اتفاق النووي الإيراني: الفرصة ما زالت قائمة

تبحث هذه الورقة في خلفيات الموقف الفرنسي الذي ساهم بشكل كبير في إفشال الوصول إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني في محادثات جنيف الأخيرة. وترصد الفرص المحتملة للمحادثات، خاصة مع النقد الذي بدأت تشهده الساحة الإيرانية لما سُمي "بتوق حكومة روحاني للوصول إلى اتفاق".
19 November 2013
2013111983116298734_20.jpg
وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف (يسار)، الممثلة السامية للشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي، كاترين أشتون (المنتصف) وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف (يمين) [الوكالة الأوروبية]

 

ملخص

بعد كمّ من التصريحات المتفائلة من الطرفين: الإيراني والأميركي، تراجعت فرص التوصل إلى اتفاق بشأن البرنامج النووي الإيراني، وأُغلقت جولة من المفاوضات المكثفة التي عُقدت في جنيف دون نتائج تُذكر، سوى الاتفاق على الاجتماع مجددًا بمستوى تمثيل أدنى، وذلك يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.
تبحث هذه الورقة في خلفيات الموقف الفرنسي الذي ساهم بشكل كبير في إفشال الوصول إلى اتفاق. وتستعرض الورقة القراءات الإيرانية لما حدث، كما ترصد النقد الذي شهدته الساحة الإيرانية لما سُمي "بالتوق الإيراني الذي يتعدى الوصف للوصول إلى اتفاق".
وتخلص الورقة إلى أن المجال مفتوح لتوافق في الجولة المقبلة من مباحثات جنيف، رغم أنها ستكون بمستوى تمثيل أدنى، خاصة مع الاتفاق الذي عقدته إيران مع وكالة الطاقة الذرية بشأن مفاعل "أراك"؛ إذ يُسقط هذا الاتفاق واحدة من أبرز الحجج الفرنسية التي وقفت عقبة في جولة محادثات جنيف. ولعل التطور الأبرز على هذا الصعيد هو تطبيع مسألة التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية؛ إذ غادرت إطار السريَّة وصارت شأنًا معلنًا، متجاوزة حدود التجريم في الساحة السياسية الإيرانية.

بعد أن كانت مؤشرات كثيرة تدل على أن اتفاقًا مؤقتًا ومهمًا سيوقع بشأن الملف النووي الإيراني بين إيران والدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن وألمانيا، وبعد كمّ من التصريحات المتفائلة من الطرفين الإيراني والأميركي، تراجعت فرص التوصل إلى اتفاق. وأُغلقت جولة من المفاوضات المكثفة دون نتائج تُذكر، سوى الاتفاق على الاجتماع مجددًا بمستوى تمثيل أدنى؛ وذلك يوم 20 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي.

وبالتزامن مع تلك المفاوضات، كانت طهران تنجز اتفاقًا مع وكالة الطاقة الذرية على "خارطة طريق" تتضمن السماح بتفتيش منشآت نووية. ووافقت إيران على زيارة مفتشي الوكالة لمصنع إنتاج الماء الثقيل في "أراك" ومنجم اليورانيوم في "غاشين" قرب بندر عباس جنوبي إيران. ويبدو أن طهران كانت تريد لهذه الخطوة أن تكون مؤشرًا على "حسن النوايا"، من أجل أن تدفع باتجاه الاتفاق مع الدول الست؛ وهو ما لم يتحقق.

عادت الجمهورية الإسلامية لتتحدث عن غياب الثقة في الطرف الأميركي بعد أن أحجمت الدول الست عن "اغتنام الفرصة الاستثنائية التي أتاحتها إيران للمجتمع الدولي لأجل التوصل إلى نتيجة إيجابية في وقت معقول" كما قال الرئيس الإيراني حسن روحاني. ويبدو أن فرنسا لعبت دورًا مؤثرًا في إحداث "الانتكاسة" التي أصابت عملية التفاوض؛ مما أثار الكثير من الأسئلة حول الأسباب والمبررات، ومستقبل المحادثات.

