المغرب: التحديات الاقتصادية في ظل حكومة العدالة والتنمية

يعد وصول حكومة العدالة والتنمية المغربية تحولا حمل وعودا بسياسة اقتصادية تواجه الفساد والريع الاقتصادي. وقد واجه البرنامج الاقتصادي لحكومة العدالة والتنمية خلال السنتين الماضيتين عوائق خارجية وداخلية، وأدت خلافات التحالف الحكومي السابق إلى تأخر الإصلاح؛ بسبب طغيان الجانب السياسي على حساب الاقتصادي.
2014318102646908734_20.jpg
يبدو المشروع الاقتصادي المغربي مترامي الأطراف، وتمتلك حكومة العدالة والتنمية خيار الاستفادة من الزمن السياسي الذي أتى بها إلى ناصية القرار التنفيذي (غيتي)

ملخص
يعد وصول حكومة العدالة والتنمية تحولاً كبيرًا في الخريطة السياسية المغربية، حمل معه وعودًا وطموحات لتجاوز الممارسات السابقة والاطلاع نحو سياسة اقتصادية جديدة، قادرة على مواجهة العقبات الاقتصادية، ومبنية على أعمدة تستجيب للتحديات والرهانات.

وفي هذا السياق تسعى حكومة العدالة والتنمية إلى مواصلة بناء اقتصاد قوي، متنوع الروافد القطاعية والجهوية، وتنافسي ومنتج للثروة والشغل اللائق، وتحقيق سياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو. وقد رسمت الحكومة سياسات محددة بأهداف من قبيل رفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 5,5%، ونسبة نمو الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بمعدل 6%، والحد من عجز الميزانية في حدود 3% من الناتج الداخلي الخام، وضبط معدل التضخم في نسبة 2% ، وتخفيض البطالة إلى 8% وذلك في أفق 2016.

ويستعرض هذا التقرير البرنامج الاقتصادي للحكومة، من حيث الأداء والمحصلة بإنجازاتها وإخفاقاتها. كما يتناول ملامح الإصلاح البنيوي الذي يهم أنظمة الدعم والتقاعد والضرائب. ويسعى إلى تقديم توصيات رئيسة لسياسة اقتصادية سليمة تطور الأساس الاقتصادي، مستخلصة من التوجهات الملموسة لأهداف البرنامج الحكومي.

ينتهج المغرب منذ الاستقلال سياسة اقتصاد السوق، حيث تضمن الدولة حرية المبادرة والمقاولة والتنافس الحر،  ويعتمد على الانفتاح كتوجه رئيسي لنظامه الاقتصادي. وقد عرف المغرب تدبيرًا اقتصاديًّا مخططًا، فمر من البرامج التنمية الاقتصادية في مرحلة الستينيات والسبعينيات، ثم جاء برنامج التقويم الهيكلي المسند من صندوق النقد الدولي لإصلاح التوازنات الاقتصادية والحفاظ على التنافسية في حقبة الثمانينيات والتسعينيات، وصولاً إلى الاستراتيجيات القطاعية التي تميز الألفية الثالثة، حيث شكلت الفلاحة والسياحة وبعض القطاعات الصناعية كالنسيج، أبرز خيارات الاقتصاد المغربي خلال هذه العقود.

وفي الواقع انتشرت الممارسات الريعية وتوسع الاقتصاد غير المنظم وازدادت درجة الفساد الاقتصادي، وأدت بذلك إلى خلل في التوزيع أثّر على النواحي الاجتماعية؛ حيث بلغت درجة الحرمان عتبة 45% وتجاوزت نسبة الفقر 15%، ليستغل 5% من السكان 40% من الناتج الداخلي الخام. وتساهم ثلاث جهات فقط من 16 جهة تتكون منها الجغرافيا المغربية في ثلثي الثروات الإجمالية المنتجة وثلث الناتج الداخلي الخام. ويحتل المغرب المرتبة 130 في سلم التنمية البشرية عالميًّا، منتميًا بذلك للمجموعة الثالثة التي تضم الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة كـالصين (عالميًّا 101)، وجنوب إفريقيا (121 عالميًّا).

