المصالحة في أفغانستان: خلافات عميقة حول "المتفق عليه"

ترصد هذه الورقة ما تحقق على صعيد المصالحة في أفغانستان، وتناقش موقف عدد من الأطراف الفاعلة في الساحة الأفغانية من هذه القضية، وكيف يقيِّم كل طرف ما وصل إليه مسارها، كما تبحث في المعوقات التي تعترضها.
5 January 2014
201415558581734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
تبدو المصالحة في الظاهر شأنًا داخليًا أفغانيًا، لكنها في الحقيقة لا تقف بعيدة عن جهود تحمل أبعاد الوساطة حينًا، والنفوذ والتنافس السياسي بين الكثير من الدول حينًا آخر. في داخل أفغانستان، تتبنى القوى السياسية مواقف من هذه القضية تلتقي في بعض جوانبها، وتتباين بصورة كبيرة في جوانب أخرى. لا يحمل الجميع وجهة نظر واحدة لطريقة التعامل مع طالبان والشكل الذي يجب أن يكون عليه الحوار؛ فالبعض يجزم بعدم وجود "ما يمكن أن نطلق عليه مصالحة في أفغانستان". ويصف ما جرى بأنه "جولة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأميركية".

تركز هذه الورقة على رصد ما تحقق على هذا الصعيد، وتناقش موقف عدد من الأطراف الفاعلة في الساحة الأفغانية من هذه القضية، وكيف يقيِّم كل طرف ما وصل إليه مسارها، كما تبحث في المعوقات التي تعترضها.

وتخلص الورقة إلى أنه قد تم تهيئة الأرضية اللازمة للبدء بالحوار سعيًا للمصالحة والخطوة القادمة يجب أن يخطوها الجميع. و"الجميع" الذي تتم الإشارة إليه يشمل أطرافًا داخلية وخارجية سواء داخل أفغانستان أو خارجها وخاصة الولايات المتحدة وباكستان والدول الأخرى ذات العلاقة.

إلى أين وصلت المصالحة في أفغانستان؟ وهل يمكن للجهود التي تبذل على هذا الصعيد أن تحقق النجاح بينما شبح الحرب يشد الناس إلى الوراء؟ في البلد الذي أثقلته حروب استمرت لأكثر من ثلاثة عقود يبدو تحقيق المصالحة بين الأطراف الأفغانية المتصارعة شرطًا لازمًا للعبور بالبلاد نحو الاستقرار، لكن ومثل كل القضايا المهمة في المجتمع الذي أنهكته الصراعات تتعدد القراءات للشكل الذي يجب أن يكون عليه. ومما لا شك فيه أن عام 2014 سيكون عامًا حاسمًا لأفغانستان، المهددة باندلاع حرب أهلية أخرى، ويبدو محاصرًا بالكثير من العقبات التي تهدد القليل الذي تحقق في سبيل الاستقرار. وإن كانت المصالحة في الظاهر تبدو شأنًا داخليًا أفغانيًا، لكنها في الحقيقة لا تقف بعيدة عن جهود تحمل أبعاد الوساطة حينًا، والنفوذ والتنافس السياسي بين الكثير من الدول حينًا آخر. وفي داخل أفغانستان، تتبنى القوى والشخصيات السياسية مواقف من هذه القضية تلتقي في بعض جوانبها، وتتباين بصورة كبيرة في جوانب أخرى. تركز هذه الورقة على رصد ما تحقق على هذا الصعيد، وتناقش موقف عدد من الأطراف الفاعلة في الساحة الأفغانية من هذه القضية، وكيف يقيِّم كل طرف ما وصل إليه مسارها، كما تبحث في المعوقات التي تعترضها.

الأرضية اللازمة

لا يخالف أصحاب الشأن أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي، في أن المصالحة مسألة معقدة ولها أوجه وجوانب عديدة داخلية وخارجية، محلية ودولية. ولعل هذه النقطة هي التي أوجبت البدء بحوار لتهيئة الأرضية المناسبة للوصول إلى مصالحة تدوم، واستغرق ذلك الكثير من الوقت خاصة مع السعي لمعرفة وتحديد ما يريده كل طرف.

