إخفاقات أوباما في الشرق الأوسط

إن الوضع في الشرق الأوسط يكشف العجز المتزايد للولايات المتحدة عن مواجهة الصراعات غير المتكافئة في العالم، حيث تبدو السياسة الخارجية الأميركية، مع بروز تحديات، مقيَّدةً أكثر من أيّ وقت مضى.
20111130124858275360_2.jpg
انسحاب القوات الأميركية من العراق (الفرنسية - أرشيف)

نفوذ الولايات المتحدة في العالم يتآكل، لكنه لا يتراجع، والفرق بين التآكل والتراجع هام. فالنفوذ المتراجع هو نفوذ غير قادر من الناحية التشغيلية على هيكلة النظام الدولي، وليست لديه من الناحية الافتراضية أية فرصة لاستعادة موقعه السابق, بينما النفوذ المتآكل هو نفوذ تراجعَ تأثيره النسبي لكنه لا يزال نشطا وقادرا على صياغة الأحداث. 

تؤدي تعددية أقطابِ النفوذ إلى ما يمكن تسميته بتآكل تفَوّق الولايات المتحدة، لأن قوى فاعلةً أخرى تدخل المنافسةَ العالمية. ومع ذلك، فإنّ التعدديةَ القطبيّة توجِد في الوقت ذاته فرصا ضخمة لنفوذ الولايات المتحدة، مثالٌ على ذلك منطقة آسيا، التي تستفيد من إعادة توزيع النفوذ، فهي ليست بأي حال موحدةً سياسيا، وقد أحسنت إدارة أوباما استيعابَ التناقض بين الازدهار الاقتصادي والتفكك الإستراتيجي في تلك المنطقة. فصعود الصين، مثلا، يتسبب بزيادةِ اعتمادِ دول جنوب شرق آسيا على التعهدات الإستراتيجية للولايات المتحدة. وكذلك الحال مثلا بالنسبة إلى الهند، فترى في تطوير علاقاتها مع واشنطن فرصةً لتحقيق التوازن مع الصين بسلاسة. والشاهد من النموذجين أن نفوذ الولايات المتحدة يحتاج إلى الاعتماد على جهاتٍ فاعلة أخرى في حلّ القضايا الأمنية لأنّ، واشنطن غيرُ قادرة على حلِّها وحدها، في وقتٍ يستحيل حلُّ أي من تلك المشاكل من دون موافقة الولايات المتحدة نفسها. فكيف ينطبق هذا النموذج على الشرق الأوسط؟

عندما تولى أوباما الرئاسة، حدّد خمسة أهداف رئيسة للولايات المتحدة في الشرق الأوسط: إحياء العلاقات الأميركية العربية التي تضرّرت بشدة من جراء شن الحرب على العراق وما تبعه من احتلال دام تسع سنوات، وتحقيق اختراقٍ رئيس في عملية السلام في الشرق الأوسط عن طريق دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تجميد بناء المستوطنات، وتحقيق الاستقرار في العراق قبلَ مغادرة القوات الأميركية، والانسحاب من أفغانستان من موقع القوة وعلى أساس الحد الأدنى من التقارب السياسي مع باكستان، والشروع في حوار مع طهران حول مستقبل برنامجها النووي.

وأدى خطاب أوباما في القاهرة في يونيو/حزيران 2009 إلى رفع سقف التوقعات إلى حدّه الأعلى لدى العالم الإسلامي, عندما قال إن التغلبَ على سوء الفهم بين الولايات المتحدة والعالم الإسلامي سيتم فقط من خلال تسوية الصراع الإسرائيلي الفلسطيني. ومع أن الخطاب لم يتطرّق إلى تفاصيل التسوية التي سيجري التفاوضُ حولها، فقد عبَّر عن رغبة أميركا بالمشاركة في تسوية كهذه. كذلك أنشأ الخطاب تماثلاً حقيقيا في التزامات الطرفين (الإسرائيلي والفلسطيني) مع التأكيد مجدداً على مسألة المستوطنات غير الشرعية وضرورة وقف إسرائيل لبنائها.

