تحديات آنية أمام الإخوان المسلمين في مصر

يعود الإخوان المسلمون المصريون للعمل السياسي العلني، بالرغم من أن وضع الجماعة لم يُقنَّن بعد. ولأن العمل السياسي هو أحد مبررات وجود الإخوان، فإن عودتهم للساحة السياسية باتت واحدة من أكبر أسئلة الحياة السياسية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير.
20 July 2011
20117209572746734_2.jpg

جماعة الإخوان المسلمين في مصر ليست أولى جماعات الإخوان في العالم وحسب، بل وأولى جماعات الإسلام السياسي على الإطلاق. وبعد منعٍ مختلف الدرجات والوطأة استمر منذ 1954، يعود الإخوان المسلمون المصريون للعمل السياسي العلني والصريح، بالرغم من أن وضع الجماعة لم يُقنَّن بعد. ولأن العمل السياسي هو أحد مبررات وجود الإخوان، فإن عودتهم الظافرة للساحة السياسية المصرية باتت واحدة من أكبر أسئلة الحياة السياسية المصرية في مرحلة ما بعد ثورة 25 يناير/كانون الثاني.

تتعلق هذه الأسئلة بطيف واسع من القضايا، مثل تصور المجلس الأعلى للقوات المسلحة -الحاكم الفعلي لمصر ما بعد الثورة- للإخوان المسلمين ودورهم، والحجم الحقيقي للإخوان في الشارع المصري وما يمكن أن يحققوه في الانتخابات البرلمانية القادمة، وحقيقة البرنامج الذي يرغب الإخوان في تنفيذه، وطبيعة العلاقة بين جماعة الإخوان المسلمين والحزب السياسي الذي أطلقته الجماعة، ولماذا يصر الإخوان على إجراء الانتخابات البرلمانية قبل كتابة دستور للدولة الجديدة، وغيرها من الأسئلة. وما يجمع هذه الأسئلة في الحقيقة أنها تعكس مخاوف القوى السياسية المصرية الأخرى من الإخوان وبروزهم الملحوظ، وربما المبالغ فيه، على الساحة السياسية.

على أن هذه الأسئلة على أهميتها يجب أن لا تقلل من حجم التحديات التي تواجهها الجماعة في أشهر الفترة الانتقالية الطويلة، التي تفصل بين انتصار الثورة الشعبية وولادة مصر الجديدة، دولة ودستورًا ونظامًا سياسيًا.

هدف هذه الورقة هو تناول بعض من أهم هذه التحديات وأكثرها إلحاحًا:

حزب واحد أو أحزاب
أعلنت الجماعة مبكرًا بعد انتصار الثورة عن نيتها الانخراط في الحياة السياسية، وأعلنت عن أن عملها السياسي سيتم من خلال تأسيس حزب سياسي، وليس عبر تحول الجماعة ذاتها إلى حزب. وبالرغم من الصعوبة النسبية للشروط التي وضعها قانون الأحزاب، فقد كان حزب الحرية والعدالة، حزب الإخوان المسلمين، واحدًا من أوائل الأحزاب التي مُنحت رخصة قانونية بعد الثورة المصرية. وخلال الأسابيع القليلة الماضية، عمل الحزب بنشاط بالغ لتأسيس مقار له في كافة عواصم المحافظات المصرية، ولم يعد ثمة شك في أنه سيبرز قريبًا باعتباره أكثر الأحزاب المصرية السياسية تنظيمًا، وانتشارًا، وقدرة على حشد الأعضاء والأنصار على السواء.

بيد أن الحرية والعدالة وُلد ووُلدت معه مشكلة أخرى للإخوان المسلمين؛ إذ ليس ثمة شك في أن حجم الجماعة قد تضخم بصورة غير مسبوقة في السنوات العشر الماضية، مما ولَّد تعددية سياسية تلقائية في صفوفها. وقد جادل عدد من الإخوان في الأيام الأولى بعد انتصار الثورة بأن الأفضل للجماعة أن تبتعد عن الممارسة المباشرة للعمل السياسي، وتترك لأعضائها حرية الانخراط في الأحزاب التي يفضلونها أو لتشكيل أحزاب جديدة. ولكن الرأي القائل بأن على الجماعة مباشرة العمل السياسي عن طريق حزب تؤسسه، وأن يكون هذا الحزب هو الوحيد الذي يُسمَح لأعضاء الجماعة بالعمل من خلاله، انتصر في النهاية. ولَّد انتصار هذا الرأي تململًا في صفوف بعض العناصر الإخوانية، سواء بين الشباب الذين ساهموا في إطلاق الثورة المصرية وقيادة مسيرتها، أو الوجوه القيادية من جيل السبعينيات والثمانينيات، الذين عُرفوا في الآونة الأخيرة باسم التيار الإصلاحي في الجماعة. ومقارنة بحجم الجماعة الكبير، لا يشكِّل هؤلاء وزنًا ثقيلًا، لكن ذلك لم يمنعهم من مخالفة قرار الجماعة والمضي نحو تأسيس أحزاب جديدة، تختلف في برامجها، قليلا أو كثيرًا، عن برنامج حزب الحرية والعدالة.