وكما في الكثير من التجارب الإنسانية ومن بينها تجربة أفغانستان لن يتم الوصول إلى مصالحة بدون حوار صريح يعطَى فيه كل طرف الحق في توضيح مطالبه. ولم يكن متاحًا لأطراف عدة أن تطرح مطالبها في العلن سواء من خلال الإعلام أو من خلال المنابر العامة، وبقي ما يُطرح حبيسًا خلف الأبواب المغلقة.(1)

وفي هذا المسار يشخص ستانيكزاي مجموعة مشكلات واجهتها جهود المصالحة:

  • أولاً: اختفاء وملاحقة قادة طالبان، ولم يكن باستطاعة هؤلاء القادة الظهور ليطرحوا مطالب الحركة علنًا.
  • ثانيًا: الكثير من قادة طالبان يعيشون بصورة سرية في دول مجاورة وليس من السهل عليهم الظهور والتنقل. 
  • ثالثًا: إدراج شخصيات تتمتع بالنفوذ كما أنها صاحبة قرار في الحركة على قوائم الإرهاب التي أصدرتها الأمم المتحدة.
  • رابعًا: عدم وجود عنوان معتمد لحركة طالبان.
  • خامسًا: غياب الثقة والضمانات بالنسبة لقادة طالبان من قبل الحكومة الأفغانية والقوات الدولية، وكان السؤال المطروح دائمًا فيما يتعلق بالفترة اللاحقة للظهور العلني لقادة الحركة: ما إذا كانت الأطراف المقابلة ستلتزم بتعهداتها؟ وساهمت هذه القضايا مجتمعة في إيجاد مشكلة أساسية.(2)

مواقف متباينة

رغم إقرار الجميع بأنهم يريدون المصالحة، إلا أن وجود تباينات واضحة في وجهات النظر بشأن هذه المسألة يبرز بصورة تعوق إحراز تقدم. وتعود المشكلة إلى أن "الجميع يرزح تحت ميراث من الحرب التي استمرت على مدى عقود، ومع كل دورة من دورات القتال كانت تضيف داخل المجتمع الأفغاني ميراثًا جديدًا يجذّر من حالة الانقسام والفرقة بين أبناء المجتمع الوحد". كما أن كل نظام سياسي تقلّد شؤون أفغانستان ترك بدوره ميراثًا من قتل وإقصاء لمخالفيه، والذاكرة ما زالت حية بهذه الأحداث.(3) وحتى عندما جاءت القوات الدولية مارست قمعًا لكل من له علاقة بطالبان؛ وهو ما أوجد حالة من الانغلاق المجتمعي التي صعبت من قضية المصالحة.(4)

جرى السعي لحل المعضلات المتعلقة بحركة طالبان ومن ذلك إيجاد مكتب للحركة في الدوحة كعنوان محدد لها، إلا أن عدم التزام الأطراف المختلفة بتعهداتها حال دون بدء الحوار في الوقت المحدد له. ومع ذلك هناك حديث عن إنجاز تحقق على هذا الصعيد فعدد من "المشكلات ومن ضمنها قضية سفر قيادات الحركة تم حلها". كما أن الأحزاب الأفغانية ومؤسسات المجتمع المدني على اختلاف توجهاتها باتت مؤمنة بضرورة الحوار الذي يعود بالنفع على الجميع وليس ذلك الذي يحقق مكاسب طرف على حساب الآخر. 

لا يحمل الجميع وجهة نظر واحدة لطريقة التعامل مع طالبان والشكل الذي يجب أن يكون عليه الحوار؛ فالبعض يجزم بعدم وجود "ما يمكن أن نطلق عليه مصالحة في أفغانستان". ويصف ما جرى بأنه "جولة من المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة الأميركية".(5)

وإن كانت هذه الفئة لا تخالف الحوار إلا أنها تعارض ما تطلق عليه "المرونة" مع طالبان، ويرجع موقفها هذا إلى أن "الحركة لم تتقدم نحو الحوار لتكون جزءًا في مسار العملية الديمقراطية، فهي تعارضها في الأساس، وهي حركة مسلحة تريد إدامة المواجهة"، ويعتقدون أن "مشكلة طالبان بنيوية وهم يعرفون أن الصلح سيقود إلى موتهم، لأن المجتمع الأفغاني خاصة المقيم في المدن معارض لفكر طالبان، كما أن الناس أرهقتهم الحرب في حين أن الحركة في المقابل تبحث عن القتال وتطلبه في قندهار وخوست ومدن أخرى".(6)