وقد ظهر العرض السياسي لحزب العدالة والتنمية متميزًا وطموحًا في سياق الحراك الاجتماعي المغربي لسنة 2011، يدعو إلى تغيير أساليب التسيير الحكومي، مع توطيد المكتسبات السابقة عبر برنامج حكومي يهدف إلى تلبية حاجيات الموطنين ومواجهة إكراهات الظرفية الاقتصادية.

البرنامج الاقتصادي للحكومة.. فارق الإرادة والإدارة

ترمي حكومة العدالة والتنمية إلى مواصلة بناء اقتصاد وطني قوي، متنوع الروافد القطاعية والجهوية، وتنافسي ومنتج للثروة والشغل اللائق، وتحقيق سياسة اقتصادية ضامنة للتوزيع العادل لثمار النمو.  وقد رسمت الحكومة سياسات محددة بأهداف من قبيل رفع نسبة النمو الاقتصادي إلى 5,5%، ونسبة نمو الناتج الداخلي الخام غير الفلاحي بمعدل 6%، والحد من عجز الميزانية في حدود 3% من الناتج الداخلي الخام، وضبط معدل التضخم في نسبة 2%، وتخفيض البطالة إلى 8% في أفق 2016.

وعلى هذا الأساس، تم وضع محاور البرنامج الاقتصادي كإحداثيات مترابطة تصوغ الاتجاهات الأساسية لبوصلة الحكومة، وعلى رأسها الحفاظ على توازنات الاقتصاد الكلي وتعزيز الحوكمة الاقتصادية والمالية، عبر تكريس المنافسة والشفافية في ولوج الصفقات العمومية، والحق في الحصول على المعلومة، ثم دعم الاستقرار الاقتصادي بتعزيز فعالية الاستثمارات العمومية، والتوفر على مناخ مناسب للأعمال، وكذلك تطوير الاقتصاد الاجتماعي والتضامني؛ لما يحمل من مساندة للمقاولات والمنشآت الصغرى والمتوسطة، وخلقه لفرص الشغل بالجهات والأرياف التي تعاني من التهميش والعزلة، وكذلك إنشاء صندوق للتماسك الاجتماعي لمساعدة المعوزين والفقراء.

وقد واجه البرنامج الاقتصادي لحكومة العدالة والتنمية خلال السنتين السابقتين عوائق خارجية وداخلية، تتمثل الأولى في عولمة الاقتصاد المتسارعة، ونزيف النظام المالي العالمي والأزمة الاقتصادية للاتحاد الأوروبي باعتباره الشريك الاقتصادي الأول للمغرب، حيث تعاني بلدانه من انكماش اقتصادي.  إضافة إلى غياب الاستقرار السياسي والأمني بالمنطقة العربية. أما داخليًّا فقد اتسمت المرحلة السابقة بأزمة حكومية تجلت في الصراعات بين مكونات الحكومة، آلت إلى تعديل حكومي أفرز خروج حزب الاستقلال وتعويضه بحزب التجمع الوطني للأحرار، مع تبديلات في المواقع التنفيذية وزيادة في عدد الوزارات. وقد أدت الخلافات الحزبية إلى تأخر الإصلاح واستمرار حالة الانتظارية، الناتجة عن طغيان الجانب السياسي على حساب الرهانات الاقتصادية.

 الأداء الاقتصادي بين الإنجاز والإخفاق

أقرت الحكومة خلال السنتين السابقتين ترسانة من القوانين المرتبطة بالحقل الاقتصادي تجسد الضرورة الملحة لتصميمات جوهرية تشكل مرتكز الانتقال الاقتصادي لتحقيق المردودية والإنتاج. ونذكر هنا المدونة المغربية لحوكمة الإدارات والمنشآت العامة، وقانون التعيينات في المناصب العليا للدولة، وقانون الولوج للمعلومة الذي يكفل مبدأ الشفافية. وكذلك القانون التنظيمي للميزانية الذي يحدد كيفية تدبير موارد ومصاريف الدولة من منظور استباقي.

