معركة اليمن مع تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المتشددة مهمة صعبة؛ فنشاط هذه الجماعات يعود لعقدين من الزمن، وهي متغلغلة في النسيج الاجتماعي وتخترق الأجهزة الأمنية (الجزيرة) |
على الرغم من الضربات الموجعة التي تلقاها تنظيم القاعدة مؤخرًا في اليمن، وانسحابه الاضطراري من مدينتي زنجبار وجعار، كبرى مدن محافظة أبين الجنوبية؛ وذلك بعد مواجهات عنيفة مع الجيش واللجان الشعبية، الذين أطبقوا الخناق عليهم وكبدوهم خسائر كبيرة في الأرواح والمعدات؛ إلا أن التنظيم ما زال حاضرًا في المشهدين السياسي والأمني، من خلال عمليات التفجير والاغتيالات المتفرقة التي يقوم بها بين الفينة والأخرى، مستهدفًا مؤسسات الدولة العسكرية وأبرز قادتها الميدانيين، بالإضافة إلى عناصر اللجان الشعبية التي لعبت دورًا بارزًا إلى جانب الجيش في دحر رجال القاعدة من أبين وإحكام السيطرة على مدنها الرئيسية.
والواقع أن حجم العمليات المنفذة من قبل تنظيم القاعدة في الآونة الأخيرة، ونوعيتها، تدل على أن التنظيم ما زال يعمل ويتحرك في مساحات واسعة، ولديه قدرة نسبية على التخطيط والإعداد لتنفيذ عمليات توصف رسميا بأنها إرهابية وانتقامية ضد أهداف مهمة وحيوية في البلد. وبالتالي، فإن هذه الورقة ستحاول البحث في عدد من الأسئلة الجوهرية التي تطرح نفسها بقوة في هذه المرحلة المهمة الحساسة من تاريخ اليمن، وأهمها: ما هي الأسباب والعوامل التي تسمح بتجدد نشاط القاعدة وتنفيذ عمليات نوعية على الرغم من الانتصارات المعلنة للجيش اليمني عليها؟ ومن ثم كيف سيؤثر تجدد نشاط القاعدة وحضورها الميداني على المرحلة الانتقالية والتسوية السياسية في اليمن؟ وأخيرًا، ما هو السيناريو المستقبلي والمتوقع بالنسبة لحضور ونشاط القاعدة في ضوء المتغيرات الراهنة؟
أولاً: عمليات القاعدة ونشاطها المتصاعد
ليلة خروج أنصار الشريعة -وهو الواجهة المحلية لتنظيم القاعدة في محافظة أبين الجنوبية- من مدينتي زنجبار وجعار في 12 يونيو/حزيران 2012 تحت وطأة الضربات العسكرية العنيفة من قبل الجيش اليمني واللجان الشعبية، وزع عناصر أنصار الشريعة منشورًا "توديعيًّا" كما أسموه على ما تبقى من أهالي المدينتين، وأوضحوا فيه، أن انسحابهم لم يكن عن ضعف وإنما لقلب أوراق العدو وتفويت مقصده في الحرب والتدمير بحسب زعمهم. وطلبوا من الأهالي السماح على ما أصابهم من قتل وتدمير ونزوح جرّاء المعارك العنيفة التي شهدتها تلك المناطق بينهم وبين الجيش، كما حثوا الناس على تحكيم الشريعة وذكَّروهم بأنهم خلال السنة التي حكموا فيها طبقوا الشريعة وحققوا الأمن وقدموا الخدمات والمساعدات للأهالي رغم إمكانياتهم الشحيحة.
غير أن أهم ما لفت النظر في هذا المنشور الموجه للأهالي، هو إفصاح التنظيم عن إستراتيجيته القادمة لاسيما بعد خروجه من المناطق التي كان يسيطر عليها، حيث جاء في المنشور: "سننقل بإذن الله تعالى المعركة إلى عمليات سريعة وضربات موجعة في مدن العدو وعواصمه، لتصبح المعركة عنده فيتمنى أنه لم يحاربنا ولم يقاتلنا يوما. ونقول للحكومة العميلة: قد كانت المعركة بعيدة عن قصوركم وإدارتكم، ولكنكم صدقتم دهاقنة السياسة الأميركية وغرتكم أموالهم، فانتظروا أيها الحمقى ما يسوؤكم بحول الله وقوته. وأما نحن، فقد كان هذا العام عام الإعداد والتهيئة للقيادات والخبراء والاستشهاديين. فانتظروا المعركة في قصوركم ولن ينفعكم الأميركان بعد اليوم".
