القضايا العالقة بين السودَانَينِ.. الطريق إلى السلام أو الصراع

إن المشكلة بين السودان وجنوب السودان ليست غريبة في أفريقيا ولكنها أكثر تعقيداً بسبب عوامل عديدة، ولعل الاتحاد الأفريقي وهيئاته أفضل وسيط يقود عملية التفاوض حتى تصل بنجاح إلى التسوية المطلوبة. وهنالك أكثر من سبب يدفع الطرفين للتوصل لتسوية عادلة وسلمية لجميع القضايا العالقة بينهما.
2012729105153694734_20.jpg
المشكلة بين السودان وجنوب السودان ليست غريبة في أفريقيا ولكنها أكثر تعقيداً بسبب عوامل عديدة، ولعل الاتحاد الأفريقي وهيئاته أفضل وسيط يقود عملية التفاوض حتى تصل بنجاح إلى التسوية المطلوبة (الجزيرة)

مقدمة

تعتبر الحرب الأهلية بين شمال وجنوب السودان، والتي اندلعت في 1955 أطول حرب في التاريخ الأفريقي، كما أن الأسباب الكامنة وراءها معقدة ومتداخلة وهي ما بين عوامل داخلية وأخرى خارجية.

لقد أرست سياسة المناطق المقفولة التي انتهجتها الإدارة البريطانية للسودان، القاعدة لانفصال الإقليمين لفترة ثلاثة عقود.

لقد أشعلت الدعاية التي كانت تبثها الإرساليات مشاعر الجنوبيين ضد العرب المسلمين في الشمال.

وتبنت الأنظمة العسكرية التي حكمت الشمال لفترات طويلة طريق الحل العسكري لمشكلة الجنوب، كما أن الحكومات الديمقراطية الضعيفة لم يكن لديها الوقت أو الإرادة السياسية لمنح الجنوب نظام فدرالي مقبول.

لقد أجبِر المشير/ البشير -مثل نميري قبله- للقبول بحل سياسي مع الحركة الشعبية/ الجيش الشعبي لتحرير السودان مبني على فدرالية شبه مستقلة والحق في تقرير المصير.

إن اتفاقية السلام الشامل الموقعة بين حزب المؤتمر الوطني والحركة الشعبية/ الجيش الشعبي في يناير/ كانون الثاني 2005 تحت رعاية الإيغاد كانت نتيجة لمفاوضات طويلة وشاقة استمرت أكثر من ثلاث سنوات في كينيا. لقد برزت القضايا العالقة بالساحة السياسية السودانية نتيجة لاستفتاء جنوب السودان الذي قاد إلى ولادة جمهورية جنوب السودان.

اتفاقية السلام الشامل.. البنود والمعاني

قسمت الاتفاقية التفصيلية لستة فصول: بروتوكول مشاكوس، تقاسم السلطة، تقاسم الثروة، الصراع حول أبيي، جنوب كردفان والنيل الأزرق والترتيبات الأمنية.

وضع بروتوكول مشاكوس الذي وقع في يوليو/ تموز 2002 المبادئ الأساسية التالية: حق تقرير المصير لشعب جنوب السودان من خلال الاستفتاء، حق الشمال في تطبيق قوانين الشريعة، الحدود بين الشمال والجنوب في حدود 1956 حسب ما نُصّ عليه في إعلان المبادئ الذي تبنته الإيغاد، فترة انتقالية مدتها ست سنوات قبل إجراء الاستفتاء.

منح اتفاقية تقاسم السلطة الجنوب حكماً شبه مستقل وتم تقسيم مقاعد المجلس الوطني قبل الانتخابات كما يلي:

2% من المقاعد لحزب المؤتمر الوطني، 28% للحركة الشعبية لتحرير السودان، 14% للأحزاب الشمالية الأخرى، 6% للأحزاب الجنوبية الأخرى، وبالنسبة للجهاز التنفيذي يستمر الرئيس الحالي في موقعه بينما يصبح رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان النائب الأول لرئيس الجمهورية، كما يتم تقاسم الحقائب بالجهاز التنفيذي القومي بنفس نسبة المجلس الوطني.

يتم تمثيل الحركة الشعبية بالمجلس التشريعي بجنوب السودان نسبة 70% والمؤتمر الوطني 15% والأحزاب الجنوبية الأخرى بـ15% كما يتم تقاسم المناصب التنفيذية بالجنوب بنفس النسب الموضحة بالمجلس الوطني، ويتم تكوين المجالس التشريعية بالولايات (15 ولاية بالشمال و10 ولايات بالجنوب) كما يلي:

يحصل المؤتمر الوطني على 70% من المجالس التشريعية بالولايات الشمالية وعلى 10% بالولايات الجنوبية، وتحصل الحركة الشعبية على 70% من المجالس التشريعية بالولايات الجنوبية وعلى 10% بالولايات الشمالية، ويتم تقسيم الـ20% المتبقية على القوى السياسية الأخرى بالشمال والجنوب، ويتم توزيع المناصب التنفيذية الولائية بالشمال والجنوب على القوى السياسية بنفس نسب المجالس التشريعية.

