في الموقف من سوريا: هل بدأت إيران تتراجع؟

هل بدأ الموقف الإيراني من سوريا يتغير؟ تحاول هذه الورقة الإجابة عن هذا السؤال؛ إذ بعد سنوات من الدعم لبشار الأسد، بدأت اللهجة الإيرانية المتوعدة تجاه القيام بعمل عسكري ضد سوريا تصبح هادئة. وغرّد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تويتر منتقدًا بقوة استخدام الأسلحة الكيميائية.
29 August 2013
20138299561846734_20.jpg
المصدر (الجزيرة)

هل بدأ الموقف الإيراني من سوريا يتغير؟ سؤال يجد مبررات قوية لطرحه بقوة اليوم؛ فبعد سنوات من الدعم السياسي والاقتصادي والعسكري للرئيس بشار الأسد، بدأت اللهجة الإيرانية المتوعدة تجاه القيام بعمل عسكري ضد سوريا تصبح هادئة. ويبدو أن استخدام السلاح الكيماوي هو مبرر هذا التحول؛ فقد غرّد الرئيس الإيراني حسن روحاني على تويتر منتقدًا بقوة استخدام الأسلحة الكيميائية، وتوالت تغريداته على شكل دعوة تؤيد القوة لمنع الأسلحة الكيميائية، وتزامن ذلك مع تحرك دولي تقوده الدول الكبري لتوجيه ضربة عسكرية لسوريا حليف إيران الإستراتيجي في المنطقة.

استخدام الذريعة الأخلاقية

ويبدو أن الحكومة الإيرانية قد وصلت إلى قناعة بوجود أدلة تدين النظام السوري وتثبت استخدامه للسلاح الكيماوي؛ وهذا يعني مأزقًا أخلاقيًا للجمهورية الإسلامية حتى أمام مواطنيها، كما أن غض الطرف عنه يقوّض محاولاتها منذ عقود لمعاقبة المسؤولين عن استهداف مواطنيها بحملة مماثلة باستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دوليًا أثناء الحرب العراقية الإيرانية. وتشير السجلات الإيرانية على هذا الصعيد إلى أن الحكومة الإيرانية تسعى إلى ملاحقة 400 شركة عالمية تتهمها بتقديم المساعدة في مجال التسليح الكيميائي لنظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين(1). وقد جرى بالفعل ملاحقة وإدانة شركة هولندية ثبت تورطها. واستضافت طهران لقاءات عدة لبحث هذه القضية من أبرزها الاجتماع الدولي الذي عُقِد عام 2007 لبحث نتائج استخدام السلاح الكيميائي ضد إيران. وتحيي إيران سنويًا ذكرى تعرضها لهجمات بالسلاح الكيميائي من قبل الجيش العراقي، وتواظب وزارة الخارجية الإيرانية -بالتعاون مع مؤسسات إيرانية في مقدمتها مؤسسة حماية ضحايا السلاح الكيميائي- على نشر أبحاث تناقش الأبعاد السياسية والقانونية والطبية والاجتماعية والحقوقية لهذه القضية. وتتحدث مؤسسة "الشهيد" عن وجود مئة ألف مصاب في إيران نتيجة تعرضهم للغازات الكيميائية أثناء تلك الحرب. وعادت هذه القضية إلى السطح الأسبوع الماضي عندما أكدت وثائق حصلت عليها مجلة "فورين بوليسي" الأميركية، وتخص الاستخبارات المركزية الأميركية تؤكد أن واشنطن ساعدت الرئيس العراقي الراحل صدام حسين في شن هجوم كيماوي استخدم فيه غاز الأعصاب ضد القوات الإيرانية(2).