وبالفعل،لم ينتظر تنظيم القاعدة كثيرًا حتى شرع في تطبيق إستراتيجيته المعلنة، حيث لم تمر سوى أيام معدودات على توزيع المنشور المذكور آنفًا وخروجه من زنجبار وجعار، وإذا به يوجه ضربه قوية وموجعة للحكومة الجديدة ولجهود مكافحة ما بات يعرف بالإرهاب، من خلال تنفيذ هجوم انتحاري يوم 18 يونيو/حزيران في مدينة عدن راح ضحيته اللواء الركن سالم قطن قائد المنطقة الجنوبية، وقائد اللواء 31 مدرع، ومن المعروف أن اللواء قطن هو الذي كان يقود العليات العسكرية في المحور الجنوبي وكان له الدور الأبرز في طرد عناصر تنظيم القاعدة من تلك المناطق. وفي عملية مشابهة أخرى تحمل بصمات القاعدة اغتيل في حادث تفجير سيارة في مدينة المكلا شرق اليمن يوم 9 أغسطس/آب الجاري مدير كلية القيادة والأركان بالأكاديمية العسكرية العليا العميد عمر سالم بارشيد.
وبالتالي، إذا كانت هاتان العمليتان تدلان على أن تنظيم القاعدة ينفذ حرفيًا جزءًا من إستراتيجيته التي أشار إليها في ذلك المنشور، من حيث تنفيذ عمليات سريعة وضربات موجعة في مدن العدو وعواصمه على حد قوله، فإن العمليات الأخرى الذي نفذها وتبناها تنظيم القاعدة مثل التفجير الذي وقع في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء والذي أودى بحياة أكثر من مائة جندي من أفراد قوات الأمن المركزي في مايو/أيار الماضي، وكذلك تفجير كلية الشرطة في صنعاء الذي خلَّف ثمانية قتلى وعشرات الجرحى من منتسبي الكلية، بالإضافة إلى التفجير الانتقامي الذي قتل أكثر من 45 شخصًا في مجلس عزاء بمدينة جعار يوم 4 أغسطس/آب الجاري؛ جميعها تؤكد على أن تنظيم القاعدة عازم على تنفيذ الإستراتيجية المشار إليها بشكل كامل، وأن العام الذي سيطروا فيه على تلك المناطق كان بالفعل كما ذكروا في منشورهم "التوديعي" عام ا?عداد والتهيئة للقيادات والخبراء والاستشهاديين.
إذن، إستراتيجية القاعدة كانت واضحة، وهي كانت تدرك بحدسها الأمني، وبحكم تاريخ نشاطها، وتواجدها الطويل في اليمن، أن الوضع لن يستمر بهذا الشكل في المستقبل، وأن احتمالات خروجها من تلك المناطق أمر وارد في أية لحظة، لذا عملت على الاستفادة من عاملي الوقت وحرية التحرك في الأراضي التي وقعت تحت قبضتها من أجل الإعداد والتهيئة للمرحلة القادمة.
ثانيًا: العوامل المساعدة في تصاعد نشاطها
ثمة عوامل، داخلية وخارجية، تساعد تنظيم القاعدة على التمركز والعمل داخل اليمن على هذا النحو الذي يهدد أمنه واستقراره؛ بل ويهدد أمن واستقرار المنطقة برمتها. وبما أن هذه العوامل كثيرة وقد لا يتسع المجال لذكرها هنا كاملةً؛ ستركز الورقة على أهمها في اللحظة الراهنة.
الضعف الأمني وعدم الاستقرار السياسي
تبين لنا في الأسطر السابقة أن تنظيم القاعدة يعمل وفق إستراتيجية معينة، ولا يدخر جهدًا من أجل تحقيق غاياته المتمثلة في إضعاف الدولة المركزية تمهيدًا للقضاء عليها، وتمكينه بعد ذلك من إقامة إمارات إسلامية تكون منطلقًا لتصدير مشروعه الجهادي صوب المنطقة، ومن ثم تحقيق حلم القاعدة الأكبر بإقامة دولة "الخلافة الإسلامية"، وذلك وفق ما يشير الكثير من أدبياتهم.
وعليه، لابد من التساؤل هنا حول المشروع المقابل، فإذا كان مشروع القاعدة الأيديولوجي، والتكتيكي العسكري، واضحًا بهذا الشكل، فأين دور الدولة وأجهزتها الأمنية في مواجهة هذا الخطر والتحدي الكبير؟ والإجابة بكل بساطة هي أن السلطة الجديدة ممثلة في رئيس الجمهورية وحكومة الوفاق الوطني ورثت عن النظام السابق دولة ضعيفة وهشة، مليئة بالحروب والصراعات السياسية والمناطقية والقبلية، وقد خلَّف النظام السابق بؤر توتر كثيرة في اليمن أبرزها: وضع اقتصادي منهار، مشكلة سياسية ذات أوجه وأبعاد مختلفة في صعدة، حراك جنوبي ملتهب، تنظيم جهادي قوي ومتحفز للسيطرة والتمدد في كل مكان، مستغلاً كافة أشكال التوتر وحالة الفراغ الأمني الناجمة عن ضعف الدولة وعدم قدرتها على مد خدماتها وبسط نفوذها في معظم محافظات الجمهورية.