يبيِّنُ التحليلُ المفصّل للخطاب أن أوباما قوطع بالتصفيق من قبل الحضور سبعا وثلاثين مرة. ويدلُّ توزيع التصفيق على تقبّل الجمهور للمواضيع التي بسَطها، فمن بين المرات السبع والثلاثين التي تعالى فيها التصفيق، جاءت أربع عشرة مرة في الجزء الذي خُصِّص معظمه للعلاقات بين الإسلام والغرب، وست مرات خلال مناقشاته للقضية الفلسطينية، وأربع عندما كان يستحضر الديمقراطية، وثلاث عندما تحدث عن المرأة. في المقابل، لم تستدْع إشاراتُه إلى ضرورة الحرية الدينية غير مرة واحدة فقط من التصفيق، في حين لم يُثر ذكرُه للمسألة النووية الإيرانية أي تصفيق. وهذا يدل على صعوبة تسويق أي هجوم ضد إيران في العالم العربي على الرغم من حالة انعدام الثقة السياسية بين بلدان العالم العربي وإيران. ذلك الالتزام السياسي الذي تضمنه الخطاب لم يُتبع بخطوات ملموسة، بل على العكس من ذلك، تراجع أوباما، للأسف، وبسرعة فائقة في مواجهة التعنّت الإسرائيلي كما تحجّمت طموحاته.

الدور الأميركي في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي

من المفيد والمثير للاهتمام أن ندرس عن كثبٍ تطورَ سياسة الولايات المتحدة حول هذا الموضوع من خلال تصريحات أوباما في الأمم المتحدة خلال الأعوام 2009، 2010، و 2011. فمن سنةٍ إلى أخرى، كانت طموحات الولايات المتحدة آخذةً في التضاؤل، في حين استمرّ دعمها لمواقف إسرائيل في النمو والتعاظم.

في عام 2009، عبر أوباما عن رغبةٍ شخصية قوية في المشاركة بتسوية النزاع، مشيرا إلى أنه سيواصل "... البحث عن سلام عادل ودائم بين إسرائيل وفلسطين والعالم العربي". كما شدد على أهمية دعم المجتمع الدولي للمفاوضات الثنائية بين الإسرائيليين والفلسطينيين عندما قال "... وسعياً نحو تحقيق هذا الهدف، سنطوّر مبادراتٍ إقليمية بمشاركةٍ متعددةِ الأطراف، إلى جانب المفاوضات الثنائية". وفي النهاية، تعامل أوباما بشكلٍ متوازن مع الشكاوى الإسرائيلية والفلسطينية على السواء. أما في عام 2010، عندما خاطب أوباما الأمم المتحدة للمرة الثانية، فبدا جلياً وجود متغيرَين كبيرين، الأول يتعلق بدور المجتمع الدولي، الذي بالكاد أتى على ذكره حين قال " الآن، لا بد من صنع السلام من قِبل الإسرائيليين والفلسطينيين، ولكن تقع كذلك على كلٍ منا مسؤوليةُ القيام بالجزء المتوجب عليه". أما التغيير الثاني والأهم فيتعلق بمراعاة وجهات نظر الطرفين، ففي حين وُضعت شكاوى المعسكرين على قدم المساواة في عام 2009، اختلّ التوازن في عام 2010 حيث ذكر أوباما بإيجاز وجهة النظر الفلسطينية فيما توسّع في عرض وجهة النظر الإسرائيلية. وما لبث خطاب أوباما في سبتمبر/أيلول 2011 أن عكس انخفاضاً جديداً في طموح الولايات المتحدة على الرغم من بيان 17 مايو/أيار 2011 الذي حاول التعبيرَ فيه عن موقفٍ أكثر تصميماً تجاه صحوة الربيع العربي. في هذا الخطاب أصرّ أوباما على نقطة رئيسة واحدة هي: أنّ الطرفين بحاجةٍ للتوصل الى اتفاقٍ فيما بينهما وعليهما ألا يتوقعا الكثيرَ من المجتمع الدولي. ذاك التصريح في مقارّ الأمم المتحدة بأنّ قرارات الأمم المتحدة لا تساعد إلا قليلا في تسوية المشكلة كان غيرَ مسبوق إلى حدٍّ بعيد، خاصة من رئيسٍ للولايات المتحدة الأميركية يزعم تأييدَه لتعدديةٍ تشمل المزيد من الأطراف. برّر أوباما تموضعَه الجديدَ بأمثلةٍ من التاريخ, فقال: "يعتمد السلام على حلٍ وسطٍ بين الناس الذين يجب أن يعيشوا معاً لفترةٍ طويلة بعد انتهاء خطاباتِنا، وكذلك بعد احتساب أصواتنا. هذا هو الدرس المستفاد من أيرلندا الشمالية، حيث أقام الخصوم التقليديون جسراً على الخلافات بينهم. وهذا هو الدرس المستفاد من السودان، حيث أدّت التسوية عن طريق التفاوض إلى إقامة دولةٍ مستقلة. وهذا هو الطريق إلى مفاوضاتٍ تجري بين الطرفين بشأن إقامة دولة فلسطينية".