وتعتمد حكومة العدالة والتنمية على نموذج اقتصادي مبني على دعم الطلب الداخلي بزيادة الاستثمار العمومي وتشجيع الاستهلاك في سنة 2013، حيث مثّل الطلب الداخلي 70% من مجمل الناتج الداخلي الخام، مع إرساء معدل التضخم في 2,2%.

لقد حقق المغرب نموًا اقتصاديًّا بلغ 2,7% سنة 2012، وارتفع إلى 4,5% سنة 2013، مع قيمة مضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 19,4%. كما سجلت الأنشطة غير الفلاحية نموًا مطردًا وصل إلى 4,6%.  ومما يلاحظ في هذا الشأن، أن النمو الاقتصادي في المغرب غير قادر على ترجمة التفوق الكمي إلى قفزات نوعية فيما يخص خلق فرص للشغل، بل كانت له انعكاسات جسيمة إبان الحكومة السابقة؛ حيث وصل النمو إلى معدلات مرتفعة تجاوزت في العديد من الأحيان 5%، لكن في المقابل ازداد التفاوت الاقتصادي بين الطبقات الاجتماعية.

وفي نفس السياق، نجحت الحكومة الحالية في تثبيت مستوى البطالة مع تخفيض طفيف من 9,8% سنة 2012 إلى 9% سنة 2013، وشكّل الاستثمار العمومي أساسًا لإيجاد 40000 منصب شغل.  وتجدر الإشارة إلى خصوصيات البطالة في المغرب؛ فالشباب ما بين 25 و35 سنة هم الأكثر عرضة للبطالة بنسبة 80%، منهم 75% من الجامعيين. ويتمركز ربع العاطلين المغاربة بشمال وشرق البلاد. ولاحتواء إشكالية البطالة يحتاج المغرب لمعدل أقل من 6% في خمس سنوات متتالية، يتوازى مع توفير 300000 منصب شغل سنويًّا؛  مما يستدعي ترشيد النفقات وتحسين البيئة الاستثمارية بالمغرب، وتوجيه رؤوس الأموال لقطاعات اقتصادية مثمرة.

يحتل المغرب المرتبة 97 في تصنيف مناخ الأعمال التابع للبنك الدولي، والذي يضم 185 دولة،  حيث تقدم سنة 2013 بسبعة مراكز، ورافق هذه الطفرة زيادة في عائدات الاستثمارات الأجنبية المباشرة بنسبة 23,5%. وهذه الأخيرة هي بمثابة محرك السياسة الاقتصادية للدولة، تقتضي انتقاء الاستثمارات التي تنمي الميادين الاقتصادية المربحة والجهات المحلية الواعدة. وفي هذا الصدد، تعيش الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المغرب ارتفاعات متواصلة، لكنها لم تصل لحصيلة سنة 2001 التي قاربت ثلاثة مليارات دولار. وذلك راجع لسياسة الخصخصة المتبعة آنذاك للمساعدة على تدفق الاستثمارات.

وقد تراجع المغرب إلى المركز 77 من مجموع 148 دولة حسب تصنيف التنافسية الذي يسهر عليه المنتدى الاقتصادي العالمي،  وحذر تقرير هذه المنظمة من ركود اقتصادي، حيث سجل نكوصًا في عائدات مجموعة من الصناعات والخدمات. في حين تقلص عجز الميزان التجاري 2,8% في عام 2013 عما كان عليه في 2012، ليصل لما يقارب 201,5 مليار درهم، مع استقرار لاحتياطي النقد الأجنبي بما يعادل قيمة أربعة أشهر من الواردات.