كما أن الحركة من وجهة نظرهم "تفتقد إلى أية رؤية اقتصادية وحديثة تجاه الكثير من القضايا المهمة فضلاً عن أنهم يحملون رؤية اجتماعية مشوهة تجاه المرأة التي لا تعترف الحركة بأية مكانة لها، وكذلك الحال بالنسبة للعلم والتطور، وحرية الإعلام والحريات الشخصية"؛ ولذلك فحركة مثل هذه تجد استمرارها من خلال العنف، والصلح يعني موتها ولذلك فهي في الحقيقة تعارض المصالحة.

ويعتقد هذا التيار الذي يتمثل في مسؤولين وأحزاب وفاعلين سياسيين أن "المصالحة على الطريقة الطالبانية ليست مقبولة فهم من أحضر القوات الأميركية إلى أفغانستان. كما أن المجتمع لا يمكن أن يقبل أن يبقى بلا مطبوعات وتعليم ونمو اقتصادي مع غياب لاحترام الحريات الخاصة للأفراد".(7)

ويرى هذا الفريق أن مصداقية طالبان في قضية الحوار والمصالحة تقتضي إلقاء السلاح والقبول بالجيش والشرطة الأفغانية والانخراط في العملية السياسية والمشاركة في الانتخابات. ولا تبدو طالبان بالنسبة لهذه المسألة أنها على قلب رجل واحد؛ فقد أُعلن أخيرًا عن إنشاء مجموعة جديدة باسم جيش الفدائيين، ويُعتقد أن هذه المجموعة هي نسخة محدثة من طالبان أعلنت مسؤوليتها عن عمليات نُفذت مؤخرًا في أفغانستان.

لا يقول هذا الفريق بضرورة إدامة الحرب مع طالبان، ولكن للصلح ضمانات أولها أن يكون الوصول إلى السلطة عبر رأي الناس وبطريقة مشروعة؛ وهذا لا يكون بالسلاح لمن أُخرج من السلطة وصار خارجها.

ومع ذلك لاينفي أصحاب هذا التوجه وجود بيئة اجتماعية حاضنة لطالبان؛ فهي حركة لها جذور ومؤيدون لكن الخلاف من وجهة نظرهم يتعلق "بمشروعية طروحاتهم، واستحالة المصالحة معهم ما لم يلقوا سلاحهم".

موقف حركة طالبان

لا تنكر حركة طالبان وجود مراجعات داخل صفوفها لعدد من القضايا وإن كانت ترجعها إلى أفراد داخل الحركة؛ فالبعض بدأ بتبني أفكار جديدة والبعض الآخر قادته مراجعته إلى الخروج من الحركة نهائيًا. لا يشبه ما يجري داخل صفوف الحركة اليوم المراجعات التي قامت بها مجموعات جهادية في العالم الإسلامي؛ فالتجربة الأفغانية مختلفة كثيرًا عن تجربة الجهاديين في مصر؛ ففي الحالة المصرية أيضًا نتحدث عن مجتمع مختلف، ومستوى تعليم مختلف، وكذلك الحال بالنسبة لطالبان باكستان وطالبان أفغانستان إذ لا يمكن تجاهل الفرق بينهما. وعند الحديث عن التغيير داخل صفوف الحركة في أفغانستان، هناك ما تجدر ملاحظته خاصة فيما يتعلق بالتعامل مع وسائل الإعلام وتكنولوجيا الاتصال، ففي السابق كانت الحركة لا تستفيد من الإنترنت مثلاً، لكنها اليوم تقبل عليه وتوظفه، وهذا التغيير الذي بدأ يطول الأفراد سينسحب على المجتمع بلا شك، وسيجعل الناس تقارن ما هي عليه بما هو موجود في أماكن أخرى.(8)

تدافع "طالبان" عن مكانتها داخل المجتمع الأفغاني وترى أن مجيء الاحتلال الغربي إلى أفغانستان، وقيامه بالكثير من التجاوزات التي مست معتقدات وقيم المجتمع الأفغاني، وتعبيده الطريق أمام "سيئي السمعة" للوصول إلى مناصب مختلفة، أوجد فجوة بين الناس والحكومة الأفغانية، وعزز من العداء للغزاة، ولذلك تشكّلت حاضنة شعبية لطالبان خاصة في القرى والأرياف؛ حيث قدم الناس الدعم والحماية لمقاتلي الحركة.

