواطنين في بعض المؤسسات الحكومية، والمؤسسات المستقلة.
ثالثا: الشارع
تزداد مساحة التوتر في الشارع الأردني، وتطول مناطق كثيرة محسوبة على مخزون الولاء والانتماء للعائلة الحاكمة. وقد أصبحت منطقة الطفيلة أسخن منطقة أردنية، وسبق أن منع أهلها سيارة رئيس الوزراء من دخول المدينة، كما حاصروا الموكب الملكي ورشقوا بعض السيارات بالحجارة، والمنطقة الساخنة الأخرى، هي: لواء ذيبان، الذي زاره الملك مؤخرًا، ووعد بمبلغ من التبرعات، وتجنيد عدد كبير من الشباب في الدرك والجيش وأجهزة الأمن كنوعٍ من المكرمات. وهناك بؤر تحرك سياسي معارض في عشيرة بني حسن الأكثر عددًا، والتي ارتفع سقف مطالبها إلى حد المطالبة بحكومة منتخبة، وتلازم السلطة والمسؤولية.
إلاّ أنه يُلحظ أن الحركات الشعبية أخذت بتجميع نفسها وتأطير حركتها ضمن لافتة "التجمع الشعبي للإصلاح" من أجل تأطير حركة الشارع وتنظيمه وزيادة فاعليته، ويحوي هذا التجمع عددًا كبيرًا من أبناء العشائر الذين نظموا أنفسهم على شكل لجان شعبية لها رؤيتها في عملية الإصلاح، لكنها تُجمع على الحدّ الأدنى المتمثل بملكية دستورية، وربما يكون لهذا التجمع إشهار إعلامي في القريب العاجل، بعد أن يتم الاتفاق على ميثاق جمعي ورؤية سياسية موحدة تجاه عملية الإصلاح الوطني.
رابعًا: القوى السياسية
انضوت كل الأحزاب السياسية المعارضة، والقوى النقابية والطلابية تحت لافتة "الجبهة الوطنية للإصلاح". وقد شكّلت هذه اللجنة مكتبا تنفيذيا برئاسة أحمد عبيدات، ومن المحتمل أن يتمّ الإعلان عن هذه القيادة السياسية الموحدة قريبا. وبالرغم من أن حركة هذه الجبهة يشوبها بطء الحركة وقلة المبادرات، لكن من المتوقع بعد تشكيل المكتب التنفيذي أن تنطلق الجبهة إلى المجتمع الأردني وأن تباشر نشاطاتها السياسية المنتظمة.
خامسًا: التوقعات
ويُتوقع في الأردن في ضوء هذه المعطيات:
-
أن تستمر هذه الحكومة بعد التعديلات التي أُدخلت عليها والتي وافق عليها الملك، حتى تشرف على إدارة الانتخابات البرلمانية القادمة المحددة قبل نهاية هذا العام، ثم ترحل بعد ذلك.تشير بعض المصادر إلى أنّ الملك يجد دعمًا غير محدود في هذه الآونة من السعودية، وهي تحرّضه على عدم الاستجابة لدعوات الإصلاح، وعدم الخضوع للضغوط بهذا الاتجّاه سواء كانت من الداخل أو الخارج. - أن يتمّ حل البرلمان قريبًا، وأن لا يُعرض عليه قانون الانتخابات وقانون الأحزاب حسب توصيات لجنة الحوار؛ لأنّهما لم يُدرجا على جدول أعمال الدورة الاستثنائية الذي دُعي المجلس بشأنه.
- أن يُقدّم قانون الانتخابات بشكل مؤقت، وتجرى الانتخابات القادمة وفقه، ومن المحتمل أن يحوي هذا القانون قائمة وطنية، ولكن بأعداد قليلة، لا تصل إلى 15% من عدد المقاعد الإجمالية؛ وذلك بحجة التدرج والتهيئة لحكومة برلمانية ربما بعد 30 سنة، حسب ما يقول رئيس الحكومة في إحدى محاضراته.
- أن ترفع الحكومة أسعار المحروقات قبل رحيلها، بحيث يصبح رحيلها مطلبًا شعبيًّا، وتبقى الأسعار مرتفعة بعد رحيل الحكومة.
- أن لا تزور الحكومة الانتخابات التي ستجرى في وقت لاحق من العام الجاري، في محاولة منها لتحسين صورتها أمام الرأي العام الأردني.
وهي كلها توقعات محكومة بالمعادلات السياسية وتفاعلات موازين القوى بين الأطراف الفاعلة في المشهد الأردني.
___________________
كاتب ومحلل سياسي أردني