يبدو من الصواب أن نؤمن بأن الصراع يمكن حلُّه فقط إذا كان لدى الأطراف استعداد للقيام بذلك. لكن الحججَ المذكورة موضعٌ لكثيرٍ من الشكوك. فقبل أي شيء آخر، ليس للأمثلة التي أعطاها أوباما من أيرلندا الشمالية والسودان نصيب من قوة الإقناع، لأنها صراعات تشارك فيها الولايات المتحدة إلى حدّ كبير. وفي الواقع، أصبح جورج ميتشل، المفاوض الأميركي في أيرلندا، وفي خطوةٍ لها رمزيتها، المبعوثَ الخاصَّ للسلام في الشرق الأوسط، وذلك خلال السنوات الأولى من إدارة أوباما والتي سبقت استقالتَه. وفي السودان، بلغ تورطُ الولايات المتحدة حدَّ أنَّ دولة جنوب السودان، وبشكل واضح، ما كانت لتوجدَ من دون الدعم الأميركي. وفي عام 1978 كانت اتفاقات كامب ديفيد بين مصر وإسرائيل ممكنةً فقط من خلال الالتزام القوي للرئيس كارتر، نظرا لمدى تباعد مواقف الطرفين على الرغم من زيارة الرئيس السادات للقدس قبل عام من توقيع تلك الاتفاقية. وعلاوة على ذلك، فمن المستغرب أن نسمع من رئيس دولة عظمى أنها ليست بديلا عن طرفي النزاع، إذ يلمِّح ذلك إما إلى عدم امتلاك الولايات المتحدة أيةَ سيطرة على الطرفين، أو إلى اعتبارها الوضعَ الراهن مقبولا بالنسبة إلى مصالحها الإستراتيجية في العالم. لكن الواقع غيرُ ذلك، إذ يبدو من غير الممكن تصوّرُ الولايات المتحدة تُقارب صراعا بين السعودية وإيران بالحياد، أو بالتعبير عن الإحباط بسبب عدم استطاعتها التأثير على الأطراف. كذلك من غير المعقول أن تدعَ الولايات المتحدة أيَّ نزاع آسيوي يتطوّر بحجّة عدم امتلاكها ما يكفي من النفوذ لإجبار الطرفين على التوصل إلى اتفاق. إذن فحقيقة الأمر هي أنّ القوةَ العظمى تكون عاجزةً فقط عندما تختار أن تكون كذلك. إن الوضع الراهن, والذي لا يمكن إنكاره، يلحق الضرر بالمصالح الإستراتيجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، ولكن واشنطن لا تريد مواجهة مع إسرائيل التي تتمتع بنفوذ كبير عليها غير أن وضعَ إسرائيل في السياسة الداخلية الأميركية يحصّنها ضد أي ضغوط قوية من الرئيس الأميركي. وهذا أمر لا علاقة له بالانحدار الأميركي.

