بالرغم من أن الجغرافيا العسكرية اضطرتْ تنظيم القاعدة إلى مركزة مجموعاته في مالي وبدرجة أقل في النيجر، فإن أدبياته تكشف أن مجال اهتمامه الرئيس يظل بلدان المغرب الخمسة.
البداية المباشرة لأحداث غابة "وغادو" كانت، بحسب الرّواية السائدة، مساء يوم الجمعة 24 يونيو/حزيران 2011 الماضي. حينها أُعلن أن وحدات من الجيش الموريتاني قد بدأت بتنفيذ هجوم واسع النّطاق على ما اعتُبر أنه مجموعات مسلحة يُفترض أنها تنتمي إلى ما يعرف بتنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي ـ أي "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" التي أعلنتْ مع بداية 2007 انضمامها لتنظيم القاعدة ـ متمركزة في غابة "واغادو" المالية. من المهم أن نتذكر هنا أن السّلطات الموريتانيّة بدأت مساء الجمعة بتسريبات مقتضاها أن هنالك هجوما بريا وجويّا من وحدات النّخبة في الجيش الموريتاني، وأنه هجوم غير مسبوق على مجموعات محسوبة على "القاعدة" قد أخذت تتمركز في غابة تمتد على مساحة معتبرة (80 كلم في 40 كلم) جنوب مالي وغير بعيد عن الحدود الموريتانيّة.
تلا هذه التسريبات تصريح رسمي صباح السبت 25 يونيو/حزيران يتحدّث عن هجوم منسق مع الجيش المالي، ويشيد بالهجوم كانتصار كبير على مسلّحي القاعدة (تدمير كلي للمخيم المسلح)، وفي نفس الوقت يعترف بأن هناك خسارة في صفوف الوحدات الموريتانية، وإن قلل من مستوى هذه الخسارة (أربعة جرحى). ثم في اليوم نفسه نسبتْ الصحافة إلى مصادر محسوبة على القاعدة في مالي نفيها لما أعلنه الجيش الموريتاني، وتأكيدها على أنها هي التي كبّدت هذا الجيش خسائر كبيرة (تدمير 12 من السيارات المهاجمة). أما رواية سلطات مالي فجاءت في أواخر يوم السبت لتتحدث عن هجوم منسق بين الجيشين اقتصر فيه الدور المالي على تأمين الحدود الجنوبية للغابة، والحيلولة دون تسلل مجموعات القاعدة عبرها. أما المرحلة الثالثة فقد تمثلت في مجموعة من التسريبات إلى الصحافة العالمية تؤكد أن الهجوم تم بتنسيق ودعم لوجيستي أميركي، وفي فترة لاحقة تم الحديث عن دعم استخباراتي فرنسي.
وفي مساء الثلاثاء 5 يوليو/أيلول 2011 قَطع التلفزيون الرسمي الموريتاني بثه ليعلن في خبر عاجل أن الجيش الموريتاني قد تعرض في مدينة "باسكنو" الموريتانية على الحدود المالية لهجوم مما سماه "مجموعات إرهابية"، لتبدأ بذلك موجة جديدة من المواجهات الدرامية.
بالرغم من ذلك فلم تكن أحداث "وغادو" مفاجئة للرأي العام المحلي والإقليمي؛ ليس فقط لأن هذه هي ثالث مرة يُعلن فيها أن الجيش الموريتاني يشن هجوما داخل الأراضي المالية على جماعات محسوبة على "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي"، بل لأن الحديث عن إعادة انتشار مجموعات مسلحة محسوبة على هذا التنظيم في جنوب مالي، وبالتحديد في غابة "وغادو" هو أمر تزايد الحديث عنه منذ أسابيع، وتم التطرق بإلحاح إلى أن جيشي البلدين "ينسقان" في إطار هجمات مشتركة على غابة "وغادو"، وهو ما يبدو أنه تم مثلا يوم الثلاثاء 22 يونيو/حزيران 2011 عندما أُعلن أنهما يشنان هجمات متتالية على هذه الغابة.