أبرز الأحزاب التي يعمل الإخوان على إطلاقها الآن:

  1. حزب النهضة: الذي يقوده د. إبراهيم الزعفراني، مسؤول لجنة الإغاثة الإنسانية في اتحاد الأطباء العرب، والذي ارتبط اسمه منذ سنوات باسم د. عبد المنعم أبو الفتوح، المرشح الحالي لرئاسة الجمهورية.
  2. حزب الريادة: الذي يعمل على تأسيسه عناصر ارتبطت سابقًا بالزعفراني، مثل: خالد داوود وهيثم أبو خليل.
  3. حزب الإصلاح والتنمية: الذي يقود مجموعته التأسيسية الإخواني السابق حامد الدفراوي؛ وإن ظهرت تقارير مؤخرًا تفيد بأن المجموعة توشك على الانضمام للحزب الذي يقوده محمد عصمت السادات.
  4. حزب التيار المصري: الذي يعمل على تأسيسه مجموعة من شباب الإخوان الذين شاركوا في الثورة وبرزوا ضمن قياداتها الرئيسية، مثل: محمد القصاص وإسلام لطفي.

    لم يكتسب أي من هذه الأحزاب وضعًا قانونيًا بعد، والواضح أن حزبي النهضة والتيار المصري الأقوى حظًا في توفير شروط الترخيص القانوني خلال الشهرين أو الثلاثة القادمة. مهما كان الأمر، فقد بدأ الإخوان المسلمون بالفعل في فصل العناصر التي رفضت الانصياع لقرار الالتزام بحزب واحد للجماعة، وأعلنوا عن عزمهم تشكيل أحزاب جديدة. وربما يصل عدد الذين بادروا للاستقالة من الجماعة أو يُفصلون منها إلى المئات، بعضهم كان من أبرز ناشطي الجماعة السياسيين.

    الدستور أم الانتخابات أولًا؟
    تحوّل الجدل حول خارطة الطريق التي يُفترض أن تنتهجها البلاد في المرحلة الانتقالية إلى واحد من أكبر قضايا الحياة السياسية المصرية وأكثرها إلحاحًا. وتستشعر أغلب الأحزاب السياسية المصرية، مؤيدة من شريحة واسعة من الشخصيات الليبرالية والعلمانية، عجزها عن مجاراة الكفاءة التنظيمية والسياسية للإخوان المسلمين وحزبهم، وتطالب باختيار جمعية تأسيسية لكتابة الدستور الجديد قبل عقد انتخابات مجلس الشعب، بينما يطالب الإخوان، مؤيدين من حزب الوفد وأحزاب إسلامية وعدد واسع من شخصيات العمل العام، بالالتزام بالتعديلات الدستورية التي أيدها الشعب في استفتاء 19 مارس/آذار الماضي، والتي تقول بأن انتخاب مجلس الشعب الجديد لابد أن يتم في سبتمبر/أيلول، وأن المجلس الجديد هو من يختار الجمعية التأسيسية التي تضع مسودة الدستور. ويجادل الإخوان وأنصار الانتخابات أولًا بأن أي تغيير في خارطة الطريق التي أقرها الاستفتاء هو في الحقيقة انقلاب على إرادة الشعب، بغض النظر عن الدوافع خلف هذا التغيير.

    خلال الأسابيع القليلة الماضية تصاعدت حدة الدعوة لكتابة الدستور أولًا، مدعومة بحملة إعلامية هائلة، لاسيما أن القطاع الأكبر من وسائل الإعلام المصرية، المرئية أو المطبوعة، يمتلكه رجال أعمال يدعمون القوى والأحزاب الليبرالية والقومية –الوطنية- العلمانية. ولأن أوضاع البلاد لم تستقر بعد، فقد بدا من تصريحات أطلقها نائب رئيس الوزراء، د. يحيى الجمل، مؤخرًا أن المجلس العسكري يوشك على الخضوع للهجمة الإعلامية والتخلي عن خارطة الطريق المقرة في التعديلات الدستورية. ويُعتقد أن عددًا من الشخصيات الرسمية وغير الرسمية في البلاد، بينهم يحيى الجمل، يلعبون دورًا ما في محاولة التأثير على المجلس العسكري لإطالة المرحلة الانتقالية، بالرغم من المخاطر الواضحة التي يمكن أن تنجم عن مثل هذه الإطالة على مصلحة البلاد واستقرارها.