وتتحدث بعض زعامات الحركة عن عودة محتملة لطالبان، فقد يعودون كأفراد إلى الساحة السياسية أو من خلال أحزاب، وذلك مرتبط بالصلح أو عدمه في أفغانستان. وترى الحركة أن المصالحة في أفغانستان لم تبدأ بعد، وإن كانت قد جرت بعض المحاولات التي لم تنجح إلى الآن.

وإن كانت "طالبان" تتحدث عن الصلح كضرورة وأن عقول الفرقاء أصبحت جاهزة لقبوله، لكنها ترى أن الإجراءات العملية لتحقيقه ما زالت غائبة، وترجع ذلك لعدة أسباب:(9)

  • تريد الحكومة الأفغانية لعملية الحوار والمصالحة أن تكون ثنائية فقط تقتصر على طالبان وعليها، في حين ترى الحركة أن هذه العملية يجب أن تسير ضمن مسارين، أحدهما خارجي والآخر داخلي. 
  • لا يوجد وسيط يدير عملية المصالحة، والوسيط الذي تتحدث عنه "طالبان" من الممكن أن يكون مجموعة من الشخصيات أو دولة تأخذ على عاتقها استضافة الحوار، أو منظمة دولية مثل الأمم المتحدة، لكنها تفضل أن يقوم بالوساطة فريق أفغاني. كما أن المصالحة تحتاج إلى ضمانات، وبدون هذا الوسيط لا تعتقد الحركة أن المصالحة ستصل إلى نتيجة.
  • لقد جلست الحركة مع أطراف أميركية، لكن تلك اللقاءات لا يمكن أن يطلق عليها مفاوضات، ولم تصل تلك اللقاءات إلى مستوى التفاوض، وكان افتتاح مكتب في الدوحة تمهيدًا للمفاوضات، وأُغلق المكتب لوجود خلافات عميقة بين الحركة والحكومة الأفغانية، وتؤمن الحركة بأنها "كانت حكومة ومن حقها أن ترفع اسم الإمارة الإسلامية على مكتبها"، وهو ما تعارضه الحكومة الأفغانية والخلاف لا يزال قائمًا.

أدوار اقليمية

مؤخرًا عادت باكستان لتمارس نشاطًا دبلوماسيًا متعدد الأطراف، وتتحدث تسريبات عن شروط وضعتها إسلام أباد للتهدئة وإعادة الاستقرار إلى أفغانستان. وبموازاة الدور الباكستاني عاد إلى السطح الدور السعودي إذ تتداول الأوساط السياسية في كابل أحاديث عن وساطة سعودية بين طرفي الأزمة (الحكومة الأفغانية وحركة طالبان)، وتبذل السعودية جهودًا لترجِّح كفتها على كفة تركيا في استضافة مكتب حركة طالبان تمهيدًا لمحادثات التسوية الشاملة. وكانت الوساطة السعودية عام 2012 قد فشلت في الوصول إلى اتفاق كان من المقرر له أن يقود إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية تضم جميع الأطياف السياسة الأفغانية. وهي الوساطة التي اشترطت السعودية لتقوم بها، أن تتبنى حركة طالبان إعلانًا صريحًا تتبرأ فيه من تنظيم القاعدة. وترجّح باكستان دعم الدور السعودي على حساب الدور التركي للعلاقة التاريخية بين السعودية وحركة طالبان. ويأتي الحديث عن افتتاح مكتب في السعودية في أعقاب إغلاق مكتب حركة طالبان في الدوحة بسبب تصاعد الخلاف بين الحركة والحكومة الأفغانية.

وضعت باكستان شروطًا لتحقيق الاستقرار في أفغانستان، قرأها البعض في إطار السعي الباكستاني لاستعادة الدعم الأميركي، خاصة وأن باكستان، لا تُخفي قلقها من تنامي النفوذ الهندي داخل عمقها الاستراتيجي، ولا تريد لعملية الاستقرار في أفغانستان أن تصب في صالح الهند، وهذه الشروط(10) هي:

  • وضع حد للنفوذ الهندي في أفغانستان.
  • منح مناصب مهمة في الحكومة لأعضاء في الحزب الإسلامي. 
  • تسليم القيادات الطالبانية الباكستانية المقيمة في أفغانستان إلى الحكومة الباكستانية.
  • تسليم قادة تمرد البلوش.