ولكن الترتيبات لمنطقة أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق كانت مختلفة. لقد تم تقاسم المجلس التنفيذي لمنطقة أبيي بين الطرفين الموقعين على اتفاقية السلام الشامل، ويتم تعينه بواسطة مؤسسة الرئاسة المكونة من الرئيس ونائبيه، وبالنسبة لحالة جنوب كردفان والنيل الأزرق فإن المجالس التشريعية والمناصب التنفيذية توزع بين الطرفين فقط 55% للمؤتمر الوطني و45% للحركة الشعبية. وقد منحت المناطق الثلاث شكلا من أشكال الحكم الذاتي ووعدت بتقديم المساعدة المالية لتمكينها من إعادة بناء ما دمرته الحرب من البنية التحتية، كما تم تكوين مفوضية خاصة لترسيم حدود منطقة أبيي المتنازع عليها والتي حولتها السلطات البريطانية إلى ولاية جنوب كردفان في 1905. وسميت مفوضية ترسيم حدود أبيي (ABC)، كما سيتم تكوين مفوضية أخرى بواسطة مؤسسة الرئاسة لإجراء استفتاء بين سكان أبيي ليقرروا ما إذا كانوا يودون الاحتفاظ بوضعهم الخاص بالشمال أو يكونوا جزءًا من بحر الغزال بالجنوب، وقد منحت الولايتين الشماليتين الأخيرتين حق "المشورة الشعبية" لإبداء آرائهم من خلال المجالس التشريعية المنتخبة حول وضعهم كما نص عليه في اتفاقية السلام الشامل وكيف تم تنفيذ ما ورد بالاتفاقية خلال الفترة الانتقالية.

كما تم إقرار قسمة الثروة كما يلي:

  1. يتم تقسيم صافي عائدات النفط المنتج في جنوب السودان (75% من النفط السوداني موجود بالجنوب) بين حكومة جنوب السودان والحكومة القومية (المركزية) بنسبة 50% للكل بعد خصم 2% لصالح المنطقة التي أنتج فيها النفط.
  2. يحق للحكومة القومية (المركزية) وحكومة الجنوب والحكومات الولائية سن القوانين لتحصيل وجمع الضرائب كما هو موضح باتفاقية السلام الشامل.

وبالنسبة للجيش وقوى الأمن سمحت الترتيبات الأمنية للقوات المسلحة السودانية وقوات الحركة الشعبية بالبقاء كقوتين منفصلتين، ويتم انتشار الأولى بالشمال والثانية بالجنوب. وقد كان ذلك امتيازاً عظيما للحركة الشعبية والذي مكنها لاحقاً من إقرار الانفصال بصورة سلسة.

كما أقر بتكوين وحدات مشتركة مدمجة (39000 جندي) من الجيش السوداني والحركة الشعبية يكون مقرها الجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق والخرطوم.

سيقوم مجلس دفاع مشتركة (JDB) تحت إشراف مؤسسة الرئاسة بقيادة الوحدات المدمجة، كما أن النصوص والمبادئ التي تحكم وقف إطلاق النار وعدم الاشتباك وإعادة الانتشار موضحة بتفاصيل دقيقة بالاتفاقية.

لقد اعتبر المجتمع الدولي أن هذه الاتفاقية نموذجٌ لحل أطول النزاعات في أفريقيا بصورة سلمية، وشهد حفل توقيع الاتفاقية كل من الرئيس الكيني واليوغندي كما شهدها ممثلون عاليو المستوى من كل من مصر، ايطاليا، هولندا، النرويج، المملكة المتحدة والولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوربي، شركاء الإيغاد، الجامعة العربية والأمم المتحدة. لقد كانت مناسبة مدهشة وقد أقيمت في الملعب القومي بنيروبي يوم 9 يناير/ كانون الثاني 2005.

تنفيذ اتفاقية السلام الشامل.. بداية التحديات

لقد كان التحدي الحقيقي لاتفاقية السلام الشامل هو التنفيذَ الجادَّ والأمينَ لبنودها مما يحفظ روح التعاون التي سادت المفاوضات الطويلة والتي أدت إلى توقيع الاتفاقية.

لقد ثبت أن التحدي كان صعباً وحساساً بسبب العقبات التالية: فقدان الثقة بين الشريكين وخاصة بعد الموت المفاجئ لرئيس الحركة الشعبية/الجيش الشعبي لتحرير السودان جون قرنق، الصعوبات الاقتصادية التي واجهت حكومة السودان بعد فقدها لنصف عائدات النفط الواردة من الجنوب، إضافة إلى فشل المجتمع الدولي في الإيفاء بوعوده الاقتصادية التي بذلها للحكومة. لقد أدت العقوبات الاقتصادية الأمريكية على حكومة الشمال الى مزيد من الضغوط على الاقتصاد.

لقد قاد الدعم الذي تقدمه الحكومتان للقوى المعارضة للطرف الآخر إلى تآكل الثقة بين الشريكين. كما أن الاشتباكات المحدودة بين جيشي البلدين في كل من أبيي وملكال أوضحت تنامي الصراعات بين الطرفين والتي شجعت مجموعات صغيرة متطرفة تابعة لكل من الحكومتين للسعي للمواجهة.