ولكن الأخطر من كل ذلك هو أن القيادة الجديدة ورثت بعد الثورة مؤسسة أمنية وعسكرية مفككة ومنقسمة على نفسها، وتنظيمًا جهاديًّا يُحكم قبضته على مدن ومناطق مهمة في جنوب البلاد، ويمتلك كميات كبيرة من السلاح الخفيف والثقيل. وفي ظل أوضاع كهذه بدت مهمة الحكومة الجديدة صعبة ومعقدة للغاية، فإلى جانب المسؤوليات السياسية الملقاة على عاتقها، في المرحلة الانتقالية، ومتطلبات عقد الحوار الوطني، وإنجاح التسوية السياسية، توجب عليها توجيه الكثير من جهودها ووقتها من أجل خوض معركة شاملة مع تنظيم القاعدة، خصوصًا وأن الحكومة أدركت أن استمرار التدهور الأمني وانتشار الجماعات المتشددة المسلحة بهذا الشكل سيؤثر سلبًا على التسوية السياسية وربما يفشلها.
ولعل الخطاب الذي ألقاه عبدربه منصور هادي عقب فوزه بالانتخابات الرئاسية في فبراير/شباط الماضي، كان بمثابة تدشين للحملة العسكرية ضد الجماعات الجهادية المتشددة، حيث أوضح هادي في خطابة أن الأمن سيحظى بالأولوية، وأكد على استمرار الحرب ضد تنظيم القاعدة، وعدَّ ذلك واجبًا وطنيًّا ودينيًّا.
وعلى الفور قام الرئيس هادي والحكومة الجديدة باتخاذ بعض التدابير الأمنية، منها: تكليف وزير الدفاع شخصيًا بالإشراف الميداني على سير المعارك العسكرية، وإرسال المزيد من الألوية والوحدات العسكرية إلى مسرح العمليات، وكذا إجراء بعض التغييرات في القيادات العسكرية والأمنية في المحور الجنوبي خصوصًا تلك المتورطة -إعلاميًا على الأقل- بدعم الجماعات المتشددة وتسهيل نشاطها. وبالتنسيق مع أفراد اللجان الشعبية الذين لعبوا دورًا حيويًّا في المعارك ضد الجماعات المتشددة تمكن الجيش -كما كان متوقعًا- من محاصرة عناصر القاعدة، وتوجيه ضربات عسكرية موجعة لهم، أفقدت التنظيم توازنه وأجبرته على الهروب من أرض المعركة منتصف يونيو/حزيران الماضي.
وبطبيعة الحال، فإن توفر الإرادة السياسية في المرحلة الراهنة يعتبر عاملاً مهمًّا في الحد من خطورة الجماعات المتشددة المسلحة، وذلك على العكس مما كان يجري سابقًا. وبالرغم من ذلك، أثبتت الأيام أن الإرادة السياسية، والعمل العسكري المباشر والمكثف، لا يكفيان وحدهما، لتحقيق نصر نهائي وحاسم على تنظيم القاعدة في اليمن؛ فبدون وجود رؤية شاملة لطبيعة الصراع وآليات عمل العدو، وفي ظل غياب إستراتيجية أمنية واضحة لمحاربة هذه الجماعات المتشددة على المديين القريب والبعيد، فإن جهود مكافحة ما يتعارف عليه بالإرهاب ستتعثر ولن تحقق المرجو منها كما هو حاصل الآن.
وفي هذا الإطار لابد من الإشارة إلى أن الجهات الأمنية المعنية بمحاربة تنظيم القاعدة في وزارتي الداخلية والدفاع لا تمتلكان حتى الآن إستراتيجية أمنية محددة للتعامل مع هذه الجماعة المتشددة، فقد تركزت جهودهم في إخراج عناصر القاعدة من المناطق التي سيطروا عليها فقط، ولم يتم منذ البداية وضع تصور عملي للقضاء أو القبض عليهم أثناء المعارك العسكرية، أو حتى لما بعد هروبهم من تلك المناطق، والدليل أن هذه الجماعات خرجت من زنجبار وجعار وهي تحمل الكثير من المعدات العسكرية والسلاح، وقيل: إن بعض الشخصيات والجهات النافذة التي تتبع مراكز القوى والنفوذ في صنعاء، سهّلت خروج تلك الجماعات، كما انسحبت القاعدة بعد أيام معدودة من مدينة عزان التابعة لمحافظة شبوة الجنوبية عبر مفاوضات ووساطة قبلية، وتم تسليم المدينة للجان الشعبية، وذلك لتجنيب المدينة المواجهات مع الجيش بحسب إفادات مصادر محلية وقتها.
والآن، ما زال الانتشار والتواجد الأمني ضعيفًا في المناطق المحررة، وما زالت معظم الوحدات العسكرية التابعة للأمن العام، وقوات النجدة، والأمن المركزي، تتمركز خارج المدن، ولا تتمتع بالجاهزية العسكرية الكافية لمواجهة خطر القاعدة وتهديده المتنامي.