وتعلق الولايات المتحدة آمالاً كبيرة على باكستان، التي تجمعها علاقات تاريخية متشعبة مع حركة طالبان يمكن توظيفها لإقناع الحركة بالدخول في مفاوضات إحلال السلام في أفغانستان ما بعد 2014؛ وهو ما بدأت الحكومة الباكستانية بذل جهود عملية لتحقيقه.(11)

وبدون دور واضح ومؤثر لباكستان فالأزمة الأفغانية لن تجد نهايتها، وإذا لم تجد نهايتها فالأمن في كل المنطقة عرضة للتهديد بما فيه أمن باكستان. وهو ما يجعل قائد الجيش الأفغاني الجنرال شير كريمي يتحدث عن دور دول الجوار والدول الكبرى؛(12) إذ على الجميع أن يدرك أن "السلام في أفغانستان سينعكس على العالم أجمع، والمصالحة والاستقرار هما الحل لمواجهة الإرهاب". وهنا تبرز معضلة "الاتفاقية الأمنية" مع الولايات المتحدة الأميركية؛ ففيما يرى البعض فيها إعاقة لمشروع المصالحة يراها البعض الآخر شرطًا ضروريًا لها. فحركة طالبان ترى أن الاتفاقية الأمنية سارت بمعايير مقلوبة، وكان من الأولى أن تتحقق المصالحة ومن هذه المصالحة تولد حكومة مؤقتة تدير الانتخابات، والحكومة المنتخبة هي التي تدير فيما بعد مسألة الاتفاقية الأمنية.

ما تحقق

لا يمكن إنكار أن مسيرة المصالحة قد لاقت بعض النجاح، ومن الإيجابيات التي تحققت نتيجة الجهود التي بُذلت على مدى السنة الماضية بناء وتعميق صورة ذهنية في المجتمع تؤمن بالمصالحة وتقر بأن الحرب والقتال ليسا طريقًا للحل.

ورغم ما تحقق إلا أنه لم يتم الوصول بعد إلى النقطة التي تُحدث تأثيرًا عميقًا يفرض تغييرًا في السياسات ويمهد لتحقيق نتائج كبيرة على هذا الصعيد. ويبدو هذا مهمة شاقة خاصة وأن الصورة الذهنية العنيفة التي استقرت بفعل دورات من الحرب والعنف تتحدى الجميع. ففي العقود الثلاثة الأخيرة من تاريخ أفغانستان وُلد جيلان في وقت الحرب فضلاً عن الأجيال التي كبرت وشابت وسط عنف مستمر.

يتحدث ستانيكزاي عن دور للرموز والقيادات الدينية في المنطقة والدول الإسلامية للمساهمة في تغيير الصورة التي تم إيجادها للإسلام بوصفه دينًا عنيفًا.(13) ونشر مبادئ الإسلام المنادية بالصلح والعدالة والمساواة وإعطاء ذلك بُعدًا عمليًا يؤثر في نفوس الناس. كما أن القوى الساعية إلى السلطة عليها أن تغير من أدواتها لتحقيق ذلك؛ إذ لا يمكن أن يستمر هذا السعي من خلال العنف والسلاح.

خلاصة

لقد تم تهيئة الأرضية اللازمة للبدء بالحوار سعيًا للمصالحة والخطوة القادمة يجب أن يخطوها الجميع وليست جهة بعينها. و"الجميع" الذي تتم الإشارة إليه يشمل أطرافًا داخلية وخارجية سواء داخل أفغانستان أو خارجها وخاصة الولايات المتحدة وباكستان والدول الأخرى ذات العلاقة. تضطلع الأطراف السياسية الأفغانية بدور كبير في قضية المصالحة، لكن وفي الوقت ذاته لا يمكن تجاهل دور المجموع العام للمواطنين، وهذا الدور مرهون بعدة عوامل، أهمها:(14) 

