المصدر (الجزيرة) |
لابد من التوقف أمام تاريخين رئيسيين قبل أن نقترب من المعضلات السياسية والأمنية بعد 30 يونيو/حزيران لأن لكل منهما دلالته الخاصة هما 25 يناير/كانون الثاني 2011 و30 يونيو/حزيران 2013.
في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 انطلقت في مصر شرارة سرعان ما سرت في كل أوصال المجتمع المصري لتفجر أول ثورة شعبية رفعت في البداية شعارًا بسيطًا من كلمتين: عيش، حرية. ثم تطور إلى: عيش، حرية، عدالة اجتماعية، كرامة إنسانية. اختار المتظاهرون ميدان التحرير مكانًا للتجمع، فتعاملت معهم السلطة في البداية بأساليبها القمعية التقليدية مع كثير من المبالغة في العنف خاصة عندما خرجت دعوات من المتظاهرين للاعتصام في الميدان، ونجحت بالفعل في إخلائه بالقوة واستخدمت الشرطة على مدى أيام 25 و26 و27 يناير/كانون الثاني كل صنوف العنف والاعتقال العشوائي والإخفاء القسري. وفي صباح الجمعة 28 يناير/كانون الثاني والتي أعلنها المتظاهرون جمعة الغضب بدا الأمر وكأن أجهزة الامن قد سيطرت على الموقف وأنها لم تكن أكثر من مظاهرات احتجاجية اختار منظموها يوم 25 يناير/كانون الثاني باعتباره عيدًا للشرطة للتظاهر احتجاجًا على أساليبها القمعية وساد شوارع القاهرة فترة الصباح هدوء مريب، فقد كان الهدوء الذي يسبق العاصفة التي انطلقت بكل عنفوانها عقب صلاة الجمعة ولم تقتصر فقط على ميدان التحرير في القاهرة ولكنها امتدت للعديد من ميادين التحرير في محافظات مصر، خاصة السويس والإسكندرية وحدث الصدام الكبير مع قوات الأمن، والذي حسمته الجماهير لصالحها حيث انهارت قوات الأمن في مواجهة الثوار، وكان قرار وزير الداخلية حبيب العادلي ومساعديه بإحداث الفراغ الأمني الشامل في كل أنحاء البلاد.
وجاء قرار مبارك بنزول القوات المسلحة إلى الشوارع في نفس اليوم ولتبدأ وقائع التغيير حيث توحدت الشعارات في "الشعب يريد إسقاط النظام" و"ارحل.. ارحل"، وتوالت الأحداث المعروفة في الأيام التالية، ولعل أبرزها موقعة الجمل في 2 فبراير/شباط 2011 وانتهاءً بإعلان عمر سليمان الذي كان قد شغل منصب نائب رئيس الجمهورية قرار مبارك بالتخلي عن منصبه كرئيس للجمهورية -وهذا حقه- وتكليف المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإدارة شؤون البلاد وهذا بالقطع لم يكن من حقه لعدم وجود أي سند له من الدستور أو القانون، ولكن هذا ما حدث وهذا ما تقبله الجميع في ذلك الوقت حيث فرحت الجماهير بذهاب مبارك وأسرته وأرجأت التفكير في المستقبل. ولعل هذا كان هو الخطأ الأكبر الذي وقع في 11 فبراير/شباط 2011، والذي يبدو أنه يتكرر مرة أخرى بعد 30 يونيو/حزيران 2013 . هذا ما جرى في ثمانية عشر يومًا بدأت في 25 يناير/كانون الثاني 2011 وانتهت في 11 فبراير/شباط من نفس العام، وكان إيذانًا بانطلاق ثورة شعبية نتج عنها تصدع نظام سياسي ظل راسخًا على مدى 60 سنة اصطلحنا على تسميته نظام يوليو، تم خلع رأس النظام وأسرته من السلطة وإبعاد معيته الأساسية وهز النظام هزة عنيفة ولكن دون إسقاطه؛ حيث بقيت كل مؤسساته الرئيسية راسخة، وفي مقدمتها مؤسساته الأمنية من جيش وشرطة وأجهزة استخباراتية ورقابية وهيئات قضائية وأجهزة الإدارة البيروقراطية بالإضافة إلى منظومة إعلامية واسعة التأثير.
