مشروع المغرب العربي: فرصة التحول الديمقراطي

الأنظمة الديمقراطية الجديدة بمنطقة المغرب العربي تتحرك لإحياء مشروع وحدته، وهي تراهن على مشروعيته لدى شعوب المنطقة، وتراجع وزن القوى التي كانت تعيقه في السابق.
20122227551215734_2.png
الثروات الاقتصادية للدول المغاربية (الجزيرة)

تبدو البلاد المغاربية كأنها ذيل يتمحور حول قطب مركزي خارج عن ساحته، يتفاعل مع إستراتيجيات صادرة عن قوى خارجة عنه، سواء كانت أوروبية أو أميركية أو إفريقية أو عربية أو أي كيان إقليمي آخر.

ويمثل هذا التموقع تهديدًا للكيان الجيوسياسي المغاربي فيصبح مجرد وحدات جغرافية متجاورة، مجردة من الإرادة الجماعية، ومن المصالح المشتركة؛ فتفقد البلاد المغاربية قدرة التأثير على محيطها المتوسطي والأوروبي والإفريقي.

وتشهد البلدان المغاربية توترًا متواصلاً، فهي وإن كانت في حالة لا حرب إلا أنها تعيش في حالة اللاسلم؛ وذلك نتيجة عدة عوامل، أهمها:

  • التنافس الإستراتيجي بين الجزائر والمغرب.
  • النزاعات الداخلية والخارجية لهذه الدول.
  • وكذلك أخطار التطرف الديني المؤدي إلى استمرار الدول في التسلح، والتأهب المتواصل لمكافحة التمرد المسلح مثل القاعدة.

ويسود التوتر على المناخ السياسي بحكم استمرار النزاع حول الصحراء الغربية، وتبعات الحرب الأهلية الجزائرية، واستحقاقات الأقليات القبلية؛ حيث إن هذه الدول عجزت عن تسوية النزاعات بوسائل الحوار والتفاوض، وكذلك بوسائل الوساطة المغاربية أو العربية.

ورغم التقارب النسبي بين المغرب والجزائر إثر الزيارة التي قام بها الوزير المغربي للشؤون الخارجية، سعد الدين العثماني، إلى العاصمة الجزائرية في 23/24 يناير/كانون الثاني 2012، فإن هذه التراكمات وهذا العجز يزيد في عدم استقرار كامل الساحة المغاربية.

وتبدو التصورات الإستراتيجية متباعدة تحت تأثير شتى الصراعات الداخلية وحالة عدم الاستقرار والسياسات الاجتماعية والثقافية المتباينة؛ فدول المغرب العربي لا تتصرف بمنطق المجموعة الإقليمية المستقرة بل تبقى رهينة قضايا وخلافات مجمدة ظاهرة أو خفية.

وتتسم سياسات هذه الدول بانعدام بُعد النظر في تحديد المخاطر المحدِقة بها، فهي رهينة الماضي، عاجزة عن الارتقاء إلى رؤية مشتركة وشاملة للرهانات الأمنية؛ إذ تكتفي كل دولة بحماية مصالحها الإستراتيجية الضيقة، فلا تكتمل بذلك المسارات الإستراتيجية بل تتقاطع وتتناقض في بعض الأحيان.

إن موجة الثورات التي تهز الساحة المغاربية تزيد في تسريع هذا المسار الفردي وتُزعزع الثوابت التقليدية. وسيساهم هذا التحول السريع في تغيير هوية الدول المغاربية وشخصيتها الإستراتيجية، فيعيش هذا الفضاء المغاربي هزة مفاجئة، نتيجة أزمة سياسية عميقة، تحمل في طياتها بوادر قطيعة جديدة بين دول يمر بعضها بتحول ديمقراطي (كتونس والمغرب)، وتواجه دول أخرى أزمات سياسية متواصلة، وتبقى غيرها على أنظمتها المحافظة.