ما الذي تستهدفه السلطات الموريتانيّة من هجوم "وغادو"؟ وما الذي يعنيه عسكريا وسياسيا "خيار" المواجهة مع هذا التنظيم خارج حدود البلد؟ يُلاحظ أولا أن الدول المعنية التي تنتشر على أراضيها بشكل مباشر الجماعات المقاتلة التي يُطلق عليها تسمية "القاعدة في المغرب الإسلامي"، هي أربع دول: موريتانيا ومالي والنيجر والجزائر. وإذا نظرنا إلى العوامل المشتركة بين هذه الدول الأربع وجدنا -بين عناصر أخرى عديدة- أنها من أكثر دول إفريقيا بل والعالم ضخامة من حيث المساحة. وتمتد في أغلب مناطقها على أجزاء واسعة (أكثر من أربعة ملايين كيلو متر مربع) من الصحراء الإفريقية (واحدة من أكثر الصحاري عبر العالم "تصحرا" ووعورة ومن أقلها كثافة سكانية) التي تفصل/تصل إفريقيا المغاربية بإفريقيا المسلمة غير الناطقة بالعربية. وإذا استثنينا الجزائر فإن الدول الثلاث الأخرى تنتمي إلى قائمة أكثر الدّول فقرا في العالم، وتمثل بِنيات دولاتية هشة لديها صعوبات كبيرة في بسط نفوذها على مساحاتها الشاسعة التي لم تحظ بعدُ في أغلبها ببنى تحتية حديثة.
وإذا كان من البديهي أن للجزائر التي تمثل مهد تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" وضعا خاصا تجاهه فإنه من الملاحظ، منذ خمس سنوات على الأقل، أن موريتانيا هي الوحيدة من بين الدول الثلاث الأخرى التي تبدو في مواجهة رسمية ومعلنة مع المجموعات المحسوبة على هذا التنظيم. بل هي الوحيدة من بين الدول الأربع التي تواجه التنظيم عسكريا خارج أراضيها. يمكن الاعتراض على هذه الملاحظة بأن مقارنة موريتانيا في هذا المجال ينبغي أن تكون مع الجوار المغاربي لا الجوار الساحلي، وذلك لأنه بالرغم من أن الجغرافيا العسكرية اضطرتْ التنظيم إلى مركزة مجموعاته في مالي وبدرجة أقل في النيجر، فإن أدبياته تكشف أن مجال اهتمامه الرئيس يظل بلدان المغرب الخمسة. غير أن هذا الاعتراض لا يزيد الملاحظة السابقة إلا إلحاحا من حيث إنه منذ أن أخذ التنظيم يخرج من الحيز الخاص بالجزائر فإن أيًا من دول المغرب الأربعة الأخرى (ليبيا وتونس والمغرب وموريتانيا) لم تدخل في مواجهة عسكرية مفتوحة معه باستثناء الأخيرة.
لا شك أن المواجهة الحالية تُكسب النظام الموريتاني جزءا من الدعم الغربي، ومستوى متقدما من التنسيق مع الاستخبارات الخارجية الفرنسية والأميركية. هل هناك ما يبرر أو يفسر كون موريتانيا هي حاليا الدولة الوحيدة -مغاربيا وغرب إفريقيًا- التي تواجه هذا التنظيم خارج حدودها أي على أراضي الغير رغم الصعوبة التي تجدها في بسط نفوذها على أراضيها الخاصة (أكثر من مليون كلم مربع)؟ بعبارة أخرى هل هناك إستراتيجية منسجمة لدى السلطات الموريتانية في مواجهتها مع هذا التنظيم؟ وإذا كانت الجزائر التي تتمتع بإمكانات أكبر وتجربة أغنى في هذا المضمار فضلت عدم مطاردة هذه الجماعات خارج حدودها بل إنها لا تبدو متحمسة كثيرا لمطاردتها في مناطقها الجنوبيّة فكيف يمكن تفسير حماس السلطات الموريتانية لذلك؟
لنُشِرْ إلى أن تمركز مجموعات تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" خارج الحيز الجزائري لا يمكن إلا أن يُفهم على أنه أمر مريح -جزئيا على الأقل- بالنسبة للسلطات الجزائرية بغض النظر عن الغموض الذي يلف، في نظر البعض، العلاقات بين التنظيم وبعض أجنحة النظام الجزائري. بينما يمثل هذا التمركز لاسيما منذ حادثة الهجوم على حامية "المغيطي" في الشمال الموريتاني (3 يونيو/حزيران 2005) أول تهديد عسكري مباشر وجدّي للجيش الموريتاني منذ انسحاب البلد من حرب الصحراء سنة 1979.