ومما يجب التوقف عنده، أن الصادرات تغطي 45% فقط من الواردات. ويتفشى العجز التجاري منذ سنة 2003 التي صاحبتها توقيع اتفاقيات التبادل الحر مع عدة دول، فارتبط العجز المسجل بهذه الاتفاقيات، وهذا ما يفرض مراجعة عميقة لهذه الاتفاقيات بما يخدم المصالح التجارية المغربية. وكذلك انخفاض تحويلات المغاربة القاطنين بالخارج بنسبة 3,8% سنة 2013؛ بسبب الصعوبات الاقتصادية في بلدان المهجر. وكانت هذه التحويلات تستأثر بنسبة 10% من الناتج الداخلي الخام خلال العقد السابق.

أما الاقتراض العمومي فقد بلغ معدلات مقلقة تنذر بأخطار على التركيبة المالية للدولة وانحدار تصنيف المديونية، لاسيما مع إعلان وزارة الاقتصاد والمالية المغربية على أن نسبة الدين العام تمثل 57,8% من الناتج الداخلي الخام،  وبالتالي أصبحت قريبة من سقف 60% المحرمة حسب مقتضيات انضباط الموازنة المقدمة في اتفاقية ماستريخت (Maastricht) لسنة 1992، والتي تؤكد أن تجاوز الاقتراض لنسبة 60% من الناتج الداخلي الخام يفتح الباب أمام تدخل صندوق النقد الدولي في الإدارة الاقتصادية عبر برامج للتقشف تكبح النمو.

ويفسر هذا الارتفاع الحصول المتعاقب على قروض، ونذكر هنا: الخط الائتماني لصندوق النقد الدولي بقيمة 6,2 مليارات دولار، قرض البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 440 مليون أورو، وقرض البنك الإفريقي للتنمية بقيمة 171 مليون أورو. إن مسألة الاقتراض تميط اللثام عن إشكال تدبيري للحكومة المغربية، إذ يجب توظيف القروض في استثمارات استراتيجية تلعب من خلالها الدولة دور المقاول المحفز لقطاعات اقتصادية بعينها، والمحفز على التنافسية بسياسة للاقتراض تستفيد من الرافعة المالية، عكس ما تقوم به من استغلال القروض في تغطية عجز الموازنة.

وتعرف الموازنة المغربية عجزًا متواصلاً، سجل سنة 2012 نسبة 7,3%، ويعزى عجز الموازنة إلى ثقل تكلفة صندوق المقاصة لدعم المواد الأساسية التي وصلت إلى 55 مليار درهم سنة 2012، وانخفاض عجز الموازنة إلى 5,4% سنة 2013، مع انكفاء فاتورة الدعم إلى 44 مليار درهم. 

وفي الآونة الأخيرة، عرف المغرب تباينًا في الإحصائيات والتوقعات الاقتصادية بين الحكومة وجهاز "المندوبية السامية للتخطيط"؛ فتصريحات الحكومة تصب في اتجاه ضبط عجز الموازنة عند 5,4%، ونسبة التضخم في 2% مع تحقيق نمو اقتصادي بنسبة 4,2%، وذلك بفضل التدابير المتخذة لوقف تفاقم العجز بالموازنة، وترشيد النفقات وتحسين استخلاص الموارد الضريبية. بينما تعتبر المندوبية السامية للتخطيط وهي مؤسسة دستورية، أن الدين العام بلغ 63,5% من إجمالي الناتج المحلي في عام 2013، وأنه سيصل إلى 67.5% في عام 2014، مع نسبة نمو لن تتجاوز 2,4%.