الثورات العربية والنظام الإقليمي المغاربي الجديد

  • تحقق تونس تقدمًا ديمقراطيًّا واضحًا رغم المصاعب الناجمة عن اضطراب الأوضاع ما بعد الثورة.
  • تعيش ليبيا حالة مخاض ديمقراطي إلا أن تساؤلات عديدة تبقى قائمة حول استمرارها كدولة موحدة؛ فالواقع أن تفاقم الصراعات القبلية على خلفية النزاعات الإقليمية والتدخلات الأجنبية، يعزز من خطر انهيار وتفكك الكيان الليبي. في هذه المرحلة، تعيش ليبيا وضعية شبيهة بالوضعية العراقية، وتبرز في هذا الإطار فرضيتان: إما أن تصبح ليبيا دولة حديثة مركزية وديمقراطية أو أن ينتصر فيها الحُكم العشائري الفيدرالي أو الكونفيدرالي.

يمكن لهذا التوجه، في حالة استمرار وجود تدخلات خارجية، أن يؤدي إلى تفكيك الدولة الليبية، مهددًا بذلك الخريطة الإقليمية. وكسيناريوهات لذلك:

قد تحاول مصر السيطرة على نصيبها من الثروات النفطية بمنطقة برقة، وتكثيف موجة التعمير سعيًا لتخفيف الضغط الديموغرافي المصري.

  • انطلقت المملكة المغربية منذ سنة 2000 في مسار انفتاح سياسي حقيقي وحذِر مع اعتلاء محمد السادس عرش المملكة، وذلك بتأطير ودعم من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، ومع ذلك لم تتمكن المملكة من إيجاد توازنها بين الانفتاح السياسي والأزمة الاجتماعية التي تُضعف نظامها الداخلي.
  • تبقى الجزائر على نظامها المتصلب الانفرادي كما تخشى من عدوى الثورات العربية المجاورة.
  • وفي موريتانيا كان الانقلاب العسكري الذي قاده الجنرال محمد ولد عبد العزيز في 6 أغسطس/آب 2008 مقوِّضًا للانطلاقة الديمقراطية التي بدأت في 3 أغسطس/آب 2005 بإسقاط الرئيس معاوية ولد سيدي أحمد الطائع. هكذا نعيش عودة إلى الوراء؛ إذ يتماهى النظام الموريتاني مع الأنظمة شبه المدنية التي كانت تعيشها مصر وتونس، ويبقى النظام الجديد قائمًا على تناقضات اجتماعية قبلية بين السكان البيض والسود.
  • يبرز، على المدى القصير، نظام إقليمي مرحلي مجزَّأ على نسق متفاوت في التحول الديمقراطي.

في هذا السياق الضبابي وغير المتجانس، يُطرح "مفهوم المغرب العربي الكبير" إستراتيجيًّا من خلال بعث أسس وقواعد جديدة لإتحاد المغرب العربي.

إيجابيات وعقبات إحياء الاتحاد المغاربي

يبرز العديد من العوامل الإيجابية المساعدة على الإحياء التدريجي لمسار الاندماج الإقليمي، كما يظهر العديد من العوائق الأخرى التي يجب تجاوزها، للشروع في هذا المسار الديمقراطي في عصر العولمة والتجمعات الإقليمية.

أ- العوامل الإيجابية

  • يمثل تزايد مطالبة الشعوب المغاربية بالسير نحو تحقيق المسار الوحدوي والديمقراطي قوة دافعة لمشروع المغرب العربي الكبير.
  • إن محدودية الأسواق المحلية تقتضي رفع الحواجز وبسط سوق موحدة تتسع إلى الدول الخمس، فتجذب وتشجع الاستثمارات. علاوة على ذلك، فإن منهجية التفاوض المنفرد مع الأطراف الأجنبية يُضعف القدرة التفاوضية المغاربية بالقياس مع سوق موحدة تجمع قرابة المئة مليون ساكن. و أخيرًا، فإن الأزمة الاقتصادية التي تهز الاتحاد الأوروبي تؤثر مباشرة في الاقتصاد المغاربي؛ ولذلك يمكن أن يشكِّل التقارب الاقتصادي بين هذه الدول تعويضًا نسبيًّا عن تبعات هذه الأزمة، بحيث تصير دافعًا فعّالاً لقيام سوق مغاربية مشتركة.
  • إن وجود اتحاد مغاربي متجانس متوازن، قائم على علاقات ثقة تتجاوز كل عوامل التوتر، ينتج عنه انخفاض نفقات التسلح المتزايدة على حساب التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
  • إن مشروعًا مغاربيًّا محكمًا متكاملاً بإمكانه جذب النظام الليبي وإبعاد الأطماع الأجنبية، سواء أكانت غربية أم إقليمية، فتتجنب المنطقة مخاطر انفجار الصراعات بالمنطقة.