توظيف القاعدة في الصراع السياسي الداخلي
دأب النظام السابق على استخدام الجماعات الجهادية المسلحة، مثل تنظيم القاعدة وغيرها من الجماعات المحلية، المتشددة دينيًا، في العديد من الصراعات السياسية الداخلية، وقد كانت أحداث حرب صيف 94، وما قبلها أبرز مثال على ذلك؛ ففي أثناء اشتداد الأزمة بين شريكي الحكم آنذاك (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني) استغلت قيادة المؤتمر الشعبي العام عودة العديد من الجهاديين اليمنيين والأجانب الذين حاربوا الاتحاد السوفيتي في أفغانستان إلى اليمن، ووظفت كرههم العقائدي للحزب الاشتراكي من أجل القضاء عليه، وقد كان الشيخ طارق الفضلي المتهم بضلوعه في تنفيذ عمليات اغتيال ضد قيادات بارزة في الحزب الاشتراكي، على رأس الجماعات الجهادية التي عادت إلى اليمن، وقد تمركز هو وأتباعه في جبال المراقشة بمحافظة أبين في ظل تسهيلات قُدِّمت لهم من قبل سلطة المؤتمر الشعبي العام في صنعاء.
ومع اندلاع الحرب العسكرية بين الحزبين في صيف 94، دخلت الجماعات الجهادية المسلحة بقوة إلى سياق الأحداث، بعد اتهام مصادر عسكرية في الحزب الاشتراكي عناصر تنظيم الجهاد الإسلامي المتمركز في جبال المراقشة بالقتال إلى جانب قوات العمالقة الموالية للمؤتمر الشعبي وللرئيس صالح ضد لوائي الوحدة ومدرم التابعة للحزب الاشتراكي؛ وقد كان ذلك أول اتهام صريح ومباشر من قبل الحزب الاشتراكي للقيادة في صنعاء بإشراك عناصر الجهاد الإسلامي في العمليات العسكرية ضده.
وبالفعل، كل المؤشرات وقتها، كانت تؤكد أن حكومة صنعاء استفادت من خبرة "المجاهدين" السابقين الذين حاربوا بصورة فعالة في حرب 94، وكان لهم دور بارز في هزيمة قوات الحزب الاشتراكي، وبعد ذلك قام الرئيس صالح برد الجميل لهم ومكافأتهم على دورهم القوي في الحرب من خلال استيعاب الكثير منهم في إطار القوات المسلحة والأمن، وعين الشيخ طارق الفضلي في مناصب رفيعة في المؤتمر الشعبي العام وفي مجلس الشورى. وقد أكدت السلطات اليمنية على لسان أكثر من مسؤول أنه تم بالفعل استيعاب بعض الجهاديين في الجيش والأمن ومنحوا رتبًا عسكرية، وذلك في إطار مسعى حكومي شامل لاحتواء "الجهاديين" وحل مشاكلهم كما زعمت السلطات حينها.
والواقع، أن حرب العام 1994 لم تكن نهاية تعامل السلطات اليمنية مع تلك الجماعات، وإنما كانت البداية الحقيقة لتأسيس علاقة مريبة وملتبسة فيما بينهم، حاول من خلالها كل طرف استغلال الآخر لتحقيق مصالحه، ومن هنا خضعت تلك العلاقة دومًا لحالة من الشد والجذب بين الطرفين، ووصلت في أحيان كثيرة إلى حدّ الصدام المسلح؛ ومع ذلك كان نظام الرئيس صالح يحرص باستمرار على عدم قطع خيوط التواصل والتعامل مع هذه الجماعات المتشددة وعلى رأسها تنظيم القاعدة، لاسيما وأن أحد أبرز إستراتيجيات النظام السابق تمثلت في إدارة البلد عبر الأزمات، وضرب الأطراف السياسية المناوئة بعضها ببعض؛ فكلما كانت الضغوط الداخلية والخارجية تزداد على النظام من أجل المضي قدمًا في عملية الإصلاح السياسي والديمقراطي في البلد، بادر إلى فتح بؤر صراع جديدة وجبهات قتال متعددة كنوع من الهروب من الاستحقاقات السياسية، فتارة يشن حربًا في صعدة، وتارة في الجنوب، وأخرى مع تنظيم القاعدة في مواقع ومحطات مختلفة.
ولعل أحد أهم أسباب احتفاظ نظام صالح بعلاقة من نوع ما مع تنظيم القاعدة قبل الثورة، هو الاستفادة منها في ضرب ومواجهة الحراك الجنوبي، وعندما فشل في ذلك سعى للربط بين القاعدة والحراك الجنوبي، وروّج لذلك من خلال وسائل الإعلام الحكومية التابعة له، وكان الهدف من ذلك الحصول على شرعية محلية وإقليمية ودولية، تخول له استخدام القوة العسكرية لضرب الحراك الجنوبي والقضاء عليه تمامًا.
وبعد اندلاع الثورة الشعبية في اليمن هدد صالح أكثر من مرة، بأن اليمن سينقسم وأن تنظيم القاعدة سيسيطر على أجزاء واسعة من البلاد في حال سقوط نظامه، وبالفعل لم تمر سوى بضعة أسابيع على تهديداته حتى سيطر تنظيم القاعدة على مدينة جعار وبعد أقل من شهرين دخل مدينة زنجبار عاصمة محافظة أبين واستولى عليها بشكل كامل يوم 27 مايو /أيار 2011.