ثمة أطراف موريتانية، في المعارضة وخارجها، قد أخذتْ تتحدث، خصوصا منذ الصيف الماضي، أي منذ ما سمّي حينها بالهجوم الموريتاني-الفرنسي على مجموعات "القاعدة في المغرب الإسلامي" (22 أغسطس/آب 2010)، عن أن الجيش الموريتاني يقوم بحرب بالوكالة، وعن أن الأمر يتعلق بالحرب التي يخوضها الغرب مع تنظيم القاعدة كحرب ذات طابع كوني ينبغي لدولة مثل موريتانيا أن تلزم الحياد تجاهها لا أن تكون إحدى أدواتها. تلك الأطراف تقارن غالبا تصرفات السلطات الموريتانية بتصرفات دولتي مالي والنيجر اللتين تنأيان بنفسيهما عن الدخول في مواجهة مع هذا التنظيم واللتين تفضلان -رغم تمركز جماعات التنظيم على أراضيهما، ووقوع جزء من المواجهات في حوزتهما الترابية- أن تشاهدا المعارك من بعيد.
غير أنه من البديهي أن كل أنظمة المنطقة -بما فيها دول الساحل- تُسوِّق نفسها للدول الغربية باعتبارها شريكة في الحرب على الإرهاب. وتعتقد أن وجود سياق يسمح بتبرير هذه الشراكة مهم لحمايتها من كل زعزعة خارجية أو داخلية، خصوصا أنها في عمومها أنظمة لم تستطع بعدُ الارتكاز على شرعية سياسية صلبة.
فهل تصدر الإستراتيجية الموريتانية في مواجهة تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي عن هذا التصور أي عن الرغبة في تعزيز شراكتها الأمنية مع الدول الغربية؟
لا شك أن المواجهة الحالية تُكسب النظام الموريتاني جزءا من الدعم الغربي، ومستوى متقدما من التنسيق مع الاستخبارات الخارجية الفرنسية والأميركية؛ فالمخابرات الخارجية الفرنسية كثيفة الحضور في المنطقة وهي مستنفرة إلى أقصى درجة تجاه مجموعات هذا التنظيم. أما الولايات المتحدة فتُولِي نشاطات هذا التنظيم عناية شديدة (يمكن الاطلاع على بعض ملامح ذلك في النص الجديد للإستراتيجية الوطنية الأميركية لمكافحة الإرهاب الصادر يوم 28 يونيو/حزيران 2011-توجد نسخة منه على موقع البيت الأبيض) وهو في طليعة مهمات أفريكوم (القيادة الموحدة في إفريقيا للنشاطات العسكرية والأمنية الأميركية التي مقرها شتوتغارت في ألمانيا).
ولكن، إذا كانت موريتانيا هي أكثر دول المنطقة حماسا لمثل هذه الشراكة الأمنية فهل يعني ذلك أن الولايات المتحدة أو فرنسا تقدمان في هذا الإطار دعما يفوق -أو على الأقل يعوض- ما تخسره الدولة الموريتانية في مثل هذا الصدام الاستنزافي المتنامي والطّويل النفس، بين وحدات جيش شبه نظامي متواضعة الإمكانيات والحوافز المصلحية والمبدئية، وبين مجموعات مسلحة تتمتع بمستوى معتبر من التصميم، وتتضافر حوافزها الأيديولوجية والمصلحية باطّراد في ظل غياب آفاق أقل ظلامية؟
المقارنة مع مالي والنيجر تدفعنا للتساؤل من جديد: لماذا لا يبدي نظاما هاتين الدولتين حماسا مماثلا لحماس النظام الموريتاني؟ لا شك أنهما يستجيبان لمختلف طلبات الدول الغربية بهذا الخصوص بما في ذلك الضغوط التي تهدف إلى دفع دول الساحل إلى مزيد من التعاون الأمني في مواجهة جماعات التنظيم. ولكنهما دولتان تكتفيان غالبا في هذا الباب بالحد الأدنى. ثمة استثناء ليس في حقيقته استثناء؛ فحين يتعلق الأمر بإطلاق سراح بعض من تعتقلهم مالي من المحسوبين على تنظيم القاعدة في إطار مفاوضات ما بين هذا التنظيم وبين إحدى الدول الغربية من أجل إنقاذ بعض رعايا الأخيرة المختطفين فإن مالي تبادر بحماس لإطلاق سراح المعنيين بينما لا تبدي السلطات الموريتانية حماسا مماثلا بل إنها لا تقبل غالبا بالقيام بخطوات مماثلة إلا بعد ضغوط كبيرة.
