ليبيا: خيارات الثوار والقذافي

يمكن للقذافي بما يملكه من قوة أن يمنع الإطاحة به، ولن يقلب الثوار موازين الوضع لصالحهم إلا بالتسليح والتدريب الكافيين.
16 April 2011




 


 


 


 


 


 


 


 


 


مركز الجزيرة للدراسات


بانقسام القوات المسلحة الليبية إزاء ثورة 17 فبراير/شباط، لم يعد من الممكن تحقيق انتصار سريع وناجز لثورة الشعب الليبي ضد النظام على غرار الثورتين التونسية والمصرية. فقوات الجيش الليبي الرسمي، الأقل تدريباً وتأهيلاً، انضمت في أغلبها للثورة الشعبية على نظام العقيد القذافي؛ ولكن الكتائب الأمنية، الأفضل تدريباً وتسليحاً، ظلت على ولائها للعقيد ونظامه.

وخلال أسابيع قليلة من اندلاع الثورة، بدا واضحاً أن النظام يحكم سيطرته على مدن طرابلس العاصمة وسرت وسبها، بينما خسر كل الشرق الليبي حتى مثلت النفط في البريقة – رأس لانوف – بن جواد، ويواجه انتفاضة شعبية مسلحة في مصراتة والزاوية والزنتان وكافة مناطق الجبل الغربي. وبالرغم من استعادة السيطرة على الزاوية، إلا أن المدن الغربية الأخرى لا تزال تقاوم محاولات النظام فرض سيطرته المسلحة.

وقد دخلت الثورة الليبية طوراً أكثر تعقيداً بفعل التدخل الغربي العسكري (بمشاركة عربية محدودة) في 20 مارس/ آذار، بعد أن شرعه قرار مجلس الأمن الدولي 1973. وبالرغم من أنه لم يزل مقتصراً على ضربات جوية لمعدات ومراكز ومواقع القوات الموالية للعقيد القذافي، وأن الدول المشاركة في التحالف الدولي تؤكد على أن الهدف من تدخلها هو حماية المدنيين، فليس ثمة شك أن الهدف غير المعلن للتدخل لدى الدول المبادرة إليه هو إسقاط النظام.

وبمرور شهرين على اندلاع الثورة الليبية، وزهاء الشهر على بدء التدخل الغربي الجوي، لم يتحقق هدف إسقاط النظام الليبي، ولم تزل القوات الموالية له تقاتل في ذات الخطوط تقريباً، التي كانت تقف عليها عندما بدأ قصف دول التحالف الجوي. فأية خيارات تبدو الآن أمام أطراف النزاع المختلفة؟


الوضع العسكري: المراوحة





بالرغم من أن القصف الجوي الغربي وفّر حتى الآن حماية لمدينة بنغازي من قوات النظام وسلاحه الجوي، وأنه أضعف قدرات النظام العسكرية في كافة المواقع، إلا أن القصف الجوي لم يستطع تحقيق انقلاب جوهري في معادلة القوة في جبهة البريقة – إجدابيا، نظراً لضعف مقدرات الثوار، ولا استطاع فك الحصار وإيقاف الهجمات على المدن الغربية

قوات النظام تواجه الثوار الليبيين المسلحين في جبهتين رئيستين: الأولى، على طول خط الطريق السريع بين مدينتي إجدابيا والبريقة في وسط ليبيا، حيث تبادل الطرفان المواقع طوال الأسابيع القليلة الماضية. تحاول قوات العقيد التقدم من البريقة نحو بنغازي، المقر الرئيس للثوار وللمجلس الوطني الذي يمثل الثورة الليبية، بينما يحاول الثوار كسر دفاعات قوات النظام في البريقة والتقدم غرباً نحو رأس لانوف وبن جواد، ومن ثمّ سرت ومصراتة. وتشير المراوحة المستمرة في هذه الجبهة منذ أسابيع إلى أن قوات الثورة غير مؤهلة عسكرياً لتحقيق أهداف التقدم، وأن قوات النظام من القدرة بحيث يمكنها الوصول فعلاً إلى بنغازي، كما حدث يوم 19 مارس/ آذار، إذا توقف القصف الجوي الغربي.

أما الجبهة الثانية، فتتعلق بمحاولات قوات النظام السيطرة على المدن التي خرجت عن سيطرته في الغرب، مثل مصراتة والزنتان وباقي مدن الجبل الغربي، والتي يدافع عنها أهاليها في مجموعات مسلحة من الثوار. وفي حين يسعى النظام إلى توكيد سيطرته على كافة المدن الغربية وتأمينها، فإن أقصى ما يطمح إليه الثوار في هذه المدن هو دحر قوات النظام ووضع حد للدمار والمخاطر المميتة التي تتسببها المواجهات في المدن على حياة الأهالي المدنيين. والواضح أن قوات النظام، بالرغم من نجاحها في مدينة الزاوية، أخفقت حتى الآن في إخضاع مدن مصراتة والزنتان وغيرها من المدن الغربية، بينما تبدو إمكانات الثوار في هذه المدن غير كافية، في حال انتصارها، لمطاردة قوات النظام خارج المدن.