وفي حقيقة الأمر فإن تنظيم القاعدة دخل إلى تلك المدن من دون أية مقاومة تُذكر، بعد انسحاب قوات الأمن والجيش منها بشكل سريع ومفاجئ، مخلِّفة وراءها كميات كبيرة من السلاح وقعت فيما بعد تحت سيطرة القاعدة. وقد فسر الكثير من المراقبين ما حدث في أبين بأنه مؤامرة من قبل النظام، أراد من خلالها أن يثبت للعالم صحة تحذيراته السابقة، وفي نفس الوقت يوظف بعبع ما يطلق عليه الإرهاب من أجل إخافة وابتزاز القوى الإقليمية والدولية التي رفعت الغطاء عنه ودعمت بصورة أو بأخرى ثورة الشباب السلمية في اليمن.
لم يقف الأمر عند هذا الحد وحسب، ففي الرابع من مارس/آذار الماضي، وبعد يومين فقط من صدور قرار جمهوري بتعيين اللواء الركن سالم قطن قائدًا للمنطقة الجنوبية واللواء 31 مدرع بدلاً من مهدي مقولة الموالي بشدة للرئيس صالح، نفذ تنظيم القاعدة عملية عسكرية وصفت "بالمذبحة" في وادي دوفس بأبين قُتل خلالها ما يقارب 200 فرد من قوات الجيش وتم أسر 73 جنديًا، وبحسب عدة تقارير إعلامية فإن مهدي مقولة متورط بدعم وتسهيل عملية دوفس للقاعدة، وأيضًا متورط في تزويد القاعدة بكميات كبيرة من السلاح. وفي قراءة بسيطة ومتأنية لهذه العملية، يمكن القول بأن تنظيم القاعدة سعى من خلالها إلى توجيه ضربة استباقية للجيش اليمني، حيث أدرك التنظيم أن التغيرات الحاصلة في القيادات العسكرية الكبرى المعنية بمحاربة القاعدة تهدف إلى شنّ حرب حقيقية وشاملة ضده، وأن هذه الحرب ستقلب موازين القوى لصالح الجيش، وبالتالي نفذت القاعدة عملية دوفس بالتواطؤ مع قيادة المحور الجنوبي السابقة بهدف إضعاف معنويات الجيش وشل قدرته على مواجهتها مستقبلاً، ولكن هذا لم يحدث فقد تمكن الجيش بالرغم من كل ذلك من فضح ألاعيب النظام السابق، الذي استخدم تنظيم القاعدة كورقة ضغط يهدد بها الداخل ويبتز بها الخارج، وتمكن في أسابيع قليلة من تحقيق ما عجز عنه نظام صالح في سنوات، فهزم القاعدة في أبين وطرد عناصرها من زنجبار وجعار.
العامل الخارجي والتدخل الأميركي في اليمن
شكّلت ثلاث حوادث أمنية متتابعة نقطة فارقة في تاريخ التدخل الخارجي في اليمن، ففي العام 2000 وقعت عملية تفجير المدمرة الأميركية "كول" قبالة السواحل اليمنية، وفي العام 2001، نفذت عملية 11 سبتمبر/أيلول في نيويورك وواشنطن، أما في العام 2002 فقد تم استهداف ناقلة النفط الفرنسية "ليمبورج"؛ وقد كان المتهم الأول في جميع هذه العمليات تنظيم القاعدة الذي كان يعمل وقتها بشكل متصاعد في الأراضي اليمنية ومن خلالها. وبحسب تسريبات إعلامية غربية وعربية رُشِّح اليمن بعد أحداث 11/9 إلى جانب دول أخرى لضربة عسكرية أميركية، غير أن زيارة الرئيس صالح في نوفمبر/تشرين الثاني من العام 2001 غيرت من الرؤية الأميركية تجاه اليمن بخصوص ما بات يعرف بالإرهاب، وحوَّل اليمن من دولة مستهدَفة إلى شريك في الحرب على ما يسمى بالإرهاب، وعلى الفور شرعت السلطات اليمنية بعد زيارة صالح إلى واشنطن في تنفيذ حملة مطارات واسعة في محافظات مأرب والجوف وشبوة ضد عناصر يُعتقد بانتمائهم لتنظيم القاعدة.
