الجزائر: تحضير ما بعد بوتفليقة

أولوية النظام الجزائري حاليا تحضير مرحلة ما بعد بوتفليقة، فأتت الإصلاحات الموعود بها كتعبير عن توافق داخل النظام القائم على ذلك.
25 April 2011
1_1054949_1_34.jpg






الأوربية


مركز الجزيرة للدراسات


أطلقت السلطة الجزائرية مبادرة سياسية جديدة تريد من خلالها أن تضرب ثلاثة عصافير بحجر واحد، لتتجاوز الضغوط التي تواجهها البلاد على ثلاث جبهات مختلفة.

فقد أعلن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يوم 16 أبريل/نيسان أنه سيطلب من البرلمان القيام بإصلاحات سياسية تضمن مراجعة قانون الانتخابات بما يعزز الممارسة الديمقراطية. وتعديل دستور البلاد "من أجل تعزيز الديمقراطية النيابية". وستشارك في صياغة ذلك التعديل لجنة دستورية تشارك فيها التيارات السياسية الفاعلة. وستشمل التغييرات كذلك مراجعة قانوني الانتخابات والأحزاب، وتطوير الحقوق السياسية للمرأة وحقوق الإنسان وحرية الإعلام "بما يعزز المسار الديمقراطي".





بعض المراقبين يعتقدون بأن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة لا تهدف إلى تغيير الوضع القائم في الجزائر، بل تهدف إلى الحفاظ عليه، مع مراعاة التوازنات الكبرى داخل السلطة

وتهدف هذه الإجراءات في السياق الحالي إلى مواجهة غليان الشارع الجزائري المطالب بالتغيير، إضافة إلى التجاوب مع موجة الثورات التي تجتاح العالم العربي، والاستجابة للضغوط التي تمارسها الدول الكبرى لدفع الجزائر إلى الشروع في إصلاحات سياسية.

لكن بعض المراقبين يعتقدون بأن الإصلاحات التي أعلن عنها الرئيس بوتفليقة لا تهدف إلى تغيير الوضع القائم في الجزائر، بل تهدف إلى الحفاظ عليه، مع مراعاة التوازنات الكبرى داخل السلطة. ويقولون أن هموم السلطة الجزائرية اليوم ليست متعلقة بالإصلاح ولا بالتغيير، إنما كل الجهود منصبة للبحث عن طريقة سلسة لخلافة الرئيس بوتفليقة دون أن يؤثر ذلك على استقرار المنظومة العامة للحكم. بدليل أن فكرة التغيير غائبة عن النظام القائم، فالرئيس بوتفليقة ظل يقاومها، ويعد الآن بإجراء تعديلات على سياسات فرضها في السابق.

وكانت معظم التقارير تشير في الماضي إلى خلاف قيل أنه يدور بين الرئيس بوتفليقة والجنرالات الذين يحكمون البلاد، وهو ما يعطي صورة مختزلة عن نظام الحكم الجزائري، توحي بأن الرئيس بوتفليقة كان دائما يحاول أن يستولي على السلطة، وأن ضباط الجيش منعوه من ذلك ومن تطبيق مخططاته. لكن هناك رؤية مختلفة تماما تستند إلى أن الرئيس بوتفليقة لم يدخل أبدا في خلاف جدي مع الجيش أو أجهزة الأمن، بل كان دائما يرتكز عليها ويحميها ليضمن بقاءه في الحكم.

فعكس ما كان يشاع، كان التضامن يشكل الورقة الأولى في العلاقة بين الرئيس بوتفليقة والجيش، فلولاه لما بقي في الحكم، علاوة على أن مصيرهما مشترك. وللتذكير، كان الرئيس بوتفليقة ضمن المجموعة الأولى التي قامت ببناء هذا النظام خلال الثورة التحريرية، وهو بذلك يعرف جيدا تشكيلته وطريقة تسييره وكيف يجب التعامل معه، كما يعرف أن الدخول في مواجهة مع قيادة الجيش لا تنفع أبدا رئيس الجمهورية.