ب- العقبات

  • إن التفاوت النسبي في التحول الديمقراطي، الذي تعيشه الدول المغاربية، يؤدي إلى نظام إقليمي غير متوازن وغير مشجع على التعاون المشترك.
  • تعيش الدول المغاربية وضعيات داخلية هشة وغير مستقرة، تُبعِد حكامه عن الاهتمام بالمشاغل الإقليمية الخارجية إذ يعتبرونها ثانوية في الوقت الحالي.
  • تشهد ليبيا بعد سقوط نظام القذافي وضعًا سياسيًّا قابلاً للانفجار.
  • استمرار النزاعات والتوترات يزيد من تفاقم ظروف عدم الاستقرار داخل الكيان المغاربي, ويشكِّل عدم حل النزاع الصحراوي عائقًا أساسيًّا أمام هذا المشروع. مع ذلك أعادت الثورات الديمقراطية توزيع الأدوار وطرحت بأكثر حدّة إشكالية الزعامة على المستوى الإقليمي، فيصعب قيام اتحاد مغاربي ما لم يتحقق التعاون الاقتصادي الشامل، ولم تتوحد الخيارات الإستراتيجية الجوهرية على المدى البعيد.
  • استمرار تصلب الحكومة الجزائرية بهدف التحكم في تفاعلات الساحة المغاربية.
  • نلاحظ منذ بداية يناير/كانون الثاني 2012 تقارب ظرفي في العلاقات بين المغرب والجزائر لكن حاجة الجزائر أقل لهذه العلاقة على خلاف المغرب، فهي قادرة على تحمل أزمة داخلية لمدة غير محدودة، وفعلاً يُعتبر النظام الجزائري، الذي تهيمن عليه سلطة الجيش ويستعمل ذاكرة الحرب الأهلية لمنع امتداد الثورات العربية، قادرًا في هذا السيناريو على الحفاظ على الوضع الراهن.

رغم هذه العوائق، تمثل الثورات الديمقراطية، التي هزت الساحة المغاربية، فرصة مناسبة لإعادة إحياء اتحاد المغرب العربي.

الثورات العربية حافز نحو الوحدة الإقليمية

ينعم الوضع المغاربي اليوم بفرصة سانحة لإعادة بناء صرح اتحاد المغرب العربي. فقبل هبوب رياح الثورات العربية، كانت الأنظمة المغاربية تخضع لذهنية استسلامية واقعية ما فتئت تزيد من حدة جمود الاتحاد. وبقيت الحال على ما هي عليه حتى وإن ألح الشركاء الأوروبيون والأمريكيون على ضرورة تفعيل الحوكمة الرشيدة واحترام حقوق الإنسان والانفتاح السياسي، مع الحرص على استمرارية التعاون الاقتصادي والأمني. وقد كانت هذه الدعوة من منطلق السياسة الواقعية لهذه الأطراف أو على أغلب الظن اعتبارا منها بأن الاتحاد يخدم مصالحها الاقتصادية والسياسية بالأساس. كما يعتبر انغلاق الأنظمة العربية على نفسها، ورفضها القاطع لأي مبادرة أجنبية، واعتبارها ذلك  تدخلا في شؤونها الداخلية، عائقا إضافيا أمام نشأة بوادر الوحدة.