وفي الواقع فإن هذه الأحداث كانت البداية الفعلية لانخراط اليمن في الجهود الدولية لمكافحة ما يطلق عليه الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، فقد توالت بعد أحدات 11 سبتمبر/أيلول زيارات كبار المسؤولين الأميركيين لليمن من أجل التنسيق والتعاون الأمني، وفي هذه الأثناء صرّح الجنرال تومي فرانكس القائد السابق للقوات الأميركية العاملة في أفغانستان والشرق الأوسط الذي زار صنعاء في أكتوبر/تشرين الأول 2002 بأن «اليمن يعمل معنا ضد الإرهاب منذ الأيام الأولى لأن الإرهاب يضرنا جميعًا». وأشار إلى أن هناك تعاونًا مع مصلحة خفر السواحل اليمنية لمنع محاولات التسلل المتشددين عبر الساحل اليمني الذي يمتد بطول يزيد عن 2400 كلم. ولم يقتصر التعاون (اليمني-الأميركي) على مكافحة بعض صور ما يعرف بالإرهاب والاستفادة من الدعم المالي وبرامج التدريب والتأهيل، ولكنه امتد ليشمل كل الأعمال والجرائم الموصوفة بالإرهابية وتبادل المعلومات الاستخبارتية، كما وصل التعاون بين الطرفين حد السماح للجانب الأميركي بفتح مكاتب استخبارية في اليمن، حيث شرع مكتب التحقيقات الفدرالي (F.B.I) -بحسب صحيفة نيويورك تايمز- إلى إعادة إرسال عملائه لليمن بسبب تقارير حذرت من أن الموالين للقاعدة ربما يحاولون القيام بتأسيس قواعد لهم في المناطق التي لا يصلها القانون، وأضافت الصحيفة أن اليمن يندرج ضمن الدول الأكثر جذبًا لقادة القاعدة، لأن البلاد خليط من الضعف السياسي والفساد، وتأييد الجهاد، والعجز العسكري. لعل حادثة مقتل أبي علي الحارثي زعيم تنظيم القاعدة في اليمن يوم 3 نوفمبر/تشرين الثاني في صحراء مأرب، مثلت ذروة التنسيق المخابراتي اليمني-الأميركي في مجال مكافحة ما يسمى بالإرهاب، حيث تم التخلص من الرجل بواسطة طائرة أميركية من دون طيار بناءً على معلومات استخبارية من أجهزة الأمن اليمنية.
ولكن مع مرور الوقت تبين أن التعاون اليمني غير المحدود مع واشنطن في مجال مكافحة ما يعرف بظاهرة الإرهاب أصبح سلاحًا ذا حدين؛ فمن جهة ساهم هذا التعاون في تحويل اليمن من دولة راعية لما يطلق عليه الإرهاب ومستهدفة أميركيًا إلى دولة حليفة في الجهود العالمية لمحاربة التشدد، وحصلت صنعاء على الكثير من الدعم المالي والفني في هذا المجال، ولكن من جهة أخرى بات اليمن ساحة من ساحات الصراع الدولي من أجل القضاء على التشدد. ومع تضييق الخناق على مقاتلي القاعدة في كل من أفغانستان والعراق في السنوات الأخيرة، توجه العديد من عناصر القاعدة وقادتها البارزين إلى اليمن، واستطاع العديد من قادة التنظيم الحصول على ملاذات آمنة في بعض المناطق القبلية، النائية والبعيدة، بل إن بعض قادة التنظيم ينتمون أصلاً إلى تلك القبائل، والبعض الآخر تصاهر معهم.
وبالتالي وفرت بعض القبائل، التي كانت مستاءة بشكل كبير من الحكومة اليمنية بسبب غياب التنمية والخدمات في مناطقها، وكذا بسبب تعاونها المتزايد مع الأميركان في مجال مكافحة ما يسمى الإرهاب، وفرت الحماية والبيئة الملائمة لتحرك القاعدة وتصاعد نشاطها. القاعدة بدورها استغلت الوضع الاقتصادي المتدهور وحالة الفقر والبطالة التي يعاني منها بعض الشباب اليمني وجندتهم في صفوفها، وأعلنت التعبئة من أجل محاربة "المشركين" بحسب توصيفها للأميركان والأجانب عمومًا.
ومع تزايد التدخل الأميركي في اليمن شرعت القاعدة في تنفيذ العديد من الهجمات، التي لم تميز فيها هذه المرة بين العدو البعيد والقريب كما كانت تفعل في السابق، واستهدفت المصالح الغربية والمحلية على حد سواء. وفي الثالث من فبراير/شباط تمكن 23 عنصرًا من قادة تنظيم القاعدة من الهروب بطريقة دراماتيكية ومثيرة للشكوك والاستغراب من سجن الأمن السياسي في صنعاء، وقد كان على رأس هذه المجموعة ناصر الوحشي الذي تزعم فيما بعد تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية، وذلك على أثر اندماج فرعي القاعدة في اليمن والسعودية مطلع العام 2009. وبعد عملية "الهروب الكبير" كما وُصفت في وسائل الإعلام المختلفة تصاعد نشاط القاعدة، ونفذ العديد من العمليات الموصوفة بالإرهابية أبرزها، تلك التي خطط وأعد لها داخل الأراضي اليمن، ولكن بغرض ضرب وإصابة أهداف خارجية، ففي أغسطس/آب 2009 قام عبدالله العسيري وهو أحد أعضاء تنظيم القاعدة في جزيرة العرب بمحاولة اغتيال فاشلة للأمير محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية داخل الأراضي السعودية. كما قام الشاب النيجيري عمر فاروق عبد المطلب الذي قيل: إنه تدرب في اليمن بمحاولة أخرى فاشلة لتفجير طائرة ركاب تابعة لشركة "نورث ويست"، فوق الأجواء الأميركية وذلك في 25 ديسمبر/كانون الأول عشية احتفالات عيد الميلاد.