    من وجهة النظر الإخوانية، تُعتبر معركة الانتخابات/الدستور واحدة من أكبر المؤشرات على الانتقال الحقيقي نحو نظام ديمقراطي يستجيب للإرادة الشعبية. وفي لقاء شعبي يوم 4 يوليو/تموز بمدينة المنصورة، وصف د. محمد مرسي، رئيس حزب الحرية والعدالة، الدعوة إلى تأجيل الانتخابات بأنها خدمة للصهيونية وأعداء مصر. ولم يعد ثمة شك في أن الإخوان سيخوضون المعركة حول الانتخابات بكل طاقاتهم الشعبية؛ وهذا ربما ما بات يدركه المجلس العسكري.

    خلال الأسبوع الأول من يوليو/تموز، على أية حال، بدا أن الكفة عادت ترجّح المضي طبقًا لخارطة التعديلات الدستوري، وأن أي تأجيل محتمل للانتخابات لن يتجاوز أسابيع أو شهورًا قليلة، تتطلبها الضرورات التقنية والأمنية. وفي انعكاس لانكسار حدة الحملة الداعية للدستور أولًا، تخلت المجموعات الشبابية الداعية لمظاهرة يوم 8 يوليو/تموز بميدان التحرير عن مطلب الدستور أولًا، بعد أن أدركت مخاطر الانقسام حول هذا المطلب على الحراك الشعبي ومتطلبات حماية مسار الثورة؛ وهو ما دفع الإخوان المسلمين إلى الإعلان (6 يوليو/تموز) عن المشاركة في التظاهرة الكبرى.

    التحالف الديمقراطي من أجل مصر
    في محاولة لكسر حدة الاستقطاب السياسي في البلاد ومخاوف القوى الحزبية المختلفة من الثقل الشعبي للإخوان، تداعت قوى سياسية مصرية، وعلى رأسها الإخوان المسلمون منذ مارس/آذار الماضي ممثلين بحزب الحرية والعدالة إلى ائتلاف سياسي جامع، للاتفاق على وثيقة تحدد المبادئ الرئيسية للدستور المقبل، ولخوض الانتخابات البرلمانية في ظل أجواء توافقية. وقد استجاب للدعوة بالفعل عدة أحزاب، بعضها مرخص له والآخر تحت التأسيس. ونظرًا لحجم الإخوان الكبير، فقد أصبح الحرية والعدالة القوة المرجحة في لقاءات التحالف. وفي لقاء أحزاب التحالف الأخير (4 يوليو/تموز)، بلغ عدد الأحزاب المنضوية تحت مظلته 25 حزبًا.

    خلال الأسابيع القليلة الماضية، حقق الائتلاف الوطني من أجل الديمقراطية إنجازًا مهمًا، ولكن الواضح أنه يواجه صعوبات أخرى. تمثل الإنجاز في اتفاق أحزاب التحالف على تصور مشترك للمبادىء التي يمكن أن يُبنى عليها نظام الحكم المصري الجديد، وأُطلق على هذا التصور "وثيقة التوافق الديمقراطي من أجل مصر"، ويُعتقد أن الوثيقة ستطرح للعلن قبل منتصف يوليو/تموز. وبذلك يكون بعض من المخاوف المتبادلة التي تجتاح الساحة السياسية المصرية قد انقشع، سواء من جهة خشية الإسلاميين من محاولة البعض إلغاء المادة الثانية من دستور 1971 المتعلقة بموقع الإسلام والشريعة، أو من جهة خشية الليبراليين والعلمانيين من سعي الإسلاميين إلى المطالبة بإقامة دولة دينية.

    أما الصعوبات، فتتعلق بعدد من مسائل الاختلاف؛ ففي البداية، اختلفت الأحزاب حول مسألة الدستور/الانتخابات، وسعت إلى أن يشمل التوافق بين القوى توافقًا حول خارطة طريق المرحلة الانتقالية. ولكن ما أن تراجع الجدل حول هذه القضية، حتى أعلن عدد من الأحزاب ذات الوزن الملموس في الشارع اعتراضه على وجود الأحزاب الهامشية التي كان قد رُخِّص لها في عهد النظام السابق والتي لا تمثل وزنًا سياسيًا واعتُبرت دائمًا أدوات للحزب الوطني. واتهم هؤلاء الإخوان بأنهم دعوا هذه الأحزاب للقاء بهدف التعمية على الأحزاب الحقيقية. من جهة أخرى، رفضت أغلبية أحزاب اللقاء بدء الحوار حول تشكيل ائتلاف انتخابي، بعضها بحجة أن قانون الانتخابات لم يصدر بعد، بينما يدرك البعض الآخر بالتأكيد أن تشكيل ائتلاف انتخابي هو فعل سياسي بامتياز، ويسعى ربما لتحسين حظوظه من حصص القوائم الانتخابية. وما أن طرحت الحكومة مسودة قانون انتخابات مجلس الشعب على ساحة الحوار الوطني، حتى ثار خلاف جديد بين قوى الائتلاف حول النص على توزيع مقاعد المجلس مناصفة بين القائمة النسبية والدوائر الفردية. والواضح أن مثل هذا التوزيع للمقاعد يصب لصالح الإخوان، المتوقع لهم تحقيق أداء أفضل في الدوائر الفردية.