  1. الحافز الأول: لقد كسرت الثورات العربية شوكة الاستسلام العام للشعوب المغاربية في مواجهة دكتاتورية حكامهم و شركائهم الغربيين. و تبقى البلدان العربية منقسمة حول الموقف الواجب اتخاذه من هذا المسار الديمقراطي. إذ تختلف المواقف باختلاف المصالح الإستراتيجية في كل منطقة. حيث تعلن سوريا والجزائر رفضهما لهذا المسار الديمقراطي . على العكس من ذلك، اعتمدت المغرب والأردن العديد من الإصلاحات، معلنة بذلك تبنيها لمسار الانتقال الديمقراطي، متماشية في ذلك مع الثورات العربية.
  2. الحافز الثاني: اتخذت الجامعة العربية، تحت تأثير المملكة العربية السعودية وقطر، منعرجا حاسما لصالح الثورة الليبية وإن لم يكن الهدف المعلن هو إزاحة القذافي. فتبدو هنا مساندة الجامعة العربية لهذه النقلة الديمقراطية فرصة  مواتية لبعث مشروع الاتحاد من جديد.
  3. تتمتع في هذا الإطار دول في طور النمو الديمقراطي كتونس  بقدر أكبر من المرونة الإستراتيجية نتيجة وضعها السياسي الداخلي، نظرا لما تنعم به من مساندة وتعاطف وتأييد كل من القوى الأجنبية والجامعة العربية وبعض الدول العربية الخليجية.
  4. أخيرا، فإن استمرارية وتزايد المظاهرات الشعبية الموريتانية والجزائرية المساندة بصفة ثابتة لهذا المسار الديمقراطي، تُسقط شيئا فشيئا الحواجز الداخلية للنظام القائم، وتُدخل هذه الدول في مراحل قد تمهد للثورات.

ورغم عدم وضوح الرؤية المستقبلية بالنسبة إلى الانتقال الديمقراطي المحتمل بالجزائر، فإن زعزعة النظام القائم عن طريق ثورة ديمقراطية قد يحد من دور الزعامة الإقليمية الذي تريد الجزائر أن تلعبه بالمنطقة. إذ كانت الرغبة في الاضطلاع بهذا الدور القيادي العائق الأساسي أمام قيام اتحاد إقليمي بالمنطقة.

تونس: نحو تجديد مسار الاتحاد المغاربي

لا يمكن لتونس أن تنجح بصفة منعزلة في تحقيق انتقالها الديمقراطي ما لم يترسخ، بكامل الدول الديمقراطية، الاتجاه نحو عهد جديد يقوم على اتساع الشرعية الديمقراطية، والرقابة الديمقراطية على الحكومة، والممارسة الانتخابية الشفافة، ومقاومة الفساد، وتزايد الحريات المدنية الفردية منها والجماعية، وحرية الصحافة، وغيرها. وفي هذا السياق، إذا اندرجت البلدان المغاربية بهذا المسار التاريخي الجديد، فإن ذلك سيساعدها على تحقيق التطور الجماعي، والحد من التوترات على الصعيد الإقليمي، وزيادة ثقلها الإقليمي والإستراتيجي؛ مما يعيد لها مركزيتها الجيوسياسية.

من مصلحة تونس، بصفتها قوة توازن إقليمي، السهر على مواصلة هذا المسار التاريخي والدفع بمشروع المغرب العربي الكبير على الرغم من العوائق المذكورة سابقا. ويمثل كل من إعادة تنظيم الساحة الداخلية، والسير نحو الانفتاح الاقتصادي، والمساندات الخارجية، عوامل دافعة لهذا الخيار الدبلوماسي. إضافة إلى ذلك، هناك حاجة ملحة لإعادة بناء الاقتصاد التونسي و تأمين المسار الديمقراطي في إطار إقليمي شامل . علاوة على أن تطلعات الشعب التونسي لصالح مشروع مغاربي يمثل مكسبا قيما.

ومن أجل تحقيق هذه الهدف، فإن التحرك التونسي يرمي إلى تحقيق جملة من النتائج:

  • ترمي المبادرة التونسية لعقد قمة مغاربية إلى القطع مع الماضي؛ حيث يمكن لهذه القمة اتخاذ تدابير فعلية ملموسة لغاية تسوية مختلف النزاعات بالمنطقة، كما يمكنها الإعلان عن إجراءات رائدة كإعادة فتح الحدود، وتحرير المبادلات التجارية، وانطلاق المشاريع الكبرى متعددة الأطراف؛ فتكون بوادر مبشِّرة بعقد ميثاق مغاربي جديد.
  • يجب الأخذ بعين الاعتبار القدرة الجزائرية على المناورة، فيمكن للسلطات الجزائرية القيام بأعمال تدفع إلى عدم الاستقرار بالمنطقة إذا شعرت أن التحولات الجارية بالمنطقة تهدد مكانتها الإقليمية وتماسكها الداخلي، لكن هذا لا يجعل تونس تتخلى عن دبلوماسية متجددة وواعدة تحمل قيم التفتح والديمقراطية والتسامح.
  • قد تمثل المبادرة التونسية، لإحياء المشروع المغاربي، إطارًا مناسبًا للإستراتيجية الجزائرية حتى تقطع مع سياستها المتصلبة وتمهد لإعادة بناء الاتحاد، على مثال نموذج إعادة البناء الصيني (بريسترويكا صينية).

