الصومال: آفاق الوضع السياسي في ضوء الاستحقاق الرئاسي

يحمل الاستحقاق الرئاسي الصومالي مؤشرات تغيير ستمهد للتغيير المنشود في العملية السياسية وتتهم المعارضة القيادات الحالية بالضلوع في فساد مالي وإداري والرهان سيكون في التحكم في تشكيلة البرلمان القائم على المحاصصة القبلية؛ فالانتخابات ستتم داخل البرلمان، ومن يكسب أغلبية البرلمانيين سيضمن الفوز بالرئاسة.
2012813101616771734_20.jpg
الرهان سيكون في التحكم في تشكيلة البرلمان القائم على المحاصصة القبلية؛ فالانتخابات الرئاسية ستتم داخل البرلمان، ومن يكسب أغلبية البرلمانيين سيضمن الفوز بالرئاسة (الجزيرة)

لم يتبق من موعد الاستحقاق الرئاسي الذي يفترض أن ينهي المرحلة الانتقالية في الصومال سوى بضعة أيام، وذلك في وقت ما زال شمال الصومال (صوماليلاند) يعلن -من طرف واحد- انفصاله عن بقية الصومال، ويؤكد أنه لا دخل له في العملية السياسية الجارية في مقديشو، بينما هناك حركة الشباب التي ما زالت تسيطر على أجزاء واسعة من البلاد، وتواصل قتالها ضد الحكومة الانتقالية والقوات الإفريقية المساندة لها، وذلك بالرغم مما تعاني منه من ضعف وانحسار عسكري وسياسي.

وبين هذا وذاك هناك إدارات إقليمية، ومليشيات أهل السنة والجماعة، ومليشيات قبلية تدير أجزاء مختلفة من الصومال، وهي مدعومة بصورة أو بأخرى من قبل إثيوبيا، بل ومن كينيا التي أصحبت مؤخراً فاعلاً رئيساً في المعادلة الصومالية، وهذه المجموعات الثلاث تشارك في العملية السياسية الجارية.

طبيعة الاستحقاق الرئاسي

الاستحقاق الرئاسي الذي تجري استعداداته في مقديشو تتويج لعملية خارطة الطريق التي كانت إجراءاتها تسير على قدم وساق منذ قرابة عام كامل؛ حيث بدأت بوضع مسودة دستورية، وعقد مؤتمر لشيوخ القبائل لاختيار مجلس تأسيسي يناقش المسودة الدستورية ويجيزها، إلى جانب اختيار برلمان مكون من 275 يوزع وفقاً للحصص القبلية على قاعدة 4.5. وسيختار هذا البرلمان بدوره رئيس الجمهورية الذي سيتولى السلطة لمدة أربع سنوات، ومن هنا فإن الانتخابات المقبلة ستتم داخل البرلمان، وليست انتخابات مباشرة، ومن يكسب أغلبية أصوات النواب في البرلمان سيضمن الفوز في الرئاسة.

يرى كثير من المراقبين أن ما تشهده مقديشو من عمليات سياسية بدءا من اجتماعات شيوخ القبائل، والمجلس التأسيسي، وعملية اختيار أعضاء البرلمان، وانتخاب هيئاته القيادية، وانتهاء بالاستحقاق الرئاسي خطوة ايجابية تفتح آفاقا واسعة نحو تحقيق الأمن والاستقرار والتنمية التي طال انتظارها. وبالرغم من ذلك فإن هناك تساؤلات مشروعة حول الاستحقاق الرئاسي ومقدماته من خارطة الطريق، وجدوى ذلك في تحقيق التغيير المنشود، ذلك أن معظم المهتمين بل والمشاركين في الشأن السياسي من خارج مؤسسات الحكم الانتقالي مقتنعون بأن العملية السياسية برمتها مطبوخة في الخارج وتفتقر إلى مشاركة شعبية فاعلة. فعلى سبيل المثال عندما واجهت مسودة الدستور اعتراضات عديدة من قبل شيوخ القبائل، وعلماء الدين، والفعاليات السياسية والمدنية، وطالبوا بمواءمتها مع الواقع الصومالي ومكوناته الثقافية والسياسية والاجتماعية، قامت القوى الإقليمية بالتعاون مع المكتب السياسي للأمم المتحدة في الصومال بإعادة صياغتها من جديد -دون علم اللجنة الوطنية المكلفة بإعداد الدستور- وطلبت من اللجنة السداسية عن تنفيذ ترتيبات خارطة الطريق وهم: الرئيس، ورئيس الوزراء، ورئيس البرلمان، ورئيس حكومة ولاية بونتلاند، ورئيس إدارة غلمدغ الإقليمية، وممثل تنظيم أهل السنة والجماعة، التوقيع علي المسودة المعدلة دون السماح لهم بمناقشتها، وذلك تحت إشراف مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة الذي وقع المسودة هو الآخر.

