مستقبل العلاقات بين مصر وجنوب إفريقيا

من المتوقع أن تعترف جنوب إفريقيا بالرئيس المصري الجديد "السيسي" وبالتالي ستؤيد رفع تجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي بعد الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية على أقصى تقدير. وتعطي زيارة وزير الأمن الجنوب الإفريقي للقاهرة الماضية إشارات ضمنية في هذا الاتجاه.
2014511111548658734_20.jpg
(الجزيرة)

ملخص
لا تشكّل جنوب إفريقيا تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، خاصة إذا ما عرفنا أن الدائرة النيلية والبحر الأحمر هي التي يمكن أن تشكًل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري في إفريقيا، وهذه الدائرة لا تتمتع فيها جنوب إفريقيا بنفوذ يُذكر، خاصة وأنها ليست عضوًا في تجمع الكوميسا الذي يضم دول حوض النيل العشر بما فيها مصر؛ ومن ثم فإن المجال الحيوي لجنوب إفريقيا والمتمثل في الجنوب تحديدًا ثم الشرق، بعيد إلى درجة كبيرة عن المجال الحيوي لمصر الذي يركز بالأساس على دول حوض النيل، خاصة السودان وإثيوبيا، فكينيا، ثم باقي دول الحوض بدرجات متفاوتة.

هناك منطقة تماس مشتركة بين الجانبين، والمتمثلة في التداخل الجغرافي بين السادك والكوميسا خاصة في ظل وجود ازدواجية في العضوية لعشر دول، لكن هذه الازدواجية يصعب القول بأنها تشكّل تهديدًا للأمن القومي المصري، لأن جنوب إفريقيا مهتمة في المقام الأول بالدول الجنوبية الأعضاء في السادك، فضلاً عن دول الساكو، في حين أن مصر كانت تركز على دول حوض النيل بالأساس. ومن هنا فالعلاقة بين البلدين تنافسية أكثر منها تهديدية للأمن القومي.

تشهد العلاقات المصرية-جنوب الإفريقية حالة من الشد والجذب منذ انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 والذي أطاح بالرئيس المنتخب محمد مرسي؛ حيث رفضت جنوب إفريقيا الاعتراف بالانقلاب، كما أيدت قرار مجلس السلم والأمن بتجميد عضوية مصر في الاتحاد الإفريقي للمرة الأولى في تاريخها تطبيقًا لاتفاق لومي الذي يرفض الاعتراف بالأنظمة التي تصل إلى الحكم بطريقة غير دستورية، بل يتردد أن رئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي، نكوسازانا زوما -وهي مطلقة رئيس جنوب إفريقيا جاكوب زوما- تلعب دورًا فاعلاً في استمرار هذا التجميد من خلال إطالة أمد عمل لجنة الحكماء التي يرأسها رئيس مالي السابق ألفا عمر كوناري بخصوص تقييم الوضع في مصر بعد الانقلاب.

ومن هنا، قد يكون من المفيد تناول هذه العلاقات بشيء من التفصيل، من حيث: محدداتها، مجالاتها، تقييمها، مستقبلها، مدى تهديدها للأمن القومي المصري.

أولاً: محددات العلاقة الخارجية الإفريقية لكلا البلدين

تعد كل من مصر وجنوب إفريقيا -بصفة عامة- من الدول الفاعلة ليس على المستوى الإقليمي الفرعي فحسب (الشمال الشرقي بالنسبة لمصر، والجنوب بالنسبة لجنوب إفريقيا)، وإنما على المستوى القاري أيضًا، نظرًا لما تتمتعان به من مقومات داخلية متنوعة من ناحية، ورغبة في القيام بدور فاعل من ناحية ثانية، فضلاً عن امتلاكهما لآليات تنفيذ هذا الدور من ناحية ثالثة؛ إذ لا يُكتفى في مجال السياسة الخارجية بوجود المقومات الداخلية فحسب، أو وجود رغبة لدى النظام السياسي فقط، وإنما لابد من تكامل العناصر الثلاثة معًا (المقومات، الرغبة السياسية التي ترتبط بالقيادة السياسية، الآليات) إذا كانت هذه الدولة أو تلك راغبة في لعب دور فعال على المستوى الإقليمي أو القاري، أو حتى الثنائي.

وإن كان الذي يميز كل طرف عن الآخر، ليس المقومات والإمكانات، بل الإرادة والرؤية السياسية في كلتيهما خاصة في جانب جنوب إفريقيا، ومصر في مرحلة الدكتور محمد مرسي.

وسوف نحاول تبيان المحددات الخاصة بتحديد السياسة الخارجية الإفريقية لكل طرف على مختلف الأصعدة: الثنائية، الإقليمية، الدولية.