الحصاد الإستراتجي في العراق 

بالنسبة إلى العراق، أكدت جميع البيانات الرسمية الأميركية تلك الرواية الخيالية حول إنجازِ المهمة وفقاً لحسابات أوباما، لكن الواقع مختلفٌ إلى حد كبير. فقد بذلت الولايات المتحدة قصارى جهدها للإبقاء على ما يناهز عشرين ألف جندي في العراق إلى ما بعد التاريخ الحاسم في ديسمبر/كانون الأول 2011 لأن الوضع في البلاد لا يزال بعيدا عن الاستقرار. إنّ للولايات المتحدة, في ظل هذه الظروف، مصلحةً مفهومة في التفاوض على اتفاقٍ جديد مع السلطات في بغداد والتي كانت تؤيّد تمديدَ تواجد الولايات المتحدة على أي حال. فلماذا لم يتم تنفيذ هذا الاتفاق على الرغم من كونه محبّذا على ما يبدو لدى الطرفين؟ الجواب بسيط نسبيا، فالمسألة ليست في وجود القوات الأميركية بقدر ما هي في الوضع القانوني لهذه القوات. لقد تباينَت مواقف البلدين بشدة منذ البداية، إذ طلبَت الولايات المتحدة حصانةً لقواتها كشرط مسبق للدخول في أيّ تمديد، حصانة تتم المصادقة عليها ولا يكتفى بمجرد منحها من قِبل الحكومة العراقية. رفعت وزارةُ الخارجية الأميركية سقفَها كثيرا، وربما إلى حدٍ أعلى مما كان ينشده الجيش الأميركي الذي كانت أولويّته احتواء الخطر الإيراني في المنطقة. ومع أخذ ذلك بعين الاعتبار، فإن الصعوبة الرئيسة نبعت من حساسية العراقيين المفرطة في مسائل السيادة، واستحالة تحمّل الحكومة العراقية للمسؤولية السياسية عن اتفاقٍ يضع القوات الأميركية خارج أية سلطةٍ قضائية عراقية. بغض النظر عن صوابية الطلب أو عدمِها، فإن تطبيق تلك الأحكام -لو تمَّ- كان سيُعتَبر إطالةً في عمر الاحتلال الأميركي، على الرغم من قلق العراقيين إزاء انسحاب القوات الأميركية. في النهاية، ومع استثناء اليابان، فإن البلاد المحرَّرةَ نادراً ما تصبح حليفة. هذا الدرس الأساس ينطبق على بغداد ويمكن أيضا توقعُ انطباقه على كابول.
 
وإذا أردنا أن نفهم الحصاد الإستراتيجي للولايات المتحدة في العراق بشكل أفضل فإننا سنجد أمامنا المعطيات الآتية: شرع إقليم كردستان بالفعل في سلوك الطريق نحو الحكم الذاتي، في حين يتعرّض السُّنّة في عموم العراق إلى التهميش المتزايد من قِبل حكومةٍ مركزية يصفها خصومها بالطائفية والسلطوّية, وهذا من شأنه أن يؤثِّر في التوازن الإقليمي بتلك المنطقة، إذ تزداد بغداد اقترابا من  طهران بهدف إيجاد توازنٍ مع أنقرة التي يُنظر إليها كحاميةٍ للسُّنة. كذلك كشف تصريحُ رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أثناء زيارته الأخيرة إلى الولايات المتحدة حينما أعرب عن شعوره بالقلق من تركيا أكثر من قلقه إزاء ايران عن وجود فجوةٍ هائلة بين العراق والولايات المتحدة. وإلى ذلك، فإن واشنطن فقدت كلّ تأثيرٍ سياسي كبير في الشؤون العراقية. وفي تطور جدير بالملاحظة فإن الولايات المتحدة قررت عدم استخدام آخر أوراقها وهي المتعلقة بمبيعات الأسلحة للتأثير في القرار العراقي الخاص بتحالفاته الإقليمية، وهو ما يمكننا من القول إن احتلالَ العراق كان هزيمة إستراتيجية ساحقة للولايات المتحدة لأنه لم يؤدِّ في النهاية سوى إلى تعزيزِ قوة إيران.