وقد طرح هذا الخلاف، مسألة حياد المؤسسات واستقلالية الأفراد المسئولين عنها، خصوصًا أنها تضع مصداقية الأرقام الرسمية على المحك أمام المؤسسات الدولية، وعلى رأسها صندوق النقد الدولي الذي أكد أنه بالرغم من الظروف الدولية غير المواتية فقد تحسّن الأداء الاقتصادي الكلي في المغرب العام الماضي، وأشار الصندوق في بيان له إلى أن المغرب استطاع الحد من مواطن ضعف المالية العامة وحساباته الخارجية، وعزز قدرة اقتصاده على الصمود أمام الصدمات الخارجية. وتشير بيانات صندوق النقد إلى أن النمو في المغرب سيبلغ 3,9%، كما سيرتفع الدين العام إلى 62,5% في 2014.

إن تشخيص نبض الاقتصاد المغربي في عهد حكومة العدالة والتنمية يظهر الحاجة الماسة إلى معالجة ملفات مهمة تعبر عن نواة الإصلاح الاقتصادي، ومنعرج بارز في مسار التنمية الاقتصادية لتحقيق الطموحات واستكمال الأهداف المتوخاة، ويكمن منطلق التحول المطلوب في منهجية التعامل مع أنظمة الدعم والتقاعد والضرائب.

2014 عام الإصلاح المؤسساتي المنتظر

تعتبر سنة 2014 العام الثالث لحكومة العدالة والتنمية، وهي سنة مصيرية في الدفع بعجلة التغيير الاقتصادي لخدمة التطلعات الاجتماعية، وهذا ما يتطلب ترتيبات متسقة وهادفة.

لقد استنزف صندوق المقاصة المخصص لدعم السلع الأساسية مقدرات الناتج الإجمالي بما يقارب 6% سنويًّا، وفاقت ميزانيته مخصصات الاستثمار، كما أثر بوقع كبير على عجز الموازنة، مع الإشارة إلى أن 80% من دعم صندوق المقاصة يذهب للمواد الطاقية.  وقد أقدمت الحكومة على محاولات لتحرير الأسعار بزيادة في ثمن المنتجات البترولية، ثم اعتمدت نظام المقايسة الذي يربط الأسعار المتداولة بحالة السوق العالمي. وبالرغم من ذلك تظل هذه الإجراءات غير كافية وتزيد من ثقل الدعم على كاهل الدولة، خصوصًا بعد تحذيرات صندوق النقد الدولي بضرورة تخفيض حصص الدعم. والقضية هنا ليست نسب الدعم في الناتج الداخلي الخام؛ فدولة كفرنسا تخصص 24%، والولايات المتحدة الأميركية 14%، لكن يجب الأخذ بعين الاعتبار المستهدفين من الدعم باستقصاء الفقراء وتفحص حاجيات الأسر المعوزة. بل تربط بعض الدول كالبرازيل بنوك الطعام، السلع والتأمينات الاجتماعية المقدمة من الدولة للفقراء بشروط إجبارية لتعليم الأبناء وتطبيبهم.

وفي مستوى آخر، تعاني صناديق التقاعد من أزمة مالية خانقة. إضافة إلى كثرة الأنظمة المتناثرة في غياب انسجام للآليات والقوانين؛ مما ينتج تداخلاً للسلطات وضياعًا للمساءلة والمحاسبة. وتدق المؤشرات الموجودة ناقوس خطر عجز هذه الصناديق بالتزاماتها الاجتماعية تجاه موظفي القطاع العام،  ومن أجل امتصاص هذا العجز تتجه الحكومة إلى الزيادة في سن التقاعد. وهذا ما يتطلب من الحكومة إشراك الفاعلين الاجتماعيين من نقابات وهيئات تمثيلية للقيام بإعادة توزيع شفافة وعادلة بين الأجيال، والرفع من نسب التعويض، وتوسيع قاعدة المساهمين المعنيين، مع ضبط مدة الإصلاح.

ويفتقر النظام الضريبي إلى منظور جديد يضع لبنات للعدالة الجبائية، بما يقوي تنافسية المقاولات ويرسخ الثقة بين المواطنين وإدارة الضرائب. فالمداخيل الضريبية تمثل 63% من موارد الدولة، معظمها ضرائب على الأجور بنسبة 73%.  وتتجه حكومة العدالة والتنمية سنة 2014 لإلغاء بعض الإعفاءات الضريبية، أهمها تلك المطبقة على القطاع الفلاحي، فهذا القطاع المنتج للثروة والمشغل لنسبة 40% من المغاربة يستولي فيه 5% من المزارعين الكبار على ثلث الأراضي الزراعية بالمغرب.