تشتيت قوى الثورة
في تلك الليلة ليلة 11/12 فبراير/شباط 2011 اجتمعت كل سلطات الدولة ومؤسساتها في قبضة رجل واحد هو المشير محمد حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة ووزير الدفاع بصفته رئيسًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، وهو كيان أنشأه عبد الناصر عام 1968 بمرسوم ينص على أن يرأسه وزير الحربية "الدفاع"، ويصدر بتشكيله قرار من رئيس الجمهورية وهو ما لم يكن قد صدر حتى ذلك الوقت. وبعيدًا عن هذه الأمور الدستورية والقانونية التي لا جدوى من مناقشتها في الحالة المصرية حيث الأمر الواقع يقول: إنه لا أحد يحترمها، ولكن المؤكد أن مبارك لم يشأ أن يترك السلطة إلا بعد أن يسلم البلد إلى الجيش بصرف النظر عن أية اعتبارات أخرى وقد حقق مراده، ولاستكمال الشكل بادر رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة بإصدار مرسوم عاجل بتشكيل المجلس والذي اصطلح الناس على تسميته بعد ذلك بالمجلس العسكري، وبدأت مسيرة طويلة استغرقت قرابة العامين والنصف حتى بلغنا 30 يونيو/حزيران 2013، وخلال تلك الفترة بين التاريخين، جرت في النهر مياه وأيضًا دماء كثيرة قد لا يكون هذا مجال سرد وقائعها ولكن أهم ما جرى ومهد الطريق إلى 30 يونيو/حزيران كان أمرين رئيسيين:
-
الأول: نجاح طنطاوي ومجلسه العسكري في الحفاظ على كل مؤسسات النظام الرئيسية وأجهزته البيروقراطية ليس فقط من الناحية المادية ولكن أيضًا على كل عقائدها وقناعاتها وولاءاتها.
-
الثاني: تشتيت وتقسيم كل القوى الثورية الحقيقية، خاصة التيارات الشبابية وإغراق الشعب في سلسلة من الأزمات الحادة وإشاعة حالة من الانفلات الأمني غير مسبوقة ولا معتادة بالنسبة للشعب.
في ظل تلك الأجواء، جرت عملية سياسية مشوهة، في ظل اضطراب دستوري ومجموعة من الإعلانات الدستورية الملتبسة التي أصدرها المجلس العسكري؛ حيث أُجريت انتخابات برلمانية ثم تم حل مجلس الشعب بقرار غير مسبوق من المحكمة الدستورية العليا التي بقيت على تشكيلها المعين من مبارك، ثم أجريت انتخابات رئاسية انتهت بانتخاب د. محمد مرسي وأعقب ذلك قيام طنطاوي بتسليمه السلطة شكليًا في 1 يوليو/تموز 2012 بعد أدائه اليمين في اليوم السابق أمام نفس المحكمة الدستورية العليا طبقًا للإعلان الدستوري الأخير الصادر عن المجلس العسكري، ولن نتعرض لما جرى على مدار عام كامل وانتهى بالوصول إلى 30 يونيو/حزيران فهو يحتاج إلى تفصيل خاص.