صحيح أنه باستثناء حالات محدودة، لم تتكشف بعدُ خلفياتها، فإن المجموعات المحسوبة على التنظيم لم تستهدف المدنيين الموريتانيين بشكل مباشر، ولكن استهدافها للعسكريين الموريتانيين قد قوبل منذ أول هجوم (المغيطي) برفض وغضب إجماعيين. إذا تأملنا النقطة الأخيرة بشكل خاص فإننا سنلاحظ أن تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي لا يستهدف دولة مالي ولا دولة النيجر وأنه لم يقم بهجمات منهجية ضد جيشيهما، فهو لا يرجو منهما سوى الحياد في مواجهته. إلى ذلك فإن دولة مالي مثلا لا تخسر كثيرا بوجود هذه المجموعات المسلحة في جزئها الشمالي، فهو جزء ظل منذ عقود لا يخضع لسيطرتها المباشرة إلا بصعوبة كبيرة، ويشكل بالنسبة لها مصدر إزعاج مستمر. ووجود جماعات القاعدة في هذا الجزء يمنحها ذريعة معتبرة تبرر غياب الدولة عنه. كما أن وجود هذه الجماعات -بالإضافة إلى مختلف الشبكات المسلحة وغير المسلحة الأخرى- يخلق اقتصادا بديلا، ويسمح لقبائل تعودت حمل السلاح ضد النظام المركزي في مالي أن تجد ما يصرف شطرا من أنظارها عنه. ويصدق هذا الأمر بنسبة كبيرة كذلك على دولة مثل النيجر.
يبدو واضحا أن استهداف النظام الموريتاني من قبل هذه الجماعات أمر يختلف نسبيا عن حالتي مالي والنيجر. فإذا كانت الجماعات المحسوبة على القاعدة تكتفي في مالي والنيجر باستهداف الغربيين فإنها منذ بداية هجماتها داخل الأراضي الموريتانية، أي منذ هجوم "المغيطي" (2005) قد استهدفت بشكل مباشر ومصرَّح به في أدبياتها وحدات الجيش الموريتاني قبل أن تستهدف لاحقا الرعايا الغربيين (ابتداء من هجوم "ألاك" سنة 2007). وقد تتالتْ بعد ذلك الهجمات التي تستهدف مباشرة وحدات الجيش الموريتاني كما حدث في "الغلاوية" (2007) وفي "تورين" (2008).
صحيح أنه باستثناء حالات محدودة، لم تتكشف بعدُ خلفياتها، فإن المجموعات المحسوبة على التنظيم لم تستهدف المدنيين الموريتانيين بشكل مباشر، ولكن استهدافها للعسكريين الموريتانيين قد قوبل منذ أول هجوم (المغيطي) برفض وغضب إجماعيين. مع ذلك فهذا الاستهداف حتى وإن كان مرفوضا من جُلّ مكونات الطيف السياسي الموريتاني فإنه تزامنيا مثّل منذ البداية خطرا على تماسك النظام القائم (سقط نظام ولد الطائع في 3 أغسطس/آب 2005 أي بعد شهرين من هجوم "المغيطي"، وإن لم يعن ذلك بالضرورة أن هذا الهجوم كان عاملا حاسما في إسقاطه). هل يمكن إذن أن نفسر إستراتيجية السلطات الموريتانية الحالية، وإصرارها المعلن على إبعاد المجموعات المسلحة عن حدود البلد بكونها تتخوف من انعكاسات هجماتها على التماسك الذاتي للنظام فضلا عن عواقبها الأخرى (الاقتصادية والاجتماعية.. إلخ) على النظام والمجتمع معا؟
يزداد السؤال عنادا حين نأخذ في الحسبان تخوف النظام الموريتاني من أن تكون السلطات الجزائرية أو بعض أجهزتها توجه، بطريقة أو أخرى، التنظيم ضده. فمنذ انسحاب موريتانيا من حرب الصحراء (1979) وإشكالية الالتزام بمواقف متوازنة تجاه النظامين المغربي والجزائري في تنافسهما الإقليمي هي إشكالية شائكة مطروحة على الأنظمة الموريتانية المتعاقبة. وإذا كانت علاقة النظام الموريتاني الحالي مع النظام المغربي تبدو متميزة في كثير من مناحيها فإن العلاقة مع النظام الجزائري ظلتْ، كما هو متوقع في مثل هذه الحالة، حذرةً منذ وصول الرئيس الموريتاني الحالي إلى السلطة سنة 2008.