1- "محددات " السياسة الخارجية الإفريقية لجنوب إفريقيا
تتمتع جنوب إفريقيا بمجموعة من المقومات التي تمكّنها من لعب دور فاعل في سياستها الخارجية على مختلف الأصعدة: (الإقليمية، الفرعية، الثنائية) على النحو التالي:

أ‌- المحددات الجيوستراتيجية
تتمتع جنوب إفريقيا بموقع جيوستراتيجي مهم جنوب القارة، في ظل مساحة كبيرة نسبية تزيد عن 1.2 مليون كم مربع، جعلتها تتمتع بسواحل مهمة على كل من المحيطين: الهندي والأطلنطي، وهي ميزة تكاد تكون قاصرة عليها فقط، ومن ثم فهي محطة مهمة في طرق التجارة بين هذين المحيطين، فضلاً عن تمتعها بميزة أخرى وهي إحاطتها بدولة ليسوتو، وكذلك سوازيلاند إلى حد كبير، ومعنى هذا توفر مقومات الهيمنة على هاتين الدولتين الحبيستين من ناحية، فضلاً عن وجود ميزة إضافية لسواحلها فيما يتعلق بعملية التجارة الخارجية الخاصة بها، أو بالتجارة الإقليمية من ناحية أخرى خاصة تلك المرتبطة بهذه الدول الحبيسة، ولعل هذا ما دفع هذه الدول إلى الانضمام إلى الاتحاد الجمركي جنوب الإفريقي المعروف باسم الساكو، والذي يعد أقدم اتحاد جمركي عرفه العالم، ويضم خمس دول، هي: جنوب إفريقيا، سوازيلاند، بتسوانا، ناميبيا، ليسوتو، ومقره في جنوب إفريقيا،(1) وتعد جنوب إفريقيا القوة المهيمنة عليه.

ب‌- المحددات الاقتصادية
تمتلك جنوب إفريقيا مجموعة من المقومات الاقتصادية، تجعلها قادرة على لعب دور إقليمي قوي كقوة إقليمية قائدة، هذه المقومات يمكن الحديث عنها من خلال مجموعة من المؤشرات لعل أبرزها ما يلي:

  1. تعد جنوب إفريقيا أقوى قوة اقتصادية ليس على مستوى السادك أو الجنوب الإفريقي فحسب، وإنما على مستوى القارة ككل، فهي تملك أقوى اقتصاد في القارة؛ حيث تنتج 44% من الناتج الإجمالي لإفريقيا جنوب الصحراء، وتسهم بنحو 42% من صادرات دول إفريقيا جنوب الصحراء.(2)
  2. أن الناتج المحلي الإجمالي لها أقوى من نظيره في الدول المنافسة لها في الأقاليم المختلفة على مستوى القارة ككل؛ حيث بلغ حجم ناتجها الإجمالي 397.5 بليون دولار عام 2005، في حين بلغ هذا الناتج في مصر 333.2 بليون دولار، وفي نيجيريا 214.8 بليون دولار، أما في كينيا فقد بلغ 49 بليون دولار، وفي إثيوبيا 43.7 بليون دولار.(3)
  3. تزداد قوة هذا الاقتصاد عند مقارنة حجم هذا الناتج بعدد السكان، ومن ثم معرفة نصيب الفرد من هذا الناتج من ناحية، ومستوى دخل الفرد، ونصيبه من الإنفاق الحكومي بصفة عامة؛ فعدد السكان في جنوب إفريقيا وفق تقديرات البنك الدولي لعام 2003 بلغ 45.8 مليون نسمة فقط، في حين أن عدد سكان مصر تجاوز السبعين مليون نسمة، وفي نيجيريا -التي تعد أكبر دول القارة من حيث عدد السكان- بلغ العدد 136 مليون نسمة، مقابل 68.6 في إثيوبيا. ولعل هذا يفسر أسباب الميزة النسبية التي يتمتع بها المواطن جنوب الإفريقي، والذي بلغ معدل دخله السنوي 10.600 دولار عام 2007. (4) وهو أعلى بكثير من نظرائه في الدول المنافسة، وهو ما يتضح أيضًا من خلال نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي؛ حيث بلغ 8.4 آلاف دولار للفرد عام 2005، مقابل 4.5 آلاف دولار في مصر، 1.5 ألف دولار في نيجيريا، وخمسمائة وثمانين دولارًا في إثيوبيا.(5)
  4. امتلاكها ثروات طبيعية هائلة؛ فهي المنتج الأول للبلوتونيوم، والذهب، والكروم على مستوى العالم، بالإضافة إلى الحديد، والنحاس. وهي لا تعتمد فقط على تصدير هذه المواد في صورة خام، وإنما يتم استخدامها في الصناعات التحويلية، وهو ما يجعلها قوة صناعية كبرى في القارة ككل؛ حيث تساهم الصناعة بنسبة 27 % من الناتج المحلي، في حين تشكّل الخدمات المساهمة الأكبر (70.9%)، أما الزراعة فلا تسهم إلا بـ2.2% فقط على عكس الحال الموجودة في معظم الدول الإفريقية، ومن أبرز الصناعات بها الصناعات التعدينية، وتجميع السيارات، والآلات الصناعية، والمنسوجات. وهي صناعات تفتقر إليها معظم دول الجوار.(6)
  5. وجود احتياطي ضخم من العملات الأجنبية؛ حيث  تحتل المرتبة الـ17عالميًا في هذا الشأن.