صناعة إسقاط الرئيس
في الثلاثين من يونيو/حزيران وبعد تمهيد وتعبئة وإعداد على مدى عدة أشهر، شاركت فيه بشكل مباشر وغير مباشر كل مؤسسات الدولة وأجهزتها ودعمته آلة إعلامية هائلة جندت كل أدواتها لتخلق صورة انطباعية لدى قطاع كبير من الرأي العام بفشل الرئيس وحكومته في إدارة الدولة، وأنه وراء كل الأزمات والمشكلات التي يعاني منها الناس والتي ازدادت حدة بشكل صارخ في الأسبوع السابق ليوم 30يونيو/حزيران خاصة في أزمة وقود السيارات وتوقفت الحركة أمام طوابير السيارات الممتدة أمام محطات الوقود. مع ملاحظة أن هذه الأزمة انفرجت على الفور وفي لحظة عقب قرارات 3 يونيو/حزيران، وبدا واضحًا أن الرئيس يملك سلطة شكلية ولا يملك أدواتها ممثلة في القوات المسلحة والشرطة والقضاء وأجهزة الدولة البيروقراطية، وبالتالي جرى تنفيذ السيناريو الذي بات واضحًا أنه كان معدًا مسبقًا بدقة؛ فالقيادة العامة للقوات المسلحة تصدر بيانًا يعطي مهلة أسبوع للتوصل إلى اتفاق دون أن يحدد بوضوح أطراف هذا الاتفاق، والأمر شديد الغرابة أن تصدر رئاسة الجمهورية بيانًا بأن القائد العام لم يستشر الرئيس قبل إصدار البيان. في نهاية الأسبوع تنطلق تظاهرات 30 يونيو/حزيران بتنظيم جيد للغاية لا تبدو عليها أية تلقائية كتلك التي انطلقت في 25 يناير/كانون الثاني تحرسها طائرات القوات المسلحة، وتؤمّنها قوات الشرطة والجيش وتغطيها وتشيد بها كل وسائل الإعلام حتى تلك المملوكة للدولة، والتي كانت القوات المسلحة قد سيطرت عليها قبلها بأيام وهي تحمل شعارات تطالب برحيل الرئيس، فتصدر القيادة العامة للقوات المسلحة إنذارًا جديدًا بمهلة 48 ساعة للانصياع لإرادة الشعب -دون تحديد ماذا يُقصد بالشعب بالضبط- وكانت هناك جماهير أخرى قد نزلت إلى الشوارع على عجل تؤيد الرئيس والشرعية. وفي نهاية الإنذار في مساء 3 يوليو/حزيران 2013، خرج علينا القائد العام للقوات المسلحة يحيط به قادة القوات المسلحة، وفي مشهد غير مسبوق يظهر الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر وقداسة بطريرك الأقباط الأرثوذكس وممثلون لحزب النور السلفي وممثلون للشباب الذين تصدروا المشهد الجديد في 30يونيو/حزيران باسم حركة تمرد، ليعلن بوضوح تكليف رئيس المحكمة الدستورية العليا برئاسة الجمهورية مؤقتًا مع تعطيل الدستور ووضع خريطة طريق للمستقبل وبداية مرحلة انتقالية جديدة، والشيء المثير أنه لم يأت ذكر رئيس الجمهورية الذي كانت ملايين من الناخبين قد اصطفت للاختيار بينه وبين منافسه، والأكثر إثارة أن القائد العام أعلن أن هذه الإجراءات نزولاً على إرادة الشعب وثورته المجيدة التي انطلقت في 30 يونيو/حزيران، ولكن وعلى الفور انطلقت أصوات كثيرة تقول: بل هو انقلاب عسكري مرفوض، وتطالب بعودة الشرعية المتمثلة في الرئيس المنتخب والدستور ومجلس الشورى واستكمال العملية السياسية بإجراء الانتخابات البرلمانية، وبدأت عمليات الاعتصام وتنظيم المسيرات في القاهرة وكل المحافظات.