في هذا الأفق يمكن أن ننظر مع شيء من التبسيط إلى أن الهجوم على "وغادو" ليس إلا ضربة استباقية مزدوجة تهدف من جهة إلى منع تكوّن مراكز عسكرية للتنظيم قرب الحدود الموريتانية، ومنع توغلها بمحاذاة الحدود الجنوب شرقية والجنوبية، وتهدف من جهة ثانية إلى الحيلولة دون تكديس ما اعتُبر أنه أسلحة متطورة نسبيا استطاع التنظيم أن يستولي عليها أو يقتنيها من ليبيا بسبب وضعها الحالي. ويمكن في نفس السياق أن نتحدث عن محاولة موريتانية لاختبار القوة الجديدة للتنظيم مع الإصرار على أن يكون زمام المبادرات الهجومية بيد الجيش الموريتاني (لنتذكر ما تمّ تسريبه عن الكثافة النسبية للطلعات الجوية الموريتانية فوق غابة "وغادو" في ظل الحديث عن اقتناء التنظيم لعدد من صواريخ أرض-جو الروسية والأميركية الصنع).
التخوف من انعكاسات هجمات هذه المجموعات المسلحة على التماسك الذاتي للنظام الموريتاني هو على الأقل عنصر غير غائب كليا عن منطوق الخطاب الموريتاني الرسمي وإن بشكل غير مباشر. فلم تُثبت هجمات "تورين" و"الغلاوية" و"ألاك" و"نواكشوط"، مرورا بالهجوم على القافلة الإسبانية، مستوى معينا من القدرات العملياتية على الأراضي الموريتانية للمجموعات المحسوبة على هذا التنظيم فقط بل أثبتتْ أيضا قدرات اختراقية ليستْ بالهزيلة، ومستوى من التواطؤات الداخلية التي يتمتع بها التنظيم بعد أكثر من عقد من التجنيد المتزايد للعناصر الشبابية الموريتانية في صفوفه. إذا كان سياق المرحلة يرشح المواجهة بين الجيش الموريتاني ومقاتلي القاعدة للاستمرار بل التفاقم في الأمد القريب فإن مصير هذه الحرب غير واضح على الأمد المتوسط؛ فالدعم الغربي للجيش الموريتاني سيظل محدودا، وغير متناسب مع الخسائر البشرية والمادية.
غير أن المعادلة الإقليمية أكثر تعقيدا بكثير مما يمكن أن يوحي به التحليل الأولي؛ فهناك صعوبة كبيرة أمام تحديد نمط العلاقة الّتي يتمتّع بها تنظيم "القاعدة في المغرب الإسلامي" مع الأمن الجزائريّ من جهة ومع جماعات "البوليساريو" الّتي تشترك مع مقاتليها في نفس المنطقة الجغرافيّة -ولو جزئيا- دون أن تكون قد حدثت أيّة مواجهة بين الطّرفين. أكثر من ذلك، فإنّ علاقة التّنظيم مع السّلطات المغربيّة (المنافس التّقليديّ للسّلطات الجزائريّة) ما تزال محط تسريبات متناقضة وغامضة. هذا فضلا عن أنّ علاقات الاستخبارات الموريتانيّة مع هذا التّنظيم في السابق، ولربما ما تزال، غير واضحة المعالم. وهنالك مصادر عديدة تؤكّد بأنّ نظام العقيد ولد الطّايع كان قد أبرم عقدا سرّيّا مع هذا التّنظيم سنة 2004 قبل ما يناهز سنة من هجوم "المغيطي". ويُعتقد في دوائر عدّة أنّ هذا الاتّفاق كان يمرّ عن طريق أعيان وجهات قبليّة في شمال مالي. وبديهي أنه ليس من السهل أن نعرف بدقة ما آل إليه هذا الاتفاق المفترض في السنوات الأخيرة وعلاقة ذلك بالهجمات المتتالية.
إذا كان سياق المرحلة يرشح المواجهة بين الجيش الموريتاني ومقاتلي القاعدة للاستمرار بل التفاقم في الأمد القريب فإن مصير هذه الحرب غير واضح على الأمد المتوسط؛ فالدعم الغربي للجيش الموريتاني سيظل محدودا، وغير متناسب مع الخسائر البشرية والمادية. ولا تملك موريتانيا بدائل إقليمية معتبرة بهذا الخصوص لاسيما بالنظر إلى التوازن الإقليمي الهش؛ فالصراعات الإقليمية (الصحراء، التوارق.... إلخ) تمنع من وجود تنسيق جدي سياسي أو عسكري بين دول المنطقة. بيد أنه من المحتمل رغم ذلك أن السلطات الموريتانية تحاول إبداء مستوى من الحزم العسكري مرحليا يسمح لها بتحضير هدنة أو اتفاق من نوع ما، معلن أو سري. ولكن التوازن الإقليمي والدولي الحالي يجعل التوصل إلى مثل هذه الهدنة أمرا عسير المنال أو على الأقل يتطلب جهودا تخطيطية تتجاوز مستوى التكتيكات المرحلية السائدة