وكان من اللافت تصريحات المسئولين في الحكومة الانتقالية، وممثل الأمين العام للأمم المتحدة في الصومال والتي مفادها بأن المؤتمر التأسيسي ليس له حق التعديل -بالحذف أو الإضافة- في المسودة الجديدة، وليس أمام المشاركين في المؤتمر سوى تمريره كما هو، وأن البرلمان القادم هو من سيتولى هذه المهمة، وذلك بدعوى إنقاذ البلاد من الفراغ الدستوري؛ لأن الميثاق الوطني المعمول به منذ 2004 تنتهي صلاحيته في شهر أغسطس/ آب 2012. وبالرغم من الاحتجاجات والاعتراضات التي أثيرت حول المسودة وحول تصريحات المسئولين المتعلقة بها فإن المسودة الدستورية تمت إجازتها بأغلبية ساحقة، حيث صوّت لصالحها 621 من أعضاء المجلس التأسيسي المكون من 825 عضوا.

والشيء نفسه حدث في عملية اختيار شيوخ القبائل المشاركين في ترتيبات خارطة الطريق، حيث تم استبعاد شيوخ منتخبين من قبل قبائلهم عن المشاركة في الاجتماعات، واستبدل بهم آخرون تم انتقائهم من قبل قيادات مؤسسات الحكم الانتقالي، مما سينعكس تلقائياً على عملية اختيار أعضاء البرلمان الجديد، ذلك أن هؤلاء الشيوخ سيختارون نواباُ سيصوتون بدورهم للقيادات الحالية مقايضة بالمقعد البرلماني الممنوح لهم.

وكل هذا وذاك من شأنه أن يزيد الشكوك المحيطة بعملية خارطة الطريق ومخرجاتها وجدوى الاستحقاق الرئاسي وما يحمله من تغيير قيادي يكون تمهيدا للتغير المنشود في العملية السياسية في الصومال. وبالرغم من هذه الإشكالات فإنه ليس هناك بديل آخر أمام الفعاليات السياسية الوطنية سوى الإفادة من هذه الفرص المحدودة، وهناك ما يشبه الإجماع الوطني في التعاطي إيجابا مع العملية السياسية الجارية وما تمهد له من استحقاق رئاسي.

الاستعدادات الجارية وأبرز المرشحين

 شهدت مدينة مقديشو خلال الشهور الستة الأخيرة حراكا سياسيا لم تشهد مثله قرابة العقود الأربعة الماضية، وهناك حوالى عشرون مرشحا رئاسيا أطلقوا حملاتهم الانتخابية في داخل الصومال وخارجها للخوض في "ماراثون" الاستحقاق الرئاسي المزمع عقده خلال هذا الشهر.

ومن هؤلاء المرشحين القيادات الحالية في مؤسسات الحكم الانتقالي؛ الرئيس شيخ شريف شيخ أحمد، ورئيس البرلمان شريف حسن شيخ آدم، ورئيس الوزراء الدكتور/ عبد الولي محمد علي، وهؤلاء المرشحون الثلاثة متهمون بالسيطرة والتحكم على مسيرة خارطة الطريق وطريقة إدارتها باعتبارهم أعضاءً في اللجنة السداسية الموقعة لترتيبات خارطة الطريق. وترى هذه المجموعة أنها الأنسب والأصلح لقيادة البلاد في المرحلة القادمة، باعتبار أنها تمكنت من قيادة العملية السياسية في المرحلة السابقة التي مهدت السبيل إلى أن تصل الأمور إلى هذه الدرجة من التطور التي أغرت الآخرين بالعودة إلى البلاد والمساهمة في العملية السياسية. وهناك من يرى أن كفة الفوز بالاستحقاق الرئاسي مرجحة لصالح هذه المجموعة، لتحكمها بمقاليد السلطة، وإدارتها لعملية خارطة الطريق لصالحها وما يتمتع به من علاقات إقليمية ودولية. وقد أكد مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة في الصومال حدوث تجاوزات في اختيار أعضاء البرلمان من قبل هذه القيادات.