ومعنى هذا أن هذه الوفرة الإنتاجية، وهذه النهضة الصناعية تتطلب البحث عن مزيد من الأسواق من ناحية، فضلاً عن إمكانية دعم الدول المحيطة من ناحية ثانية، وتسخير هذه الإمكانيات للعب دور فعال من ناحية ثالثة، خاصة من خلال التجمعات الإقليمية.

ت‌- المحددات العسكرية
تحتل جنوب إفريقيا المرتبة الأولى في إفريقيا من حيث القدرات العسكرية، فضلاً عن كونها أيضًا أكبر دولة إفريقية في مجال إنتاج وتصدير صناعات الدفاع والسلاح المتطور. ووفقًا لتقديرات عام 2003، فإن جنوب إفريقيا تحتل المرتبة الأولى بين دول السادك في الإنفاق العسكري (1.8 مليارات دولار)، وكذلك حجم القوات المسلحة (55.7 آلاف فرد)، وهي الثانية في إفريقيا بعد مصر من حيث ميزانية الدفاع (2.5 مليار دولار)، ويليها في الإقليم تنزانيا وزيمبابوي، وإن كان بفارق كبير.(7) ولقد ساعدها ذلك على لعب دور إقليمي مهم ونشط في مجال تسوية الصراعات، وكذلك في مجال حفظ السلام، وفرضه عند اللزوم كما حدث في أزمة ليسوتو عام 1998.

ث‌- المحددات السياسية
وهي تلك المحددات المرتبطة بالقيادة السياسية من ناحية، وبالنظام السياسي من ناحية ثانية؛ فالنظام في جنوب إفريقيا منذ عام 1994، يعد واحدًا من أكثر النظم السياسية الديمقراطية في إفريقيا، خاصة في ظل دستور يحظى بشبه إجماع وطني من كل القوى السياسية، ويحفظ لها الحقوق والواجبات، وقد ترسخت هذه القيم الديمقراطية مع إجراء انتخابات حرة ونزيهة عام 1999 بعدما تنازل المناضل الكبير الراحل نيلسون مانديلا عن الحكم طواعية. ومن ثم فإن جنوب إفريقيا تحاول تقديم نفسها كنموذج يُحتذى به فيما يتعلق بعملية الاندماج الوطني، والتداول السلمي للسلطة، وهي المشكلة التي تعاني منها معظم الدول الإفريقية جنوب الصحراء، ولعل هذا يفسر أسباب تدخل جنوب إفريقيا في عملية الوساطة في الكثير من الأزمات كما حدث في أزمتي كينيا وزيمبابوي 2007، 2008، ومن قبلهما الأزمة السودانية.

أما فيما يتعلق بالقيادة السياسية، فمنذ وصول الرئيس مبيكي للحكم عام 1999، كان على قناعة بأهمية دعم التكامل الإقليمي من ناحية، وإصلاح منظمة الوحدة الإفريقية في حينها من ناحية ثانية، على اعتبار أن هذا هو السبيل لتحقيق أهداف سياسة بلاده الخارجية؛ حيث قدم مبيكي فكرة النهضة الإفريقيةAfrican Renaissance  لكي تشكّل الإطار الفكري لهذا الطرح الجديد، وهي الفكرة التي تقوم على أهمية تعزيز السلام والديمقراطية والتنمية المستدامة والحكم الجيد في القارة، وهو ما يتطلب ضرورة إصلاح منظمة الوحدة الإفريقية ليصبح هدف تحقيق النهضة في قلب الأهداف التي تسعى المنظمة لتحقيقها.(8) ولعل هذا يفسر أسباب تأييد جنوب إفريقيا للجهود الليبية فيما يتعلق بتأسيس الاتحاد الإفريقي، فضلاً عن دعمها مبادرة الشراكة من أجل التنمية في إفريقيا "نيباد" حيث كانت واحدة من الدول الخمسة المؤسسة لها.