ضرب السلم الاجتماعي
هكذا وضع 30 يونيو/حزيران مصر في مواجهة إشكاليات ومعضلات سياسية وأمنية شديدة الخطورة، ليس فقط على مسار عملية التحول الديموقراطي التي هي الهدف الرئيسي لثورة الشعب في 25 يناير/كانون الثاني 2011 ولكن أيضًا على حالة السلم الاجتماعي والاستقلال الوطني، وهو ما سنتعرض له في محاولة لتحديد ماهية تلك المعضلات وخطورتها، وأيضًا تقييم ما إذا كانت استراتيجيات النظام القائم في التعامل معها تؤدي إلى تلافيها أم إلى تفاقمها؟
أولاً: المعضلات السياسية والأمنية التي تواجه مصر بعد 30يونيو/حزيران
على الصعيد السياسي نشأت على الفور عدة إشكاليات سياسية بدأت منذ أعلن الجنرال السيسي في الاجتماع الشهير الذي أُذيعت وقائعه على الهواء يوم 3 يوليو/تموز بحضور قادة القوات المسلحة، ولأول مرة شيخ الأزهر وبطريرك الكنيسة القبطية الأرثوذكسية وممثل حزب النور السلفي ومحمد البرادعي مفوضًا من التيارات السياسية الداعمة لتظاهرات 30يونيو/حزيران وعدد من الشباب الذين يمثلون حركة تمرد، وكان على الجميع أن يُعلنوا مباشرة عن قبولهم بالقرارات التي أعلنها الجنرال بمسمى خريطة المستقبل، والتي تعني ضمنًا عزل الرئيس المنتخب رغم عدم ورود ذلك صراحة في نص القرارات التي تضمنت تعيين رئيس جمهورية مؤقت، هو رئيس المحكمة الدستورية العليا وتعطيل الدستور وتشكيل لجنة لتعديله وتشكيل حكومة وتحديد إجراءات عامة للانتخابات، وأعطى الرئيس المعين المؤقت حق إصدار إعلانات دستورية وهو ما حدث بالفعل.
نظام جديد بين عزلتين
على الصعيد السياسي يمكن رصد أهم المعضلات والإشكاليات السياسية في الآتي:
-
إشكالية الشرعية ما بين ادعاء أن قرارات 3 يوليو/تموز التي أعلنها الجنرال السيسي كانت تعبيرًا عن إرادة الشعب "المبهر" الذي قام بثورة 30 يونيو/حزيران، وهو ما تتمسك به قيادة القوات المسلحة والتيارات المؤيدة لها، وبين إصرار الرئيس المعزول والإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي وقطاع شعبي كبير على أن ما جرى هو انقلاب عسكري مكتمل الأركان، وهذه المعضلة انتقلت أيضًا إلى الخارج فلم يعترف صراحة بشرعية ما جرى سوى المملكة السعودية وعدد من دول الخليج والأردن، بينما علّق الاتحاد الإفريقي عضوية مصر، وأعلنت عدة دول رئيسية مثل جنوب إفريقيا ونيجيريا وبريتوريا صراحة أن ما وقع كان انقلابًا عسكريًا، وهو نفس موقف تركيا، وتحفظت أميركا وإن كانت قد قررت مراجعة المعونة العسكرية وأوقفت تسليم طائرات ومعدات عسكرية في إشارة واضحة لميلها إلى خفض علاقاتها مع النظام الجديد، ونفس الموقف اتخذه الاتحاد الأوربي بينما التزمت دول عديدة الصمت، وهي بلا شك معضلة تواجه القائمين على السلطة وتنعكس على المصالح المصرية ومكانة مصر الدولية.
-
غياب المؤسسات السياسية المنتخبة التي تعبّر عن الإرادة الشعبية يضع شكوكًا كبيرة حول مصداقية ومشروعية ما تتخذه السلطة من قرارات وما تصدره من قوانين ومدى الاستجابة الشعبية لتلك القرارات والقوانين.
-
تشكيل لجنة معينة لإجراء تعديلات على دستور تم الاستفتاء عليه حتى لو طُرحت التعديلات للاستفتاء بعد ذلك يمثل عوارًا ديموقراطيًا.
-
تكريس حالة الانقسام السياسي والمجتمعي الحاد وتحول مصر إلى فسطاطين: فسطاط الشرعية يعتبر الآخر فسطاط الانقلاب، وفسطاط ثورة 30 يونيو/حزيران يعتبر الآخر فسطاط العنف والخروج على القانون، مع استشراء حالة الإنكار بين الطرفين لكل منهما.
-
استمرار مظاهرات مؤيدي الشرعية في القاهرة والجيزة ومحافظات عديدة وتنظيم مسيرات يومية يمثل ضغطًا مستمرًا على السلطة القائمة كما يزيد من الضغوط الخارجية ويقلّل من مصداقية ادعاء أن ما حدث في 30 يونيو/حزيران كان ثورة، خاصة مع عزوف من قاموا بحشود 30 يونيو/حزيران عن النزول إلا تحت ضغط وبدعوة صريحة من الجنرال السيسي شخصيًا.