وبطبيعة الحال فقد سلطت هذه الأحداث الأضواء الدولية على اليمن، وأعلنت بريطانيا بعدها على لسان رئيس وزرائها السابق غوردن براون أن لندن ستستضيف مؤتمرًا دوليًّا مخصصًا لمحاربة القاعدة في اليمن، وفي السياق ذاته استجابت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون للمخاوف البريطانية، ووصفت الوضع في اليمن بأنه يمثل تهديدًا لدول العالم بأسره. ومع تزايد حدة أعمال العنف الداخلية، كان الكثير من التقارير الدولية يحذر من أن اليمن مرشح بقوة لأن يصبح دولة فاشلة، وأن المئات من المقاتلين الأجانب القادمين من أفغانستان وباكستان يتوجهون إلى اليمن بحثًا عن ملاذ آمن، كما صرحت بعض القيادات العسكرية الأميركية بأن تنظيم القاعدة في اليمن بات يشكِّل خطرًا على العالم أكثر من تنظيم القاعدة في باكستان وأفغانستان.
وفي هذه الأثناء حاولت الحكومة اليمنية التصدي لهذه الجماعات ولكن قدرتها العسكرية والأمنية كانت تتضاءل باستمرار، لاسيما مع تدهور الوضع الاقتصادي وجمود العملية السياسية، وتعثر المسار الديمقراطي في البلد، وكذلك مع اشتداد الصراع الأمني سواء في الجنوب أو في صعدة، وبدخول العامل الإقليمي على خط الأزمات الداخلية، ازداد طين اليمن بلّة، وتحول إلى ساحة صراع بين قوى إقليمية متنافسة في أكثر من منطقة وموقع. ولم تتورع هذه القوى في إطار الصراع والتنافس فيما بينها عن توظيف أطراف داخلية، واللعب بأكثر من ورقة، ومن بينها للأسف ورقة الجماعات الجهادية المسلحة، خدمة لمصالحها، وسياسات الصراع التي تنتهجها. وفي ظل اشتداد الأزمات الداخلية وزيادة الضغوط الخارجية على اليمن من أجل محاربة ما بات يعرف بالإرهاب وإجراء إصلاحات سياسية، اندلعت الثورة الشعبية، وسقط نظام صالح، وبدأت مرحلة جديدة في الحرب على التشدد.
ثالثًا: القاعدة والتسوية السياسية: المستقبل لمن؟!
تؤكد العملية الأخيرة التي استهدفت مقر الأمن السياسي، ومبنى الإذاعة التلفزيون في مدينة التواهي بعدن، يوم 18 أغسطس/آب الجاري، والتي قُتِل خلالها 16 فردًا من جنود الأمن المركزي المرابطين في الموقع، والعمليات الأخرى التي حدثت سابقًا، أن تنظيم القاعدة المشتبه به الأول بتنفيذ هذه العمليات، عازم على نشر الفوضى وإحداث أكبر قدر من الخسائر المادية والمعنوية باليمن؛ فتنظيم القاعدة لا يستطيع أن يعمل ويتحرك إلا في ظل الفوضى الأمنية وعدم الاستقرار السياسي؛ وبالتالي فهو لا يفوت أية فرصة من أجل توجيه ضربات قوية لمؤسسات الدولة المختلفة بهدف إرباك العملية السياسية، ومن ثم العودة باليمن إلى مربع الفوضى والعنف.
وفي الواقع، فإن تنظيم القاعدة ليس وحده المستفيد من الهجمات والعمليات القتالية التي تشهدها الساحة اليمنية خلال هذه الفترة، فهناك أطراف سياسية ومراكز قوى فقدت مصالحها وهي غير راضية عن عملية الانتقال السياسي في اليمن، وترى أن التسوية السياسية في حال سارت بشكل طبيعي ستضعفها بشكل كبير وستحد من نفوذها أو ربما تقضي عليه تمامًا، لذا فمن غير المستبعد أنها من سهّل للقاعدة تنفيذ بعض هذه العمليات، خصوصًا وأن هذه القوى، ما زالت تمتلك حتى الآن بعض العناصر والأفراد داخل المؤسستين الأمنية والعسكرية.
إن استمرار تصاعد نشاط القاعدة على هذا النحو، لا شك سيلقي بظلاله الكثيفة على مجمل الأوضاع في اليمن، وستكون التسوية السياسية عرضة للمزيد من الهزات؛ فالحرب على ما يطلق عليه الإرهاب تستنزف جهود الدولة ومواردها، وكل ذلك على حساب بقية الملفات السياسية والاقتصادية. وبالإضافة إلى ذلك فإن تخبط الجهات الأمنية في تعاملها مع ملف التشدد سيطيل من أمد المعركة، وقد يشجع تنظيم القاعدة ومن وراءه مستقبلاً على تنفيذ عمليات أكثر جرأة وحساسية تستهدف قيادات عليا في الدولة.