لقد كانت العلاقة بين الشريكين خلال الفترة الانتقالية متوترة في الأغلب تسودها الشكوك والشجار. إن قضية حدود أبيي، ومفوضية استفتاء ابيي، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب، والإحصاء السكاني، وعائدات النفط الحقيقية، وقوانين الاستفتاء للجنوب وأبيي... الخ كانت عوامل في عدم تنفيذ بنود الاتفاقية فضلا عن الخلاف المزمن بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية والتي -وتحت حالة الإحباط الذي أصابها- قد انسحبت لعدة أشهر من حكومة الوحدة الوطنية والبرلمان، وفي الحقيقة فإن الحركة الشعبية كانت –رغم وجودها في الحكم- تمثل حزباً معارضاً أثناء الفترة الانتقالية؛ فقد ظلت متحالفة مع أحزاب المعارضة الشمالية أكثر منها شريكاً في الحكم مع المؤتمر الوطني.

وعلى كل حال فقد تم إكمال الأجزاء الرئيسية من اتفاقية السلام الشامل بالرغم من أنها جاءت متأخرة عن التواقيت الموضحة بالاتفاقية:

  • تقاسم السلطة على المستويين الاتحادي والولائي؛
  • انسحاب الجيش السوداني من الجنوب؛
  • الانسحاب الجزئي للجيش الشعبي من الشمال؛
  • التقاسم المتساوي لعائدات نفط الجنوب؛
  • إجازة قوانين الاستفتاء؛
  • الانتخابات النصفية؛
  • تنفيذ استفتاء تقرير المصير للجنوب؛
  • والموافقة على نتيجته الثقيلة وهي الانفصال.

ولكن هناك بعض القضايا الهامة التي كان يجب أن تحسم خلال الفترة الانتقالية ظلت عالقة وتم ترحيلها لما بعد الاستفتاء. لقد خلق عدم حسم القضايا الهامة مثل: قضية أبيي والنفط والحدود بين الشمال والجنوب والجنسية، العديد من المشاكل للمواطنين في الجانبين، وكذلك للرعاة وتجار الحدود والمصاعب الاقتصادية التي تهدد السلام والأمن لكلا الحكومتين.

لقد أصرت حكومة جنوب السودان على قيام استفتاء جنوب السودان في موعده المحدد بأي ثمن، وقد ساندت القوى الغربية هذا الموقف للجنوب ومارست مزيداً من الضغط على حكومة الخرطوم للقبول بهذا الطلب بصرف النظر عن النتائج الخطيرة المترتبة على ذلك.

إن الكوارث الماثلة بين الشريكين في الوقت الراهن هي نتائج منطقية للطريقة المتسرعة التي تم بها إكمال تنفيذ اتفاقية السلام الشامل.

لقد وجهت انتقادات قوية لاتفاقية السلام الشامل من قبل المراقبين والمحللين السياسيين باعتبارها اتفاقية لصالح مجموعتين مسلحتين سئمتا الحرب، وأما أولئك الذي كانوا يأملون بحدوث تغيير حقيقي في الحكم على نطاق القطر فقد خاب أملهم، كما خاب أمل الكثيرين من المتعاطفين والداعمين للحركة الشعبية بالشمال لأن الحركة التي كانت تنادي "بسودان جديد" والتي وعدت بالعمل على الوحدة قد سعت إلى الانفصال بسهولة.

لم تبدِ قيادة الحركة الشعبية حماساً كبيرا لشؤون الشمال أو لقضية الحكم الراشد ولقد كان النائب الأول لرئيس الجمهورية سلفاكير ميارديت غائباً عن القصر الجمهوري بالخرطوم معظم الوقت.

لم يتم احترام تحقيق أهداف "التحول الديمقراطي" ووثيقة الحقوق وحرية التعبير والتنظيم المنصوص عليها في الاتفاقية والدستور الانتقالي من قبل أي من الحكومتين في منطقة سلطتهما.

بدت عملية اتفاقية السلام الشامل كلها وكأنها تقسيم للسلطة بين مجموعتين مسلحتين، حيث استمر المؤتمر الوطني ببسط سيطرته على الشمال، بينما أخذت الحركة الشعبية نصيب الأسد من السلطة بالجنوب.

وبالرغم من كل ذلك، فإن اتفاقية السلام الشامل قد جلبت السلام الذي طال انتظاره إلى البلاد وكان لديه في أعوامه الأولى الكثير من المدافعين عنه.

لقد ذكرت مفوضية التقييم والتقدير التي أنشأتها الاتفاقية لمراقبة ورصد التنفيذ في تقريرها النهائي ما نصه: "لقد كانت الاتفاقية تجربة فريدة غير مسبوقة ومعقدة لبناء السلام".

إن بعض النتائج لم تكن منظورة عند كتابة مسودة الاتفاقية حيث يجب ويمكن تعلم الدروس من المشاكل التي برزت، ولكن الإنجاز الكلي للاتفاقية كما ورد في تقارير مفوضية التقييم والتقدير أمر يعتز به السودانيون في الشمال والجنوب وليس أقلها أمرا تقرير المصير الذي وافق عليه الجميع بصورة فورية والذي أضاف عضواً جديداً إلى المجتمع الدولي. وبالرغم من أن حكومة السودان كانت مستاءة من نتيجة الاستفتاء إلا أن الرئيس البشير قد حضر حفل الاستفتاء في 9 يوليو/ تموز 2011 في جوبا وخاطب الحشد بقوله "يجب احترام إرادة شعب الجنوب" ووعد بالتعاون التام والكامل مع الدولة الجديدة.