حقيقة الموقف الفرنسي

في الوقت الذي كان وزير الخارجية الأميركي جون كيري يتحدث عن تقدم في المحادثات كان وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس، الذي التحق بجلسات التفاوض في وقت متأخر، يعلن أن المحادثات فشلت في الوصول إلى نتيجة. واللافت في الموقف الفرنسي أنه بدا وكأنه معدٌّ مسبقًا؛ حيث إن فرنسا لم تشارك مسبقًا في المحادثات بشكل فعال، وأظهرت أنها غير مهتمة بمعرفة تفاصيل الجلسات التي لم تشارك فيها. وإن كان الموقف الفرنسي ظهر مفاجئًا للطرف الأميركي، إلا أنه لا يمكننا أن نسقط من الأسباب محاولات الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند انتهاج سياسة خارجية تأخذ مسارات مغايرة لسياسة أوباما؛ وجاء هذا واضحًا في ليبيا ومالي وسوريا، وأخيرًا بالنسبة لإيران.

نقلت مجلة فورن بوليسي عن دبلوماسيين غربيين أن فرنسا حذرت من اتفاق نووي مع إيران. (1) وعلى صعيد الموقف من المحادثات المتعلقة بالملف النووي الإيراني، تشارك فرنسا إسرائيل القلق في نقطتين:

أولاً: لابد أن يحول الاتفاق دون استمرار إيران في بناء مفاعل يعمل بالمياه الثقيلة بمنطقة أراك، والذي قد يعطيها في النهاية فرصة الحصول على البلوتونيوم لتصنيع قنبلة نووية. وتشغيل هذا المفاعل يعني تأمين جزء كبير من المشروع النووي الإيراني في مواجهة الضربات الجوية، لأن استهدافه بأي عمل عسكري حينها سيقود إلى فاجعة نووية.

ثانيًا: مصير المخزون الإيراني الذي يصل إلى 20 في المئة من اليورانيوم المخصب، والذي تراكم لدى إيران بالفعل. وتبدي فرنسا اعتراضًا على كون الاتفاق المقترح لم يمنح أهمية لهذه المسألة، كما ذكر فابيوس في حديثه لراديو فرنسا. وأرجع مصدر في وزارة النفط الإيرانية الموقف الفرنسي إلى الغضب من سماح إيران لأربع شركات نفط أميركية بالعمل في جنوب إيران، بدأت العمل فعليًا في مجال النفط والغاز؛ وهو ما انعكس على موقف باريس من محادثات جنيف. (2)

أثار الموقف الفرنسي حنق الإيرانيين، رسميًا وشعبيًا؛ حيث وصف مكتب خامنئي الموقف الفرنسي في تغريدة على تويتر بأنه استعداء علني لإيران في وقت "لا يجب على رجل السياسة الذكي أن يتحول في موقفه من الحياد إلى العداء". وعلّق مساعد رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية لشؤون الإعلام والتعبئة، العميد مسعود جزائري، في الإشارة إلى موقف فرنسا في مفاوضات جنيف الأخيرة بين إيران ومجموعة "5+1"، بأنه "اقتصر على الدور الموكل لها، ويبدو أنها تلعب هذا الدور بصورة تبعث على السخرية". (3)

يصف الخبراء المعلومات الجاسوسية التي تمتلكها فرنسا حول برنامج إيران النووي بأنها واسعة وفي غاية الأهمية؛ وذلك لأسباب عدة، أهمها: أن عددًا من مؤسسي البرنامج النووي الإيراني، منهم أكبر اعتماد، يقيمون في فرنسا. كما أن العديد من المسؤولين الفرنسيين لديهم اطلاع كبير ودقيق على تفاصيل البرنامج النووي الإيراني، وتعد فرنسا الدولة الأكثر خبرة في هذا الملف من بين مجموعة 5+1، ويعود ذلك إلى دورها في تأسيس هذا البرنامج منذ عهد الشاه محمد رضا بهلوي. كما كان لفرنسا دور مؤثر على صعيد العقوبات التي استهدفت مواد لازمة للبرنامج النووي الإيراني. وعلى عكس ما تشهده الساحة الأميركية من وجود خلافات في وجهات النظر فيما يتعلق بكيفية التعامل مع هذه القضية، نجد في فرنسا موقفًا موحدًا بشأنها بين الساسة والخبراء.