ولا يمكن الاستناد فقط إلى تغريدات روحاني من خلال تويتر (الموقع المحظور في إيران) للحديث عن موقف إيراني جديد، ولكن وفي الوقت ذاته لا يمكن النظر إلى هذه التغريدات بوصفها تمثل وجهة نظر روحاني الشخصية بل قد تكون مؤشرًا على تحول كبير في موقف طهران. وإن كانت إيران ستغلف تحوّل موقفها بالذرائع الأخلاقية، إلا أن القضية قد تكون أبعد من ذلك وتتعلق بفقدان القدرة على مزيد من المناورة بشأن سوريا. وفي خطاب مغاير للسابق، لا نجد في تغريدات روحاني اتهامات لـ"المجموعات المسلحة المتطرفة". وقد يكون ذلك بداية لسعي الرئيس الإيراني لاتباع مسار أكثر اعتدالاً في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه عدد من القضايا سيكون من بينها سوريا. كما لا يمكن لطهران أن تغرد خارج السرب الروسي، خاصة مع تراجع موقف الحكومة الروسية.

ويدعم ذلك محتوى ولهجة الخطاب الصادر عن القادة السياسيين والعسكريين في إيران، والتي تشير بصورة واضحة إلى تراجع احتمالات المواجهة العسكرية بين إيران والمعسكر الغربي بسبب سوريا؛ فبعد أن كانت تصريحات قادة الحرس الثوري تصف أي عمل عسكري ضد سوريا بأنه موجه مباشرة لإيران، اتخذت التصريحات الأخيرة بُعدًا تحذيريًا بأن تجاوز الولايات المتحدة الأميركية الخط الأحمر في سوريا سيكون له تداعيات وخيمة(3)، كما أن أحداث المنطقة لن تصب في صالح إسرائيل، وأن إيران ستضطر للدفاع عن نفسها ضد التهديدات المباشرة وغير المباشرة(4).

وطغت الصبغة التحذيرية على موقف مرشد الثورة الإسلامية علي خامنئي بأن التدخلات الأميركية في سوريا ستكون كارثة تحل على المنطقة بأجمعها وعلى الولايات المتحدة الأميركية. وأن التدخل الخارجي يمثل شرارة قرب برميل ممتلىء بالبارود، ولن يؤدي سوى إلى تأجيج نيران الحرب والنزاع(5). ورغم كل ما جرى تسريبه عن رفض خامنئي للوساطة العمانية فإن ما صدر عن المرشد يمكن وصفه بالخطاب الهاديء الذي يحذر دون أن يهدد.

ومن الملاحظ أن تصريحات رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني جاءت أكثر حدة من تصريحات القادة العسكريين، لكنه أيضًا تجنّب الإشارة إلى رد فعل إيراني وتحدث عن "الرد السوري" حين قال: إذا افترضنا أن غارات جوية شُنّت على سوريا التي تعرضت لدمار واسع على أيدي الإرهابيين خلال العامين الأخيرين إلا أنها لن تكون الصفعة الأقوى مقارنة بما سيتلقاه الآخرون من سوريا ذاتها، وإذا أراد الغربيون وبعض بلدان المنطقة تجاهل القوانين والأعراف الدولية لصالح الكيان الصهيوني خلال هذه المغامرة فإنه لا سبب يدعو سوريا لاحترامهم. ورأى لاريجاني أنه بالنظر إلى الظروف والمصالح المرتبطة بالدول "المشاركة في المغامرة ضد سوريا فإنه من السذاجة التصور أنها ستفلح في عملية الضرب ثم الهرب ثم التفكير بإجراء تغييرات واسعة، ولو حدث ذلك فإنها ستدخل في حرب غير معلومة النتائج.. ويبدو أن مخططهم وُضع على أسس ضعيفة"(6). ويمكن أن تعطي تصريحات لاريجاني هذه إشارة إلى بدء تشكّل كتلة نيابية أصولية معارضة للسياسة الخارجية لروحاني تعطي نوعًا من التوازن في عملية التحوّل القادمة. ومع هذا فإن مجمل تصريحات القادة السياسيين والعسكريين في إيران جاءت منسجمة مع النبرة الهادئة للقادة الكبار في الحرس والجيش؛ إذ رغم التأكيد على المصالح الاستراتيجية العميقة مع سوريا إلا أن "الرد الإيراني تجاه ضربة عسكرية سيكون في الوقت المناسب"(7).

