المصدر (الجزيرة) |
بعد أكثر من عامين على انطلاق ثورات الربيع العربي ما يزال المشهد السياسي مرتبكا وما يزال مصير التغيير الذي أطاح بأنظمة الحكم في تونس ومصر وليبيا واليمن مفتوحا على كل الاحتمالات، برغم اختلاف المسارات الانتقالية. وإذا كان الشباب هم القوة الاجتماعية الرئيسية التي فجرت الثورة وأحدثت التغيير، فإن موقعهم من المشهد الراهن ومن مؤسسات الحكم الجديدة لا يبدو أنه متناسب مع الدور الذي لعبوه. وقد عكس التهميش السياسي الذي تعيشه هذه الفئة العمرية تباين مواقفها من كثير من القضايا التي شملها استطلاع للرأي أجراه مؤخرا مركز الجزيرة للدراسات ونفذته ميدانيا شركة سيغما كونساي بإشراف ومتابعة إدارة الأبحاث والتحاليل في شبكة الجزيرة الإعلامية.
أجري الاستطلاع خلال الفترة من 15 نيسان/ أبريل إلى 25 أيار/مايو 2013 بهدف التعرف على مواقف الشباب وتوجهاتهم إزاء تطورات أوضاع بلدانهم بعد الثورة، واستشرافهم لمستقبلها. وشمل بلدان الربيع العربي الأربعة (تونس، مصر، ليبيا، اليمن) وتوزع على أربعة محاور عامة تناولت تقييم الشباب لواقع الثورة بإنجازاتها وإخفاقاتها في ظل التحديات التي تواجهها والمخاطر المحدقة بها. كما حاول الوقوف على توقعات الشباب من ثورات الربيع العربي وما يمكن أن تحققه في المستقبل سواء على الأصعدة العامة أو الفردية، وخلص إلى اقتراحات لإنجاح الثورة وتحقيق أهدافها.
شملت عينة الاستطلاع 8045 شابا وشابة من الشريحة العمرية 17 إلى 31 عاما في كل من مصر وتونس وليبيا واليمن. وقد تم اختيار المستجوبين حسب توزيع الحصص بناءً على الجنس والشريحة العمرية والتوزيع الجغرافي لكل بلد.
اعتمد الاستطلاع منهجية المقابلة المباشرة مع عينة بلغ عددها في مصر 2002 شابا وشابة في مناطق القاهرة الكبرى والوجه البحري والوجه القبلي إضافة إلى الدلتا. وبلغت العينة في تونس 2005 من الشباب توزعت على تونس الكبرى بالإضافة إلى المناطق الداخلية والساحلية والجنوب. أما في ليبيا فقد بلغت العينة 1996 من الشباب الليبي في طرابلس وبني غازي ومناطق أخرى. وفي اليمن استطلع رأي 2042 من الشباب اليمني في مناطق الوسط والغرب والجنوب الشرقي. وفي ما يلي قراءة أولية في نتائج هذا الاستطلاع:
1. الهوية والانتماء: عزوف كبير عن الانتماء الحزبي وتأكيد على أولوية الإسلام في تشكيل الهوية وعلى أهمية الشريعة في النظام التشريعي.
في محور الهوية والانتماء أظهر الاستطلاع أن غالبية الشباب في البلدان المبحوثة تميل إلى تغليب الانتماء إلى الإسلام على انتماءاتها الوطنية والقومية. فقد اختار جل المستجوبين في تونس وليبيا واليمن عبارة "مسلم" كخيار أول بنسب عالية، باستثناء مصر حيث أجاب 61.6% بأنهم مصريون أولا، فيما قال 35.2% أنهم مسلمون أولا، بينما لم يحظ الانتماء العربي إلا على نسبة 1.7%.
أما على صعيد الانتماء الحزبي فقد أظهرت النتائج عزوفا واضحا من الشباب في البلدان الأربعة عن الانتماء إلى الأحزاب السياسية حيث أكد أكثر من 96% من العينة في كل من مصر وتونس بأنهم غير منتمين لأحزاب. ولم يختلف الوضع كثيرا في ليبيا حيث أكد 92.1% من الشباب الليبي أنهم لا ينتمون إلى أحزاب. أما في اليمن فقد انخفضت نسبة غير المنتمين إلى 62.1%، فيما ارتفعت نسبة المنتمين إلى أحزاب سياسية إلى 35.4%.
ولا يتوقف عزوف الشباب عن الانتماء الحزبي على الوقت الراهن إذ تبين نتائج الاستطلاع أن 95.3% من الشباب المصري لا ينوون الانتماء إلى أي حزب سياسي في المستقبل، وبنسب متقاربة عبر 86.9% من الشباب التونسي و84.7% من الشباب الليبي و84.4% على نفس الموقف.
تباينت آراء الشباب في تقييمهم للثورة بشكل عام بين من اعتبرها ناجحة ومن اعتبرها فاشلة ومن اختار عدم الحسم في تقييمه. وإذا كان الشباب الليبي قد اعتبر ثورته ناجحة بأغلبية 63.9% فإن الشباب التونسي رأى عكس ذلك واعتبر بأغلبية 53.5% أن الثورة فشلت في تحقيق أهدافها. أما في مصر واليمن فقد ترددت أغلبية المستجوبين في موقفها واعتبرت أن الثورة لم تنجح ولم تفشل بنسبة 43.5% في مصر و37.9% في اليمن.