وتتحدث بعض التسريبات عن أن إيران قبلت في محادثات جنيف بتوقيف التخصيب في مفاعل أراك بصورة كاملة لمدة ستة أشهر، لكنها رفضت التوقف عن استكمال بنائه، وهذا هو الزمن الذي تحتاجه إيران لتحضير المفاعل لتفعيل برنامج الماء الثقيل.

ويُرجع بعض المحللين الموقف الفرنسي إلى تداعيات الموقف من سوريا؛ حيث وقفت فرنسا بصورة واضحة إلى جانب تهديد أوباما للنظام السوري عقب هجمات بالسلاح الكيماوي، اتهم فيها نظام الأسد، لكن واشنطن ما لبثت أن تراجعت، مسببة حرجًا لباريس التي اختارت هذه المرة أن تأخذ موقفًا مغايرًا في مواجهة الدول الأخرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأميركية.

ونقل موقع "إيران هسته اي" المتخصص في متابعة شؤون البرنامج النووي الإيراني عن محلل إيراني وصفته بـ"البارز" تقليله من شأن استقلالية الموقف الفرنسي، موضحًا أن "الجميع يعرف بوجود بعض الاختلافات الحقيقية بشأن بعض الجوانب المتعلقة بالماء الثقيل والعقوبات البنكية والنفطية، لكن لا يجب أن تؤخذ هذه الاختلافات بجدية؛ إذ لن تصل إلى مستوى يقود إلى إفشال المفاوضات. وإذا أرادت واشنطن تطويع الموقف الفرنسي فهي قادرة على ذلك". (4)

ولذلك يميل محللون إيرانيون على اطلاع بمجريات الملف النووي الإيراني إلى القول بأن فشل المحادثات من عدمه في جنيف هو "قرار أميركي وليس فرنسي". ويرجعون ذلك للأسباب التالية:

إذا كانت أميركا عازمة حقًا على الوصول إلى اتفاق مع إيران فلا توجد دولة من بين مجموعة 5+1 مستعدة لتوتير علاقاتها مع واشنطن بمعارضة الاتفاق. وتُظهر تصريحات جون كيري عقب المفاوضات أن أميركا لم تبذل أي جهد لتغيير الموقف الفرنسي. صحيح أن فرنسا لديها الآن علاقات وثيقة مع إسرائيل، لكنها لا ترقى لمستوى العلاقات بين أميركا وإسرائيل.

ويبدو أن الفريق الأميركي قرأ اللهفة الإيرانية واستعجال الفريق الإيراني بغية الوصول إلى اتفاق؛ ولذلك قام بتحريك الطرف الفرنسي ليأخذ موقفًا معارضًا بهدف إحداث مزيد من الضغط على إيران. بعد أن شعروا أن قيام فابيوس بخلط الأوراق سيدفع إيران إلى تعديل موقفها الأسبوع المقبل وتقديم تنازلات أكثر تفاديًا لفشل المفاوضات.

ويبدو الموقف الفرنسي رهنًا بما يمكن حدوثه في الأسابيع المقبلة؛ فإذا نجحت مجموعة 5+1 في اتفاق نووي ينتزع من إيران تنازلات أكبر فسيكون هذا انتصارًا سياسيًا لفرنسا، أما إذا فشل المسار الدبلوماسي الذي اتخذ زخمًا واضحًا منذ مجيء روحاني إلى السلطة فستلاقي فرنسا الكثير من اللوم وينعكس ذلك على علاقاتها مع الدول الغربية وواشنطن.


تشاؤم إيراني له أسبابه

بعد اندفاعة متفائلة بتحقيق اتفاق عادت نبرة التشاؤم لتصدّر التعليقات الإيرانية بشأن محادثات جنيف. وتميل وجهة النظر المتشائمة من المحادثات إلى تحليل تصريحات جون كيري حول تدابير بناء الثقة، بعد يوم واحد من محادثات جنيف، التي تكشف بوضوح لماذا على الطرف الإيراني أن ينظر بعين الشك إلى المفاوضات خاصة بالنسبة للطرف الأميركي.