في حين يرى المرشحون من خارج مؤسسات الحكم أن القيادة الحالية فشلت في أداء مهامها بالرغم من التأييد الدولي لها، وأنها متهمة بفساد مالي وإداري من قبل مجموعة المراقبة الدولية، والبنك الدولي، وأن عودتها إلى الحكم يعتبر تكرارا للمشاهد السياسية السابقة التي لم تحقق التغيير المنشود في الداخل والخارج، إلى جانب الخلافات السياسية فيما بينها، وكل ذلك يجعل تغيير هذه القيادات أمرا ممكنا وميسورا.

أما فيما يتعلق بسيطرة هذه القيادات وتحكمها على الترتيبات السياسية الجارية فإن تشكيلة البرلمان القادم تتم بمحاصات قبلية، وأن المرشحين من خارج مؤسسات الحكم الانتقالي ينتمون إلي نفس العشائر والقبائل التي تعتمد عليها القيادات الحالية في تحقيق فوزها بالاستحقاق الرئاسي، كما أن مشاركة المثقفين والعائدين من المهجر والشخصيات القيادية من المجتمع المدني في العملية السياسية تقلل من احتمال تأثير القيادات الحالية على البرلمان، وذلك على عكس الفترات السابقة التي كانت المقاعد البرلمانية حكرا على زعماء الحرب.

ومن أبرز المرشحين للرئاسة الصومالية من خارج مؤسسات الحكم الانتقالي:

  1. الأستاذ الدكتور/ أحمد إسماعيل سمتر: أكاديمي يحمل الجنسية الأمريكية، وعاش في الولايات المتحدة أكثر من ثلاثين عاماً، عمل خلالها مدرسا في عدد من الجامعات الأمريكية، وتولى عمادة معهد المواطنة الدولية في ماكالاستر في مدينة سينت بول، ولاية ميناسوتا. وفي الوقت الراهن هو رئيس حزب "هيل قرن"، ويحظى بتأييد بعض الفعاليات الثقافية والشبابية في المهجر وفي داخل الصومال.
  2. الأستاذ حسن شيخ محمود: أكاديمي وناشط مدني وسياسي، عمل موظفاً لدى عدد من المنظمات الدولية والوطنية في مجالات السلام والتنمية، وتولى رئاسة جامعة سيمد في مقديشو لمدة عشرة سنوات، ويشغل حاليا منصب رئيس حزب السلام والتنمية، وله صلات وعلاقات واسعة مع القوى الوطنية بمختلف شرائحها، ويحظى بتأييد الإسلاميين المعتدلين.
  3. الدكتور/ عبد الرحمن معلم عبدالله "باديو": ضابط سابق في الجيش الصومالي، وناشط مدني، ومن قيادات حركة الإصلاح في الصومال "الإخوان المسلمين"، ويحمل الجنسية الكندية. أثار ترشحه للرئاسة جدلاً واسعاً داخل الحركة مما قادها إلى انشقاق واسع النطاق في صفوف أعضائها. وتعتمد حملته على رئيس الحركة الدكتور علي باشا عمر، وبعض أعضائها في داخل الصومال وخارجه. وتتميز حملته بالاستخدام المكثف للوسائط الإعلامية.
  4. محمد عبد الله فرماجو: رئيس الوزراء السابق من أكتوبر/ تشرين أول 2010 إلى يونيو/ حزيران 2011 ويحمل الجنسية الأمريكية، ويحظى بتأييد شعبي كبير نتيجة لما حققته المؤسسات الحكومية في ظل رئاسته للحكومة من انتظام الاجراءات الإدارية. ويتولى حالياً منصب الأمين العام لحزب " تيو".
  5. يوسف جراد عمر: إعلامي مشهور، عمل الإذاعة الوطنية في مقديشو، وهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) في لندن وقد تولى إدارة القسم الصومالي فيها مدة اثنتي عشرة سنة، وتركها مطلع شهر أغسطس الجاري لينضم إلى قائمة المرشحين للرئاسة الصومالية.