ومع ذلك ما زال أوباما يفتقر إلى رؤيةٍ متوسطة المدى للتعامل مع خطورة الوضع، أما الرؤية قصيرة المدى فستكلّفه عاجلا أو آجلا فيما سيحدث أحد أمرين: إما أن ينجح إحكام احتواءِ إيران، من خلال فرض عقوباتٍ على صادرات النفط، في إضعاف طهران، أو أن يفشلَ ويدفع بالولايات المتحدة حتما إلى الطريق نحو حربٍ جديدةٍ في الشرق الأوسط. في هذه المرحلة، تريد واشنطن أن تثني إسرائيل عن قصف إيران بسبب الآثار السلبية الخطيرة لمثل هذه الخطوة على المنطقة بأسرها. وسوف تُعتبر أية ضربة إسرائيلية لم تحظ بتأييد الولايات المتحدة ضربةً قاصمةً للسياسة الأميركية في المنطقة وتأكيدا لعجز الولايات المتحدة عن السيطرة على إسرائيل في منطقةٍ تتهدّد فيها المصالح الأميركية بالخطر. لكن أوباما يعتقد أن بإمكانه تجنبَ هذا الموقف الإسرائيلي المتطرّف، ويظن أن بالعمل الدبلوماسي يمكن أن يحقق ما يريد،  فيما السيناريو الأسوأ لو خرجت الأمور عن نطاق هذا الظن ليس مضمونَ النتائج.

تكمن المشكلة في أن أوباما يميل بقوة إلى المبالغة في تقدير قدرته على الفعل وعلى التأثير في أطرافٍ فاعلةٍ أضعف من الولايات المتحدة بكثير ولكنها على قدر من الدهاء وبُعد النظر. وما ينطبق على العراق ينطبق أيضا على أفغانستان. فبوسع أوباما أن يتفاخرَ بالقضاء على بن لادن، فذاك كان نجاحاً من المنظور الأميركي دون أدنى شك ولكنه في المقابل فإنه مثَّل فشلا في معالجة السبب الجذري للمشكلة. فعلى الرغم من التواجد العسكري طيلة ثلاثة عشر عاماً والذي تضمَّن نشر أكثر من مئة ألف جندي وإنفاق خمسمئة وخمسين مليار دولار، لم تنجح الولايات المتحدة بعد في إيجاد بديل موثوق به لطالبان التي بدأ أوباما محاورتَها في الدوحة، ولكن المناقشات كانت أبعدَ ما تكون عن تحقيق انفراج، بل الأسوأ من ذلك أنها أثرت سلبا على تحالف الولايات المتحدة السياسي مع باكستان. فقد تراجعت العلاقات بين واشنطن وإسلام آباد مرة أخرى إلى ما كانت عليه قبل 11 سبتمبر، في فترة تميّزت بانعدام الثقة بين الطرفين. وإذا كان من الواضح أن القادة الباكستانيين يتحمّلون مسؤوليةً كبيرة عن هذا الفشل, فإن عجزَ الولايات المتحدة عن إشراكِ باكستان في حل الصّراع الأفغاني يعود ببساطةٍ إلى عدم إعطاء واشنطن لإسلام آباد ما أرادت، وهو تحديدا تحويل ميزان القوى الإقليمي لمصلحتها على حساب الهند. وهكذا، يبدو استنساخُ السيناريو العراقي محتمَلا في أفغانستان، حيث ستحافظ الولايات المتحدة فترةً معينة من الزمن على وجودٍ عسكري محدود قبل انسحابها, مع غياب أي ضغط جدي على الفاعلين المحليين.

إن الوضع في كلٍ من العراق وأفغانستان يكشف العجز المتزايد للولايات المتحدة عن مواجهة الصراعات غير المتكافئة في العالم، حيث تبدو السياسة الخارجية الأميركية، مع بروز تحديات، مقيَّدةً أكثر من أيّ وقت مضى.
__________________________________
* أستاذ العلاقات الدولية في معهد الدراسات السياسية في باريس

ABOUT THE AUTHOR