  1. سنّ القوانين: وهذا يقتضي أن يجد الناس في القانون ملجأ للفصل في نزاعاتهم، وأن تكون عملية التشريع مواكبة لحاجات الناس الواقعية، وأن يصل الناس إلى قناعة بضرورة الإذعان لسلطة القانون الذي يضمن المساواة بين أفراد المجتمع على اختلافهم.
  2. رعاية العدالة الاجتماعية ووقف إهدار حقوق الأفراد والعائلات والقوميات. 
  3. إنهاء الحالة المزدوجة من الاستبداد الداخلي والهيمنة الخارجية والتي تلقي بظلال ثقيلة على أفغانستان، وفتح الباب أمام مشاركة الناس والكفاءات الوطنية المخلصة بفاعلية في الشأن العام.
  4. الحاجة إلى قيادات غيورة تأخذ على عاتقها الاستجابة لحاجات الناس ووقف التمييز وغياب العدالة.
  5. اطلاع الناس على أوضاع البلاد بشفافية، وتقييم ما تمر به بدقة وبناء على معلومات واقعية.

وتواجه عملية المصالحة التحديات التالية:

  1. غياب القوانين الجامعة التي ترسي ضوابط العدالة وتجيب على الاحتياجات الدستورية لأفغانستان.
  2. عدم تطبيق القانون مما يرتب ظلمًا على الفئات الضعيفة في المجتمع. 
  3. غياب التوعية اللازمة بما تمر به أفغانستان وارتباط ذلك بالتطورات على الساحة الدولية.
  4. مواجهة الاستبداد الداخلي والتدخل الخارجي، ويعزز من ذلك غياب الأرضية اللازمة لمشاركة الناس والقيام بدور مؤثر في الشأن العام.
  5. تقديم المنافع الشخصية والعائلية والجهوية والقومية على المنافع الوطنية الاستراتيجية.

وتحتاج جهود المصالحة في أفغانستان إلى شراكة حقيقية من مختلف فئات المجتمع، وخاصة من قبل الزعامات القومية والنخب والقادة الحزبيين.
_________________________________
* فاطمة الصمادي - باحثة في مركز الجزيرة للدراسات

المصادر والهوامش
1- مقابلة أجرتها الباحثة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي، قصر رئاسة الوزراء كابل، 4 ديسمبر/كانون الأول 2013.
2- من المقابلة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي.
3- مقابلة أجرتها الباحثة مع الناشط السياسي ورئيس مركز الدراسات الإقليمية عبد الغفور ليوال، كابل 4 ديسمبر/كانون الأول 2013.
4- من المقابلة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي.
5- مقابلة أجرتها الباحثة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح، كابل، 6 ديسمبر/كانون الأول 2013.
6- من المقابلة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح.
7- من المقابلة مع وزير الاستخبارات الأفغاني السابق آمر الله صالح.
8- مقابلة أجرتها الباحثة مع وزير خارجية طالبان السابق وكيل الله متوكل، كابل، 2 ديسمبر/كانون الأول 2013.
9- من المقابلة مع وزير خارجية طالبان السابق وكيل الله متوكل، كابل، 2 ديسمبر/كانون الأول 2013.
10- معلومات حصلت عليها الباحثة من سياسيين مطلعين في كابل لم يرغبوا في ذكر أسمائهم.
11- نواز شريف در ديدار باهيگل: از پروس? صلح در آفغانستان حمايت مي کنيم (نواز شريف خلال لقائه مع هيغل: ندعم مشروع المصالحة في أفغانستان)، صحيفة ماندگار الأفغانية، 19 قوس/آذر 1392(10 ديسمبر/كانون الأول 2013)، ص1 وص6.
12- مقابلة أجرتها الباحثة مع قائد الجيش الأفغاني، الجنرال شير محمد كريمي، مبنى وزارة الدفاع، كابل، 3 ديسمبر/كانون الأول 2013.
13- من المقابلة مع أمين عام مجلس السلام في أفغانستان معصوم ستانيكزاي.
14- محمد اكبري، نقش مردم در روند صلح، فرصت هاو چالش هاي بزرگان آقوام (دور المواطنين في عملية المصالحة: الفرص والتحديات)، الموقع الإلكتروني لمجلس السلام في أفغانستان:
http://www.hpc.org.af/dari/index.php?option=com_content&view=article&id=297:2013-12-23-06-16-50&catid=10:2013-12-25-10-48-24&Itemid=3

ABOUT THE AUTHOR