وكانت الأزمة السورية على رأس المباحثات التي شهدتها طهران مؤخرًا خلال زيارة مبعوث الأمم المتحدة جفري فيلتمان الذي كان في مقدمة من اتهموا الأسد باغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، كما كانت سوريا أيضًا محور الزيارة التي قام بها السلطان قابوس، سلطان عمان، ويقال: إنه حمل رسائل أميركية على هذا الصعيد لمرشد الثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي.

ومن المؤكد أن رد فعل عسكري إيراني سيترك أثرًا سلبيًا على مفاوضاتها مع الغرب وقضية العقوبات المفروضة عليها، ولا يبدو أن طهران مستعدة للتضحية بمصالحها من أجل حليفتها(8).

تدرك إيران بلا شك أن سوريا تعيش حالة من الفوضى لا يمكن معها الرهان على نظام الأسد بصورة تترك تأثيرًا سلبيًا على محادثات الملف النووي الذي يعد الأولوية الأولى للقادة الإيرانيين. وتراجع قدرة حكومة روحاني على المناورة يرتبط بشكل وثيق بالحديث عن ضرورة وضع حد لحالة الفوضى والإبهام في السياسة الخارجية الإيرانية تجاه عدد من القضايا وفي مقدمتها سوريا، والسعي لدور مؤثر في ترتيب الأوضاع في سوريا ما بعد الأسد على غرار الدور الذي قامت به إيران في أفغانستان. ويعزز من هذه الضرورة أن ضربة عسكرية ضد سوريا ستجعل السياسة الخارجية  لروحاني والتي يقودها وزير خارجيته محمد جواد ظريف في مواجهة تعقيدات كبيرة سيكون على إيران أن تجد حلولاً براغماتية لها، خاصة وأن اختيار ظريف لوزارة الخارجية ولاحقًا لقيادة فريق التفاوض بشأن الملف النووي كان يهدف بشكل أساسي إلى إرسال رسائل إلى الولايات المتحدة الأميركية بجدية الحكومة الإيرانية في انهاء التوتر وحل ملفات الخلاف. ومن المعروف أن ظريف كان من ضمن فريق التفاوض لوقف الحرب العراقية-الإيرانية كما شارك في المفاوضات حول أفغانستان مع الولايات المتحدة الأميركية عقب هجمات الحادي عشر من سبتمبر.

خيارات ثلاثة

في المجمل وتبعًا لمجمل السلوك السياسي الإيراني، يمكن الحديث عن خيارات ثلاثة أمام إيران في حال حدوث الضربة العسكرية لسوريا(9):