وبالرغم من أن القصف الجوي الغربي وفّر حتى الآن حماية لمدينة بنغازي من قوات النظام وسلاحه الجوي، وأنه أضعف قدرات النظام العسكرية في كافة المواقع، إلا أن القصف الجوي لم يستطع تحقيق انقلاب جوهري في معادلة القوة في جبهة البريقة – إجدابيا، نظراً لضعف مقدرات الثوار، ولا استطاع فك الحصار وإيقاف الهجمات على المدن الغربية التي خرجت عن سيطرة النظام وتشهد مواجهات عنيفة بين هذه القوات والثوار المسلحين. على أن ثمة شكوكا بأن الدول الغربية المشاركة في التحالف تسعى إلى إطالة أمد المعركة، لتدفع المجلس الوطني إلى طلب التدخل العسكري الغربي على الأرض. أما دول التحالف فتقول أن تداخل القوات المشتبكة في كثير من المواقع، وتحصن قوات النظام بالمدن في مناطق أخرى، يحدا من فعالية القصف الجوي.

الحقيقة، أنه ما دامت هناك إرادة قتال لدى النظام، وما دامت هناك قوات عسكرية موالية له، لديها الاستعداد والإمكانيات، فإن القصف الجوي لن يستطيع حسم المعركة الدائرة في ليبيا، وأقصى ما يمكن أن يحققه هو إضعاف مقدرات النظام، وربما إبقاء على خطوط القتال الحالية على ما هي عليه. ليس ثمة حرب يمكن كسبها بسلاح الجو فقط.


رحيل القذافي وتسليح الثوار


تنحصر خيارات النظام الليبي في تحقيق وقف لإطلاق النار بلا شروط مع الثوار ووقف هجمات دول التحالف الجوية. فالنظام يدرك أن ليس باستطاعته في الظروف الراهنة إعادة بسط سيطرته على كافة أنحاء ليبيا؛ ولذا فإن وقفاً لإطلاق النار وبدء مفاوضات سياسية داخلية طويلة، ستوفر له زمناً كافياً لإعادة بناء عسكري وسياسي، وانتظار فرصة سانحة في المستقبل، في ظل ظروف دولية أفضل، لإطاحة المجلس الوطني وفرض سيطرته على كل البلاد.





يواجه المجلس الوطني وقوات الثوار، من جهة أخرى، خيارات أكثر تعقيداً. فمن ناحية، لم يعد ممكناً في ضوء المقدرات المتاحة لهم تحقيق حسم عسكري سريع في جبهة الوسط الليبي ولا فك الحصار عن مدن الغرب والجبل الغربي وإيقاف هجمات قوات النظام عليها. فلتحقيق حسم عسكري سريع لابد من انهيار معنوي لقوات النظام، أو طلب تدخل عسكري خارجي على الأرض

ويواجه المجلس الوطني وقوات الثوار، من جهة أخرى، خيارات أكثر تعقيداً. فمن ناحية، لم يعد ممكناً في ضوء المقدرات المتاحة لهم تحقيق حسم عسكري سريع في جبهة الوسط الليبي ولا فك الحصار عن مدن الغرب والجبل الغربي وإيقاف هجمات قوات النظام عليها. فلتحقيق حسم عسكري سريع لابد من انهيار معنوي لقوات النظام، أو طلب تدخل عسكري خارجي على الأرض، أو توفر الشرطين معاً.

ولكن تدخلاً عسكرياً غربياً على الأرض، إن كان لدى الدول الأوروبية الاستعداد للتدخل، يحمل معه مخاطر كبيرة على مستقبل البلاد، وطبيعة كيانها السياسي الجديد، واستقلالها. التدخل العسكري الخارجي الوحيد الآمن هو التدخل العربي أو الإسلامي، أي تدخل عسكري من مصر أو تركيا، الدولتين الوحيدتين القادرتين الآن على تعهد مثل هذا المشروع. ولكن أيا من مصر أو تركيا لا تبدو عازمة على اتخاذ مثل هذا القرار.

ولا يبدو أن الحل السياسي الذي تطرحه تركياً، والذي يتضمن وقفاً لإطلاق النار وفك الحصار عن المدن الليبية وخروجاً سياسياً للقذافي وأولاده وإعطاء الشعب الليبي الحرية في اختيار نظام حكمه، ممكن التحقق في المرحلة الحالية دون تحقيق تقدم عسكري على الأرض للثوار والقوات الموالية للمجلس الوطني. فما يشير إليه سلوك العقيد وأبناؤه أن القذافي ما يزال يعتقد باتساع ولاء الليبيين له، وأن قواته قادرة على حسم الموقف العسكري إن توقف التدخل العسكري الجوي الغربي.


الحل الآمن والممكن


المسألة الأولى التي ينبغي أخذها في الاعتبار أن ثمة أدلة متزايدة على أن الشعب الليبي في كافة أنحاء البلاد لن يقبل العودة إلى حكم العقيد وأبنائه. ولذا، فإن أي تصور لمستقبل ليبيا لابد أن يبدأ من تخلي العقيد ونظامه عن الحكم. ولكن الوصول إلى هذه المرحلة يتطلب إيقاع هزيمة عسكرية ملموسة بقوات النظام. ولأن التدخل العسكري الغربي محفوف بالمخاطر، وأن التدخل العسكري العربي أو الإسلامي لا يبدو متاحاً في المدى القصير، فالحل هو تحويل الثوار والقوات الموالية للمجلس العسكري إلى قوة عسكرية قادرة، بتنظيم وتدريب وتسليح أفضل، مهما أخذ هذا المشروع من وقت.