وقد انعكست هذه المحددات على سياسة جنوب إفريقيا على الصعيدين: الإقليمي والقاري؛ حيث كان التركيز الأساسي لها على مستوى دول الجنوب، خاصة في إطار السادك والساكو، ونفس الأمر تقريبًا بالنسبة للعلاقات الثنائية.

2- محددات السياسة الخارجية المصرية الإفريقية
هناك مجموعة من المحددات توجب على مصر ضرورة لعب دور فاعل في سياستها الخارجية صوب إفريقيا، أبرزها ما يلي:

  • المحددات الأمنية: حيث إن إفريقيا تعتبر البوابة الجنوبية للأمن المصري، خاصة السودان، ولعل هذا يفسر أسباب الاهتمام المصري بالسودان عبر التاريخ، لأن استقرار السودان معناه استقرار الحدود الجنوبية لمصر، ومن ثم نجد محاولات الاهتمام المصري بتسوية أزمات السودان المختلفة سواء في الجنوب أو في الغرب حيث دارفور، ومشاركة مصر في قوات حفظ السلام الدولية والإفريقية في هذين الإقليمين.
  • المحددات السياسية: وتتمثل في الثقل النسبي الذي تلعبه إفريقيا في المحافل الدولية بالنظر إلى حجم دولها (54 دولة)، أي أكثر من الربع تقريبًا، ولقد لعبت هذه الدول دورًا مهمًا في دعم مصر إبّان حرب 1973؛ حيث قامت غالبيتها بقطع العلاقات مع إسرائيل.
  • المحددات المائية: خاصة أن النيل يعد شريان الحياة في مصر، بالنظر إلى ضعف مصادر المياه الأخرى (الأمطار، المياه الجوفية)؛ ومن ثم فإن النيل يشكّل قضية أمن قومي لمصر التي تتحصل على 55.5 مليار متر مكعب من مياهه سنويًا بموجب اتفاقيتي 1929، 1959. 85% من هذه المياه يأتي من هضبة الحبشة حيث إثيوبيا، و15% من الهضبة الاستوائية حيث منطقة البحيرات العظمى والتي تضم ست دول، هي: كينيا، تنزانيا، أوغندا، الكونغو الديمقراطية، رواندا، بوروندى. ومن ثم فإن مصر لا تقبل بأي تفريط في حصتها من هذه المياه.
  • المحددات الاقتصادية: حيث تشكّل إفريقيا سوقًا واعدة للمنتجات المصرية، خاصة وأن حجم سكان القارة يصل إلى أكثر من مليار نسمة، وتمتاز المنتجات المصرية بالجودة من ناحية، ورخص الأسعار نسبيًا من ناحية ثانية، كما أن رغبة الحكومة في تحسين الأوضاع الاقتصادية للشعب المصري تتطلب ضرورة زيادة الاستثمارات في إفريقيا، وكذلك زيادة حجم التبادل التجاري، خاصة وأنه لا يزيد عن 1% فقط من حجم التبادل التجاري المصري مع دول العالم، ولعل هذا يفسر أسباب انضمام مصر لتجمع الكوميسا عام 1998، ومن بعده تجمع الساحل والصحراء.
  • المحددات الثقافية: والتي ترجع إلى دور مصر الأزهر في نشر الثقافة العربية والحضارة الإسلامية في ربوع القارة؛ حيث يتم إرسال الدعاة، واستقبال المبعوثين للدراسة في مصر، ويشكّل الطلبة الأفارقة أكثر من نصف المبعوثين في الأزهر. كما أن الكنيسة القبطية تلعب دورًا مهمًا في هذا الشأن خاصة في شرق إفريقيا (إثيوبيا تحديدًا)، والروابط التاريخية بينها وبين الكنيسة القبطية في الإسكندرية عميقة.

ولقد دفعت هذه المحددات مصر إلى التركيز على الدائرة النيلية التي تضم دول حوض النيل، والإقليم الشمالي والشرقي للقارة، ونفس الأمر على الصعيد الثنائي أيضًا. وبالتالي صرنا أمام دائرتين منفصلتين تقريبًا بين مصر وجنوب إفريقيا (دائرة الشمال والشرق بالنسبة لمصر، ودائرة الجنوب والوسط بالنسبة لجنوب إفريقيا)، وإن كان هذا لم يمنع من وجود مجالات للتعاون وأخرى للتنافس.

ثانيًا: مجالات العلاقات الثنائية بين الجانبين

بالرغم من عدم وجود مناطق تماس مباشرة بين الدولتين بالنسبة لدوائر السياسة الخارجية تجاه القارة، إلا أن هذا لم يمنع من وجود مجالات مختلفة للتعاون، وإن تأثرت بغياب هذا التماس الجغرافي، وما يرتبط به من تكلفة نقل عالية من ناحية، كما ارتبطت برؤية القيادة السياسية، وموقفها من الطرف الآخر من ناحية ثانية.