القضايا العالقة والقضاء على اتفاقية السلام

تمت إجازة قانون استفتاء جنوب السودان بالمجلس الوطني يوم 31 ديسمبر/ كانون الأول 2009، وذكر في المادة 67 منه أن بعض القضايا الأساسية التي سيتم التفاوض عليها بين شريكي الاتفاقية والتي كان الشهود عليها من المنظمات والدول الموقعة على الاتفاقية. لقد بقيت هذه القضايا بعد انتهاء الفترة الانتقالية والتي كان من المفترض أن يكون قد تم التفاوض بشأنها والوصول إلى حلول بصددها.

من المحتمل أن حكومة جنوب السودان كانت تود التفاوض في هذه القضايا من موقع القوة كدولة مستقلة بدلاً من موقع الشريك الأضعف مع نظام الإنقاذ القوي والقضايا هي كما يلي:

  1. الجنسية؛
  2. العملة؛
  3. الخدمات العامة؛
  4. وضع الوحدات المشتركة المدمجة والأمن الوطني والمخابرات؛
  5. الاتفاقيات والمعاهدات الدولية؛
  6. الأصول والديون؛
  7. حقول النفط، الإنتاج والنقل والتصدير للنفط؛
  8. العقود والبيئة بحقول النفط؛
  9. المياه؛
  10. الممتلكات؛
  11. أي قضايا أخرى يتم الاتفاقية عليها بين الطرفين.

وهناك قضايا أخرى كانت جزءاً من اتفاقية السلام الشامل ولكنها لم تحسم قبل الانفصال وكان يتوجب التفاوض حولها لاحقاً، مسألة أبيي، الحدود بين الشمال والجنوب، الترتيبات الأمنية والمشورة الشعبية لولايتي النيل الأزرق وجنوب كردفان.

انعقد الاجتماع الأول بين الطرفين لمناقشة القضايا العالقة (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) بمدينة ميكالي الأثيوبية من يوم 21 الى 22 يونيو/ حزيران 2010. لقد كان اجتماعاً ناجحاً ووقع الطرفان مذكرة تفاهم تحتوي على النقاط التالية:

أن المفاوضات ستدار بواسطة فريق مشترك من ستة أشخاص من كل طرف، وأن الآلية رفيعة المستوى للاتحاد الأفريقي برئاسة ثامبو أمبيكي ستكون هي المسهل، وستكون مدعومة بالإيغاد وبالأمم المتحدة وشركاء الإيغاد.

سيتم دعم المفاوضات بسكرتارية فنية دائمة مشتركة من ستة أشخاص تنسق وتتصل بمفوضية التقييم والتي ستقدم الدعم الإداري.

اتفق الطرفان على تقسيم المفاوضات إلى أربع مجموعات عمل لمناقشة القضايا كما يلي: المواطنة، الأمن، الموارد الاقتصادية والمالية والطبيعية، المعاهدات الدولية والقضايا القانونية، كما ستبدأ المفاوضات الرئيسية لهذه القضايا يوم 19 يوليو/ تموز 2010 في جوبا. لقد كانت بداية مشجعة لمهمة صعبة ومعقدة.

كما انعقد اجتماع آخر مهم للآلية بالخرطوم في نوفمبر/ تشرين الثاني 2010 حتى يتسنى للطرفين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) وضع وثيقة إطارية متعلقة بتنفيذ القضايا العديدة العالقة.

لقد ألزم الطرفان نفسيهما للعمل على إنجاح إجراء استفتاء جنوب السودان وتعهدا باحترام نتيجته مهما كانت. كما وافقا على استمرار التفاوض عن مستقبل أبيي على أعلى مستوى، وإجراء المشورة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان واحترام نتيجة المشورة الشعبية، وترسيم الحدود بين الشمال والجنوب فوراً، والاحتفاظ بحدود مرنة للسماح بحرية تحرك الأفراد والبضائع والخدمات والأنشطة الاقتصادية والتفاعل الاجتماعي بين الجانبين، كما وافقا على ألا تؤثر القرارات المتخذة عن المواطنة بصورة سالبة على حقوق ورفاهية المواطنين العاديين.

وفي هذا السياق وافق الطرفان على تبني سياسة حرية حركة المواطنين والبضائع والخدمات والسياسات الاقتصادية والمالية وإدارة موارد النفط والمياه وفي الجانب الأمني التزم الطرفان على ألا يقوم أي منهما بأي فعل أو دعم أي مجموعة تعمل على الأضرار بأمن الآخر. كما تفاهما على أن كل دولة ستدير سياستها الخارجية بعد الانفصال واضعة في الاعتبار تحقيق قيام ومصلحة دولتين قابلتين للحياة والنمو، كما ستتعاونان من أجل المصلحة المشتركة لكليهما.

لقد كان وضع آلية رفيعة المستوى وبصورة كبيرة كفيلا بتشجيع الطرفين على التصميم على تجاوز التحديات الماثلة أمامهما من خلال المفاوضات السلمية. ولكن لم تجر الأمور بصورة سلسة كما تم الاتفاق عليه وخاصة بعد ظهور نتائج الاستفتاء التي أوضحت أن غالبية عظمى من الجنوبيين يريدون الانفصال عن السودان القديم.