-
انسداد أفق الحل السياسي بين طرفي المعادلة الحقيقيين: الجيش والإخوان، وخلف كل منهم مؤيدوه، فطرف يملك الشرعية ويعتبر نفسه صاحب الحق ومعه جماهير عريضة مستعدة للتضحية وتمتلك إرادة الصمود والصبر وتكسب أرضًا كل يوم، وطرف يمتلك القوة على الأرض وينطلق من فكرة أنه يحمي ثورة 30 يونيو/حزيران تلبية لجماهيرها ويصر على تنفيذ الخارطة التي وضعها دون أية مناقشة ويوفر لجماهيره التأمين والحماية.
-
انسداد أفق الحل السياسي الداخلي يفتح الباب للتدخلات الخارجية بأجنداتها المختلفة، وهو أمر شديد الخطورة على مصر وعلى المنطقة، فمن غير المقبول إقليميًا ولا دوليًا أن تدخل مصر في دائرة العنف وعدم الاستقرار لما يمثله ذلك من مخاطر على الأمن والسلم الإقليمي والدولي.
-
الضبابية وعدم وضوح الرؤية بالنسبة للمستقبل يخلق حالة من القلق وعدم الثقة خاصة فيما يتعلق بالموقف من الجيش وانقسام الرأي العام حوله ما بين اتجاه عام لرفض تولي الجيش السلطة واتجاه آخر يؤيد ذلك باعتباره الحل الأسهل للموقف.
-
استمرار تشتت التيارات السياسية وتفرقها وعدم بلورة قوى سياسية مدنية حقيقية تساندها قواعد شعبية، في مقابل تنظيم تيارات الإسلام السياسي بقيادة الإخوان المسلمين والذي يزداد قوة بزيادة التعاطف الشعبي معه.
-
حالة اللايقين فيما يتعلق بالحالة الثورية ما بين 25 يناير/كانون الثاني و30يونيو/حزيران وأيهما كانت ثورة وأيهما كانت انقلابًا؟ وهو ما يتيح الفرصة لقوى الثورة المضادة لاستعادة النظام وعودتها أكثر قوة وصلابة.
نحو انفلات أمني شامل
على الصعيد الأمني فإن مصر بعد 30 يونيو/حزيران تواجه تحديات أمنية متعددة تشكّل خطرًا حقيقيًا على حالة السلم والأمن المجتمعي والاستقرار الإقليمي، في مقدمتها:
-
موجة العمليات العسكرية ذات الطابع "الإرهابي" التي تستهدف عناصر الأمن من الشرطة المدنية والقوات المسلحة في سيناء بشكل عشوائي، والتي أدت إلى حالة من الاضطراب الأمني نتج في أحد أسبابه من انشغال نسبي للقوات المسلحة لدعم عناصر الشرطة المدنية.
-
العنف المفرط في التعامل مع المتظاهرين أيًا كانت المبررات والذي أدّى وسيؤدي إلى إراقة الدماء وهو ما يخلق حالة من الاحتقان الشعبي ضد السلطة القائمة بصفة عامة وضد الأجهزة الأمنية وعناصر القوات المسلحة التي تواجه الجماهير، وزيادة احتمالات الصدام العنيف معها على نطاق واسع.
-
عودة ظاهرة البلطجية بغطاء أمني ودفعهم للاحتكاك الخشن والمسلح بالمسيرات المؤيدة للشرعية بما في ذلك المسيرات النسائية تحت مظلة أنهم يمثلون الأهالي الشرفاء المؤيدين "لثورة 30 يونيو/حزيران المجيدة"، واحتمالات تطور هذه الظاهرة لتصل إلى حالة من الانفلات الأمني العام.
-
حالة الاضطراب الأمني والقلق الشعبي تؤدي إلى زيادة الطلب على اقتناء الأسلحة غير المرخصة، وهو ما يشجع على زيادة عمليات تهريب وتجارة السلاح وما تمثله من مخاطر على الأمن، وزيادة احتمالات الصدام الأهلي.