1مجالات العلاقات على الصعيد الدبلوماسي والسياسي
مرت هذه العلاقة بمرحلتين أساسيتين:

  • الأولى: إبان الحكم العنصري. 
  • الثاني: منذ التحول الديمقراطي عام  1994 وحتى الآن.

بالنسبة للمرحلة الأولى
تميزت هذه المرحلة بدعم مصري -شأنها شأن معظم الدول الإفريقية- لقضايا السود في مواجهة التمييز العنصري؛ حيث قامت أواخر الخمسينات بقطع علاقاتها الدبلوماسية مع نظام الفصل العنصري، وهي العلاقات التي أقرتها الحكومة المصرية عام 1949. وفي أوائل الستينات استقبلت القاهرة وفدًا من ممثلي سبع حركات تحرير شعبية من جنوب إفريقيا لدعمهم في مناهضة ممارسات التمييز العنصري لحكومة الأقلية البيضاء ضد غالبية الشعب الأسود،(9) وكانت تلك الزيارة بداية لدعم الحكومة المصرية لحركات تحرر جنوب إفريقيا حيث احتضنت مصر المطالب المشروعة للأغلبية السوداء في قيام دولة ديمقراطية في جنوب إفريقيا.

بالنسبة للمرحلة الثانية
فقد تميزت بشيء من الفتور، والتنافس الدبلوماسي والسياسي بين الجانبين، ومن الواضح أن القيادة السياسية لاسيما في مصر قد لعبت دورًا مهمًا في تحديد نمط العلاقة بين الجانبين، ناهيك عن نمط المصالح بينهما؛ وهو ما يفسر أسباب حدوث فتور في العلاقة منذ عملية التحول الديمقراطي في جنوب إفريقيا عام 1994، وتولي رجل أسود رئاسة البلاد للمرة الأولى، وهو الراحل نيلسون مانديلا؛ حيث لم يقم مبارك -آنذاك- بالمشاركة في حفل تنصيب مانديلا بالرغم من أنه كان رئيس منظمة الوحدة الإفريقية في وقتها، لكنه اكتفى بإرسال وزير خارجيته عمرو موسى للمشاركة فيه. كما لم يقم مبارك بزيارة جنوب إفريقيا إلا عام 2008، أي بعد 14 عامًا من عملية التحول الديمقراطي في البلاد، بالرغم من أن مانديلا زار مصر عام 1997؛ وهو ما قد يفسر أسباب عدم تأييد بريتوريا لمبارك.(10)

تحسنت الأوضاع بعض الشيء مع مجيء الدكتور محمد مرسي للحكم يوليو/تموز 2012، والذي ركّز أكثر على نقاط التفاهم المشترك بين الجانبين، وتحويل نمط العلاقات من علاقات تنافسية/صراعية، إلى علاقات تنافسية فقط؛ لذا كان مرسي حريصًا على زيارة جنوب إفريقيا في مارس/آذار 2013 باعتبارها إحدى الدول المحاور في القارة، فضلاً عن كونها عضوًا في مجموعة البريكس للدول صاحبة النمو الاقتصادي الأسرع، معربًا عن رغبة القاهرة في التعاون بينها وبين دول المجموعة، كما حرص مرسي على لقاء الرئيس زوما على هامش القمة الإفريقية التي استضافتها أديس أبابا في 26 مايو/أيار 2013 فيما وُصف بأنه قمة قطبي القارة؛ حيث أشاد مرسي بالتجربة الديمقراطية لجنوب إفريقيا، كما اتفقا على أن يقوم زوما بزيارة القاهرة،(11) لكن الانقلاب حال دون ذلك.

2- العلاقة على الصعيد الاقتصادي والتجاري
يلاحظ أن هذه العلاقات تقوم على الجمع بين التعاون والتنافس في آن واحد؛ حيث يتبادل مسؤولو البلدين الزيارات لبحث إمكانيات التعاون الاقتصادي بينهما خاصة في مجال السياحة، والتعاون الاقتصادي. وتلعب اللجان المشتركة دورًا مهمًا في توطيد هذه العلاقات خاصة بعدما شهدت الفترة من 1997-2001 تراجعًا كبيرًا في حجم التبادل التجاري بينهما، فبعدما كان حجم هذه المبادلات 55 مليون دولار عام 1997 (40 مليون صادرات مصرية مقابل واردات بـ15 مليون دولار)، تراجع بصورة كبيرة عام 2001؛ حيث أصبح 23 مليون دولار فقط (4.7 صادرات مقابل 18.7 واردات)؛(12) وهو ما أكسب الدورة الثالثة للجنة المشتركة بين البلدين (يوليو/تموز 2003) أهمية خاصة؛ حيث تم الاتفاق على التعاون بين حكومة جنوب إفريقيا والخارجية المصرية، وكذلك التعاون في مجالات الصحة والأدوية، والتعاون الثقافي والسياحي.