واحدة من القضايا الرئيسية التي حالت دون التوصل إلى اتفاق في محادثات جنيف مع مجموعة 5+1 هي أن المجموعة رفضت منذ البداية الحديث بوضوح عما يمكن أن يتضمنه الاتفاق النهائي في الاتفاق المؤقت،وما إذا كانت ستقبل في النهاية بتخصيب اليورانيوم في إيران أم لا. ومن وجهة النظر الإيرانية فمعنى "قبول" لا تعني هنا أن الغرب سيوقع على وثيقة تضمن حق إيران في تخصيب اليورانيوم، ولكنها تعني أنه وفي الوقت نفسه الذي تكون فيه إيران تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية وتوظف التخصيب للأغراض الصناعية، ينبغي رفع جميع العقوبات. (5)

ومن الملاحظ أن الإدارة الأميركية سعت بصورة كبيرة إلى إبقاء موقفها مبهمًا بشأن هذه المسألة، وذلك بإحالة هذا الأمر إلى الأشهر الستة المقبلة، التي يفترض أن تشهد تفاوضًا بشأن اتفاق نهائي بين إيران ومجموعة 5 + 1. وبالرغم من وصف كيري للمحادثات بأنها مؤثرة وإيجابية وتتسم بالاحترام المتبادل، إلا أن خطوات بناء الثقة لا تسقط الهدف الكلاسيكي الأميركي ولا تعدو أن تكون خطوة في (الاتفاق المؤقت) الذي ترى فيه واشنطن مقدمة لتحجيم البرنامج النووي الإيراني في النهاية، كما أسَرّ كيري لبعض المتابعين الغربيين. ويرصد الطرف الإيراني مجموعة من الدلائل والشواهد التي تؤكد ذلك:

أولاً: ما أكدته سوزان رايس مستشارة أوباما لشؤون الأمن القومي قبل محادثات جنيف صراحة بأن الرؤية الأميركية لا ترى أن تخصيب اليورانيوم يمكن اعتباره جزءًا من برنامج نووي سلمي في إيران.

ثانيًا: ما قالته ويندي شيرمان وكيلة وزارة الخارجية، والتي ترأست الوفد الأميركي في المفاوضات بين إيران والدول الست الكبرى قبل محادثات جنيف، من أن أميركا لن تقبل بتخصيب اليورانيوم في إيران. وتعد شيرمان واحدة من أبرز خبراء العقوبات في الحكومة الأميركية، وهو ما يجعل تدخلها مؤشرًا على النوايا الحقيقية للمفاوض الأميركي.

ثالثًا: وعلى صعيد العقوبات لا يبدو أن الإدارة الأميركية مستعدة لمناقشة تعديل العقوبات التي تشمل القطاعين النفطي والبنكي، والتي لها تأثير واضح على الاقتصاد الإيراني؛ وهذا يعني أن العقوبات ستبقى حاضرة للضغط من أجل اتفاق نهائي بالشروط الأميركية.

رابعًا: هناك معطيات كثيرة تُظهر أن الإدارة الأميركية أكدت للطرف الإسرائيلي خلال مفاوضات استراتيجية بين الجانبين، أن واشنطن تهدف في نهاية المطاف إلى إنهاء عملية تخصيب اليورانيوم في إيران، وليس الاعتراف بذلك رسميًا.

ولا تقول الأصوات المتشائمة في إيران إن من الصعب إحراز تقدم في المفاوضات، لكنها ترى ضرورة أن يكون واضحًا لدى فريق المفاوضات الإيراني ما إذا كان الطرف الآخر مدركًا للخطوط الحمراء لدى الإيرانيين. وأن الوقت قد حان ربما لتقوم الحكومة الإيرانية بحسم ذلك دون لبس بحيث يكون الطرف الأميركي مدركًا للخط الأحمر الذي رسمته إيران في المفاوضات. والخط الأحمر لا يدور حول كلمة التخصيب -التي لا يستخدمها الطرف الأميركي مطلقًا- ولكنه يتعلق بالحق الكامل في التخصيب للأغراض الصناعية داخل إيران من دون فرض أية عقوبات على إيران.