عقبات على الطريق

لقد حدث تغير هام في سلوك حكومة السودان بعد أن أصبح الانفصال أمراً واقعاً يوم 9 يوليو/ تموز 2011. كما جلب هذا الأمر انتقادات حادة من المعارضة الشمالية ومن المحللين السياسيين على طريقة إدارة الحكومة لاتفاقية السلام الشامل وما ترتب على ذلك، والاتفاقية التي كانت تدعي الحكومة بأنها أعظم انجاز في التاريخ السياسي السوداني، تحولت إلى أسوأ مسؤولية تتحملها الحكومة في نظر النخبة السياسية السودانية.

وما نتج عن الانفصال من فقدان ثلث مساحة البلد بل و40% من الدخل السنوي للحكومة وحوالي 90% من العملة الصعبة التي كانت تأتي من عائدات النفط المنتج بالجنوب. لقد تعاملت الحكومة مع الحدث بصورة عاطفية من خلال فصل أعضاء البرلمان الجنوبيين بعد إعلان نتيجة الاستفتاء، وحتى العمال والموظفين المدنيين والعسكريين وضباط الجيش من الجنوبيين قد تم فصلهم من الخدمة قبل انتهاء الفترة الانتقالية. تم حل الوحدات المشتركة المدمجة قبل موعدها في 9 يوليو/ تموز 2011 وهى التي ساهمت جزئياً في تفجر الصراع بجنوب كردفان.

لقد خلقت التصريحات العنيفة الصادرة من المسئولين الشماليين والحملات الإعلامية ضد وجود الجنوبيين بالشمال خوفاً بين العديد من الجنوبيين الذين ما عادوا يشعرون بالأمان ولم يجدوا وسائل للانتقال إلى الجنوب أو الاحتفاظ بوظائفهم بالشمال.

قامت القوات المسلحة بغزو أبيي بكاملها في مايو/ أيار 2011 بعد أن تعرضت إحدى وحداتها المنسحبة من أبيي للهجوم من قبل جيش الجنوب، بالرغم من أن الوحدة المنسحبة كانت مصحوبة بضباط من الأمم المتحدة وكانت تستخدم سيارات الأمم المتحدة.

لقد كان ذلك مثالاً لعدم الانضباط بين الجنود الذين يقررون قواعد الاشتباك بأنفسهم والذي أحدث دمارا حقيقيا للعلاقة المحفوفة بالمخاطر بين البلدين.

لقد كان اندلاع الصراع بين القوات المسلحة السودانية وقوات الحركة الشعبية قطاع الشمال في جنوب كردفان في بداية يونيو/ حزيران 2011 -ولاحقاً في سبتمبر- في النيل الأزرق تطوراً خطيراً قاد إلى تدهور العلاقة بين حكومة السودان وحكومة جنوب السودان إلى مستوى متدنياً جديداً.

لقد اتهمت حكومة السودان حكومة جنوب السودان بدعم وتشجيع المتمردين بالولايتين المذكورتين، وكان على الجيش الجنوبي أن يغادر الشمال منذ فترة طويلة كما كان على الوحدات الشمالية بذلك الجيش أن يُنزع سلاحها وتسرح منذ أمد بعيد. لقد قاد عدم التقدم في المفاوضات الخاصة بالنفط حكومة الجنوب إلى إغلاق حقول النفط في الجنوب في فبراير/ شباط 2011 واتهمت حكومةَ السودان "بسرقة" شحنتين من نفطها، لقد دافعت الحكومة عن قرارها بقولها أنها لم تستلم أي دفعات مقابل استخدام مرافقها لإنتاج ونقل النفط منذ الانفصال في 9 يوليو/ تموز 2011 وبذا فإن ما حجزته من أموال هو مقابل ما تستحقه مقابل خدماتها خلال الأشهر السبعة الأخيرة. ولعل الهجوم السريع على هجليج من قبل الجيش الجنوبي في الأسبوع الأخير من مارس/ آذار 2012 ولاحقاً في 10 أبريل/ نيسان من نفس السنة بواسطة فرق عديدة من الجيش الشعبي على القيادة العسكرية العليا كان الاختراق الأكثر خطورة على اتفاقية السلام الشامل، وكان يمكن أن يقود إلى حرب شاملة بين البلدين.

لا بد من شكر المجتمع الدولي الذي تدخل بسرعة وأدان الهجوم ومارس ضغطاً على حكومة جنوب السودان لسحب قواتها وقد فعلت ذلك.

لقد شعرت القوات المسلحة السودانية بالإهانة وقامت بمهاجمة القوات المنسحبة لتنتقم لهزيمتها المبكرة السريعة، وكنتيجة للهجوم على هجليج أقفل السودان حدوده مع الجنوب مانعاً كل أشكال التجارة والانتقال بين الجانبين. وقد أدت هذه الحادثة الخطيرة إلى تدخل مجلس السلم والأمن الأفريقي بناء على شكوى الخرطوم وقد تبنى قراراً شاملاً يوم 24 أبريل/ نيسان 2012 عن الحالة بين جمهورية السودان وجمهورية جنوب السودان، وقد أصدر مجلس الأمن الدولي لاحقاً قراره رقم 2046 (2012) يوم 5 مايو/ أيار 2012 يدعم قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بهذا الشأن. لقد كانت أحداث هجليج مما تنطبق عليه الآية الكريمة: "عسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم".