وعن نجاحات الثورة يلاحظ أن الشباب في كل من مصر واليمن اعتبروا أن إسقاط النظام يأتي في مقدمة تلك النجاحات، في حين ركز الشباب التونسي والليبي على المكاسب التي ضمنتها الثورة في مجال الحريات بشكل عام. فقد وصلت نسبة الذين يعتبرون إسقاط النظام السابق أبرز نجاحات الثورة في اليمن إلى 52.2% وفي مصر إلى 48.8%. بينما اعتبر 59.1% من الليبيين و33.8% من التونسيين أن ضمان الحريات يعد أبرز تلك النجاحات. وتأتي النجاحات في مجالات العدالة الاجتماعية وتوفير فرص العمل ومحاربة الفساد وإعادة هيكلة مؤسسات الدولة في مراتب متأخرة.
أما عن اخفاقات الثورة، فرغم التباين الواضح في ترتيب الأولويات إلا أن هناك اتجاها عاما لاعتبار تحسين الوضع الاقتصادي وتعزيز الأمن ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية هي أبرز المجالات التي أخفقت فيها الثورة أكثر من غيرها. ففي مصر يرى 61.3% من الشباب المستجوب أن الثورة أخفقت في تحقيق العدالة الاجتماعية ويعتبر 56.4% أنها أخفقت في تعزيز الأمن. أما في تونس فقد رأت الأغلبية أن الثورة أخفقت بالدرجة الأولى في توفير فرص العمل بنسبة 42.5%، وفي تحسين الوضع الاقتصادي بنسبة 14.1%. وفي ليبيا فقد تصدر قائمة الإخفاقات غياب الأمن بنسبة 36.8%، تلاه الوضع الاقتصادي بنسبة 18.4%. أما في اليمن فقد اختارت أغلبية المستجوبين عدم تحسن الوضع الاقتصادي كأبرز علامات إخفاق الثورة اليمنية بنسبة 46.7%، وجاءت في المرتبة الثانية محاربة الفساد بنسبة 45%.
ورغم الاختلافات البينة في تقييم الثورة بشكل عام فقد أكد المستجوبون في أغلب البلدان التي جرى فيها الاستطلاع أن هناك تقدما واضحا في مجال الحريات وحقوق الإنسان. فقد اعتبر 61.6% من الشباب الليبي و42.1% من الشباب التونسي و40.2% من الشباب اليمني أن وضع حقوق الإنسان أصبح أفضل بعد الثورة، بينما اتجهت نسبة 43.3% من المصرين إلى عكس ذلك معتبرة أن الوضع كان أفضل قبل الثورة. أما حرية التعبير فقد أظهرت النتائج وبنسب عالية أنها أصبحت مضمونة بعد الثورة. تصدرت ليبيا هذا الاتجاه بـ88.1%، تلتها مصر بـ79% ثم اليمن بنسبة 76.7% وتونس بـ75.4%. ونفس الاتجاه نجده في مجال حرية الصحافة، حيث أكدت الغالبية الساحقة من المستجوبين على أن حرية الصحافة أصبحت مضمونة بعد الثورة. وتراوحت النسب بين 84.6% في ليبيا و72% في اليمن.
4. مستقبل الثورة: تفاؤل بتحقيق أهدافها رغم التحديات والمخاطر القائمة.
على صعيد رؤية الشباب لمستقبل بلدانهم بعد الثورة، ورغم التباينات التي كشف عنها الاستطلاع في تقييمهم لثوراتهم ومدى تحقيقها لأهدافها، إلا أن هناك تفاؤلا بمستقبل الثورة غلب على أجوبة الشباب في كل من ليبيا واليمن وتونس. ففي ليبيا يرى 77.6% من الشباب أن بلدهم سيكون أفضل في المستقبل، وفي اليمن يرى 47.5% نفس الرأي. أما في تونس فتنخفض نسبة المتفائلين إلى نحو ثلث المستجوبين (34%) ولكنها تظل الغالبة مقارنة بمن يرون عكس ذلك. في مصر جاءت النتيجة مختلفة حيث اعتبر أكثر من ثلث المستجوبين (34.6%) أن وضع البلاد سيكون بحال أسوأ في المستقبل مقابل 16.2% فقط اعتبروا أنه ستكون أفضل.
في وجه هذه التحديات وهذه المخاطر المحدقة، جاءت رؤية الشباب لتحقيق أهداف الثورة في ثلاث مقترحات أساسية. ففي ليبيا واليمن ترى النسبة الغالبة من المستجوبين أن الثورة تحتاج إلى مزيد من الوقت لتنجح في تحقيق أهدافها، بينما ترى النسبة الغالبة في كل من تونس ومصر أن الأمر يحتاج إلى مراجعة السياسات والسياسيين الذين يقومون على تنفيذها. وفي تونس ومصر أيضا ترتفع نسبة الذين يرون ضرورة القيام بثورة ثانية إلى نحو 30% في البلدين، بينما تنخفض نسبتهم إلى 13.6% في ليبيا و12.7% في اليمن.