وبدأت الساحة الإيرانية تشهد توجيه سهام النقد لما سُمي "بالتوق الإيراني الذي يتعدى الوصف للوصول إلى اتفاق"، وأن ذلك من شأنه أن يُلحق أضرارًا بموقع الطرف الإيراني في المحادثات؛ حيث إن المعادلة قد تتغير، خاصة أن الغربيين يعتقدون بقلة الخيارات المتاحة أمام إيران، بحيث لا يمكنها أن تواصل الرفض.

صرح وزير الخارجية الأميركي جون كيري: "كنّا قريبًا جدًا جدًا جدًا... فعليًا قريبين للغاية. وأعتقد أن ما يفرقنا أربع أو خمس صياغات مختلفة لمفاهيم معينة، ولكن لا أعتقد أن هذا يمكن أن يحول دون التوصل إلى اتفاق". والسؤال الآن: لماذا لم يجر الاتفاق في جنيف؟ (6)

لا يحبذ الإيرانيون القول بأن محادثات جنيف أخفقت، لكنهم يفضلون القول بأنها انتهت دون الوصول إلى النتيجة المرجوة.
ويحتاج البحث عن سبب عدم حصول الاتفاق إلى الاطلاع بصورة دقيقة على تفاصيل المحادثات، وهو ما لم يتسن لأية جهة؛ حيث شهدت المباحثات تكتمًا كبيرًا. لكن ما جرى تسريبه كان مهمًا ويعطي مؤشرات إلى أسباب الإخفاق، أبرزها أن إيران، وكذلك مجموعة الست، لم تشعر بأن هذا الاتفاق متوازن مما يعطي الشعور بالفوز لكافة الأطراف. ويمكن تسجيل النقاط التالية كموانع حالت دون اتمام الاتفاق:

1- لا يبدو أن الولايات المتحدة والدول الأخرى أبدت استعدادًا لتوضيح ما يتعلق بالقبول بتخصيب اليورانيوم داخل إيران بنسبة 5 بالمائة في الاتفاق النهائي. وأظهر الطرف الأميركي الحاجة إلى مزيد من التفاوض بشأن هذه القضية. وتشير نظرة واقعية إلى أن الإدارة الأميركية غير مستعدة للقبول بالتخصيب عند أي مستوى داخل إيران.

2- العقوبات: تأتي العقوبات سببًا ثانيًا للحيلولة دون الوصول إلى اتفاق؛ فواشنطن غير مستعدة للقيام بخطوة سريعة على صعيد تعديل العقوبات النفطية والبنكية، وهو ما تطالب به إيران بشدة. وما قُدّم لإيران على صعيد تخفيف العقوبات في مجال الذهب والفلزات الثمينة والمواد البتروكيماوية والسيارات وقطع غيار الطائرات لا يستهان به، لكن المسؤولين الإيرانيين لا يرونه مساويًا لما ستقدمه إيران من تنازلات على صعيد مستويات التخصيب.

3- غياب الانسجام عن فريق 5+1، ولا يبدو أن المجموعة فاوضت كطرف واحد، بل إن الأطراف الغربية غير مرتاحة لاندفاعة الطرف الأميركي، ومع ذلك فهناك ما يشير إلى تقاسم للأدوار لإحداث مزيد من الضغط على المفاوض الإيراني. ولم يُبدِ الطرف الأميركي امتعاضًا من تصريحات فابيوس ولعب فرنسا لدور المعاند.

مستقبل المحادثات وحاجة إيران

يوشك روحاني على إتمام مئة يوم على توليه الرئاسة في إيران، وسط ضغوطات كبيرة، خاصة في الجانب الاقتصادي، تجعل من إتمام اتفاق يخفف من وطأة العقوبات مسألة ملحة، وهو ما لم ينجح فيه إلى اليوم بالرغم من الحملة الدبلوماسية الواسعة التي قادها مع فريقه واستهدف من خلالها مخاطبة الرأي العام الغربي. ويعني ذلك أن يواجه روحاني مصاعب كبيرة على الصعيد الداخلي، خاصة مع تهديد نواب في مجلس الشورى بتشريع يُلزم بتطوير البرنامج النووي، وتعالي الأصوات التي تنتقد الاندفاعة الإيرانية نحو العلاقة مع واشنطن.