محتويات قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي (م س أ ف)

دان المجلس خرق حقوق الإنسان لغير المقاتلين وتدمير حقول النفط والتصريحات الملتهبة من الجانبين والتهديد بالأعمال العدائية.

لقد أعادت محتويات القرار تأكيد التزامها لاحترام سلامة الحدود بين السودان وجنوب السودان وعدم انتهاك الحدود كما كانت عليه عند الاستقلال في 1 يناير/ كانون الثاني 1956 واضعين بالاعتبار المناطق المتنازع عليها حسب ما تم الاتفاق عليه في مداولات اللجنة الفنية الخاصة بالحدود.

لقد أبدت اللجنة القلق العميق لفشل الأطراف في تنفيذ الاتفاقيات التي وقعوا عليها بكامل إرادتهم وخاصة الاتفاقية المؤقتة لإدارة وأمن أبيي (20 يونيو/ حزيران 2011) والآلية السياسية والأمنية المشتركة (29 يونيو/ حزيران 2011) وبعثة دعم ورصد  (30 يوليو/ تموز 2011) ومذكرة التفاهم على عدم الاعتداء والتعاون (10 فبراير/ شباط 2012) ثم تبنى المجلس خريطة طريق لتخفيف التوتر الراهن وتسهيل استمرار المفاوضات عن علاقات ما بعد الانفصال ويشمل ذلك الوقف الفوري لجميع الاعمال العدائية خلال 48 ساعة، الانسحاب غير المشروط لجميع القوات المسلحة إلى داخل حدود دولتهم، تفعيل جميع آليات أمن الحدود المتفق عليها خلال أسبوع، إيقاف إيواء ودعم المجموعات المتمردة ضد الدولة الأخرى وإيقاف الدعاية العدائية والتصريحات الملتهبة في الإعلام وعلى الحكومتين تحمل المسئولية الكاملة لحماية المواطنين التابعين للدولة الأخرى، تنفيذ البنود العالقة من اتفاقية أبيي وبالتحديد إعادة الانتشار لجميع الوحدات السودانية وقوات جنوب السودان خلال أسبوعين خارج أبيي.

على الطرفين استئناف المفاوضات خلال أسبوعين تحت رعاية الآلية الأفريقية رفيعة المستوى AUHIP للوصول إلى اتفاقية في المجالات التالية: النفط، وضع المواطنين في الدولة الأخرى، خلافات الحدود، وضع أبيي وعلى المفاوضات أن تنتهي خلال ثلاثة أشهر، وإلا فإن الآلية الأفريقية رفيعة المستوى ستقدم تقريراً شاملاً عن حالة المفاوضات ويشمل التقرير مقترحات محددة عن جميع القضايا العالقة لتعتمد لحلول نهائية وملزمة للعلاقة بين الدولتين بعد الانفصال.

كما فكر المجلس في الحصول على تأييد واعتماد مجلس الأمن لنفس المقترحات والتي قام بها مجلس الأمن في الخامس من مايو. وقد حث المجلس حكومة السودان والحركة الشعبية قطاع الشمال للوصول إلى حلول متفاوض عليها بناء على الاتفاقية الإطارية التي تحدد الشراكة السياسية بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية قطاع الشمال والترتيبات السياسية والأمنية في النيل الأزرق وجنوب كردفان (28 يونيو/ حزيران 2011) وعلى الحكومتين التعاون الكامل مع الآلية الرفيعة المستوى ورئاسة الإيغاد للوصول لتسوية وطلبت من الحكومة السماح بوصول المساعدات الإنسانية للسكان المتأثرين بالمنطقتين.

لقد وافقت الحكومتان على قرار مجلس السلم والأمن PSC وبدأتا بالتنفيذ، لقد سحبتا قواتهما المسلحة من أبيي ووافقتا على دعوة الالية رفيعة المستوى للاجتماع في أديس أبابا يوم 29 مايو/ أيار 2012 لبدء المفاوضات.

القضايا التي تم حلها

لقد تم حل بعض من تلك القضايا العالقة كأمر واقع أو من خلال تفاهم مشترك بعد الانفصال في 9 يوليو/ تموز 2011:

الخدمة العامة، وضع الوحدات المشتركة المدمجة والعقارات، لقد تصرفت كل حكومة بطريقتها الخاصة فيما يخص وضع ومستقبل العاملين لديها في الخدمة العامة والأغلبية كانت تعمل بالشمال وخاصة بالجيش والشرطة ولقد فصلت الحكومة جميع الجنوبيين ومنحتهم حقوق ما بعد الخدمة وحقوق المعاش (التقاعد).

لقد تم حل الوحدات المدمجة المشتركة بالجنوب والخرطوم قبل نهاية الفترة الانتقالية والمشكلة الوحيدة كانت مشكلة الشماليين بجنوب كردفان والنيل الأزرق والذين كانوا جزءاً من الجيش الشعبي وقادوا تمرداً ضد الحكومة بالولايتين وهذه المشكلة ما زالت قائمة وسوف تناقش بالطبع بمفاوضات أديس أبابا حسب ما تقرر بواسطة مجلس السلم والأمن الأفريقي (PSCAU) ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وأما مسألة العقارات فقد تركت لأصحاب الشأن الذين يملكون قطعة أرض أو منزلا بالدولة الأخرى، لقد باع معظم الجنوبيين بالشمال ممتلكاتهم من قطع الأراضي والمنازل بطريقة خاصة بينما لم يكن الشماليون بالجنوب في عجلة من أمرهم لفعل نفس الشيء ولم توضع القضايا الثلاث على طاولة المفاوضات بعد الانفصال.