جدول يبين حجم الصادرات والواردات بين البلدين في الفترة من 2005-2009. (13)
(القيمة بالمليون دولار)

الأعوام

2005

2006

2007

2008

2009

صادرات مصرية

27.3

94.8

29.7

135.5

31

واردات مصرية

39.2

34.9

66.35

133.54

161

حجم تجارة

66.9

129.6

96.4

369

192

الميزان التجاري

ـ11.4

59.9

ـ36.98

+2.09

ـ130

ويلاحظ من الجدول بصفة عامة أمران:

  • الأول: ضآلة حجم التبادل التجاري بين البلدين، والذي لم يزد عن 370 مليون دولار.
  • الثاني: أن الميزان التجاري يميل بصفة عامة لصالح جنوب إفريقيا باستثناء عامي 2006، 2008.

وبالرغم من مؤشرات التعاون السابقة، كانت هناك مجموعة من المؤشرات التنافسية، لعل أبرزها ما يلي:

  1. السعي لاستضافة نهائيات كأس العالم 2010، والتي كانت من نصيب جنوب إفريقيا التي يبدو أنها وظّفت دورها الإقليمي في القارة في الحصول على التأييد الدولي في مقابل مصر التي لم تحصل على أي صوت داخل لجنة الفيفا في الفضيحة المشهورة بصفر المونديال في حينها.
  2. التنافس حول استضافة برلمان عموم إفريقيا، والذي كان من نصيب جنوب إفريقيا أيضًا.
  3. السعي للحصول على مقعد دائم في مجلس الأمن عن إفريقيا حال قيام الأمم المتحدة بعملية إصلاح مؤسساتها.
  4. القيام بدور فاعل على مستوى القارة الإفريقية ودول العالم الثالث بصفة عامة؛ فقد أثار قيام منتدى الحوار قبل عدة سنوات والذي جمع بين كل من: جنوب إفريقيا، والبرازيل، والهند، بهدف دعم أواصر التفاهم والحوار، وتبادل الدعم على الصعيد الدولي- أثار مخاوف الدول الإفريقية الكبرى المنافسة لجنوب إفريقيا، ومنها: نيجيريا ومصر، وفي هذا الصدد عبّرت سفيرة مصر في جنوب إفريقيا في حينها عن رفضها لأن تُعبّر دول المنتدى الثلاث عن مصالح ومطالب دول العالم الثالث، وتسعى لقيادتها دونما تفويض من تلك البلدان، معتبرة في الوقت ذاته أن هذه الدول الثلاث لا تمثل بأية حال الدول النامية في العالم.(14)
  5. عدم اعتراف جنوب إفريقيا بالانقلاب الحادث في مصر في 30 يونيو/حزيران 2013، وتأييد تجميد عضوية مصر للمرة الأولى في الاتحاد الإفريقي؛ فقد صدر بيان عن حكومة جنوب إفريقيا اعتبر ما حدث في 3 يوليو/حزيران (عزل الرئيس محمد مرسي) تغييرًا غير دستوري للحكومة، ووصف البيان مرسي بأنه "الرئيس الشرعي" لمصر، وأن تظاهرات أنصاره "مشروعة".
  6. رفضت جنوب إفريقيا استقبال وفد مصري للمشاركة في تأبين نيلسون مانديلا في ديسمبر/كانون الأول الماضي، وبالرغم من أن الخارجية المصرية نفت ذلك، وأعلنت أنها أرسلت وفدًا برئاسة محمد فائق رئيس المجلس المصري لحقوق الإنسان، إلا أن مستوى التمثيل هذا إما ينم عن وجود مشكلة حقيقية بين الجانبين، أو أن هناك سوء تقدير من مصر تجاه جنوب إفريقيا، لأنه لو لم تكن هناك مشكلة كان ينبغي أن يقوم الرئيس المؤقت عدلي منصور بهذه الزيارة، أو ينيب عنه رئيس الحكومة أو وزير الخارجية، وليس رئيس المجلس الحقوقي لحقوق الإنسان، حتى وإن تم تبرير ذلك بأن محمد فائق كان مسؤول ملف التواصل مع حركات التحرر الوطني خلال حكم عبد الناصر!

ثالثًا: تقييم العلاقة

إذا حاولنا تقييم العلاقة على المستويين: السياسي، والاقتصادي فسنجد الأمر كالتالي:

1- على المستوى السياسي والدبلوماسي
من الواضح أنه لم يكن هناك اتجاه واحد لهذه العلاقات، وإنما كان هناك ضعف بصفة عامة في هذه العلاقات على المستوى السياسي، لاسيما بعد تولي مانديلا الحكم وانتهاء العنصرية في البلاد عام 1994.