وعلى أية حال، فإن عدم قدرة الحكومة الجديدة على حسم المعركة مع الجماعات المتشددة أيًا كانت، سيؤثر عليها بشكل سلبي، وسيضر بسمعتها داخليًا وخارجيًا، فمن جهة سيفقد المواطن اليمني ثقته بالحكومة التي وعدت بمحاربة ما يعرف بظاهرة الإرهاب والقضاء عليه، ومن ثم تخفيف معاناته المعيشية، وهذا ما قد يدفع ببعض المواطنين للانخراط في مشاريع سياسية أخرى ذات طابع جهوي أو مناطقي، أو حتى الارتماء مجددًا في أحضان الجماعات الجهادية، ولا شك أن ذلك لن يساعد على إتمام التحضيرات والمشاورات السياسية الجارية لعقد مؤتمر الحوار الوطني خلال الأشهر القليلة القادمة، والذي تراهن عليه الحكومة وبعض القوى السياسية كمدخل فعلي لحل العديد من القضايا الشائكة على المستوى الوطني.
ومن جهة أخرى، فإن استمرار عمل هذه الجماعات داخل اليمن، سيشجع الشباب الساخط على المستوى الإقليمي والدولي على المجيء إلى اليمن ودعم هذا الجماعات بصورة أو بأخرى، وسيكون اليمن في هذه الأثناء عرضة للمزيد من الضغوط والتدخلات الخارجية، وساحة مفتوحة للحرب على ما يدعى بالإرهاب، وللصراعات الإقليمية، لاسيما وأنه يتمتع بموقع إستراتيجي مهم، نتيجة قربه من منابع النفط في الخليج، وإشرافه على مضيق باب المندب أحد أهم ممرات الملاحة الدولية الذي يربط بين قارات العالم القديم، ويمر عبره إلى أوروبا وأميركا نحو ثلاثة ملايين برميل من النفط يوميًّا.
إن معركة اليمن مع تنظيم القاعدة والجماعات الجهادية المسلحة في ظل تعقيدات المرحلة الانتقالية، وعدم الاستقرار السياسي، مهمة صعبة وتحتاج للكثير من الجهد والعمل المدروس والمخطط له بعناية، خصوصًا وأن هذه الجماعات تعمل في اليمن منذ ما يقارب العقدين من الزمن، وأصبح لديها قدرة ومرونة على التكيف والعمل في أصعب الظروف، كما أنها تغلغلت في النسيج الاجتماعي لبعض المكونات القبلية والمحلية، ناهيك عن اختراق عناصرها للأجهزة الأمنية، وهذا ما أكده سعيد عبيد الناطق الرسمي باسم لجنة الشؤون العسكرية في حوار مع صحيفة الشرق الأوسط قبل أيام. ولكن، بالرغم من كل ذلك، لابد من الإشارة إلى أن مهمة القضاء على القاعدة بالرغم من صعوبتها، إلا أنها غير مستحيلة. وقد أحرزت القيادة الجديدة بعد الثورة تقدمًا مهمًّا في هذه المعركة، واستطاعت طرد العناصر المتشددة من المناطق التي سيطرت عليها سابقًا، وهي قادرة اليوم على إكمال المهمة بنجاح خصوصًا إذا تبنّت إستراتيجية أمنية شاملة، للتعامل مع خطر ما يدعى ظاهرة الإرهاب في هذه المرحلة، وعلى المديين المتوسط والبعيد، تشمل تنمية المناطق البعيدة، وبسط نفوذ الدولة ومؤسساتها الأمنية والخدمية في كل مكان، والاهتمام بالتثقيف والتوعية المجتمعية من خلال التعليم والمنابر الإعلامية المختلفة التي يجب أن تلعب دورًا أساسيًّا في التصدي للأفكار المتشددة ومحاربتها. وبالإضافة إلى ذلك، على الحكومة الاستفادة من تغير ظروف المجتمعات المحلية في بعض المناطق التي كانت تنشط فيها القاعدة، فالكثير من هذه المجتمعات، لم تعد تشكل بيئة حاضنة للجماعات المتشددة، بعد أن تعرضت مناطقهم للخراب والدمار بفعل الحرب على ما يسمى بالإرهاب، بل إن الكثير من أبناء تلك المناطق، هم اليوم ضمن قوام اللجان الشعبية التي تتصدى لبقايا تنظيم القاعدة إلى جانب قوى الجيش والأمن. وبالتالي، فمن المتوقع، في حال تضافرت الجهود الرسمية والشعبية، واستمر الدعم والتأييد الدولي للتسوية السياسية والمرحلة الانتقالية في اليمن، أن تنجح جهود مكافحة التشدد بشكل أسرع مما نتوقع.
______________________________
سقاف عمر السقاف - باحث سياسي يمني