وفيما يتعلق بالعملة، فقد اتفق الطرفان قبل الانفصال على استخدام العملة القديمة لفترة ستة إلى تسعة أشهر ومن ثم تغيير العملة تدريجياً باتفاقية البنكين المركزيين بالدولتين. ولكن كل قطر كان يطبع عملته الجديدة بسرية تامة قبل انتهاء الفترة المحددة.

لقد أنزل البنك المركزي بالسودان عملته الجديدة قبل جنوب السودان وأضحت العملة القديمة بالجنوب عديمة القيمة، وفي الوقت الراهن فإن كل دولة تستخدم عملتها الجديدة الخاصة ولكن كميات العملة القديمة بالجنوب يجب أن تعوض بطريقة أو بأخرى. لقد كان ذلك مثالاً لفقدان الثقة وعدم الالتزام من جانب الحكومتين لاحترام التزاماتهما.

لم تكن قضية الاتفاقيات والمعاهدات الدولية قضية هامة، فقد اتفق الطرفان أن الدولة السابقة (السودان) تستمر في حمل هوية السودان القديم مع جميع الاتفاقيات الدولية والإقليمية وستقوم الدولة الجديدة بوضع وتوقيع المعاهدات الإقليمية والدولية. وفيما يخص الأصول والديون وافق الطرفان على استخدام المبدأ الجغرافي بتقسيم الأصول حسب موقعها حيث هي، فما هو موجود بالشمال يذهب إلى الشمال كما ستؤول الأصول الخارجية إلى الدولة الأم وتتحمل هي المسئولية عن الديون الخارجية (40 بليون دولار أمريكي)، وبني ذلك الفهم على أن الدائنين الأجانب سوف يعفون جميع الديون الممكنة، وسوف يعمل الطرفان سوياً على إقناع الدائنين للتنازل عن ديونهم على السودان القديم وإذا لم يتم ذلك فإن الطرفين سوف يتقاسمان الديون والأصول الموجودة بالدول الأجنبية حسب المعايير الدولية المتفق عليها.

القضايا التي تم حلها جزئياً

وتشمل تلك على: الجنسية، الحدود بين الشمال والجنوب والترتيبات الأمنية.

في البداية كانت حكومة الشمال صارمة في إعطاء جنسيتها أو حق الإقامة لمئات الآلاف من الجنوبيين الذين يعيشون بالشمال، بينما كانت حكومة الجنوب جاهزة لفعل ذلك تجاه المواطنين الشماليين الأقل عدداً بالجنوب.

وافق الطرفان على إعطاء مهلة 9 أشهر بعد الانفصال للمواطنين من الدولة الأخرى للرحيل أو لتوفيق أوضاعهم حسب قوانين البلد الذي يقيمون فيه، وقد انتهت هذه الفترة في 8 أبريل/ نيسان 2012. وبالرغم من الحملة الإعلامية القومية فإن حكومة الخرطوم لم تحاول فرض هذا القرار بالقوة على الجنوبيين المقيمين بالشمال بعد الفترة المحددة.

لم تحاول حكومة الجنوب مطلقاً التهديد بطرد الشماليين من الجنوب بل دعتهم للحصول على إذن إقامة مقابل مبلغ 100 دولار أمريكي وفي نهاية المطاف تم التوصل إلى اختراق بمفاوضات أديس أبابا في 13 مارس/ آذار 2012. اتفق الطرفان على السماح للمواطنين من الدولة الأخرى للتمتع بحرية الإقامة والتحرك والنشاط الاقتصادي وامتلاك العقارات وسيتم تكوين لجنة عالية المستوى للنظر في تبني وتنفيذ المعايير المتفق عليها فيما يتعلق بوضع ومعاملة مواطني كل دولة في حدود الدولة الأخرى. وستقوم الدولتان بالتفاوض للاتفاق على توسيع الحريات الأربع المذكورة أعلاه.

وفيما يخص تعيين وترسيم الحدود بين البلدين، تم تكوين لجنة فنية مشتركة منذ بداية الفترة الانتقالية لترسيم الحدود بين الشمال والجنوب كما كانت عليه عند الاستقلال في 1 يناير/ كانون الثاني 1956 وكان من المفترض انتهاء المهمة قبل إجراء الاستفتاء ولكن تمددت حتى حدوث الانفصال. لقد اتفقت اللجنة المشتركة على 70% من المسائل المتعلقة بالحدود بين البلدين والتي أقرتها الرئاسة فيما بعد. وحسب اللجنة فإن هناك أربعَ مناطق فقط مثارَ خلاف:

  1. جودة أو دبة الفخار وهي منطقة زراعة آلية بين ولايتي أعالي النيل والنيل الأبيض؛
  2. جبال قفيس بين أعالي النيل وجنوب كردفان؛
  3. مدينة كاكا وتقع بين أعالي النيل وجنوب كردفان وهي قطعة صغيرة من الأرض ذات أهمية استراتيجية لأنها بوابة وصول إلى النيل وإلى منطقة إنتاج النفط؛
  4. كاكا كنجي وهي منطقة غنية بين جنوب دافور وغرب بحر الغزال.