وتمتلك تونس عددًا من الخيارات:

  • السعي إلى تشجيع وتوعية المجتمع المدني والشعوب في جميع الدول المغاربية باتخاذ إجراءات ملموسة، هدفها استعادة زمام المبادرات القطاعية، للتغلب على التنافس الاقتصادي والسياسي بين الأنظمة، كما يمكنها السعي إلى غرس وعي مغاربي حقيقي بالتركيز على أهمية وجود مغرب كبير مندمج وآمن، يخلق الفرص ويوظف المؤهلات لبناء المستقبل الواعد. والفاعل الرئيسي في هذا الخيار هو المجتمع المدني الذي يمكن أن يتجاوز السياسات الحكومية، فيكون القاعدة التي ينطلق منها بناء كيان مغاربي موحد.
  • يجب كذلك، على المستوى الإقليمي، طرح الإشكالية الشائكة للأمن الجماعي بكامل الوضوح للارتقاء إلى رؤية موحدة وشاملة للرهانات الأمنية. كما يجب طرح مجموعة الرهانات المرتبطة بالأمن الشامل والتنمية المستديمة على الصعيد الطاقي والمناخي والاجتماعي والثقافي وغيرها.
  • وبناء على الواقعية التونسية، فإن البناء المستقبلي لاتحاد المغرب العربي يجب أن يركز على التكامل بين المصالح المغاربية ومصالح الاتحاد الأوروبي، حتى نتجنب السياسات العكسية التي قد تصدر عن الجانب الأوروبي.

    إذا ما تحقق الاستقرار السياسي على المستوى المغاربي يمكن التفكير في إنشاء نموذج جديد من العلاقات، خصوصًا على المستوى الاقتصادي في هذا الفضاء الجغرافي الواسع، يُمكّن من بعث منطقة للتبادل الحر قد تتطور على المدى البعيد إلى اتحاد جمركي وإلى سوق مشتركة.

  • تلبي هذه المبادرات حاجة ملحة لإنشاء إطار تعاون مغاربي للحد من مخاطر انفجار الصراعات بالمنطقة؛ فيصبح المستقبل أقل غموضًا وحاملاً لآمال وآفاق جديدة. يمكن لهذا المسار عبر الزمن أن يكون متدرج المراحل ويبقى المفهوم الإستراتيجي هو وحدة مصير المغرب العربي الكبير. على هذا المسار أن يؤدي، بمساندة الجزائر أو بدونها، إلى تحقيق نموذج مرن للاتحاد المغاربي يجمع الدول المغاربية التي أسست لمسار انتقالها الديمقراطي (كتونس و المغرب وليبيا وبصفة فرعية موريتانيا).  قد تنجح السلطات الجزائرية، كعادتها، من خلال مناورات قد تهدد استقرار المنطقة في تعطيل هذا المسار لكنها لن تنجح في إفشاله أو عرقلته.

وقد بدا تصلب الموقف الجزائري خلال الزيارة الأخيرة التي قام بها الرئيس التونسي، المنصف المرزوقي، لما رفضت الجزائر مقترحه لعب دور الوسيط بينها وبين المملكة المغربية.

هذا ويبقى الرهان على المستوى المغاربي هو تحقيق إصلاحات تمكِّن من تجاوز المسار البطيء لدول الجنوب، والتعجيل بارتقاء المجتمعات المغاربية إلى مصاف الحداثة، والوعي بهويتها ووحدة مصيرها المشترك، واحترام أصالتها و ثقافتها الحضارية.
_____________________________
مهدي تاج-أستاذ جامعي ومختص في الشؤون الجيوسياسية والاستشراف

ABOUT THE AUTHOR