إلى جانب هؤلاء هناك مرشحون أطلقوا حملتهم الانتخابية ومنهم: عبد الرحمن عبد الشكور، وعبدي محمد شردون "ساعد"، وحسين خليف حاجي، وعبد الله أحمد عدو، وعمر صلاد علمي، ومحمد محمود جوليد، والحاج محمد ياسين. ومن المتوقع أن ينضم مرشحون آخرون إلى القائمة. وهناك محاولات لإقامة تحالفات بين بعض المرشحين للاصطفاف خلف مرشح واحد، وهو أمر لم تتبلور ملامحه بعد. ومن اللافت أن معظم المرشحين مثقفون وأكاديميون ودبلوماسيون وإداريون ورجال أعمال وموظفون سابقون في مؤسسات دولية.

مطبات في طريق الاستحقاق الرئاسي

تقرير مجموعة المراقبة الدولية وتأثيره
أصدرت مجموعة المراقبة الدولية التابعة للأمم المتحدة تقريرا في منتصف يوليو/ تموز 2012، وهو الآن مطروح أمام مجلس الأمن الدولي لمناقشته واتخاذ الاجراءات اللازمة حياله.

وأبرز النقاط التي تناولها تتمحور حول فساد مالي تتهم به قيادات حالية على رأسها الرئيس شريف شيخ أحمد، ورئيس البرلمان شريف حسن شيخ أدم، ورئيس الوزراء الحالي عبدالولي محمد غاس، وقيادات سابقة أبرزهم رئيس الوزراء السابق محمد عبدالله فرماجو. وتفيد خلاصة التقرير بأن ما يقارب 170 مليون دولار من الدخل المحلي ومساعدات مالية من دول عربية ذهبت إلي جيوب هذه القيادات وحساباتهم الخاصة.

ويعني هذا أن سبعة دولارات من كل عشرة لم تذهب إلي خزينة الدولة في عامي 2009 و 2010. وأن ربع دخل الحكومة في عام 2011 تم التصرف به من قبل القيادات الثلاث في الحكومة الحالية. إلى جانب ذلك فقد أعلن ممثلو الإيغاد والاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في الصومال قلقهم تجاه تجاوزات قيادات الدولة في عملية اختيار أعضاء البرلمان الجديد.

ويتوقع بعض المراقبين صدور توصيات تمنع هذه القيادات من الاستمرار في السباق الرئاسي وتضطرهم إلى الاعتزال، وقد تكون هذه التوصيات صريحة أو ضمناً، وفي حالة تحقق هذه التوقعات فإن المنافسة تكون بين المرشحين الذين لم يشملهم التقرير، ومن ثم فإن فرصة تحقق تغيير قيادي كبيرة وستكون دون عناء. وإذا حصل العكس وهو ما يرجحه البعض فإن المنافسة ستظل قائمة، والتغيير القيادي سيتطلب جهدا كبيرا وشاقاً.

انشقاقات جماعة الإصلاح (الإخوان المسلمين) على مرشحها
أثار إعلان ترشيح الدكتور/ عبد الرحمن معلم عبد الله " باديو" للرئاسة الصومالية جدلاً واسعاً داخل حركة الإصلاح التي كانت تعاني من خلافات داخلية طوال العقد الماضي. ولم تلبث الأمور أن تطورت إلى انشقاق بعد أن أصدر مؤسس الحركة ورئيسها الأسبق الشيخ محمد أحمد نور "جريري" ومجموعة من قيادات الحركة وعلمائها بيانا يتهمون فيه رئيس الحركة الدكتور علي باشا، واثنين من مساعديه وهما: الدكتور على الشيخ أحمد أبوبكر رئيس جامعة مقديشو، ومسؤول الإقليم الجنوبي لدى الحركة بـ "استغلال السلطات، والفساد المالي، والعمالة لجهات أجنبية تعادى الإسلام"، وهؤلاء الثلاثة من أبرز المساندين للحملة الانتخابية للدكتور عبد الرحمن. وقد أعلن البيان عن عزل هذه القيادات وتجميد عضويتهم في الحركة.

وعقب هذه التطورات انصرفت جهود الدكتور باشا وزملائه إلى الدفاع عن أنفسهم وعن مواقعهم الحركية، وتوجهوا إلى القاهرة طلباً للعون والمساندة. وقد ظهرت صورة الدكتور باشا ووفده مع المرشد العام للإخوان الدكتور محمد بديع في موقع إخوان أونلاين، الأمر الذي من شأنه إثارة المخاوف لدى الدوائر الإقليمية والدولية المتوجسة من تنامي النفوذ الإسلامي في المنطقة، وخاصة في هذا الظرف الحساس والمنعطف الخطير في السياسة الصومالية.