لقد طلب وفد حكومة جنوب السودان من لجنة JPSM عند نهاية 2010 إضافة منطقة خامسة إلى المناطق المتنازع عليها وهي منطقة سفاهة الرعوية والتي تمتد 14 كيلو متر جنوب بحر الغزال وتقع بين جنوب دارفور وشمال بحر الغزال وقد قبلت الرئاسة ضم المنطقة الجديدة.

طلب الوفد الجنوبي بالمفاوضات الأخيرة بأديس أبابا 29 مايو ضم خمسة مناطق للمناطق المتنازع عليها وضمت أبيي وهجليج وجميع حقول النفط المنتجة تقريبا بالشمال، وقد جاء الوفد المفاوض بخريطة وضعها بنفسه تشمل المناطق التي تم ضمها وطلب الوفد اعتبار هذه الخريطة هي الخريطة المرجعية وقد تم رفض ذلك مباشرة من الوفد السوداني المفاوض.

لقد كان ذلك بداية غير موفقة أدت بالتحديد إلى فشل الجولة الأولى من المفاوضات بعد صدور قرار مجلس الأمن رقم 2046.

حاولت الآلية الرفيعة التوصل إلى تسوية باقتراح خريطة جديدة ولكن تلك رفضت من قبل وفد جنوب السودان المفاوض، ويبدو أن الوفد الجنوبي المفاوض كان يبحث عن موقف تفاوضي قابل للمساومة ضد الشمال بزيادة المناطق المتنازع عليها.

اتهمت حكومة السودان، حكومة جنوب السودان قبل الانفصال بأنها تتفادي حسم مسألة الحدود لكي تتمكن من أخذ القضية بكاملها إلى التحكيم الدولي والذي يمكن أن يحكم لصالحها أو يبحث عن تسوية متفاوض عليها بين البلدين.

والعامل المعقد لقضية الحدود هو أن الحزبين -مثل جميع الحكومات الأفريقية- وافقا على الحدود كما تركتها الإدارة البريطانية يوم 1 يناير/ كانون الثاني 1956 ولكن لم يترك البريطانيون أي خريطة في التاريخ المذكور توضح الحدود بدقة.

بالإضافة إلى أن الإدارة البريطانية درجت على نقل بعض المناطق لأسباب أمنية وإدارية من محافظة إلى أخرى بصرف النظر عن المجموعة العرقية التي تسكن المنطقة.

حدث هذا في حالة أبيي وهجليج وكافياكنجي وكاكا وغيرها.

لقد طالبت حكومة جنوب السودان بأبيي ليس بناء على موقعها في يناير/ كانون الثاني 1956 بل بناء على جنسية (عرق) سكانها في 1905 عندما تم تحويلها من بحر الغزال بالجنوب إلى جنوب كردفان بالشمال. وبالرغم من ذلك، فإنه في اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين في أديس أبابا في 13 مارس 2012 أكد الطرفان تعريف الحدود المتفق عليها حسب الوصف الميداني (الفعلي) والترسيم والتوصيات المقابلة لها للجنة الفنية لترسيم حدود 1 يناير/ كانون الثاني 1956 بين شمال وجنوب السودان والتي صادقت عليها جمهورية السودان قبل انفصال جنوب السودان وقد وافق الطرفان أيضاً في اجتماع مارس لإنشاء لجنة ترسيم مشركة وفريق فني مشترك ومفوضية حدود مشتركة لحسم مسألة الحدود بين البلدين.

من الغريب أنه في الجولة الأولى من المفاوضات بأديس أبابا 17مايو/ أيار إلى 7 يونيو/ حزيران 2012، خلقت مسألة الحدود اختلافاً بين الوفدين المفاوضين. لدي شعور بأن هدف حكومة جنوب السودان هو الحصول على أبيي بأي ثمن وعليه فإنها تأمل بمبادلة بقية المناطق المختلف عليها مقابل أبيي. من الجدير بالذكر أن حدود السودان القديم مع جيرانه الثمانية لم ترسم مطلقاً ومعظمها لم توضع به علامات منذ الاستقلال وحتى اليوم!

لقد كانت مسألة الأمن أكثر تعقيداً بسبب أن الجيش الشعبي يشمل العديد من الوحدات من جنوب كردفان والنيل الأزرق والتي حاربت تحت قيادة جنوب السودان لسنوات عديدة حتى موعد توقيع اتفاقية السلام الشامل. لم يكن من السهل فهم مدى علاقة الزمالة الطويلة هذه بعد الانفصال. تتهم حكومة السودان الجيش الشعبي بأنه يدعم ويدير الفرقة 9 و10 التي بدأت التمرد بجنوب كردفان والنيل الأزرق، ولحكومة جنوب السودان اتهاماتها ضد حكومة الخرطوم بدعم الجنرالات المتمردين ضد الحكومة المنتخبة بالجنوب.

وقد وعد الطرفان في عدد من الاتفاقيات قبل الانفصال بألا يهدد أمن الدولة الأخرى. وبالمفاوضات التي جرت بالخرطوم تحت رعاية الالية الإفريقية AUHIP في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2012 تعهد المؤتمر الوطني والحركة الشعبية بأن أي منهما سوف لا يقوم بأي فعل أو يدعم أي مجموعة يمكن أن تهدد أمن الدولة الأخرى. وب?

ABOUT THE AUTHOR