وما زال المجال مفتوحًا لتوافق في الجولة المقبلة من مباحثات جنيف، لكنها ستكون بمستوى تمثيل أدنى؛ مما يقلص من فرص النجاح في التوصل إلى الاتفاق المنشود، دون أن يلغيها بالكامل، خاصة مع الاتفاق الذي عقدته إيران مع وكالة الطاقة الذرية بشأن مفاعل "أراك"؛ إذ يسقط هذا الاتفاق واحدة من أبرز الحجج الفرنسية التي وقفت عقبة في جولة محادثات جنيف. وفي المستقبل، قد تقبل إيران كخطوة أولى بتخفيف العقوبات في مجال الصناعات البتروكيماوية والمعادن، إضافة إلى إمكانية الحصول على عوائد النفط التي جرت مصادرتها في تركيا والهند والصين وكوريا الجنوبية واليابان.

ولعل التطور الأبرز على هذا الصعيد هو تطبيع مسألة التفاوض بين الولايات المتحدة الأميركية والجمهورية الإسلامية؛ إذ غادرت إطار السرية وصارت شأنًا معلنًا، متجاوزة حدود التجريم في الساحة السياسية الإيرانية.
_____________________________________________
*فاطمة الصمادي،باحثة متخصصة في الشأن الإيراني.

المصادر

1-How France Scuttled the Iran Deal at the Last Minute, foreign policy, Sunday, November 10, 2013:
http://thecable.foreignpolicy.com/posts/2013/11/10/how-france-scuttled-the-iran-deal-last-minute
2- نارا حتي فرانس هاز حضور شرکت هاي نفتي امريکايي درايران (انزعاج فرنسا من تواجد الشركات النفطية الأميركية في إيران)، موقع إيران ديبلماسي، 23 آبان 1392:
http://www.irdiplomacy.ir/fa/page/1924475/%D8%A7%D8%B2+%D9%88%D8%B9%D8%AF%D9%87+%D9%BE%D8%A7%D8%B1%DB%8C%D8%B3+%D8%A8%D8%B1%D8%A7%DB%8C+%D9%85%D8%B0%D8%A7%DA%A9%D8%B1%D8%A7%D8%AA+%DA%98%D9%86%D9%88+3+%D8%AA%D8%A7+%D9%85%D9%85%D9%86%D9%88%D8%B9%DB%8C%D8%AA+%D8%B9%DA%A9%D8%A7%D8%B3%DB%8C++%D8%A7%D8%B2+%D8%A7%D9%88%D8%A8%D8%A7%D9%85%D8%A7.html
3- مساعد رئيس الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية: فرنسا تلعب دورًا مثيرًا للسخرية في المفاوضات النووية، وكالة فارس للأنباء، 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2013:
http://arabic.farsnews.com/newstext.aspx?nn=9205192945
4- تحليلگران درتهران: مقصر اصلي امريکاست نه فرانسه (محللون في طهران، أميركا هي المقصرة وليست فرنسا)، موقع ايران هسته اى، 92/8/20، تاريخ المراجعة،13 نوفمبر/تشرين الثاني 2013:
http://www.irannuc.ir/fa/content/1918
5-برچيدن يابه رسميت شناختن؛به کدام سوم يرويم؟ (التفكيك أو الاعتراف؛ في أي اتجاه نحن ذاهبون؟ سايت ايران هسته اى، 92/8/20، تاريخ المراجعة 12 نوفمبر/تشرين الثاني 2013:
http://www.irannuc.ir/fa/content/1917
6- مهديمحمدي ،چراتوافقنشد؟ مذاکرات ژنو شکست نخورد بلکه بدوند ستيابي به نتيجه‌اي که بتوان نام آن راتوافق گذاشت،پايانيافت (لماذا لم يحدث اتفاق؟ محادثات جنيف لم تفشل ولكنها انتهت بدون الوصول إلى نتيجة يمكن أن نطلق عليها مسمى اتفاق)، وكالة أنباء فارس،92/08/20 تاريخ المراجعة 12نوفمبر/تشرين الثاني 2013:
http://www.farsnews.com/newstext.php?nn=13920820000103

ABOUT THE AUTHOR