  1. السكوت: في حال كانت الضربة العسكرية في شكل "تنبيه" لحكومة الأسد، ولن تتجاوز أيامًا محدودة ولن تقود إلى تغييرات جذرية في معادلات توازن القوة بين النظام والمعارضة؛ فمن المرجح أن تلجأ الجمهورية الإسلامية إلى الإدانة اللفظية وتكتفي بها. ومما يدعم ذلك سعي حكومة "التدبير والأمل" إلى عدم إيجاد توتر جديد مع العالم، كما أن حكومة روحاني تبدو مصممة على تعزيز الخيارات الدبلوماسية والحلول التفاوضية لحل أزمة الملف النووي. ولذلك لن يجد فريق روحاني أن من المنطقي الدخول في صدام مع القوى الكبرى بسبب تدخل عسكري محدود.
  2. التدخل غير المباشر: ويتعلق ذلك بتجاوز التدخل العسكري الأميركي حدود "التنبيه" إلى درجة يحدث معها تغييرات في معادلات توازن القوة بين الجيش النظامي السوري والثوار؛ مما يعزز من فرص سقوط بشار الأسد، فذلك قد يعني أن ترد إيران بصورة غير مباشرة من خلال حزب الله اللبناني، وبعض الفصائل الفلسطينية كالجبهة الشعبية التي عززت إيران من علاقاتها معها مؤخرًا. ولا يبدو أن حزب الله سيكون قادرًا على القيام برد فعل منفصل عن مجمل التوجه الإيراني، ورغم امتلاكه ما يقارب 60 ألف صاروخ منها عدة مئات متوسطة المدى بقدرة تدميرية عالية(10)، إلا أن تورط حزب الله في هذه الحرب مرتبط بالقرار الإيراني ويصبح على حزب الله أن يقدّر عواقب الرد، إذا ما قرر أن يضرب في إسرائيل حيث لن يكون الرد الإسرائيلي محدودًا.
  3. التدخل المباشر: وهذا السيناريو يبدو ضعيفًا إن لم يكن مستبعدًا مع الأخذ بعين الاعتبار مسار السياسة الخارجية لإيران على مدى ثلاثة عقود وأكثر. وسيكون الموقف الإيراني على هذا الصعيد مرتبطًا بصورة كبيرة بالمواقف الروسية والصينية، لكنه لن يكون الخيار الذي تفضله وتسعى إليه إيران.

_______________________________
فاطمة الصمادي - باحثة متخصصة في الشأن الإيراني

المصادر
1- أثناء حربها مع العراق: إيران تلاحق شركات تتهمها بتسليح صدام، الجزيرة نت، 23/10/2007:
http://www.aljazeera.net/news/pages/b57820b6-3713-4736-88b8-cb532bc3dcdc
2- SHANE HARRIS AND MATTHEW M. AID,foreignpolicy, AUGUST 26, 2013: للاطلاع إضغط هنا.
3- تحولات سوريه ايران وسوريه در مورد حمله نظامي به سوريه هشدار دادند، (تطورات سوريا: سوريا وإيران حذرتا من عمل عسكري)، دويچه وله، 25/8/2013: للاطلاع إضغط هنا.
4- مسؤول عسكري إيراني: إيران ستضطر للدفاع عن نفسها عند أية تهديدات لها، جريدة الحياة، 25/8/2013:
http://alhayat.com/Details/545073
5- أميركا ستتكبد الأضرار بسوريا كما في العراق وأفغانستان، موقع تابناك الإخباري،28/8/2013 :
http://www.tabnak.ir/ar/news/14656/
6- علي لاريجاني: تأجيج نيران الحرب سيطول الدول الساذجة في المنطقة، موقع "تابناك الإخباري"،28/8/2013: http://www.tabnak.ir/ar/news/14657/
7- واکنش تهران به حمله احتمالي (رد الفعل الإيراني تجاه ضربة محتملة)، إيران ديبلوماسي، چهارشنبه 6 شهريور 1392: للاطلاع إضغط هنا.
8- آيا راه پيشروي روحاني دشوارتر ميشود؟ تاثير حمله به سوريه بر مذاکره با ايران (هل تصبح الطريق أمام روحاني أكثر تعقيدًا؟ تأثير مهاجمة سوريا على المفاوضات مع إيران)، إيران ديبلوماسي،چهار شنبه 6 شهريور 1392 : للاطلاع إضغط هنا.
9- گزينهه اي ايران در برابر حمله به سوريه (خيارات إيران أمام ضربة عسكرية لسوريا)، إيران ديبلوماسي، چهارشنبه 6 شهريور 1392: للاطلاع إضغط هنا.
10- فايز الدويري، خيارات العمل العسكري ضد سوريا، مركز الجزيرة للدراسات، 28/8/2013:
http://studies.aljazeera.net/reports/2013/08/201382893040564778.htm

ABOUT THE AUTHOR