    أدت هذه الخلافات إلى تراجع وتيرة لقاءات الأحزاب، بل وتغيب بعضها عن بعض اللقاءات. وبالرغم من أن الاتفاق حول وثيقة العمل الديمقراطي اعتبر إنجازًا كبيرًا، فإن الهدف الأهم للائتلاف في النهاية يتعلق بالتوافق على قائمة انتخابية، تحتوي الاستقطاب المتصاعد في الساحة السياسية، وتعمل على عقد انتخابات ديمقراطية خالية من التوتر والعنف. وبدون التوافق على الانتخابات، فإن جدوى التحالف ستكون محدودة.

    الإخوان في المرحلة الانتقالية
    يتعلق عدد من الإشكاليات التي يواجهها الإخوان المسلمون وحزب الحرية والعدالة بمسالة الانتقال المفاجئ والسريع من العمل السياسي السري وشبه السري، الذي عاشه الإخوان طوال العقود الست الماضية، إلى العمل السياسي الشرعي والجماهيري الذي أتاحه انتصار الثورة المصرية؛ فعلى سبيل المثال، يجد التظيم الإخواني صعوبة في التوفيق بين حجم الجماعة الكبير، من ناحية، والحفاظ على وحدة القرار السياسي، من ناحية أخرى. ولكن من الواضح أنه بالرغم من أن قرارات فصل قيادات ونشطين إخوانًا من الجماعة تجد اهتمامًا إعلاميًا بالغًا، فإن الجسم الإخواني التنظيمي كبير إلى الدرجة التي لا يُتوقع لقرارات الفصل هذه أن تؤثر عليه بصورة ملموسة، بالرغم من أثرها السياسي، المحدود حتى الآن، على صورة الإخوان.

    ومن المرجح، على أية حال، أن انتقال مصر إلى حياة سياسية تعددية، يعني أن الإخوان سينتقلون من الحالة السياسية الاستثنائية إلى حالة سياسية طبيعية، وسيصبح الالتحاق بالجماعة وحزبها والخروج منهما مسألة عادية، لا تثير كثيرًا من الجدل والتوتر.

    كما يجد الإخوان صعوبات في التوفيق بين الوزن الكبير للجماعة وبين ضرورات تطمين القوى السياسية الأخرى؛ فالتوكيد على وزن الجماعة، الأكبر بلا شك في الساحة السياسية، يتطلب العمل من أجل توكيد دور الجماعة وحزبها في رسم مستقبل مصر السياسي؛ بينما يستدعى التطمين تقديم تنازلات ملموسة، حتى عما يعتبر مصلحة أولية في نظام ديمقراطي طبيعي. ولكن المؤكد أن مصير الحوار المتعلق بالائتلاف الديمقراطي يرتبط بقدرة حزبي الحرية والعدالة والوفد على التفاهم؛ فبالرغم من أن من الخطأ محاولة عزل أي من القوى السياسية في المرحلة الحالية، فإن التوافق بين الحرية والعدلة والوفد يعني توافقًا بين أبرز قوتين سياسيتين وأثقلها وزنًا.

    بيد أن الإخوان يواجهون إشكاليات من نوع آخر، إشكاليات ذات علاقة مباشرة بخصوصية الثورة المصرية والكيفية التي أطيح بها بالنظام السابق؛ فمسائل الخلاف المثارة بصورة حادة في الساحة السياسية المصرية، مثل: الانتخابات والدستور وقانون الانتخابات، ستختفي كلية بمجرد انتهاء المرحلة الانتقالية، وتعود القضايا الكبرى المتعلقة ببنية الدولة الجديدة والاقتصاد وتوزيع الموارد والسياسة الخارجية إلى مقدمة الأولويات. والسؤال الأهم الذي يواجه الإخوان، والقوى السياسية الأخرى، بالتأكيد، ما إن كان لديهم الخبرة والوعي والمهارة الكافية للتعامل مع هذه القضايا، التي سيكون لها التأثير الأعمق والأبعد على مستقبل مصر، وعلى وزن وثقل القوى السياسية الجماهيري على المدى الطويل.