فقبل ذلك التاريخ كان الموقف المصري جيدًا في دعم السود من أجل التحرر من الحكم العنصري، لكن تبدل الأمر بعد ذلك لاسيما في ظل انشغال مبارك بقضية التوريث، وعدم الاهتمام بالدائرة الخارجية. وقد حاول مرسي تحسين هذه العلاقات، لكن الانقلاب لم يمهله الفرصة.

2- على المستوى الاقتصادي
بالنسبة للمستوى الاقتصادي فلا تزال العلاقات دون المستوى المطلوب بالرغم من الإمكانات الهائلة للبلدين، ولحجم الاقتصاد جنوب الإفريقي الذي يتجاوز ناتجه المحلي 400 مليار دولار وواردات تبلغ نحو200 مليار دولار, وحصة مصر منها لا تتعدي نسبة واحد في الألف من هذه الأرقام، بحسب أبو العلا أبو النجا الذي تم ترشيحه لرئاسة الجانب المصري في مجلس الأعمال المشترك بين البلدين، وهو ما أكد عليه أيضًا محمد فريد خميس رئيس الاتحاد المصري للمستثمرين؛ حيث أشار إلى "أن العلاقات التجارية والاستثمارية بين مصر وجنوب إفريقيا, تعاني ضعفًا شديدًا, ولا ترقى لمكانة وأهمية البلدين, باعتبارهما من أكبر دول القارة الإفريقية اقتصاديًا".(15) هذا الضعف الاقتصادي في العلاقات قد يرجع إلى مشكلة النقل وعدم التغلب عليها حتى هذه اللحظة، أو المشكلات السياسية والتي تنعكس بدورها على المشكلات الاقتصادية.

رابعًا: مستقبل العلاقة

بعد هذا العرض يبقى تساؤل مهم هو: هل جنوب إفريقيا تشكّل تهديدًا مباشرًا أو غير مباشر للأمن القومي المصري؟ وما هو مستقبل واتجاه العلاقة بين البلدين "تنافسية أم صراعية؟".

في هذا السياق نلاحظ عدة أمور:

  1. أن جنوب إفريقيا لا تشكّل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، خاصة إذا ما عرفنا أن الدائرة النيلية والبحر الأحمر هي التي يمكن أن تشكًل تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري في إفريقيا، وهذه الدائرة لا تتمتع فيها جنوب إفريقيا بنفوذ يُذكر، خاصة وأنها ليست عضوًا في تجمع الكوميسا الذي يضم دول حوض النيل العشر بما فيها مصر؛ ومن ثم فإن المجال الحيوي لجنوب إفريقيا والمتمثل في الجنوب تحديدًا ثم الشرق، بعيد إلى درجة كبيرة عن المجال الحيوي لمصر الذي يركز بالأساس على دول حوض النيل، خاصة السودان وإثيوبيا، فكينيا، ثم باقي دول الحوض بدرجات متفاوتة. صحيح أن هناك منطقة تماس مشتركة بين الجانبين، والمتمثلة في التداخل الجغرافي بين السادك والكوميسا خاصة في ظل وجود ازدواجية في العضوية لعشر دول، لكن هذه الازدواجية يصعب القول بأنها تشكّل تهديدًا للأمن القومي المصري، لأن جنوب إفريقيا مهتمة في المقام الأول بالدول الجنوبية الأعضاء في السادك، فضلاً عن دول الساكو، في حين أن مصر كانت تركز على دول حوض النيل بالأساس؛ ومن ثم فإنه من غير المتوقع حال سعي كل دولة لمد نفوذها الخارجي حدوث صدام يهدد الأمن القومي للطرف الأخر، خاصة إذا عرفنا أن مصر لا تزال تخطو خطواتها الأولى في طريق التغلغل الإفريقي من خلال الكوميسا (بلغ حجم تجارتها الخارجية معها 772 مليون دولار فقط عام 2006).(16) وفي المقابل، فإن جنوب إفريقيا تركز على توطيد العلاقة بين السادك والساكو، ومن هنا فإنه من المتوقع أن تشهد العلاقات -في أسوأ  تقدير- نوعًا من التنافس الاقتصادي حال تطبيق منطقة التجارة الحرة بين السادك والكوميسا.
  2. إذا انتقلنا إلى المستوى القاري، فإن العلاقة تنافسية أكثر منها تهديدية للأمن القومي، خاصة إذا علمنا أن عملية إصلاح الأمم المتحدة وتوسيع مجلس الأمن قد تستغرق وقتًا طويلاً، فضلاً عن إمكانية تخصيص مقعدين قد تقلل من حدة الصراع، بل قد تؤدي إلى حدوث تنسيق بينهما على حساب طرف ثالث مثل نيجيريا.(17) ولعل هذا ما استهدفته زيارة مبارك لجنوب إفريقيا 2008؛ حيث كان التأكيد المصري -كما عبّر عنه وزير الخارجية أحمد أبو الغيط- على مبدأ التعاون لا التنافس، وهو ما انعكس في بيان إعلان النوايا الذي تم توقيعه أثناء الزيارة.(18) وهو ما تكرر مع مرسي بعد ذلك.
  3. أن نمط العلاقة يرتبط بصورة كبيرة برؤية القيادة السياسية في كلا البلدين، وربما يرجع موقف جنوب إفريقيا من الانقلاب في أحد أبعاده إلى عدم الارتياح لنظام مبارك، فضلاً عن استغلال الحدث للطعن في مكانة مصر الإفريقية لصالحها. وإن كان من المتوقع أن تعترف جنوب إفريقيا بالرئيس المصري الجديد "السيسي"، وكذلك تأييدها قرار الاتحاد الإفريقي المتوقع برفع تجميد عضوية مصر بعد الانتخابات الرئاسية أو البرلمانية على أقصى تقدير. وربما تعطي زيارة وزير الأمن جنوب الإفريقي للقاهرة في فبراير/شباط الماضي ولقاؤه الرئيس المؤقت عدلي منصور، إشارات ضمنية في هذا الاتجاه.