وتماشيًا مع هذه الإجراءات جاءت مقترحات المناظرة الوطنية للإصلاح الضريبي المقامة في إبريل/نيسان 2013، والتي تحث على تبسيط النظام الضريبي، ومحاربة الفساد الضريبي، وفرض الضريبة على الثروة بدل الاعتماد على كتلة الأجور كمصدر رئيسي. دون إغفال عناصر تطويرية تعمل على تشجيع الاستثمار بقطاعات معينة، وخلق المقاولات الصغرى والمتوسطة، وإدماج القطاع غير المنظم عبر تقديم محفزات ضريبية محددة. لذلك، فإن إنجاز هذه المشاريع يوفر لبنة داعمة في كيان البناء الاقتصادي، لما تفرضه خصوصيات الظرفية الصعبة عالميًّا ومحليًّا من خيارات منعطفًا حاسمًا للاقتصاد المغربي.

خاتمة

يبدو المسار صعبًا وشاقًّا أمام حكومة العدالة والتنمية، فإنجاز المشاريع المطلوبة وتأمين التوازنات المفروضة يستوجب وجود فلسفة اقتصادية ترتكز على رؤية متكاملة الأركان والاستراتيجيات والأهداف، ومتسلسلة الأوليات لتشمل البُعد الترابي والمجالي بين القرية والمدينة.

إن الانتقال من دائرة التأثر الريعية إلى دائرة التأثير الإنتاجية، يحتمل تقوية الرأسمال المؤسساتي بتعاقدات توفق المصالح المركزية واللامركزية، وتعمل على أن تلتقي السياسيات العامة والاستراتيجيات الاقتصادية، لاسيما بالاعتماد على نموذج اقتصادي ينبني على التصنيع كسبيل ومنهج للثروة. فضلاً عن إسهاماته في البحث والتطوير؛ ليقلع الاقتصاد بتنويع المجالات وربط النمو الاقتصادي بالتنمية البشرية. إضافة إلى تكثيف الروابط التجارية والعلاقات الاقتصادية بالمنطقة المتوسطية والقارة الإفريقية كأرضية خصبة للتصدير والاستثمار.

يبدو المشروع الاقتصادي المغربي مترامي الأطراف ومتعدد الجوانب. وتمتلك حكومة العدالة والتنمية خيار الاستفادة من الزمن السياسي الذي أتى بها إلى ناصية القرار التنفيذي، حاملةً لآمال طبقات اجتماعية عريضة تبحث عن إصلاح اقتصادي حقيقي.

وهو ما يستلزم مقاربة الإصلاح من خلال مستويين رئيسين:
• إصلاحات استعجالية، ويتعلق الأمر بتحصين التوازنات الاقتصادية؛ لتفادي الأزمات وحفظ معدلات البطالة والتضخم وخفض العجز التجاري وتغطية الاقتراض. إلى جانب الارتقاء بالنمو الاقتصادي وتنافسية الاستثمارات، والدفع بإجراءات اجتماعية فاعلة تلبي حاجيات المواطنين.
• إصلاحات بنيوية تشكل العمق الاستراتيجي للمرحلة الراهنة، حيث تعتبر مدارج للتغيير الهيكلي والمؤسساتي بالمغرب، وقوة دافعة لتجفيف منابع الريع ومواجهة الفساد، وتهتم بإصلاح منظومة الدعم مشخصة في صندوق المقاصة ونظام التقاعد، وكذلك الإصلاح الضريبي.
_________________________
يونس بلفلاح - باحث مغربي في الاقتصاد السياسي

ABOUT THE AUTHOR