-
ظهور بوادر عودة الفتنة الطائفية من جديد في ظل تأييد الكنيسة الأرثوذكسية ومشاركتها ممثلة في رأس الكنيسة البطريرك تواضروس في أحداث 30يونيو/حزيران وقرارات 3 يوليو/تموز ودعوتها للمشاركة في المسيرات والتظاهرات والاعتصامات المؤيدة للسيسي، وهو ما ظهر في بعض مناطق الصعيد وسيناء من إحراق لكنائس ومنازل مسيحية وإن كانت هناك تعمية إعلامية حول تلك الحوادث وما تمثله من مخاطر.
-
استمرار المسيرات اليومية للجموع ورهان السلطات على الحل الأمني في التعامل معها، كما وقع في فض اعتصامي رابعة والنهضة، والمسيرات التي أعقبت ذلك، وسقط خلالها مئات القتلى بالرصاص الحي.
كل ذلك يخلق بيئة أمنية غير مستقرة سواء فيما يتعلق بشبه جزيرة سيناء وما تمثله من حساسية خاصة بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل ومواقفها من الاضطرابات الأمنية في سيناء، وما يتعلق أيضًا بالأوضاع في قطاع غزة والمنطقة الحدودية في رفح.
تلك كانت أبرز المعضلات السياسية والأمنية التي تواجه مصر بعد 30 يونيو/حزيران، فماذا عن مواجهتها؟ وهل استراتيجيات النظام القائم في التعامل معها يمكن أن تؤدي إلى علاجها أم تقود إلى تفاقمها؟
بداية، علينا أن نطرح السؤال بشكل آخر، وهو: هل لدى النظام القائم بالفعل استراتيجيات للتعامل مع تلك المعضلات والإشكاليات؟ ما يبدو حتى الآن أن النظام القائم حصر نفسه في بديل واحد وهو أن ما جرى قد جرى وأصبح أمرًا واقعًا لا رجوع عنه وعلى الجميع أن يقبل به وإلا يكون مارقًا وخارجًا على القانون بل وصل الأمر إلى حد اعتباره إرهابيًا بنص ما ورد في بيان الحكومة حول قرارها فض الاعتصامات بالقوة. إذن نحن أمام حالة من افتقاد الرؤية السياسية وإنكار وجود أطراف أخرى، وبالتالي فلا مجال للحلول الوسط أو تقديم أية تنازلات سياسية من قبل السلطة القائمة بأي حال، أما دعواتها للمصالحة فهي تعني قبول الأطراف الأخرى بما تمليه عليها، فلا نستطيع القول: إننا أمام استراتيجية واضحة للتعامل مع تلك المعضلات سواء السياسية أو الأمنية ولكننا أمام إجراءات أمنية للسلطة تتخذها في مواجهة معارضيها باعتبارهم خارجين على القانون ويلزم التعامل معهم بحسم وحزم لا باعتبارهم طرفًا سياسيًا فاعلاً يلزم التعامل معه وفق استراتيجية واضحة المعالم للوصول إلى حلول سياسية؛ ولعل هذا يفسر لنا سبب تفاقم المشكلات وتعقدها سواء على الصعيد السياسي أو الأمني، وهو ما يعني –للأسف- أننا أمام مشهد يزداد تعقيدًا يومًا بعد يوم ولا يبدو أن هناك حلاً في الأفق القريب أمام تمترس كل طرف خلف سقف مطالبه القصوى وعدم إظهار أي قدر من المرونة.
درس المستقبل
رغم تفجر ثورة الشعب المصري في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 وسريان روحها في وجدان الأغلبية من أبناء هذا الشعب إلا أنها لم تُسقط النظام ولكنها صدعته وهزت أركانه، وجاء 30يونيو/حزيران 2013 ليؤكد أن إزاحة سلطة ديكتاتورية ظلت جاثمة على مصر فترة طويلة كانت أسهل كثيرًا من محاولة استكمال إسقاط النظام واستبدال نظام مختلف به، ولعل هذه هو الدرس الذي سيضعه المصريون في حسبانهم المرة القادمة من أجل تحقيق أهداف ثورة 25 يناير/كانون الثاني.
_____________________________________
عادل محمد سليمان - مدير منتدى الحوار الاستراتيجي للدراسات الأمنية والعلاقات المدنية-العسكرية