__________________________________
د. بدر حسن شافعي - خبير الشؤون الإفريقية-جامعة القاهرة.

الإحالات
1- د. محمد عاشور، د. أحمد علي سالم (محرران)، دليل المنظمات الإفريقية الدولية (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية، 2006) ص85.
2 – أيمن شبانة، الدولة القائد ودورها في التكامل الإقليمي في ضوء تجربتي: السادك والإيجاد" في د. محمد عاشور، أحمد علي سالم (محرران)، التكامل الإقليمي في إفريقيا.. رؤى وآفاق (القاهرة: معهد البحوث والدراسات الإفريقية ومشروع دعم التكامل الإفريقي، إبريل/نيسان 2005) ص 87.
3- 2008 development indicator.
4- C I A –the world fact book-south Africa 2008,
in www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/print/sf.html
5- 2008 development indicator. 
6- C I A –the world fact book-south Africa 2008.
7– أيمن شبانة، مرجع سابق، ص87.
8– رانيا حسين، "المتغيرات الدولية والإقليمية وآثارها على مساعي التكامل الإقليمي"، في د. محمد عاشور، أحمد علي سالم (محرران)، التكامل الإقليمي، م.س.ذ، ص64-65.
9– ملف مصر وجنوب إفريقيا، الهيئة العامة للاستعلامات "مصر"، على الرابط التالي:
http://www.sis.gov.eg/Ar/Templates/Articles/tmpArticles.aspx?CatID=1136#.U0bp_PmSwpU
10– العلاقات جنوب الإفريقية-المصرية، موقع المعرفة على الرابط التالي:
http://www.marefa.org/index.php/%D8%A7%D9%84%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%82%D8%A7%D8%AA_%D8%A7%D9%84%D8%AC%D9%86%D9%88%D8%A8_%D8%A3%D9%81%D8%B1%D9%8A%D9%82%D9%8A%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9
11– ملف مصر وجنوب إفريقيا، الهيئة العامة للاستعلامات "مصر"، مرجع سابق.
12– لمزيد من التفاصيل، انظر: استراتيجية التحرك التجاري المصري في القارة الإفريقية (القاهرة: وزارة التجارة الخارجية، مارس/آذار 2003) ص13.
13– ملف مصر وجنوب إفريقيا، مرجع سابق.
14– حول المؤشرات السابقة، انظر: د. محمد عاشور، الدور الإقليمي لجنوب إفريقيا، م.س.ذ، ص100-101.
15– حول هذه التصريحات، انظر: رأفت سليمان، تأسيس مجلس الأعمال المصري-جنوب الإفريقي خلال أيام، جريدة الأهرام المصرية:
16- http://www.comesa.int/countries/
17– بدر حسن شافعي، الدور الإقليمي لجنوب إفريقيا، التقرير الاستراتيجي العربي 2007-2008 (القاهرة: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام).
18– بدر حسن شافعي، مصر وإفريقيا: استراتيجية دائمة أم مؤقتة؟ الجزيرة نت، 14 أغسطس/آب 2008
http://www.aljazeera.net/NR/exeres/907FF120-6CAC-4425-A41B-CE3930B32DE0.htm

ABOUT THE AUTHOR