لا شك أن تزامن هذه الانشقاقات مع انطلاقة الحملة الانتخابية لهذا المرشح، والتناول الإعلامي السلبي للحادثة، والاتهامات الثقيلة المتبادلة بين طرفي الصراع عبر وسائل الإعلام المحلية والعالمية، وإقحام القاهرة في تجاذبات أجنحة الحركة، دون اعتبار لحساسيات القوى الإقليمية والدولية عن مشهد الإسلام السياسي في المنطقة، لا شك أن كل ذلك سيؤثر سلباً على هذا المرشح وطموحه السياسي.

العوامل المحددة الفوز بالاستحقاق الرئاسي وآفاق الوضع السياسي

بالرغم من أن المرشح الذي يكسب الأغلبية المطلقة من أصوات أعضاء البرلمان وهي 138 صوتاً من جملة الأصوات البالغة 275 صوتاً يعتبر الفائز في الانتخابات الرئاسية إلا أن هناك جملة من العوامل المحددة لتحقيق هذا الفوز ومنها؛ الانتماء القبلي للمرشح (18 من المرشحين للرئاسة الـ 20 ينتمون إلى قبيلتي دارود وهوية)، ورأسماله الاجتماعي، وشهرته في الأوساط السياسية والمدنية والإعلامية ، ورصيد مالي يمكّنه من إدارة حملته الانتخابية، ودعم خارجي يأتي غالباً من المحيط الإقليمي.

ومهما يكن من أمر فإن أي تغيير إيجابي يتحقق من خلال الاستحقاق الرئاسي المقبل سيمهد الطريق لإيجاد حل للمعضلة الصومالية وليس بالضرورة أن يكون هو الحل النهائي، إذ إن الصومال تحتاج إلى مراعاة دقيقة وموازنة حكيمة بين العوامل الرئيسة المحددة لسياساتها والمتمثلة بالقبيلة، والدين، والقومية، وتداخلات المصالح الإقليمية والدولية مع المصالح المحلية. وذلك بينما أي فشل في تحقيق تغيير إيجابي سيعمق الأزمة وسيمهد السبيل إلى مزيد من التفتيت وتقزيم الدولة الصومالية المنهكة.

يحمل الاستحقاق الرئاسي الوشيك بالصومال مؤشرات تغيير في السلطة التنفيذية ربما تكون تمهيدا للتغيير المنشود في العملية السياسية في الصومال ويشكل الفرصة المتاحة أمام الفعاليات السياسية الوطنية مما ولد إجماعا وطنيا في التعاطي إيجابا مع هذه العملية السياسية؛ ألا أن ثمت شكوكا تحوم حول هذا الاستحقاق. ولعل أقوى تلك الشكوك كون مرشحي القيادات الحالية في مؤسسات الحكم الانتقالي (رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان ورئيس الوزراء) يتحكمون في مقاليد السلطة ويرون أنفسهم الأنسب والأصلح لقيادة البلاد في المرحلة القادمة. في حين يرى غيرهم من المرشحين من خارج مؤسسات الحكم أنهم متهمون بفساد مالي وإداري من قبل مجموعة المراقبة الدولية، والبنك الدولي، وعودتهم للحكم تكرس الفشل والفساد. وسيكون من يتحكم في تشكيلة البرلمان القادم القائم على المحاصة القبلية هو من سيفوز بمنصب الرئيس؛ فالانتخابات المقبلة ستتم داخل البرلمان، وليست انتخابات مباشرة، ومن يكسب أغلبية أصوات النواب في البرلمان سيضمن الفوز في الرئاسة.

وسيكون للمرشحين من خارج مؤسسات الحكم الانتقالي فرص ورهانات لكونهم ينتمون إلي نفس العشائر والقبائل التي تعتمد عليها القيادات الحالية في تحقيق فوزها بالاستحقاق الرئاسي، كما أن مشاركة المثقفين والعائدين من المهجر والشخصيات القيادية من المجتمع المدني في العملية السياسية تقلل من احتمال تأثير القيادات الحالية على البرلمان، وذلك على عكس الفترات السابقة التي كانت المقاعد البرلمانية حكرا على زعماء الحرب.
_____________________________
محمد أحمد شيخ علي - باحث صومالي