الحالة الصحية المتدهورة للرئيس بوتفليقة، كما نقلت برقيات ويكيليكس، فرضت واقعا جديدا، حيث أصبح من الضروري البحث عن طريقة سلسة لتنظيم خلافة الرئيس الحالي دون أي يؤدي ذلك إلى تصفية حسابات وتغييرات كبرى داخل منظومة الحكم
لكن الحالة الصحية المتدهورة للرئيس بوتفليقة، كما نقلت برقيات ويكيليكس، فرضت واقعا جديدا، حيث أصبح من الضروري البحث عن طريقة سلسة لتنظيم خلافة الرئيس الحالي دون أي يؤدي ذلك إلى تصفية حسابات وتغييرات كبرى داخل منظومة الحكم. وقد طرحت هذه القضية نفسها قبل ثلاث سنوات، لما أراد الرئيس بوتفليقة أن يترشح لعهدة ثالثة رغم حالته الصحية، فاقترحت دوائر في السلطة، حسب بعض المصادر، على الرئيس بوتفليقة تغيير الدستور ليفتح لنفسه مجال العهدة الثالثة، وطلبت منه بالمقابل إنشاء منصب نائب للرئيس، حتى يتم تحضير خليفة له في حالة وقوع أي طارئ. لكن الرئيس بوتفليقة رفض هذا العرض، خوفا من أن يدفعه نائبه المحتمل إلى التقاعد مثلما فعل زين العابدين بن علي مع الحبيب بورقيبة في تونس.

وفي الأشهر الأخيرة، أصبح الأمر عاجلا بعد تدهور الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، ولم تعد سرا، فالرئيس نفسه لا يظهر عبر التلفزيون إلا نادرا، ويتكلم بصعوبة كبيرة، فعاد التفكير من جديد في البحث عن طريقة لتجاوز هذه الأزمة، ووقع إجماع جديد، كما يبدو، بين الدوائر المكونة للسلطة، فتم الإعلان الرسمي عن المبادرة من طرف الرئيس بوتفليقة نفسه، مما يؤكد موافقته على هذه المبادرة التي لا تهدف إلى حل مشاكل البلاد بالأساس، بل تهدف إلى حل مشكل ظرفي تواجهه السلطة، وهو مشكل الخلافة. ولم يتم الإعلان عن المبادرة الجديدة إلا بعد وقوع إجماع عليها، مما يؤكد أن كل الأطراف الفاعلة في صفوف السلطة ضمنت بقاءها والمحافظة على مصالحها.




الإصلاحات المقترحة لم تأت نتيجة خلافات سياسية أو نقاش حول مشروع ما، إنما جاءت لتعلن عن نهاية النقاش في دوائر السلطة حول الطريقة التي يجب إتباعها لإنقاذ نظام الحكم وبقائه لمرحلة ما بعد بوتفليقة.
إضافة إلى ذلك، يمكن الاستنتاج أن الرئيس بوتفليقة لم يعد عنصرا أساسيا في اللعبة، بل أن دوره تراجع كثيرا وهو يبحث اليوم فقط عن طريقة للخروج بشرف دون أن يدفع أهله أي ثمن بعد مغادرته السلطة.

ومن هذا المنظور، فإن "الإصلاحات" المقترحة لم تأت نتيجة خلافات سياسية أو نقاش حول مشروع ما، إنما جاءت لتعلن عن نهاية النقاش في دوائر السلطة حول الطريقة التي يجب إتباعها لإنقاذ نظام الحكم وبقائه لمرحلة ما بعد بوتفليقة. والإصلاحات هذه لا تكشف عن خلافات داخل السلطة، بل تؤكد تماسك مختلف مكونات السلطة للمحافظة على الوضع القائم. وتعود بذلك الجزائر إلى نقطة البداية، وهي النقطة التي تعبر فيها مختلف الدوائر الفاعلة في السلطة عن تماسك مواقفها وتضامنها في الظروف العصيبة، سواء لمواجهة غليان الشارع أو مواجهة عدوى الثورات العربية.

لكن ومثلما سبق في هذا المنظور، فإن هذا المسعى سيقتصر على ترتيب بيت النظام فقط. أما المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية العالقة، فإنها ستبقى مطروحة بصفة كاملة، بل إنها ستزداد حدة لأنها تتطلب حلولا عاجلة في وقت تبقى السلطة مهتمة بمصيرها فقط.